الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[142] باب بناء المساجد على القبور مفضاة للشرك
[قال الإمام]:
[من أحكام المساجد]: أن لا يبنيه على قبر فإنه يحرم ذلك لما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت: «فلولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا» وقال عليه الصلاة والسلام: «اللهم لا تجعل قبري وثناً، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»
الحديث الأول من حديث عائشة والآخر من حديث أبي هريرة وكلاهما صحيح ....
وفي هذه الأحاديث تحريم بناء المساجد على القبور فإن البناء من معاني اتخاذ المساجد على القبور،
…
وقد جاء في بعض الروايات مصرحاً بذلك بلفظ: «بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» . أخرجاه.
وقد ذهب إلى التحريم كثير من العلماء فقال الإمام محمد في كتابه «الآثار» :
«ولا نرى أن يزاد على ما خرج منه «القبر» ونكره أن يجصص أو يطين ويجعل عنده مسجداً»
والكراهة عنده للتحريم عند الإطلاق وأما الشافعي فقال في «الأم» :
«وأكره أن يبنى على القبر مسجد قال: أكره هذه للسنة والآثار وإنه كره- والله أعلم- أن يعظم أحد من المسلمين- يعني يتخذ قبره مسجداً- ولم تؤمن في ذلك
الفتنة والضلال على من يأتي بعده».
وفي «المجموع» :
قلت: لكن الكراهة عندهم للتنزيه. ومن الدليل على ذلك أنهم قالوا: ويكره أن يصلي على قبر. فقال النووي:
«هكذا قالوا: (يكره) ولو قيل: يحرم لحديث أبي مرثد وغيره مما سبق لم يبعد» فلو أن النووي رحمه الله قال مثل هذا في قول أصحابه بكراهة البناء لكان أحق وأولى؛ لأن النهي عن البناء أشد وأرهب منه عن الصلاة إلى القبر، كما لا يخفى على من وقف على الأحاديث الواردة في هذا الموضوع، ولذلك قال شيخ الإسلام في «الاقتضاء»:
ثم ساق الأحاديث الواردة في هذا الباب. وقال القرطبي في «تفسيره» ما ملخصه:
ثم ذكر حديث عائشة الأخير ثم قال:
«قال علماؤنا (المالكية): وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد» .وقال شيخ الإسلام أيضاً في «تفسير سورة الإخلاص» :
هذا وقد يتوهم أن المحذور إنما هو اتخاذ المساجد على القبور بعد الدفن لا لو بني المسجد أولاً، وجعل القبر في جانبه ليدفن فيه واقف المسجد أو غيره، قال الشوكاني:
فإن قيل: فما قصة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنا نراه الآن في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت: الجواب في شرح مسلم للنووي حيث قال:
«قال العلماء: إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً؛ خوفاً من المبالغة في التعظيم والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والتابعون
إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنو على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر، ولهذا قالت في الحديث:
«ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا» .
وفي ذكره الصحابة في هذه القصة نظر وإن تبعه على ذلك العيني في «العمدة» فإن ذلك لم يقع بحضور أي صحابي فقد قال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي» :
«وكان على عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حجرته خارجة عن المسجد ولم يكن بينهم وبينه إلا الجدار، ثم إنه إنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان من آخرهم موتا جابر بن عبد الله، وتوفي في خلافة عبد الملك فإنه توفي سنة ثمان وسبعين، والوليد تولى سنة ست وثمانين، وتوفي سنة ست وتسعين، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك، وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري في كتاب «أخبار المدينة» - مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن أشياخه وعمن حدثوا عنه: أن عمر بن عبد العزيز لما كان نائباً للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد، وبناه بالحجارة المنقوشة، وعمل سقفه بالساج وماء الذهب، وهدم حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه».