المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌سُورَةُ المَائِدَةِ

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌(من أحكام الأطعمة)

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌(من أحكام الصيد والذبائح)

- ‌(من أحكام الطهارة)

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(الحرابة)

- ‌(السرقة)

- ‌(من أحكام أهل الكتاب)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الأشربة)

- ‌(من أحكام الهدي)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌سُورَةُ الأَنْعَامِ

- ‌(من أحكام الذبائح)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الذبائح)

- ‌(من أحكام اليتامى)

- ‌سُورَةُ الأَعْرَافِ

- ‌(من أحكام اللباس والزينة)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌سُورَةُ الأَنفَالِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الهجرة)

- ‌سُورَةُ التَّوْبَةِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الصدقة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سُوْرَةُ يُوسُفَ

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌سُوْرَةُ النَّحْلِ

- ‌(من أحكام الطهارة)

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌سُوْرَةُ الإسْراءِ

- ‌(من أحكام البر والصلة)

- ‌(من أحكام القصاص)

- ‌(من أحكام البيوع)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌سُوْرَةُ الأَنْبيَاءِ

- ‌(من أحكام المعاملات)

الفصل: ‌(من أحكام الصلاة)

(من أحكام الصلاة)

190 -

(5) قوله عز وجل: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} [الإسراء: 78] الآية.

* أمرَ اللهُ سبحانَه نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم، وكذا أُمَّته بإقامةِ الصَّلاةِ عندَ دُلوكِ الشمس إلى غَسَقِ الليل.

ودُلوكُ الشَّمْسِ يقعُ على زَوالِها، وبِه فَسَّرَهُ ابنُ عَبّاسٍ، وعمرُ، وابنُ عمرَ -رضي الله تعالى عنهم- وهو قولُ الحَسَنِ، والشعبِّي، وعطاءٍ، ومجاهدٍ، وقتادةَ (1).

وغَسَقُ اللَّيل: ظُلْمَةُ اللَّيلِ، قالَ الفَرَّاءُ: غَسَقَ اللَّيْلُ وأغسق (2): إذا أَقبلَ ظلامهُ (3).

ثم استنبطَ قومٌ من هذا جوازَ تأخيرِ الظُّهْرِ إلى الغُروبِ في حالةِ الاخْتِيار؛ لتمادي الغايةِ.

(1) انظر: "تفسير الطبري"(15/ 135 - 138)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 303 - 304)، و "الدر المنثور" للسيوطي (5/ 321 - 322).

(2)

"وأغسق" ليس في "ب".

(3)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 138)، و"النهاية في غريب الحديث"(3/ 366)، و"لسان العرب"(10/ 288) مادة (غسق).

ص: 414

واستدَلُّوا بما خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عنِ ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما- قال: جمعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بينَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، والمَغْرِبِ والعِشاءِ بالمدينةِ من غير خَوْفٍ ولا مَطَرٍ.

في حديثِ وكيعٍ، قال: قلتُ لابنِ عَبّاسٍ: لمَ فعلَ ذلكَ؛ قالَ: كيلا تُحْرَجَ أُمَّتُهُ (1).

ولم (2) يُجَوِّزْهُ الشافِعيُّ ومالكٌ إلا في حالةِ الاضطرارِ (3)، وبهِ أقولُ، بدليلِ تحديده صلى الله عليه وسلم لأوقاتِ الصَّلاةِ، والحديثُ محمولٌ على أن الجمعَ جمعُ تأخيرٍ، وأَنَّهُ أَخَّرَ الأُولى إلى آخِرِ وَقْتِها؛ بحيثُ يفرغُ منها، ثم يدخلُ وقتُ الثانيةِ؛ بدليلِ مُداومتهِ صلى الله عليه وسلم على فعلِ الصَّلَواتِ في أوقِاتها.

وعن ابن مسعودٍ: غَسَقُ الليلِ: إِظْلامُهُ (4)، وذلك يتحقَّقُ عندَ غُروبِ الشفقِ.

وقرآنُ الفَجْرِ: هو صلاةُ الصُّبْحِ، فسره بذلك ابنُ عباسٍ وأبو هُريرةَ وسائرُ المفسرين -رضي الله تعالى عنهم (5).

فيكونُ على هذا التفسيرِ في الآيةِ إشارةٌ إلى مواقيتِ الصَّلاةِ؛ لأنه دخلَ

(1) رواه مسلم (705)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر.

(2)

في "ب": "فلم".

(3)

انظر: "روضة الطالبين" للنَّووي (1/ 401)، و"مغني المحتاج" للشربيني (1/ 274)، و"الاستذكار" لابن عبد البرّ (2/ 211)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 125).

(4)

رواه الطبري في "تفسيره"(15/ 135).

(5)

انظر: "تفسير الطبري"(15/ 139)، و"التفسير الكبير" للرازي (21/ 23)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 306 - 307)، و"الدر المنثور" للسيوطي (5/ 322).

ص: 415

في الغايةِ، والمُغَيّا: صلاةُ الظهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ؛ كما أشار إليها في قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17، 18]، قدْ بَيَّنَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كذلك، كما بينَهُ اللهُ تعالى بصلاةِ جِبريلَ- عليه الصلاة والسلام.

روى ابنُ عَبّاسٍ رضيَ اللهُ تَعالى عنهما-: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَمَّني جِبريلُ عليه السلام عندَ بابِ البَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حينَ كانَ الفيءُ مثلَ الشِّراكِ (1)، ثم صَلَّى العَصْرَ حينَ كان ظِلُّ كُلِّ شيء بقدرِ ظِلِّه، وصَلَّى المَغْرِبَ حينَ أَفْطَرَ الصائِمُ، ثم صَلَّى العِشاءَ حينَ غابَ الشَّفَقُ، ثم صَلَّى الصُّبْحَ حينَ حَرُمَ الطعامُ والشرابُ على الصّائِمِ، ثم صَلَّى المَرَّةَ الأَخيرَةَ الظُّهْرَ حينَ كانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ قَدْرَ ظِلِّهِ قدر العَصْرِ بالأَمْسِ، ثم صَلَّى العَصْرَ حينَ كانَ ظِل كُلِّ شَيْءٍ مثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ القدرَ الأولَ، ولم يُؤَخِّرْها، ثم صَلَّى العِشاءَ الآخِرَةَ حينَ ذهبَ ثُلُثُ الليلِ، ثم صَلَّى الصُّبْحَ حينَ أَسْفَرَ، ثمَّ التفَتَ فقالَ: يا مُحَمَّدُ! هذا وَقْتُ الأنبياءِ من قبلِكَ، والوَقْتُ بيَن هذين الوَقْتَين"(2).

(1) الشِّراك: -بكسر الشين-، وهو أحد سيور النعل التي تكون على وجهها، وتقديره هنا ليس للتحديد والاشتراط، ولكن الزوال لا يتبين بأقل منه.

"تهذيب الأسماء واللغات"(3/ 153).

(2)

رواه أبو داود (393)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في المواقيت، والترمذي (149)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والإمام الشافعي في "مسنده"(26)، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 333)، وعبد الرزاق في "المصنف"(2028)، وابن خزيمة في "صحيحه"(325)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10752)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"(2750)، وابن الجارود في "المنتقى"(149)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 364).

ص: 416

ويقعُ دلوكُها على غُروبِها، قالَ المُبَرِّدُ: دُلوكُ الشَّمْسِ: مِنْ لَدُنْ زَوالِها إلى غُروبها.

وبالغُروبِ فَسَّرَهُ ابنُ مَسعودٍ وابنُ عَبّاسٍ في روايةِ سعيدِ بنِ جُبيرٍ (1)، ويُروى عن عَلِيٍّ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه- وبهِ قالَ السُّدِّيُّ (2)، فتكونُ الآيةُ على هذا التفسيرِ تدلُّ على وَقْتِ الغُروبِ (3)، وعلى امتدادهِ إلى غسقِ الليلِ، وهو غُروبُ الشَّفَقِ، وعلى صَلاةِ الفَجْرِ، وبامتدادِ وقتِ المغربِ إلى غُروبِ الشفقِ.

أقول: لقوله صلى الله عليه وسلم: "وَقْتُ صَلاةِ المَغْرِب ما لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ"، ولبيانِه صلى الله عليه وسلم للسائِل في حديثِ أبي موسى الآتي قريبًا.

وبيانُ جبريلَ عليه السلام محمولٌ على الوقتِ المُختار؛ بدليل امتدادِ وقتِ العَصْرِ إلى الغُروبِ، ووَقْتِ العِشاء إلى طلوع الفَجْرِ، وهو لم يمدهما، فبيانُه ظاهرٌ، والظاهِرُ لا يعارِضُ النَّصَّ، وتكونُ الجملةُ الأولى من قوله تعالى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)} [الروم: 17] تدلُّ على مثلِ ما دَلَّتْ عليهِ هذهِ الآيةُ من بيانِ ميقاتِ صلاةِ المغرب وصَلاةِ الفَجْرِ، ثم يَدلُّ على صَلَاتَي العِشاءِ بقوله:{وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] تدلُّ على ميقاتِ الصَّلاةِ الخامِسَةِ، وهيَ صلاةُ العِشاءِ قوله تعالى:{وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]، وبهذا فَسَّرَ ابنُ عباسٍ الآيةَ الثانيةَ،

(1) انظر: "تفسير الطبري"(15/ 134)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 303).

(2)

انظر: "التفسير الكبير" للرازي (21/ 23)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 305 - 306).

(3)

في "ب": "المغرب".

ص: 417

فقال: حين تُمْسونَ: صلاةُ المَغْربِ (1)، وجَعَلَ ذِكْرَ العِشاءِ الآخِرَةِ في قوله عز وجل:{وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58].

وبنحو ما جاء في القرآن من البيانِ جاءَ البيانُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

روى مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي موسى -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: أنَّ سائلًا أتى النبَّي صلى الله عليه وسلم يسألُهُ عن مَواقيتِ الصلاةِ، فلمْ يَرُدَّ عليهِ شَيْئًا، قال: فأمرَ بلالًا، فأقامَ الفَجْرَ حينَ انْشَقَّ الفَجْرُ، والناسُ لا يَكادُ يعرفُ بعضُهم بَعْضًا، ثم أمرَهُ فأقامَ الظُّهْرَ حين زالَتِ الشَّمْسُ، والقائِلُ يقول: قَد انتصفَ النَّهارُ، وهو كانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، ثم أَمَرَهُ فأقامَ بالعَصْرِ والشَّمْسُ مرتفعةٌ، ثم أمرهُ فأقامَ المغربَ حينَ وقعتِ الشَّمْسُ، ثم أمرهُ فأقامَ العِشاءِ حينَ غابَ الشَّفَقُ، ثُم أَخرَ الفَجْرَ منَ الغَدِ حَتَّى فرغَ منها، والقائلُ يقولُ: قَدْ طلعَتِ الشمسُ، أو كادَتْ، ثم أَخرَ الظُّهْرَ حتى كانَ قريبًا من وَقْتِ العَصْرِ بالأَمْسِ، ثم أَخَّرَ العَصْرَ حتى انصَرفَ مِنْها والقائلُ يقول: قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ المغربَ حتى كانَ عندَ سقُوطِ الشفقِ، ثم أَخَّرَ العِشاءَ حتى كانَ ثلثُ الليلِ الأولُ، ثُمَّ أصَبْحَ فَدَعا السائِلَ وقالَ:"الوَقْتُ بَيْنَ هذَيْنِ"(2).

* قال الزَّجَّاجُ: وفي قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] فائدةٌ عظيمةٌ تدلُّ على أَنَّ الصَّلاةَ لا تكونُ إلا بِقِراءَةٍ حينَ سُمِّيَتْ قرْآنًا.

وعلى هذا اتفقَ الفُقهاء (3).

(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (6/ 488).

(2)

رواه مسلم (614)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس.

(3)

انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 283)، و"مغني المحتاج" للشربيني (1/ 156)، و"الهداية" للمرغيناني (1/ 54)، و "القوانين الفقهية" لابن جُزَيّ (ص 44).

ص: 418

وإنما اختلفوا هَلْ تَجِبُ في كُلَّ رَكْعَةٍ، أو في مُعْظَمِ الصَّلاةِ، أو في رَكْعَةٍ من الصلاةِ؟

وبالأولِ قالَ الشافعيُّ.

وبالثاني والثالثِ روايتانِ عن مالكٍ.

وكذا اختلفوا في تعيينِها.

فقال الشافعيُّ تتعيَّنُ الفاتِحَةُ؛ لما رَوى أبو هُريرةَ -رضي اللهُ تَعالى عنه -: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فيها بأُمِّ القُرآنِ (1)، فَهِيَ خِداجٌ، فهي خِداجٌ غَيْرُ تَمامِ"، فقيل لأبي هريرةَ: إنّا نكونُ وراءَ الإمامِ، قالَ: اقرأْ بها في نَفَسِكَ؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "قالَ اللهُ عز وجل قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْني وبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، ولِعَبْدي ما سأَلَ، فإذا قالَ العَبْدَ: الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين، قالَ اللهُ: حَمِدَني عَبْدي، وإذا قالَ: الرَّحْمنِ الرحيمِ، قالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيِّ عَبْدِي، وإذا قالَ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قالَ اللهُ: مَجَّدَني عَبْدي -وقالَ مَرَّةً: فوَّضَ إليَّ عَبْدِي-، وإذا قالَ: إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعينُ، قال: هذا بَيْني وبَيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدي ما سأَلَ، وإذا قال: اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقيمَ صِراطَ الذَّينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضوبِ عَلَيْهِمِ وَلا الضَّالِّينَ، قال: هذا لعَبْدِي، ولعَبْدي ما سأَلَ"(2).

وقال أبو حنيفةَ: لا يَتَعَّيُن، لِما رَوى أبو هُريرةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دخلَ المسجدَ، فدخلَ رجلٌ فَصَلَّى، ثم جاءَ فَسَلَّمَ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقالَ:"ارْجعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فرجعَ الرجلُ فصلَّى كَما صَلَّى، ثم جاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَلَّمَ عليهِ،

(1)"فهي خداج" ليس في "أ".

(2)

رواه مسلم (395)، كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.

ص: 419

فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وعَلَيْكَ السَّلام"، ثم قالَ:"ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، حتى فَعلَ ذلكَ ثلاثَ مَرَاتٍ فقالَ الرجلُ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ نِبَيًّا ما أُحْسِنُ غَيْرَ هذا، عَلِّمْني، قالَ:"إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ، فَكَبِّرْ، ثمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ راكِعًا، ثم ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قائِمًا، ثم اسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِن ساجِدًا، ثم ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِن جالِسًا، ثم افْعَل ذلِكَ في صَلاِتكِ كُلِّها"(1).

وقولُ الشافعيِّ أَسَدُّ وأَوْلى؛ لأنَّ الحديثَ الذي أخذ به مُقَيَّدٌ بالفاتِحَةِ.

وأُطْلِقَ اسمُ الصَّلاةِ على الفاتِحَةِ لِكَوْنِها المَقْصودَ الأَعْظَم؛ كما أُطلقَ الحَجُّ في قوله: "الحَج عَرَفَةُ"(2)، والحديثُ الذي أَخَذَ به أبو حنيفةَ مُطْلَقٌ، والمقيَّدُ يقدَّمُ على المُطْلَقِ، فيلزمُ حينئذٍ أَنَّ المتيسِّرَ معَ الرجلِ إمَّا الفاتِحَةُ؛ كَما هوَ الغالِبُ على العامَّةِ، أو الواجبُ عليهِ أن يأتيَ بما تَيَسَّرَ معهُ في هذِه الحالَةِ، وذلكَ جائزٌ عندَ العَجْزِ عن الفاتِحَةِ، وهذا التأويلُ متعيِّنٌ؛ لِما روى أبو هُريرةَ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تُجْزِىُء صَلاةٌ لا يُقْرَأُ فيها بِفاتِحَةِ الكتاب"(3).

ومعنى قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] ما روينا في "صحيح البخاري" و"مسلم" أيضًا عن أبي هُريرةَ -رضي اللهُ تَعالى عنه- قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "تَفْضُلُ صلاةُ الجماعَةِ صلاةَ أحَدِكُمْ بِخَمْسٍ وعِشرينَ جُزْءًا، وتَجْتَمعُ مَلائِكَةُ اللَّيْلِ ومَلائِكَةُ النَّهارِ في صَلاةِ

(1) رواه البخاري (724)، كتاب: صفة الصلاة، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، ومسلم (397)، كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

رواه ابن حبان في "صحيحه"(1794)، وابن خزيمة في "صحيحه"(490).

ص: 420

الفَجْرِ"، ثم يقولُ أبو هريرةَ: فاقرؤوا إنْ شِئْتُمْ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (1)[الإسراء: 78].

* * *

191 -

(6) قوله عز وجل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].

يحتملُ أنَّ معنى {نَافِلَةً لَكَ} أي: زيادةً على الفرضِ الذي أُمِرْتَ به، وأنه صارَ نافلةً بعدَ أنْ كانَ حَتْمًا، فعلى هذا تَدْخُلُ أُمَّتُه معهُ في الخِطاب، وإلى هذا ذهبتِ الشافعيةُ (2).

ويحتملُ أن يكونَ الخطابُ خاصًّا به، وأن معنى {نَافِلَةً لَّكَ} أي: فُرِضَ عليكَ خاصَّةً زِيادةً على أُمَّتِك، وبهذا فسرَها ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما-، وإليه ذهب المالكية (3).

وسيأتي -إن شاء الله تعالى- في آخرِ الكتابِ كلامٌ متعلق بهاتين الآيتين.

* * *

(1) رواه البخاري (621)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: فضل صلاة الفجر في جماعة، ومسلم (6490)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة.

(2)

انظر: "التفسير الكبير" للرازي (21/ 26)، و"معالم التَّنزيل" للبغوي (3/ 129)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 358).

(3)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البرّ (2/ 82)، و"حاشية الدسوقي"(2/ 211).

ص: 421