الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[147] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد، وهل يلزم من ذلك حرمة الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
-؟!
السؤال: سيدي قرأت حديث يقول انه لا يجوز الصلاة في مسجد يكون فيه قبر أو أكثر من قبر.
فهذا الحديث صحيح أو غير صحيح؟
الشيخ: هذا [فيه] أحاديث.
مداخلة: علماً أن قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم داخل الحرم الشريف والمسجد الأموي فيه قبر كمان.
الشيخ: سؤالك فيه شُعب يعنى ممكن تقسيمه إلى أسئلة.
الجواب عن السؤال الأول أن الحديث الوارد في النهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور ليس فقط صحيحا بل هو صحيحاً متواتر، ولعلكم تعلمون المقصود بلفظة متواتر، الحديث الصحيح هو يأتي من طريق من إسناد واحد صحيح عند علماء الحديث هذا حديث صحيح، لكن الحديث إذا جاء من أسانيد متعددة وعن جماعة من الصحابة كُثُر يقال في هذا الحديث حديث صحيح متواتر، والحديث الصحيح المتواتر يعني من حيث الثبوت بيكون في قوة القرآن الكريم، فالحديث اللي بينهى عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور ليس حديثاً فرداً صحيحاً بل هو مجموع أحاديث أكثر من عشرة أحاديث.
وأنا كنت تتبعت في زماني هذه الأحاديث فجاوزت العشرة أحاديث عن عشرة من الصحابة وكل هذه الأحاديث تدندن وتدور حول النهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور، لا بأس من أن نذكر شيئا من هذه الأحاديث مما
يحضرنا، من ذلك مثلاً: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما رجعت أم سلمة وأم حبيبة من الحبشة «كانوا من المهاجرات إلى الحبشة ورجعوا إلى المدينة» ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنيسة رأتاها في الحبشة وذكرتا من حسنٍ وتصاوير فيها فقال عليه الصلاة والسلام: «أولئك- يعنى النصارى- كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا على قبره تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» ، انتبهت يا شيخ في آخر الحديث؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: يقول الرسول عليه السلام في آخر الحديث «أولئك- يعني النصارى- كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا- يعني نقشوا فيه تلك النقوش يعني الزخارف- أولئك شرار الخلق عند الله
يوم القيامة»
الحديث الثاني أيضا في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت عائشة رضي الله عنها «ولولا ذلك أبرز قبره عليه الصلاة والسلام ولكن خُشي أن يتخذ مسجداً» ، الجملة هذه أرجوا أن تبقى في ذاكرتكم لأن لها صلة وثقى بالجواب عن الشطر الثاني من السؤال حيث قُلْتَ (هذا) قبر الرسول في مسجد الرسول. هذا الحديث الثاني.
الحديث الثالث وهو في صحيح مسلم من حديث سمرة بن جندُب أو جندَب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال قبل أن يموت عليه السلام بخمس ليال أو ثلاث ليال- الشك من عندي- «ألا إن من أَمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً،
ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائم مساجد ألا فلا تتخذوها مساجد إني أنهاكم عن ذلك» هذا الحديث الثالث يؤكد الحديثين الأولين وبيزيد عليهما بياناً لأن بعض الناس الذين اعتادوا وعاشوا على خلاف السنة الصحيحة بيقول لك يا أخي احنا شو دخلنا بالنصارى، هؤلاء النصارى والرسول بيحكي عنهم وبيقول أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة، وبيلعنهم لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، نحن شو دخلنا في الموضوع، يأتي هذا الحديث ليؤكد معنىً معروفاً عند العلماء أن نبينا عليه الصلاة والسلام لما يرينا أموراً وقعت قبل الرسول عليه السلام وبيحذر من هذه الأمور فما بيحكيها
لنا للتسلية وإنما لنأخذ منها موعظة وعبرة، ولذلك جاء الحديث الأول وجاء الحديث الثاني.
ولكن قد يرد مثلاً إشكال قد يقول قائل كما قلنا آنفاً الحديث الأول والثاني ماله علاقة بالأمة المحمدية فيأتي الحديث الثالث وكما يقال اليوم يضع النقاط على الحروف، يقول بعد أن يحدث عمن قبلنا «ألا وإن من كان قبلكم- يعني اليهود والنصارى الذي ذكروا في الحديثين- كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا- أنتم معشر الأمة الإسلامية- ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» هذا حديث ثابت، وأحاديث كثيرة منها:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد» ، فهذا كمان بيشمل غير اليهود والنصارى؛ لأن الرسول عليه السلام يقول في بعض الأحاديث الصحيحة:«لاتقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول لا إله إلا الله» معنى الحديث لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض موحدين لله لا يشركون به شيئاً، ولذلك جاء في الحديث الآخر قوله عليه
السلام: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق» فإذاً من شرار الخلق أولئك الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فهؤلاء سيكونون بعد الرسول عليه السلام.
بناءً على هذه الأحاديث وغيرها يحرم بناء المسجد على القبر ويحرم بالتالي اتخاذ ذلك المسجد مصلىً لماذا؟
الجواب مع الأسف معروف عملياً، لأن هذا القبر سيُدعى من دون الله تبارك وتعالى، ومعنى يُدعى من دون الله أنه يُعبد من دون الله.
وهذا بحث طويل الآن نؤجله إلى مناسبة أخرى إن شاء الله لندخل في الجواب عن السؤال الثاني أو الشق الثاني من السؤال الواحد، فنقول: صحيح أن قبر الرسول اليوم في مسجد الرسول لكن هل حينما مات الرسول عليه السلام دفن في مسجده؟ الجواب لا، وحديث عائشة الذي لفت نظركم إليه هو دليل صريح بذلك حيث قال:«لولا ذاك أبرز قبره ولكن خُشي أن يُتخذ مسجداً» أي: لولا تحدث الرسول عليه السلام عن اليهود والنصارى وأنهم لعنوا بسبب اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد، لولا هذا كان قبر الرسول عليه السلام يُدفن في أرض بارزة أرض مثل الأرض التي قدامكم هنا، لكن لم يُفعل بقبره عليه السلام ذلك لماذا؟ خشية أن يُتخذ مسجداً، إذاً أين دُفن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، هنا قصة لما مات عليه الصلاة والسلام {وكل من عليها فان} اختلف أصحابه في مكان دفنه، أكثرهم كان لا علم عنده بأين يدفن النبي عليه السلام وهم في هذا التشاور أين يدفنوه عليه الصلاة والسلام دخل عليهم أبو بكر الصديق، قال لهم: الجواب عندي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ما من نبي إلا دُفن في الموضع الذي مات فيه» أين مات الرسول عليه السلام؟ في بيته في بيت السيدة عائشة
…
ما كادوا يسمعون هذا الحديث إلا سحبوا السرير الذي مات عليه الرسول وحفروا تحت منه وذلك في
بيت عائشة، وبيت عائشة كان بجنب مسجد الرسول عليه السلام، لذلك تواترت الأحاديث أن الرسول عليه السلام كان يخرج من بيته إلى المسجد حتى يوم الجمعة كان إذا أذن بلال يوم الجمعة أو قبل ما يؤذن بلال يوم الجمعة كان الرسول يخرج من البيت إلى المنبر فوراً، وبس بلال يشوف الرسول صعد المنبر يؤذن الأذان، ثم يبدأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الخطبة إلى آخره. فإذاً رسول الله دُفن في بيته لكن ماذا جرى بعد ذلك، وقع شيء مؤسف، في زمن أحد ملوك بني أمية أو خلفاء بني أمية رأوا من الضروري توسعة المسجد النبوي، علماً أنه كان عمر بن الخطاب قد أدخل توسعةً على المسجد النبوي، وكذلك من بعده عثمان بن عفان، انظر الآن الفرق بين الصحابة وعملهم وبين من جاؤوا بعدهم، توسعة عمر بن الخطاب وتوسعة عثمان لم تكن على حساب حجرات أم المؤمنين التي منها حجرة السيدة عائشة وإنما كانت في الجهة الجنوبية التي بيقولوا إلى اليوم زيادة عمر هناك، وزيادة عثمان في جهة أخرى لا تحضرني الآن، لكن في زمن بني أمية وجدوا حاجة بتوسعة المسجد فوسعوه من جهة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فرفعوا الجدار الفاصل بين بيت عائشة وبيوت سائر أمهات المؤمنين وبين المسجد فصار القبر في المسجد حيث ترونه اليوم، فتظنون أن الرسول عليه السلام دُفن في مسجده فيُشكل عليكم الأمر حينما تسمعون هذه الأحاديث وتسمعون ما يدل عليها من تحريم الصلاة في المساجد المبنية على القبور.
يبقى الجواب والثالث والأخير هل حكم الصلاة في المسجد النبوي كحكم الصلاة في المساجد كلها ومنها ما ذكرت أنت أو غيرك مثل بني أمية عندنا
في الشام؟
نقول مسجد الرسول عليه السلام ليس كذلك؛ لماذا؟