الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلبته كثير والعمر عن تحصيله قصير، فقدم الأهم منه فالأهم ولا يخفى عليكن أن أهم شيء في الإسلام هو التوحيد والعقيدة الصحيحة، ولذلك فينبغي البدء بهذا الأصل الأول من أصول الإسلام {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19) وليكن هذا المنطلق من رسالة العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي الحنفي فإنها وإن كان مؤلفها حنفي المذهب ماتريدي المشرب فإنه سليم بالمائة تسعة وتسعين، وهناك مسألة واحدة فقط خالف فيها منهجنا السلفي الحديثي وهو أنه يذهب إلى أن الإيمان فقط عقيدة وأنه لا يدخل في مسماه العمل الصالح خلافاً لأهل الحديث، ولذلك فليكن المنطلق في تدريس العقيدة من هذه الرسالة لصحتها على ما بينت آنفاً، ولأنها مقبولة حتى عند المخالفين للمنهج السلفي، هذه نصيحتي، خلاصتها الدعوة بالتي هي أحسن .. بالحكمة والموعظة الحسنة والبدء بالعقيدة انطلاقاً من هذه الرسالة الطيبة ..
"الهدى والنور"(664/ 12: 01: 00)
[77] باب أصل دعوة الأنبياء
والرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة
أصل دعوة كل الأنبياء والرسل إنما هي قائمة على عبادة الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له.
فكل نبي بعثه الله، وكلُّ رسول أرسله الله إلى قومه فإنما كان أول ما يدعوهم إليه: أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطاغوت.
على هذا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى هذا الأساس وقع الخلاف بينه وبين قومه، لأنهم كما تعلمون جميعاً والمسألة لا تحتاج إلى كثير من البيان والتفصيل،
فقد كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى فلما دعاهم أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، ودعاهم إلى أن يقولوا: معه: لا إله إلا الله، استكبروا عن ذلك وقالوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5).
كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أول ما بدأ بالدعوة هي: دعوة قومه إلى هذا التوحيد، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أرسل رسولاً من طرفه إلى قبيلة من قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام، فلم تكن دعوة رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإيمان بإسلام غير واضح معالمه، وإنما كانت دعوة رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما كانت دعوته إلى الإسلام أن يعبدوا الله وحده لا شريك له.
على هذا أدب النبي صلى الله علي وآله وسلم أصحابه، وعلمهم كذلك أن يدعوا غيرهم إلى دين الله عز وجل.
من ذلك ما جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما بعث معاذاً إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام، ولعلكم تعلمون أن اليمن يومئذ كان يجمع بين أقوام مشركين وأقوام آخرين من أهل الكتاب، من الذين يدعون مع الله عيسى بن مريم، لذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسوله معاذاً حينما بعثه إلى اليمن قال له: «ليكن- وهنا الشاهد- ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك فمرهم بالصلاة
…
الخ الحديث».
والشاهد من هذا الحديث ومن الآية السابقة وما في معناها وهي آيات كثيرات طيبات في كتاب الله عز وجل: أن دعوة الرسول، دعوة أتباع الرسل
إنما يكون اهتمام بدعوة من حولهم إلى هذه الكلمة الطبية: إلى شهادة أن لا إله إلا الله.
ولكن المسلمين اليوم بسبب بعد عهدهم بإسلامهم وبدينهم الذي جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاهرا نقيا كما جاء في الحديث: «ليلها كنهارها» .
بسبب هذه المسافة الشاسعة التي حالت بين المسلمين وبين تلقيهم الإسلام هكذا غضاً طرياً قد دخل في الإسلام، في أصوله فضلا عن فروعه ما لم يكن من قبل له وجود، أوْ لَهُ ذكر عن المسلمين الأولين.
يضاف إلى ذلك: أن القرآن الكريم كما تعلمون جميعاً أنزله الله على قلب محمد صلى الله علي وآله وسلم بلسان عربي مبين، وإلى العرب
…
الذين نزل القرآن بلسانهم، فكان ميسراً لديهم أن يفهموه دون أن يتولى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بيان الكثير منه إلا ما كان له علاقة ببيان الأحكام التي تكون أصولها موجودة في كتاب الله عز وجل، أما نحن اليوم فلدخول العجمة في ألسنتنا نحن معشر العرب أصبحنا لا نفهم من القرآن الكريم من حيث اللغة العربية عل الأقل ما كان يفهمه العرب الأولون، وفهم المشركون الذين حاربوا دعوة التوحيد، كأبي جهل وأمثاله فقد كانوا بسبب لغتهم يفهمون حينما يقول لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله» .فهم يفهمون أن معنى هذه الشهادة: الكفر بكل ما سوى الله تبارك وتعالى فما عبد من دونه، في عهد المشركين الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة أو فيمن قبلهم، فكل هؤلاء وهؤلاء من المشركين كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى.
فكلمة الإله في اللغة العربية التي نزل بها القرآن كما ذكرنا وفهمها العرب الذين بعث إليهم الرسول عليه السلام مباشرة اليوم كثير من المسلمين لا يفهمون هذه اللفظة حق فهمها، وإنما قد يفهمونها بمعنى آخر ليس مرادًّ فاللفظة:«لا إله»
إنما هو جزء من المعنى الذي يدل عليه لفظ: «الإله» .
نحن نعلم اليوم حينما نسمع من بعض المسلمين حتى ممن قد يعدون أنفسهم من الدعاة فضلا عن عامة الناس أنهم يفهمون أن معنى الإله: هو بمعنى الرب؛ فيفسرون الكلمة الطيبة التي هي أصل الإسلام كما تعرفون وكما سمعتم الحديث السابق ذكره يفهمون لا إله: أي لا رب إلا الله، وهذا فهم قاصر ناقص، من شهد أن لا إله إلا الله بمعنى: أن لا رب إلا الله فقط، وأرجو أن تنتبهوا لقولي فقط؛ لأنني أريد أن أقول: لا إله تعني: لا رب وشيء أخر: أي لا رب يعبد إلا الله عز وجل وبحق، فلا إله لا تعني لا رب إلا الله، لا خالق إلا الله فقط؟ لا، لابد من أن يضم إلى ذلك في عقيدة المسلم الذي لا بد أن يتشهد بهذا الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله أن يكون قد فهم أن معناها: لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى. فإذا فهم المسلم هذا الفهم الصحيح؛ فهو قد استقام على الجادة، وأخذا الخيط الأول منها.
ثم علية بعد ذلك أن يحقق هذا المعنى الذي فهمه وآمن به وصدقه، أن يحققه في حياته التي يزعم بأنه يعبد الله عز وجل فيها وحده لا شريك له.
كثير من الناس يتوهمون أن العبادة فقط إنما هي أن تصلى لله وحده لا شريك له، وأنك إذا ركعت، سجدت أو استغثت أو استعنت في الشدائد بغير الله عز وجل لا تكون أضررت بشهادتك بقولك: لا إله إلا الله، كثير من الناس يتوهمون أن من استعان بغير الله في الشدائد هذا لا يناقض شهادة التوحيد، هذا خطأ فاضح واضح جداً؛ لأن هذا الشهادة تعني: أن لا معبود بحق في الوجود إلا الله، وأنت إذا استعنت بالله عز وجل في حالة الشدة حيث لا يمكن لأحد من البشر أن يغيثك، سواء كان من الأحياء أو الأموات؛ فقد جعلت هذا المستغاث، شريكا مع الله
تبارك وتعالى وحينذاك تكون قد أخللت بهذه الشهادة، ولم تؤمن بها حق الإيمان.
كل مسلم اليوم من يصلى، لا تصح صلاته إلا إذا قرأ فاتحة الكتاب كما تعلمون.
فهو في أوله يخاطب ربه بقوله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:5).
كثير من الناس يفهمون أنه لا يجوز عبادة غير الله، وهذا هو الأصل الأول من هذه الكلمة الطيبة التي يجب على المسلم أن يفهمها، ولكن لا ينتبهون إلى أن تمام الآية {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
إنها تعني: أن الاستعانة بغير الله عز وجل تناقض عبادة الله وحده لا شريك له؛ ولذلك فحينما نسمع بعض الناس أو نراهم يستعينون في الشدائد ببعض الصالحين، أو الأولياء أو الأنبياء، وهم يعلمون أنهم لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً؛ حينئذ لا يكونون قد فهموا معنى: لا إله إلا الله؛ بينما أنكروها على رسول الله، وقالوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5).
الفرق بين المسلمين اليوم والمشركين قديماً وحديثاً: أن المشركين، أعني بهم: العرب خاصة كانوا يفهمون معنى هذه الشهادة ولكن لا يؤمنون بها، أما المسلمون اليوم فالقليل منهم من يفهمها، ويؤمن بها حقاً، كثير منهم يشهدون بألسنتهم، ولكن كما قال تعالى في بعض الأعراب:{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ في قُلُوبِكُمْ} (الحجرات: 14).
والإيمان لا يتسرب إلى قلب المؤمن إلا بشيئين اثنين:
الأول: الفهم الصحيح.
الثاني: الإيمان الصحيح
لذلك نعى ربنا عز وجل على أقوام يقرؤون القرآن، لكن لا يفهمونه، قال تعالى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد: 24).
فمن الأسس التي جاء بها الإسلام: فاعلم، في القرآن:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19).
لذلك المسلمون اليوم مسلمون ولا شك؛ لأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فهم من هذه الحيثية فارقوا المشركين الذين لم ينطقوا بهذا الشهادة؛ لأنهم كانوا يعلمون أن النطق بها يلزمهم القيام بحقائقها ولوازمها ومقتضياتها.
من ذلك: أن لا يعبدوا إلا الله تبارك وتعالى وهكذا ما كانوا يصرحون به: أنهم لا يؤمنون به. لذلك قال عز وجل في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3).
فقد صرحوا بأنهم يعبدون مع الله آلهة أخرى، فما هي عبادتهم؟ هل كانوا يصلون وهم لا يعرفون الصلاة هل كانوا يصلون لتلك الآلهة: تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله؟ الجواب: لا.
إذن ما هي عبادة المشركين؛ وإنما لتقربهم إلى الله زلفى؟.
ماذا كان هؤلاء الجاهليون، هؤلاء المشركون، ماذا كانوا يفعلون مع أولئك المعبودات من دون الله عز وجل؟
كانوا يذبحون لهم، وأنتم تعلمون هذه الحقيقة، كانوا يذبحون، كانوا ينذرون لهم نذورا، كانوا في الشدائد يستغيثون بهم؛ لكن إذا جاءت شدة يعلمون أنه لا مغيث لهم منها إلا الله حينئذ ذكروا الله عز وجل ولجأوا إليه كما هو مصرح في عديد من الآيات الكريمة، إذن المسلم يجب أن يتعلم الأشياء التي تنافى التوحيد حتى يكون منزهاً من الوقوع فيها من حيث لا يدري ولا يشعر؛ لذلك جاء في بعض الأحاديث:«من قال: لا إله إلا الله وكفر بما سوى الله دخل الجنة» (1) فلا بد من الجمع بين إثبات العبادة لله عز وجل ونفي العبادة عن غير الله عز وجل.
العبادات كثيرة، وكثيرة جداً.
فكلُّ ما تعبدنا الله عز وجل به، كلُّ ما تعبد الله به من العبادات، سواء كانت من الفرائض أو الواجبات أو المستحبات، فلا يجوز للمسلم أن يتوجه بشيء منها إلى غير الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم كما تعلمون:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} (الأنعام: 162) أي: وأضحيتي وذبحيتي {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162).
فمن ذبح لغير الله معنى ذلك: أنه عبد غير الله، ليس من الضروري أن يصلى لهذا الغير، يكفيه شركاً أن يذبح لغير الله، يكفيه شركاً أن ينذر لغير الله، يكفيه شركاً أن يحلف بغير الله، كل هذه الأشياء جاء النص في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في لعن فاعلها:«من ذبح لغير الله فهو ملعون» (2). مطرود من رحمة الله، لماذا؟ ، لأنه تقرب إلى غير الله بما لا يجوز له أن يتقرب به إلا إلى لله تبارك وتعالى لذلك بارك الله فيكم لا ينبغي لكم أن تكتفوا بأن تتكلموا سواء في الصلاة أو خارج
(1) صحيح مسلم (رقم139).
(2)
صحيح مسلم (رقم5239).
الصلاة تسبحون الله وتكبرونه وتهللونه: فتقولون: لا إله إلا الله، ثم لا تفهمون
معناها جيداً، وهأنذا قد ذكرتكم ببعض الأمثلة التي هي من واقع كثير من المسلمين اليوم.
نحن لا نتكلم عن أمور خيالية، وإنما هي مع الأسف أمور مشهودة وواقعة بصفوف كثير من المسلمين لا أقول: من عامتهم، بل ومن بعض خاصتهم الذين على الأقل إن لم يفعلوا فعل عامتهم، أيدوا فعل عامتهم، وقالوا: دعوهم وشأنهم، نيتهم طيبة.
هذا هو الضلال المبين، هذا إقرار للشرك الذي يقع فيه بعض الجهلة من المسلمين بديل أن يحرروهم، وأن ينبهوهم ولا بأس أن يتلطفوا معهم: أن يقولوا مثلاً: أنت يا أخي لما تنذر نذراً للولي الفلاني تريد أن تحترم وأن تقدس هذا الولي لصلاحه وتقواه، ولكن كما قيل:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل.
ما يكون تعظيم الأولياء والصالحين بمخالفة الأولياء والصالحين فيما كانوا عليه من عبادة وصلاح وعقيدة، الصالحون لا يعبدون إلا الله، ومن ذلك: أنهم لا يذبحون إلا لله، ولا ينذرون إلا بالله، ولا يحلفون إلا لله، فإذن أنت أيها الأخ المسلم لا تذبح للقبر الفلاني، للولي الفلاني.
اذبح لله عز وجل وقل بلسانك وبلبك: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162). فلا يجوز للمسلم أن يفرق بين صلاته فيقول: أنا لا أصلى إلا لله، وهذا حق، فينبغي أيضاً أن يقول ويلتزم ما يقول: ألا يذبح إلا لله؛ لأنه من ذبح لغير الله فهو ملعون كما جاء في صحيح مسلم بالسند الذي لا غبار
عليه من حيث الصحة: «ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض» (1) الحديث له تتمة حسبنا الآن هذا الشاهد منه: «ملعون من ذبح لغير الله» .
«لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» (2)، «من حلف بغير الله فقد أشرك» (3).
اليوم الحلف بغير الله أمر منتشر بين العرب وهذا أمر عجيب جداً الحلف بغير الله منتشر بين العرب أكثر من كثير من العجم.
فالعرب هم الذين حملوا الدعوة الأولى، وهم الذي يليق بهم، وهم أولى أن يحملوها في هذا الزمن؛ لأنهم هم الذين باستطاعتهم أن يفهموا كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهما صحيحاً.
والشاهد: أن كلمة لا إله إلا الله، التي ينجو بها المسلم في الدنيا من أن يقاتل، أو يفرض عليه الجزية، ويدفعها عن يد وهو صاغر، وينجو يوم القيامة من الخلود في النار، هذه الكلمة الطيبة لا تفيده إلا إذا فهمها فهماً صحيحاً، وآمن بهذا الفهم الصحيح إيماناً صادقاً ثم طبقه في حياته، في منطلقه في حياته.
لذلك تذكروا في نهاية هذا الكلمة كلمة حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه الذي كان يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وأسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه» (4).
(1) المصدر السابق.
(2)
البخاري (رقم3624).
(3)
صحيح الجامع (رقم6204).
(4)
البخاري (رقم3411) ومسلم (رقم4890).
فإذن عليكم أن تسألوا عن الشركيات، وعن الوثنيات التي تنافي كلمة التوحيد؛ حتى يكون توحيدكم واضحاً في أذهانكم، ومستقرا في قلوبكم، وظاهرا انطلاقكم على هذا الفهم الصحيح، والإيمان الصحيح.
فلا بد إذن من الجمع بين الإيمان بعبادة الله وحدة لا شريك له، وبين معرفة ما يناقض هذا التوحيد الصحيح من الشركيات والوثنيات.
أقول كلمة أخيرة: إن المسلمين اليوم، وأعني بهم الخاصة منهم والدعاة منهم، لا يدندنون مطلقاً حول تفهيم المسلمين شهادة لا إله إلا الله وما يلزمها وما يعارضها وينافيها.
يتوهمون أن المسلمين اليوم كلهم والحمد لله موحدون، ولا يتذكرون أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام عند العلماء والمحققين، الذين فهموا الكتاب والسنة فهماً صحيحاً بعدما دخلت العجمة إلى لسان العرب، ودخل فيهم من الشركيات والوثنيات ما لم يكن للسلف الأول، ما لم يكن لهم عهد بذلك.
هؤلاء العلماء جعلوا التوحيد ثلاثة أقسام:
1 -
توحيد الربوبية وأذكر بأن توحيد الربوبية الذي هو التوحيد الأول وهو الذي هو أساس ما سيأتي من التوحيد الثاني والثالث، هذا التوحيد كان المشركون الأولون يؤمنون به.
فهل نفعهم شيء من ذلك؟.
الجواب: لا. لماذا؟
لأنهم كفروا بالتوحيد الثاني وهو توحيد العبادة، وقد شرحت لكم آنفاً كيف
كانوا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3).
أما أنهم كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية فذلك مذكور في نصوص من الكتاب والسنة ونصوص كثير ة، وكثيرة جداً.
قال الله تعالى مثلاً في بعض تلك النصوص: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25).
إذن هم يعرفون بأن خالق السموات والأرض إنما هو الرب واحد لا شريك له. والآيات في هذا المعنى كثيرة ومعروفة.
لكني أكرر لكم حديثاً: كيف كانوا يصرحون بعبادة غير الله عز وجل مع أنهم يوحدونه توحيد ربوبية، كان أحدهم إذا طاف حول الكعبة يلبى كما كان سيدنا إبراهيم وإسماعيل ومن سار على مسيرتهم يلبون، فيقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك؛ إلى هنا هذه تلبية الموحدين، لكن ماذا كانوا يقولون هم من عند أنفسهم وشركهم وضلالهم؟
كانوا يقولون بعد: لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك، لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك، فكان عليه الصلاة والسلام وهو لا يزال في مكة قبل أن يهاجر إلى المدينة حينما يسمعهم وهو يدعوهم دائماً وأبداً ليلاً نهاراً إلى ألا يعبدوا إلا الله لا شريك له: كان عليه السلام إذا سمعهم يقولون: لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك قبل أن يقولوا هذه الجملة الاستثنائية يقول: «قد قد» (1) يعني حسبكم لا تزيدوا، قفوا عند قول لا شريك لك قط قط.
(1) مسلم (رقم2872).
لكنهم لا يبالون؛ لأنهم مشركون، فيقولون: إلا شريكا تملكه أنت وما ملك انظروا ضلالهم، ما قيمة هذا الشريك الذي هو عبد مملوك لله الذي بحق لا شريك له؟ ذلك هو الضلال البعيد.
لذلك العلماء يقسمون التوحيد إلى أقسام:
1 -
توحيد الربوبية، وهذا ما كان المشركون يؤمنون به كما ذكرت.
2 -
توحيد العبادة، وقد يسمى بتوحيد الألوهية: أي لا إله: أي لا معبود بحق في الوجود إلا الله، كانوا يكفرون بهذا التوحيد قد سمعتم ما فيه الكفاية آنفاً.
3 -
التوحيد الثالث: توحيد الأسماء والصفات: أي كما أن الله عز وجل واحد في ذاته فهو واحد في ألوهيته وعبوديته، لا يعبد معه سواه، كذلك هو واحد في أسمائه وصفاته، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى: 11).
هنا لا بد لي أيضاً من وقفة والأمر كما يقال ولو طال: الحديث ذو شجون.
إن كثيراً من المسلمين اليوم يقعون في شرك الأسماء الصفات، كثير من الناس وبخاصة أولئك الذين يميلون إلى ما يسمونه التصوف، أولئك الصوفيون، الذين يعتقدون في بعض الأولياء والصالحين، أنهم يطلعون على ما في القلب، وأنهم يعلمون الغيب، حتى إنهم لم يقتصروا على هذه الضلالة، بل إنهم يتقربون إلى الله عز وجل حينما يصفون عبداً من عباد الله بما لا يليق وَلَا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:
فإن من جودك الدنيا وضرتها
…
ومن علومك علم اللوح والقلم.
ماذا ترك هذا الواصف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن من علمه من هذه كما يقول اللغويون: تبعيضية: أي من بعض علومك يا رسول الله: علم اللوح والقلم.
ماذا ترك هذا الواصف في شعره هذا لله تبارك وتعالى وهو القائل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65). {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65)؟
إذن رسول الله المصطفى الذي هو سيد الرسل والأنبياء هو لا يعلم الغيب بشهادة هذا القرآن الكريم بذلك جاء في حديث في صحيح البخاري ومسلم، حديث طويل والشاهد منه قول السيدة عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها:«ومن حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم ما في غد فقد افترى على الله» .
أو قالت: فقد أعظم الفرية على الله ثم تلت الآية السابقة: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65).
وجاء أيضا في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بجارية من جواري الأنصار وهي تغني وتقول: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال عليه الصلاة السلام: «لا يعلم الغيب إلا الله، دعي هذا وقولي مثلما كنت تقولين» (1).
في وصف الرسول عليه السلام بما وصفه الله في القرآن الكريم، كمثل قوله عز وجل:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4).
لذلك فاحفظوا هذا وتفقهوا فيه، التوحيد ثلاثة أقسام:
توحيد الربوبية: وهذا لا بد منه، لكن المشركين لما آمنوا به ما أفادهم شيئاً، لا يتم التوحيد إلا بالثاني والثالث.
الثاني: توحيد العبادة؛ ألا تعبدوا غير الله.
(1) البخاري (رقم4852).