الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أليست هذه الوساطة هي التي ادعاها المشركون من قبل يبررون بها شركهم وعبادتهم لغيره تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} (الزُّمر: 3). فيا أيها الحاج، قبل أن تعزم على الحج، يجب عليك وجوباً عينياً أن تبادر إلى معرفة التوحيد الخالص وما ينافيه من الشرك، وذلك بدراسة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فإن من تمسك بهما نجا، ومن حاد عنهما ضل. والله المستعان.
"حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم "(ص 6 - 8).
[112] باب الشرك هو الكفر
[قال الإمام]:
الشرك .. هو الكفر ولا فرق بينهما شرعاً، فكل كفر شرك، وكل شرك كفر، كما يدل عليه محاورة المؤمن صاحب الجنتين المذكورة في سورة (الكهف).فتنبه لهذا فإنه به يزول عنك كثير من الإشكالات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
"التعليق على متن الطحاوية"(ص73).
[113] باب كل كفر شرك
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم]:
(منكر).
[قال الإمام]:
أخرجه أبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار"(3/ 239 - 240) عن عبد الرحمن بن شريح: أنه سمع الحارث بن يزيد الحضرمي يحدث عن ثابت بن الحارث الأنصاري عن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّه ِ صلى الله عليه وآله وسلم جَمْعُ أَبِي سُفْيَانَ لِيَخْرُجَ إلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ؛ فَانْطَلَقَ إلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بالنَّضِيرِ، فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَفَراً عِنْدَ مَنْزِلِهِمْ فَرَحَّبُوا، فَقَالَ لهم:
…
فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير ثابت بن الحارث الأنصاري؛ فإنه غير معروف بعدالة أو جرح، ولم يورده أحد من أئمة الجرح والتعديل غير ابن أبي حاتم برواية الحارث بن يزيد هذا فقط عنه، وبيَّض له. وقد ذكر ابن هشام في "السيرة" (3/ 8) عن محمد بن إسحاق عن الزهري: أن الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله: يا رسول الله! ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال: "لا حاجة لنا فيهم ".
وذكر نحوه ابن كثير في "البداية"(4/ 14)، ومن قبله ابن القيم في "زاد المعاد"، وهو الموافق لحديث عائشة الصحيح:" إنا لا نستعين بمشرك أو بالمشركين ".
وهو مخرج في "الصحيحة "(1101) كما تقدم قريباً. وعليه فإني أقول: إذا تبين لك ضعف حديث الترجمة، وما فيه من عرضه صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود أن يقاتلوا معه؛ فلا حاجة حينئذٍ إلى التوفيق بينه وبين حديث عائشة الصحيح كما فعل الطحاوي حين قال: "لأن اليهود الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قتال أبي سفيان معه؛ ليسوا من المشركين الذين قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم في الآثار الأُوَل: فإنه لا يستعين بهم؛
أولئك عبدة الأوثان، وهؤلاء أهل الكتاب الذين قد ذكرنا مباينة ما هم عليه مما عبدة الأوثان عليه في الباب الذي تقدم قبل هذا
…
".
قلت: يشير إلى بعض الأحكام التي خص بها أهل الكتاب دون المشركين كحل ذبائحهم، ونكاح نسائهم، وغيرها مما بعضه موضع نظر، وبنى على ذلك قوله (ص 234):"فكان كل شرك بالله كفراً، وليس كل كفر بالله شركاً"!
فأقول: لو سلمنا جدلاً بقوله هذا؛ فلا حاجة للتأويل المذكور لأمرين اثنين: الأول: أن التأويل فرع التصحيح كما هو معلوم، وما دام أن الحديث غير صحيح كما بينا؛ فلا مسوغ لتأويل الحديث الصحيح من أجله كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى.
والآخر: كيف يصح أن يقال في اليهود والنصارى: إنهم ليسوا من المشركين، والله عز وجل قال في سورة التوبة بعد آية: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا
…
}: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} . فمن جعل لله ابناً؛ كيف لا يكون من المشركين؟! هذه زَلَّة عجيبة من مثل هذا الإمام الطحاوي. ولا ينافي ذلك أن لهم تلك الأحكام التي لا يشاركهم فيها غير أهل الكتاب من المشركين؛ فإنهم يشتركون جميعاً في أحكام أخرى-كما لا يخفى على أولي النُّهى-.
وقد لا يعدم الباحث الفقيه- الذي نجَّاه الله من التقليد- في الكتاب والسنة ما
يؤكد ما تقدم، ويبطل قول الطحاوي السابق: "
…
وليس كل كفر بالله شركاً"من ذلك تلك المحاورة بين المؤمن والكافر الذي افتخر بماله وجنَّتيه؛ كما قال عز وجل في سورة الكهف؛ {
…
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً}؛ فهذا كفر ولم يشرك في رأي الطحاوي! ولكن السِّياق يردّه؛ فتابع معي قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً. لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} ؛ فتأمل كيف وصف صاحبَه الكافر بالكفر، ثم نره نفسه منه معبِّراً عنه بمرادِفِه وهو الشرك؛ فقال:{وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} . وهذا الشرك مما وصَف به الكافرُ نفسَه فيما يأتي؛ فتابع قوله تعالى- بعد أن ذكر ما وعظه به صاحبه المؤمن-: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} .
قلت: فهذا القول منه- مع سباق القصة- صريح جداً في أن شركه إنما هو شَكُّه في الآخرة، وهذا كفر وليس بشرك في رأي الطحاوي! فهو باطل ظاهر البطلان.
وإن مما يؤكد ذلك من السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» رواه الشيخان وغيرهما عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، وهو مخرج في "الصحيحة" برقم (1133)، فإن المراد بهم اليهود والنصارى؛ كما دلت على ذلك أحاديث أخر، منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لئن عشت؛ لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أترك فيها إلا مسلماً» .
رواه مسلم وغيره وهو مخرج هناك (1134).
ولما كان حديث ابن عباس حجة قاطعة في الموضوع؛ غمز في صحته الطحاوي تعصباً لمذهبه- مع الأسف-! وزعم أنه وهم من ابن عيينة قال (4/ 16): "لأنه كان يحدث من حفظه؛ فيحتمل أن يكون جعل مكان (اليهود والنصارى): (المشركين) (!) ولم يكن معه من الفقه ما يميزبه بين ذلك "! كذا قال سامحه الله! فإنه يعلم أن تحديث الحافظ الثقة- كابن عيينة-من حفظه ليس بعلة؛ بل هو فخر له، وأن تخطئة الثقة بمجرد الاحتمال ليس من شأن العلماء المنصفين، ولكنها العصبية المذهبية؛ نسأل الله السلامة! وعلى مذهب الطحاوي هذا يمكن أن يغفر الله الكفر لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} !!
وبهذه الآية احتج ابن حزم رحمه الله على أبي حنيفة الذي هو مَتبوعُ الطحاويُ في التفريق المزعوم؛ فقال عقبها (4/ 244): "فلو كان ههنا كفر ليس شركاً؛ لكان مغفوراً لمن شاء الله تعالى بخلاف الشرك، وهذا لا يقوله مسلم ".ثم أتبع ذلك بأدلة أخرى قوية جداً، ثم قال:
"فصح أن كل كفر شرك، وكل شرك كفر، وأنهما اسمان شرعيان، أوقعهما الله تعالى على معنى واحد".ولولا خشية الإطالة؛ لنقلت كلامه كله لنفاسته وعزته، فليراجعه من شاء المزيد من العلم والفقه.
والخلاصة أن الحديث ضعيف الإسناد، منكر المتن، وأن الاستعانة بأهل الكتاب في جهاد الكفار يشملها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«إنا لا نستعين بمشرك» .
ولفظ مسلم (5/ 201): «فارجع فلن أستعين بمشرك» .
"الضعيفة"(13/ 1/209 - 213).