المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[140] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب التوحيد وما يضاده من الشرك

- ‌جماع أبواب الكلام على التوحيد: تعريفه، وأقسامه، وأهمية الدعوة إليه، وبيان لوازم ومقتضيات النطق بالشهادتين والكلام على الشرك: تعريفه، وأنواعه، وخطورة الوقوع فيه

- ‌[74] باب أهمية إعطاء الدعوة إلى التوحيدوالعقيدة الصحيحة الأولوية عند الدعاة

- ‌[75] باب منه

- ‌[76] باب نصيحة الشيخ لبعضالداعيات أن تجعل التوحيد أولى أولوياتها

- ‌[77] باب أصل دعوة الأنبياءوالرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة

- ‌[78] باب فضل التوحيد وأنه ينجي من الخلود في النار

- ‌[79] باب الموحد لا يخلد في النار

- ‌[80] باب الذنبوإن عظُم لم يكن موجباً للنار متى ما صحت العقيدة

- ‌[81] باب أهمية التوحيدوبيان أنه لا تنفع الأعمال الصالحة بدونه

- ‌[82] باب لا يُحدث العامة بأحاديثقد يساء فهمها في فضل التوحيد

- ‌[83] باب منه

- ‌[84] باب أقسام التوحيد والشرك

- ‌[85] باب بيان أقسام التوحيد والشرك

- ‌[86] باب أقسام التوحيد والشرك والكفر

- ‌[87] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

- ‌[88] باب الدفاع عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وبيان التوحيد الذي دعى إليه، مع التنبيه على أقسام التوحيد وخطر الشرك

- ‌[89] باب كان الناس على التوحيد ثم طرأ عليهم الشرك

- ‌[90] باب الرد على من يقول أن الدعوة إلى التوحيد تفرق الصف

- ‌[91] باب إخلاص العبودية لله

- ‌[92] باب توحيد الاتباع

- ‌[93] باب منه

- ‌[94] باب معنى الشهادتين

- ‌[95] باب بيان مقتضيات الشهادتين

- ‌[96] باب معنى شهادة أن لا إله إلا الله وبيان مقتضياتها

- ‌[97] باب لوازم الشهادة لله بالوحدانية

- ‌[98] باب تلقين المحتضر شهادة التوحيد

- ‌[99] باب معنى شهادة أن محمدًا عبد الله ورسوله وبيان مقتضياتها

- ‌[100] باب لوازم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[101] باب هل هناك فرق بين تفسير لا إله إلا الله، بلا معبود إلا الله أو بلا معبود بحق "في الوجود" إلا الله

- ‌[102] باب هل قيد «في الوجود» في قولنا: لا معبود بحق في الوجود إلا الله؛ مهم

- ‌[103] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة»

- ‌[104] باب هل نسخت الأحاديث الواردةفيمن قال لا إله إلا الله وأنه يدخل الجنة

- ‌[105] باب هل هناك ممن يقول: «لا إله الله» من يدخل النار أولا

- ‌[106] باب محمد عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد

- ‌[107] باب السلامة من الشرك أهم ما في العقيدة

- ‌[108] باب التحذير من الشرك وبيان أنه أكبر الكبائر

- ‌[109] باب بيان خطر الشرك

- ‌[110] باب عظم خطر الكفر والشرك

- ‌[111] باب بيان خطورة الشرك بالله، وأثر ذلك على العبادات كالحج

- ‌[112] باب الشرك هو الكفر

- ‌[113] باب كل كفر شرك

- ‌[114] باب هل بين الكفر والشرك فرق

- ‌[115] باب كلمة حول الفرق بين الكفر والشرك

- ‌[116] باب بيان خطأ مقولة: الخطأ مغفور في الفروع دون الأصول، والتعرض لمسألة التفريق بين الكفر أو الشرك

- ‌[117] باب أركان نفي الشرك بالله

- ‌[118] باب تعريف المشرك

- ‌[119] باب ضوابط التفرقة بين الشرك الأكبر والأصغر

- ‌[120] باب شرك الطاعة

- ‌[121] باب أول من عبد الأصنام وغيَّر دين إسماعيل عليه السلام

- ‌[122] باب ردّ شبهةٍ لمن جوَّز صناعة التماثيل

- ‌[123] باب الترهيب من الرياء

- ‌[124] باب الاستكبار عن عبادته تعالى ودعائه يوجب غضبه تعالى، والرد على من ادعى أن دعاء الله سوء أدب مع الله

- ‌[125] باب سؤال الله، والرد على من حرَّمه

- ‌[126] باب جواز إطلاق لفظ المشرك على أهل الكتاب

- ‌[127] باب هل الكتابيات مشركات

- ‌(توحيد الربوبية)

- ‌[128] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

- ‌[129] باب ذكر أخذ الميثاقمن ذرية بني آدم وهل كان على الحقيقة

- ‌[130] باب منه

- ‌[131] باب منه

- ‌[132] باب حُكْم من لم يوف بالميثاق [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[133] باب ضلالة عقيدة الأقطاب والأوتاد

- ‌[134] باب جواب من خلق الله

- ‌[135] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن تلبس بشرك الربوبية

- ‌جامع أحكام القبور

- ‌جماع أبواب الكلامحول حكم اتخاذ القبور مساجد، وحكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور، وما يتصل بذلك من مسائل

- ‌[136] باب أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌[137] باب معنى اتخاذ القبور مساجد

- ‌[138] باب حكم اتخاذ القبور مساجد

- ‌[139] باب حكمة تحريم بناء المساجد على القبور

- ‌[140] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور

- ‌[141] باب في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي

- ‌[142] باب بناء المساجد على القبور مفضاة للشرك

- ‌[143] باب حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور

- ‌[144] باب هل الصلاة في المساجد التي فيها قبور باطلة

- ‌[145] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء

- ‌[146] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور

- ‌[147] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد، وهل يلزم من ذلك حرمة الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[148] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد

- ‌[149] باب حكم اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها

- ‌[150] باب من هو قائل عبارة"يُحذِّر ما صنعوا" في حديث اتخاذ القبور مساجد

- ‌[151] باب هل عمَّى الصحابة موضِعَ قبر النبي دانيالحتى لا يُتَّخَذ على قبره مسجداً

- ‌[152] باب مدى صحة تخصيص حرمة الصلاة في المساجد التي فيها قبور فيما إذا كان المصلي يستقبل القبر، وحكم الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[153] باب هل تجوز صلاة الجنازة في مسجد فيه قبر

- ‌[154] باب منه

- ‌[155] باب حكم صلاة الجنازة داخل المقبرة في مكان مخصص للصلاة ليس فيه قبور

- ‌[156] باب هل تجوزالصلاة في مسجد فيه قبر لمن لم يجد مسجدًا غيره

- ‌[157] باب منه

- ‌[158] باب حكم الصلاة في مسجد نُبِشَ القبر الذي فيه

- ‌[159] باب إذا وجدالقبر في المسجد فهل يزال القبر أم المسجد

- ‌[160] باب حكم الصلاة في غرفة مضافة إلى المسجد فيها قبر

- ‌[161] باب حكم الصلاة في مسجد فيه قبر في ساحته الخارجية

- ‌[162] باب حكم الصلاة في المسجد المبني بجوار المقبرة

- ‌[163] باب حرمة الصلاة في المقبرة سدًا لذريعة الشركومناقشة من خالف ذلك

- ‌[164] باب شبهات وجوابها حول حكم اتخاذ القبور مساجد

- ‌جماع أبواب الكلام حول حكم زيارة القبوروما يشرع عند القبور وما لا يشرعوالمسائل التي تتصل بذلك

- ‌[165] باب أئمة دعوة التوحيديجيزون زيارة القبور زيارة شرعية

- ‌[166] باب ذكر جملة من أحكام زيارة القبوروتحقيق القول في حكم زيارة النساء للقبور

- ‌[167] باب ما يحرم عند القبور

- ‌[168] باب بدع زيارة القبور

- ‌[169] باب حد الزيارة الشرعية للقبور، وكيفية السلام على الموتى

- ‌[170] باب هل يصح شيء في النهيعن زيارة القبور ليلاً للرجال

- ‌[171] باب هل زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمقبرة ليلاً خاص به

- ‌[172] باب الرد على القول بتحريم زيارة النساء للقبور

- ‌[173] باب حكم زيارة النساء للقبور

- ‌[174] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لعن الله زوارات القبور»

- ‌[175] باب هل يجوز زيارة النساء للقبور للاتعاظ

- ‌[176] حكم تخصيص زيارة الأحياء للأموات، أو للأحياء يوم العيد

- ‌[177] باب حكم زيارة القبور يوم العيد

- ‌[178] باب حكم تخصيص زيارة القبور في العيد

- ‌[179] باب هل هناك دليل نقلىعلى عدم جواز تخصيص العيد بزيارة القبور

- ‌[180] باب هل ما يقع فيه القبوريون يُعَد من الكفر العملي

- ‌[181] باب حرمة استقبال القبر بالصلاة

- ‌[182] باب التمسح بالقبور من الشرك

- ‌[183] باب هل في حديث: «الله الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا» دليل على جواز التمسح بالقبور

- ‌[184] باب حكم قراءة القرآن عند القبور

- ‌[185] باب حكم القراءة على القبر

- ‌[186] باب حكم زراعة أشجار على القبور

- ‌[187] باب لا حج إلا لبيت الله الحرامأما الحج إلى القبور فمن الشرك

- ‌[188] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة

- ‌[189] باب الطواف حول القبور وثنية لا يرضاها الإسلام

- ‌[190] باب لا تستقبل القبور حين الدعاء

- ‌[191] باب حكم قصد القبر للدعاء عنده تبركاً

- ‌[192] باب منه

- ‌[193] باب حكم استقبال القبور بالدعاء

- ‌[194] باب هل يشرع تقصد القبر بالسلام والدعاء

- ‌[195] باب وضع المال عند القبر غير مشروع

- ‌[196] باب هل يجوز تعليم القبر وزيارته بعينه

- ‌[197] باب حكم البناء على القبر للضرورة والكتابة عليه

- ‌[198] باب حكم إحياء قبور الصحابة والعناية بها

- ‌جماع أبواب الكلامحول حكم شد الرحال للقبور والمواطن الفاضلةوحكم تتبع آثار الأنبياء والصالحين وتَقَصُّدَها

- ‌[199] باب بدعية تتبع آثار الأنبياء والصالحين

- ‌[200] باب حكم تتبع آثار الأنبياء

- ‌[201] باب تَقَصًد آثار الأنبياء للصلاة عندها وسيلة للشرك

- ‌[202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين

- ‌[203] باب هل شد الرحال يحرم لغيرالمساجد الثلاثة من المساجد فقط أم أن ذلك عام

- ‌[204] باب حديث: «لا تشد الرِّحال» يشمل المواطن الفاضلة

- ‌[205] باب بدعية شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين

- ‌[206] باب ما هو الحكم الشرعي في شد الرحال إلى القبور

- ‌[207] باب حكم شد الرحال إلى القبوروإلى المواطن الفاضلة

- ‌[208] باب بدعية قصد المساجد التي بمكة غير المسجد الحرام

- ‌[209] باب بدعية قصد الجبال والبقاع التي حول مكة

- ‌[210] باب بدعية قصد الصلاة في مسجد عائشة

- ‌[211] باب بدعية قصد شيء من المساجد والمزارات التي بالمدينة غير المسجد النبوي ومسجد قباء

- ‌[212] باب لا يجوز شد الرحل إلى مسجد قباء مع فضيلته

- ‌[213] باب بدعية الصلاة عند قبر إبراهيم الخليل عليه السلام

- ‌[214] باب فتوى الشيخ في النُصُب المزعوم للخضرالذي كان موجوداً في جزيرة فيلكا وعلى دعوى المبتدعةوعَبدَةِ القبور في حياة الخضر

- ‌جماع أبواب الكلامحول مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[215] باب تحرير القول في مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع سرد جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذا الباب

- ‌[216] باب جواز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلمدون شد الرحل إليه بقصد الزيارة

- ‌[217] باب بدع زيارة القبر النبوي

- ‌[218] باب من صور الغلو في زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[219] باب منه

- ‌[220] باب منه

- ‌[221] باب بيان بطلان ما ينسبإلى أسامة بن زيد من صلاته عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[222] باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلمحكمها حكم زيارة باقي القبور

- ‌[223] باب هل تشرع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[224] باب الانتصار لشيخ الإسلامفي قوله بحرمة شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي

- ‌[225] باب رد بعض شبهاتالمجيزين لشد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[226] باب هل تجوز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد كل صلاة

- ‌[227] باب الفرق بين السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلممن المدينة المنورة ومن خارجها

الفصل: ‌[140] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور

ولا يغتر أحدٌ بالثقافة العصرية، فإنها لا تهدي ضالاً، ولا تزيد المؤمن هدى إلا ما شاء الله، وإنما الهدى والنور فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصدق الله العظيم إذ يقول:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1).

"تحذير الساجد"(ص101 - 120)

[140] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور

[قال الإمام]:

إن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها من باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن الغاية بالأولى وبالأحرى، فينتج من ذلك أن الصلاة في هذه المساجد منهي عنها، والنهي في مثل هذا الموضع يقتضي البطلان كما هو معروف عند العلماء (2) وقد قال ببطلان الصلاة فيها الإمام أحمد وغيره ولكنا نرى أن المسألة تحتاج إلى تفصيل فأقول:

قصد الصلاة في المساجد المبنية على القبور يبطل الصلاة

الأولى: أن يقصد الصلاة فيها من أجل القبور والتبرك بها كما يفعله كثير من العامة، وغير قليل من الخاصة!

(1) سورة المائدة الآيتان 15 - 16. [منه].

(2)

قلت وذلك لأن الصلاة في هذه المساجد منهي عنها بعينها ولهذا فرق العلماء بين أن يكون النهي لمعنى يختص بالعبادة فيبطلها وبين أن لا يكون مختصا بها فلا يبطلها.

انظر توضيح هذه المسألة الهامة وبعض الأمثلة في «جامع العلوم والحكم» للحافظ الفقيه ابن رجب الحنبلي (ص 43). [منه].

ص: 243

الثانية: أن يصلي فيها اتفاقا لا قصدا للقبر.

ففي الحالة الأولى لا شك في تحريم الصلاة فيها بل وبطلانها، لأنه إذا نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بناء المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك، فالنهي عن قصد الصلاة فيها أولى والنهي هنا يقتضي البطلان كما سبق قريباً.

كراهة الصلاة في المساجد المذكورة ولو لم تُقصد من أجل القبر

كراهة الصلاة في المساجد المذكورة ولو لم تقصد من أجل القبر كراهة الصلاة في المساجد المذكورة ولو لم تقصد من أجل القبر

وأما في الحالة الثانية، فلا يتبين لي الحكم ببطلان الصلاة فيها، وإنما الكراهة فقط، لأن القول بالبطلان في هذه الحالة لا بد له من دليل خاص، والدليل الذي أثبتنا به البطلان في الحالة السابقة إنما صح بناء على النهي عن بناء المسجد على القبر، فيصح القول بأن قصد الصلاة في هذا المسجد يبطلها، وأما القول ببطلان الصلاة فيه دون قصد، فليس عليه نهي خاص يكمن الاعتماد عليه فيه ولا يمكن أن يقاس عليه قياسا صحيحا بله أولوياً.

ولعل هذا هو السبب في ذهاب الجمهور إلى الكراهة دون البطلان، أقول هذا معترفا بأن الموضوع يحتاج إلى مزيد من التحقيق، وأن القول بالبطلان محتملٌ فمن كان عنده علم في شيءٍ من ذلك فليتفضل ببيانه مع الدليل مشكوراً مأجوراً.

وأما القول بكراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور، فهذا أقل ما يمكن أن يقوله الباحث وذلك لأمرين:

الأول: أن في الصلاة فيها تشبهاً باليهود والنصارى الذين كانوا ولا يزالون يقصدون التعبد في تلك المساجد المبنية على القبور! (1).

ص: 244

الثاني: أن الصلاة فيها ذريعة لتعظيم المقبور فيها تعظيماً خارجاً عن حد الشرع، فينهى عنها احتياطاً وسداً للذريعة، لا سيما ومفاسد المساجد المبنية على القبور ماثلة للعيان كما سبق مراراً، وقد نص العلماء على كل من العلتين، فقال العلامة ابن الملك من علماء الحنفية:

«إنما حرم اتخاذ المساجد عليها، لأن الصلاة فيها استنانا بسنة اليهود» .

نقله الشيخ القاري في «المرقاة» (1/ 470) وأقره، وكذلك قال بعض العلماء المتأخرين من الحنفية وغيرهم كما سيأتي.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «القاعدة الجليلة» (ص 22):

«واتخاذ المكان مسجداً هو أن يتخذ للصلوات الخمس وغيرها، كما تبنى المساجد لذلك، والمكان المتخذ مسجدا إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين، فحرم صلى الله عليه وآله وسلم أن تتخذ قبورهم مساجد تقصد للصلوات فيها كما تقصد المساجد، وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء عنده، فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذريعة إلى الشرك بالله.

والفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة، ينهى عنه كما ينهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة، لما في ذلك من المفسدة الراجحة، وهو

ص: 245

التشبه بالمشركين الذي يفضي إلى الشرك، وليس في قصد الصلاة في تلك الأوقات مصلحة راجحة لإمكان التطوع في غير ذلك من الأوقات.

ولهذا تنازع العلماء في ذوات الأسباب (1) فسوغها كثير منهم في هذه الأوقات، وهو أظهر قولي العلماء لأن النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، وفعل ذوات الأسباب يحتاج إليه فيه هذه الأوقات ويفوت إذا لم يفعل فيها مصلحتها فأبيحت لما فيها من المصلحة، بخلاف ما لا سبب له فإنه يمكن فعله في غير هذا الوقت فلا تفوت بالنهي عنه مصلحة راجحة وفيه مفسدة توجب النهي عنه.

فإذا كان نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك، لئلا يفضي ذلك إلى السجود للشمس ودعائها وسؤالها كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها ويسألونها، كان معلوماً أن دعوة الشمس والسجود لها هو محرم لنفسه، وأعظم تحريماً من الصلاة التي نهى عنها لئلا يفضي إلى دعاء الكواكب، كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، فنهى عن قصدها للصلاة عندها لئلا يفضي ذلك إلى دعائهم كان دعاؤهم والسجود أعظم تحريما من اتخاذ قبورهم مساجد».

واعلم أن كراهة الصلاة في هذه المساجد هو أمر متفق عليه من العلماء كما سبق بيانه (ص178) ويأتي، وإنما اختلفوا في بطلانها وظاهر مذهب الحنابلة أنها لا تصح، وبه جزم المحقق ابن القيم كما تقدم (ص177 - 178).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب

(1) قلت: يعني الصلوات ذوات الأسباب كركعتي تحية المسجد وسنة الوضوء ونحوها. [منه].

ص: 246

الجحيم» (ص 159):

«فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين، وتُكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك، ولأجل أحاديث أخر وليس في هذه المسألة خلاف لكون المدفون فيها واحداً، وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد، هل حدها ثلاثة أقبر أو ينهى عن الصلاة عند القبر الفذ، وإن لم يكن عنده قبر آخر؟ على وجهين» .

قلت: والوجه الثاني هو الذي رجحه في «الاختيارات العلمية» فقال (ص25):

«وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور، وهو الصواب والمقبرة كل ما قبر فيه لا أنه جمع قبر، وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه فهذا يعين أن المنع يكون متناولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه، وذكر الآمدي وغيره، أنه لا تجوز الصلاة فيه (أي المسجد الذي قبلته إلى القبر) حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر، وذكر بعضهم أنه منصوص أحمد» .

قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله يعني أحمد يسأل عن الصلاة في المقبرة؟ فكره الصلاة في المقبرة قيل له: المسجد يكون بين القبور أيصلى فيه؟

ص: 247

فكره أن يصلى فيه الفرض، ورخص أن يصلى فيه على الجنائز.

وقال الإمام أحمد أيضا ً: «لا يصلى في مسجد بين المقابر إلا الجنائز، لأن الجنائز هذه سنتها» .

قال الحافظ ابن رجب في «الفتح» :

«يشير إلى فعل الصحابة، قال ابن المنذر: قال نافع مولى ابن عمر: صلينا على عائشة وأم سلمة والإمام يومئذ أبو هريرة وحضر ذلك ابن عمر» (1).

انظر «الكواكب الدراري» (65/ 81/1 و2).

ولعل اقتصار الإمام أحمد في الرواية الأولى على ذكر الفرض فقط لا يدل على أن غيره من السنن جائز، فإن من المعلوم أن النوافل صلاتها في البيوت هو الأفضل، ولذلك لم يذكرها مع الفرض، ويؤيده عموم قوله في الرواية الثانية «لا يصلى في مسجد بين المقابر إلا الجنائز» . فهذا نص فيما قلناه.

ويؤيده المنصوص عن أحمد ما تقدم عن أنس:

«كان يكره أن يبنى مسجد على القبور» .

فإنه صريح على أن جدار المسجد لا يكفي حائلاً بينه وبين القبر، بل لعل هذا القول ينفي جواز بناء المسجد بين القبور مطلقاً وهذا هو الأقرب لأنه حسم

لمادة الشرك.

ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الاقتضاء» :

(1) قلت: الأثر أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (1/ 407/1594) سند صحيح عن نافع به [منه].

ص: 248

«وقد كانت البُنْيَة التي على قبر إبراهيم عليه السلام مسدودة لا يُدخل إليها إلى حدود المائة الرابعة فقيل إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأت في ذلك مناماً فنقبت لذلك! وقيل: إن النصارى لما استولوا على هذه النواحي نقبوا ذلك، ثم ترك ذلك مسجداً بعد الفتوح المتأخرة، وكان أهل الفضل من شيوخنا لا يصلون في مجموع تلك البنية، وينهون أصحابهم عن الصلاة فيها إتباعا لأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واتقاء لمعصيته كما تقدم» .

هكذا كان شيوخهم فيما مضى، وأما شيوخنا اليوم فهم في غفلة من هذا الحكم الشرعي، فكثير منهم يقصدون الصلاة في مثل هذه المساجد، ولقد كنت أذهب مع بعضهم،- وأنا صغير لم أتفقه بالسنة بعد- إلى قبر الشيخ ابن عربي لأصلي معه عنده! فلما أن علمت حرمة ذلك باحثت الشيخ المشار إليه كثيراً في ذلك حتى هداه الله تعالى وامتنع من الصلاة هناك، وكان يعترف بذلك لي، ويشكرني على أن كنت سببا لهدايته رحمه الله تعالى وغفر له.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

ص: 249

كراهة الصلاة في المسجد المبني على القبر ولو دون استقباله

واعلم أن كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور مضطردة في كل حال، سواء كان القبر أمامه أو خلفه يمينه أو يساره، فالصلاة فيها مكروهة على كل حال ولكن الكراهة تشتد إذا كانت الصلاة إلى القبر، لأنه في هذه الحالة ارتكب المصلي مخالفتين الأولى في الصلاة في هذه المساجد، والأخرى الصلاة إلى القبر وهي منهي عنها مطلقاً سواء كان المسجد أو غير المسجد بالنص الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم (ص168).

أقوال العلماء في ذلك

وقد أشار إلى هذا المعنى البخاري بقوله في «الصحيح» : «باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، ولما مات الحسن بن الحسين بن علي رضي الله عنه ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رفعت، فسمعوا صائحاً يقول: «ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا» »، ثم ساق بعض الأحاديث المتقدمة، فقال الحافظ ابن حجر الشافعي في شرحه:

«ومناسبة هذا الأثر للباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة

هناك، فليزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة» (1).

(1) ونقل الشيخ محمد بن مخيمر من علماء الأزهر في «القول المبين» (ص 81) عن الحافظ ابن حجر أنه قال في «شرح الفتح» لحديث ذي الخلصة من «صحيح البخاري» في الكلام على الغزوات ما نصه:

«وفي الحديث النهي عن الصلاة في المساجد التي فيها قبور يفتتن الناس بها وأنه يجب إزالتها»

قلت: ولم أره في المكان المذكور من «الفتح» فيحتمل أن يكون في موضع آخر منه. والله أعلم. [منه].

ص: 250

وذكر نحوه العيني الحنفي في «عمدة القارئ» (4/ 149) وفي «الكوكب الدري على جامع الترمذي» للشيخ المحقق محمد يحيى الكاندهلوي الحنفي ما نصه (ص 153):

«وأما اتخاذ المساجد عليها، فلما فيه من التشبيه باليهود واتخاذهم مساجد على قبور أنبيائهم وكبرائهم، ولما فيه من تعظيم الميت وشبه بعيدة الأصنام، لو كان القبر في جانب القبلة وكراهة كونه في جانب القبلة أكثر من كراهة كونه يميناً أو يساراً وإن كان خلف المصلي فهو أخف من كل ذلك لكن لا يخلو عن كراهة» . وفي «شرعة الإسلام» من كتب الحنفية ما نصه (ص 569):

«ويكره أن يبنى على القبر مسجد يصلى فيه» .

فهذا بإطلاقه يؤيد ما ذكرنا من أقوال العلماء وتقدم نحوه عن الإمام محمد رحمه الله تعالى (ص176).

ففي هذه النقول ما يؤيد ما ذهبنا إليه في كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور مطلقاً، سواء صلى إليها أو لا، فيجب التفريق بين هذه المسألة وبين الصلاة إلى القبر الذي ليس عليه مسجد، ففي هذه الصورة إنما تحقق الكراهة عند استقبال القبر على أن بعض العلماء لم يشترطوا أيضا الاستقبال في هذه الصورة فقال بالمنع من الصلاة حول القبر مطلقاً، كما تقدم قريباً عن الحنابلة، ونحوه في «حاشية الطحاوي» على «مراقي الفلاح» من كتب الحنفية (ص 208)، وهذا هو

ص: 251