الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي في المدينة ما عدا قباء وأُحداً.
وتفصيل القول في هذا المقام راجعه في «اقتضاء الصراط المستقيم» .
وما رجحناه من المنع إنما هو في المواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتفاقاً، وأما الأماكن التي كان عليه الصلاة والسلام يقصدها للصلاة والدعاء عندها فقصدها من أجل ذلك سنة اقتداءً به عليه السلام، ثم إن ذلك المنع إذ لم يقترن به شد رحل، وأما إذا اقترن به ذلك فهو ممنوع قطعاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
…
» الحديث.
"الثمر المستطاب"(1/ 471 - 472).
[202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اجتمع الكفار يتشاورون في أمري فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ياليتني بالغوطة بمدينة يقال لها دمشق، حتى آتي الموضع مستغاث الأنبياء حيث قَتَلَ ابن آدم أخاه، فأسال الله أن يهلك قومي فإنهم ظالمون، فأتاه جبريل فقال يا محمد ائت بعض جبال مكة فأوإلى بعض غاراتها، فإنها معقلك من قومك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر رضي الله عنه معه حتى أتيا الجبل، فوجدا غاراً كثير الدواب، فجعل أبو بكر
رضي الله عنه يمزق رداءه، وسد الثغور، والثقب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهم لاتنساها
لأبي بكر».
[قال الإمام]:
حديث منكر
…
وحديث هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشهور مستفيض من وجوه شتى، وليس في شيء منهما ما في هذا الحديث من تمنية صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون بالغوطة ليأتي
مستغاث الأنبياء فيدعو على قومه! ولست أشك أن هذا القدر منه مكذوب موضوع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد علم كل مطلع على السنّة أن لم يكن من هديه عليه السلام تتبع آثار الأنبياء والدعاء عندها، بل هذا مما نهى عنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره، وقد ورد عنه في ذلك ثلاث قصص:
القصة الأولى:
عن ابن سويد قال: خرجت مع أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة، ثم رأى الناس يذهبون مذهباً فقال:«أين يذهب هؤلاء؟» قيل: «يا أمير المؤمنين مسجد صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم يأتون يصلّون فيه» .فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعاً، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصلّ، ومن لا فليمضِ ولا يتعمدها» .
رواه سعيد بن منصور في «سننه» ، وابن وضاح القرطبي في «البدع والنهي عنها» (ص41 و42) بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
القصة الثانية:
عن نافع: أن الناس كانوا يأتون الشجرة. فقطعها عمر. (رواه ابن وضاح ص: 42 - 43، ورجال إسناده ثقات، وروى عن شيخه عيسى بن يونس مفتي أهل طرطوس:«قطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحت فخاف عليهم الفتنة» .وراجع لي كتابي «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» .
القصة الثالثة:
ما وقع في عهده رضي الله عنه من تعمية قبر دانيال، فيما رواه أبو خلدة خالد
بن دينار، قال ما مختصره: حدثنا أبو العالية قال: «لما فتحنا تستر، وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه، قلت: وما يرجون منه؟ قالت: من كنت تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له: دانيال» (رواه ابن إسحاق في مغازيه، ورواه غيره على وجوه أخر وفي بعضها أن الدفن كان بأمر عمر).
ومن هذا الباب ما ورد عن علي بن الحسين رضي الله عنها أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، فقال:«ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تتخذوا عند قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم» .
(رواه الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» ، ورواه أبو يعلي في مسنده، وفي إسناده رجل من أهل البيت مستور، وبقية رجاله ثقات).
ففي هذه الآثار النهي عن قصد قبور الأنبياء وتتبع آثارهم للصلاة والدعاء عندها، وذلك سداً للذريعة وخشية الغلو فيهم المؤدي إلى الشرك بالله تعالى.
ولذا لم يكن ذلك من فعل السلف الصالح رضي الله عنهم، بل قال شيخ الإسلام في «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» ما ملخصه (ص186 - 187):
كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجاً وعمَّاراً ومسافرين ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرَّى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحباً لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسنته، وأتبع لها من غيرهم، وأيضاً
فإن تحرَّي الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، وذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والشارع قد حسم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد.
فإذا كان قد نهى عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان سداً للذريعة فكيف يستحب قصد الصلاة والدعاء في مكان اتفق قيامهم فيه أو صلاتهم فيه من غير أن يكون قصدوه للصلاة فيه؟.ولو ساغ هذا لاستحب قصد جبل حراء والصلاة فيه، وقصد جبل ثور والصلاة فيه، وقصد الأماكن التي يقال أن الأنبياء قاموا فيها كالمقامين اللذين بجبل قاسيون بدمشق اللذين يقال أنهما مقام إبراهيم عليه السلام، والمقام الذي يقال إنه مغارة دم قابيل، وأمثال ذلك من البقع التي بالحجاز والشام وغيرها. ثم ذلك يفضي إلى ما أفضت إليه مفاسد القبور، فإنه يقال: أن هذا مقام نبي أو قبر نبي أو ولي، بخبر لا يعرف قائله، أو نمام لا تعرف حقيقته!.
ثم يترتب على ذلك اتخاذه مسجداً فيصير وثناً يعبد من دون الله تعالى؛ شرك مبني على إفك، والله سبحانه يقرن في كتابه بين الشرك والكذب، كما يقرن بين الصدق والإخلاص. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح:«عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله (مرتين)» .
ثم قرأ: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان، واجتنبوا قول الزور، حنفاء لله غير مشركين} (1).
ثم قال مثل هذا القول في الكتاب المذكور (ص203 - 204) ثم قال:
(1) سورة الحج، الآية 30. [منه].
(ص208 - 209): وقد صنف طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس وغيره من البقاع التي بالشام، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم، وأمثل من ينقل عنه تلك الإسرائيليات كعب الأحبار. وكان الشاميون قد أخذوا عنه كثيراً من الإسرائيليات، وقد قال معاوية رضي الله عنه:
وما رأينا في هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب أمثل من كعب، وإن كنا لنبلو عليه الكذب أحياناً. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
ومن العجب أن هذه الشريعة المحفوظة مع هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة، إذا حدث بعض أعيان التابعين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحديث كعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأبي العالية ونحوهم، وهم من خيار علماء المسلمين وأكابر أئمة الدين، توقف أهل العلم في مراسيلهم وليس بين أحدهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا رجل أو رجلان أو ثلاثة مثلاً، فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء، وبين كعب وبين النبي الذي ينقل عنه ألف سنة أو أكثر أو أقل، وهو لم يسند ذلك عن ثقة بعد ثقة بل غايته أن ينقل عن بعض الكتب التي كتبها شيوخ اليهود، وقد أخبر الله عن تبديلهم وتحريفهم، فكيف يحل للمسلم أن يصدق شيئاً بمجرد هذا النقل؟ بل الواجب أن لا يصدق ذلك ولا يكذبه إلا بدليل يدل على كذبه، وهكذا أمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء أو منسوخ في شريعتنا ما لا يعلمه إلا الله، ومعلوم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان قد فتحوا البلاد بعد موت النبي