الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو بين أن يدخل ويصلي فيه وبين أن تفوته صلاة الجماعة، فإذا دار الأمر بين هذين الأمرين تغلب وجوب فرضية صلاة الجماعة على تحريم الصلاة في المسجد المبني على القبر ذلك لأن النهي عن الصلاة في المسجد المبني على القبر من باب سد الذريعة كما أن الصلاة في الأوقات المكروهة من باب سد الذريعة، لكن إذا تداركه الوقت ولم يكن هناك إمكان إلا أن يدع الصلاة حتى يخرج الوقت كله أو أن يصلي في وقت الكراهة هذا أولى من أن يضيع الصلاة بالكلية.
كذلك إذا دار الأمر بين أن يضيع فريضة صلاة الجماعة وبين أن يصلي في مسجد الكراهة، فرجحت الصلاة في هذا المسجد على أن يصلي وحده في بيته أو في مكان آخر وهذا مثل قضية الحال معناه أو هذا الصورة إنما نعني بها: أنه إذا لم يكن في علمه أو لم يكن في استطاعته أن يدرك الصلاة مع الجماعة في مسجد آخر ليس فيه قبر، ولذلك كان البحث أنه بين أحد أمرين إما أن يصلي في هذا المسجد لإدراك صلاة الجماعة وإما أن تفوته صلاة الجماعة كلاهما شر، لكن المسلم إذا وقع بين شرين اختار أقلهما شراً، هذا يجب أن نلاحظه؛ لأنني أعرف بتجربتي الخاصة أن كثيرا من إخواننا السلفيين لا يلاحظون هذا التفريق فمجرد أن يعلموا أن مسجداً فيه قبر لا يصلون فيه ولو فاتتهم صلاة الجماعة، هذا خطأ.
"الهدى والنور"(543/ 22: 47: 00)
[146] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور
سؤال: أستاذنا سألناك سابقاً بخصوص المسجد الذي بني على أرض كانت فيها مقبرة، يدعي البعض أن هذا المسجد لم يقع على مقبرة كان لا يوجد في هذا المكان قبور، ولكن هذا المسجد يوجد حوله قبور، أولاً: طبعاً مِنْ على القبلة، ومِنْ على أجنابه، وقال البعض من الإخوة: بأنه يجوز الصلاة في هذا المسجد، ولا
مانع لهذا، ولكن سألناه: ما حجتك في ذلك؟ قال: قد يكون يوجد قبور تحت هذا المسجد الموجودين نحن فيه، يعني: أو في أي مكان فما ردكم على ذلك؟
الشيخ: أقول وبالله التوفيق:
أولاً: يجب أن نعرف حكم المساجد المبنية على القبور، والجواب مفصل جداً في كتاب لي خاص بعنوان:«تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» وخلاصة ذلك: أن المسجد المبني على القبور فيما يغلب على الظن فلا تجوز الصلاة فيه، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ولا شك أنه يجب التفريق بين مسجد بني على مقبرة معروف ولو بغلبة الظن أنها كانت تلك الأرض مقبرة ثم أقيم المسجد عليها، ثم ليس من الضروري أن تكون القبور، أو أن يكون القبر في هذا المسجد ظاهراً شاخصاً إذا ما كانت القبور هناك حقيقة في الأرض، فلا يجوز إقامة المسجد على المقبرة إطلاقاً، سواء كانت القبور شاخصة بارزة، أو لم تكن كذلك، أما أن يقال: أي مسجد بني على أرض فيمكن أن تكون تلك الأرض أصلها مقبرة أو فيها قبور، فنقول: هذا كلام صحيح، وقديماً قال بعضهم وأظنه المعري:
صاح هذه قبورنا تملأ الرحب
…
فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض
…
إلا من هذه الأجساد
لكن ثمة فرق بين أرض معروف أنها كانت مقبرة، أو أنه يوجد فيها آثار قبور في أثناء الحفريات، وبين أرض لا يعرف شيء من ذلك فيها، فلا بد من هذا التفريق، ولذلك لا يجوز التوسع في فرض الاحتمالات التي جاء أحدها آنفاً، كما أنه لا يجوز تعطيل أحكام الشريعة بمثل هذه الافتراضات، فالمسألة تدور بين أن يكون هناك علم بأن هذا المسجد بني على قبر، ولو كان هذا العلم مبنياً على غلبة
الظن، وبين مسجد بني على أرض لا يخطر في بال إنسان أن هناك قبر أو قبور، فيجب التفريق بين الأمرين، وإلا اختلط الحابل بالنابل، والحرام بالحلال.
فإذا افترضنا أن المسجد المذكور في السؤال آنفاً حقيقة لم يبنى على قبرٍ أو على قبور، لكن ما دام القبور محيطة من جانبيه شرقاً وغرباً، وفي قبلته أيضاً، فهذا الوضع يشعر بأن المسجد بني على المقبرة، على أنني سمعت من بعضهم أنه وجد في بعض الأماكن من أساس هذا المسجد قبور، وعظام أموات، فهذا يشعر بأن أرض المسجد لا يمكن أن تكون سليمة من أن يكون فيها قبور.
وعلى كل حال إذا افترضنا يقيناً أنه ليس في المسجد هذا أي قبر وأنه لن يبنى على مقبرة، فيبقى الإشكال قائماً من حيث أنه محاط بالقبور، وبخاصة بالجهة القبلية، ففي هذه الصورة يقول الإمام أحمد: بأنه لا بد من بناء جدار أو سور يفصل المقبرة عن المسجد أي: في اجتهاد الإمام أحمد لا يكفي جدار المسجد القبلي فاصلاً بينه وبين المقبرة، بل لا بد من بناء جدار آخر يفصل المقبرة عن جدار المسجد القبلي.
وقد سأل بعضهم: كم تكون المسافة، طبعاً هذا ليس له تحديد، المهم أن يكون هناك هذا الفاصل من الجدار بين جدار المسجد وبين المقبرة، هذا جوابنا عن هذا السؤال، والحمد لله رب العالمين.
السؤال: أستاذنا يقول البعض من الإخوة: أنه لا يطبق هذا الكلام على أمثال اليهود، مثل القبور أو الحرمة؟
الشيخ: كيف يعني؟
السؤال: يعني: مثلاً اليهود اتخذوا
…
الشيخ: قبورهم مساجد.
السؤال: قبورهم مساجد فهذا لا يطبق في هذا؟
الشيخ: ليه؟
السؤال: هم يقولون يعني بعض إخوة، أما أنا
…
الشيخ: لا، أنا أقول هم يقولون هذا، لماذا لا يطبق؟
السؤال: إيه نعم، لأنهم هم قاصدين في هذا، قاصدين في القبور يعني، أما المساجد الموجودة هنا مش قاصدين فيها، ..
الشيخ: هاه فهمت الآن، الجواب: أن الصلاة في المسجد المبني على القبر أو على القبور كالصلاة في الأوقات المكروهة، ففي الأحاديث الصحيحة النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعلل الرسول عليه السلام في بعض الروايات الصحيحة أن الشمس حينما تشرق وحينما تغرب، فإنما تشرق وتغرب بين قرني شيطان، وحينذاك يسجد لها عُبَّاد الشمس.
فالعلماء متفقون جميعاً على النهي عن الصلاة في هذين الوقتين، ولا يشترط في ارتكاب النهي أن يكون قاصداً الصلاة في وقت الكراهة، لأنه يكفي في ذلك أنه يتشبه بأولئك الذين يعبدون الشمس، كذلك يقال تماماً بالنسبة للمسجد المبني على القبر، هذا المسجد المبني على القبر أولاً هو كمسجد فيه مشابهة للكنائس، والبِيع التي يتَعبد فيها اليهود والنصارى.
صورة المشابهة واضحة في هذا البنيان الذي هو المسجد المبني على القبر من جهة، وأولئك الذين يصلون في ذلك المكان بغض النظر عن نواياهم
ومقاصدهم، فهم أيضاً يتشبهون باليهود والنصارى الذين يصلون في مساجدهم المبنية على قبور أنبيائهم وصالحيهم.
فإذاً: ليس من الشرط هنا ليكون الأمر محذوراً أن يقال بأنه قاصد؛ لأن الأمر يدور بين شخصين: أحدهما لا يقصد المسجد من أجل القبر، والآخر يقصد، فهذا الآخر شر من الأول، والأول لا ينجو من الشر؛ لأنه يصلي في مكان يتشبه فيه باليهود والنصارى، لهذا يجب على هؤلاء الإخوان أن يتفقهوا في الدين،
وأن لا يظنوا أن الأحكام الشرعية، وأن المحرمات في الشريعة الإسلامية لا تكون حراماً إلا بقصد الشر، فقد يرتكب الإنسان محرم وهو لا يقصد الشر، ويظل حكمه حراماً.
وحسبنا على ذلك مثالاً ما ذكرته آنفاً من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، هذا من عمل عبدة الأقمار والشموس، فالذي يصلي في هذا الوقت لا يخطر في باله أن يعظم الشمس، لكن مع ذلك ينهى؛ لكي لا تظهر المشابهة بين المسلم في ذلك الوقت وبين الكافر، هذا جواب السؤال السابق.
السائل:
…
الآن بخصوص المسجد الذي أشرت إليه، لو بني جدار مقابل طبعاً القبلة، هل (تقول) كالسابق أنه عدم جواز الصلاة فيه أولى
…
؟
الشيخ: هذا يعود بارك الله فيك إلى اتخاذ المصلين أو إلى معرفتهم، وقناعتهم الشخصية ليس اتباعاً للهوى، أنه هذا المسجد الذي هو محاط بالقبور بالجهة الغربية، والجهة الشرقية، والجهة القبلية، كيف بنيت هذه المقبرة وترك هذا المكان فارغاً حتى جاء بعض الناس في آخر الزمان فبنوا في هذا المكان مسجداً ولم يَكُن هذا المكان مقبرة يوماً ما؟
هذا الأمر يعود إلى قناعة هؤلاء الذين يريدون أن يصلوا، هل هم مقتنعون فعلاً إنه هذا المسجد لم يقام على مقبرة، وإن قيل نعم اقتنعوا كيف تصور الموضوع؟ كيف بنيت المقبرة شرقاً وغرباً وجنوباً؟
السائل: لا. جنوباً وغرباً جهتين فقط؟
الشيخ: مش مهم،
…
بجهة، جهتين: جهة الغربية وجهة الجنوبية، هذا الفراغ، هذه الأرض يعني كيف بقيت هكذا بدون أن يدفن فيها أي ميت، وهل هذه المقبرة هي ملك لإنسان أم هي وقف للمسلمين؟
السائل: ملك لإنسان أستاذنا؟
الشيخ: المقبرة؟
السائل: إيه نعم.
الشيخ: إيه.
السائل يعني: بيعت بالمدة الأخيرة أنها كانت في ملك لإنسان، وكان الدفن فيها عشوائي، يعني: مش أمثال مثل مقبرة السحاب، لو كان
…
الأمر مثلاً في مقبرة السحاب، يكون الإنسان مطمئن أكثر؛ لأن الإنسان
…
الشيخ: ما عليش نحن بنمشي الآن إنه القبور بنيت في هذه الأرض عشوائياً كما تقول، ما الذي حدد هذه الجهة وهذه الجهة، ولم تَتَعَدَّ الخطوات العشوائية إلى هذا المكان الذي بني عليه المسجد، لو أن المسجد مبني قديماً قبل المقبرة، وجاء الناس فاضطروا أن يبنوا حولها المسجد؛ لأن المسجد محصور بالجدر، لكن القضية بالعكس، المقبرة من قبل ثم المسجد هو الذي بني في تلك الأرض.
كيف يمكن أن يتصور الإنسان هذا؟ ويضاف إلى ذلك أنني سمعت من بعض إخواننا هناك أنه في أثناء الحفريات في أساس المسجد وجدوا قبوراً.
السائل: طيب أستاذي! لو كانوا مخطئين يعني: تحت أساسات السور، مش تحت أساسات البناء القائم، هل نشك قد يكون في أساسات نفس المسجد؟
الشيخ: تحت أيش؟
السائل: أساسات السور التي هي التهوية؟
الشيخ: إيه.
السائل: يعني: كالسور هذا يعني.
الشيخ: إيه.
السائل: إيه نعم، مش تحت البناء مثلاً كأمثال هذا، تحت هذا؟
الشيخ: هذا السور، وهذا بجدار المسجد؟
السائل: إيه نعم، نفترض إنه وجدوا الأساسات
…
الشيخ: فاهم، فاهم، وهذا جدار المسجد؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: وهذا جدار المسجد؟
مداخلة: إيه نعم، هذا جدار المسجد، وهذا السور نعتبره.
السؤال: الذي هو يؤثر الذي يكون تحت المسجد مباشرة؟
الشيخ: إيه نعم.
مداخلة: جزاك الله خير.
الشيخ: وإياك.
"الهدى والنور"(29/ 26: 25: 00)