الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[122] باب ردّ شبهةٍ لمن جوَّز صناعة التماثيل
سؤال: في رأي يعني يقولوا: إن الشيء المحرم تحريم لذاته .. يكون محرم في جميع الأديان يقولوا كذلك، والشيء المحرم لعلة يكون محرم لأجل هذه العلة، وإذا فقدت هذه العلة فيحلل لهذا الشيء أو يصير يعني ما في كراهة، ضرب مثلاً على ذلك: أن عمل التماثيل كان يعني: محلل لسيدنا سليمان بينما الزنا وقتل النفس الذي حرمها الإسلام، فهذا محرم في جميع الأديان، فهذا يحرم.
فيقولون: الآن يجوز نصنع التماثيل لأن العلة لتحريمها قد زالت، ولا يوجد الآن من يعبد إنساناً أو يعبد صوراً؟
الشيخ: ما شاء الله.
يقال لمن يقول ما حكيت عنه: كما تعلَّمنا من بعض العلماء الأفاضل ومن شيوخنا الأكارم الذي لم نلقهم، وإنما على قاعدة:
لنا جلساء لا نمل سماعهم
…
مأمونون غيباً ومشهداً
فإن قلت أموات فما أنت بكاذب
…
وإن قلت أحياء فما أنت بمفند
فبعض هؤلاء الشيوخ يقول لمثل هذا المدعي: أثبت العرش ثم انقش، ما هو الدليل على أن علة تحريم الأصنام- صنع الأصنام والصور- هو خوف أن تعبد من دون الله عز وجل؟!.
ثم ما هو الدليل على أن هذه العبادة قد أمنا أن يقع فيها المسلمون؟!
سأعود إلى الدعوى الأولى: أي: أن نطالبهم بالدليل على العلم المدعَى،
لكن نحن نسبق الأمر فنقول: لو ثبت أن العلة هو كذلك: خشية أن تعبد الأصنام، لكن من أين لنا أننا خلاص انتهينا وأمنا،
…
أنه واحد يقع في الشيء، كيف هذا؟ والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في صحيح البخاري (1):«لا تقوم الساعة حتى تضطرب آليات نساء دوس حول صنم لهم يقال له: ذو الخليصة» هذا خبر عن الرسول في أصح الكتب بعد القرآن! فإذاً: الذي أشرت إليه من القائلين يقول ما لا يعلم، بل يقولوا: ما يخالف فيه كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أعود إلى العلة ما هو الدليل على أن العلة هو خشية أن يعبد المسلمون الأصنام؟ ممكن أن تكون هذه حكمة أو بعض علة، أما أن تكون هي علة فأولاً: لا دليل لهم على ذلك إلا مجرد الظن وصدق الله: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (يونس: 36).
ثانياً: لقد نص الحديث على خلاف ما يزعمون، لقد قال عليه الصلاة والسلام يقول ربنا تبارك وتعالى:«ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة، فليخلقوا حبة، فليخلقوا شعيرة» (2) أو قدَّم أو أخر فربما يكون الأمر كذلك، المهم:«ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة، فليخلقوا شعيرة، فليخلقوا ذرة» .
إذاً: هذا ينص أن التحريم سببه: المضاهاة، وهذا جاء أيضاً في حديث عائشة:«إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» (3) هذه العلة الأساسية التي جاءت منصوصة في السنة الصحيحة، أما الخشية التي ذكرتها أو حكيتها آنفاً فهي علة اجتهادية مأخوذة من تاريخ بعض الأمم المتقدمة كقوم نوح عليه السلام
(1)(رقم 6699).
(2)
البخاري (رقم5609).
(3)
البخاري (رقم5610) ومسلم (رقم5647).
حيث حكى ربنا عز وجل في القرآن أنه قال: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} (نوح:23، 24).
يقول ابن عباس كما في البخاري وتفسير ابن جرير وغيرهما: أن هؤلاء الخمسة كانوا عباداً لله صالحين فلما ماتوا أوحى الشيطان إليهم أن يجعلوا قبورهم داخل دورهم، فلا يدفنوهم في مقابرهم كعامة الناس، وذلك تمجيداً وتقديساً، وتذكراً لمناقبهم-زعموا- كما يقول اليوم الذين بدءوا ينشرون الأصنام وينصبونها في الأماكن العامة والمنتزهات ونحو ذلك، وتركهم الشيطان جيلاً من الزمان، ثم جاءهم فأوحى إليهم أن بقاء هؤلاء في هذه القبور كما هم قد تأتي عاصفة من السماء أو سيول أو وتذهب بقبورهم فتنسونهم ماذا نفعل؟ قال: اتخذوا لهم أصناماً، فجعلوا أصناماً خمسة فوضعوها في أماكن أوحى للجيل الذي بعدهم أن يضعوها في أماكن تليق بذكراهم، وما جاء الجيل الذي بعدهم إلا وأخذوا يعبدونهم من دون الله، وكان من أولئك قوم نوح عليه السلام ودعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فكان جوابهم ما سمعت، {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} (نوح: 23) فنهي الإسلام عن الصور وعن التماثيل وبخاصة: المجسمة منها.
يمكن أن يقال: أن هذا من باب سد الذريعة أن تعظم هذه الأصنام لكن لا نقول: أن العلة هو هذا، العلة ذكرت في الحديثين السابقين، فخلاصة الجواب: أن التصوير محرم بأحاديث قاطعة في الإسلام، وليس هناك ما يدل إطلاقاً أنه يأتي زمن تستباح هذه الأصنام (1)؛لأن الناس يعرفون التوحيد ولا يقعون في الشرك، وماذا نقول اليوم ولا نزال نحن نشكوا من الألوف المؤلفة بل الملايين المملينة من المسلمين فهم يطوفون حول القبور وحول زيارة الصالحين والأولياء، ومناداتهم
(1) أي: يستباح صناعتها. [منه].