الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[181] باب حرمة استقبال القبر بالصلاة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» .
[قال الإمام]: حديث صحيح.
[وعلق على قوله: «لا تصلوا إليها» قائلاً]:
أي مستقبلين إليها. لما فيه من التعظيم البالغ؛ لأنه من مرتبة المعبود، فجمع بين النهي عن الاستخفاف بالتعظيم، والتعظيم البليغ. كذا في «الفيض» للمناوي.
ثم قال في موضع آخر: فإن ذلك مكروه فإن قصد إنسان التبرك في الصلاة في تلك البقعة؛ فقد ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله، والمراد كراهة التنزيه.
قال النووي:
كذا قال أصحابنا. ولو قيل بتحريمه-لظاهره-لم يبعد، ويؤخذ من الحديث النهي عن الصلاة في المقبرة؛ فهي مكروهة كراهة تحريم. اهـ.
وفي «الأم» (1/ 246):
وأكره أن يبنى على القبر مسجد، وأن يُسَوَّى، أو يصلى عليه وهو غير مسوى، أو يصلى إليه. قال:
وإن صلى إليه؛ أجزأه، وقد أساء، أخبرنا مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«قاتل الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد» .
قال:
وأكره هذا للسُّنة والآثار، وأنه كره-والله تعالى أعلم- أن يعظم أحد من
المسلمين-يعني: يتخذ-قبره مسجداً، ولم تُؤْمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي من بعد. انتهى.
والحديث الذي ذكره عن مالك مُعضَلاً حديث صحيح جداً؛ جاء في «الصحيحين» وغيرهما عن جمع من الصحابة؛ منهم: عائشة، وابن عباس، وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، وأبو عبيدة بن الجراح، وأسامة بن زيد.
وفي الباب: عائشة أيضاً، وجندب بن عبد الله البجلي، وابن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وعطاء بن يسار مرسلاً.
وقد خرجتُ أحاديثهم وسقت ألفاظهم في «التعليقات الجياد» وبينت فيه ما يستفاد منها من المسائل المهمة التي غفل عنها أكثر المسلمين؛ فوقعوا في الغلو في الأولياء والصالحين، وتعظيمهم تعظيماً خارجاً عن حدود الشرع والدين، وقد قال ابن حجر الهيتمي الفقيه في «الزواجر عن اقتراف الكبائر» (ص 121):
قال بعض الحنابلة: قَصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً بها عَيْنُ المحاداة لله ولرسوله، وإبداع دين لم يأذن به الله؛ للنهي عنها، ثم إجماعاً؛ فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها، واتخاذها مساجد، أو بناؤها عليها. والقول بالكراهة محمول على غير ذلك؛ إذ لا يُظَنُّ بالعلماء تجويزُ فعلٍ تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَعْنُ فاعِلِهِ، ويجب المبادرة لهدمها، وهدم القباب التي على القبور، إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أُسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه نهى عن ذلك، وأمر صلى الله عليه وآله وسلم بهدم القبور المشرفة، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره. انتهى ما في «الزواجر» .
فأفاد كلام المناوي والحنبلي أن قصد الصلاة إلى القبر وعنده محرم، وأنه
تشريع لم يأذن به الله، ومع ذلك ترى كثيراً من الناس-حتى بعض المشايخ-يقصدون مقامات الأولياء والصالحين للصلاة عندها، والتبرك بها، وإذا قيل لهم في ذلك؛ قالوا: إنما الأعمال بالنيات، ونياتنا طيبة، وعقائدنا سليمة! ولئن صدقوا في ذلك؛ فما هو بمنجيهم من المؤاخذة عند الشارع الحكيم؛ لأنه إنما بنى الأحكام على الظواهر، والله يتولى السرائر.
ولقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على من خاطبه بقوله: ما شاء الله وشئت يا
رسول الله!
فقال عليه الصلاة والسلام:
«جعلتني لله نداً؟! قل: ما شاء الله وحده» .
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أن ذلك الرجل ما قصد أن يجعله شريكاً مع الله، وهو-رضي الله عنه-ما آمن به صلى الله عليه وآله وسلم إلا فراراً من الشرك؛ فكيف يجعله شريكاً لله؟! كان صلى الله عليه وآله وسلم يعلم ذلك منه، وإنما أنكر عليه ما سمعه من لسانه حتى يُقَوِّمَهُ مرة؛ فلا يتكلم مرة أخرى بما يوهم الشرك والضلال.
فمال هؤلاء الناس يأتون أعمالاً منكرة، ظاهرها شرك وضلال، ثم يبررون ذلك بقصدهم الحسن في زعمهم؟! والله يعلم أن كثيراً من هؤلاء قد فسدت عقائدهم، وداخَلَها الشرك من حيث يشعرون أو لا يشعرون؛ ذلك جزاؤهم بما كسبوا، وجعلوا أحاديثه عليه الصلاة والسلام وراءهم ظهرياً.
"أصل صفة الصلاة"(1/ 140 - 144).