المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[143] باب حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب التوحيد وما يضاده من الشرك

- ‌جماع أبواب الكلام على التوحيد: تعريفه، وأقسامه، وأهمية الدعوة إليه، وبيان لوازم ومقتضيات النطق بالشهادتين والكلام على الشرك: تعريفه، وأنواعه، وخطورة الوقوع فيه

- ‌[74] باب أهمية إعطاء الدعوة إلى التوحيدوالعقيدة الصحيحة الأولوية عند الدعاة

- ‌[75] باب منه

- ‌[76] باب نصيحة الشيخ لبعضالداعيات أن تجعل التوحيد أولى أولوياتها

- ‌[77] باب أصل دعوة الأنبياءوالرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة

- ‌[78] باب فضل التوحيد وأنه ينجي من الخلود في النار

- ‌[79] باب الموحد لا يخلد في النار

- ‌[80] باب الذنبوإن عظُم لم يكن موجباً للنار متى ما صحت العقيدة

- ‌[81] باب أهمية التوحيدوبيان أنه لا تنفع الأعمال الصالحة بدونه

- ‌[82] باب لا يُحدث العامة بأحاديثقد يساء فهمها في فضل التوحيد

- ‌[83] باب منه

- ‌[84] باب أقسام التوحيد والشرك

- ‌[85] باب بيان أقسام التوحيد والشرك

- ‌[86] باب أقسام التوحيد والشرك والكفر

- ‌[87] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

- ‌[88] باب الدفاع عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وبيان التوحيد الذي دعى إليه، مع التنبيه على أقسام التوحيد وخطر الشرك

- ‌[89] باب كان الناس على التوحيد ثم طرأ عليهم الشرك

- ‌[90] باب الرد على من يقول أن الدعوة إلى التوحيد تفرق الصف

- ‌[91] باب إخلاص العبودية لله

- ‌[92] باب توحيد الاتباع

- ‌[93] باب منه

- ‌[94] باب معنى الشهادتين

- ‌[95] باب بيان مقتضيات الشهادتين

- ‌[96] باب معنى شهادة أن لا إله إلا الله وبيان مقتضياتها

- ‌[97] باب لوازم الشهادة لله بالوحدانية

- ‌[98] باب تلقين المحتضر شهادة التوحيد

- ‌[99] باب معنى شهادة أن محمدًا عبد الله ورسوله وبيان مقتضياتها

- ‌[100] باب لوازم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[101] باب هل هناك فرق بين تفسير لا إله إلا الله، بلا معبود إلا الله أو بلا معبود بحق "في الوجود" إلا الله

- ‌[102] باب هل قيد «في الوجود» في قولنا: لا معبود بحق في الوجود إلا الله؛ مهم

- ‌[103] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة»

- ‌[104] باب هل نسخت الأحاديث الواردةفيمن قال لا إله إلا الله وأنه يدخل الجنة

- ‌[105] باب هل هناك ممن يقول: «لا إله الله» من يدخل النار أولا

- ‌[106] باب محمد عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد

- ‌[107] باب السلامة من الشرك أهم ما في العقيدة

- ‌[108] باب التحذير من الشرك وبيان أنه أكبر الكبائر

- ‌[109] باب بيان خطر الشرك

- ‌[110] باب عظم خطر الكفر والشرك

- ‌[111] باب بيان خطورة الشرك بالله، وأثر ذلك على العبادات كالحج

- ‌[112] باب الشرك هو الكفر

- ‌[113] باب كل كفر شرك

- ‌[114] باب هل بين الكفر والشرك فرق

- ‌[115] باب كلمة حول الفرق بين الكفر والشرك

- ‌[116] باب بيان خطأ مقولة: الخطأ مغفور في الفروع دون الأصول، والتعرض لمسألة التفريق بين الكفر أو الشرك

- ‌[117] باب أركان نفي الشرك بالله

- ‌[118] باب تعريف المشرك

- ‌[119] باب ضوابط التفرقة بين الشرك الأكبر والأصغر

- ‌[120] باب شرك الطاعة

- ‌[121] باب أول من عبد الأصنام وغيَّر دين إسماعيل عليه السلام

- ‌[122] باب ردّ شبهةٍ لمن جوَّز صناعة التماثيل

- ‌[123] باب الترهيب من الرياء

- ‌[124] باب الاستكبار عن عبادته تعالى ودعائه يوجب غضبه تعالى، والرد على من ادعى أن دعاء الله سوء أدب مع الله

- ‌[125] باب سؤال الله، والرد على من حرَّمه

- ‌[126] باب جواز إطلاق لفظ المشرك على أهل الكتاب

- ‌[127] باب هل الكتابيات مشركات

- ‌(توحيد الربوبية)

- ‌[128] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

- ‌[129] باب ذكر أخذ الميثاقمن ذرية بني آدم وهل كان على الحقيقة

- ‌[130] باب منه

- ‌[131] باب منه

- ‌[132] باب حُكْم من لم يوف بالميثاق [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[133] باب ضلالة عقيدة الأقطاب والأوتاد

- ‌[134] باب جواب من خلق الله

- ‌[135] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن تلبس بشرك الربوبية

- ‌جامع أحكام القبور

- ‌جماع أبواب الكلامحول حكم اتخاذ القبور مساجد، وحكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور، وما يتصل بذلك من مسائل

- ‌[136] باب أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌[137] باب معنى اتخاذ القبور مساجد

- ‌[138] باب حكم اتخاذ القبور مساجد

- ‌[139] باب حكمة تحريم بناء المساجد على القبور

- ‌[140] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور

- ‌[141] باب في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي

- ‌[142] باب بناء المساجد على القبور مفضاة للشرك

- ‌[143] باب حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور

- ‌[144] باب هل الصلاة في المساجد التي فيها قبور باطلة

- ‌[145] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء

- ‌[146] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور

- ‌[147] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد، وهل يلزم من ذلك حرمة الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[148] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد

- ‌[149] باب حكم اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها

- ‌[150] باب من هو قائل عبارة"يُحذِّر ما صنعوا" في حديث اتخاذ القبور مساجد

- ‌[151] باب هل عمَّى الصحابة موضِعَ قبر النبي دانيالحتى لا يُتَّخَذ على قبره مسجداً

- ‌[152] باب مدى صحة تخصيص حرمة الصلاة في المساجد التي فيها قبور فيما إذا كان المصلي يستقبل القبر، وحكم الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[153] باب هل تجوز صلاة الجنازة في مسجد فيه قبر

- ‌[154] باب منه

- ‌[155] باب حكم صلاة الجنازة داخل المقبرة في مكان مخصص للصلاة ليس فيه قبور

- ‌[156] باب هل تجوزالصلاة في مسجد فيه قبر لمن لم يجد مسجدًا غيره

- ‌[157] باب منه

- ‌[158] باب حكم الصلاة في مسجد نُبِشَ القبر الذي فيه

- ‌[159] باب إذا وجدالقبر في المسجد فهل يزال القبر أم المسجد

- ‌[160] باب حكم الصلاة في غرفة مضافة إلى المسجد فيها قبر

- ‌[161] باب حكم الصلاة في مسجد فيه قبر في ساحته الخارجية

- ‌[162] باب حكم الصلاة في المسجد المبني بجوار المقبرة

- ‌[163] باب حرمة الصلاة في المقبرة سدًا لذريعة الشركومناقشة من خالف ذلك

- ‌[164] باب شبهات وجوابها حول حكم اتخاذ القبور مساجد

- ‌جماع أبواب الكلام حول حكم زيارة القبوروما يشرع عند القبور وما لا يشرعوالمسائل التي تتصل بذلك

- ‌[165] باب أئمة دعوة التوحيديجيزون زيارة القبور زيارة شرعية

- ‌[166] باب ذكر جملة من أحكام زيارة القبوروتحقيق القول في حكم زيارة النساء للقبور

- ‌[167] باب ما يحرم عند القبور

- ‌[168] باب بدع زيارة القبور

- ‌[169] باب حد الزيارة الشرعية للقبور، وكيفية السلام على الموتى

- ‌[170] باب هل يصح شيء في النهيعن زيارة القبور ليلاً للرجال

- ‌[171] باب هل زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمقبرة ليلاً خاص به

- ‌[172] باب الرد على القول بتحريم زيارة النساء للقبور

- ‌[173] باب حكم زيارة النساء للقبور

- ‌[174] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لعن الله زوارات القبور»

- ‌[175] باب هل يجوز زيارة النساء للقبور للاتعاظ

- ‌[176] حكم تخصيص زيارة الأحياء للأموات، أو للأحياء يوم العيد

- ‌[177] باب حكم زيارة القبور يوم العيد

- ‌[178] باب حكم تخصيص زيارة القبور في العيد

- ‌[179] باب هل هناك دليل نقلىعلى عدم جواز تخصيص العيد بزيارة القبور

- ‌[180] باب هل ما يقع فيه القبوريون يُعَد من الكفر العملي

- ‌[181] باب حرمة استقبال القبر بالصلاة

- ‌[182] باب التمسح بالقبور من الشرك

- ‌[183] باب هل في حديث: «الله الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا» دليل على جواز التمسح بالقبور

- ‌[184] باب حكم قراءة القرآن عند القبور

- ‌[185] باب حكم القراءة على القبر

- ‌[186] باب حكم زراعة أشجار على القبور

- ‌[187] باب لا حج إلا لبيت الله الحرامأما الحج إلى القبور فمن الشرك

- ‌[188] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة

- ‌[189] باب الطواف حول القبور وثنية لا يرضاها الإسلام

- ‌[190] باب لا تستقبل القبور حين الدعاء

- ‌[191] باب حكم قصد القبر للدعاء عنده تبركاً

- ‌[192] باب منه

- ‌[193] باب حكم استقبال القبور بالدعاء

- ‌[194] باب هل يشرع تقصد القبر بالسلام والدعاء

- ‌[195] باب وضع المال عند القبر غير مشروع

- ‌[196] باب هل يجوز تعليم القبر وزيارته بعينه

- ‌[197] باب حكم البناء على القبر للضرورة والكتابة عليه

- ‌[198] باب حكم إحياء قبور الصحابة والعناية بها

- ‌جماع أبواب الكلامحول حكم شد الرحال للقبور والمواطن الفاضلةوحكم تتبع آثار الأنبياء والصالحين وتَقَصُّدَها

- ‌[199] باب بدعية تتبع آثار الأنبياء والصالحين

- ‌[200] باب حكم تتبع آثار الأنبياء

- ‌[201] باب تَقَصًد آثار الأنبياء للصلاة عندها وسيلة للشرك

- ‌[202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين

- ‌[203] باب هل شد الرحال يحرم لغيرالمساجد الثلاثة من المساجد فقط أم أن ذلك عام

- ‌[204] باب حديث: «لا تشد الرِّحال» يشمل المواطن الفاضلة

- ‌[205] باب بدعية شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين

- ‌[206] باب ما هو الحكم الشرعي في شد الرحال إلى القبور

- ‌[207] باب حكم شد الرحال إلى القبوروإلى المواطن الفاضلة

- ‌[208] باب بدعية قصد المساجد التي بمكة غير المسجد الحرام

- ‌[209] باب بدعية قصد الجبال والبقاع التي حول مكة

- ‌[210] باب بدعية قصد الصلاة في مسجد عائشة

- ‌[211] باب بدعية قصد شيء من المساجد والمزارات التي بالمدينة غير المسجد النبوي ومسجد قباء

- ‌[212] باب لا يجوز شد الرحل إلى مسجد قباء مع فضيلته

- ‌[213] باب بدعية الصلاة عند قبر إبراهيم الخليل عليه السلام

- ‌[214] باب فتوى الشيخ في النُصُب المزعوم للخضرالذي كان موجوداً في جزيرة فيلكا وعلى دعوى المبتدعةوعَبدَةِ القبور في حياة الخضر

- ‌جماع أبواب الكلامحول مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[215] باب تحرير القول في مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع سرد جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذا الباب

- ‌[216] باب جواز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلمدون شد الرحل إليه بقصد الزيارة

- ‌[217] باب بدع زيارة القبر النبوي

- ‌[218] باب من صور الغلو في زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[219] باب منه

- ‌[220] باب منه

- ‌[221] باب بيان بطلان ما ينسبإلى أسامة بن زيد من صلاته عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[222] باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلمحكمها حكم زيارة باقي القبور

- ‌[223] باب هل تشرع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[224] باب الانتصار لشيخ الإسلامفي قوله بحرمة شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي

- ‌[225] باب رد بعض شبهاتالمجيزين لشد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[226] باب هل تجوز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد كل صلاة

- ‌[227] باب الفرق بين السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلممن المدينة المنورة ومن خارجها

الفصل: ‌[143] باب حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور

ثم ذكر ابن عبد الهادي عن شيخ الإسلام ابن تيمية:

«أن المسجد لما زاد فيه الوليد وأدخلت فيه الحجرة كان قد مات عامة الصحابة، ولم يبق إلا من أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يبلغ سن التمييز الذي يؤمر فيه بالطهارة والصلاة، ومن المعلوم بالتواتر أن ذلك كان في خلافة الوليد بن عبد الملك، وقد ذكروا أن ذلك كان سنة إحدى وتسعين، وأن عمر بن عبد العزيز مكث في بنائه ثلاث سنين وسنة ثلاث وتسعين مات فيها خلق كثير من التابعين مثل سعيد بن المسيب وغيره من الفقهاء السبعة، ويقال لها: سنة الفقهاء» .

وبالجملة فإنما أدخلوا قبر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مسجده لحاجة توسيعه، والظاهر أنهم لم يجدوا فسحة من الجهات الأخرى ليزيدوا منها إلى المسجد وقد كان عمر وعثمان رضي الله عنهما قد زادا فيه من جهة القبلة فاضطروا إلى أخذ الزيادة من جهة الحجرات، فصار بذلك قبره في المسجد الشريف، ولكنهم- مع حاجتهم إلى هذا العمل- قد احتاطوا للأمر حيث فصلوا القبر عن المسجد فصلاً تاماً بالجدر المرفوعة حسماً للمحذور كما سبق ذكره عن النووي، والله تعالى أعلم.

"الثمر المستطاب"(1/ 479 - 486).

[143] باب حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور

[قال الإمام]:

[لا تجوز الصلاة في] المساجد المبنية على القبور لما في الصلاة فيها من التشبه باليهود والنصارى وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم فيهم:

«إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً،

ص: 261

وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» وقال:

«ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك» .

الحديث الأول هو من حديث عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرنا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال

فذكره

أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد وابن شيبة في «المصنف» .

والحديث الثاني هو من رواية جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم

» الحديث

تفرد بإخراجه مسلم، دون الستة، وقد نسبه الشوكاني للنسائي أيضاً، وكأنه يعني «سننه الكبرى» وإلا فإني لم أجده في «الصغرى» له، ولم ينسبه في (الذخائر) إلا لمسلم.

وفي الباب عن عائشة وابن عباس معاً، وعن أبي هريرة، وعن ابن مسعود، وقد مضت أحاديثهم قريباً وعن ابن عباس أيضا بلفظ:

«لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج» .

أخرجه الأربعة إلا ابن ماجه والحاكم والبيهقي والطيالسي وأحمد، وهو بهذا اللفظ ضعيف إلا الجملة الأولى منه فهي صحيحة؛ لمجيئها من طريق أخرى عن أبي هريرة وحسان بن ثابت، وقد فصلت القول في ذلك في «التعليقات الجياد» بما لا يوجد في كتاب، والحمد لله.

ص: 262

واعلم أن الحديث الأول يفيد تحريم بناء المساجد على القبور، وذلك يستلزم تحريم الصلاة فيها من باب أولى؛ لأنه- كما لا يخفى- من قبيل النهي عن الوسيلة- وهو البناء- لكي لا تتحقق الغاية- وهي العبادة في هذا البناء الذي أقيم على معصية الله تعالى-؛ لما يترتب من وراء ذلك من المفاسد الاعتقادية كما هو الواقع.

وأما الحديث الثاني فهو أعم من الأول؛ لأنه بلفظه يشمل الوسيلة والغاية فاتخاذ المكان مسجداً معناه الصلاة فيه (1) ومعناه البناء عليه من أجل الصلاة والسجود فيه، فكل منهما مستلزم للآخر، كما أفاده المناوي في «الفيض» ومن المعلوم بالبداهة أن اليهود والنصارى الملعونين إنما بنوا تلك المساجد للصلاة فيها، فمن صلى في مسجد فيه قبر، ولو لم يقصد القبر، فقد شابه أولئك المغضوب عليهم والضالين، وقد نهينا عن التشبه بهم في نصوص عامة وخاصة، ولذلك قال العلامة ابن الملَك- وهو من علمائنا الحنفية- في شرح حديث ابن عباس المذكور آنفا:

«إنما حرم اتخاذ المساجد عليها لأن في الصلاة فيها استناناً بسنة اليهود» .نقله الشيخ علي القاري في «المرقاة» .

يضاف إلى ما تقدم أن الصلاة في المساجد المبنية على القبور قد تفضي بصاحبها أو بمن يقتدي به من العوام والجهال إلى تخصيص الميت ببعض

(1) قال شيخ الإسلام في «الاقتضاء» : وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجداً، بل كل موضع يصلى فيه، فإنه يسمى مسجداً وإن لم يكن هناك بناء كما قالص:«جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً» . [منه].

ص: 263

العبادات الخاصة بالله تعالى كالاستغاثة والسجود، كما هو واقع في أكثر المساجد المبنية على القبور، وهو مشاهد، فنهى عن ذلك سداًّ للذريعة، فهو كالنهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة المكروهة تحريماً، بل المفسدة في تلك المساجد أوضح وأظهر منها في هذه الأوقات كما يشهد به الواقع.

وهذا كله فيمن لم يقصد الصلاة في تلك المساجد، وأما قصدها لأجل صاحب القبر متبركاً به معتقداً أن الصلاة عنده أفضل من الصلاة في المساجد المجردة عن القبور فهو عين المشاقة والمحادة لله ولرسوله، وهذه الصلاة حقيق بها قول من قال ببطلانها، كما يأتي عن بعض العلماء.

وإن مما يتعجب منه المؤمن البصير في دينه تهاون أكثر الفقهاء بهذه المسألة الخطيرة، حيث إنهم لم يتعرضوا لها بذكر صريح في كتبهم وفتاويهم فيما علمت، ولذلك كان من العسير إقناع المقلدين بها على وضوح الحجة فيها، وأنى لهم أن يأخذوا بها وهم أو أكثرهم يقدمون قول الإمام- بل قول بعض أتباعه ولو من المتأخرين- على قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولذلك سأُعنى بصورة خاصة بنقل بعض أقوال العلماء المحققين حول هذه المسألة ليعلم الواقف على كتابنا هذا أننا لم نأت بشيء من عندنا بدعة في الدين، ولم نسيء فهم أحاديث سيد المرسلين، بل هو الحق من ربك، فلا تكونن من الممترين.

وقد اعتنَى بهذه المسألة عناية خاصة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجزاه عن المسلمين خيراً، فقلما ترى كتاباً له لا يتعرض فيه لهذه المسألة بإسهاب أو اختصار، ولذلك فسأنقل عنه ما يناسب المقام من أقواله وفتاويه مع بعض اختصار وتلخيص.

ص: 264

قال رحمه الله في «القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة» :

«واتخاذ المكان مسجداً هو أن يتخذه للصلوات الخمس وغيرها، كما تبنى المساجد لذلك، والمكان المتخذ مسجداً إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين، فحرم صلى الله عليه وآله وسلم أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلاة فيها، كما تقصد المساجد، وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده؛ لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصد المسجد لأجل صاحب القبر، ودعائه، والدعاء به، والدعاء عنده، فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والفعل إذا كان يفضى إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ينهى عنه كما نهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة لما في ذلك من المفسدة الراجحة، وهو التشبه بالمشركين الذي يفضي إلى الشرك، وليس في قصد الصلاة في تلك الأوقات، ولهذا تنازع العلماء في ذوات الأسباب فسوغها كثير منهم في هذه الأوقات، وهو أظهر قولي العلماء؛ لأن النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، وفعل ذوات الأسباب يحتاج إليه في هذه الأوقات، ويفوت إذا لم يفعل فيها، فتفوت مصلحتها، فأبيحت لما فيها من المصلحة الراجحة، بخلاف ما لا سبب له فإنه يمكن فعله في غير هذه الأوقات فلا تفوت بالنهي عنه مصلحة راجحة، وفيه مفسدة توجب النهي عنه، فإذا كان نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك لئلَاّ يفضي ذلك إلى السجود للشمس ودعائها وسؤالها، كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها ويسألونها؛ كان معلوماً أن دعوة الشمس والسجود لها هو محرم في نفسه أعظم تحريماً من الصلاة التي نهى عنها لئلا يفضي ذلك إلى دعاء الكواكب.

ص: 265

كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد فنهى عن قصدها للصلاة عندها لئلا يفضي ذلك إلى دعائهم والسجود لهم- كان دعاؤهم والسجود لهم أعظم تحريماً من اتخاذ قبورهم مساجد».

وقال في «الاقتضاء» :

«فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، وهذا ما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب، لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك، ولأحاديث أخرى، وليس في هذه المسألة خلاف لكون المدفون فيها واحداً، وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد هل حَدُّها ثلاثة أقبر، أو ينهى عن الصلاة عن القبر الفذ وإن لم يكن عنده قبر آخر؟ على وجهين (قلت: ورجح شيخ الإسلام في كتاب آخر النهي ولو عند القبر الواحد وقد سبق ذلك ثم قال:) وقد كانت البنية التي على قبر إبراهيم عليه السلام مسدودة لا يدخل إليها إلى حدود المائة الرابعة، فقيل: إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأت في ذلك مناماً فنقبت لذلك، وقيل: إن النصارى لما استولوا على هذه النواحي نقبوا ذلك ثم ترك مسجداً بعد الفتوح المتأخرة، وكان أهل الفضل من شيوخنا لا يصلون في مجموع تلك البنية، وينهون أصحابهم عن الصلاة فيها اتباعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واتقاءً لمعصيته كما تقدم» .

ثم قال فيه:

«فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها وعن قصد الصلاة عندها، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء، فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور، بل صرحوا بتحريم ذلك كما دل عليه النص، واتفقوا

ص: 266

أيضاً على أنه لا يشرع قصد الصلاة، والدعاء عند القبور

ولم يقل أحد من المسلمين: إن الصلاة عندها والدعاء عندها أفضل منه في المساجد الخالية عن القبور، بل اتفق علماء المسلمين على أن الصلاة والدعاء في المساجد التي لم تبن على القبور أفضل من الصلاة والدعاء في المساجد التي بنيت على القبور، بل الصلاة والدعاء في هذه منهي عنه مكروه باتفاقهم، وقد صرح كثير منهم بتحريم ذلك، بل وبإبطال الصلاة فيها، وإن كان في هذا نزاع، والمقصود هنا أن هذا ليس بواجب ولا مستحب باتفاقهم بل هو مكروه باتفاقهم».

وقال في «الجواب الباهر في زوار المقابر» (1):

«والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها مطلقاً بخلاف مسجده صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن الصلاة فيه بألف صلاة، فإنه أسس على التقوى، وكانت حرمته في حياته صلى الله عليه وآله وسلم وحياة خلفائه الراشدين قبل دخول الحجرة فيه» .

ثم قال:

«ومن اعتقد أنه قبل القبر لم تكن فيه فضيلة، وإنما حدثت له الفضيلة في خلافة الوليد لما أدخلت الحجرة فيه، فهو جاهل مفرط في الجهل، أو كافر مكذب لما جاء به عليه السلام، مستحق للقتل» وقد أفتى رحمه الله مراراً بكراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور، فقد جاء في الفتاوى له ما نصه:

«مسألة: في المسجد إذا كان فيه قبر والناس يجتمعون فيه لصلاة الجماعة فهل تجوز الصلاة فيه أم لا؟ وهل يمهد القبر أم لا؟

(1) رسالة جامعة لما تفرق في كتبه الكثيرة مما يتعلق بهذا الموضوع، وهي من مخطوطات المكتبة الظاهرية تحت رقم (129) مجموع. وما نقلناه منها في الورقة (22 و55). [منه].

ص: 267

الجواب: اتفق الأئمة على أنه لا يبنى مسجد على قبر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» ، وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّرَ: إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديداً، فإن كان المسجد بني بعد القبر، فإما أن يزال المسجد، وإما أن يزال صورة القبر، فالمسجد المبني على القبر لا يصلى فيه فرض، ولا نفل، فإنه منهي عنه. والله أعلم»

وله فتوى أخرى نحو هذه انظرها- إن شئت- في الجزء الثاني صفحة (192)(1).

وقال الشيخ محمد يحيى الكاندهلوي الهندي الحنفي في كتابه «الكوكب الدري على جامع الترمذي» ما نصه:

«وأما اتخاذ المساجد عليها فإنما فيه من الشبه باليهود في اتخاذهم مساجد على قبور أنبيائهم وكبرائهم، ولما فيه من تعظيم الميت، وشبه بعبدة الأصنام، لو كان القبر في جانب القبلة، وكراهة كونه في جانب القبلة أكثر من كراهة كونه يميناً أو يساراً، وإن كان خلف المصلي فهو أخف كراهة من كل ذلك، لكن لا يخلو عن كراهة» وقد ذكر الحافظ في «الفتح» والعيني في «العمدة» :

(1) وقال تلميذه المحقق ابن القيم في «زاد المعاد» (3/ 22):

«فيهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش إذا دفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق، فلو ضماًّ معاً لم يجز، ولا يصح هذا الوقف، ولا يجوز، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد؛ لنهي رسول اللهص عن ذلك، ولعنه من اتخذ القبر مسجداً، أو أوقد عليه سراجاً. فهذا دين الإسلام الذين بعث الله به رسوله ونبيه، وغربته بين الناس كما ترى. [منه].

ص: 268