الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ الْمَوَاقِيتِ) لِلنُّسُكِ
ــ
[حاشية الجمل]
قَبْلَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِوُقُوعِ النُّسُكِ لَهُ مَعَ عَدَمِ إسَاءَةِ الْأَجِيرِ وَإِنْ حَصَلَ الْفَوَاتُ لِلْحَجِّ مَعَ الْإِحْصَارِ أَوْ بِلَا إحْصَارٍ كَأَنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْقَافِلَةِ انْقَلَبَ الْحَجُّ لِلْأَجِيرِ كَمَا فِي الْإِفْسَادِ بِجَامِعِ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا فَعَلَهُ.
1 -
(فَرْعٌ)
يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ فِي الذِّمَّةِ فَيَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى لَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ لِلسَّنَةِ الْأُولَى فَمَنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْحَجِّ مَنْ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ أَيْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْعُمْرَةِ مَنْ عَلَيْهِ حَجٌّ جَازَ إذْ لَا مَانِعَ فَإِنْ قَرَنَ هَذَا الْأَجِيرُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَقَعَ لِلْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ نُسُكَيْ الْقِرَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا قَيَّدَ بِهِ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْإِفْرَادِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ فَإِنْ قَرَنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِنَفْسِهِ بِأَنَّ أَحْرَمَ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَبِالْآخِرِ لِنَفْسِهِ أَوْ أَحْرَمَ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَنْ نَفْسِهِ وَقَعَا أَيْ مَا أَتَى بِهِ فِي الْأُولَى وَمَا أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ جَمِيعًا عَنْ نَفْسِهِ لِمَا مَرَّ آنِفًا وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ عَنْ اثْنَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَانْعَقَدَ لِنَفْسِهِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا فَعَلَهُ وَكَذَا مَنْ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا عَنْ اثْنَيْنِ اسْتَأْجَرَاهُ لِذَلِكَ أَوْ أَمَرَاهُ بِهِ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ اثْنَانِ فِي الذِّمَّةِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا أَوْ أَمَرَاهُ بِهِ بِلَا أُجْرَةٍ أَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا صَرَفَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ ذَكَرَهُ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ لِفَرْضِهِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً وَنَذْرِهِ رَجُلَيْنِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُمَا لِيَحُجَّا عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أَحَدُهُمَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ حَجَّةَ الْقَضَاءِ، وَالْآخَرُ حَجَّةَ نَذْرٍ أَوْ أَحَدُهُمَا حَجَّةَ إسْلَامٍ، وَالْآخَرُ حَجَّةَ قَضَاءٍ جَازَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ الْحَجِّ وَلِأَنَّ غَيْرَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ تَتَقَدَّمْهَا وَحَجَّةَ النَّذْرِ لَمْ تَتَقَدَّمْ حَجَّةَ الْقَضَاءِ.
1 -
(فَرْعٌ)
لَوْ أَحْرَمَ شَخْصٌ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ أَوْ أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِحَجِّ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ حَجًّا قَبْلَ الْوُقُوفِ لَا بَعْدَهُ انْصَرَفَ الْحَجُّ إلَى النَّذْرِ لِتَقَدُّمِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ وَفَرْضُ الشَّخْصِ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ نَذْرِهِ لَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ لِإِتْيَانِهِ بِمُعْظَمِ أَرْكَانِ مَا نَوَاهُ نَعَمْ إنْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ أَيْ الْوُقُوفِ وَعَادَ فَالظَّاهِرُ انْصِرَافُهُ إلَى النَّذْرِ كَمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ فِيمَا لَوْ كَمَّلَ الْمُحْرِمُ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَعَادَ إلَيْهِ وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ أَجِيرَ الْعَيْنِ أَوْ أَجِيرَ الذِّمَّةِ بِتَطَوُّعٍ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا نُقَدِّمُ وَاجِبَ الْحَجِّ عَلَى نَفْلِهِ لِوُجُوبِهِ وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى الْأَجِيرِ فَلَيْسَ لِوُجُوبِهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَصِحَّ وَأَمَّا الْجَعَالَةُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُجَرَّدِ الْوُقُوفِ عِنْدَ قَبْرِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَدْخُلْهُ النِّيَابَةُ أَوْ عَلَى الدُّعَاءِ عِنْدَهُ صَحَّتْ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ بِهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ بِالْحَرْفِ وَفِي التُّحْفَةِ لحج مَا نَصُّهُ وَسَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهَا الْوُقُوفُ عِنْدَ الْقَبْرِ الْمُكَرَّمِ أَوْ الدُّعَاءِ ثَمَّ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ انْضَبَطَ كَأَنْ كَتَبَهُ لَهُ بِوَرَقَةٍ صَحَّتْ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَأَمَّا الْجَعَالَةُ فَلَا تَصِحُّ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ بَلْ عَلَى الثَّانِي وَعَلَيْهِ لَوْ جَاعَلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى الدُّعَاءِ ثَمَّ صَحَّ فَإِذَا ادَّعَى لِكُلٍّ مِنْهُمْ اسْتَحَقَّ جُعْلَ الْجَمِيعِ لِتَعَدُّدِ الْمُجَاعِلِ عَلَيْهِ وَإِنْ اتَّحَدَ السَّيْرُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَجْعَلَ عَلَى رَدِّ آبِقَيْنِ لِمُلَّاكٍ مِنْ وَضْعِ وَاحِدٍ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ نَصُّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَنَّ مَنْ مَرَّ بِمُتَنَاضِلَيْنِ فَقَالَ لِذِي النَّوْبَةِ إنْ أَصَبْت بِهَذَا السَّهْمِ فَلَكَ دِينَارٌ فَأَصَابَ اسْتَحَقَّهُ وَحُسِبَتْ لَهُ الْإِصَابَةُ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا مَعَ اتِّحَادِ عَمَلِهِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا لَوْ كَانَ مَيِّتَانِ بِقَبْرٍ فَاسْتَجْعَلَهُ عَلَى أَنْ يَقْرَأَ عَلَى كُلٍّ خَتْمَةً لَزِمَهُ خَتْمَتَانِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ مَقْصُودٌ فَإِذَا شُرِطَ تَعَدُّدُهُ وَجَبَ بِخِلَافِ لَفْظِ الدُّعَاءِ وَلِتَفَاوُتِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ وَنَفْعِهَا لِلْمَيِّتِ بِتَفَاوُتِ الْخُشُوعِ، وَالتَّدَبُّرِ فَلَمْ يُمْكِنْ التَّدَاخُلُ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ اهـ. بِالْحُرُوفِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْمَوَاقِيتِ لِلنُّسُكِ]
(بَابُ الْمَوَاقِيتِ) جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ لُغَةً الْحَدُّ، وَشَرْعًا هُنَا زَمَنُ الْعِبَادَةِ وَمَكَانُهَا فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَقِيقِيٌّ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَخُصُّ التَّوْقِيتَ بِالْحَدِّ بِالْوَقْتِ فَتَوَسَّعْ اهـ. حَجّ وَفِي الْمُخْتَارِ الْوَقْتُ مَعْرُوفٌ وَالْمِيقَاتُ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِلْفِعْلِ وَالْمِيقَاتُ أَيْضًا الْمَوْضِعُ، يُقَالُ هَذَا مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْرِمُونَ مِنْهُ، وَتَقُولُ وَقَتَهُ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ بَابِ وَعَدَ فَهُوَ مَوْقُوتٌ إذَا بَيَّنَ لَهُ
زَمَانًا وَمَكَانًا (زَمَانَيْهَا لِحَجٍّ) أَيْ لِلْإِحْرَامِ بِهِ (مِنْ) أَوَّلِ (شَوَّالٍ إلَى فَجْرِ) عِيدِ (نَحْرٍ فَلَوْ أَحْرَمَ) بِهِ أَوْ مُطْلَقًا (حَلَالٌ فِي غَيْرِهِ انْعَقَدَ) أَيْ إحْرَامُهُ بِذَلِكَ (عُمْرَةً) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَقْتُ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى مَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْعُمْرَةُ وَيَسْقُطُ بِعَمَلِهَا عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ، وَسَوَاءٌ الْعَالِمُ بِالْحَالِ وَالْجَاهِلُ بِهِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي حَلَالٌ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِذَلِكَ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ إحْرَامَهُ يَلْغُو إذْ لَا يَنْعَقِدُ حَجًّا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَلَا عُمْرَةً؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْعُمْرَةِ (وَ) زَمَانَيْهَا (لَهَا) أَيْ لِلْعُمْرَةِ أَيْ لِلْإِحْرَامِ بِهَا (الْأَبَدُ) لِوُرُودِهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
ــ
[حاشية الجمل]
وَقْتًا انْتَهَى.
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمِيقَاتِ عَلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لُغَوِيٌّ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: زَمَانًا وَمَكَانًا) مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ لَكِنْ كَوْنُ الْأَوَّلِ تَمْيِيزًا لِلْمَوَاقِيتِ حَقِيقَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَيْ لِلْإِحْرَامِ بِهِ) الْأَوْلَى بَقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَبَّرَ، فَقَالَ وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ شَوَّالٌ إلَخْ فَاعْتَرَضَهُ حَجّ، فَقَالَ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ غَيْرُ الْإِحْرَامِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ مِثْلَهُ فِي التَّوْقِيتِ بِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْعِ تَقَدُّمِهِ فَلِمَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، قُلْت لِأَنَّهُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَمَا عَلِمْت بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ تَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ مَنْعُ تَقْدِيمِ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ انْدِفَاعُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْإِحْرَامِ مُوهِمٌ اهـ. لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالْحَلْقَ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا فَحِينَئِذٍ تَأْوِيلُ الشَّارِحِ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُوَقَّتُ بِالْوَقْتِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ الْإِحْرَامُ، وَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّقْدِيمِ عَلَيْهِ فَالْإِحْرَامُ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا هُوَ مُلْحَظُ حَجّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ) أَيْ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَلَا يَنْقَلِبُ لَوْ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ مَطْلَعُهُ مُخَالِفٌ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْوَجِيهِ وَسُمِّيَ شَوَّالًا؛ لِأَنَّ قَبَائِلَ الْعَرَبِ فِيهِ كَانَتْ تَشُولُ فِيهِ أَيْ تَبْرَحُ عَنْ مَوَاضِعِهَا؛ وَقِيلَ لِأَنَّ السِّبَاعَ كَانَتْ تَشُولُ فِيهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِهِ) أَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِهِ فِيهِ فَيَنْعَقِدُ حَجًّا وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إيقَاعِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ فِي الْوَقْتِ كَمَنْ أَحْرَمَ بِهِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِصْرَ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ حَجًّا، وَبِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَفُوتُهُ وَحِينَئِذٍ فَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَهَذَا عَلَى مُعْتَمَدِ م ر الْآتِي فِي بَابِ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ مَا لَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اهـ. شَيْخُنَا ح ف وحج هُنَا جَرَى عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ م ر فِيمَا سَيَأْتِي، فَقَالَ وَيَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِذَا فَاتَهُ تَحَلَّلَ بِمَا يَأْتِي اهـ. أَيْ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَانَ الْقِيَاسُ الْبُطْلَانَ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا.
(قَوْلُهُ: شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ) بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ إذَا أَفْسَدَهَا الشَّخْصُ خَرَجَ مِنْهَا فَلَمْ تَكُنْ شَدِيدَةَ التَّعَلُّقِ فَلِذَلِكَ لَوْ نَوَاهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا اهـ. شَيْخُنَا وَبِدَلِيلِ انْعِقَادِهِ مَعَ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ أَيْ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ انْعِقَادِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِحْرَامِ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعُمْرَةُ) تَفْسِيرٌ لِمَا، فَالصِّلَةُ جَارِيَةٌ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ هُوَ الْوَقْتُ وَالْمَقْبُولَ هُوَ الْعُمْرَةُ فَكَانَ عَلَيْهِ الْإِبْرَازُ، وَالْمَعْنَى انْصَرَفَ إلَى نُسُكٍ يَقْبَلُهُ الْوَقْتُ وَذَلِكَ النُّسُكُ هُوَ الْعُمْرَةُ.
(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ الْعَالِمُ بِالْحَالِ وَالْجَاهِلُ بِهِ) وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ عَلَى الْعَالِمِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ بِوَجْهٍ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ الْحُرْمَةَ وَالْكَرَاهَةَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الرَّاجِحُ. اهـ. حَجّ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ قَدْ يُقَالُ تَعَمُّدُ قَصْدِ عِبَادَةٍ لَا تَحْصُلُ لَا يَتَّجِهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ تَلَاعُبًا بِالْعِبَادَةِ كَانَ شَبِيهًا بِهِ اهـ. سم عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِهِ) أَمَّا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فِيهِ أَيْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِحْرَامُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ انْعَقَدَ الْحَجُّ فَيَكُونُ هَذَا فِي صُورَةِ الْقُرْآنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْأَرْكَانِ.
(قَوْلُهُ: وَلَهَا الْأَبَدُ) قِيلَ إنَّهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالسَّنَةِ يُوهِمُ امْتِنَاعَ إيقَاعِ أَعْمَالِهَا أَوْ بَعْضِهَا فِي سَنَةٍ غَيْرِ سَنَةِ إحْرَامِهَا، قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ، وَمَا أَفْهَمَهُ الْأَصْلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ مَشَايِخِنَا إذْ يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ إيقَاعُ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ مَثَلًا، وَإِنْ صَحَّ وَأَجْزَأَ مِنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ قَالَ: وَيَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةِ إحْرَامِهَا كَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ فَتَحَلَّلَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهَا اهـ. مَا قَرَّرَهُ فِي أَنَّ هَذَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ السَّنَةَ بِالْإِحْرَامِ لَا بِإِيقَاعِ الْأَعْمَالِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ وَزَمَانُهَا الْأَبَدُ قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي عَامٍ ثُمَّ أَخَّرَ أَعْمَالَهَا إلَى عَامٍ آخَرَ جَازَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّارِحِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إذَا أَحْرَمَ فِي عَامٍ أَنْ يُؤَخِّرَ أَعْمَالَهَا لِلْعَامِ الَّذِي بَعْدَهُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ لِوُرُودِهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ عُمْرَةً
(لَا لِحَاجٍّ قَبْلَ نَفْرٍ) لِأَنَّ بَقَاءَ حُكْمِ الْإِحْرَامِ كَبَقَائِهِ وَلِامْتِنَاعِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ إنْ كَانَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ وَلِعَجْزِهِ عَنْ التَّشَاغُلِ بِعَمَلِهَا إنْ كَانَ بَعْدَهُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي.
(وَمَكَانَاهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتِ (لَهَا) أَيْ لِلْعُمْرَةِ (لِمَنْ يُحْرِمُ حِلٌّ) أَيْ طَرَفُهُ فَيَخْرُجُ إلَيْهِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ وَيُحْرِمُ بِهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ عَائِشَةَ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَجِّ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ مِنْهُ» ، وَالتَّنْعِيمُ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْخُرُوجُ وَاجِبًا لَمَا أَمَرَهَا بِهِ لِضِيقِ الْوَقْتِ بِرَحِيلِ الْحَاجِّ (وَأَفْضَلُهُ) أَيْ الْحِلِّ أَيْ بِقَاعِهِ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (الْجِعْرَانَةُ) بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ
ــ
[حاشية الجمل]
فِي رَجَبٍ» كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، وَإِنْ أَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَأَنَّهُ «قَالَ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» وَفِي رِوَايَةٍ «لَهُمَا حَجَّةً مَعِي» وَرُوِيَ «أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ وَفِي شَوَّالٍ» فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى عَدَمِ التَّأْقِيتِ اهـ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ كَعِبَارَةِ حَجّ تَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَمَرَ سِتَّ مَرَّاتٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعًا فَقَطْ بَلْ الرَّابِعَةُ وَهِيَ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ إنَّمَا عَدُّوهَا فِي الْأَرْبَعَةِ بِاعْتِبَارِ إحْرَامِهَا وَإِلَّا فَقَدْ تَحَلَّلَ مِنْهَا وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِهَا.
وَفِي سم مَا نَصُّهُ (فَائِدَةٌ)
رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعًا كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إلَّا الَّتِي فِي حَجَّتِهِ، قَالَ فِي الْكِفَايَةِ عُمْرَةٌ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَعُمْرَةٌ مِنْ الْجِعْرَانَةِ حِينَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ» . اهـ. انْتَهَى وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حَجَّهُ كَانَ إفْرَادًا أَوْ تَمَتُّعًا وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ كَانَ قِرَانًا بِأَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ خُصُوصِيَّةً لَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ عُمْرَتُهُ الَّتِي اعْتَمَرَهَا بِالْفِعْلِ مُسْتَقِلَّةً ثَلَاثَةً فَقَطْ بَلْ ثِنْتَيْنِ بِإِسْقَاطِ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى مَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: لَا لِحَاجٍّ قَبْلَ نَفْرٍ) وَيَجُوزُ بَعْدَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ إذَا تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَيْنِ؛ لِأَنَّ مَبِيتَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمْيَ يَوْمِهَا يَسْقُطُ بِهِ اهـ. ح ل.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ، وَأَمَّا الْحَاجُّ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ مَا دَامَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِهَا بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ مَا دَامَ مُقِيمًا بِمِنًى لِلرَّمْيِ فَإِذَا نَفَرَ مِنْ النَّفْرِ الثَّانِي أَوْ الْأَوَّلِ جَازَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَكِنْ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَعْتَمِرَ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ نَفْرٍ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَفِي الْمُخْتَارِ نَفَرَ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى مِنْ بَابِ ضَرَبَ اهـ. أَيْ سَارَ مِنْهَا مُتَوَجِّهًا إلَى مَكَّةَ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَقَاءَ حُكْمِ الْإِحْرَامِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ وَمَنْ سَقَطَا عَنْهُ أَيْ وَلَوْ بِنَفْرٍ فَتَعْبِيرُ كَثِيرٍ بِمِنًى إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ حَجَّتَانِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا فِي الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَحُكِيَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَتَصْوِيرُ الزَّرْكَشِيّ وُقُوعَهُمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَرْدُودٌ أَمَّا إحْرَامُهُ بِهَا بَعْدَ نَفْرِهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَصَحِيحٌ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ بَقِيَ وَقْتُ الرَّمْيِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَخْرُجُ الْحَجُّ وَصَارَ كَمَا لَوْ مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ وَلَا يُكْرَهُ تَكْرِيرُهَا لَا يُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَيَتَأَكَّدُ فِي رَمَضَانَ وَفِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهِيَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَيْسَتْ كَفَضْلِهَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ الْحَجِّ فِيهَا، وَشَغْلُ الزَّمَانِ بِالِاعْتِمَارِ أَفْضَلُ مِنْ صَرْفِ قَدْرِهِ فِي الطَّوَافِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَتَصْوِيرُ الزَّرْكَشِيّ إلَخْ أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ مَكَّةَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَطُوفَ وَيَسْعَى بَعْدَ الْوُقُوفِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى لِحُصُولِ التَّحَلُّلَيْنِ بِمَا فَعَلَهُ وَوَجْهُ رَدِّهِ بَقَاءُ أَثَرِ الْإِحْرَامِ الْمَانِعِ مِنْ حَجَّةِ الْحَجَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى كَأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا وَحَقُّهَا أَنْ يَقُولَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى عَرَفَةَ فَيُحْرِمُ بِحَجٍّ آخَرَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ لِلطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى إلَخْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا لِأَنَّ بَقَاءَ حُكْمِ الْإِحْرَامِ) أَيْ إنْ كَانَ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِحُكْمِهِ أَثَرُهُ فِي الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ، وَقَوْلُهُ وَلِعَجْزِهِ إلَخْ هَذِهِ الْعِلَّةُ يَنْبَغِي ضَمُّهَا لِلْعِلَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْأُولَى فَهُوَ فِي الْمَعْنَى تَعْلِيلٌ لَهَا كَأَنَّهُ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ بَقَاءُ أَثَرِ الْإِحْرَامِ كَبَقَائِهِ لِلْعَجْزِ الشَّرْعِيِّ عَنْ التَّشَاغُلِ بِعَمَلِهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا لِأَنَّ بَقَاءَ أَثَرِ الْإِحْرَامِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَفَاتَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ امْتَنَعَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِبَدَلِهِ بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ تَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ الثَّانِي عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْبَدَلِ وَلَوْ صَوْمًا وَذَلِكَ لِبَقَاءِ نَفْسِ الْإِحْرَامِ حِينَئِذٍ. اهـ. سم عَلَى حَجّ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ) أَيْ وَلَوْ الثَّانِيَ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لِمَنْ يُحْرِمُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ بِقَاعِ الْحَرَمِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: فَيَخْرُجُ إلَيْهِ) أَيْ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا بِأَنْ يَجْتَهِدَ وَيَعْمَلَ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِتَحْدِيدِ الْحَرَمِ فِيهِ، وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَمَا بَيَّنْته فِي الْحَاشِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ أَوْ لَمْ يَجِدْ عَلَامَةً لِلِاجْتِهَادِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطُ بِأَنْ يَصِلَ إلَى أَبْعَدِ حَدٍّ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَيَكْفِي فِي الْخُرُوجِ لِلْحِلِّ نَقْلُ الْقَدَمِ مِنْ الْحَرَمِ إلَى مُلَاصِقِهِ مِنْ الْحِلِّ وَأَوْضَحَ مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ رِجْلًا فَقَطْ إلَى الْحِلِّ اُشْتُرِطَ اعْتِمَادُهُ عَلَيْهَا وَحْدَهَا. اهـ. حَجّ (قَوْلُهُ أَرْسَلَ عَائِشَةَ) أَيْ مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رضي الله عنهما اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ قَضَاءِ الْحَجِّ) أَيْ بَعْدَ فِعْلِهِ وَأَدَائِهِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْحِلِّ) بَيَانٌ لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ، وَقَوْلُهُ أَيْ بِقَاعِهِ بَيَانٌ لِصِحَّةِ إضَافَةِ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ
عَلَى الْأَفْصَحِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ (فَالتَّنْعِيمُ) لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهُ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ (فَالْحُدَيْبِيَةُ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ بِئْرٌ بَيْنَ طَرِيقَيْ جُدَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي مُنْعَطَفٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا فَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ مَا فَعَلَهُ ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ مَا هَمَّ بِهِ فَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ إنَّهُ هَمَّ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ مَرْدُودٌ (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) إلَى الْحِلِّ (وَأَتَى بِهَا) أَيْ بِالْعُمْرَةِ
ــ
[حاشية الجمل]
إذْ لَا يُضَافُ إلَّا إلَى مُتَعَدِّدٍ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَفْصَحِ) وَحُكِيَ كَسْرُ الْعَيْنِ وَتَثْقِيلُ الرَّاءِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ سُمِّيَتْ بِاسْمِ امْرَأَةٍ كَانَتْ تَسْكُنُهَا وَنِصْفُهَا مِنْ الْحِلِّ وَنِصْفُهَا مِنْ الْحَرَمِ وَحُكِيَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: وَنِصْفُهَا مِنْ الْحِلِّ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ كُلُّهَا مِنْ الْحِلِّ، بَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَرَمِ نَحْوُ تِسْعَةِ أَمْيَالٍ.
(قَوْلُهُ: لِلِاتِّبَاعِ) عِبَارَةُ حَجّ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ مِنْهَا لَيْلًا ثُمَّ أَصْبَحَ كَبَائِتٍ أَيْ تَحَلَّلَ وَلَبِسَ لَيْلًا ثُمَّ أَصْبَحَ كَبَائِتٍ بِمَكَّةَ وَذَلِكَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بَعْدَ الْفَتْحِ انْتَهَتْ بِتَصَرُّفٍ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ مِيقَاتِ مَنْ هُوَ بِالْحَرَمِ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم حِينَ اعْتَمَرَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ كَانَ آتِيًا مِنْ حُنَيْنٍ وَهِيَ خَارِجُ الْحَرَمِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى الْحُدَيْبِيَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ) وَسَيَأْتِي فِي حُدُودِ الْحَرَمِ أَنَّهَا عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ وَإِنَّمَا أَمَرَ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِالِاعْتِمَارِ مِنْ التَّنْعِيمِ مَعَ أَنَّ الْجِعْرَانَةَ أَفْضَلُ مِنْهُ لِضِيقِ الْوَقْتِ بِرَحِيلِ الْحَاجِّ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، وَقَوْلُهُ سَيَأْتِي فِي حُدُودِ الْحَرَمِ إلَخْ الَّذِي سَيَأْتِي هُوَ الصَّحِيحُ بِالنِّسْبَةِ لَحَدِّ الْحَرَمِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَسَافَةِ الْجِعْرَانَةِ إلَى مَكَّةَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْنَ الْجِعْرَانَةِ وَمَكَّةَ سِتَّةُ فَرَاسِخَ كَمَا هُوَ فِي الْمُشَاهَدِ، وَحَدُّ الْحَرَمِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ فِي حُدُودِ الْحَرَمِ نَصُّهَا فَحَدُّ الْحَرَمِ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ قَالَ وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ شِعْبِ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ اهـ. (قَوْلُهُ لِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ) أَيْ زَوْجَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَنُسِبَ إلَيْهَا لِإِحْرَامِهَا مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ بِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ) وَهُوَ خَارِجُ الْحَرَمِ وَسَيَأْتِي أَنَّ مَسَافَتَهُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَنْ يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ نُعَيْمٌ وَهُوَ فِي وَادٍ يُقَالُ لَهُ نَعْمَانُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الطَّرِيقُ الْمُعْتَادُ لَا أَعْلَى الْجِبَالِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَفْصَحِ) وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ بِئْرٌ بَيْنَ طَرِيقَيْ إلَخْ) أَيْ مَكَانٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى بِئْرٍ سُمِّيَ الْمَكَانُ بِهَا وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِعَيْنِ شَمْسٍ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِاسْمِ شَجَرَةٍ حَدْبَاءَ كَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ تَحْتَهَا فَصَغُرَتْ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ حِدَّةَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقِيلَ بِالْجِيمِ الْمَضْمُومَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَكُلٌّ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ حِدَّةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي طَرِيقِ جُدَّةَ بِالْجِيمِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ قَرِيبُ حِدَّةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ) فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ إحْرَامِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهَا وَأَرَادَ الدُّخُولَ لِعُمْرَتِهِ مِنْهَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ) هُوَ عَامُ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَفِيهِ أَيْضًا بَنُو قُرَيْظَةَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَهَذَا إمَّا سَهْوٌ أَوْ عَلَى مَرْجُوحٍ وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَفِيهَا خَيْبَرُ، وَأَمَّا سَنَةُ خَمْسٍ فَكَانَ فِيهَا الْأَحْزَابُ وَبَنُو قُرَيْظَةَ تَأَمَّلْ وَقَوْلُهُ وَفِيهَا خَيْبَرُ فِيهِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ فِي الْمُحَرَّمِ أَوَّلَ السَّابِعَةِ.
(قَوْلُهُ: هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ إلَخْ) لَك أَنْ تَقُولَ مُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْإِحْرَامِ وَلَا تَخْصِيصِهَا بِذَلِكَ، فَإِنَّ الدُّخُولَ مِنْهَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْمُرُورُ عَلَيْهَا وَالْأَمْكِنَةُ الَّتِي قَبْلَهَا قَدْ مَرَّ عَلَيْهَا أَيْضًا وَالْأَمْكِنَةُ الَّتِي بَعْدَهَا قَدْ هَمَّ بِالْمُرُورِ عَلَيْهَا فَتَأَمَّلْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَدْ نَزَلَ بِهَا نُزُولًا خَاصًّا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْدَادِ لِلدُّخُولِ وَالتَّهَيُّؤِ لَهُ مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ بِغَيْرِهَا فَدَلَّ عَلَى مَزِيَّةٍ لَهَا وَمَزِيَّةٍ خَاصَّةٍ بِالنُّسُكِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. سم أَقُولُ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَخْ لَا يَخْلُصُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَزِيَّةِ الْخَاصَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لِلْإِحْرَامِ بِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لَا لِخُصُوصِ الْإِحْرَامِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَيْهَا فَفَضْلُهَا عَلَى غَيْرِهَا لَا يَقْتَضِي جَعْلَهَا مِيقَاتًا فَلْيُتَأَمَّلْ وَجْهُ ذَلِكَ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: تَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) فَلَيْسَ التَّفْضِيلُ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّ الْجِعْرَانَةَ وَالْحُدَيْبِيَةَ مَسَافَتُهُمَا إلَى مَكَّةَ وَاحِدَةٌ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَهَذَا عَلَى مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ فَتَأَمَّلْ، فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَاعِدَةَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُصُولِ فِي تَعَارُضِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَعِلْمُ التَّارِيخِ أَنَّ السَّابِقَ مَنْسُوخٌ إلَّا لِدَلِيلٍ وَتَقْدِيمَهُمْ مَا هَمَّ بِهِ وَهُوَ التَّنْكِيسُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، قُلْت أَمْرُهُ بِالِاعْتِمَارِ مِنْ التَّنْعِيمِ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ فِعْلِهِ إلَّا أَنَّهُ يُصَوَّرُ بِضِيقِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَكُنْ مُعَارِضًا لِفِعْلِهِ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ نَاسِخٌ لَهُ وَهَمُّهُ بِالتَّنْكِيسِ لَمْ يُعَارِضْهُ فِعْلٌ سَابِقٌ حَتَّى
(أَجْزَأَتْهُ) عَنْ عُمْرَتِهِ إذْ لَا مَانِعَ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِإِيمَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ (فَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَقَطْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ شُرُوعِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا (فَلَا دَمَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْهُ، وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ سَقَطَ الدَّمُ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ وَجَبَ، ثُمَّ سَقَطَ وَهُوَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ وَقَوْلِي فَقَطْ مِنْ زِيَادَتِي (وَ) مَكَانَيْهَا (لِحَجٍّ) وَلَوْ بِقِرَانٍ
ــ
[حاشية الجمل]
يُقَدَّمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ أَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَتِهِ) عِبَارَةُ حَجّ أَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ مُرَتَّبٌ مُقَدَّمٌ كَمَا سَيَأْتِي اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْإِثْمُ أَيْضًا) اتِّفَاقًا كَمَا قَالَهُ حَجّ فِي التُّحْفَةِ وَأَشَارَ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ لِإِسَاءَتِهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ) أَيْ الْحِلِّ أَيْ وَلَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ كَاحْتِطَابٍ أَوْ لَا لِغَرَضٍ أَصْلًا قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ حَيْثُ لَا يَضُرُّ فِيهِ الصَّارِفُ، إذْ الْقَصْدُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ مُحْرِمًا وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ الدَّمِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ الْإِثْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ بِالْعَوْدِ التَّدَارُكَ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَاهُ لِغَرَضٍ آخَرَ كَشُغْلٍ أَوْ تَنَزُّهٍ فَلَا يَسْقُطُ الْإِثْمُ اهـ. مِنْ شَرْحِ ابْنِ الْجَمَالِ الْمَكِّيِّ عَلَى نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي لِدِمَاءِ الْحَجِّ.
(قَوْلُهُ: فَلَا دَمَ عَلَيْهِ) أَيْ وَأَمَّا الْإِثْمُ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الْخُرُوجِ عَازِمًا عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا إثْمَ وَإِلَّا أَثِمَ، وَظَنِّي أَنَّ النَّفَلَ كَذَلِكَ اهـ. سم اهـ. ع ش وَفِيهِ عَلَى م ر مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ سَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ قَضِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ إلَى الْحِلِّ حَالَةَ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا يَأْتِي مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ أَنَّهُ هُنَا بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِسَاءَةُ حَتَّى يَحْتَاجَ لِمُسْقِطِ الْإِثْمِ بِهَا وَفِيمَا سَيَأْتِي يُقَالُ مُجَاوَزَتُهُ لِلْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ مَمْنُوعَةٌ فَاحْتَاجَ لِنِيَّةِ الْعَوْدِ لِتَمْنَعَ مِنْ تَرَتُّبِ الْإِثْمِ عَلَيْهَا اهـ. أَيْ عَلَى الْمُجَاوَزَةِ (قَوْلُهُ لِإِيهَامِ أَنَّهُ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ) أَيْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِيمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ حَيْثُ سَقَطَ الدَّمُ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِأَنَّ ذَاكَ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ عَلَى قَصْدِ النُّسُكِ ثُمَّ جَاوَزَهُ فَكَانَ مُسِيئًا حَقِيقَةً، وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا، بَلْ مَا هُنَا شَبِيهٌ بِمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِقِرَانٍ) أَيْ تَغْلِيبًا لِلْحَجِّ اهـ. حَجّ أَيْ فَلَا يُنْظَرُ لِجَانِبِ الْعُمْرَةِ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَضَاهُ الْإِحْرَامَ مِنْ الْحِلِّ وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ وَسَوَاءٌ أَرَادَ الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا أَمْ أَرَادَ الْقِرَانَ وَقِيلَ إنْ أَرَادَ الْقِرَانَ لَزِمَهُ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ كَمَا لَوْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَحْدَهَا، وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لِمَنْ بِمَكَّةَ هِيَ) فَلَوْ أَحْرَمَ خَارِجَ بُنْيَانِهَا أَيْ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِمَنْ سَافَرَ مِنْهَا وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ اهـ. حَجّ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ، قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فَإِنْ فَارَقَ بُنْيَانَهَا وَأَحْرَمَ خَارِجَهَا وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ كَمُجَاوَزَةِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ نَعَمْ إنْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إسَاءَةَ وَلَا دَمَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ نَبَّهَ عَلَيْهِ بَحْثًا اهـ. وَجَرَى عَلَيْهِ م ر فِي شَرْحِهِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قِيَاسُ الِاكْتِفَاءِ بِمُحَاذَاتِهَا كَسَائِرِ الْمَوَاقِيتِ فِي عَدَمِ الْإِسَاءَةِ وَعَدَمِ الدَّمِ الِاكْتِفَاءُ بِمُحَاذَاتِهَا يَمِينًا أَوْ شِمَالًا، وَإِنْ بَلَغَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فِي بُعْدِهِ عَنْهَا لِوُجُودِ الْمُحَاذَاةِ الْكَافِيَةِ فِي سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ مَعَ ذَلِكَ وَبِالْإِحْرَامِ خَارِجَهَا مِنْ جِهَةِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا أَوْ إلَى مُحَاذَاتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَمُرُّ بِهَا أَوْ بِمُحَاذِيهَا وَذَلِكَ كَافٍ فِي سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ حَجّ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ لَكِنْ قَبْلَ وُصُولِهِ لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْوُصُولُ إلَى مِيقَاتِ الْآفَاقِيِّ، كَذَا قَالُوهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا كَانَ مِيقَاتُ الْجِهَةِ الَّتِي خَرَجَ إلَيْهَا أَبْعَدَ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ هُنَا الْوُصُولُ لِلْمِيقَاتِ أَوْ مُحَاذَاتُهُ اهـ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْوُصُولُ إلَى مِيقَاتِ الْآفَاقِيِّ أَيْ تَعَيَّنَ فِي السُّقُوطِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ إلَّا إذَا وَصَلَ الْمِيقَاتَ الْآفَاقِيَّ وَفِي عَدَمِ الْإِسَاءَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْإِسَاءَةِ فِيمَا ذَكَرَ أَيْ مِنْ مُفَارِقَةِ بُنْيَانِهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى مِيقَاتٍ وَإِلَّا فَلَا إسَاءَةَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَخْ اهـ.
مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَعَلَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْإِسَاءَةِ بِوُصُولِ مِيقَاتٍ إنْ قَصَدَ ابْتِدَاءَ الْوُصُولِ إلَيْهَا أَوْ الْعَوْدَ إلَيْهَا لِلْإِحْرَامِ مِنْهَا أَوْ مُحْرِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا فَارَقَهَا بِقَصْدِ الْإِحْرَامِ خَارِجَهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْوُصُولِ لِمِيقَاتٍ وَلَا قَصْدِ الْعَوْدِ إلَيْهَا فَيَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ، وَإِنْ وَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمِيقَاتٍ أَوْ عَادَ إلَيْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي عَدَمُ التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِاحْتِمَالِ حَالَةِ الْجَوَازِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّ قَوْلَهُمْ تَعَيَّنَ الْوُصُولُ إلَى مِيقَاتِ الْآفَاقِيِّ لَمْ يُرِيدُوا فِيهِ اعْتِبَارَ الْوُصُولِ لَعَيْنِ الْمِيقَاتِ، بَلْ يَكْفِي الْوُصُولُ لِمُحَاذَاتِهِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا، وَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي فَيَتَعَيَّنُ الْوُصُولُ لِلْمِيقَاتِ أَوْ مُحَاذَاتُهُ اهـ.
ثُمَّ قَالَ حَجّ وَإِنَّمَا سَقَطَ دَمُ التَّمَتُّعِ بِالْمُرَحِّلَتَيْنِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ إسَاءَةٌ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ مَكَّةَ فَشَدَّدَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ؛ وَلِأَنَّهُ بِبُعْدِهِ عَنْهَا مَرْحَلَتَيْنِ انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهَا فَصَارَ كَالْآفَاقِيِّ فَتَعَيَّنَ مِيقَاتُ
(لِمَنْ بِمَكَّةَ) مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ (هِيَ) أَيْ مَكَّةُ (وَلِنُسُكٍ) مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (لِمُتَوَجِّهٍ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ) مَكَانٌ عَلَى نَحْوِ عَشْرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَسِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ (وَمِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ) قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قِيلَ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ إنَّهَا عَلَى خَمْسِينَ فَرْسَخًا مِنْهَا هِيَ الْآنَ خَرَابٌ.
ــ
[حاشية الجمل]
جِهَتِهِ أَوْ مُحَاذِيهِ (تَنْبِيهٌ)
عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْآفَاقِيَّ الْمُتَمَتِّعَ لَوْ دَخَلَ مَكَّةَ وَفَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ عُمْرَتِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَحَلٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَرْحَلَتَانِ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ جِهَتِهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ أَوْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى أَنْ يَدْخُلَهَا، بَلْ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مَحَلِّهِ لَزِمَهُ دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ الْوُصُولِ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ مِثْلِهِ وَفِي الرَّوْضَةِ إنْ كَانَ مِيقَاتُ الْآفَاقِيِّ فِي الْمُتَمَتِّعِ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ خَارِجَهَا لَزِمَهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ أَيْضًا مَا لَمْ يَعُدْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلْمِيقَاتِ أَوْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلَهُ فَأَحْرَمَ خَارِجَهَا لَعَلَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ إذْ لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَرْحَلَتَانِ لَمْ يَتَأَتَّ التَّخْيِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ مَا لَمْ يَعُدْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلْمِيقَاتِ إلَخْ، بَلْ تَعَيَّنَ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَالْمُتَمَتِّعُ الْآفَاقِيُّ إنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ خَارِجَ مَكَّةَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ إلَى مِثْلِهِ مَسَافَةً أَوْ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمُ الْإِسَاءَةِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ وَخَرَجَ بِالْآفَاقِيِّ الْمَكِّيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمُ الْإِسَاءَةِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ لِمَنْ بِمَكَّةَ هِيَ) وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ جَمِيعِ بِقَاعِ مَكَّةَ وَفِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَالثَّانِي مِنْ الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْ الْبَيْتِ اهـ.
إيضَاحٌ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَإِحْرَامُ الْمَكِّيِّ مِنْ بَابِ دَارِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْآتِي وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَإِحْرَامُهُ مِنْ بَابِهِ يَكُونُ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إذْ الْإِحْرَامُ لَا يُسَنُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ، بَلْ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ مُحْرِمًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ لَا لِلصَّلَاةِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ إذَا اُسْتُحِبَّ لَهُ فِعْلُ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ أَشْكَلَ ذَلِكَ بِتَصْحِيحِ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ بَابِ دَارِهِ ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، قِيلَ وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ مِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أَوْ حِلَّتُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا أَنَّ الْمَكِّيَّ يُحْرِمُ مِنْ طَرَفِهَا الْأَبْعَدِ مِنْ مَقْصِدِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَاكَ قَاصِدٌ لِمَكَانٍ أَشْرَفَ مِمَّا هُوَ فِيهِ وَهَذَا بِعَكْسِهِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ لِمُتَوَجِّهٍ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَخْ) عَبَّرَ بِالْمُتَوَجِّهِ لِيُوَافِقَ الْخَبَرَ الْآتِيَ وَهُوَ قَوْلُهُ هُنَّ لَهُنَّ إلَخْ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: ذُو الْحُلَيْفَةِ) قَالَ حَجّ تَصْغِيرُ الْحَلِفَةِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَاحِدَةُ الْحَلِفِ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ اهـ.
وَقَالَ فِي الْمُخْتَارِ كَقَصْبَةٍ وَطَرْفَةٍ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ حَلِفَةٌ بِكَسْرِ اللَّامِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: عَلَى نَحْوِ عَشْرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ) هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ الْعِيَانُ فَإِنَّ مِنْ رَابِغٍ إلَى مَكَّةَ سِتَّةَ مَرَاحِلَ وَزِيَادَةً كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَمِنْ رَابِغٍ إلَى بَدْرٍ قَرِيبٌ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَكَذَلِكَ مِنْ بَدْرٍ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَيْضًا فَالْحَاجُّ يَقْطَعُ هَذَا فِي سَيْرِهِ فِي عَشَرَةِ دُورٍ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ عِنْدَ الْعَارِفِينَ بِرُبْعِ الطَّرِيقِ إلَى مِصْرَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ جُمْلَةَ الْمَسَافَةِ مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مَرْحَلَةً، وَإِنْ كَانَ الْحَاجُّ يَقْطَعُهَا فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ دَارًا فَكَأَنَّ كُلَّ دَارٍ مِنْ دُورِ الْحَجِّ مَرْحَلَتَانِ طَوِيلَةٌ عَلَى قَصِيرَةٍ فَهَذِهِ الْمَسَافَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ رُبَّمَا كَانَتْ نَحْوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَرْحَلَةً فَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَرَادَ بِالْمَرْحَلَةِ الدَّارَ مِنْ دُورِ الْحَجِّ تَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ مِنْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَهِيَ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَتَصْحِيحُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ لَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ أَقْصَى عُمْرَانِ الْمَدِينَةِ وَحَدَائِقِهَا مِنْ جِهَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهَا عَلَى مِيلٍ لَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ عُمْرَانِهَا الَّذِي كَانَ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ وَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ انْتَهَتْ فِي الْإِيضَاحِ، وَأَعْيَانُ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ لَا تُشْتَرَطُ، بَلْ مِثْلُهَا مَا يُحَاذِيهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ) أَيْ لِزَعْمِ الْعَامَّةِ أَنَّهُ قَاتَلَ الْجِنَّ فِيهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ الشَّامِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ، وَأَمَّا الْآنَ فَمِيقَاتُهُمْ ذُو الْحُلَيْفَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ طَرِيقَ تَبُوكَ وَهُوَ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، وَالْمَدُّ مَعَ فَتْحِ الشِّينِ ضَعِيفٌ وَأَوَّلُهُ نَابُلُسُ مَدِينَةٌ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ الرَّقَّةِ وَحَلَبَ وَآخِرُهُ الْعَرِيشُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ حَدَّهُ طُولًا مِنْ الْعَرِيشِ إلَى الْفُرَاتِ وَعَرْضًا مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ مِنْ نَحْوِ الْقِبْلَةِ إلَى بَحْرِ الرُّومِ وَمَا سَامَتَهُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ عَلَى الْمَشْهُورِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مُشَاءَمَةِ الْقِبْلَةِ أَيْ لِأَنَّ قَوْمًا مِنْ بَنِي كَنْعَانَ شَامُوا إلَيْهِ أَيْ تَيَاسَرُوا أَوْ بِشَامِ بْنِ نُوحٍ فَإِنَّهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بِاللُّغَةِ السُّرْيَانِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَنْشَأَهُ أَوْ لِأَنَّ أَرْضَهُ ذَاتَ شَامَاتٍ بِيضٍ وَحُمْرٍ وَسُودٍ؛ وَلِذَلِكَ فَضَّلَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى مِصْرَ وَالرَّاجِحُ عَكْسُهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَمِصْرَ) هِيَ الْمَدِينَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَلِذَلِكَ تُذَكَّرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية الجمل]
وَتُؤَنَّثُ وَتُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ وَحَدُّ إقْلِيمِهَا طُولًا مِنْ بَرْقَةَ الَّتِي فِي جَنُوبِ الْبَحْرِ الرُّومِيِّ إلَى أَيْلَةَ الَّتِي عَلَى سَاحِلِ بَحْرِ الْقُلْزُمِ، وَمَسَافَةُ ذَلِكَ قَرِيبَةٌ مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَعَرْضُهُ مِنْ مَدِينَةِ أُسْوَانَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَمَا سَامَتَهَا مِنْ الصَّعِيدِ الْأَعْلَى إلَى مَدِينَةِ رَشِيدٍ وَمَا حَاذَاهَا مِنْ مَسَاقِطِ النِّيلِ فِي الْبَحْرِ الرُّومِيِّ، وَمَسَافَةُ ذَلِكَ قَرِيبَةٌ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَمَصُّرِهَا وَقِيلَ بِاسْمِ أَوَّلِ مَنْ سَكَنَهَا وَهُوَ مِصْرُ بْنُ بيصر بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا حَدٌّ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَالْمِصْرُ لُغَةً الْحَدُّ وَلَهَا وَلِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَضْلٌ كَفَضْلِ الْمَشْرِقِ عَلَى الْمَغْرِبِ وَيَكْتَنِفُهَا مِنْ الْعَرْضِ جَبَلَانِ جَبَلُ الْمُقَطَّمِ مِنْ شَرْقِيِّهَا وَجَبَلُ الْوَفَاءِ مِنْ غَرْبِيِّهَا، وَقَالَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْبِسْطَامِيُّ شَأْنُهَا عَجِيبٌ وَسِرُّهَا غَرِيبٌ خَلْقُهَا أَكْثَرُ مِنْ رِزْقِهَا وَعَيْشُهَا أَغْزَرُ مِنْ خَلْقِهَا مَنْ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ نِيلُهَا عَجَبٌ وَتُرَابُهَا ذَهَبٌ وَنِسَاؤُهَا لُعَبٌ وَصِبْيَانُهَا طَرَبٌ وَأُمَرَاؤُهَا جَلَبٌ وَهِيَ لِمَنْ غَلَبَ، وَالدَّاخِلُ فِيهَا مَفْقُودٌ وَالْخَارِجُ مِنْهَا مَوْلُودٌ، قَالَ تَعَالَى {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24] ، وَحُكِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَرْسَلَ إلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ بِمِصْرَ عَرِّفْنِي عَنْ مِصْرَ وَأَحْوَالِهَا وَمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَأَوْجِزْ لِي فِي الْعِبَارَةِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ شِعْرًا:
وَمَا مِصْرُ مِصْرٌ وَلَكِنَّهَا
…
جَنَّةُ فِرْدَوْسٍ لِمَنْ كَانَ يُبْصِرُ
فَأَوْلَادُهَا الْوِلْدَانُ وَالْحُورُ غِيدُهَا
…
وَرَوْضَتُهَا الْفِرْدَوْسُ وَالنَّهْرُ كَوْثَرُ
. وَقَالَ غَيْرُهُ:
إنَّ مِصْرَ أَحْسَنُ الْأَرْضِ طُرًّا
…
لَيْسَ فِي حُسْنِهَا الْمَلِيحِ الْتِبَاسُ
كُلُّ مَنْ قَاسَهَا بِأَرْضٍ سِوَاهَا
…
كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْمِقْيَاسُ
وَفِي الْحَدِيثِ «مِصْرُ يُسَاقُ إلَيْهَا أَقْصَرُ النَّاسِ أَعْمَارًا فَاِتَّخِذُوا خَيْرَهَا وَلَا تَتَّخِذُوهَا دَارًا» وَرُوِيَ عَنْ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنْ اخْتَبِرْ لِي الْمَنَازِلَ كُلَّهَا، فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا اجْتَمَعَتْ، فَقَالَ السَّخَاءُ أُرِيدُ الْيَمَنَ، فَقَالَ لَهُ حُسْنُ الْخُلُقِ وَأَنَا مَعَك، وَقَالَ الْجَفَاءُ أُرِيدُ الْحِجَازَ، فَقَالَ لَهُ الْفَقْرُ وَأَنَا مَعَك، وَقَالَ الْبَأْسُ أُرِيدُ الشَّامَ، فَقَالَ لَهُ السَّيْفُ وَأَنَا مَعَك، وَقَالَ الْعِلْمُ أُرِيدُ الْعِرَاقَ، فَقَالَ لَهُ الْعَقْلُ وَأَنَا مَعَك وَقَالَ الْغِنَى أُرِيدُ مِصْرَ، فَقَالَ لَهُ الذُّلُّ وَأَنَا مَعَك فَاخْتَرْ لِنَفْسِك مَا شِئْت، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ إبْلِيسَ دَخَلَ الْعِرَاقَ فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا ثُمَّ دَخَلَ الشَّامَ فَطُرِدَ مِنْهَا حَتَّى بَلَغَ تِلِمْسَانَ ثُمَّ دَخَلَ مِصْرَ فَبَاضَ فِيهَا وَفَرَّخَ وَبَسَطَ عَبْقَرِيَّهُ فِيهَا» ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [الأعراف: 145] أَنَّهَا مِصْرُ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ نَشَأَ عَنْ تَصْحِيفٍ وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ دَارُ الْفَاسِقِينَ أَيْ مَصِيرُهُمْ فَصُحِّفَ مِصْرَ (فَائِدَةٌ)
ضَبَطَ بَعْضُهُمْ مَا بَيْنَ مِصْرَ وَمَكَّةَ فَوُجِدَتْ مَسَافَتُهُ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ بَرِيدًا، وَضُبِطَ مِقْدَارُ الدَّرَجَةِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ عَرْضُ الْبَلَدِ الْفُلَانِيَّةِ كَذَا دَرَجَةً وَطُولُهَا كَذَا دَرَجَةً فَوُجِدَ مِقْدَارُ الدَّرَجَةِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ وَالْمَغْرِبِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَأَعْظَمُهُ إقْلِيمُ الْأَنْدَلُسِ وَدَوْرُهُ نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَأَقْصَاهُ جَزَائِرُ الْخَالِدَاتِ السِّتَّةِ وَمَسِيرُهَا نَحْوُ مِائَتَيْ فَرْسَخٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ الْجُحْفَةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَيُقَالُ لَهَا مَهْيَعَةُ عَلَى وَزْنِ عَلْقَمَةَ، وَيُقَالُ فِيهَا مَهْيَعَةُ بِكَسْرِ الْهَاءِ عَلَى وَزْنِ لَطِيفَةَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيْلَ نَزَلَ عَلَيْهَا فَأَجْحَفَهَا أَيْ أَزَالَهَا وَأَذْهَبهَا وَكَانَتْ قَرْيَةً كَبِيرَةً كَمَا قَالَ الشَّارِحُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جُعِلَتْ مِيقَاتًا مَعَ نَقْلِ حُمَّى الْمَدِينَةِ إلَيْهَا أَوَائِلَ الْهِجْرَةِ لِكَوْنِهَا مَسْكَنَ الْيَهُودِ بِدُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى لَوْ مَرَّ بِهَا طَائِرٌ حُمَّ قُلْت قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْمُرُ بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ يُوجِبُ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهَا مُدَّةَ مَقَامِ الْيَهُودِ بِهَا ثُمَّ زَالَتْ بِزَوَالِهِمْ مِنْ الْحِجَازِ أَوْ قَبْلَهُ حِينَ التَّوْقِيتِ اهـ. شَرْحُ التُّحْفَةِ لحج. (قَوْلُهُ: عَلَى خَمْسِينَ فَرْسَخًا) فَتَكُونُ سِتَّةَ مَرَاحِلَ وَرُبْعَ مَرْحَلَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرْحَلَةٍ ثَمَانِيَةُ فَرَاسِخَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَالْآنَ خَرَابٌ) وَقَدْ أُبْدِلَتْ بِرَابِغٍ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَهَا بِيَسِيرٍ وَالْإِحْرَامُ الَّذِي اُعْتِيدَ مِنْ رَابِغٍ لَيْسَ مَفْضُولًا لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لِضَرُورَةِ انْبِهَامِ الْجُحْفَةِ عَلَى أَكْثَرِ الْحُجَّاجِ وَلِعَدَمِ مَائِهَا وَهِيَ أَوْسَطُ الْمَوَاقِيتِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ: وَقَوْلُ الْبَارِزِيِّ إحْرَامُ الْحَاجِّ الْمِصْرِيِّ مِنْ رَابِغٍ الْمُحَاذِيَةِ لِلْجُحْفَةِ مُشْكِلٌ وَكَانَ يَنْبَغِي إحْرَامُهُمْ مِنْ بَدْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَهُوَ مِيقَاتٌ
(وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) وَيُقَالُ لَهُ أَلَمْلَمُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (وَمِنْ نَجْدَيْ الْيَمَنِ وَالْحِجَازِ قَرْنٌ) بِإِسْكَانِ الرَّاءِ مَكَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ (وَمِنْ الْمَشْرِقِ) الْعِرَاقُ وَغَيْرُهُ (ذَاتُ عِرْقٍ) عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ أَيْضًا وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ عَائِشَةَ «رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ» ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» هَذَا إنْ لَمْ يُنَبْ مَنْ ذُكِرَ عَنْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَمِيقَاتُهُ مِيقَاتُ مُنِيبِهِ
ــ
[حاشية الجمل]
لِأَهْلِهِ كَمَا أَنَّ الشَّامِيَّ يُحْرِمُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ وَلَا يَصْبِرُ لِلْجُحْفَةِ مَرْدُودٌ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ؛ وَلِأَنَّ أَهْلَ الشَّامِ يَمُرُّونَ عَلَى مِيقَاتٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ أَهْلِ مِصْرَ وَلَا أَثَرَ لِلْمُحَاذَاتِ مَعَ تَعَيُّنِ مِيقَاتٍ لَهُمْ عَلَى أَنَّ بَدْرًا لَيْسَ مِيقَاتًا لِأَهْلِهِ بَلْ مِيقَاتُهُمْ الْجُحْفَةُ كَمَا يَأْتِي وَالْعِبْرَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بِالْبُقْعَةِ لَا بِمَا بُنِيَ وَلَوْ قَرِيبًا مِنْهَا بِنَقْضِهَا، وَإِنْ سُمِّيَ بِاسْمِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ إقْلِيمٌ مَعْرُوفٌ وَمَسَافَتُهُ طُولًا فِيمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ نَحْوُ عَشَرَةِ آلَافِ مِيلٍ وَعَرْضُهُ فِيمَا بَيْنَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ أَرْبَعُمِائَةِ مِيلٍ وَمِنْهُ الصِّينُ وَالْهِنْدُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ أَلَمْلَمُ) بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ أَصْلُهُ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً وَيُقَالُ لَهُ أَرَمْرَمُ وَيَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ بَدَلَ اللَّامَيْنِ وَيُقَالُ لَهُ الْأَلَمْلَمُ وَالْيَرَمْرَمُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) الْمُرَادُ مَرْحَلَتَيْنِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَالْحِجَازِ) نَجْدٌ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَتِهَامَةُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْمُنْخَفِضِ وَيُقَالَ لَهُ الْغَوْرُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْحِجَازُ وَالْيَمَنُ مُشْتَمِلَانِ عَلَى نَجْدٍ وَتِهَامَةَ وَحَيْثُ أُطْلِقَ نَجْدٌ فَالْمُرَادُ بِهِ نَجْدُ الْحِجَازِ وَسُمِّيَ بِالْحِجَازِ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ بَيْنَ الْيَمَنِ وَالشَّامِ قَالَ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ أَوْ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ أَوْ لِاحْتِجَازِهِ بِالْجِبَالِ وَالصُّخُورِ وَهُوَ مِنْ الْيَمَنِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ: الْمَدِينَةُ نَجْدٌ وَقِيلَ تِهَامَةُ وَقِيلَ نِصْفُهَا نَجْدٌ وَنِصْفُهَا تِهَامَةُ وَهُوَ يُقَابِلُ أَرْضَ الْحَبَشَةِ مِنْ غَرْبِيِّهِ وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ الْبَحْرِ فَقَطْ وَمَسِيرَتُهُ نَحْوُ شَهْرٍ وَأَوَّلُهُ مَدِينَةُ أَيْلَةَ الْمَعْرُوفَةِ الْآنَ بِالْعَقَبَةِ مِنْ مَنَازِلِ الْحَاجِّ الْمِصْرِيِّ وَمُنْتَهَاهُ مِنْ شَامَةِ مَدِينَةِ سَدُومَ مِنْ قُرَى قَوْمِ لُوطٍ وَمِنْ غَرْبِيِّهِ جَبَلُ السَّرَاةِ وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ الَّتِي هِيَ طُولًا مِنْ أَقْصَى عَدَنٍ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ وَعَرْضًا مِنْ جُدَّةَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ وَسُمِّيَتْ جَزِيرَةً؛ لِأَنَّهَا أَحَاطَ بِهَا أَرْبَعَةُ أَبْحُرٍ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ وَبَحْرُ الْحَبَشَةِ وَبَحْرُ فَارِسَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: قَرْنٌ) وَيُقَالُ لَهَا قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ الْمُنْقَطِعُ عَنْ الْجَبَلِ الْكَبِيرِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِإِسْكَانِ الرَّاءِ) وَوَهِمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَحْرِيكِهَا فِي قَوْلِهِ إنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَرْنِ بْنِ رُومَانَ قَبِيلَةِ مَزَادِ أَحَدِ أَجْدَادِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: الْعِرَاقُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِسُهُولَةِ أَرْضِهِ وَاسْتِوَائِهَا بِعَدَمِ الْجِبَالِ وَالْأَحْجَارِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَطُولُهُ مِائَتَا فَرْسَخٍ وَعَرْضُهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: ذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَرْيَةٌ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ مُشْرِفَةٌ عَلَى وَادِي الْعَقِيقِ وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
عِرْقُ الْعِرَاقِ يَلَمْلَمُ الْيَمَنِ
…
وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ الْمَدَنِيّ
وَالشَّامُ جُحْفَةُ إنْ مَرَرْت بِهَا
…
وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنُ فَاسْتَبِنِ
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا ذَاتُ عِرْقٍ) وَفَوْقَهَا وَادٍ يُقَالُ لَهُ الْعَقِيقُ وَالْأَوْلَى لِهَؤُلَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ لِلِاحْتِيَاطِ، وَلِمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» لَكِنَّهُ رَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَفِيهِ ضَعْفٌ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ) أَيْ جَعَلَهَا مَوَاقِيتَ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ هُنَّ) أَيْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لَهُنَّ أَيْ لِهَذِهِ النَّوَاحِي يَعْنِي لِأَهْلِهِنَّ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَهَلَّا قَالَ هُنَّ لَهُمْ وَلِمَ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى النَّوَاحِي دُونَ الْأَهْلِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَأَجَابَ عَنْهُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بِأَنَّ الْمُسَوِّغَ لِذَلِكَ مُزَاوَجَةُ الضَّمِيرِ الْأَوَّلِ أَيْ مُشَاكَلَتُهُ مَعَ ظُهُورِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ أَيْ لِأَهْلِهِنَّ اهـ. مِنْ هَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: مِيقَاتُ مُنِيبِهِ) أَيْ أَوْ مَكَانٌ آخَرُ مِثْلُهُ مَسَافَةٌ وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ مِيقَاتِ الْمُنِيبِ إنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِ النَّائِبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَأَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِنْ مِيقَاتِ الْمُنِيبِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُنِيبُ مَدَنِيًّا وَالنَّائِبُ مِصْرِيًّا فَأَحْرَمَ مِنْ رَابِغٍ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ وَالْحَطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِالْقِسْطِ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ كَثِيرُونَ وَنُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الشَّرْعَ سَوَّى بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ، وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا فَرَّعَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ مَكِّيٌّ اُسْتُؤْجِرَ عَنْ آفَاقِيٍّ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَتَرَكَ مِيقَاتَ الْمُسْتَأْجِرِ فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ وَالْحَطُّ عَلَى الرَّاجِحِ اهـ. حَجّ بِنَوْعِ
أَوْ مَا قَيَّدَ بِهِ مِنْ أَبْعَدِكُمَا يُعْلَمُ مِنْ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ (وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ فَوْقَ مِيقَاتٍ إحْرَامٌ مِنْهُ) لَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ (وَمِنْ أَوَّلِهِ) وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَبْعَدُ لَا مِنْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ، فَالْأَفْضَلُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ
ــ
[حاشية الجمل]
تَصَرُّفٍ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِ النَّائِبِ إلَخْ أَنَّهُ أَيْ مِيقَاتَ الْمُنِيبِ لَوْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ مِيقَاتِ النَّائِبِ لَا يُعْتَبَرُ، بَلْ يُعْتَبَرُ مِيقَاتُ النَّائِبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمُنِيبُ مِصْرِيًّا وَالنَّائِبُ مَدَنِيًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّائِبِ الْمَدَنِيِّ الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَتُهَا لِيُحْرِمَ مِنْ رَابِغٍ مِيقَاتِ الْمُنِيبِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ بِالْمُرُورِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ لِيُحْرِمَ مِنْ غَيْرِهِ مُرَاعَاةً لِجَانِبِ الْمُنِيبِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمَدَنِيَّ مَرَّ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَّا لَوْ مَرَّ مِنْ طَرِيقِ مِصْرَ كَأَنْ جَاءَ مِنْهَا وَسَلَكَ طَرِيقَهَا فَيُحْرِمُ مِنْ رَابِغٍ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهَا كَمَا هِيَ مِيقَاتُ الْمُنِيبِ هِيَ مِيقَاتُ النَّائِبِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ وَمِنْ صُوَرِ الْمَفْهُومِ أَيْضًا مَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ مِصْرِيٌّ بِمِصْرَ عَنْ مَكِّيٍّ مَاتَ بِمَكَّةَ أَوْ عَضَبَ بِهَا وَهُوَ مُقِيمٌ بِهَا فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمِصْرِيِّ النَّائِبِ مُجَاوَزَةُ الْجُحْفَةِ لِيُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ لِمَا سَبَقَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ سم عَلَيْهِ نَقْلًا عَنْ حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ لَهُ أَيْ لِابْنِ حَجَرٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَا قَيَّدَ بِهِ مِنْ أَبْعَدَ) وَإِذَا جَاوَزَ هَذَا الْأَبْعَدَ بِلَا إحْرَامٍ فَهَلْ يَلْزَمُ دَمٌ بِمُجَاوَزَتِهِ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ اللُّزُومِ لَكِنْ يُحَطُّ قِسْطٌ مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَةُ مِثْلِ الْمُدَّةِ بِتَمَامِهَا مِنْ ذَلِكَ الْأَبْعَدِ مَثَلًا عَشَرَةً وَمِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ تِسْعَةً حَطَّ مِنْ الْمُسَمَّى عَشَرَةً اهـ. ع ش عَلَى م ر وَقَوْلُهُ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ اللُّزُومِ إلَخْ أَيْ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِ الْمُنِيبِ الشَّرْعِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَبَقِيَ مَا لَوْ قَيَّدَ بِهِ بِأَقْرَبَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَحُكْمُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَفْسُدُ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ آخَرَ لِيُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ مَكَان أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِحُرْمَةِ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ عَلَى مُرِيدِ النُّسُكِ لَكِنْ لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ مِنْ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ صَحَّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ فَوْقَ مِيقَاتٍ إحْرَامٌ مِنْهُ) وَقِيلَ الْأَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَقَدْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ إحْرَامَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْحُلَيْفَةِ إجْمَاعًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَذَا فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ تَغْرِيرًا بِالْعِبَادَةِ لِمَا فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى وَاجِبَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَقَدْ يَجِبُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ كَأَنْ نَذَرَهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ كَمَا يَجِبُ الْمَشْيُ بِالنَّذْرِ، وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا وَكَمَا مَرَّ فِي أُجْرَةِ مِيقَاتِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِهِ وَقَدْ يُسَنُّ كَمَا لَوْ خَشِيَتْ طُرُوُّ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ عِنْدَ الْمِيقَاتِ، وَكَمَا لَوْ قَصَدَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِلْخَبَرِ الضَّعِيفِ «مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» شَكَّ الرَّاوِي اهـ. حَجّ فِي التُّحْفَةِ.
(قَوْلُهُ: إحْرَامٌ مِنْهُ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَدْ عَلِمْت مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ سَائِغٌ وَلَا كَذَلِكَ الزَّمَانِيُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَكَانِيَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي حَقِّ النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ الزَّمَانِيُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبُرُلُّسِيُّ: وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالزَّمَانِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْمَكَانِ لِدَلِيلِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ دُونَ الْأَمَاكِنِ الْمَكْرُوهَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْأَفْضَلُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْحَاشِيَةِ وَكَأَنَّهُ أَيْ السُّبْكِيَّ اعْتَمَدَ فِي إحْرَامِهِ مِنْهُ أَيْ الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِيَةَ فِي آدَابِ الْإِحْرَامِ وَسَيَأْتِي عَنْهُ نَفْسِهِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْكَثِيرَةَ الشَّهِيرَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَحْرَمَ عِنْدَ انْبِعَاثِ رَاحِلَتِهِ أَيْ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْبُخَارِيِّ «ثُمَّ رَكِبَ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ عز وجل وَسَبَّحَ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفَةٌ كَمَا يَأْتِي، وَحِينَئِذٍ فَفِي اسْتِثْنَاءِ ذِي الْحُلَيْفَةِ نَظَرٌ بَلْ الْأَقْرَبُ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاءِ نَعَمْ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْبَيْدَاءِ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّتِهَا، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَبْعَدُ مِنْ مَكَّةَ اتِّبَاعًا لَهُ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ وَيَلْحَقُ بِهِ بِنَاءً عَلَى اسْتِثْنَائِهِ كُلُّ مَسْجِدٍ بِمِيقَاتِ غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ يُسَنُّ الْإِحْرَامُ عَقِبَ رَكْعَتَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ نَدْبُهُ إذَا تَوَجَّهَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْهِ بِالْمَسْجِدِ ثُمَّ إنْ قَرُبَ طَرَفُ الْمِيقَاتِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ تَوَجَّهَ إلَيْهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ، وَإِنْ بَعُدَ بِحَيْثُ يَطُولُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَرَكْعَتَيْهِ حَتَّى لَمْ يُنْسَبَا إلَيْهِ عُرْفًا تَوَجَّهَ إلَى مَا دُونِهِ وَأَحْرَمَ اهـ. سم عَلَى حَجّ وَقَوْلُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ فِي الْمُخْتَارِ، الْبَيْدَاءُ بِوَزْنِ الْبَيْضَاءِ الْمَفَازَةُ وَالْجَمْعُ بِيدٌ بِوَزْنِ بِيضٍ وَبَادَ هَلَكَ وَبَابُهُ بَاعَ وَجَلَسَ وَأَبَادَهُ اللَّهُ أَهْلَكَهُ وَبَيْدَ كَغَيْرِ وَزْنًا وَمَعْنًى
الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِمَنْ فَوْقَ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَ) مَكَانَاهَا لِنُسُكٍ (لِمَنْ لَا مِيقَاتَ بِطَرِيقِهِ إنْ حَاذَاهُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ سَامَتَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ (مُحَاذَاتُهُ) فِي بَرٍّ كَانَ أَوْ بَحْرٍ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ تَحَرَّى (أَوْ) حَاذَى (مِيقَاتَيْنِ) كَأَنْ كَانَ طَرِيقُهُ بَيْنَهُمَا (مُحَاذَاةَ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ) وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ إلَى مَكَّةَ إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا تَعْبِيرِي بِأَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِأَبْعَدِهِمَا أَيْ إلَى مَكَّةَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّقْيِيدِ بِمَا إذَا اسْتَوَتْ مَسَافَتُهُمَا إلَيْهِ لِأَنَّهَا إذَا تَفَاوَتَتْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ فِي الْأَصَحِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا (فَ) مَكَانَيْهَا لِنُسُكٍ (مَرْحَلَتَانِ مِنْ مَكَّةَ) إذْ لَا مِيقَاتَ أَقَلَّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ (وَ) مَكَانَيْهَا لِنُسُكٍ (لِمَنْ دُونَ مِيقَاتٍ لَمْ يُجَاوِزْهُ) حَالَةَ كَوْنِهِ (مُرِيدَ نُسُكٍ) بِأَنْ لَمْ يُجَاوِزْهُ وَهُوَ مِنْ مَسْكَنِهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ أَوْ جَاوَزَهُ غَيْرُ مُرِيدِ نُسُكٍ (ثُمَّ أَرَادَ مَحَلَّهُ)
ــ
[حاشية الجمل]
يُقَالُ هُوَ كَثِيرُ الْمَالِ بَيْدَ أَنَّهُ بَخِيلٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ حَقٌّ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ هُوَ الْمَوْجُودُ آثَارُهُ الْيَوْمَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، بَلْ كُلُّ مِيقَاتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ آخِرَ الْمِيقَاتِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ) أَيْ لَا بِظَهْرِهِ وَلَا بِوَجْهِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَرَاءَهُ وَالثَّانِيَ أَمَامَهُ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: فِي بَرٍّ كَانَ أَوْ بَحْرٍ) فَعَلَى هَذَا مِيقَاتُ الْمِصْرِيِّ الَّذِي سَافَرَ فِي الْبَحْرِ الْجُحْفَةُ؛ لِأَنَّهُ يُحَاذِيهَا
1 -
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ تَحَرَّى) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْمِيقَاتُ أَوْ مَوْضِعُ مُحَاذَاتِهِ تَحَرَّى إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي التَّحَرِّي إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ كَالْأَعْمَى وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ حَاذَاهُ أَوْ أَنَّهُ فَوْقَهُ نَعَمْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إنْ تَحَيَّرَ فِي اجْتِهَادِهِ لَزِمَهُ الِاسْتِظْهَارُ إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَوْ كَانَ قَدْ تَضِيقُ عَلَيْهِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ أَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ) أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ لِيَظْهَرَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْقُرْبِ مَعْنًى فَالْمُرَادُ أَنَّهُ حَاذَاهُمَا بِحَسَبِ الْمَالِ فَسَقَطَ مَا هُنَا مِنْ الْإِشْكَالِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: مُحَاذَاةُ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ) أَيْ وَإِنْ لَاقَى الْآخَرَ أَوَّلًا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ أَقْرَبَهُمَا إلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ طَرِيقِهِ وَبَيْنَهُ مِيلٌ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ مِيلَانِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ) بِأَنْ كَانَ إذَا مَرَّ عَلَى كُلٍّ تَكُونُ الْمَسَافَةُ مِنْهُ إلَيْهِ وَاحِدَةً اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا) كَأَنْ كَانَ مُنْحَرِفًا أَوْ وَعْرًا فَلَوْ جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْأَبْعَدِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ سَقَطَ الدَّمُ أَوْ إلَى الْآخَرِ لَمْ يَسْقُطْ اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ: فَلَوْ جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا لِلنُّسُكِ إلَخْ هَذَا هُوَ ثَمَرَةُ كَوْنِهِ يُحْرِمُ مِنْ أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ وَإِلَّا فَالصُّورَةُ أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ فِيهِ مُحَاذَاةُ الْمِيقَاتَيْنِ مَعًا فَلَا وَجْهَ لِنِسْبَةِ الْإِحْرَامِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ فَإِنْ قِيلَ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ فَكِلَاهُمَا مِيقَاتُهُ، قُلْنَا لَا بَلْ مِيقَاتُهُ الْأَبْعَدُ إلَى مَكَّةَ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ إلَخْ انْتَهَتْ اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَيْهِ، وَفِي الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا هَذَا كَلَامٌ لَمْ أَرَ لَهُ وَجْهَانِ إذْ كَيْفَ يُحَاذِي مِيقَاتًا أَوَّلًا فَيَسُوغُ لَهُ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ مُحَاذَاتِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى مِيقَاتٍ آخَرَ لِأَجْلِ بُعْدِهِ مِنْ مَكَّةَ هَذَا شَيْءٌ لَا يَسْمَحُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا أَظُنُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ إشْكَالًا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُقْسَمَ مُحَاذَاةُ الْمِيقَاتَيْنِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَقْسَامِهِ مُحَاذَاةُ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا لَكِنْ يَعْتَذِرُ عَنْ هَذَا الْأَخِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مُحَاذَاتُهُمَا وَلَوْ فِيمَا يَئُولُ إلَيْهِ الْحَالُ، وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ بِأَنَّهُ يُحَاذِي بِصَدْرِهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا يَمْنَةٌ وَيَسْرَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُوَ فِيمَا مَرَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. سم وَانْظُرْ هَلْ يُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ، وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا عَلَى مَا إذَا جَاوَزَ ذَلِكَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا إلَخْ) لَا يُقَالُ الْمَوَاقِيتُ مُسْتَغْرِقَةٌ لِجِهَاتِ مَكَّةَ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ عَدَمُ مُحَاذَاتِهِ لِمِيقَاتٍ فَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْمُحَاذَاةِ فِي ظَنِّهِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُتَصَوَّرُ بِالْجَائِي مِنْ سَوَاكِنَ إلَى جُدَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِرَابِغٍ وَلَا بِيَلَمْلَمَ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَمَامَهُ فَيَصِلُ جُدَّةَ قَبْلَ مُحَاذَاتِهِمَا وَهِيَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ فَتَكُونُ هِيَ مِيقَاتُهُ اهـ. حَجّ فِي التُّحْفَةِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَمَامَهُ أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَوْنَ الْمِيقَاتِ أَمَامَهُ لَا يُعْتَبَرُ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ كَوْنُهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ (قَوْلُهُ إذْ لَا مِيقَاتَ أَقَلَّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ) بِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي حَاضِرِي الْحَرَمِ أَنَّ الْمَسَافَةَ مِنْهُ لَا مِنْ مَكَّةَ أَنْ تَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمَرْحَلَتَيْنِ هُنَا بَدَلٌ عَنْ أَقْرَبِ مِيقَاتٍ إلَى مَكَّةَ، وَأَقْرَبُ مِيقَاتٍ إلَيْهَا عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهَا لَا مِنْ الْحَرَمِ فَاعْتُبِرْت الْمَسَافَةُ مِنْ مَكَّةَ لِذَلِكَ اهـ. حَجّ فِي التُّحْفَةِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ أَرَادَهُ) عَطْفٌ عَلَى النَّفْيِ بِالنَّظَرِ لِإِحْدَى صُورَتَيْهِ وَهِيَ الثَّانِيَةُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَلِمَنْ دُونَ مِيقَاتٍ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَرَادَهُ، وَقَوْلُهُ مَحَلُّهُ أَيْ مَحَلُّ سَكَنِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَمَحَلُّ إرَادَتِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَمُحْتَرَزُ الْقَيْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ لَمْ يُجَاوِزْهُ مُرِيدُ نُسُكٍ أَمَّا إذَا جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ أَيْ فَمِيقَاتُهُ هُوَ الَّذِي جَاوَزَهُ فِي حَلَبَةِ الْإِرَادَةِ وَيُعْلَمُ تَفْصِيلُ حُكْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ إلَخْ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى بَيَانٌ لَمُحْتَرِزِ الْقَيْدِ الَّذِي قَبْلَهُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مَحَلُّهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مِيقَاتٌ آخَرُ وَإِلَّا كَأَهْلِ بَدْرٍ وَالصَّفْرَاءِ فَإِنَّهُمْ بَعْدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَقَبْلَ الْجُحْفَةِ فَمِيقَاتُهُمْ الثَّانِي وَهُوَ الْجُحْفَةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَهَذَا مَا انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ حَجّ فِي التُّحْفَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ م ر فِي شَرْحِهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا مَحَلُّهُ) فَلَوْ جَاوَزَهُ إلَى جِهَةِ
لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ
وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي مُرِيدِ الْعُمْرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْحَرَمِ (وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ دُونَ مِيقَاتٍ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ بَلَغَهُ (مُرِيدُ نُسُكٍ بِلَا إحْرَامٍ لَزِمَهُ عَوْدٌ) إلَيْهِ
ــ
[حاشية الجمل]
مَكَّةَ بِأَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَحَلٍّ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ نَظِيرَ مَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ هَذَا دَمُ إسَاءَةٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ حَاضِرٍ وَلَا غَيْرِهِ بِخِلَافِ دَمِ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ اهـ. حَجّ فِي التُّحْفَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ إلَخْ) جَوَابُ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ لَزِمَهُ عَوْدٌ نَاقِصٌ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَثِمَ وَلَزِمَهُ عَوْدٌ وَلَكِنَّهُ اتَّكَلَ فِي فَهْمِ هَذَا الْمَحْذُوفِ عَلَى مَا سَيَأْتِي لِعِلْمِهِ مِنْهُ، فَحِينَئِذٍ قَوْلُ الشَّارِحِ لَزِمَهُ مَعَ الْإِثْمِ لِلْمُجَاوَزَةِ فِيهِ قُصُورٌ، بَلْ يَأْثَمُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ عَدَمُ الْعَوْدِ لِجِهَتَيْنِ لِلْمُجَاوَزَةِ وَعَدَمِ الْعَوْدِ، بَلْ وَفِي الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَزِمَهُ عَوْدٌ مُرَادُهُ بِهِ الْعَوْدُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي النُّسُكِ فَإِذَا عَادَ بَعْدَهُ لَمْ يَأْتِ بِالْعَوْدِ الْوَاجِبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَأَمَّلْ،
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ حَجّ، وَإِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، وَإِنْ أَرَادَ إقَامَةً طَوِيلَةً بِبَلَدٍ قَبْلَ مَكَّةَ لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ غَيْرَ نَاوٍ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِهِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَمَّا إذَا جَاوَزَهُ مُرِيدًا الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ عَادَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِسَاءَةِ ارْتَفَعَ بِعَوْدِهِ وَتَوْبَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعُدْ وَبِهَذَا جَمَعَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَ قَوْلِ جَمْعٍ لَا تَحْرُمُ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ حُرْمَتَهَا أَيْ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا عَادَ بِالْفِعْلِ بَعْدَ أَنْ جَاوَزَ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعُدْ، وَإِنْ جَاوَزَ نَاوِيًا لِلْعَوْدِ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ مَا لَوْ جَاوَزَهُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَحَلِّ مَسَافَتِهِ إلَى مَكَّةَ مِثْلَ مَسَافَةِ ذَلِكَ الْمِيقَاتِ سَوَاءٌ كَانَ مِيقَاتًا أَوْ لَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْجَائِيَ مِنْ الْيَمَنِ فِي الْبَحْرِ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ مِنْ مُحَاذَاةِ يَلَمْلَمُ إلَى جُدَّةَ؛ لِأَنَّ مَسَافَتَهَا إلَى مَكَّةَ كَمَسَافَةِ يَلَمْلَمُ كَمَا صَرَّحُوا بِخِلَافِ الْجَائِي فِيهِ أَيْ الْبَحْرِ مِنْ مِصْرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ عَنْ مُحَاذَاةِ الْجُحْفَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ مِنْ الْبَحْرِ بَعْدَ الْجُحْفَةِ أَقْرَبُ إلَى مَكَّةَ مِنْهَا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ انْتَهَتْ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ إقَامَةً طَوِيلَةً إلَخْ يُوَضِّحُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَمَّالِ فِي شَرْحِ نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي لِلدِّمَاءِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ م ر مَا نَصُّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ مَعَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِبَنْدَرِ جُدَّةَ مَثَلًا شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَهَلْ يُبَاحُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ أَمْ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا مُرِيدًا نُسُكًا لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ بِبَنْدَرٍ بَعْدَ الْمِيقَاتِ شَهْرًا مَثَلًا لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْإِقَامَةَ بِالْبَنْدَرِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ اهـ. مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْجَمَّالِ،
وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْإِقَامَةَ إلَخْ مُرَادُهُ بِالْإِقَامَةِ الِاسْتِيطَانُ أَيْ إلَّا إنْ قَصَدَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْطِنَ بِالْبَنْدَرِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ قَدْ غَيَّرَ نِيَّتَهُ حَيْثُ كَانَ أَوَّلًا عَازِمًا عَلَى النُّسُكِ فَتَرَكَ هَذَا الْعَزْمَ وَنَوَى الِاسْتِيطَانَ بِجُدَّةِ مَثَلًا فَهَذِهِ النِّيَّةُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمِيقَاتِ تَقْطَعُ إرَادَةَ النُّسُكِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ تَجُزْ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ لِلْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِالنُّسُكِ الَّذِي أَرَادَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ، كَذَا قَالَ حَجّ وَغَيْرُهُ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ قِرَانًا فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ بَعْدَهُ بِالْحَجِّ تَرَتَّبَ الدَّمُ لِتَأَدِّي نُسُكِهِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا أَرَادَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ الْحَجَّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ أَوْ فِي هَذَا الْعَامِ لَكِنْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَلَوْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا فَأَحْرَمَ بِالثَّانِي فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ أَوْ لَا جَرَى فِي التُّحْفَةِ عَلَى اللُّزُومِ وَتِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى خِلَافِهِ، قَالَ لِقِيَامِ الْمَأْتِيِّ بِهِ مَقَامَ الْمَنْوِيِّ عَلَى خِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، إذْ الْمَحْذُورُ مُجَاوَزَةُ حَرِيمِ الْحَرَمِ وَهُوَ الْمِيقَاتُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ دُونَ مِيقَاتٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) الْغَيْرُ هُوَ مَنْ فَوْقَ الْمِيقَاتِ وَالدُّونُ يَشْمَلُ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِي الْحَرَمِ وَمَنْ هُوَ خَارِجَهُ وَدُونَ الْمِيقَاتِ وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ مِيقَاتَ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ مَحَلُّهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ بِلَا إحْرَامٍ لَزِمَهُ الدَّمُ وَإِنَّمَا لَزِمَ الدَّمُ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجَهُ وَدُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَمُ إسَاءَةٍ وَمُخَالَفَةٍ وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ نَحْوِ دَمِ التَّمَتُّعِ فَإِنَّهُ لِرِبْحِ الْمِيقَاتِ اهـ. مِنْ ابْنِ الْجَمَّالِ الْمَكِّيِّ (قَوْلُهُ مُرِيدُ نُسُكٍ) سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ قُبَيْلَ فَصْلِ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ قَصَدَ الْحَرَمَ لَا لِنُسُكٍ سُنَّ إحْرَامٌ بِهِ.
(قَوْلُهُ: لَزِمَهُ عَوْدٌ) وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْعَوْدِ مَاشِيًا بِلَا مَشَقَّةٍ أَوْ بِهَا لَكِنَّهَا تُحْتَمَلُ عَادَةً لَزِمَهُ وَلَوْ فَوْقَ مَرْحَلَتَيْنِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَفَارَقَ مَا مَرَّ بِتَعَدِّيهِ هُنَا اهـ. حَجّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُ عَوْدِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ عَادَ لَفَاتَ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ مَاشِيًا
أَوْ إلَى مِيقَاتِ مِثْلِهِ مَسَافَةً مُحْرِمًا أَوْ لِيُحْرِمَ مِنْهُ (إلَّا لِعُذْرٍ) كَضِيقِ وَقْتٍ عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهِ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ أَوْ انْقِطَاعِ رُفْقَةٍ أَوْ مَرَضٍ شَاقٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا (فَإِنْ لَمْ يَعُدْ) إلَى ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مُطْلَقًا أَوْ بِحَجٍّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ (أَوْ عَادَ) إلَيْهِ (بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِعَمَلِ نُسُكٍ) رُكْنًا كَانَ كَالْوُقُوفِ أَوْ سُنَّةً كَطَوَافِ الْقُدُومِ (لَزِمَهُ
ــ
[حاشية الجمل]
وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِالْمَشْيِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ أَوْ لَا قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ لُزُومُهُ وَنَظَرَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ الْمُتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قُلْنَاهُ فِي الْحَجِّ مَاشِيًا اهـ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ بَلْ الْمُتَّجِهُ لُزُومُ الْعَوْدِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِمَا تَعَدَّى فِيهِ فَأَشْبَهَ وُجُوبَ قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ قَدْ تَعَدَّى بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِ وَإِلَّا فَالْمُتَّجِهُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ إلَى مِيقَاتِ مِثْلِهِ مَسَافَةً) قَالَ حَجّ أَيْ أَوْ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ غَيْرِ مِيقَاتِ مِثْلِ الْمِيقَاتِ الَّذِي جَاوَزَهُ مَسَافَةً فَيَجْزِي الْعَوْدُ إلَى مِثْلِ مَسَافَةِ الْمِيقَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِيقَاتًا لَكِنْ عَبَّرَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ بِمِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ وَأَخَذَ بِمُقْتَضَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِمِيقَاتٍ اهـ. بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَادَ إلَى مِيقَاتٍ دُونَهُ مَسَافَةً فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الدَّمُ عَنْهُ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنْ سَقَطَ بِهِ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِمَا فَوَّتَهُ بِإِسَاءَتِهِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ إسَاءَةٍ بِخِلَافِ دَمِ التَّمَتُّعِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْضًا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ) بِأَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَدَخَلَ فِي الْمَالِ مَا لَوْ كَانَ الْقَدْرُ الَّذِي خَافَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الدَّمِ الَّذِي يَلْزَمُهُ حَيْثُ لَمْ يَعُدْ أَوْ دُونَهَا، وَقِيَاسُ مَا فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ خَافَ عَلَى مَالٍ يُسَاوِي ثَمَنَ مَاءِ الطَّهَارَةِ لَا يُعْتَبَرُ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ فَيَجِبُ الْعَوْدُ، وَإِنْ خَافَ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَا هُنَا إسْقَاطٌ لِمَا ارْتَكَبَهُ وَمَا فِي التَّيَمُّمِ طَرِيقٌ لِلطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهِيَ أَضْيَقُ مِمَّا هُنَا فَلَا يَجِبُ الْعَوْدُ وَلَا إثْمَ بِعَدَمِهِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: أَوْ انْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَةٍ) وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُجَرَّدَ الْوَحْشَةِ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَرَضٍ شَاقٍّ) أَيْ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً، وَإِنْ لَمْ يُبَحْ التَّيَمُّمُ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ) أَيْ أَعَمُّ مِنْ جِهَاتٍ ثَلَاثَةٍ، فَقَوْلُهُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ مِثْلُهُ الْعَوْدُ مُحْرِمًا، وَقَوْلُهُ مِنْهُ لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ مِثْلُهُ الْعَوْدُ إلَى مِيقَاتٍ آخَرَ مِثْلُهُ مَسَافَةً، وَقَوْلُهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ إلَخْ لَيْسَ قَيْدًا أَيْضًا، بَلْ مِثْلُهُمَا الْمَرَضُ الشَّاقُّ وَخَوْفُ الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مُطْلَقًا إلَخْ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْرِمْ بِمَا ذَكَرَ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَثِمَ بِالْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الدَّمِ إنَّمَا هُوَ لِنَقْصِ النُّسُكِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلِتَأَدِّي النُّسُكِ إلَخْ وَبِهِ يَتَّضِحُ أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ وَحْدَهَا غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلدَّمِ وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لَهُ النَّقْصُ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَقَدْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مُطْلَقًا) أَيْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ فِي سَنَةٍ أُخْرَى بَعْدَهَا فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا فَلَا دَمَ إذْ لُزُومُهُ لِنُقْصَانِ النُّسُكِ وَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِحَجٍّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فِي سَنَةٍ أُخْرَى غَيْرِ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ فَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ أَيْضًا إذْ إحْرَامُ سَنَةٍ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا اهـ. شَرْحُ م ر بِتَصَرُّفٍ وَجَرَى حَجّ عَلَى عَدَمِ التَّفْصِيلِ فِي الْحَجِّ فَجَعَلَهُ كَالْعُمْرَةِ حَيْثُ قَالَ لَزِمَهُ دَمٌ إنْ اعْتَمَرَ مُطْلَقًا أَوْ حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ فِي الْقَابِلَةِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْجَمَّالِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ أَنْ حَجَّ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ دَمَ الْمُجَاوَزَةِ انْحَلَّ بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْمَفْعُولَ حِينَئِذٍ لَا تَشْمَلُهُ إرَادَتُهُ السَّابِقَةُ عَامَ الْمُجَاوَزَةِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ انْحِلَالٌ، قَالَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ أَيْضًا فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الشَّرْحِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَزِمَهُ مَعَ الْإِثْمِ دَمٌ) اقْتَضَى كَلَامُهُ مُسَاوَاةَ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ فِيمَا لَوْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ بِهِ دُونَهُ وَلَمْ يَعُدْ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ. شَرْحُ م ر.
وَعِبَارَةُ حَجّ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ جَاوَزَهُ كَافِرٌ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ وَلَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ أَوْ قِنٌّ كَذَلِكَ ثُمَّ عَتَقَ وَأَحْرَمَ لَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ غَيْرُ أَهْلٍ لِلْإِرَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ وَمُجَاوَزَةُ الْوَلِيِّ بِمُوَلِّيهِ مُرِيدًا النُّسُكَ بِهِ فِيهَا الدَّمُ عَلَى الْأَوْجَهِ بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ انْتَهَتْ، وَقَوْلُهُ أَوْ قِنٌّ كَذَلِكَ أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الدَّمُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِي الصَّبِيِّ فَيُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُخْتَلِفِ فِي الْمَسْأَلَةِ. اهـ. م ر وَفِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ لِلسَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْإِيضَاحِ فَإِنْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ عَصَى إلَخْ مَا نَصُّهُ قُلْت وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ كَذَلِكَ فَلَوْ جَاوَزَتْ الْمِيقَاتَ مُرِيدَةً لِلنُّسُكِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَلَا دَمَ عَلَيْهَا، وَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُحْرِمَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَلَوْ نَوَى الْوَلِيُّ أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ لِلصَّبِيِّ فَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَلَمْ يَعْقِدْهُ لَهُ ثُمَّ عَقَدَهُ لَهُ فَفِي الدَّمِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا