الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مداخلة: أهل الفترة يا شيخ [ما حكمهم]؟
الشيخ: إذا كان المقصود باهل الفترة جماعة بخصوصهم فينبغي تعيينهم، وإذا كان المقصود بأهل الفترة ليس جماعة بخصوصهم وإنما هم أقوام لم تبلغهم دعوة نبي ورسول فقد سبق الجواب، فيا ترى! ما هو المقصود بأهل الفترة في سؤالك؟
مداخلة: يقول: هم الذين ما بلغتهم رسالة نبي
الشيخ: سبق البحث: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15).
رحلة النور" (2ب/10: 05: 00)
[189] باب الطواف حول القبور وثنية لا يرضاها الإسلام
[ذكر المعلمي في ترجمة أحمد بن عبد الله أبوعبد الرحمن العكي من «التنكيل» أن الرجل كان له شهرة وصيت .. ،فعلق الإمام قائلاً]:
ولذلك كان زوار قبره يدورون حوله، وهذه وثنية لا يرضاها الإسلام،
والله المستعان.
"التعليق على التنكيل"(1/ 123).
[190] باب لا تستقبل القبور حين الدعاء
[قال الإمام]:
لا (تُستقبل) القبور حين الدعاء لها، بل الكعبة؛ لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة إلى القبور كما سيأتي، والدعاء مخ الصلاة ولبها كما هو معروف فله حكمها، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:«الدعاء هو العبادة» ، ثم قرأ:{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}
أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (10/ 151) والبخاري في «الادب المفرد» رقم (714) وأبو داود (1/ 551 - بشرح العون) والترمذي (4/ 178،223) وابن ماجه (2/ 428 - 429) وابن حبان (2396) والحاكم (1/ 491) وابن منده في «التوحيد» (ق 69/ 1) وأحمد (4/ 167،271،276،277) وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقال الترمذي:«حديث حسن صحيح» .
ورواه أبو يعلى من حديث البراءة بن عازب كما في «الجامع الصغير» ،
وفي الباب عن أنس بن مالك مرفوعاً بلفظ: «الدعاء مخ العبادة» ، أخرجه
الترمذي (2234) وقال: «حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة» .
قلت: وهو ضعيف لسوء حفظه، فيستشهد به إلا ما كان من رواية أحد العبادلة عنه فيحتج به حينئذ، وليس هذا منها، لكن معناه صحيح بدليل حديث النعمان، قال الطيبي في شرحه:
«أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام «هو العبادة» ليدل على الحصر، وأن العبادة ليست غير الدعاء.
وقال غيره: «المعنى هو من أعظم العبادة فهو كخبر «الحج عرفة» أي ركنه الأكبر، وذلك لدلالته على أن فاعله يقبل بوجهه إلى الله، مُعْرضاً عما سواه؛ لأنه مأمور به، وفعل المأمور عبادة، وسماه عبادة ليخضع الداعي، ويظهر ذلته، ومسكنته، وافتفاره؛ إذ العبادة ذل وخضوع ومسكنة» ذكره المناوي في «الفيض» .
قلت: فإذا كان الدعاء من أعظم العبادة، فكيف يتوجه به إلى غير الجهة التي
أمر باستقبالها في الصلاة، ولذلك كان من المقرر عند العلماء المحققين أن «لا يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم» (ص 175):
وذكر قبل ذلك بسطور عن الإمام أحمد وأصحاب مالك أن المشروع استقبال القبلة بالدعاء حتى عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد السلام عليه، وهو مذهب الشافعية أيضاً، فقال النووي في «المجموع» (5/ 311):
وقال الإمام أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني- وكان من الفقهاء المحققين- في كتابه في «الجنائز» : «ولا يستلم القبر بيده: ولا يقبله» ، قال:«وعلى هذا مضت السنة» .قال: «واستلام القبور وتقبيلها الذي يفعله العوام الآن من المبتدعات المنكرة شرعاً، ينبغي تجنب فعله، وينهى فاعله» قال: «فمن قصد السلام على ميت سلم عليه من قبل وجهه، وإذا أراد الدعاء تحول عن موضعه، واستقبل القبلة» ، وهو مذهب أبي حنيفة أيضاً، فقال شيخ الاسلام في «القاعدة
الجليلة في التوسل والوسيلة» (ص 125):
«ومذهب الأئمة الأربعة: مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الاسلام أن الرجل إذا سلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة، واختلفوا في وقت السلام عليه، فقال الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه، وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم، ثم في مذهبه قولان: قيل: يستدبر الحجرة، وقيل يجعلها عن يساره، فهذا نزاعهم في وقت السلام.
وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة، لا الحجرة، وسبب الاختلاف المذكور إنما هو من قبل أن الحجرة المكرمة لما كانت خارجة عن المسجد، وكان الصحابة يسلمون عليه لم يكن يمكن أحداً أن يستقبل وجهه صلى الله عليه وآله وسلم ويستدبر القبلة (1)، كما صار ذلك ممكناً بعد دخولها في المسجد بعد الصحابة، فالمسلم منهم إن استقبل القبلة صارت الحجرة عن يساره، وإن استقبلوا الحجرة، كانت القبلة عن يمينهم وجهة الغرب من خلفهم، قال شيخ الاسلام في «الجواب الباهر» (ص 14) بعد أن ذكر هذا المعنى:
«وحينئذ فإن كانوا يستتقبلونه ويستدبرون الغرب فقول الأكثرين أرجح،
وإن كانوا يستقبلون القبلة حينئذ ويجعلون الحجرة عن يسارهم فقول أبي
حنيفة أرجح».
(1) - وأما ما رواه اسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبيص» (رقم 101 بتحقيقي وطبع المكتب الاسلامي) عن ابن عمر» أنه كان يأتي النبيص فيضع، يده على قبره ويستدبر القبلة ثم يسلم عليه» فضعيف منكر كما بينته في التعليق عليه. [منه].
قلت: لقد ترك الشيخ رحمه الله المسألة معلقة، فلم يبت في أنهم كانوا يستقبلونها، أو يستقبلون القبر، وكأن ذلك لعدم وجود رواية ثابتة عنهم في ذلك، ولكن لو فرض أنهم كانوا يستقبلونه، فقد علمت أنهم في هذه الحالة كانوا يستدبرون الغرب لا القبلة، لعدم إمكان ذلك في زمانهم، وسبق أن الاكثرين يقولون باستقبال وجهه صلى الله عليه وآله وسلم أيضا عند السلام عليه، وهذا يستلزم استدبار القبلة، الأمر الذي نقطع أنه لم يقع في عهد الصحابة كما سلف، فهذا أمر زائد على استقبال الحجرة، ولا بد له من دليل لإثباته، فهل له من وجود؟ ذلك مما لا أعرفه، ولا رأيت أحداً من العلماء تعرض لهذا، سواء في خصوص قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو في القبور عامة. نعم، استدل بعضهم على ذلك بحديث ابن عباس قال:
«مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن على الأثر» .أخرجه الترمذي (2/ 156) والضياء في «المختارة» (58/ 192/1) من طريق الطبراني وقال الترمذي: «حسن غريب» .
قلت: في سنده قابوس بن أبي ظبيان قال النسائي: «ليس بالقوي» .وقال ابن حبان: «ردئ الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له» .
قلت: وهذا من روايته عن أبيه، فلا يحتج به، ولعل تحسين الترمذي لحديثه هذا إنما هو باعتبار شواهده، فإن معناه ثابت في الأحاديث الصحيحة وقد مضى قريباً ذكر قسم طيب منها، إلا أن قوله:«فأقبل عليهم بوجهه» منكر لتفرد هذا الضعيف به.
إذا عرفت هذا، فقد قال الشيخ علي القاري في «مرقاة المفاتيح» (2/ 407):
«فيه دلالة على أن المستحب في حال السلام على الميت أن يكون وجهه
لوجه الميت، وأن يستمر كذلك في الدعاء أيضاً، وعليه عمل عامة المسلمين، خلافاً لما قاله ابن حجر من أن السنة عندنا أنه في حالة الدعاء يستقبل القبلة كما علم من أحاديث أخر في مطلق الدعاء».
قلت: وفي هذا الاستدلال نظر ظاهر، إذ ليس في الحديث إلا إقباله صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه على القبور، وأما الاقبال على وجوه الموتى، فشئ آخر وهو يحتاج إلى نص آخر غير هذا، وهو مما لا أعرفه.
فالحق أن الحديث لو ثبت سنده لكان دليلاً واضحاً على أن المار بالقبور يستقبلها بوجهه حين السلام عليها والدعاء لها، كيفما كان الاستقبال، وحسبما يتفق دون قصد لوجوه الموتى، أما والسند ضعيف كما سبق بيانه فلا يصلح للاستدلال به أصلاً.
ولا ينافي ما تقدم عن الإمام مالك من عدم مشروعية استقبال الحجرة عند الدعاء الحكاية التي جاء فيها أن مالكاً لما سأله المنصور العباسي عن استقبال الحجرة، أمره بذلك، وقال: هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم؛ لأنها حكاية باطلة، مكذوبة على مالك، وليس لها إسناد معروف، ثم هي خلاف الثابت المنقول عنه بأسانيد الثقات في كتب أصحابه كما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي وغيره.
ومثلها ما ذكروا عنه أنه سئل عن أقوام يطيلون القيام مستقبلي الحجرة يدعون لأنفسهم، فأنكر مالك ذلك، وذكر أنه فمن البدع التي لم يفعلها الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وقال:«لا يصلح آخر هذه الامة إلا ما أصلح أولها» (1).
"أحكام الجنائز"(ص246 - 251)
(1) انظر «قاعدة جليلة» لابن تيمية (ص 53 - 62). [منه]