الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللائق بباب سد الذرائع لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
«
…
فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه
…
) الحديث (1).
"تحذير الساجد"(ص121 - 132)
[141] باب في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي
[قال الإمام]:
ثم اعلم أن الحكم السابق يشمل كل المساجد كبيرها وصغيرها قديمها وحديثها لعموم الأدلة (2)،
فلا يستثنى من ذلك مسجد فيه قبر إلا المسجد النبوي
(1) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير وهو مخرج في «تخريج الحلال» (20). [منه].
(2)
قال الشوكاني في «شرح الصدور في تحريم رفع القبور» بعد أن ذكر حديث جابر المتقدم بلفظ: «نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه» (ص 70) من «المجموعة المنيرية» :
الشريف لأن له فضيلة خاصة لا توجد في شيءٍ من المساجد على القبور (1)، وذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
«صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد
(1) وبهذه المناسبة أقول: إن من أعجب ما رأينا من الأخبار الواهية، والأوهام المضلة، ما نقله العلامة ابن عابدين في الحاشية (1/ 41) عن كتاب «أخبار الدول» بالسند إلى سفيان الثوري «أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة»
قلت: هو باطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ولا عن سفيان الثوري، فقد أخرجه أبو الحسن الربعي في «فضائل الشام ودمشق» (ص 35 - 37) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (2/ 12) عن أحمد بن أنس بن مالك أنبأ حبيب المؤذن أنبأ أبو زياد الشعباني وأبو أمية الشعباني قالا:
قلت: وهذا إسناد ضعيف مجهول أبو زياد الشبعاني الظاهر أنه خيار بن سلمة أبو زياد الشامي وقرينه أبو أمية الشعباني فهو يحمد بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم وهما مقبولان كما في «التقريب» لكن الراوي عنهما حبيب المؤذن مجهول أورده ابن عساكر في «تاريخه» ولم يزد في ترجمته على قوله فيه «كان يؤذن في مسجد سوق الأحد» والراوي عنه أحمد بن أنس لم أجد له ترجمة.
ومما يبطل هذا الأثر عن سفيان أنه أحد رواة حديث أبي هريرة الآتي أن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، فيبعد أن يقول بخلاف ما صح عنده عنه صلى الله عليه وسلم ومما يبطله أيضاً أن أكثر ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في فضل الصلاة في بيت المقدس أنها بألف صلاة رواه ابن ماجة (1/ 429 430) وأحمد (6/ 463) بسند جيد وهذا الأثر يقول: أنها بأربعين ألف صلاة!
ثم بدا لي أنه غير جيد السند فيه علة تقدح في صحته وإن كان لي سلف في تصحيحه وقد بينتها في «ضعيف أبي داود» (باب السرج في المساجد).
نعم قد صح أن الصلاة في بيت المقدس على الربع من الصلاة في المسجد النبوي رواه البيهقي فيه يبطل أثر الثوري من باب أولى كما لا يخفى. [منه].
الحرام [فإنه أفضل]» (1) ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: «ما بين بيتي (2) ومنبري روضة من رياض الجنة» (3).
ولغير ذلك من الفضائل، فلو قيل بكراهة الصلاة فيه كان معنى ذلك تسويته مع غيره من المساجد، ورفع هذه الفضائل عنه، وهذا لا يجوز كما هو ظاهر وهذا المعنى استفدناه من كلام ابن تيمية السابق (ص 127 - 128) في بيان سبب إباحة صلاة ذوات الأسباب في الأوقات المنهي عنها، فكما أن الصلاة أبيحت في هذه الأوقات لأن في المنع منها تضييعاً لها بحيث لا يمكن استدراك فضلها لفوات وقتها، فكذلك يقال في الصلاة في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم.ثم وجدت ابن تيمية صرح بهذا فقال في كتابه «الجواب الباهر في زوار المقابر» (4) (ص 22/ 1 - 2):
(1) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة ومسلم وأحمد والزيادة له من حديث ابن عمر وله عنده طرق كثيرة وشواهد متعددة عن جماعة من الصحابة وقد ذكرت طرقه في «الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب» . [منه].
(2)
هذا هو اللفظ الصحيح «بيتي» وأما اللفظ المشهور على الألسنة «قبري» فهو خطأ من بعض الرواة كما جزم به القرطبي وابن تيمية والعسقلاني وغيرهم ولذلك لم يخرج في شيءٍ من الصحاح، ووروده في بعض الروايات لا يصيره صحيحاً لأنه رواية بالمعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «القاعدة الجليلة» (ص 74) بعد أن ذكر الحديث:«هذا هو الثابت الصحيح، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال «قبري» وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر صلى الله عليه وسلم، ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة، حينما تنازعوا في موضع دفنه ولو كان هذا عندهم لكان نصا في محل النزاع ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه. بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه».
(تنبيه): ومن أوهام العلماء أن النووي في «المجموع» عزا الحديث للشيخين بلفظ «قبري» ولا أصل له عندهما فاقتضى التنبيه. [منه].
(3)
رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن زيد المازني وهو حديث متواتر كما قال السيوطي، وقد ذكرت له في المصدر السابق سبعة طرق عنه صلى الله عليه وسلم. [منه].
(4)
مخطوط المكتبة الظاهرية، وهو كتاب نفيس جامع في بابه وفق الله له من يطبعه، ثم حقق الله الأمنية فطبع عن النسخة الظاهرية في المطبعة السلفية في القاهرة، عني بنشره العالمان الجليلان: الشيخ عبد الملك بن إبراهيم رئيس هيئة الأمر بالمعروف بالحجاز بارك الله في عمره والشيخ محمد نصيف رحمه الله وجزاه عن السنة خيراً. [منه].
«وكان المسجد قبل دخول الحجرة فيه فاضلا وكان فضيلة المسجد بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بناه لنفسه، وللمؤمنين يصلي لله هو والمؤمنون إلى يوم القيامة، ففضل بنيانه له، فكيف وقد قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» (1). وقال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا» (2).
وهذه الفضيلة ثابتة له قبل أن يدخل فيه الحجرة، فلا يجوز أن يظن أنه صار بدخول الحجرة فيه أفضل مما كان، وهم لم يقصدوا دخول الحجرة فيه، وإنما قصدوا توسيعه بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخلت الحجرة فيه ضرورة مع كراهة من كره ذلك من السلف» (3).
ثم قال (55/ 1 - 2):
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة خرجته في «الإرواء» (971). [منه].
(2)
متفق عليه من حديث أبي هريرة أيضا وهو مخرج في كتابي «أحكم الجنائز وبدعها» (ص 224 - 225). [منه].
(3)
انظر ما تقدم (في بداية الكتاب من الأمثلة على كراهة السلف لذلك). [منه].