المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[77] باب أصل دعوة الأنبياءوالرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب التوحيد وما يضاده من الشرك

- ‌جماع أبواب الكلام على التوحيد: تعريفه، وأقسامه، وأهمية الدعوة إليه، وبيان لوازم ومقتضيات النطق بالشهادتين والكلام على الشرك: تعريفه، وأنواعه، وخطورة الوقوع فيه

- ‌[74] باب أهمية إعطاء الدعوة إلى التوحيدوالعقيدة الصحيحة الأولوية عند الدعاة

- ‌[75] باب منه

- ‌[76] باب نصيحة الشيخ لبعضالداعيات أن تجعل التوحيد أولى أولوياتها

- ‌[77] باب أصل دعوة الأنبياءوالرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة

- ‌[78] باب فضل التوحيد وأنه ينجي من الخلود في النار

- ‌[79] باب الموحد لا يخلد في النار

- ‌[80] باب الذنبوإن عظُم لم يكن موجباً للنار متى ما صحت العقيدة

- ‌[81] باب أهمية التوحيدوبيان أنه لا تنفع الأعمال الصالحة بدونه

- ‌[82] باب لا يُحدث العامة بأحاديثقد يساء فهمها في فضل التوحيد

- ‌[83] باب منه

- ‌[84] باب أقسام التوحيد والشرك

- ‌[85] باب بيان أقسام التوحيد والشرك

- ‌[86] باب أقسام التوحيد والشرك والكفر

- ‌[87] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

- ‌[88] باب الدفاع عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وبيان التوحيد الذي دعى إليه، مع التنبيه على أقسام التوحيد وخطر الشرك

- ‌[89] باب كان الناس على التوحيد ثم طرأ عليهم الشرك

- ‌[90] باب الرد على من يقول أن الدعوة إلى التوحيد تفرق الصف

- ‌[91] باب إخلاص العبودية لله

- ‌[92] باب توحيد الاتباع

- ‌[93] باب منه

- ‌[94] باب معنى الشهادتين

- ‌[95] باب بيان مقتضيات الشهادتين

- ‌[96] باب معنى شهادة أن لا إله إلا الله وبيان مقتضياتها

- ‌[97] باب لوازم الشهادة لله بالوحدانية

- ‌[98] باب تلقين المحتضر شهادة التوحيد

- ‌[99] باب معنى شهادة أن محمدًا عبد الله ورسوله وبيان مقتضياتها

- ‌[100] باب لوازم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[101] باب هل هناك فرق بين تفسير لا إله إلا الله، بلا معبود إلا الله أو بلا معبود بحق "في الوجود" إلا الله

- ‌[102] باب هل قيد «في الوجود» في قولنا: لا معبود بحق في الوجود إلا الله؛ مهم

- ‌[103] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة»

- ‌[104] باب هل نسخت الأحاديث الواردةفيمن قال لا إله إلا الله وأنه يدخل الجنة

- ‌[105] باب هل هناك ممن يقول: «لا إله الله» من يدخل النار أولا

- ‌[106] باب محمد عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد

- ‌[107] باب السلامة من الشرك أهم ما في العقيدة

- ‌[108] باب التحذير من الشرك وبيان أنه أكبر الكبائر

- ‌[109] باب بيان خطر الشرك

- ‌[110] باب عظم خطر الكفر والشرك

- ‌[111] باب بيان خطورة الشرك بالله، وأثر ذلك على العبادات كالحج

- ‌[112] باب الشرك هو الكفر

- ‌[113] باب كل كفر شرك

- ‌[114] باب هل بين الكفر والشرك فرق

- ‌[115] باب كلمة حول الفرق بين الكفر والشرك

- ‌[116] باب بيان خطأ مقولة: الخطأ مغفور في الفروع دون الأصول، والتعرض لمسألة التفريق بين الكفر أو الشرك

- ‌[117] باب أركان نفي الشرك بالله

- ‌[118] باب تعريف المشرك

- ‌[119] باب ضوابط التفرقة بين الشرك الأكبر والأصغر

- ‌[120] باب شرك الطاعة

- ‌[121] باب أول من عبد الأصنام وغيَّر دين إسماعيل عليه السلام

- ‌[122] باب ردّ شبهةٍ لمن جوَّز صناعة التماثيل

- ‌[123] باب الترهيب من الرياء

- ‌[124] باب الاستكبار عن عبادته تعالى ودعائه يوجب غضبه تعالى، والرد على من ادعى أن دعاء الله سوء أدب مع الله

- ‌[125] باب سؤال الله، والرد على من حرَّمه

- ‌[126] باب جواز إطلاق لفظ المشرك على أهل الكتاب

- ‌[127] باب هل الكتابيات مشركات

- ‌(توحيد الربوبية)

- ‌[128] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

- ‌[129] باب ذكر أخذ الميثاقمن ذرية بني آدم وهل كان على الحقيقة

- ‌[130] باب منه

- ‌[131] باب منه

- ‌[132] باب حُكْم من لم يوف بالميثاق [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[133] باب ضلالة عقيدة الأقطاب والأوتاد

- ‌[134] باب جواب من خلق الله

- ‌[135] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن تلبس بشرك الربوبية

- ‌جامع أحكام القبور

- ‌جماع أبواب الكلامحول حكم اتخاذ القبور مساجد، وحكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور، وما يتصل بذلك من مسائل

- ‌[136] باب أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌[137] باب معنى اتخاذ القبور مساجد

- ‌[138] باب حكم اتخاذ القبور مساجد

- ‌[139] باب حكمة تحريم بناء المساجد على القبور

- ‌[140] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور

- ‌[141] باب في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي

- ‌[142] باب بناء المساجد على القبور مفضاة للشرك

- ‌[143] باب حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور

- ‌[144] باب هل الصلاة في المساجد التي فيها قبور باطلة

- ‌[145] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء

- ‌[146] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور

- ‌[147] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد، وهل يلزم من ذلك حرمة الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[148] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد

- ‌[149] باب حكم اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها

- ‌[150] باب من هو قائل عبارة"يُحذِّر ما صنعوا" في حديث اتخاذ القبور مساجد

- ‌[151] باب هل عمَّى الصحابة موضِعَ قبر النبي دانيالحتى لا يُتَّخَذ على قبره مسجداً

- ‌[152] باب مدى صحة تخصيص حرمة الصلاة في المساجد التي فيها قبور فيما إذا كان المصلي يستقبل القبر، وحكم الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[153] باب هل تجوز صلاة الجنازة في مسجد فيه قبر

- ‌[154] باب منه

- ‌[155] باب حكم صلاة الجنازة داخل المقبرة في مكان مخصص للصلاة ليس فيه قبور

- ‌[156] باب هل تجوزالصلاة في مسجد فيه قبر لمن لم يجد مسجدًا غيره

- ‌[157] باب منه

- ‌[158] باب حكم الصلاة في مسجد نُبِشَ القبر الذي فيه

- ‌[159] باب إذا وجدالقبر في المسجد فهل يزال القبر أم المسجد

- ‌[160] باب حكم الصلاة في غرفة مضافة إلى المسجد فيها قبر

- ‌[161] باب حكم الصلاة في مسجد فيه قبر في ساحته الخارجية

- ‌[162] باب حكم الصلاة في المسجد المبني بجوار المقبرة

- ‌[163] باب حرمة الصلاة في المقبرة سدًا لذريعة الشركومناقشة من خالف ذلك

- ‌[164] باب شبهات وجوابها حول حكم اتخاذ القبور مساجد

- ‌جماع أبواب الكلام حول حكم زيارة القبوروما يشرع عند القبور وما لا يشرعوالمسائل التي تتصل بذلك

- ‌[165] باب أئمة دعوة التوحيديجيزون زيارة القبور زيارة شرعية

- ‌[166] باب ذكر جملة من أحكام زيارة القبوروتحقيق القول في حكم زيارة النساء للقبور

- ‌[167] باب ما يحرم عند القبور

- ‌[168] باب بدع زيارة القبور

- ‌[169] باب حد الزيارة الشرعية للقبور، وكيفية السلام على الموتى

- ‌[170] باب هل يصح شيء في النهيعن زيارة القبور ليلاً للرجال

- ‌[171] باب هل زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمقبرة ليلاً خاص به

- ‌[172] باب الرد على القول بتحريم زيارة النساء للقبور

- ‌[173] باب حكم زيارة النساء للقبور

- ‌[174] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لعن الله زوارات القبور»

- ‌[175] باب هل يجوز زيارة النساء للقبور للاتعاظ

- ‌[176] حكم تخصيص زيارة الأحياء للأموات، أو للأحياء يوم العيد

- ‌[177] باب حكم زيارة القبور يوم العيد

- ‌[178] باب حكم تخصيص زيارة القبور في العيد

- ‌[179] باب هل هناك دليل نقلىعلى عدم جواز تخصيص العيد بزيارة القبور

- ‌[180] باب هل ما يقع فيه القبوريون يُعَد من الكفر العملي

- ‌[181] باب حرمة استقبال القبر بالصلاة

- ‌[182] باب التمسح بالقبور من الشرك

- ‌[183] باب هل في حديث: «الله الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا» دليل على جواز التمسح بالقبور

- ‌[184] باب حكم قراءة القرآن عند القبور

- ‌[185] باب حكم القراءة على القبر

- ‌[186] باب حكم زراعة أشجار على القبور

- ‌[187] باب لا حج إلا لبيت الله الحرامأما الحج إلى القبور فمن الشرك

- ‌[188] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة

- ‌[189] باب الطواف حول القبور وثنية لا يرضاها الإسلام

- ‌[190] باب لا تستقبل القبور حين الدعاء

- ‌[191] باب حكم قصد القبر للدعاء عنده تبركاً

- ‌[192] باب منه

- ‌[193] باب حكم استقبال القبور بالدعاء

- ‌[194] باب هل يشرع تقصد القبر بالسلام والدعاء

- ‌[195] باب وضع المال عند القبر غير مشروع

- ‌[196] باب هل يجوز تعليم القبر وزيارته بعينه

- ‌[197] باب حكم البناء على القبر للضرورة والكتابة عليه

- ‌[198] باب حكم إحياء قبور الصحابة والعناية بها

- ‌جماع أبواب الكلامحول حكم شد الرحال للقبور والمواطن الفاضلةوحكم تتبع آثار الأنبياء والصالحين وتَقَصُّدَها

- ‌[199] باب بدعية تتبع آثار الأنبياء والصالحين

- ‌[200] باب حكم تتبع آثار الأنبياء

- ‌[201] باب تَقَصًد آثار الأنبياء للصلاة عندها وسيلة للشرك

- ‌[202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين

- ‌[203] باب هل شد الرحال يحرم لغيرالمساجد الثلاثة من المساجد فقط أم أن ذلك عام

- ‌[204] باب حديث: «لا تشد الرِّحال» يشمل المواطن الفاضلة

- ‌[205] باب بدعية شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين

- ‌[206] باب ما هو الحكم الشرعي في شد الرحال إلى القبور

- ‌[207] باب حكم شد الرحال إلى القبوروإلى المواطن الفاضلة

- ‌[208] باب بدعية قصد المساجد التي بمكة غير المسجد الحرام

- ‌[209] باب بدعية قصد الجبال والبقاع التي حول مكة

- ‌[210] باب بدعية قصد الصلاة في مسجد عائشة

- ‌[211] باب بدعية قصد شيء من المساجد والمزارات التي بالمدينة غير المسجد النبوي ومسجد قباء

- ‌[212] باب لا يجوز شد الرحل إلى مسجد قباء مع فضيلته

- ‌[213] باب بدعية الصلاة عند قبر إبراهيم الخليل عليه السلام

- ‌[214] باب فتوى الشيخ في النُصُب المزعوم للخضرالذي كان موجوداً في جزيرة فيلكا وعلى دعوى المبتدعةوعَبدَةِ القبور في حياة الخضر

- ‌جماع أبواب الكلامحول مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[215] باب تحرير القول في مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع سرد جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذا الباب

- ‌[216] باب جواز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلمدون شد الرحل إليه بقصد الزيارة

- ‌[217] باب بدع زيارة القبر النبوي

- ‌[218] باب من صور الغلو في زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[219] باب منه

- ‌[220] باب منه

- ‌[221] باب بيان بطلان ما ينسبإلى أسامة بن زيد من صلاته عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[222] باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلمحكمها حكم زيارة باقي القبور

- ‌[223] باب هل تشرع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[224] باب الانتصار لشيخ الإسلامفي قوله بحرمة شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي

- ‌[225] باب رد بعض شبهاتالمجيزين لشد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[226] باب هل تجوز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد كل صلاة

- ‌[227] باب الفرق بين السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلممن المدينة المنورة ومن خارجها

الفصل: ‌[77] باب أصل دعوة الأنبياءوالرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة

طلبته كثير والعمر عن تحصيله قصير، فقدم الأهم منه فالأهم ولا يخفى عليكن أن أهم شيء في الإسلام هو التوحيد والعقيدة الصحيحة، ولذلك فينبغي البدء بهذا الأصل الأول من أصول الإسلام {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19) وليكن هذا المنطلق من رسالة العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي الحنفي فإنها وإن كان مؤلفها حنفي المذهب ماتريدي المشرب فإنه سليم بالمائة تسعة وتسعين، وهناك مسألة واحدة فقط خالف فيها منهجنا السلفي الحديثي وهو أنه يذهب إلى أن الإيمان فقط عقيدة وأنه لا يدخل في مسماه العمل الصالح خلافاً لأهل الحديث، ولذلك فليكن المنطلق في تدريس العقيدة من هذه الرسالة لصحتها على ما بينت آنفاً، ولأنها مقبولة حتى عند المخالفين للمنهج السلفي، هذه نصيحتي، خلاصتها الدعوة بالتي هي أحسن .. بالحكمة والموعظة الحسنة والبدء بالعقيدة انطلاقاً من هذه الرسالة الطيبة ..

"الهدى والنور"(664/ 12: 01: 00)

[77] باب أصل دعوة الأنبياء

والرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة

أصل دعوة كل الأنبياء والرسل إنما هي قائمة على عبادة الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له.

فكل نبي بعثه الله، وكلُّ رسول أرسله الله إلى قومه فإنما كان أول ما يدعوهم إليه: أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطاغوت.

على هذا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى هذا الأساس وقع الخلاف بينه وبين قومه، لأنهم كما تعلمون جميعاً والمسألة لا تحتاج إلى كثير من البيان والتفصيل،

ص: 37

فقد كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى فلما دعاهم أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، ودعاهم إلى أن يقولوا: معه: لا إله إلا الله، استكبروا عن ذلك وقالوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5).

كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أول ما بدأ بالدعوة هي: دعوة قومه إلى هذا التوحيد، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أرسل رسولاً من طرفه إلى قبيلة من قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام، فلم تكن دعوة رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإيمان بإسلام غير واضح معالمه، وإنما كانت دعوة رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما كانت دعوته إلى الإسلام أن يعبدوا الله وحده لا شريك له.

على هذا أدب النبي صلى الله علي وآله وسلم أصحابه، وعلمهم كذلك أن يدعوا غيرهم إلى دين الله عز وجل.

من ذلك ما جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما بعث معاذاً إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام، ولعلكم تعلمون أن اليمن يومئذ كان يجمع بين أقوام مشركين وأقوام آخرين من أهل الكتاب، من الذين يدعون مع الله عيسى بن مريم، لذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسوله معاذاً حينما بعثه إلى اليمن قال له: «ليكن- وهنا الشاهد- ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك فمرهم بالصلاة

الخ الحديث».

والشاهد من هذا الحديث ومن الآية السابقة وما في معناها وهي آيات كثيرات طيبات في كتاب الله عز وجل: أن دعوة الرسول، دعوة أتباع الرسل

إنما يكون اهتمام بدعوة من حولهم إلى هذه الكلمة الطبية: إلى شهادة أن لا إله إلا الله.

ص: 38

ولكن المسلمين اليوم بسبب بعد عهدهم بإسلامهم وبدينهم الذي جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاهرا نقيا كما جاء في الحديث: «ليلها كنهارها» .

بسبب هذه المسافة الشاسعة التي حالت بين المسلمين وبين تلقيهم الإسلام هكذا غضاً طرياً قد دخل في الإسلام، في أصوله فضلا عن فروعه ما لم يكن من قبل له وجود، أوْ لَهُ ذكر عن المسلمين الأولين.

يضاف إلى ذلك: أن القرآن الكريم كما تعلمون جميعاً أنزله الله على قلب محمد صلى الله علي وآله وسلم بلسان عربي مبين، وإلى العرب

الذين نزل القرآن بلسانهم، فكان ميسراً لديهم أن يفهموه دون أن يتولى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بيان الكثير منه إلا ما كان له علاقة ببيان الأحكام التي تكون أصولها موجودة في كتاب الله عز وجل، أما نحن اليوم فلدخول العجمة في ألسنتنا نحن معشر العرب أصبحنا لا نفهم من القرآن الكريم من حيث اللغة العربية عل الأقل ما كان يفهمه العرب الأولون، وفهم المشركون الذين حاربوا دعوة التوحيد، كأبي جهل وأمثاله فقد كانوا بسبب لغتهم يفهمون حينما يقول لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله» .فهم يفهمون أن معنى هذه الشهادة: الكفر بكل ما سوى الله تبارك وتعالى فما عبد من دونه، في عهد المشركين الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة أو فيمن قبلهم، فكل هؤلاء وهؤلاء من المشركين كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى.

فكلمة الإله في اللغة العربية التي نزل بها القرآن كما ذكرنا وفهمها العرب الذين بعث إليهم الرسول عليه السلام مباشرة اليوم كثير من المسلمين لا يفهمون هذه اللفظة حق فهمها، وإنما قد يفهمونها بمعنى آخر ليس مرادًّ فاللفظة:«لا إله»

ص: 39

إنما هو جزء من المعنى الذي يدل عليه لفظ: «الإله» .

نحن نعلم اليوم حينما نسمع من بعض المسلمين حتى ممن قد يعدون أنفسهم من الدعاة فضلا عن عامة الناس أنهم يفهمون أن معنى الإله: هو بمعنى الرب؛ فيفسرون الكلمة الطيبة التي هي أصل الإسلام كما تعرفون وكما سمعتم الحديث السابق ذكره يفهمون لا إله: أي لا رب إلا الله، وهذا فهم قاصر ناقص، من شهد أن لا إله إلا الله بمعنى: أن لا رب إلا الله فقط، وأرجو أن تنتبهوا لقولي فقط؛ لأنني أريد أن أقول: لا إله تعني: لا رب وشيء أخر: أي لا رب يعبد إلا الله عز وجل وبحق، فلا إله لا تعني لا رب إلا الله، لا خالق إلا الله فقط؟ لا، لابد من أن يضم إلى ذلك في عقيدة المسلم الذي لا بد أن يتشهد بهذا الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله أن يكون قد فهم أن معناها: لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى. فإذا فهم المسلم هذا الفهم الصحيح؛ فهو قد استقام على الجادة، وأخذا الخيط الأول منها.

ثم علية بعد ذلك أن يحقق هذا المعنى الذي فهمه وآمن به وصدقه، أن يحققه في حياته التي يزعم بأنه يعبد الله عز وجل فيها وحده لا شريك له.

كثير من الناس يتوهمون أن العبادة فقط إنما هي أن تصلى لله وحده لا شريك له، وأنك إذا ركعت، سجدت أو استغثت أو استعنت في الشدائد بغير الله عز وجل لا تكون أضررت بشهادتك بقولك: لا إله إلا الله، كثير من الناس يتوهمون أن من استعان بغير الله في الشدائد هذا لا يناقض شهادة التوحيد، هذا خطأ فاضح واضح جداً؛ لأن هذا الشهادة تعني: أن لا معبود بحق في الوجود إلا الله، وأنت إذا استعنت بالله عز وجل في حالة الشدة حيث لا يمكن لأحد من البشر أن يغيثك، سواء كان من الأحياء أو الأموات؛ فقد جعلت هذا المستغاث، شريكا مع الله

ص: 40

تبارك وتعالى وحينذاك تكون قد أخللت بهذه الشهادة، ولم تؤمن بها حق الإيمان.

كل مسلم اليوم من يصلى، لا تصح صلاته إلا إذا قرأ فاتحة الكتاب كما تعلمون.

فهو في أوله يخاطب ربه بقوله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:5).

كثير من الناس يفهمون أنه لا يجوز عبادة غير الله، وهذا هو الأصل الأول من هذه الكلمة الطيبة التي يجب على المسلم أن يفهمها، ولكن لا ينتبهون إلى أن تمام الآية {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

إنها تعني: أن الاستعانة بغير الله عز وجل تناقض عبادة الله وحده لا شريك له؛ ولذلك فحينما نسمع بعض الناس أو نراهم يستعينون في الشدائد ببعض الصالحين، أو الأولياء أو الأنبياء، وهم يعلمون أنهم لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً؛ حينئذ لا يكونون قد فهموا معنى: لا إله إلا الله؛ بينما أنكروها على رسول الله، وقالوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5).

الفرق بين المسلمين اليوم والمشركين قديماً وحديثاً: أن المشركين، أعني بهم: العرب خاصة كانوا يفهمون معنى هذه الشهادة ولكن لا يؤمنون بها، أما المسلمون اليوم فالقليل منهم من يفهمها، ويؤمن بها حقاً، كثير منهم يشهدون بألسنتهم، ولكن كما قال تعالى في بعض الأعراب:{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ في قُلُوبِكُمْ} (الحجرات: 14).

والإيمان لا يتسرب إلى قلب المؤمن إلا بشيئين اثنين:

ص: 41

الأول: الفهم الصحيح.

الثاني: الإيمان الصحيح

لذلك نعى ربنا عز وجل على أقوام يقرؤون القرآن، لكن لا يفهمونه، قال تعالى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد: 24).

فمن الأسس التي جاء بها الإسلام: فاعلم، في القرآن:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19).

لذلك المسلمون اليوم مسلمون ولا شك؛ لأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فهم من هذه الحيثية فارقوا المشركين الذين لم ينطقوا بهذا الشهادة؛ لأنهم كانوا يعلمون أن النطق بها يلزمهم القيام بحقائقها ولوازمها ومقتضياتها.

من ذلك: أن لا يعبدوا إلا الله تبارك وتعالى وهكذا ما كانوا يصرحون به: أنهم لا يؤمنون به. لذلك قال عز وجل في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3).

فقد صرحوا بأنهم يعبدون مع الله آلهة أخرى، فما هي عبادتهم؟ هل كانوا يصلون وهم لا يعرفون الصلاة هل كانوا يصلون لتلك الآلهة: تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله؟ الجواب: لا.

إذن ما هي عبادة المشركين؛ وإنما لتقربهم إلى الله زلفى؟.

ماذا كان هؤلاء الجاهليون، هؤلاء المشركون، ماذا كانوا يفعلون مع أولئك المعبودات من دون الله عز وجل؟

ص: 42

كانوا يذبحون لهم، وأنتم تعلمون هذه الحقيقة، كانوا يذبحون، كانوا ينذرون لهم نذورا، كانوا في الشدائد يستغيثون بهم؛ لكن إذا جاءت شدة يعلمون أنه لا مغيث لهم منها إلا الله حينئذ ذكروا الله عز وجل ولجأوا إليه كما هو مصرح في عديد من الآيات الكريمة، إذن المسلم يجب أن يتعلم الأشياء التي تنافى التوحيد حتى يكون منزهاً من الوقوع فيها من حيث لا يدري ولا يشعر؛ لذلك جاء في بعض الأحاديث:«من قال: لا إله إلا الله وكفر بما سوى الله دخل الجنة» (1) فلا بد من الجمع بين إثبات العبادة لله عز وجل ونفي العبادة عن غير الله عز وجل.

العبادات كثيرة، وكثيرة جداً.

فكلُّ ما تعبدنا الله عز وجل به، كلُّ ما تعبد الله به من العبادات، سواء كانت من الفرائض أو الواجبات أو المستحبات، فلا يجوز للمسلم أن يتوجه بشيء منها إلى غير الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم كما تعلمون:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} (الأنعام: 162) أي: وأضحيتي وذبحيتي {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162).

فمن ذبح لغير الله معنى ذلك: أنه عبد غير الله، ليس من الضروري أن يصلى لهذا الغير، يكفيه شركاً أن يذبح لغير الله، يكفيه شركاً أن ينذر لغير الله، يكفيه شركاً أن يحلف بغير الله، كل هذه الأشياء جاء النص في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في لعن فاعلها:«من ذبح لغير الله فهو ملعون» (2). مطرود من رحمة الله، لماذا؟ ، لأنه تقرب إلى غير الله بما لا يجوز له أن يتقرب به إلا إلى لله تبارك وتعالى لذلك بارك الله فيكم لا ينبغي لكم أن تكتفوا بأن تتكلموا سواء في الصلاة أو خارج

(1) صحيح مسلم (رقم139).

(2)

صحيح مسلم (رقم5239).

ص: 43

الصلاة تسبحون الله وتكبرونه وتهللونه: فتقولون: لا إله إلا الله، ثم لا تفهمون

معناها جيداً، وهأنذا قد ذكرتكم ببعض الأمثلة التي هي من واقع كثير من المسلمين اليوم.

نحن لا نتكلم عن أمور خيالية، وإنما هي مع الأسف أمور مشهودة وواقعة بصفوف كثير من المسلمين لا أقول: من عامتهم، بل ومن بعض خاصتهم الذين على الأقل إن لم يفعلوا فعل عامتهم، أيدوا فعل عامتهم، وقالوا: دعوهم وشأنهم، نيتهم طيبة.

هذا هو الضلال المبين، هذا إقرار للشرك الذي يقع فيه بعض الجهلة من المسلمين بديل أن يحرروهم، وأن ينبهوهم ولا بأس أن يتلطفوا معهم: أن يقولوا مثلاً: أنت يا أخي لما تنذر نذراً للولي الفلاني تريد أن تحترم وأن تقدس هذا الولي لصلاحه وتقواه، ولكن كما قيل:

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا يا سعد تورد الإبل.

ما يكون تعظيم الأولياء والصالحين بمخالفة الأولياء والصالحين فيما كانوا عليه من عبادة وصلاح وعقيدة، الصالحون لا يعبدون إلا الله، ومن ذلك: أنهم لا يذبحون إلا لله، ولا ينذرون إلا بالله، ولا يحلفون إلا لله، فإذن أنت أيها الأخ المسلم لا تذبح للقبر الفلاني، للولي الفلاني.

اذبح لله عز وجل وقل بلسانك وبلبك: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162). فلا يجوز للمسلم أن يفرق بين صلاته فيقول: أنا لا أصلى إلا لله، وهذا حق، فينبغي أيضاً أن يقول ويلتزم ما يقول: ألا يذبح إلا لله؛ لأنه من ذبح لغير الله فهو ملعون كما جاء في صحيح مسلم بالسند الذي لا غبار

ص: 44

عليه من حيث الصحة: «ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض» (1) الحديث له تتمة حسبنا الآن هذا الشاهد منه: «ملعون من ذبح لغير الله» .

«لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» (2)، «من حلف بغير الله فقد أشرك» (3).

اليوم الحلف بغير الله أمر منتشر بين العرب وهذا أمر عجيب جداً الحلف بغير الله منتشر بين العرب أكثر من كثير من العجم.

فالعرب هم الذين حملوا الدعوة الأولى، وهم الذي يليق بهم، وهم أولى أن يحملوها في هذا الزمن؛ لأنهم هم الذين باستطاعتهم أن يفهموا كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهما صحيحاً.

والشاهد: أن كلمة لا إله إلا الله، التي ينجو بها المسلم في الدنيا من أن يقاتل، أو يفرض عليه الجزية، ويدفعها عن يد وهو صاغر، وينجو يوم القيامة من الخلود في النار، هذه الكلمة الطيبة لا تفيده إلا إذا فهمها فهماً صحيحاً، وآمن بهذا الفهم الصحيح إيماناً صادقاً ثم طبقه في حياته، في منطلقه في حياته.

لذلك تذكروا في نهاية هذا الكلمة كلمة حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه الذي كان يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وأسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه» (4).

(1) المصدر السابق.

(2)

البخاري (رقم3624).

(3)

صحيح الجامع (رقم6204).

(4)

البخاري (رقم3411) ومسلم (رقم4890).

ص: 45

فإذن عليكم أن تسألوا عن الشركيات، وعن الوثنيات التي تنافي كلمة التوحيد؛ حتى يكون توحيدكم واضحاً في أذهانكم، ومستقرا في قلوبكم، وظاهرا انطلاقكم على هذا الفهم الصحيح، والإيمان الصحيح.

فلا بد إذن من الجمع بين الإيمان بعبادة الله وحدة لا شريك له، وبين معرفة ما يناقض هذا التوحيد الصحيح من الشركيات والوثنيات.

أقول كلمة أخيرة: إن المسلمين اليوم، وأعني بهم الخاصة منهم والدعاة منهم، لا يدندنون مطلقاً حول تفهيم المسلمين شهادة لا إله إلا الله وما يلزمها وما يعارضها وينافيها.

يتوهمون أن المسلمين اليوم كلهم والحمد لله موحدون، ولا يتذكرون أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام عند العلماء والمحققين، الذين فهموا الكتاب والسنة فهماً صحيحاً بعدما دخلت العجمة إلى لسان العرب، ودخل فيهم من الشركيات والوثنيات ما لم يكن للسلف الأول، ما لم يكن لهم عهد بذلك.

هؤلاء العلماء جعلوا التوحيد ثلاثة أقسام:

1 -

توحيد الربوبية وأذكر بأن توحيد الربوبية الذي هو التوحيد الأول وهو الذي هو أساس ما سيأتي من التوحيد الثاني والثالث، هذا التوحيد كان المشركون الأولون يؤمنون به.

فهل نفعهم شيء من ذلك؟.

الجواب: لا. لماذا؟

لأنهم كفروا بالتوحيد الثاني وهو توحيد العبادة، وقد شرحت لكم آنفاً كيف

ص: 46

كانوا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3).

أما أنهم كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية فذلك مذكور في نصوص من الكتاب والسنة ونصوص كثير ة، وكثيرة جداً.

قال الله تعالى مثلاً في بعض تلك النصوص: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25).

إذن هم يعرفون بأن خالق السموات والأرض إنما هو الرب واحد لا شريك له. والآيات في هذا المعنى كثيرة ومعروفة.

لكني أكرر لكم حديثاً: كيف كانوا يصرحون بعبادة غير الله عز وجل مع أنهم يوحدونه توحيد ربوبية، كان أحدهم إذا طاف حول الكعبة يلبى كما كان سيدنا إبراهيم وإسماعيل ومن سار على مسيرتهم يلبون، فيقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك؛ إلى هنا هذه تلبية الموحدين، لكن ماذا كانوا يقولون هم من عند أنفسهم وشركهم وضلالهم؟

كانوا يقولون بعد: لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك، لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك، فكان عليه الصلاة والسلام وهو لا يزال في مكة قبل أن يهاجر إلى المدينة حينما يسمعهم وهو يدعوهم دائماً وأبداً ليلاً نهاراً إلى ألا يعبدوا إلا الله لا شريك له: كان عليه السلام إذا سمعهم يقولون: لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك قبل أن يقولوا هذه الجملة الاستثنائية يقول: «قد قد» (1) يعني حسبكم لا تزيدوا، قفوا عند قول لا شريك لك قط قط.

(1) مسلم (رقم2872).

ص: 47

لكنهم لا يبالون؛ لأنهم مشركون، فيقولون: إلا شريكا تملكه أنت وما ملك انظروا ضلالهم، ما قيمة هذا الشريك الذي هو عبد مملوك لله الذي بحق لا شريك له؟ ذلك هو الضلال البعيد.

لذلك العلماء يقسمون التوحيد إلى أقسام:

1 -

توحيد الربوبية، وهذا ما كان المشركون يؤمنون به كما ذكرت.

2 -

توحيد العبادة، وقد يسمى بتوحيد الألوهية: أي لا إله: أي لا معبود بحق في الوجود إلا الله، كانوا يكفرون بهذا التوحيد قد سمعتم ما فيه الكفاية آنفاً.

3 -

التوحيد الثالث: توحيد الأسماء والصفات: أي كما أن الله عز وجل واحد في ذاته فهو واحد في ألوهيته وعبوديته، لا يعبد معه سواه، كذلك هو واحد في أسمائه وصفاته، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى: 11).

هنا لا بد لي أيضاً من وقفة والأمر كما يقال ولو طال: الحديث ذو شجون.

إن كثيراً من المسلمين اليوم يقعون في شرك الأسماء الصفات، كثير من الناس وبخاصة أولئك الذين يميلون إلى ما يسمونه التصوف، أولئك الصوفيون، الذين يعتقدون في بعض الأولياء والصالحين، أنهم يطلعون على ما في القلب، وأنهم يعلمون الغيب، حتى إنهم لم يقتصروا على هذه الضلالة، بل إنهم يتقربون إلى الله عز وجل حينما يصفون عبداً من عباد الله بما لا يليق وَلَا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:

فإن من جودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم اللوح والقلم.

ماذا ترك هذا الواصف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن من علمه من هذه كما يقول اللغويون: تبعيضية: أي من بعض علومك يا رسول الله: علم اللوح والقلم.

ص: 48

ماذا ترك هذا الواصف في شعره هذا لله تبارك وتعالى وهو القائل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65). {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65)؟

إذن رسول الله المصطفى الذي هو سيد الرسل والأنبياء هو لا يعلم الغيب بشهادة هذا القرآن الكريم بذلك جاء في حديث في صحيح البخاري ومسلم، حديث طويل والشاهد منه قول السيدة عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها:«ومن حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم ما في غد فقد افترى على الله» .

أو قالت: فقد أعظم الفرية على الله ثم تلت الآية السابقة: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65).

وجاء أيضا في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بجارية من جواري الأنصار وهي تغني وتقول: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال عليه الصلاة السلام: «لا يعلم الغيب إلا الله، دعي هذا وقولي مثلما كنت تقولين» (1).

في وصف الرسول عليه السلام بما وصفه الله في القرآن الكريم، كمثل قوله عز وجل:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4).

لذلك فاحفظوا هذا وتفقهوا فيه، التوحيد ثلاثة أقسام:

توحيد الربوبية: وهذا لا بد منه، لكن المشركين لما آمنوا به ما أفادهم شيئاً، لا يتم التوحيد إلا بالثاني والثالث.

الثاني: توحيد العبادة؛ ألا تعبدوا غير الله.

(1) البخاري (رقم4852).

ص: 49