الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أحكام المعاملات)
181 -
(1) قوله جل جلاله: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)} [يوسف: 72].
أقولُ: اشتملتْ هذهِ الآيةُ على حكمين:
الأولُ: جوازُ عَقْدِ الجَعالَةِ عندَ مَنْ كانَ قَبْلَنا، وكذا جاءتْ به شريعتُنا.
روى أبو سَعيدٍ الخُدْرِيُّ -رضي الله تعالى عنه-: أَنَّ ناسًا من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَتَوْا حَيًّا من أحياءِ العَرَبِ، فلم يَقْروهُمْ، فبينما هم كذلك، إِذْ لُدِع سَيِّدُ أولئكَ، فقالوا: هل فيكُمْ راقٍ؟ فَقالوا: لم تَقْرونا، فلا نفعلُ، أو تَجْعَلوا لنا جُعْلًا، فَجَعلُوا لهم قطعَ شاءٍ فجعلَ يقرأُ رجلٌ بأمِّ القرآن، ويجمعُ بُزَاقَهُ ويَتْفُلُ، فَبَرَأَ الرحلُ، فأَتوهم بالشاء، فقالوا: لا نأخُذُها حتى نسأَلَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فسألوا عن ذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَضَحِكَ وقالَ:"ما أَدْراك أنها رُقْيَةٌ؟ خُذوها واضْرِبوا لي فيها بِسَهْمٍ"(1).
ويندرج في الآيةِ مسائلُ منَ الجَعالةِ:
(1) رواه البخاري (5404)، كتاب: الطب، باب: الرقى بفاتحة الكتاب، ومسلم (2201)، كتاب: السلام، باب: جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار.
الأولى: يشترطُ أن يكونَ الجُعْلُ معلومًا كما قَدَّرَهُ اللهُ سبحانَه بِحِمْلِ البعيرِ.
الثانية: يجوزُ أن يكونَ العاملُ مجهولًا، ويجوز أن يكون واحدًا واثنينِ، أو أكثر؛ كما يقتضيه الخِطابُ.
الثالثة: يجوز أن يكون العملُ مجهولًا، إذا كان المقصودُ به معلومًا.
الحكم الثاني: جوازُ الضَّمانِ، وقد جاءَتْ بذلكَ شريعَتُنا أيضًا.
روى أبو قَتادةَ -رضيَ الله تَعالى عنه- قال: أُقْبِلَ بجِنازَةٍ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"هَلْ على صاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ؟ "، فقالوا: عليه ديناران، فقال صلى الله عليه وسلم:"صَلُّوا على صاحِبِكُمْ"، فقال أبو قَتادَةَ: هما عَلَىَّ يا رسول الله! فصلى عليهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (1)، هذا في المَيِّتِ، وقِسْنا عليهِ الحَيَّ.
* وفي الآية دليلٌ على جَوازِ الضَّمانِ بمالِ الجِعالة قَبْلَ العملِ، وهو كذلكَ على أحدِ الوَجْهينِ عندَ الشافعية (2).
* * *
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "الوسيط في المذهب" للغزالي (3/ 238)، و"روضة الطالبين" للنَّووي (4/ 55)، و (4/ 250)، و "المغني" لابن قدامة (4/ 345 - 346).