الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: إلى أن يتمكنوا من بناء مسجد، هذا واجب عليهم.
السائل: نعم، لكن إن تعسر هذا الأمر من باب وجود الحرج عند البعض أو قلة الفهم الإسلامي؟
الشيخ: لا يتعسر عند الساكن من المسلمين، وليس المقصود أن يجتمع المسلمون جميعاً؛ لأن المسجد الذي لا إشكال فيه لا يجتمعون فيه جميعاً، ولا تكلَّف إلا نفسك.
السائل: لكن لو تعسر الاجتماع يصلي منفرداً ولا يصلي في المسجد.
الشيخ: نعم، لكن نحن لا نقنع، ما نصلي في المسجد، على أساس نصلي منفرداً، وإنما نعمل دعوة لمن يترجح عندنا أنه يتجاوب معنا ألا يصلي في هذا المسجد، ويصلي في دار أحد هؤلاء المسلمين الطيبين.
السائل: بارك الله فيك.
الشيخ: يعني ما ينبغي أن نقنع بتهريبه فقط من هذا المسجد، وإلا فهي [ذريعة] كل واحد (يصير) يصلي في البيت كسلاً، لأنه والله الصلاة في هذا المسجد لا تصح، وإنما على هؤلاء أن يسعوا وأن يَتَجَمَّعُوا في أي مكان، وبعد ذلك يصلح الله ما لا تعلمون.
" الهدى والنور"(9/ 25: 52: 00)
[163] باب حرمة الصلاة في المقبرة سدًا لذريعة الشرك
ومناقشة من خالف ذلك
[قال الإمام]:
ولا تجوز الصلاة في
…
المقبرة، وهي الموضع الذي دفن فيه إنسان واحد
فأكثر لقوله عليه الصلاة والسلام:
» الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام»
وسواء في ذلك أكان القبر قبلته أو عن يمينه أو عن يساره أو خلفه، لكن استقباله بالصلاة أشد لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
» لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وقوله:
«إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد»
[ثم قال]:
ومن عجائب الفهم المصادم للقصد من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن لم نقل للنص منه- قول البيضاوي .. :
كذا قال ولا يخفى ما فيه من آثار الوثنية والضلال، والمعصوم من عصمه الله، ولذلك تعقبه العلماء؛ فقال المناوي بعد أن نقل كلامه هذا:
وقد نص الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة على كراهة اتخاذ المسجد عند القبر كما يأتي نصه في ذلك والتعبير بـ (عند) أعم من قوله: «فوق» أو «على» كما لا يخفى، فمن بنى مسجداً بجوار صالح فقد بنى عنده، وعليه فكلام محمد-رحمه
الله- رد على البيضاوي في رأيه هذا المبتدَع، ورد عليه الصنعاني أيضاً في «سبل السلام» فقال:
«قوله: لا التعظيم له. يقال: اتخاذ المساجد بقربه وقصد التبرك به تعظيم له، ثم أحاديث النهي مطلقة ولا دليل على التعليل بما ذكر، والظاهر أن العلة سد الذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان الذين يعظمون الجمادات التي لا تنفع
ولا تضر، ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية» قال:
«ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر» .
والحديث الأول يفيد تحريم الصلاة في المقبرة على التفصيل المذكور لعموم الحديث، ولأن النهي أصله التحريم، وذهب بعضهم إلى بطلان الصلاة فيها وهو محتمل والله أعلم، وقد ذهب إلى هذا ابن حزم في «المحلى» ورواه عن أحمد أنه قال:
«من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبداً» ، ثم قال:
«وكل هذه الآثار حق، فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا إلا صلاة الجنازة، فإنها
تصلى في المقبرة، وعلى القبر الذي قد دفن صاحبه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نحرم ما نهى عنه، ونَعُدُّ من القرب إلى الله تعالى أن نفعل مثل ما فعل، فأمره ونهيه حق، وفعله حق، وما عدا ذلك فباطل، والحمد لله رب العالمين».
وقال الشوكاني بعد أن حكى مذاهب العلماء في المسألة:
«وأحاديث النهي المتواترة كما قال ذلك الإمام «ابن حزم» لا تقصر عن الدلالة على التحريم الذي هو المعنى، الحقيقي له، وقد تقرر في الأصول أن النهي يدل على فساد المنهي عنه، فيكون الحق التحريم والبطلان؛ لأن الفساد الذي يقتضيه النهي هو المرادف للبطلان من غير فرق بين الصلاة على القبر وبين المقابر، وكل ما صدق عليه لفظ المقبرة».
وقال شيخ الإسلام في «الاختيارات» :
وقد اختلفوا في علة النهي عن الصلاة في المقبرة فقيل: النجاسة، وقيل:
التشبه بأهل الكتاب وسداًّ لذريعة الشرك كما سبق في كلام شيخ الإسلام وغيره، وهو الظاهر من مجموع الأحاديث الواردة في هذا الباب، وقد مضى البعض، ويأتي بعضها، وعليه جرى علماؤنا المتأخرون من الحنفية فقال ابن عابدين في «حاشيته»:
وهذا القيل الأخير هو الذي اعتمده الطحطاوي في «حاشيته على مراقي الفلاح» ونص كلامه:
«قوله: وفي المقبرة بتثليث الباء؛ لأنه تشبه باليهود والنصارى قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وسواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه ويستثنى مقابر الأنبياء عليهم السلام، فلا تكره الصلاة فيها مطلقاً، منبوشة أو لا، بعد أن لا يكون القبر في جهة القبلة؛ لأنهم أحياء في قبورهم، ألا ترى أن مرقد إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب، وأن بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبياً، ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى للصلاة، بخلاف مقابر غيرهم. أفاده في «شرح المشكاة» .
هذا كله كلام الطحطاوي وهو كلام مدخول يناقض بعضه بعضاً؛ فإنه إذا
كان يصرح ويعلل الكراهة بالتشبه باليهود والنصارى- وهم كانوا يتخذون
قبور أنبيائهم مساجد- فكيف يستثني قبور الأنبياء، وإنما يتحقق التشبه بالكفار بالصلاة فيها؟
نعم ربما كان يصح هذا الاستثناء فيما لو كانت علة الكراهة هي النجاسة، وذلك لطهارة قبورهم عليهم السلام، ومع ذلك فلا يصح هذا الاستثناء مطلقا بعد لعنه عليه الصلاة والسلام من كان يتخذ قبور الأنبياء مساجد، ونهيه أمته عن ذلك كما يأتي.
وأنا أخشى أن يكون الطحطاوي قد أُتي في هذا التناقض الصريح من جهة التقليد، الذي كثيراً ما لا يدع صاحبه يفكر فيما يكتب أو يقول، فهو فيما يظهر نقل التعليل الصحيح عن بعض العلماء الذين لا يتصور أن يقولوا بالاستثناء، ثم نُقل الاستثناء، عن بعض من يقول بالعلة الأخرى وهي النجاسة، وهو منقول عنهم، ويدل على هذا قوله:«منبوشة أو لا» فإن هذا إنما يصح أن يقال على أساس القول بهذه العلة المرجوحة وعليها يتفرع القول بالفرق بين المقبرة المنبوشة وغير المنبوشة في غير مقابر الأنبياء، فإن لم يكن هذا الذي ذهبنا إليه حقاًّ فما معنى هذا القول ههنا؟ وما معنى الاستثناء المصادم للنص؟
قد يقال: إن النص ليس معناه عند الطحطاوي على العموم، بل معناه الاستقبال، كما سبق ذكره عن البيضاوي، ويدل على ذلك قوله بعد الاستثناء:«بعد أن لا يكون القبر جهة القبلة» فهو بهذا القيد لم يصادم النص حسب فهمه.
فأقول: لكن يشكل عليه قوله: «وسواء كانت فوقه أو خلفه
…
» إلخ
قال ذلك عن الحديث بما يشعر أنه عنده على عمومه، ثم ما هو الفرق المعقول بين المنع من ذلك كله في قبور غير الأنبياء، وإباحته في قبورهم مع القيد المذكور، مع العلم بأن الخطر على العقيدة من الصلاة عندها مطلقاً، أعظم من الصلاة عند غيرها؟.
وبعد كتابة ما تقدم رجعت إلى «شرح المشكاة» المسمى: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للشيخ علي القاري، فتبين لي أن الطحطاوي نقل جل كلامه، ولكنه أساء في النقل، وقدم وأخر بحيث أخل بالمعنى، ولزم منه ما أشرنا إليه من المحاذير، وتبين منه أيضاً وتحقق أن الاستثناء إنما نقله عن بعض من ذهب إلى التعليل بالنجاسة، وعليها جاء التفصيل الذي ذكره الطحطاوي في قوله: «وسواء
…
» إلخ وهو نقله من كلام ابن حجر- يعني الهيتمي- ونص كلامه
في ذلك:
وأما ما احتج به الطحطاوي تبعا لشرح «المشكاة» من أفضلية الصلاة عند قبر إسماعيل عليه السلام، وقبر السبعين نبياًّ، فقد أجاب عنه القاري نفسه في الشرح المذكور بقوله:
«وفيه أن صورة قبر إسماعيل وغيره مندرسة، فلا يصلح للاستدلال به» .
ونحن نقول: هب أنها غير مندرسة فذلك لا يدل على أن فضيلة الصلاة إنما هو من أجلها، ألا ترى أن مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة فيه بألف صلاة مما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام كما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم؟ ومن المعلوم أنه قال ذلك قبل أن
يدفن عليه السلام في الحجرة الشريفة، وقبل أن تضم هذه إلى المسجد النبوي، فهل يلزم من وجود القبر الشريف الآن فيه أن يقال: إن فضيلة الصلاة فيه من أجل القبر الشريف؟ كلا لا يقول ذلك إلا الجهال من العوام، فكذلك لا يلزم من فضيلة الصلاة عند قبر إسماعيل وغيره، أن ذلك من أجل القبور، وكيف يكون وقد نهى عليه السلام عن اتخاذها مساجد، ولعن من فعل ذلك؟ وهذا كله يقال على تسليم ثبوت تلك القبور في ذلك المكان وليس بثابت عند المحدثين قال الشيخ علي القاري في «الموضوعات»:
قلت: وقد حكى شيخ الإسلام في «الاقتضاء» نحوه عن غير واحد من أهل العلم ثم ذكر:
وقال قبل ذلك بصفحة:
«واعلم أن من الفقهاء من اعتقد أن سبب كراهة الصلاة في المقبرة ليس إلا لكونها مظنة النجاسة، لما يختلط بالتراب من صديد الموتى، وبنى على هذا الاعتقاد الفرق بين المقبرة الجديدة والعتيقة، وبين أن يكون بينه وبين التراب حائل أو لا يكون، ونجاسة الأرض مانعة من الصلاة عليها، سواء كانت مقبرة أو لم
تكن، لكن المقصود الأكبر بالنهي عن الصلاة عند القبور ليس هو هذا؛ فإنه قد بين أن اليهود والنصارى كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً». ثم قال:«وروي عنه أنه قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ثم ذكر حديث عائشة وغيره مما تقدم وحديث جندب الآتي: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» ثم قال:
«فهذا كله يبين لك أن السبب ليس هو مظنة النجاسة، وإنما هو مظنة اتخاذها أوثاناً كما قال الشافعي رضي الله عنه: وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه، وعلى من بعده من الناس. وقد ذكر هذا المعنى أبو بكر الأثرم في «ناسخ الحديث ومنسوخه» وغيره من أصحاب أحمد وسائر العلماء فإن قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الرجل الصالح لم يكن ينبش، والقبر الواحد لا نجاسة عليه، وقد نبه هو صلى الله عليه وآله وسلم على العلة بقول:«اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» وبقوله: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد فلا تتخذوها مساجد» وأولئك إنما كانوا يتخذون قبوراً لا نجاسة عندها، ولأنه قد روى مسلم في «صحيحه» عن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» .ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» فجمع بين التماثيل والقبور.
وأيضا فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك».
وقال فيما بعد وقد ذكر العلة الأولى:
«وهذه العلة في صحتها نزاع لاختلاف العلماء في نجاسة تراب القبور وهي
من مسائل الاستحالة، وأكثر العلماء المسلمين يقولون: إن النجاسة تطهر بالاستحالة، وهو مذهب أبي حنيفة، وأهل الظاهر، وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد، وقد ثبت في «الصحيح» أن مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حائطاً لبني النجار، وكان فيه قبور من قبور المشركين، ونخل، وخرب، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنخيل فقطعت، وبالخرب فسويت، وبالقبور فنبشت، وجعل النخل في صف القبلة، فلو كان تراب القبور نجساً، لكان تراب قبور المشركين نجسا ولأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنقل ذلك التراب، فإنه لا بد أن يختلط ذلك التراب بغيره».
ثم ذكر العلة الثانية ثم قال:
"الثمر المستطاب"(1/ 357 - 373).