المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(من أحكام المعاملات) - تيسير البيان لأحكام القرآن - جـ ٣

[ابن نور الدين]

فهرس الكتاب

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌سُورَةُ المَائِدَةِ

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌(من أحكام الأطعمة)

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌(من أحكام الصيد والذبائح)

- ‌(من أحكام الطهارة)

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(الحرابة)

- ‌(السرقة)

- ‌(من أحكام أهل الكتاب)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الأشربة)

- ‌(من أحكام الهدي)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌سُورَةُ الأَنْعَامِ

- ‌(من أحكام الذبائح)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الذبائح)

- ‌(من أحكام اليتامى)

- ‌سُورَةُ الأَعْرَافِ

- ‌(من أحكام اللباس والزينة)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌سُورَةُ الأَنفَالِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الهجرة)

- ‌سُورَةُ التَّوْبَةِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الصدقة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سُوْرَةُ يُوسُفَ

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌سُوْرَةُ النَّحْلِ

- ‌(من أحكام الطهارة)

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌سُوْرَةُ الإسْراءِ

- ‌(من أحكام البر والصلة)

- ‌(من أحكام القصاص)

- ‌(من أحكام البيوع)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌سُوْرَةُ الأَنْبيَاءِ

- ‌(من أحكام المعاملات)

الفصل: ‌(من أحكام المعاملات)

(من أحكام المعاملات)

185 -

(4) قولِهِ جل جلاله: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106].

* أقولُ: أجمعَ الفقهاءُ واتفقوا على أنَّ الإكراهَ مسقِطٌ لأثرِ القولِ (1)، وإن كان عَظيمًا كما ذكره الله سبحانَه.

قال النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتي الخَطَأُ والنِّسيانُ وما اسْتكرِهوا عليهِ"(2).

وسبب الآية ما رويناه في قصةِ عَمّارِ بن ياسرٍ أَنَّ المشركينَ أَخذوهُ، فلم يتركوه حَتَّى سَبَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، وذكرَ آلِهَتَهُمِ بِخيرٍ، ثم تركوهُ، فقالَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم:"يا عَمّارُ! ما وراءَكَ؟ " قال: شَرٌ، يا رسولَ الله ما تُرِكْتُ حتى نِلْتُ منكَ، وذكرْتُ آلهتَهُم بخيرٍ، فقال:"كيفَ تجدُ قلبَكَ؟ " قلت: مُطْمَئِنًا بالإيمان، قالَ:"إن عادُوا فَعُدْ"؛ فأنزلَ اللهُ عز وجل {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} ذلك عمارُ بنُ ياسرٍ، {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} ذلكَ عبدُ اللهِ بنُ أبي سَرْحٍ (3).

(1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 182).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك"(3362)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" =

ص: 400

واختلف الشافعيةُ هلِ الأفضلُ الصبرُ على الإسلام، أو إعطاؤهم ما طلبوا، والتخلُّصُ من أيديهم؟

فقال بعضُهم: الأفضلُ الصبرُ؛ لما روى خَبَّابُ بن الأَرَتِّ -رضيَ الله تعالى عنه-: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنْ كانَ الرجلُ مِمَّنْ كانَ قبلَكُم لَيُحْفَرُ لَهُ في الأرضِ، فَيُجْعَلُ فيها، فَيُؤْتَى بمِنْشار، فيوضَعُ على رأسِهِ، فَيُشَقُّ باثْنَينِ، فلا يَمْنَعُهُ ذلكَ عَنْ دينِه، ويُمَشَّطُ بِأَمْشاطِ الحديدِ ما دُونَ عَظْمِهِ منْ لَحْمٍ وعَصَبٍ، فما يَصُدُّه ذلكَ عَنْ دينِه"(1).

وقال بعضُهم: إن كانَ ممَّنْ يَرْجو النِّكايةَ في العَدُوِّ أو القيامَ بأحكامِ الشرعِ، فالأفضلُ له أن يدفعَ القتلَ عن نفسِه؛ لما في بقائِه من صلاحِ المسلمينَ، وإلَّا فالصبرُ في حَقِّه أَفْضَل (2).

* وقد أجمعوا على أنَّ الإسلامَ يصحُّ معَ الإكراهِ، كإسلامِ أهل مَكَّةَ وغيرهم منَ المُنافقين.

* واختلفوا في سُقوط أَثَر الطَّلاقِ: فذهبَ جُمهورُ أهلِ العِلْمِ منَ الصَّحابةِ والتابعينَ إلى سُقوطِهِ، فلا يَقَعُ طلاقُ المُكْرَهِ.

وذهب الزُّهْرِيُّ والكوفِيُّونَ إلى وُقوعِ طلاقِه؛ كالهازِل؛ فالرِّضا ليسَ بشرطٍ في الطلاق (3).

= (1/ 140)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 208)، عن محمد بن عمار بن ياسر.

(1)

رواه البخاري (3416)، كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.

(2)

انظر: "المهذب"(2/ 221 - 222)، و"معالم التَّنزيل" للبغوي (3/ 86).

(3)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 14)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 194)، و"الاستذكار" لابن عبد البرّ (6/ 201)، و"الجامع لأحكام القرآن" =

ص: 401

* وأما أثَرُ الفِعْلِ:

فأجْمَعوا على أنه يسقط أثرُه في المَأْثَم في جميعِ ما أُكْرِهَ عليه، إلا في القتلِ؛ فإنهم اتفقوا على أنه لا يرفع المَأْثَمَ.

واختلفوا هل يسقُطُ ما يتعلقُ بالفِعل من الأحكامِ؛ كالقِصاص على المُكْرِه؟ وتفصيلُ ذلكَ وغيرِه في كتبِ الفقه (1).

* وكذلك اختلفوا في حَدِّ الإكراه.

ولا خَفاءَ بأنه يختلفُ بحسبِ الأَمْرِ المُكْرَهِ عليه، وهذا مهما بقيَ له من (2) تَمامِ عَقْلٍ واختيارِ فعلٍ، فأما أَداءُ الحَىِّ إلى حَدٍّ لا يبقى له فيهِ اختيارٌ؛ كما إذا أُلقِيَ من شاهِقِ جَبَلٍ، فَقَتلَ إنسانًا بثقلهِ، فغيرُ مُكَلَّف، ولا داخِلٌ في الخِطاب اتفاقًا.

فإن قلتَ: فالآيةُ تدلُّ على أن المُكْرَهَ غيرُ مكلَّفٍ، ولا داخِلٌ في الخِطابِ، وهذهِ مقالَةُ المعتزلةِ، وربما نُسبت إلى الحَنفيةِ، والذي عليهِ الأشعريةُ، وقالَهُ جماعَةُ الشافعيةِ أَنَّهُ مكلَّفٌ داخلٌ في الخِطاب، فما الجوابُ؟.

= للقرطبي (10/ 184)، و "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (5/ 492)، و "مغني المحتاج" للشربيني (3/ 289)، و "المغني" لابن قدامة (7/ 291)، و"كشاف القناع" للبهوتي (5/ 273).

(1)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (5/ 477)، و"المغني" لابن قدامة (8/ 213)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 296 - 297)، و "مواهب الجليل" للحطاب (6/ 243 - 242)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (14/ 189)، و"روضة الطالبين" للنَّووي (9/ 135)، و "الهداية" للمرغيناني (3/ 278)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 181).

(2)

"من" ليس في "ب".

ص: 402

قلتُ: الفقهاءُ يتكلمونَ في الوقوع، ولم يقعْ في الشرعِ تكليفُ المُكْرَهِ، والمتكلمونَ يتكلمونَ في الجَوازِ والامتناعِ العَقْلِىِّ.

فعندَ الأشعريَّةِ تكليفُه جائزٌ غيرُ مُمْتَنِعٍ عَقْلًا، وإنْ لمْ يقعْ شرعًا.

وعند المعتزلةِ تكليفُهُ غيرُ جائزٍ عَقْلًا ولا شَرْعًا.

فإن قُلْتَ: هذا الخطابُ (1) يبطلُ باستدلالِهم على تكليفِه بانِعقادِ الإجماعِ على تَأْثيمِه عندَ الإكراه على القتل، وهذا يدلُّ على أنهم يريدونَ أَنَّ تكليفَه واقعٌ شرعًا، وأنهم يتكلمون في الوُقوع الشرعيِّ، لا في الجوازِ العقلىِّ.

قلنا: قد أجابَ بعضُ المحققين من مُتَأَخِّري الأشعرية لمّا اختارَ مذهبَ المعتزلةِ هُنا، فقال: إنما أثم لأنه آثرَ نفسَه على غيرهِ، لا من حيثُ إنه مكرَهٌ، فهو إنما أُكْرِهَ على القَتْل، ولم يُكْرَهْ على إيثارِ نفسِه على غيرِها، فجهةُ الإيثارِ لا إكراهَ فيها، فيأثم من جِهَتِها، وجهةُ الإكراهِ لا إثمَ فيها، فهو إنَّما خُيِّرَ بين إزهاقِ روح غيرِه، وإلقاءِ نفسهِ في التَّهْلُكَةِ، فأصلُ القتلِ لا عقابَ فيه، والقَتْلُ المخصوصُ بغيره فيه العقابُ؛ لتضمُّنهِ وجودَ الاختيارِ وإيثارَ نفسِه على غيرِه.

قال: وهذا تحقيقٌ حسنٌ، وهو كما قالَ؛ فإنه لو كان تأثيمُه لأجلِ القتلِ فقطْ، لما اختلفَ الفُقهاءُ في وُجوبِ القِصاص عليه، ولما طَلُقَتْ إحدى الزوجتين إذا عَيَّنَها بالطَّلاقِ عندَ الإكراهِ على طَلاقِ إحْدى الزوجتين.

وقد أدركَ الفقهاءُ هذا المَدْرَكَ في مواضِعَ كثيرةٍ؛ كمثلِ ما حكموا بِعَدِمِ

(1) في "ب": "الجواب".

ص: 403

فطْرِ الصائِم إذا أُوجِرَ (1)، واختلفوا فيما إذا أكلَ بنفِسه (2).

ولكنِّي أنكرُ على هذا المُجيب اختيارَهُ بمقالةِ (3) المعتزلة؛ فإنهم إنما بَنَوا عدمَ تكليفِه على قاعدةِ الحُسْنِ والقُبْحِ، والأشعريةُ إنما جَوَّزوا تكليَفه لصلاحِ الخطاب له، مع وجودِ عقلِه، وثبوتِ اختيارِه، فلينتبهْ لهذا؛ فإنه تحقيقٌ حسنٌ.

والحَقُّ أنه داخلٌ في الخِطابِ، مُكَلَّفٌ بالشَّرائعِ، لكنَّهُ رَخَّصَ لهُ الشرعُ في فِعْلِ الأمرِ المُكْرَهِ عليه، ورَفَعَ عنهُ الإثمَ؛ كما رفعَ عنهُ الإثمَ في أكلِ المَيْتة، قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"رُفِعَ عن أُمَّتي الخَطَأُ والنِّسْيانُ وما اسْتُكرِهوا عليه"(4).

فإنْ قلتَ: فهلْ يوصَفُ فعلُ المكرَهِ بالحَلالِ، أو بالحرامِ، وإنما رُخِّصَ لهُ الفعلُ، ورُفِعَ عنهُ المَأْثَمُ؟

قلنا: قد مضى في "سورةِ البقرةِ" في أكلِ الميتَةِ خلافٌ يشبهُ أنْ يكونَ هذا مثلَه، والله أعلم.

* * *

(1) أوجر: توجَّر الرجلُ: اذا شرب الماء كارهًا. "اللسان"(مادة: وجر)(5/ 279).

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة (8/ 23)، و"كشاف القناع" للبهوتي (2/ 320)، و "المجموع" للنووي (6/ 335)، و"مغني المحتاج" للشربيني (1/ 430)، و "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 91).

(3)

في "ب": "المقالة".

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 404