الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(توحيد الربوبية)
[128] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية
[سئل الإمام عمن يُعَرِّفُ «لا إله إلا الله» بـ «لا رب إلا الله» هل هذا التعريف ينفعه، فأجاب رحمه الله]:
كلا لا ينفعهم؛ لأن هذه العقيدة ليست كافية؛ لأن الكفار الذين عادوا الرسول عليه السلام، وقاتلوه، واضطروه للخروج من بلده والهجرة إلى المدينة المنورة كانوا يعتقدون هذه العقيدة، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25).
فآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين أن المشركين كانوا أولاً يؤمنون بوجود الله، وثانياً لا يجعلون شريكاً لله في ذاته، فلا يعتقدون أن هناك خالقاً معه، نافعاً معه، ضاراً معه، بل كانوا يعتقدون أن الأمر كله بيده تبارك وتعالى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الله عز وجل لما أرسل الرسل وأنزل الكتب، لم يفعل ذلك لكي يدعو الناس إلى الاعتقاد بوجود الله وبأنه هو الضار النافع، وأنه لا شريك له في شيء من ذلك، ما بعثهم ولا أنزل الكتب من أجل هذا؛ لأن هذا أمر مفطور في الناس حتى المشركين، ولذلك صرحت الآية الكريمة أن المشركين إذا سئلوا:{أإلهٌ مَعَ اللَّهِ} ، فرقوا بين الإله وبين الرب، فهم يشركون في الألوهية ولا يشركون في الربوبية، يعتقدون بأن الله هو رب العالمين وحده لا شريك له، وأنهم إذا وقعوا في مصيبة أو في بلية تضرعوا إلى الله والتجؤوا إليه؛ لما وقر في نفوسهم من أن الله
هو الضار وهو النافع، فهم كانوا يؤمنون بما كان يسمى عند العلماء بتوحيد الربوبية، لكن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب لدعوة هؤلاء الناس جميعاً إلى عبادته وحده لا شريك له، ليس إلى اعتقاد أنه واحد في ذاته، وأنه لا خالق معه، لاحظ الاعتقاد كانوا يؤمنون به بصريح القرآن الكريم، وإنما الذين كانوا يكفرون به أن هناك أشخاصاً مخلوقين ويستحقون أن يعبدوا مع الله تبارك وتعالى، وهذا صريح في القرآن، حيث قال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعراف: 194)، الذين تدعونهم في الشدة هم عباد أمثالكم.
{إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} (فاطر: 14)؛ لأنهم يعتقدون أنهم عبيد، ولذلك قال عز وجل في الآية الأخرى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3).
هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله أولياء إذا سئلوا: لماذا تعبدونهم من دون الله، قالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} .
إذاً: هم يؤمنون بأن المعبود الحق هو واحد لا شريك له في العبادة، ولكنهم من ضلالهم أنهم اتخذوا من بعض الصالحين أولياء يعبدونهم، يتوجهون إليهم بالدعاء والاستغاثة والركوع والسجود، لماذا؟
هم أجابوا بأنفسهم وألسنتهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} .
فإذاً: المشركون الذين كانوا في عهد الرسول عليه السلام ما كان الخلاف بينهم وبين الرسول هو في أن الخالق واحد والرازق واحد، والمحيي واحد، والمميت واحد، هذا كانوا يؤمنون به، ولكن الخلاف كان في أنهم عبدوا غير الله عز وجل، خضعوا لغير الله عز وجل، فأشركوا مع الله في العبادة، وليس في
الربوبية، ولذلك وصل ضلال هؤلاء المشركين إلى أنهم كانوا إذا طافوا بالبيت وهذا الطواف ورثوه من أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم دخلهم الشرك، فكان قائلهم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً تملكه أنت وما ملك.
لك شريك لكن هذا الشريك هو مملوك لك، وما معه أيضاً مملوك لك.
إذاً: فالمشركون كفروا بتوحيد الألوهية، بتوحيد العبادة وليس بتوحيد الربوبية، ولهذا في القرآن الكريم:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات: 35)، أما الآية السابقة:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25)،
…
قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5).
الشاهد أن الآية الأولى صريحة بأن المشركين يؤمنون بربوبية الله وحده
لا شريك له، الآية الثانية صريحة بأنهم ينكرون أن يكون الإله واحد، ما معنى
الإله إذاً؟
الإله: هو المعبود، فلما كان الرسول يدعوهم إلى أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، كانوا ينكرون ذلك ويقولون:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5).
وفي الآية الأخرى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات: 35)، كيف يستكبرون وهم في الآية الأخرى ربنا يخبر عنهم:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25).
معنى ذلك أن الربوبية شيء، والألوهية شيء آخر.
الرب واحد باتفاق البشر جميعاً حتى المشركين الذين قاتلوا الرسول عليه السلام وعادوه كما ذكرنا، أما الإله فمتعدد عندهم، ولذلك استنكروا على الرسول عليه السلام حينما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والعبادة أنواع وأقسام، وأعظم عبادة تتجلى فيها حاجة الإنسان وعبوديته لله عز وجل هو الدعاء، ولذلك قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «الدعاء هو العبادة، ثم تلا قوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: 60).
إذاً: المشركون، هذه نقطة مع الأسف كثير من الخواص المسلمين اليوم لم يتنبهوا لها، وهو التفريق بين الربوبية وبين الألوهية، فالمشركون كانوا يؤمنون بوحدانية الله في الربوبية، ولكنهم كانوا يكفرون بوحدانية الله في العبادة والألوهية، ولذلك كانوا يقولون بأن لله شريكاً لكن هذا الشريك مملوك لله وما يملكه هذا الشريك، وعلى هذا فمعنى: لا إله إلا الله، لا يجوز تفسيره بمعنى: لا رب إلا الله، هذا اعتقاد المشركين لا يكفي، وإنما لا إله إلا الله، معنى هذه الكلمة التي جاءت في القرآن مأمور بها عليه السلام والمقصودين أمته:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19)، معنى هذا، فاعلم أنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله.
ليس لا رب إلا الله، لا رب إلا الله، المشركون يؤمنون بهذا، يعني الخالق والرازق والمحيي والمميت، المشركون يعتقدون بأنه واحد لا شريك له، لكنهم يجعلون له شريكاً في العبادة.
من هنا لا يجوز للمسلم أولاً أن يفهم هذه الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) بمعنى لا رب إلا الله، لأنه تعطيل لمعنى الألوهية والعبادة لله عز وجل وحده.
ثانياً: إذا فهم المسلم هذه الكلمة الطيبة أن المعنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود