المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب التوحيد وما يضاده من الشرك

- ‌جماع أبواب الكلام على التوحيد: تعريفه، وأقسامه، وأهمية الدعوة إليه، وبيان لوازم ومقتضيات النطق بالشهادتين والكلام على الشرك: تعريفه، وأنواعه، وخطورة الوقوع فيه

- ‌[74] باب أهمية إعطاء الدعوة إلى التوحيدوالعقيدة الصحيحة الأولوية عند الدعاة

- ‌[75] باب منه

- ‌[76] باب نصيحة الشيخ لبعضالداعيات أن تجعل التوحيد أولى أولوياتها

- ‌[77] باب أصل دعوة الأنبياءوالرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة

- ‌[78] باب فضل التوحيد وأنه ينجي من الخلود في النار

- ‌[79] باب الموحد لا يخلد في النار

- ‌[80] باب الذنبوإن عظُم لم يكن موجباً للنار متى ما صحت العقيدة

- ‌[81] باب أهمية التوحيدوبيان أنه لا تنفع الأعمال الصالحة بدونه

- ‌[82] باب لا يُحدث العامة بأحاديثقد يساء فهمها في فضل التوحيد

- ‌[83] باب منه

- ‌[84] باب أقسام التوحيد والشرك

- ‌[85] باب بيان أقسام التوحيد والشرك

- ‌[86] باب أقسام التوحيد والشرك والكفر

- ‌[87] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

- ‌[88] باب الدفاع عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وبيان التوحيد الذي دعى إليه، مع التنبيه على أقسام التوحيد وخطر الشرك

- ‌[89] باب كان الناس على التوحيد ثم طرأ عليهم الشرك

- ‌[90] باب الرد على من يقول أن الدعوة إلى التوحيد تفرق الصف

- ‌[91] باب إخلاص العبودية لله

- ‌[92] باب توحيد الاتباع

- ‌[93] باب منه

- ‌[94] باب معنى الشهادتين

- ‌[95] باب بيان مقتضيات الشهادتين

- ‌[96] باب معنى شهادة أن لا إله إلا الله وبيان مقتضياتها

- ‌[97] باب لوازم الشهادة لله بالوحدانية

- ‌[98] باب تلقين المحتضر شهادة التوحيد

- ‌[99] باب معنى شهادة أن محمدًا عبد الله ورسوله وبيان مقتضياتها

- ‌[100] باب لوازم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[101] باب هل هناك فرق بين تفسير لا إله إلا الله، بلا معبود إلا الله أو بلا معبود بحق "في الوجود" إلا الله

- ‌[102] باب هل قيد «في الوجود» في قولنا: لا معبود بحق في الوجود إلا الله؛ مهم

- ‌[103] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة»

- ‌[104] باب هل نسخت الأحاديث الواردةفيمن قال لا إله إلا الله وأنه يدخل الجنة

- ‌[105] باب هل هناك ممن يقول: «لا إله الله» من يدخل النار أولا

- ‌[106] باب محمد عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد

- ‌[107] باب السلامة من الشرك أهم ما في العقيدة

- ‌[108] باب التحذير من الشرك وبيان أنه أكبر الكبائر

- ‌[109] باب بيان خطر الشرك

- ‌[110] باب عظم خطر الكفر والشرك

- ‌[111] باب بيان خطورة الشرك بالله، وأثر ذلك على العبادات كالحج

- ‌[112] باب الشرك هو الكفر

- ‌[113] باب كل كفر شرك

- ‌[114] باب هل بين الكفر والشرك فرق

- ‌[115] باب كلمة حول الفرق بين الكفر والشرك

- ‌[116] باب بيان خطأ مقولة: الخطأ مغفور في الفروع دون الأصول، والتعرض لمسألة التفريق بين الكفر أو الشرك

- ‌[117] باب أركان نفي الشرك بالله

- ‌[118] باب تعريف المشرك

- ‌[119] باب ضوابط التفرقة بين الشرك الأكبر والأصغر

- ‌[120] باب شرك الطاعة

- ‌[121] باب أول من عبد الأصنام وغيَّر دين إسماعيل عليه السلام

- ‌[122] باب ردّ شبهةٍ لمن جوَّز صناعة التماثيل

- ‌[123] باب الترهيب من الرياء

- ‌[124] باب الاستكبار عن عبادته تعالى ودعائه يوجب غضبه تعالى، والرد على من ادعى أن دعاء الله سوء أدب مع الله

- ‌[125] باب سؤال الله، والرد على من حرَّمه

- ‌[126] باب جواز إطلاق لفظ المشرك على أهل الكتاب

- ‌[127] باب هل الكتابيات مشركات

- ‌(توحيد الربوبية)

- ‌[128] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

- ‌[129] باب ذكر أخذ الميثاقمن ذرية بني آدم وهل كان على الحقيقة

- ‌[130] باب منه

- ‌[131] باب منه

- ‌[132] باب حُكْم من لم يوف بالميثاق [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[133] باب ضلالة عقيدة الأقطاب والأوتاد

- ‌[134] باب جواب من خلق الله

- ‌[135] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن تلبس بشرك الربوبية

- ‌جامع أحكام القبور

- ‌جماع أبواب الكلامحول حكم اتخاذ القبور مساجد، وحكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور، وما يتصل بذلك من مسائل

- ‌[136] باب أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌[137] باب معنى اتخاذ القبور مساجد

- ‌[138] باب حكم اتخاذ القبور مساجد

- ‌[139] باب حكمة تحريم بناء المساجد على القبور

- ‌[140] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور

- ‌[141] باب في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي

- ‌[142] باب بناء المساجد على القبور مفضاة للشرك

- ‌[143] باب حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور

- ‌[144] باب هل الصلاة في المساجد التي فيها قبور باطلة

- ‌[145] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء

- ‌[146] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور

- ‌[147] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد، وهل يلزم من ذلك حرمة الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[148] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد

- ‌[149] باب حكم اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها

- ‌[150] باب من هو قائل عبارة"يُحذِّر ما صنعوا" في حديث اتخاذ القبور مساجد

- ‌[151] باب هل عمَّى الصحابة موضِعَ قبر النبي دانيالحتى لا يُتَّخَذ على قبره مسجداً

- ‌[152] باب مدى صحة تخصيص حرمة الصلاة في المساجد التي فيها قبور فيما إذا كان المصلي يستقبل القبر، وحكم الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[153] باب هل تجوز صلاة الجنازة في مسجد فيه قبر

- ‌[154] باب منه

- ‌[155] باب حكم صلاة الجنازة داخل المقبرة في مكان مخصص للصلاة ليس فيه قبور

- ‌[156] باب هل تجوزالصلاة في مسجد فيه قبر لمن لم يجد مسجدًا غيره

- ‌[157] باب منه

- ‌[158] باب حكم الصلاة في مسجد نُبِشَ القبر الذي فيه

- ‌[159] باب إذا وجدالقبر في المسجد فهل يزال القبر أم المسجد

- ‌[160] باب حكم الصلاة في غرفة مضافة إلى المسجد فيها قبر

- ‌[161] باب حكم الصلاة في مسجد فيه قبر في ساحته الخارجية

- ‌[162] باب حكم الصلاة في المسجد المبني بجوار المقبرة

- ‌[163] باب حرمة الصلاة في المقبرة سدًا لذريعة الشركومناقشة من خالف ذلك

- ‌[164] باب شبهات وجوابها حول حكم اتخاذ القبور مساجد

- ‌جماع أبواب الكلام حول حكم زيارة القبوروما يشرع عند القبور وما لا يشرعوالمسائل التي تتصل بذلك

- ‌[165] باب أئمة دعوة التوحيديجيزون زيارة القبور زيارة شرعية

- ‌[166] باب ذكر جملة من أحكام زيارة القبوروتحقيق القول في حكم زيارة النساء للقبور

- ‌[167] باب ما يحرم عند القبور

- ‌[168] باب بدع زيارة القبور

- ‌[169] باب حد الزيارة الشرعية للقبور، وكيفية السلام على الموتى

- ‌[170] باب هل يصح شيء في النهيعن زيارة القبور ليلاً للرجال

- ‌[171] باب هل زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمقبرة ليلاً خاص به

- ‌[172] باب الرد على القول بتحريم زيارة النساء للقبور

- ‌[173] باب حكم زيارة النساء للقبور

- ‌[174] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لعن الله زوارات القبور»

- ‌[175] باب هل يجوز زيارة النساء للقبور للاتعاظ

- ‌[176] حكم تخصيص زيارة الأحياء للأموات، أو للأحياء يوم العيد

- ‌[177] باب حكم زيارة القبور يوم العيد

- ‌[178] باب حكم تخصيص زيارة القبور في العيد

- ‌[179] باب هل هناك دليل نقلىعلى عدم جواز تخصيص العيد بزيارة القبور

- ‌[180] باب هل ما يقع فيه القبوريون يُعَد من الكفر العملي

- ‌[181] باب حرمة استقبال القبر بالصلاة

- ‌[182] باب التمسح بالقبور من الشرك

- ‌[183] باب هل في حديث: «الله الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا» دليل على جواز التمسح بالقبور

- ‌[184] باب حكم قراءة القرآن عند القبور

- ‌[185] باب حكم القراءة على القبر

- ‌[186] باب حكم زراعة أشجار على القبور

- ‌[187] باب لا حج إلا لبيت الله الحرامأما الحج إلى القبور فمن الشرك

- ‌[188] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة

- ‌[189] باب الطواف حول القبور وثنية لا يرضاها الإسلام

- ‌[190] باب لا تستقبل القبور حين الدعاء

- ‌[191] باب حكم قصد القبر للدعاء عنده تبركاً

- ‌[192] باب منه

- ‌[193] باب حكم استقبال القبور بالدعاء

- ‌[194] باب هل يشرع تقصد القبر بالسلام والدعاء

- ‌[195] باب وضع المال عند القبر غير مشروع

- ‌[196] باب هل يجوز تعليم القبر وزيارته بعينه

- ‌[197] باب حكم البناء على القبر للضرورة والكتابة عليه

- ‌[198] باب حكم إحياء قبور الصحابة والعناية بها

- ‌جماع أبواب الكلامحول حكم شد الرحال للقبور والمواطن الفاضلةوحكم تتبع آثار الأنبياء والصالحين وتَقَصُّدَها

- ‌[199] باب بدعية تتبع آثار الأنبياء والصالحين

- ‌[200] باب حكم تتبع آثار الأنبياء

- ‌[201] باب تَقَصًد آثار الأنبياء للصلاة عندها وسيلة للشرك

- ‌[202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين

- ‌[203] باب هل شد الرحال يحرم لغيرالمساجد الثلاثة من المساجد فقط أم أن ذلك عام

- ‌[204] باب حديث: «لا تشد الرِّحال» يشمل المواطن الفاضلة

- ‌[205] باب بدعية شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين

- ‌[206] باب ما هو الحكم الشرعي في شد الرحال إلى القبور

- ‌[207] باب حكم شد الرحال إلى القبوروإلى المواطن الفاضلة

- ‌[208] باب بدعية قصد المساجد التي بمكة غير المسجد الحرام

- ‌[209] باب بدعية قصد الجبال والبقاع التي حول مكة

- ‌[210] باب بدعية قصد الصلاة في مسجد عائشة

- ‌[211] باب بدعية قصد شيء من المساجد والمزارات التي بالمدينة غير المسجد النبوي ومسجد قباء

- ‌[212] باب لا يجوز شد الرحل إلى مسجد قباء مع فضيلته

- ‌[213] باب بدعية الصلاة عند قبر إبراهيم الخليل عليه السلام

- ‌[214] باب فتوى الشيخ في النُصُب المزعوم للخضرالذي كان موجوداً في جزيرة فيلكا وعلى دعوى المبتدعةوعَبدَةِ القبور في حياة الخضر

- ‌جماع أبواب الكلامحول مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[215] باب تحرير القول في مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع سرد جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذا الباب

- ‌[216] باب جواز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلمدون شد الرحل إليه بقصد الزيارة

- ‌[217] باب بدع زيارة القبر النبوي

- ‌[218] باب من صور الغلو في زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[219] باب منه

- ‌[220] باب منه

- ‌[221] باب بيان بطلان ما ينسبإلى أسامة بن زيد من صلاته عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[222] باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلمحكمها حكم زيارة باقي القبور

- ‌[223] باب هل تشرع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[224] باب الانتصار لشيخ الإسلامفي قوله بحرمة شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي

- ‌[225] باب رد بعض شبهاتالمجيزين لشد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[226] باب هل تجوز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد كل صلاة

- ‌[227] باب الفرق بين السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلممن المدينة المنورة ومن خارجها

الفصل: ‌[202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين

إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي في المدينة ما عدا قباء وأُحداً.

وتفصيل القول في هذا المقام راجعه في «اقتضاء الصراط المستقيم» .

وما رجحناه من المنع إنما هو في المواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتفاقاً، وأما الأماكن التي كان عليه الصلاة والسلام يقصدها للصلاة والدعاء عندها فقصدها من أجل ذلك سنة اقتداءً به عليه السلام، ثم إن ذلك المنع إذ لم يقترن به شد رحل، وأما إذا اقترن به ذلك فهو ممنوع قطعاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد

» الحديث.

"الثمر المستطاب"(1/ 471 - 472).

[202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اجتمع الكفار يتشاورون في أمري فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ياليتني بالغوطة بمدينة يقال لها دمشق، حتى آتي الموضع مستغاث الأنبياء حيث قَتَلَ ابن آدم أخاه، فأسال الله أن يهلك قومي فإنهم ظالمون، فأتاه جبريل فقال يا محمد ائت بعض جبال مكة فأوإلى بعض غاراتها، فإنها معقلك من قومك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر رضي الله عنه معه حتى أتيا الجبل، فوجدا غاراً كثير الدواب، فجعل أبو بكر

رضي الله عنه يمزق رداءه، وسد الثغور، والثقب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهم لاتنساها

لأبي بكر».

[قال الإمام]:

حديث منكر

وحديث هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشهور مستفيض من وجوه شتى، وليس في شيء منهما ما في هذا الحديث من تمنية صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون بالغوطة ليأتي

ص: 496

مستغاث الأنبياء فيدعو على قومه! ولست أشك أن هذا القدر منه مكذوب موضوع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد علم كل مطلع على السنّة أن لم يكن من هديه عليه السلام تتبع آثار الأنبياء والدعاء عندها، بل هذا مما نهى عنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره، وقد ورد عنه في ذلك ثلاث قصص:

القصة الأولى:

عن ابن سويد قال: خرجت مع أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة، ثم رأى الناس يذهبون مذهباً فقال:«أين يذهب هؤلاء؟» قيل: «يا أمير المؤمنين مسجد صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم يأتون يصلّون فيه» .فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعاً، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصلّ، ومن لا فليمضِ ولا يتعمدها» .

رواه سعيد بن منصور في «سننه» ، وابن وضاح القرطبي في «البدع والنهي عنها» (ص41 و42) بإسناد صحيح على شرط الشيخين.

القصة الثانية:

عن نافع: أن الناس كانوا يأتون الشجرة. فقطعها عمر. (رواه ابن وضاح ص: 42 - 43، ورجال إسناده ثقات، وروى عن شيخه عيسى بن يونس مفتي أهل طرطوس:«قطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحت فخاف عليهم الفتنة» .وراجع لي كتابي «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» .

القصة الثالثة:

ما وقع في عهده رضي الله عنه من تعمية قبر دانيال، فيما رواه أبو خلدة خالد

ص: 497

بن دينار، قال ما مختصره: حدثنا أبو العالية قال: «لما فتحنا تستر، وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه، قلت: وما يرجون منه؟ قالت: من كنت تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له: دانيال» (رواه ابن إسحاق في مغازيه، ورواه غيره على وجوه أخر وفي بعضها أن الدفن كان بأمر عمر).

ومن هذا الباب ما ورد عن علي بن الحسين رضي الله عنها أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، فقال:«ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تتخذوا عند قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم» .

(رواه الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» ، ورواه أبو يعلي في مسنده، وفي إسناده رجل من أهل البيت مستور، وبقية رجاله ثقات).

ففي هذه الآثار النهي عن قصد قبور الأنبياء وتتبع آثارهم للصلاة والدعاء عندها، وذلك سداً للذريعة وخشية الغلو فيهم المؤدي إلى الشرك بالله تعالى.

ولذا لم يكن ذلك من فعل السلف الصالح رضي الله عنهم، بل قال شيخ الإسلام في «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» ما ملخصه (ص186 - 187):

كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجاً وعمَّاراً ومسافرين ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرَّى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحباً لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسنته، وأتبع لها من غيرهم، وأيضاً

ص: 498

فإن تحرَّي الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، وذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والشارع قد حسم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد.

فإذا كان قد نهى عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان سداً للذريعة فكيف يستحب قصد الصلاة والدعاء في مكان اتفق قيامهم فيه أو صلاتهم فيه من غير أن يكون قصدوه للصلاة فيه؟.ولو ساغ هذا لاستحب قصد جبل حراء والصلاة فيه، وقصد جبل ثور والصلاة فيه، وقصد الأماكن التي يقال أن الأنبياء قاموا فيها كالمقامين اللذين بجبل قاسيون بدمشق اللذين يقال أنهما مقام إبراهيم عليه السلام، والمقام الذي يقال إنه مغارة دم قابيل، وأمثال ذلك من البقع التي بالحجاز والشام وغيرها. ثم ذلك يفضي إلى ما أفضت إليه مفاسد القبور، فإنه يقال: أن هذا مقام نبي أو قبر نبي أو ولي، بخبر لا يعرف قائله، أو نمام لا تعرف حقيقته!.

ثم يترتب على ذلك اتخاذه مسجداً فيصير وثناً يعبد من دون الله تعالى؛ شرك مبني على إفك، والله سبحانه يقرن في كتابه بين الشرك والكذب، كما يقرن بين الصدق والإخلاص. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح:«عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله (مرتين)» .

ثم قرأ: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان، واجتنبوا قول الزور، حنفاء لله غير مشركين} (1).

ثم قال مثل هذا القول في الكتاب المذكور (ص203 - 204) ثم قال:

(1) سورة الحج، الآية 30. [منه].

ص: 499

(ص208 - 209): وقد صنف طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس وغيره من البقاع التي بالشام، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم، وأمثل من ينقل عنه تلك الإسرائيليات كعب الأحبار. وكان الشاميون قد أخذوا عنه كثيراً من الإسرائيليات، وقد قال معاوية رضي الله عنه:

وما رأينا في هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب أمثل من كعب، وإن كنا لنبلو عليه الكذب أحياناً. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم باطل فتصدقوه، وإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه» .

ومن العجب أن هذه الشريعة المحفوظة مع هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة، إذا حدث بعض أعيان التابعين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحديث كعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأبي العالية ونحوهم، وهم من خيار علماء المسلمين وأكابر أئمة الدين، توقف أهل العلم في مراسيلهم وليس بين أحدهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا رجل أو رجلان أو ثلاثة مثلاً، فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء، وبين كعب وبين النبي الذي ينقل عنه ألف سنة أو أكثر أو أقل، وهو لم يسند ذلك عن ثقة بعد ثقة بل غايته أن ينقل عن بعض الكتب التي كتبها شيوخ اليهود، وقد أخبر الله عن تبديلهم وتحريفهم، فكيف يحل للمسلم أن يصدق شيئاً بمجرد هذا النقل؟ بل الواجب أن لا يصدق ذلك ولا يكذبه إلا بدليل يدل على كذبه، وهكذا أمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء أو منسوخ في شريعتنا ما لا يعلمه إلا الله، ومعلوم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان قد فتحوا البلاد بعد موت النبي

ص: 500