المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[74] باب أهمية إعطاء الدعوة إلى التوحيدوالعقيدة الصحيحة الأولوية عند الدعاة - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب التوحيد وما يضاده من الشرك

- ‌جماع أبواب الكلام على التوحيد: تعريفه، وأقسامه، وأهمية الدعوة إليه، وبيان لوازم ومقتضيات النطق بالشهادتين والكلام على الشرك: تعريفه، وأنواعه، وخطورة الوقوع فيه

- ‌[74] باب أهمية إعطاء الدعوة إلى التوحيدوالعقيدة الصحيحة الأولوية عند الدعاة

- ‌[75] باب منه

- ‌[76] باب نصيحة الشيخ لبعضالداعيات أن تجعل التوحيد أولى أولوياتها

- ‌[77] باب أصل دعوة الأنبياءوالرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة

- ‌[78] باب فضل التوحيد وأنه ينجي من الخلود في النار

- ‌[79] باب الموحد لا يخلد في النار

- ‌[80] باب الذنبوإن عظُم لم يكن موجباً للنار متى ما صحت العقيدة

- ‌[81] باب أهمية التوحيدوبيان أنه لا تنفع الأعمال الصالحة بدونه

- ‌[82] باب لا يُحدث العامة بأحاديثقد يساء فهمها في فضل التوحيد

- ‌[83] باب منه

- ‌[84] باب أقسام التوحيد والشرك

- ‌[85] باب بيان أقسام التوحيد والشرك

- ‌[86] باب أقسام التوحيد والشرك والكفر

- ‌[87] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

- ‌[88] باب الدفاع عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وبيان التوحيد الذي دعى إليه، مع التنبيه على أقسام التوحيد وخطر الشرك

- ‌[89] باب كان الناس على التوحيد ثم طرأ عليهم الشرك

- ‌[90] باب الرد على من يقول أن الدعوة إلى التوحيد تفرق الصف

- ‌[91] باب إخلاص العبودية لله

- ‌[92] باب توحيد الاتباع

- ‌[93] باب منه

- ‌[94] باب معنى الشهادتين

- ‌[95] باب بيان مقتضيات الشهادتين

- ‌[96] باب معنى شهادة أن لا إله إلا الله وبيان مقتضياتها

- ‌[97] باب لوازم الشهادة لله بالوحدانية

- ‌[98] باب تلقين المحتضر شهادة التوحيد

- ‌[99] باب معنى شهادة أن محمدًا عبد الله ورسوله وبيان مقتضياتها

- ‌[100] باب لوازم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[101] باب هل هناك فرق بين تفسير لا إله إلا الله، بلا معبود إلا الله أو بلا معبود بحق "في الوجود" إلا الله

- ‌[102] باب هل قيد «في الوجود» في قولنا: لا معبود بحق في الوجود إلا الله؛ مهم

- ‌[103] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة»

- ‌[104] باب هل نسخت الأحاديث الواردةفيمن قال لا إله إلا الله وأنه يدخل الجنة

- ‌[105] باب هل هناك ممن يقول: «لا إله الله» من يدخل النار أولا

- ‌[106] باب محمد عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد

- ‌[107] باب السلامة من الشرك أهم ما في العقيدة

- ‌[108] باب التحذير من الشرك وبيان أنه أكبر الكبائر

- ‌[109] باب بيان خطر الشرك

- ‌[110] باب عظم خطر الكفر والشرك

- ‌[111] باب بيان خطورة الشرك بالله، وأثر ذلك على العبادات كالحج

- ‌[112] باب الشرك هو الكفر

- ‌[113] باب كل كفر شرك

- ‌[114] باب هل بين الكفر والشرك فرق

- ‌[115] باب كلمة حول الفرق بين الكفر والشرك

- ‌[116] باب بيان خطأ مقولة: الخطأ مغفور في الفروع دون الأصول، والتعرض لمسألة التفريق بين الكفر أو الشرك

- ‌[117] باب أركان نفي الشرك بالله

- ‌[118] باب تعريف المشرك

- ‌[119] باب ضوابط التفرقة بين الشرك الأكبر والأصغر

- ‌[120] باب شرك الطاعة

- ‌[121] باب أول من عبد الأصنام وغيَّر دين إسماعيل عليه السلام

- ‌[122] باب ردّ شبهةٍ لمن جوَّز صناعة التماثيل

- ‌[123] باب الترهيب من الرياء

- ‌[124] باب الاستكبار عن عبادته تعالى ودعائه يوجب غضبه تعالى، والرد على من ادعى أن دعاء الله سوء أدب مع الله

- ‌[125] باب سؤال الله، والرد على من حرَّمه

- ‌[126] باب جواز إطلاق لفظ المشرك على أهل الكتاب

- ‌[127] باب هل الكتابيات مشركات

- ‌(توحيد الربوبية)

- ‌[128] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

- ‌[129] باب ذكر أخذ الميثاقمن ذرية بني آدم وهل كان على الحقيقة

- ‌[130] باب منه

- ‌[131] باب منه

- ‌[132] باب حُكْم من لم يوف بالميثاق [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[133] باب ضلالة عقيدة الأقطاب والأوتاد

- ‌[134] باب جواب من خلق الله

- ‌[135] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن تلبس بشرك الربوبية

- ‌جامع أحكام القبور

- ‌جماع أبواب الكلامحول حكم اتخاذ القبور مساجد، وحكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور، وما يتصل بذلك من مسائل

- ‌[136] باب أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌[137] باب معنى اتخاذ القبور مساجد

- ‌[138] باب حكم اتخاذ القبور مساجد

- ‌[139] باب حكمة تحريم بناء المساجد على القبور

- ‌[140] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور

- ‌[141] باب في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي

- ‌[142] باب بناء المساجد على القبور مفضاة للشرك

- ‌[143] باب حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور

- ‌[144] باب هل الصلاة في المساجد التي فيها قبور باطلة

- ‌[145] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء

- ‌[146] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور

- ‌[147] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد، وهل يلزم من ذلك حرمة الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[148] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد

- ‌[149] باب حكم اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها

- ‌[150] باب من هو قائل عبارة"يُحذِّر ما صنعوا" في حديث اتخاذ القبور مساجد

- ‌[151] باب هل عمَّى الصحابة موضِعَ قبر النبي دانيالحتى لا يُتَّخَذ على قبره مسجداً

- ‌[152] باب مدى صحة تخصيص حرمة الصلاة في المساجد التي فيها قبور فيما إذا كان المصلي يستقبل القبر، وحكم الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[153] باب هل تجوز صلاة الجنازة في مسجد فيه قبر

- ‌[154] باب منه

- ‌[155] باب حكم صلاة الجنازة داخل المقبرة في مكان مخصص للصلاة ليس فيه قبور

- ‌[156] باب هل تجوزالصلاة في مسجد فيه قبر لمن لم يجد مسجدًا غيره

- ‌[157] باب منه

- ‌[158] باب حكم الصلاة في مسجد نُبِشَ القبر الذي فيه

- ‌[159] باب إذا وجدالقبر في المسجد فهل يزال القبر أم المسجد

- ‌[160] باب حكم الصلاة في غرفة مضافة إلى المسجد فيها قبر

- ‌[161] باب حكم الصلاة في مسجد فيه قبر في ساحته الخارجية

- ‌[162] باب حكم الصلاة في المسجد المبني بجوار المقبرة

- ‌[163] باب حرمة الصلاة في المقبرة سدًا لذريعة الشركومناقشة من خالف ذلك

- ‌[164] باب شبهات وجوابها حول حكم اتخاذ القبور مساجد

- ‌جماع أبواب الكلام حول حكم زيارة القبوروما يشرع عند القبور وما لا يشرعوالمسائل التي تتصل بذلك

- ‌[165] باب أئمة دعوة التوحيديجيزون زيارة القبور زيارة شرعية

- ‌[166] باب ذكر جملة من أحكام زيارة القبوروتحقيق القول في حكم زيارة النساء للقبور

- ‌[167] باب ما يحرم عند القبور

- ‌[168] باب بدع زيارة القبور

- ‌[169] باب حد الزيارة الشرعية للقبور، وكيفية السلام على الموتى

- ‌[170] باب هل يصح شيء في النهيعن زيارة القبور ليلاً للرجال

- ‌[171] باب هل زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمقبرة ليلاً خاص به

- ‌[172] باب الرد على القول بتحريم زيارة النساء للقبور

- ‌[173] باب حكم زيارة النساء للقبور

- ‌[174] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لعن الله زوارات القبور»

- ‌[175] باب هل يجوز زيارة النساء للقبور للاتعاظ

- ‌[176] حكم تخصيص زيارة الأحياء للأموات، أو للأحياء يوم العيد

- ‌[177] باب حكم زيارة القبور يوم العيد

- ‌[178] باب حكم تخصيص زيارة القبور في العيد

- ‌[179] باب هل هناك دليل نقلىعلى عدم جواز تخصيص العيد بزيارة القبور

- ‌[180] باب هل ما يقع فيه القبوريون يُعَد من الكفر العملي

- ‌[181] باب حرمة استقبال القبر بالصلاة

- ‌[182] باب التمسح بالقبور من الشرك

- ‌[183] باب هل في حديث: «الله الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا» دليل على جواز التمسح بالقبور

- ‌[184] باب حكم قراءة القرآن عند القبور

- ‌[185] باب حكم القراءة على القبر

- ‌[186] باب حكم زراعة أشجار على القبور

- ‌[187] باب لا حج إلا لبيت الله الحرامأما الحج إلى القبور فمن الشرك

- ‌[188] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة

- ‌[189] باب الطواف حول القبور وثنية لا يرضاها الإسلام

- ‌[190] باب لا تستقبل القبور حين الدعاء

- ‌[191] باب حكم قصد القبر للدعاء عنده تبركاً

- ‌[192] باب منه

- ‌[193] باب حكم استقبال القبور بالدعاء

- ‌[194] باب هل يشرع تقصد القبر بالسلام والدعاء

- ‌[195] باب وضع المال عند القبر غير مشروع

- ‌[196] باب هل يجوز تعليم القبر وزيارته بعينه

- ‌[197] باب حكم البناء على القبر للضرورة والكتابة عليه

- ‌[198] باب حكم إحياء قبور الصحابة والعناية بها

- ‌جماع أبواب الكلامحول حكم شد الرحال للقبور والمواطن الفاضلةوحكم تتبع آثار الأنبياء والصالحين وتَقَصُّدَها

- ‌[199] باب بدعية تتبع آثار الأنبياء والصالحين

- ‌[200] باب حكم تتبع آثار الأنبياء

- ‌[201] باب تَقَصًد آثار الأنبياء للصلاة عندها وسيلة للشرك

- ‌[202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين

- ‌[203] باب هل شد الرحال يحرم لغيرالمساجد الثلاثة من المساجد فقط أم أن ذلك عام

- ‌[204] باب حديث: «لا تشد الرِّحال» يشمل المواطن الفاضلة

- ‌[205] باب بدعية شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين

- ‌[206] باب ما هو الحكم الشرعي في شد الرحال إلى القبور

- ‌[207] باب حكم شد الرحال إلى القبوروإلى المواطن الفاضلة

- ‌[208] باب بدعية قصد المساجد التي بمكة غير المسجد الحرام

- ‌[209] باب بدعية قصد الجبال والبقاع التي حول مكة

- ‌[210] باب بدعية قصد الصلاة في مسجد عائشة

- ‌[211] باب بدعية قصد شيء من المساجد والمزارات التي بالمدينة غير المسجد النبوي ومسجد قباء

- ‌[212] باب لا يجوز شد الرحل إلى مسجد قباء مع فضيلته

- ‌[213] باب بدعية الصلاة عند قبر إبراهيم الخليل عليه السلام

- ‌[214] باب فتوى الشيخ في النُصُب المزعوم للخضرالذي كان موجوداً في جزيرة فيلكا وعلى دعوى المبتدعةوعَبدَةِ القبور في حياة الخضر

- ‌جماع أبواب الكلامحول مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[215] باب تحرير القول في مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع سرد جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذا الباب

- ‌[216] باب جواز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلمدون شد الرحل إليه بقصد الزيارة

- ‌[217] باب بدع زيارة القبر النبوي

- ‌[218] باب من صور الغلو في زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[219] باب منه

- ‌[220] باب منه

- ‌[221] باب بيان بطلان ما ينسبإلى أسامة بن زيد من صلاته عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[222] باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلمحكمها حكم زيارة باقي القبور

- ‌[223] باب هل تشرع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[224] باب الانتصار لشيخ الإسلامفي قوله بحرمة شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي

- ‌[225] باب رد بعض شبهاتالمجيزين لشد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[226] باب هل تجوز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد كل صلاة

- ‌[227] باب الفرق بين السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلممن المدينة المنورة ومن خارجها

الفصل: ‌[74] باب أهمية إعطاء الدعوة إلى التوحيدوالعقيدة الصحيحة الأولوية عند الدعاة

[74] باب أهمية إعطاء الدعوة إلى التوحيد

والعقيدة الصحيحة الأولوية عند الدعاة

بسم الله الرحمن الرحيم

[سئل الإمام]: فضيلة الشيخ لا شك أنكم تعلمون بأن واقع الأمة الديني واقع مرير من حيث الجهل بالعقيدة، ومسائل الاعتقاد، ومن حيث الافتراق في المناهج وإهمال نشر الدعوة الإسلامية في أكثر بقاع الأرض طبقاً للعقيدة الأولى والمنهج الأول الذي صلحت به الأمة، وهذا الواقع الأليم لا شك بأنه قد ولد غيرة عند المخلصين ورغبة في تغييره وإصلاح الخلل، إلا أنهم اختلفوا في طريقتهم في إصلاح هذا الواقع؛ لاختلاف مشاربهم العقدية والمنهجية-كما تعلم ذلك فضيلتكم-من خلال تعدد الحركات والجماعات الإسلامية الحزبية والتي ادعت إصلاح الأمة الإسلامية عشرات السنين، ومع ذلك لم يكتب لها النجاح والفلاح، بل تسببت تلك الحركات للأمة في إحداث الفتن ونزول النكبات والمصائب العظيمة، بسبب مناهجها وعقائدها المخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به؛ مما ترك الأثر الكبير في الحيرة عند المسلمين-وخصوصاً الشباب منهم-في كيفية معالجة هذا الواقع، وقد يشعر الداعية المسلم المتمسك بمنهاج النبوة المتبع لسبيل المؤمنين، المتمثل في فهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان من علماء الإسلام؛ قد يشعر بأنه حمل أمانة عظيمة تجاه هذا الواقع وإصلاحه أو المشاركة في علاجه.

فما هي نصيحتكم لأتباع تلك الحركات أو الجماعات؟

وما هي الطرق النافعة الناجعة في معالجة هذا الواقع؟

ص: 9

وكيف تبرأ ذمة المسلم عند الله عز وجل يوم القيامة؟

[فأجاب الإمام]:

يجب العناية والاهتمام بالتوحيد أولاً كما هو منهج الأنبياء والرسل عليهم السلام:

بالإضافة لما ورد في السؤال-السابق ذكره آنفاً-من سوء واقع المسلمين، نقول: إن هذا الواقع الأليم ليس شراً مما كان عليه واقع العرب في الجاهلية حينما بعث إليهم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛لوجود الرسالة بيننا، وكمالها، ووجود الطائفة الظاهرة على الحق، والتي تهدي به، وتدعو الناس للإسلام الصحيح: عقيدة، وعبادة، وسلوكاً، ومنهجاً، ولا شك بأن واقع أولئك العرب في عصر الجاهلية مماثل لما عليه كثير من طوائف المسلمين اليوم!.

بناء على ذلك نقول: العلاج هو ذاك العلاج، والدواء هو ذاك الدواء، فبمثل ما عالج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الجاهلية الأولى، فعلى الدعاة الإسلاميين اليوم-جميعهم-أن يعالجوا سوء الفهم لمعنى «لا إله إلا الله» ، ويعالجوا واقعهم الأليم بذاك العلاج والدواء نفسه. ومعنى هذا واضح جداً؛ إذا تدبرنا قول الله عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب: 21).

فرسولنا صلى الله عليه وآله وسلم هو الأسوة الحسنة في معالجة مشاكل المسلمين في عالمنا المعاصر وفي كل وقت وحين، ويقتضي ذلك منا أن نبدأ بما بدأ به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهو إصلاح ما فسد من عقائد المسلمين أولاً، ومن عبادتهم ثانياً، ومن سلوكهم ثالثاً.

ولست أعني من هذا الترتيب فصل الأمر الأول بدءاً بالأهم ثم المهم، ثم ما

ص: 10

دونه! وإنما أريد أن يهتم بذلك المسلمون اهتماما شديداً كبيراً، وأعني بالمسلمين بطبيعة الأمر الدعاة، ولعل الأصح أن نقول: العلماء منهم؛ لأن الدعاة اليوم-مع الأسف الشديد-يدخل فيهم كل مسلم ولو كان على فقر مدقع من العلم، فصاروا يعدون أنفسهم دعاة إلى الإسلام، وإذا تذكرنا تلك القاعدة المعروفة-لا أقول: عند العلماء فقط بل عند العقلاء جميعاً-تلك القاعدة التي تقول: «فاقد الشيء لا يعطيه» ؛ فإننا نعلم اليوم بأن هناك طائفة كبيرة جداً يعدون بالملايين من المسلمين تنصرف الأنظار إليهم حين يطلق لفظة: الدعاة. وأعني بهم: جماعة الدعوة، أو: جماعة التبليغ «ومع ذلك فأكثرهم كما قال الله عز وجل: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (لأعراف: 187).

ومعلوم من طريقة دعوتهم أنهم قد أعرضوا بالكلية عن الاهتمام بالأصل الأول-أو بالأمر الأهم-من الأمور التي ذكرت آنفاً، وأعني: العقيدة والعبادة والسلوك، وأعرضوا عن الإصلاح الذي بدأ به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل بدأ به كل الأنبياء، وقد بينه الله تعالى بقوله:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36). فهم لا يعنون بهذا الأصل الأصيل والركن الأول من أركان الإسلام-كما هو معلوم لدى المسلمين جميعاً-هذا الأصل الذي قام يدعو إليه أول رسول من الرسل الكرام ألا وهو نوح صلى الله عليه وآله وسلم قرابة ألف سنة، والجميع يعلم أن الشرائع السابقة لم يكن فيها من التفصيل لأحكام العبادات والمعاملات ما هو معروف في ديننا هذا لأنه الدين الخاتم للشرائع والأديان، ومع ذلك فقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يصرف وقته وجل اهتمامه للدعوة إلى التوحيد، ومع ذلك أعرض قومه عن دعوته كما بين الله-عز وجل-ذلك في محكم التنزيل {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} (نوح: 23).

ص: 11

فهذا يدل دلالة قاطعة على أن أهم شيء ينبغي على الدعاة إلى «الإسلام الحق» الاهتمام به دائماً هو الدعوة إلى التوحيد وهو معنى قوله-تبارك وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19).

هكذا كانت سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عملاً وتعليماً.

أما فعله: فلا يحتاج إلى بحث، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العهد المكي إنما كان فعله ودعوته محصورة في الغالب في دعوة قومه إلى عبادة الله لا شريك له.

أما تعليماً: ففي حديث أنس بن مالك-رضي الله عنه-الوارد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له: «ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك

» (1).إلخ الحديث. وهو معلوم ومشهور إن شاء الله تعالى.

إذاً، قد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه أن يبدؤوا بما بدأ به وهو الدعوة إلى التوحيد، ولا شك أن هناك فرقاً كبيراً جداً بين أولئك العرب المشركين-من حيث إنهم كانوا يفهمون ما يقال لهم بلغتهم-، وبين أغلب العرب المسلمين اليوم الذين ليسوا بحاجة أن يُدْعَوْا إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله؛ لأنهم قائلون بها على اختلاف مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم، فكلهم يقولون: لا إله إلا الله، لكنهم في الواقع بحاجة أن يفهموا-أكثر-معنى هذه الكلمة الطيبة، وهذا الفرق فرق جوهري-جداً-بين العرب الأولين الذين كانوا إذا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولوا: لا إله إلا الله يستكبرون، كما هو مبين في صريح القرآن العظيم (2) لماذا يستكبرون؟؛ لأنهم

(1) حديث صحيح: رواه البخاري (1395) وفي غير موضع، ومسلم (19)، وأبو داود (1584)، والترمذي (625)، كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنه. [منه].

(2)

يشير إلى قوله تعالى في سورة الصافات: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (الصافات: 35 - 36). [منه].

ص: 12

يفهمون أن معنى هذه الكلمة أن لا يتخذوا مع الله أنداداً وألا يعبدوا إلا الله، وهم كانوا يعبدون غيره، فهم ينادون غير الله ويستغيثون بغير الله؛ فضلاً عن النذر لغير الله، والتوسل بغير الله، والذبح لغيره والتحاكم لسواه

إلخ.

هذه الوسائل الشركية الوثنية المعروفة التي كانوا يفعلونها، ومع ذلك كانوا يعلمون أن من لوازم هذه الكلمة الطيبة-لا إله إلا الله-من حيث اللغة العربية أن يتبرؤوا من كل هذه الأمور؛ لمنافاتها لمعنى «لا إله إلا الله» .

غالب المسلمين اليوم لا يفقهون معنى لا إله إلا الله فهماً جيداً:

أما غالب المسلمين اليوم الذين يشهدون بأن «لا إله إلا الله» فهم لا يفقهون معناها جيداً، بل لعلهم يفهمون معناها فهماً معكوساً ومقلوباً تماماً؛ أضرب لذلك مثلاً: بعضهم (1) ألّف رسالة في معنى «لا إله إلا الله» ففسرها: «لا رب إلا الله!!» وهذا المعنى هو الذي كان المشركون يؤمنون به وكانوا عليه، ومع ذلك لم ينفعهم إيمانهم هذا، قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه} (لقمان: 25).

فالمشركون كانوا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً لا شريك له، ولكنهم كانوا يجعلون مع الله أنداداً وشركاء في عبادته، فهم يؤمنون بأن الرب واحد ولكن يعتقدون بأن المعبودات كثيرة، ولذلك رد الله تعالى-هذا الاعتقاد-الذي سماه عبادة لغيره من دونه بقوله تعالى: {

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى

} (الزمر: 3).

(1) هو الشيخ محمد الهاشمي، أحد شيوخ الصوفية «الطريقة الشاذلية» في سوريا من نحو 50 سنة. [منه].

ص: 13

لقد كان المشركون يعلمون أن قول: «لا إله إلا الله» يلزم له التبرؤ من عبادة ما دون الله عز وجل، أما غالب المسلمين اليوم؛ فقد فسروا هذه الكلمة الطيبة «لا إله إلا الله» بـ:«لا رب إلا الله!!» فإذا قال المسلم: لا إله إلا الله»، وعبد مع الله غيره؛ فهو والمشركون سواء، عقيدة، وإن كان ظاهره الإسلام؛ لأنه يقول لفظة: لا إله إلا الله فهو بهذه العبارة مسلم لفظياً ظاهراً، وهذا مما يوجب علينا جميعاً-بصفتنا دعاة إلى الإسلام- الدعوة إلى التوحيد وإقامة الحجة على من جهل معنى «لا إله إلا الله» وهو واقع في خلافها؛ بخلاف المشرك؛ لأنه يأبى أن يقول:«لا إله إلا الله» فهو ليس مسلماً لا ظاهراً ولا باطناً فأما جماهير المسلمين اليوم هم مسلمون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى» (1).

لذلك، فإني أقول كلمة-وهي نادرة الصدور مني-، وهي: إن واقع كثير من المسلمين اليوم شر مما كان عليه عامة العرب في الجاهلية الأولى من حيث سوء الفهم لمعنى هذه الكلمة الطيبة؛ لأن المشركين العرب كانوا يفهمون، ولكنهم لا يؤمنون، أما غالب المسلمين اليوم، فإنهم يقولون ما لا يعتقدون، يقولون: لا إله إلا الله، ولا يؤمنون -حقاً-بمعناها (2)، لذلك فأنا أعتقد أن أول واجب على الدعاة المسلمين-حقاً-هو أن يدندنوا حول هذه الكلمة وحول بيان معناها بتلخيص، ثم

(1) حديث صحيح: رواه البخاري (25) وفي غير موضع، ومسلم (22)، وغيرهم، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. [منه].

(2)

يعبدون القبور، ويذبحون لغير الله، ويدعون الأموات، وهذا واقع وحقيقة ما تعتقده الرافضة، والصوفية، وأصحاب الطرق، فالحج إلى القبور وبناء المشاهد الشركية والطواف عليها والاستغاثة بالصالحين والحلف بهم عقائد ثابتة عندهم. [منه].

ص: 14

بتفصيل لوازم هذه الكلمة الطيبة بالإخلاص لله عز وجل في العبادات بكل أنواعها، لأن الله عز وجل لما حكى عن المشركين قوله: {

مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى

} (الزمر: 3)، جعل كل عبادة توجه لغير الله كفراً بالكلمة الطيبة: لا إله إلا الله؛ لهذا؛ أنا أقول اليوم: لا فائدة مطلقاً من تكتيل المسلمين ومن تجميعهم، ثم تركهم في ضلالهم دون فهم هذه الكلمة الطيبة، وهذا لا يفيدهم في الدنيا قبل الآخرة! نحن نعلم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرم الله بدنه على النار» وفي رواية أخري: «دخل الجنة» (1). فيمكن ضمان دخول الجنة لمن قالها مخلصاً حتى لو كان بعد لأيٍ وعذاب يمس القائل، والمعتقد الاعتقاد الصحيح لهذه الكلمة، فإنه قد يعذب بناءً على ما ارتكب واجترح من المعاصي والآثام، ولكن سيكون مصيره في النهاية دخول الجنة، وعلى العكس من ذلك؛ من قال هذه الكلمة الطيبة بلسانه، ولما يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذلك لا يفيده شيئاً في الآخرة، قد يفيده في الدنيا النجاة من القتال ومن القتل إذا كان للمسلمين قوة وسلطان، وأما في الآخرة فلا يفيد شيئاً إلا إذا كان قائلاً لها وهو فاهم معناها أولاً، ومعتقداً لهذا المعنى ثانياً؛ لأن الفهم وحده لا يكفي إلا إذا اقترن مع الفهم الإيمان بهذا المفهوم، وهذه النقطة؛ أظن أن أكثر الناس عنها غافلون! وهي: لا يلزم من الفهم الإيمان بل لا بد أن يقترن كل من الأمرين مع الآخر حتى يكون مؤمناً، ذلك لأن كثيراً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا يعرفون أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رسول صادق فيما يدعيه من الرسالة والنبوة، ولكن مع هذه المعرفة التي شهد لهم بها ربنا عز وجل حين قال:

(1) حديث صحيح: رواه أحمد (5/ 236)، وابن حبان (4) زوائد، وصححه الألباني في الصحيحة (3355). [منه].

ص: 15

{

يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ

} (البقرة: 146).

ومع ذلك هذه المعرفة ما أغنت عنهم من الله شيئاً لماذا؟ لأنهم لم يصدقوه فيما يدعيه من النبوة والرسالة، ولذلك فإن الإيمان تسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها، بل لا بد أن يقترن مع المعرفة الإيمان والإذعان، لأن المولى عز وجل يقول في محكم التنزيل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ

} (محمد: 19).

وعلى هذا، فإذا قال المسلم: لا إله إلا الله بلسانه؛ فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة هذه الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل، فإذا عرف وصدق وآمن؛ فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها آنفاً، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم مشيراً إلى شيء من التفصيل الذي ذكرته آنفاً:«من قال: لا إله إلا الله، نفعته يوماً من دهره» .

أي كانت هذه الكلمة الطيبة بعد معرفة معناها منجية له من الخلود في النار-وهذا أكرره لكي يرسخ في الأذهان-وقد لا يكون قد قام بمقتضاها من كمال العمل الصالح والانتهاء عن المعاصي، ولكنه سلم من الشرك الأكبر وقام بما يقتضيه ويستلزمه شروط الإيمان من الأعمال القلبية-والظاهرية حسب اجتهاد بعض أهل العلم وفيه تفصيل ليس هذا محل بسطه- (1)؛ وهو تحت المشيئة، وقد يدخل النار جزاء ما ارتكب أو فعل من المعاصي أو أخل ببعض الواجبات، ثم تنجيه هذه الكلمة الطيبة أو يعفو الله عنه بفضل منه وكرمه، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم المتقدم ذكره:«من قال: لا إله إلا الله، نفعته يوماً من دهره» ، أما من قالها بلسانه ولم يفقه معناها، أو فقه معناها ولكنه لم يؤمن بهذا المعنى؛ فهذا لا ينفعه قوله: لا إله إلا الله، إلا في العاجلة إذا كان يعيش في ظل الحكم الإسلامي وليس

في الآجلة.

(1) هذه عقيدة السلف الصالح، وهي الحد الفاصل بيننا وبين الخوارج والمرجئة. [منه].

ص: 16

لذلك لا بد من التركيز على الدعوة إلى التوحيد في كل مجتمع أو تكتل إسلامي يسعى- حقيقة وحثيثاً-إلى ما تدندن به كل الجماعات الإسلامية أو جلها، وهو تحقيق المجتمع الإسلامي وإقامة الدولة المسلمة التي تحكم بما أنزل الله على أي أرض لا تحكم بما أنزل الله، هذه الجماعات أو هذه الطوائف لا يمكنها أن تحقق هذه الغاية-التي أجمعوا على تحقيقها وعلى السعي- حثيثاً إلى جعلها حقيقة واقعية-إلا بالبدء بما بدأ به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

وجوب الاهتمام بالعقيدة لا يعنى إهمال باقي الشرع من عبادات وسلوك ومعاملات وأخلاق:

وأعيد التنبيه بأنني لا أعنى الكلام في بيان الأهم فالمهم وما دونه على أن يقتصر الدعاة فقط على الدعوة إلى هذه الكلمة الطيبة وفهم معناها، بعد أن أتم الله عز وجل علينا النعمة بإكماله لدينه! بل لا بد لهؤلاء الدعاة أن يحملوا الإسلام كُلاً لا يتجزأ، وأنا حين أقول هذا- بعد ذلك البيان الذي خلاصته: أن يهتم الدعاة الإسلاميون حقاً بأهم ما جاء به الإسلام، وهو تفهيم المسلمين العقيدة الصحيحة النابعة من الكلمة الطيبة «لا إله إلا الله» ، أريد أن استرعي النظر إلى أن هذا البيان لا يعني أن يفهم المسلم فقط أن معنى:«لا إله إلا الله» ، هو لا معبود بحق في الوجود إلا الله فقط! بل هذا يستلزم أيضاً أن يفهم العبادات التي ينبغي أن يعبد ربنا- عز وجل-بها، ولا يوجه شيء منها لعبد من عباد الله تبارك وتعالى، فهذا التفصيل لا بد أن يقترن بيانه أيضاً بذلك المعنى الموجز للكلمة الطيبة، ويحسن أن أضرب مثلاً-أو أكثر من مثل، حسبما يبدو لي-لأن البيان الإجمالي لا يكفي.

أقول: إن كثيراً من المسلمين الموحدين حقاً والذين لا يوجهون عبادة من

ص: 17

العبادات إلى غير الله عز وجل، ذهنهم خال من كثير من الأفكار والعقائد الصحيحة التي جاء ذكرها في الكتاب والسنة، فكثير من هؤلاء الموحدين يمرون على كثير من الآيات وبعض الأحاديث التي تتضمن عقيدة وهم غير منتبهين إلى ما تضمنته، مع أنها من تمام الإيمان بالله عز وجل، خذوا مثلاً عقيدة الإيمان بعلو الله عز وجل، على ما خلقه، أنا أعرف بالتجربة أن كثيراً من إخواننا الموحدين السلفيين يعتقدون معنا بأن الله عز وجل على العرش استوى دون تأويل، ودون تكييف، ولكنهم حين يأتيهم معتزليون عصريون، أو جهميون عصريون، أو ماتريدي أو أشعري ويلقي إليه شبهة قائمة على ظاهر آية لا يفهم معناها الموسوِس ولا الموسْوَس إليه، فيحار في عقيدته، ويضل عنها بعيداً، لماذا؟ لأنه لم يتلق العقيدة الصحيحة من كل الجوانب التي تعرض لبيانها كتاب ربنا عز وجل-وحديث نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فحينما يقول المعتزلي المعاصر: الله-عز وجل-يقول: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ

} (الملك: الآيتان 15 - 16).وأنتم تقولون: إن الله في السماء، وهذا معناه أنكم جعلتم معبودكم في ظرف هو السماء المخلوقة!! فإنه يلقى شبهة على من أمامه.

بيان عدم وضوح العقيدة الصحيحة ولوازمها في أذهان الكثيرين:

أريد من هذا المثال أن أبين أن عقيدة التوحيد بكل لوازمها ومتطلباتها ليست واضحة-للأسف- في أذهان كثير ممن آمنوا بالعقيدة السلفية نفسها، فضلاً عن الآخرين الذين اتبعوا العقائد الأشعرية أو الماتريدية أو الجهمية في مثل هذه المسألة، فأنا أرمي بهذا المثال إلى أن المسألة ليست بهذا اليسر الذي يصوره اليوم بعض الدعاة الذين يلتقون معنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة، إن الأمر ليس بالسهولة التي يدعيها بعضهم، والسبب ما سبق بيانه من الفرق بين جاهلية

ص: 18

المشركين الأولين حينما كانوا يدعون ليقولوا: لا إله إلا الله فيأبون؛ لأنهم يفهمون معنى هذه الكلمة الطيبة، وبين أكثر المسلمين المعاصرين اليوم حينما يقولون هذه الكلمة؛ ولكنهم لا يفهمون معناها الصحيح، هذا الفرق الجوهري هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة، وأعني بها علو الله عز وجل على مخلوقاته كلها، فهذا يحتاج إلى بيان، ولا يكفي أن يعتقد المسلم {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5). «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (1). دون أن يعرف أن كلمة «في» التي وردت في هذا الحديث ليست ظرفية، وهي مثل «في» التي وردت في قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ

] (الملك: الآيتان 15 - 16)؛ لأن «في» هنا بمعنى «على» والدليل على ذلك كثير وكثير جداً؛ فمن ذلك: الحديث السابق المتداول بين ألسنة الناس، وهو بمجموع طرقه -والحمد لله-صحيح، ومعنى [قوله صلى الله عليه وآله وسلم]:«ارحموا من في الأرض» لا يعني الحشرات والديدان التي هي في داخل الأرض! وإنما من على الأرض؛ من إنسان وحيوان، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «

يرحمكم من في السماء»، أي: على السماء، فمثل هذا التفصيل لا بد للمستجيبين لدعوة الحق أن يكونوا على بينة منه، ويقرب هذا: حديث الجارية وهي راعية غنم، وهو مشهور معروف، وإنما أذكر الشاهد منه؛ حينما سألها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«أين الله؟» قالت له: في السماء (2).لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر-مثلاً-أين الله؟ لقالوا لك: في كل مكان! بينما الجارية أجابت بأنه في السماء، وأقرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لماذا؟؛ لأنها أجابت على الفطرة، وكانت تعيش بما يمكن أن

(1)«السلسلة الصحيحة» (925).

(2)

رواه مسلم (رقم537).

ص: 19

نسميه بتعبيرنا العصري» بيئة سلفية «لم تتلوث بأي بيئة سيئة-بالتعبير العام-؛ لأنها تخرجت كما يقولون اليوم-من مدرسة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذه المدرسة لم تكن خاصة ببعض الرجال ولا ببعض النساء، وإنما كانت مشاعة بين الناس وتضم الرجال والنساء وتعم المجتمع بأكمله، ولذلك عرفت راعية الغنم العقيدة لأنها لم تتلوث بأي بيئة سيئة؛ عرفت العقيدة الصحيحة التي جاءت في الكتاب والسنة وهو مالم يعرفه كثير ممن يدعي العلم بالكتاب والسنة، فلا يعرف أين ربه! مع أنه مذكور في الكتاب والسنة، واليوم أقول: لا يوجد شيء من هذا البيان وهذا الوضوح بين المسلمين بحيث لو سألت -لا أقول: راعية غنم-بل راعي أمة أو جماعة؛ فإنه قد يحار في الجواب كما يحار الكثيرون اليوم إلا من رحم الله وقليل ما هم!!!.

الدعوة إلى العقيدة الصحيحة تحتاج إلى بذل جهد عظيم ومستمر:

فإذاً، فالدعوة إلى التوحيد وتثبيتها في قلوب الناس تقتضي منا ألا نمر بالآيات دون تفصيل كما في العهد الأول؛ لأنهم-أولاً-كانوا يفهمون العبارات العربية بيسر، وثانياً لأنه لم يكن هناك انحراف وزيغ في العقيدة نبع من الفلسفة وعلم الكلام، فقام ما يعارض العقيدة السليمة، فأوضاعنا اليوم تختلف تماماً عما كان عليه المسلمون الأوائل، فلا يجوز أن نتوهم بأن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة هي اليوم من اليسر كما كان الحال في العهد الأول، وأقرب هذا في مثل لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان-إن شاء الله تعالى-:

من اليسر المعروف حينئذ أن الصحابي يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة ثم التابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة

وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، ونسأل: هل كان هناك شيء اسمه علم الحديث؟

ص: 20

الجواب: لا، وهل كان هناك شيء اسمه علم الجرح والتعديل؟ الجواب: لا، أما الآن فهذان العلمان لا بد منهما لطالب العلم، وهما من فروض الكفاية؛ وذلك لكي يتمكن العالم اليوم من معرفة الحديث إن كان صحيحاً أو ضعيفاً، فالأمر لم يعد ميسراً سهلاً كما كان ذلك ميسراً للصحابي، لأن الصحابي كان يتلقى الحديث من الصحابة الذين زكوا بشهادة الله-عز وجل-لهم .... إلخ. فما كان يومئذ ميسوراً ليس ميسوراً اليوم من حيث صفاء العلم وثقة مصادر التلقي، لهذا لا بد من ملاحظة هذا الأمر والاهتمام به كما ينبغي مما يتناسب مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين، والتي لم تحط بالمسلمين الأولين من حيث التلوث العقدي الذي سبب إشكالات وأوجد شبهات من أهل البدع المنحرفين عن العقيدة الصحيحة منهج الحق تحت مسميات كثيرة، ومنها الدعوة إلى الكتاب والسنة فقط! كما يزعم ذلك ويدعيه المنتسبون إلى علم الكلام.

ويحسن بنا هنا أن نذكر بعض ما جاء في الأحاديث الصحيحة في ذلك ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ذكر الغرباء في بعض تلك الأحاديث، قال:«للواحد منهم خمسون من الأجر» ، قالوا: منا يا رسول الله أو منهم؟ قال: «منكم» (1).

وهذا من نتائج الغربة الشديدة للإسلام اليوم التي لم تكن في الزمن الأول، ولا شك أن غربة الزمن الأول كانت بين شرك صريح وتوحيد خال من كل شائبة، بين كفر بواح وإيمان صادق، أما الآن فالمشكلة بين المسلمين أنفسهم فأكثرهم توحيده مليء بالشوائب، ويوجه العبادات إلى غير الله ويدعي الإيمان؛ هذه القضية ينبغي الانتباه لها أولاً، وثانياً: لا ينبغي أن يقول بعض الناس: إننا لا بد لنا من

(1)«السلسلة الصحيحة» (494).

ص: 21

الانتقال إلى مرحلة أخرى غير مرحلة التوحيد وهي العمل السياسي!! لأن الإسلام دعوته دعوة حق أولاً، فلا ينبغي أن نقول: نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا، مع تذكيرنا أن العرب اليوم عكس الأعاجم الذين استعربوا، بسبب بعدهم عن لغتهم، وهذا ما أبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم، فهب أننا-نحن العرب-قد فهمنا الإسلام فهماً صحيحاً، فليس من الواجب علينا بأن نعمل عملاً سياسياً، ونحرك الناس تحريكاً سياسياً، ونشغلهم بالسياسة عما يجب عليهم الاشتغال به، في فهم الإسلام: في العقيدة، والعبادة، والمعاملة والسلوك!! فأنا لا أعتقد أن هناك شعباً يعد بالملايين قد فهم الإسلام فهماً صحيحاً -أعني: العقيدة، والعبادة، والسلوك -وربي عليها.

أساس التغيير هو منهج التصفية والتربية:

ولذلك نحن ندندن أبداً ونركز دائماً حول النقطتين الأساسيتين اللتين هما قاعدة التغيير الحق، وهما: التصفية والتربية، فلا بد من الأمرين معاً؛ التصفية والتربية، فإن كان هناك نوع من التصفية في بلد فهو في العقيدة، وهذا-بحد ذاته-يعتبر عملاً كبيراً وعظيماً أن يحدث في جزء من المجتمع الإسلامي الكبير- أعني: شعباً من الشعوب-، أما العبادة فتحتاج إلى أن تتخلص من المذهبية الضيقة، والعمل على الرجوع إلى السنة الصحيحة، فقد يكون هناك علماء أجلاء فهموا الإسلام فهماً صحيحاً من كل الجوانب، لكني لا أعتقد أن فرداً أو اثنين، أو ثلاثة، أو عشرة، أو عشرين يمكنهم أن يقوموا بواجب التصفية، تصفية الإسلام من كل ما دخل فيه؛ سواء في العقيدة، أو العبادة، أو السلوك، إنه لا يستطيع أن ينهض بهذا الواجب أفراد قليلون يقومون بتصفية ما علق به من كل دخيل ويربوا من حولهم تربية صحيحة سليمة، فالتصفية والتربية الآن مفقودتان.

ص: 22

ولذلك سيكون للتحرك السياسي في أي مجتمع إسلامي لا يحكم بالشرع آثار سيئة قبل تحقيق هاتين القضيتين الهامتين، أما النصيحة فهي تحل محل التحرك السياسي في أي بلد يحكم بالشرع من خلال المشورة أو من خلال إبدائها بالتي هي أحسن بالضوابط الشرعية بعيداً عن لغة الإلزام أو التشهير، فالبلاغ يقيم الحجة ويبرئ الذمة.

ومن النصح أيضاً، أن نشغل الناس فيما ينفعهم؛ بتصحيح العقيدة، والعبادة، والسلوك، والمعاملات.

وقد يظن بعضهم أننا نريد تحقيق التربية والتصفية في المجتمع الإسلامي كله! هذا ما لا نفكر فيه ولا نحلم به في المنام؛ لأن هذا تحقيقه مستحيل؛ ولأن الله عز وجل يقول في القرأن الكريم {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (هود: 118).

وهؤلاء لا يتحقق فيهم قول ربنا تعالى هذا إلا إذا فهموا الإسلام فهماً صحيحاً وربوا أنفسهم وأهليهم ومن كان حولهم على هذا الإسلام الصحيح.

من يشتغل بالعمل السياسي؟ ومتى؟

فالاشتغال الآن بالعمل السياسي مشغلة! مع أننا لا ننكره، إلا أننا نؤمن بالتسلسل الشرعي المنطقي في آن واحد، نبدأ بالعقيدة، ونثني بالعبادة ثم بالسلوك؛ تصحيحاً وتربية ثم لا بد أن يأتي يوم ندخل فيه في مرحلة السياسة بمفهومها الشرعي؛ لأن السياسة معناها: إدارة شؤون الأمة، من الذي يدير شؤون الأمة؟ ليس زيداً، وبكراً، وعمراً؛ ممن يؤسس حزباً أو يترأس حركة، أو يوجه جماعة!! هذا الأمر خاص بولي الأمر؛ الذي يبايع من قبل المسلمين، هذا هو الذي

ص: 23

يجب عليه معرفة سياسة الواقع وإدارته، فإذا كان المسلمون غير متحدين-كحالنا اليوم-فيتولى ذلك كل ولي أمر حسب حدود سلطاته، أما أن نشغل أنفسنا في أمور لو افترضنا أننا عرفناها حق المعرفة فلا تنفعنا معرفتنا هذه؛ لأننا لا نتمكن من إدارتها، ولأننا لا نملك القرار لإدارة الأمة، وهذا وحده عبث لا طائل تحته، ولنضرب مثلاً الحروب القائمة ضد المسلمين في كثير من بلاد الإسلام هل يفيد أن نشعل حماسة المسلمين تجاهها ونحن لا نملك الجهاد الواجب إدارته من إمام مسؤول عقدت له البيعة؟! لا فائدة من هذا العمل، ولا نقول: إنه ليس بواجب! ولكننا نقول: إنه أمر سابق لأوانه، ولذلك فعلينا أن نشغل أنفسنا وأن نشغل غيرنا ممن ندعوهم إلى دعوتنا؛ بتفهيمهم الإسلام الصحيح، وتربيتهم تربية صحيحة، أما أن نشغلهم بأمور حماسية وعاطفية، فذلك مما سيصرفهم عن التمكن في فهم الدعوة التي يجب أن يقوم بها كل مكلف من المسلمين؛ كتصحيح العقيدة، وتصحيح العبادة، وتصحيح السلوك، وهي من الفروض العينية التي لا يعذر المقصر فيها، وأما الأمور الأخرى فبعضها يكون من الأمور الكفائية، كمثل ما يسمى اليوم بـ «فقه الواقع» والاشتغال بالعمل السياسي الذي هو من مسئولية من لهم الحل والعقد، الذين بإمكانهم أن يستفيدوا من ذلك عملياً، أما أن يعرفه بعض الأفراد الذين ليس بأيديهم حل ولا عقد ويشغلوا جمهور الناس بالمهم عن الأهم، فذلك مما صرفهم عن المعرفة الصحيحة! وهذا مما نلمسه لمس اليد في كثير من مناهج الأحزاب والجماعات الإسلامية اليوم، حيث نعرف أن بعضهم انصرف عن تعليم الشباب المسلم المتكتل والملتف حول هؤلاء الدعاة من أجل أن يتعلم ويفهم العقيدة الصحيحة، والعبادة الصحيحة، والسلوك الصحيح، وإذا ببعض هؤلاء الدعاة ينشغلون بالعمل السياسي ومحاولة الدخول في البرلمانات

ص: 24

التي تحكم بغير ما أنزل الله! فصرفهم هذا عن الأهم واشتغلوا بما ليس مهما ً في هذه الظروف القائمة الآن.

أما ما جاء في السؤال عن كيفية براءة ذمة المسلم أو مساهمته في تغيير هذا الواقع الأليم؛ فنقول: كل من المسلمين بحسبه، العالم منهم يجب عليه ما لا يجب على غير العالم، وكما أذكر في مثل هذه المناسبة: أن الله عز وجل قد أكمل النعمة بكتابه، وجعله دستوراً للمؤمنين به، من ذلك أن الله تعالى قال: {

فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (الانبياء: 7) فالله سبحانه وتعالى قد جعل المجتمع الإسلامي قسمين: عالماً، وغير عالم، وأوجب على كل منهما مالم يوجبه على الآخر، فعلى الذين ليسوا بعلماء أن يسألوا أهل العلم، وعلى العلماء أن يجيبوهم عما سئلوا عنه، فالواجبات-من هذا المنطلق-تختلف باختلاف الأشخاص، فالعالم اليوم عليه أن يدعوا إلى دعوة الحق في حدود الاستطاعة، وغير العالم عليه أن يسأل عما يهمه بحق نفسه أو من كان راعياً؛ كزوجة أو ولد أو نحوه، فإذا قام المسلم -من كلا الفريقين-بما يستطيع؛ فقد نجا، لأن الله عز وجل يقول:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286).

نحن-مع الأسف نعيش في مأساة ألمت بالمسلمين، لا يعرف التاريخ لها مثيلاً، وهو تداعي الكفار على المسلمين، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل حديثه المعروف والصحيح:«تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» ، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: «لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم لكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن» ،

ص: 25

قالوا: وما الوهن يارسول الله؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» (1).

فواجب العلماء إذاً، أن يجاهدوا في التصفية والتربية، وذلك بتعليم المسلمين التوحيد الصحيح وتصحيح العقائد والعبادات، والسلوك، كل حسب طاقته وفي البلاد التي يعيش فيها، لأنهم لا يستطيعون القيام بجهاد اليهود في صف واحد ماداموا كحالنا اليوم، متفرقين، لا يجمعهم بلد واحد ولا صف واحد، فإنهم لا يستطيعون القيام بمثل هذا الجهاد لصد الأعداء الذين تداعوا عليهم، ولكن عليهم أن يتخذوا كل وسيلة شرعية بإمكانهم أن يتخذوها، لأننا لا نملك القدرة المادية، ولو استطعنا، فإننا لا نستطيع أن نتحرك فعلاً، لأن هناك حكومات وقيادات وحكاماً في كثير من بلاد المسلمين يتبنون سياسات لا تتفق مع السياسة الشرعية-مع الأسف الشديد-لكننا نستطيع أن نحقق-بإذن الله تعالى _ هذين الأمرين العظيمين اللذين ذكرتهما آنفاً وهما التصفية والتربية، وحينما يقوم الدعاة المسلمون بهذا الواجب المهم جداً في بلد لا يتبنى سياسة لا تتفق مع السياسة الشرعية، ويجتمعون على هذا الأساس، فأنا أعتقد-يومئذ- أنه سيصدق عليهم قول الله عز وجل:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّه} (الروم: 4 - 5).

الواجب على كل مسلم أن يطبق حكم الله في شئون حياته كلها فيما يستطيعه:

إذاً، واجب كل مسلم أن يعمل ما باستطاعته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وليس هناك تلازم بين إقامة التوحيد الصحيح والعبادة الصحيحة، وبين إقامة الدولة الإسلامية في البلاد التي لا تحكم بما أنزل الله، لأن أول ما يُحكم بما أنزل

(1)«السلسة الصحيحة» (958).

ص: 26

الله -فيه- هو إقامة التوحيد، وهناك-بلا شك-أمور خاصة وقعت في بعض العصور وهي أن تكون العزلة خيراً من المخالطة، فيعتزل المسلم في شعب من الشعاب ويعبد ربه، ويكف من شر الناس إليه، وشره إليهم، هذا الأمر قد جاءت فيه أحاديث جداً وإن كان الأصل كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه:«المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم» (1). فالدولة المسلمة-بلا شك-وسيلة لإقامة حكم الله في الأرض، وليست غاية بحد ذاتها.

ومن عجائب بعض الدعاة أنهم يهتمون بما لا يستطيعون القيام به من الأمور، ويدعون ما هو واجب عليهم وميسور! وذلك بمجاهدة أنفسهم كما قال ذلك الداعية المسلم؛ الذي أوصى أتباعه بقوله:«أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم لكم في أرضكم» .

ومع ذلك فنحن نجد كثيراً من أتباعه يخالفون ذلك، جاعلين جل دعوتهم إلى إفراد الله عزوجل بالحكم، ويعبرون عن ذلك بالعبارة المعروفة:«الحاكمية لله» .ولا شك بأن الحكم لله وحده ولا شريك له في ذلك ولا في غيره، ولكنهم؛ منهم من يقلد مذهباً من المذاهب الأربعة، ثم يقول-عندما تأتيه السنة الصريحة الصحيحة-: هذا خلاف مذهبي! فأين الحكم بما أنزل الله في اتباع السنة؟!.

ومنهم من تجده يعبد الله على الطرق الصوفية! فأين الحكم بما أنزل الله بالتوحيد؟! فهم يطالبون غيرهم بما لا يطالبون به أنفسهم، إن من السهل جداً أن تطبق الحكم بما أنزل الله في عقيدتك، في عبادتك، في سلوكك، في دارك، في

(1)«السلسلة الصحيحة» (رقم939).

ص: 27