الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ
(وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ) بِأَنْوَاعِهِ ثَمَانِيَةٌ أَحَدُهَا وَثَانِيهَا (سِتْرٌ) لِعَوْرَةٍ (وَطُهْرٌ) عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ وَعَنْ نَجَسٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ (فَلَوْ زَالَا) بِأَنْ عَرِيَ أَوْ أَحْدَثَ أَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ
ــ
[حاشية الجمل]
يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ الدُّخُولُ مُحْرِمًا فَدَخَلَ غَيْرَ مُحْرِمٍ عَصَى وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِفَوَاتِهِ كَمَا لَا يَقْضِي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إذَا جَلَسَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ حُكْمَ دُخُولِ الْحَرَمِ حُكْمُ دُخُولِ مَكَّةَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُرْمَةِ اهـ.
[فَصْلٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ]
أَيْ وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ حَمَلَ شَخْصٌ مُحْرِمًا إلَى آخِرِ الْفَصْلِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ) أَيْ الْأُمُورُ الَّتِي تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الطَّوَافِ عَلَيْهَا فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ وَالْفَرْضَ بِمَعْنًى وَقَوْلُهُمْ فِي تَخْصِيصِهَا إلَّا فِي الْحَجِّ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ إلَّا فِي الْحَجِّ خُصُوصُ إضَافَةِ الْوَاجِبَاتِ لِلْحَجِّ كَمَا لَوْ قَالُوا وَاجِبَاتُ الْحَجِّ كَذَا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهَا مَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَلَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْمُرَادِ تَعْبِيرُ م ر وحج هُنَا بِقَوْلِهِمَا: وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ لِلطَّوَافِ وَاجِبَاتٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَرْكَانًا أَمْ شُرُوطًا اهـ. لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنَاهُمَا وَلَا حَوَاشِيَهُمَا، الْبَعْضُ مِنْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ وَاَلَّذِي هُوَ شَرْطٌ تَأَمَّلْ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الطَّوَافُ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ حَتَّى الْوُقُوفَ اهـ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ أَفْضَلَهَا الْوُقُوفُ لِخَبَرِ:«الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَلِهَذَا لَا يَفُوتُ الْحَجُّ إلَّا بِفَوَاتِهِ وَلَمْ يَرِدْ غُفْرَانٌ فِي شَيْءٍ مَا وَرَدَ فِي الْوُقُوفِ فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالصَّلَاةِ وَقُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَالْوُقُوفُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ رُكْنًا لِلْحَجِّ لِفَوَاتِهِ بِهِ وَتَوَقُّفِ صِحَّتِهِ عَلَيْهِ وَاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالزَّرْكَشِيِّ عَلَى الثَّانِي اهـ. شَرْحُ م ر فِي مَبْحَثِ السَّعْيِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْوَاعِهِ) أَيْ السِّتَّةِ مِنْ قُدُومٍ وَرُكْنٍ وَوَدَائِعَ وَمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ فِي الْفَوَاتِ وَطَوَافِ نَذْرٍ وَتَطَوُّعٍ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ أَيْضًا بِأَنْوَاعِهِ) شَمِلَ طَوَافَ التَّطَوُّعِ وَقَضِيَّتُهُ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَكَوْنُهُ سَبْعًا أَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ فِيهِ بِشَوْطٍ أَوْ أَكْثَرَ أَيْ أَقَلَّ مِنْ السَّبْعِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَنُقِلَ عَنْ الْخَادِمِ أَنَّ لَهُ التَّطَوُّعَ بِذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْإِيعَابِ وَفِي حَدِيثٍ غَرِيبٍ «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ خَمْسِينَ مَرَّةً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرَّةِ الْأُسْبُوعُ وَإِلَّا لَاقْتَضَى جَوَازَ التَّطَوُّعِ بِطَوْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَحَدُهَا وَثَانِيهَا إلَخْ) جَمَعَهُمَا؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُمَا وَاحِدٌ وَلِأَجْلِ التَّفْرِيعِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ زَالَا إلَخْ وَلَا يُشْتَرَطَانِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ إلَّا فِي الطَّوَافِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الصَّلَاةِ) رَاجِعٌ لِلسِّتْرِ وَالطُّهْرِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه يَصِحُّ طَوَافُ الْمُحْدِثِ وَيَجِبُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ بَدَنَةٌ وَمَعَ الْحَدَثِ شَاةٌ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ زَالَا فِيهِ إلَخْ) هَذَا لَا يَصْلُحُ تَفْرِيعًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ إذَا عَلِمْت أَنَّ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ السِّتْرَ وَالطُّهْرَ فَإِذَا زَالَا فَحُكْمُهُ التَّجْدِيدُ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ. وَانْظُرْ لَوْ تَعَمَّدَ زَوَالَهُمَا هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا يَبْنِي أَوْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَبِهِ يُفَارِقُ غَيْرَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَبْطُلُ بِعُرُوضِ الْمَانِعِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ هُوَ الثَّانِي فَلْيُحَرَّرْ اهـ، شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ عَرِيَ) يُقَالُ عَرِيَ مِنْ ثِيَابِهِ بِالْكَسْرِ عُرْيًا بِالضَّمِّ فَهُوَ عَارٍ وَعُرْيَانُ وَالْمَرْأَةُ عُرْيَانَةُ اهـ. مُخْتَارٌ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ أَيْضًا بِأَنْ عَرِيَ) أَيْ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهِ كَأَنْ بَدَا شَيْءٌ مِنْ شَعْرِ رَأْسِ الْحُرَّةِ أَوْ ظُفْرٌ مِنْ يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا اهـ. شَرْحُ م ر. (مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورٌ الطَّبَلَاوِيُّ سُئِلَ شَيْخُنَا سم عَنْ امْرَأَةٍ شَافِعِيَّةِ الْمَذْهَبِ طَافَتْ لِلْإِفَاضَةِ بِغَيْرِ سُتْرَةٍ مُعْتَبَرَةٍ جَاهِلَةً بِذَلِكَ أَوْ نَاسِيَةً ثُمَّ تَوَجَّهَتْ إلَى بِلَادِ الْيَمَنِ فَنَكَحَتْ شَخْصًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا فَسَادُ الطَّوَافِ فَأَرَادَتْ أَنْ تُقَلِّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي صِحَّتِهِ لِتَصِيرَ بِهِ حَلَالًا وَتَتَبَيَّنَ صِحَّةَ النِّكَاحِ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَتَتَضَمَّنُ صِحَّةَ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَأَفْتَى بِالصِّحَّةِ وَأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمَّا سَمِعْت عَنْهُ ذَلِكَ اجْتَمَعْت بِهِ فَإِنِّي كُنْت أَحْفَظُ عَنْهُ خِلَافَهُ فِي الْعَامِ قَبْلَهُ، فَقَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَقَدَهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَأَشْبَاهُهَا كَثِيرَةٌ وَمُرَادُهُ بِأَشْبَاهِهَا كُلُّ مَا كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِذَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَصَحِيحٍ عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْحَالِ جَازَ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَائِلَ بِصِحَّتِهِ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا يَأْتِي فَيُرَتِّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ جِدًّا وَيَنْبَغِي أَنَّ إثْمَ الْإِقْدَامِ بَاقٍ حَيْثُ فَعَلَهُ عَالِمًا اهـ.
أَوْ مَطَافُهُ بِنَجِسٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ (فِيهِ) أَيْ فِي طَوَافِهِ (جَدَّدَ) السِّتْرَ وَالطُّهْرَ (وَبَنَى) عَلَى طَوَافِهِ وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ إذْ يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا كَكَثِيرِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ سَوَاءٌ أَطَالَ الْفَصْلَ أَمْ قَصُرَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ فِيهِ كَالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَكِنْ يُسَنُّ الِاسْتِئْنَافُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ السِّتْرِ وَالطُّهْرِ مَعَ الْقُدْرَةِ
ــ
[حاشية الجمل]
ع ش عَلَى م ر فِيمَا يَأْتِي فِي مَبْحَثِ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَلَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ بِنَحْوِ رِيحٍ فَسَتَرَهَا فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ قَطَعَ جُزْءًا مِنْ الطَّوَافِ حَالَ انْكِشَافِهَا فَهَلْ يُحْسَبُ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُغْتَفَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَطَافُهُ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَلَبَتُهَا مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي الْمَطَافِ وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَقِّقِينَ الْعَفْوَ عَنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ رَطْبَةً وَلَا يَتَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ، وَقَدْ عَدَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْبِدَعِ غَسْلَ بَعْضِ النَّاسِ الْمَطَافَ اهـ. شَرْحُ م ر.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ التُّحْفَةِ لحج نَعَمْ يُعْفَى أَيَّامَ الْمَوْسِمِ عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فِي الْمَطَافِ مِنْ نَجَاسَةِ الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَيْهَا وَلَمْ تَكُنْ رُطُوبَةٌ فِيهَا أَوْ فِي مُمَاسِّهَا كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمِنْ ثَمَّ عَدَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ غَسْلَ الْمَطَافِ مِنْ الْبِدَعِ (تَنْبِيهٌ)
لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ ذَرْقِ الطُّيُورِ وَغَيْرِهِ قَوْلَ جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ الْغَرَضُ غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ بِذَرْقِ الطَّيْرِ مُطْلَقًا وَبِغَيْرِهِ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ اهـ.؛ لِأَنَّ هَذَا الْغَرَضَ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ لَا غَيْرُ وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى النَّظَرِ لِمَا أَصَابَهُ فَإِنْ غَلَبَ عُفِيَ عَنْهُ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَا مُطْلَقًا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: جَدَّدَ وَبَنَى) مَحَلُّ الْبِنَاءِ فِي زَوَالِ الطُّهْرِ إذَا زَالَ بِغَيْرِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَالسُّكْرِ فَإِنْ زَالَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ سَوَاءٌ تَعَدَّى أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ قَصَدَ بِخُرُوجِ الثَّلَاثَةِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَقِيَ مَا لَوْ ارْتَدَّ هَلْ يَنْقَطِعُ طَوَافُهُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ بُطْلَانِ مَا مَضَى مِنْهُ سَوَاءٌ طَالَ أَوْ قَصُرَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى تَكْلِيفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ فَإِذَا أَسْلَمَ بَنَى عَلَى مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ بِنِيَّةٍ جَدِيدَةٍ لِبُطْلَانِ النِّيَّةِ الْأُولَى بِالرِّدَّةِ لَكِنْ سَيَأْتِي كَلَامُ الشَّارِحِ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا يَفْسُدُ الْحَجُّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ إلَخْ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَفَرَّقَ ثُمَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ يُمْكِنُ تَوْزِيعُهَا عَلَى أَعْضَائِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ بُطْلَانِ بَعْضِهَا بُطْلَانُ كُلِّهَا بِخِلَافِهَا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْزِيعُهَا عَلَى أَجْزَائِهِ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الطَّوَافَ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ لِشُمُولِ قَوْلِهِ كَغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ مِنْ الْعِبَادَاتِ لَهُ؛ وَلِأَنَّ نِيَّتَهُ لَا يُمْكِنُ تَوْزِيعُهَا عَلَى أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّ الْأُسْبُوعَ كَالرَّكْعَةِ وَهُوَ لَوْ نَوَى بَعْضَ رَكْعَةٍ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَا الطَّوَافُ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَبَنَى) الظَّاهِرُ أَنَّ الْبِنَاءَ كَأَصْلِ الطَّوَافِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ حَيْثُ لَمْ تُشْتَرَطْ لِأَصْلِهِ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ) الْمُرَادُ بِالتَّعَمُّدِ الِاخْتِيَارُ هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلِ إنَّهُ يَسْتَأْنِفُ حِينَئِذٍ كَالصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ بِأَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَخِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى التَّعَمُّدِ أَيْ إنْ قُلْنَا فِي التَّعَمُّدِ يَبْنِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ هُنَا أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَبْنِي وَهُوَ الضَّعِيفُ فَقَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا الْبِنَاءُ عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِهَا لِلْمَحَلِّيِّ وَفِي قَوْلٍ يَسْتَأْنِفُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الطَّوَافَ يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الصَّلَاةِ كَالْفِعْلِ الْكَثِيرِ وَالْكَلَامِ، وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَإِنْ قُلْنَا فِي التَّعَمُّدِ يَبْنِي فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا الْبِنَاءُ، وَسَوَاءٌ عَلَى الْبِنَاءِ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ مُوَالَاتُهُ وَفِي قَوْلٍ إنَّهَا وَاجِبَةٌ فَيَسْتَأْنِفُ فِي الطَّوَافِ بِلَا عُذْرٍ عَلَى هَذَا وَحَيْثُ لَا نُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ نَسْتَحِبُّهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّلَاةِ إلَخْ) غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى الضَّعِيفِ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَفِي قَوْلٍ يَسْتَأْنِفُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ فِيهِ كَالْوُضُوءِ) أُخِذَ مِنْهُ أَنَّ صَاحِبَ الضَّرُورَةِ يَجِبُ أَنْ يُوَالِيَ نَفْسَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي نَدْبُهُ لِتَوَسُّعِهِمْ فِيهِ. اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يُسَنُّ الِاسْتِئْنَافُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَبَنَى وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ أَيْضًا لِلتَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ سَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ أَمْ قَصُرَ بِالنِّسْبَةِ لِشِقِّهِ الْأَوَّلِ لِمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْمَحَلِّيِّ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَأَنَّهُ يُسَنُّ فِيهِ الِاسْتِئْنَافُ أَيْضًا خُرُوجًا مِنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مَعَ الْقُدْرَةِ) فَلَوْ عَجَزَ عَنْ السِّتْرِ طَافَ عُرْيَانًا، وَلَوْ لِلرُّكْنِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَوْ عَنْ الطَّهَارَةِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا فَفِيهِ اضْطِرَابٌ حَرَّرْته فِي الْحَاشِيَةِ، وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ عَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ أَنْ يَطُوفَ وَلَوْ لِلرُّكْنِ، وَإِنْ اتَّسَعَ وَقْتُهُ لِمَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ بِالتَّيَمُّمِ وَيَتَحَلَّلُ بِهِ وَإِذَا جَاءَ مَكَّةَ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ فِعْلِهِ تَجَرُّدٌ وَلَا غَيْرُهُ فَإِذَا مَاتَ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ بِشَرْطِهِ
أَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَفِي الْمُهِّمَّاتِ جَوَازُ الطَّوَافِ بِدُونِهِمَا إلَّا طَوَافَ الرُّكْنِ
ــ
[حاشية الجمل]
وَلَا يَجُوزُ طَوَافُ الرُّكْنِ وَلَا غَيْرُهُ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، بَلْ الْأَوْجَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ، وَلَوْ طَرَأَ حَيْضُهَا قَبْلَ طَوَافِ الرُّكْنِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا التَّخَلُّفُ لِنَحْوِ فَقْدِ نَفَقَةٍ أَوْ رُفْقَةٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهَا رَحَلَتْ إنْ شَاءَتْ ثُمَّ إذَا وَصَلَتْ لِمَحَلٍّ يَتَعَذَّرُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا مِنْهُ إلَى مَكَّةَ تَتَحَلَّلُ كَالْمُحْصَرِ وَيَبْقَى الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَرَّرَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَزِيدُ بَسْطٍ بَيَّنْته فِي الْحَاشِيَةِ وَأَنَّ الْأَحْوَطَ لَهَا أَنْ تُقَلِّدَ مَا يَرَى بَرَاءَةَ ذِمَّتِهَا بِطَوَافِهَا قَبْلَ رَحِيلِهَا. اهـ. حَجّ، وَقَوْلُهُ تَتَحَلَّلُ كَالْمُحْصَرِ قَضِيَّةُ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنَّهُ بِالتَّحَلُّلِ تَخْرُجُ مِنْ النُّسُكِ وَيَبْقَى بِتَمَامِهِ فِي ذِمَّتِهَا لَكِنْ قَوْلُهُ وَيَبْقَى الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا إلَخْ مُصَرَّحٌ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ الْبَاقِيَ فِي ذِمَّتِهَا مُجَرَّدُ الطَّوَافِ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ كَالْمُحْصَرِ بِالنِّسْبَةِ لِمُجَرَّدِ مَا تَتَحَلَّلُ بِهِ لَكِنْ الْأَوْجَهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالْإِتْيَانِ بِتَمَامِ النُّسُكِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ يَقْطَعُ النُّسُكَ وَيَخْرُجُ مِنْهُ اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَفِي الْمُهِّمَّاتِ إلَخْ) حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَارِيَ يَصِحُّ طَوَافُهُ مُطْلَقًا فِي أَنْوَاعِ الطَّوَافِ السِّتَّةِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَأَنَّ الْمُتَنَجِّسَ وَفَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ لَا يَصِحُّ طَوَافُهُمَا مُطْلَقًا وَأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ يَصِحُّ طَوَافُهُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ أَيْ الْمُتَيَمِّمِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الرُّكْنِ لَا يُعِيدُهُ، وَإِنْ كَانَ الرُّكْنَ أَعَادَهُ إنْ غَلَبَ وُجُودُ الْمَاءِ اهـ. شَيْخُنَا لِلشَّيْخِ عَبْدِ رَبِّهِ حَاصِلٌ آخَرُ قَالَ فِيهِ: وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ طَوَافَ الرُّكْنِ يَفْعَلُهُ بِالتَّيَمُّمِ حَيْثُ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ رَحِيلِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ لَا، ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى مَكَّةَ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إنْ كَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلَبَ الْفَقْدُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لَكِنْ ظَاهِرُ عِبَارَةِ م ر وُجُوبُهَا مُطْلَقًا وَإِذَا عَادَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ مَكَّةَ يَصِيرُ حَلَالًا بِالنِّسْبَةِ لِمُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَمُحْرِمًا بِالنِّسْبَةِ لِبَقَاءِ طَوَافٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ طَوَافِ الرُّكْنِ فَيَفْعَلُهُ بِالتَّيَمُّمِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ لَا يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ اهـ. م ر بِالْمَعْنَى، وَأَمَّا ذُو النَّجَاسَةِ فَلَا يَطُوفُ أَصْلًا لَا رُكْنًا وَلَا غَيْرَهُ، وَأَمَّا فَاقِدُ السِّتْرِ فَإِنَّهُ يَطُوفُ مُطْلَقًا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. اهـ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْقِيَاسَ مَنْعُ الْمُتَيَمِّمِ وَالْمُتَنَجِّسِ وَالْعَاجِزِ عَنْ الْمَاءِ مِنْ طَوَافِ الرُّكْنِ لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي فِعْلِهِ؛ وَلِأَنَّ وَقْتَهُ لَيْسَ مَحْدُودًا كَالصَّلَاةِ وَقَطَعَ فِي طَوَافِ النَّفْلِ وَالْوَدَاعِ بِأَنَّ لَهُ فِعْلَهُمَا مَعَ ذَلِكَ، وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ الْأَوْجَهَ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ أَنَّ لَهُ فِعْلَ طَوَافِ الرُّكْنِ بِالتَّيَمُّمِ لِفَقْدِ مَاءٍ أَوْ لِجُرْحٍ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ مَعَهُ الْإِعَادَةُ حَيْثُ لَمْ يُرْجَ الْبُرْءُ أَوْ الْمَاءُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهِ عَلَى وَجْهٍ مُجْزٍ عَنْ الْإِعَادَةِ لِشِدَّةِ الْمَشَقَّةِ فِي بَقَائِهِ مُحْرِمًا مَعَ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ وَتَجِبُ إعَادَتُهُ إذَا تَمَكَّنَ بِأَنْ عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا بِالنِّسْبَةِ لِإِبَاحَةِ الْمَحْظُورَاتِ لَهُ قَبْلَ الْعَوْدِ لِلضَّرُورَةِ إلَّا أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالنِّسْبَةِ لِبَقَاءِ الطَّوَافِ فِي ذِمَّتِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُعِيدُ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّوَافِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ وَلَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي طَوَافِ النَّفْلِ صَحِيحٌ أَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَالْأَقْرَبُ فِيهِ جَوَازُهُ بِالتَّيَمُّمِ أَيْضًا نَعَمْ يَمْتَنِعَانِ عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ كَطَوَافِ الرُّكْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ مَعَ النُّدْرَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي فِعْلِهِ وَإِنَّمَا فَعَلَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ مَعَ فَقْدِ الطَّهُورَيْنِ لِحُرْمَةِ وَقْتِهَا، وَالطَّوَافُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى ثُمَّ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْحَضَرِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَتِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِذَلِكَ أَيْ بِفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ وَبِالنَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى طُهْرِهَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَالْحَائِضِ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ مَنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الرُّكْنِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ حَتَّى تَطْهُرَ لَهَا أَنْ تَرْحَلَ فَإِذَا وَصَلَتْ إلَى مَحَلٍّ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ جَازَ لَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تَتَحَلَّلَ كَالْمُحْصَرِ وَتُحِلُّ حِينَئِذٍ مِنْ إحْرَامِهَا وَيَبْقَى الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنْ تَعُودَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ أَيْ الْعَوْدَ عَلَى التَّرَاخِي وَأَنَّهَا تَحْتَاجُ عِنْدَ فِعْلِهِ إلَى إحْرَامٍ لِخُرُوجِهَا مِنْ نُسُكِهَا بِالتَّحَلُّلِ بِخِلَافِ مَنْ طَافَ بِتَيَمُّمٍ تَجِبُ مَعَهُ الْإِعَادَةُ أَيْ إعَادَةُ الطَّوَافِ لِعَدَمِ تَحَلُّلِهِ حَقِيقَةً.
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ حَتَّى تَطُوفَ، قَالَ غَيْرُهُ إنَّهُ غَلَطٌ مِنْهُ انْتَهَتْ، وَقَوْلُهُ لِبَقَاءِ الطَّوَافِ فِي ذِمَّتِهِ أَيْ فَإِذَا مَاتَ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ بِشَرْطِهِ اهـ. حَجّ أَيْ
فَالْقِيَاسُ مَنْعُهُ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمُتَنَجِّسِ وَإِنَّمَا فُعِلَتْ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَهُوَ مَفْقُودٌ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ انْتَهَى، وَفِي جَوَازِ فِعْلِهِ فِيمَا ذُكِرَ بِدُونِهِمَا مُطْلَقًا نَظَرٌ وَقَوْلِي فَلَوْ زَالَا إلَى آخِرِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى (وَ) ثَالِثُهَا (جَعْلُهُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (مَارًّا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) فَيَجِبُ كَوْنُهُ خَارِجًا بِكُلِّ بَدَنِهِ عَنْهُ حَتَّى عَنْ شَاذَرْوَانِهِ وَحِجْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ مُسْلِمٍ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَإِنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ أَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى نَحْوَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لِمُنَابَذَتِهِ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ بِهِ
ــ
[حاشية الجمل]
وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَوْدِ وَلَمْ يَعُدْ وَأَنْ يُوجَدَ فِي تَرِكَتِهِ مَا يَفِي بِأُجْرَةِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَالْقِيَاسُ) أَيْ عَلَى الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَأَرَادَ فِعْلَهَا بِالتَّيَمُّمِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْوَقْتِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ، وَقَوْلُهُ مَنْعُهُ لِلْمُتَيَمِّمِ فِيهِ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ مُتَطَهِّرٌ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ الطُّهْرِ وَالسِّتْرِ إلَّا أَنْ يُرَادَ الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُتَنَجِّسِ) وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالْحَائِضِ فَيَخْرُجُ مَعَ رُفْقَتِهِ إلَى حَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ فَيَتَحَلَّلُ كَالْمُحْصَرِ فَإِذَا عَادَ إلَى مَكَّةَ أَحْرَمَ وَطَافَ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا فُعِلَتْ الصَّلَاةُ إلَخْ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَازُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ لِحُرْمَةِ مُفَارَقَتِهِ مَكَّةَ بِدُونِهِ حُرِّرَ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ) إشَارَةٌ إلَى جَامِعِ الْقِيَاسِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي جَوَازِ فِعْلِهِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهَذَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ أَطْلَقَ مَا عَدَا الرُّكْنِ فَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ جَوَازُهُ بِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَالْمُتَنَجِّسِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّوَافِ فَعَلَى الْإِسْنَوِيِّ اعْتِرَاضَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْمُسْتَثْنَى حَيْثُ قَالَ: فَالْقِيَاسُ مَنْعُهُ لِلْمُتَيَمِّمِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ لَهُ وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي الشَّارِحِ وَالْآخَرُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِيمَا ذَكَرَ أَيْ فِي حَالَةِ الْعَجْزِ، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ فِي أَقْسَامِ مَا عَدَا الرُّكْنِ فَيَكُونُ مَعْمُولًا لِلْجَوَازِ أَيْ بَلْ الْحَقُّ التَّفْصِيلُ كَمَا عَلِمْته، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ مُطْلَقًا صِفَةً لِلدُّونِ أَيْ دُونًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ تَنَجُّسًا أَوْ فَقْدَ طَهُورَيْنِ أَوْ تَيَمُّمًا، بَلْ الْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَهَذَا الْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ الْإِطْلَاقِ أَنْسَبُ بِالتَّفْصِيلِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ السَّابِقُ فَلَا يُقَابِلُ التَّفْصِيلَ إذْ التَّفْصِيلُ فِي الْفَاعِلِ وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمَفْعُولِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ طَوَافَ قُدُومٍ أَوْ وَدَاعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مَا عَدَا طَوَافِ الرُّكْنِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَهَكَذَا ظَهَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَهَارَةِ حَدَثٍ أَوْ خُبْثٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُقْسَمَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الطُّهْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَقَالَ ح ل قَوْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ أَيْ طَوَافُ غَيْرِ الرُّكْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَجَعْلُهُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَسْتَقْبِلُ شَيْئًا مِمَّا بَعْدَ الْحَجَرِ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ اهـ. سم قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْبَيْتُ عَنْ يَسَارِهِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَطُفْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْهُودِ كَأَنْ جَعَلَ رَأْسَهُ لِأَسْفَلَ وَرِجْلَيْهِ لِأَعْلَى أَوْ وَجْهَهُ لِلْأَرْضِ وَظَهْرَهُ لِلسَّمَاءِ وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْمُتَّجَهَ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِلشَّرْعِ وَقَيَّدَهُ الْجَوْجَرِيُّ تَبَعًا لِابْنِ النَّقِيبِ بِمَا إذَا قَدَرَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَشْرُوعَةِ، وَلَوْ قِيلَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا لَوْ طَافَ زَحْفًا أَوْ حَبْوًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَشْيِ وَلِوُجُودِ جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِ الْهَيْئَةِ الْوَارِدَةِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَجَعْلُهُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) شَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ طَافَ بِصَغِيرٍ حَامِلٍ لَهُ فَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِ الطِّفْلِ وَيَدُورُ بِهِ وَفِي حَجّ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ حَمْلُهُ إلَّا وَوَجْهُهُ أَوْ ظَهْرُهُ لِلْبَيْتِ صَحَّ طَوَافُهُ لِلضَّرُورَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا التَّقَلُّبُ عَلَى جَنْبَيْهِ يَجُوزُ طَوَافُهُ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ رَأْسُهُ لِلْبَيْتِ أَوْ رِجْلَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ هُنَا وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْمِلُهُ وَيَجْعَلُ يَسَارَهُ لِلْبَيْتِ وَإِلَّا لَزِمَهُ، وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ فَاضِلَةٍ عَمَّا مَرَّ فِي نَحْوِ قَائِدِ الْأَعْمَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الطِّفْلِ الْمَحْمُولِ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَفِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ مَسْأَلَةُ الطَّوَافِ يَمِينٌ أَوْ يَسَارٌ الْجَوَابُ يَسْرِي إلَى ذِهْنِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ اشْتِرَاطِنَا جَعْلَ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِ الطَّائِفِ أَنَّ الطَّوَافَ يَسَارٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ يَمِينٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الطَّائِفَ عَنْ يَمِينِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عَنْ يَسَارِ شَيْءٍ فَذَلِكَ الشَّيْءُ عَنْ يَمِينِهِ الثَّانِي أَنَّ مَنْ اسْتَقْبَلَ شَيْئًا ثُمَّ أَرَادَ الْمَشْيَ بِجِهَةِ يَمِينِهِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَنْ يَسَارِهِ قَطْعًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ ثُمَّ مَشَى عَنْ يَمِينِهِ» اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى مِنْ شَاذَرْوَانِهِ وَحَجَرِهِ) الشَّاذَرْوَانُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْخَارِجُ عَنْ عَرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ لِضِيقِ النَّفَقَةِ وَهُوَ كَمَا فِي الْمَنَاسِكِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَصْحَابِ ظَاهِرٌ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوا رَفْعَهُ لِتَهْوِينِ الِاسْتِلَامِ وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَائِشَةَ «سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجِدَارِ - وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ - عَنْ الْحِجْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ فَمَا بَالُهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ إنَّ قَوْمَك قَصُرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قَالَتْ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ فَعَلَ
وَالْحِجْرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَيُسَمَّى حَطِيمًا الْمُحَوَّطُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ بِجِدَارٍ قَصِيرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الرُّكْنَيْنِ فَتْحَةٌ.
(وَ) رَابِعُهَا (بَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ)
ــ
[حاشية الجمل]
ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجِدَارَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أَلْصَقَ بَابَهُ فِي الْأَرْضِ لَفَعَلْت» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ، قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ، لَكِنْ الصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي فِيهِ مِنْ الْبَيْتِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ تَتَّصِلُ بِالْبَيْتِ وَقِيلَ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ وَلَفْظُ الْمُخْتَصَرِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الطَّوَافُ خَارِجَهُ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا طَافَ خَارِجَ الْحِجْرِ اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ مُعْتَمَدٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِ الْبَيْتِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ حَجّ وَعِبَارَتُهُ وَهُوَ مِنْ الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ وَالْيَمَانِيَّةِ، وَكَذَا مِنْ جِهَةِ الْبَابِ، كَمَا حَرَّرْته فِي الْحَاشِيَةِ فَفِي مُوَازَاتِهِ الْآتِيَةِ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا عِنْدَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْقَوَاعِدِ يُرَدُّ بِأَنَّ كَوْنَهُ كَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ النَّقْصَ مِنْ عَرْضِهِ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الْبِنَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالشَّاذَرْوَانِ فِي الْجَمِيعِ فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّهَا عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ الْيَمَانِيِّ انْتَهَتْ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا حَتَّى عَنْ شَاذَرْوَانِهِ) هُوَ بَعْضُ جِدَارِ الْبَيْتِ نَقَصَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما مِنْ عَرْضِ الْأَسَاسِ لَمَّا وَصَلَ أَرْضَ الْمَطَافِ لِمَصْلَحَةِ الْبِنَاءِ ثُمَّ سُنِّمَ بِالرُّخَامِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعَامَّةِ كَانَ يَطُوفُ عَلَيْهِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَالْحِجْرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ) أَيْ لَا غَيْرُ، وَكَذَا حِجْرُ الثَّوْبِ وَأَمَّا الْحَجْرُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْمَنْعِ فَمُثَلَّثُ الْحَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجْرِ وَتَقَدَّمَ فِيهِ كَلَامٌ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ فَرَاجِعْهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَلِلْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ سَبْعُ مَعَانٍ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
رَكِبْت حِجْرًا وَطُفْت الْبَيْتَ خَلْفَ الْحِجْرِ
…
وَحُزْت حِجْرًا عَظِيمًا مَا دَخَلْت الْحِجْرَ
لِلَّهِ حِجْرٌ مَنَعَنِي مِنْ دُخُولِ الْحِجْرِ
…
مَا قُلْت حِجْرًا وَلَوْ أُعْطِيت مِلْءَ الْحِجْرِ
فَقَوْلُهُ رَكِبْت حِجْرًا أَيْ فَرَسًا، وَقَوْلُهُ خَلْفَ الْحِجْرِ أَيْ حِجْرِ إسْمَاعِيلَ، وَقَوْلُهُ وَحُزْت حِجْرًا أَيْ عَقْلًا، وَقَوْلُهُ مَا دَخَلْت الْحِجْرَ أَيْ حِجْرَ ثَمُودَ، وَقَوْلُهُ لِلَّهِ حِجْرٌ أَيْ مَنْعٌ، وَقَوْلُهُ مِنْ دُخُولِ الْحِجْرِ أَيْ حِجْرِ ثَمُودَ، وَقَوْلُهُ مَا قُلْت حِجْرًا أَيْ كَذِبًا، وَقَوْلُهُ مِلْءَ الْحِجْرِ أَيْ حِجْرِ الثَّوْبِ اهـ. ش خ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى حَطِيمًا) وَكَانَ زَرِيبَةً لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ أَنَّهُ دُفِنَ فِيهِ، لَكِنْ الْأَشْهَرُ أَنَّ الْحَطِيمَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَمَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ كَمَا يَأْتِي فِي اللِّعَانِ أَفْضَلُ مَحَلٍّ بِالْمَسْجِدِ بَعْدَ الْكَعْبَةِ. اهـ. حَجّ، وَقَوْلُهُ وَكَانَ زَرِيبَةً لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ قَدْ يُشْكِلُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ مَسْجِدٌ وَيَمْتَنِعُ إيوَاءُ الدَّوَابِّ فِيهِ الْمُسْتَلْزِمُ لِتَنْجِيسِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَعَلَّ هَذَا الْحُكْمَ فِيهِ ثَابِتٌ فِي شَرْعِ إسْمَاعِيلَ عليه الصلاة والسلام أَوْ لَعَلَّ الْإِيوَاءَ كَانَ فِي بَعْضِهِ اهـ. سم عَلَيْهِ وَيُجَابُ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَهُوَ أَنَّ جَعْلَ إسْمَاعِيلَ هَذَا الْمَوْضِعَ زَرِيبَةً إنَّمَا كَانَ قَبْلَ بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَأَمَّا بَعْدَ بِنَائِهِ فَكَانَ دَاخِلًا فِيهِ وَجُزْءًا مِنْهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ جَعْلُهُ زَرِيبَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَانَ الْمَحَلُّ فَضَاءً كَسَائِرِ الْبِقَاعِ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَيْتُ اللَّهِ تَأَمَّلْ.
(تَنْبِيهٌ)
الظَّاهِرُ فِي وَضْعِ الْحِجْرِ الْمَوْجُودِ الْآنَ أَنَّهُ عَلَى الْوَضْعِ الْقَدِيمِ فَتَجِبُ مُرَاعَاتُهُ وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ نَعَمْ فِي كُلٍّ مِنْ فَتْحَتَيْهِ فَجْوَةٌ نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ذِرَاعٍ بِالْحَدِيدِ خَارِجَةٌ عَنْ سَمْتِ رُكْنِ الْبَيْتِ بِشَاذَرْوَانِهِ وَدَاخِلَةٌ فِي سَمْتِ حَائِطِ الْحِجْرِ فَهَلْ تُغَلَّبُ الْأُولَى فَيَجُوزُ الطَّوَافُ فِيهَا أَوْ الثَّانِيَةُ فَلَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالِاحْتِيَاطُ الثَّانِي وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي الرَّفْرَفِ الَّذِي بِحَائِطِ الْحِجْرِ هَلْ هُوَ مِنْهُ أَوْ لَا؟ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ جَمَاعَةَ حَرَّرَ عَرْضَ جِدَارِ الْحِجْرِ بِمَا لَا يُطَابِقُ الْخَارِجَ الْآنَ إلَّا بِدُخُولِ ذَلِكَ الرَّفْرَفِ فَلَا يَصِحُّ طَوَافُ مَنْ جَعَلَ أُصْبُعَهُ عَلَيْهِ وَلَا مَنْ مَسَّ جِدَارَ الْحِجْرِ الَّذِي تَحْتَ ذَلِكَ الرَّفْرَفِ، وَقَدْ أَطْلَقَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وُجُوبَ الْخُرُوجِ عَنْ جِدَارِ الْحِجْرِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَرَأَيْته يُخَالِفُ ابْنَ جَمَاعَةَ وَالْأَزْرَقِيَّ وَغَيْرَهُمَا فِي أُمُورٍ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِالْحِجْرِ لَا حَاجَةَ بِنَا الْآنَ إلَى تَحْرِيرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِصِحَّةِ الطَّوَافِ بَعْدَ تَمْهِيدِ وُجُوبِ الْخُرُوجِ عَنْ كُلِّ الْحِجْرِ وَحَائِطِهِ اهـ. حَجّ
(قَوْلُهُ: وَبَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) وَارْتِفَاعُهُ عَنْ أَرْضِ الْمَسْجِدِ فِي الْمَطَافِ ذَرِعَانِ وَنِصْفٌ تَقْرِيبًا وَهُوَ يَاقُوتَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَم وَرُوِيَ أَنَّ آدَمَ عليه الصلاة والسلام لَمَّا أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ هَبَطَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ كَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ فَوَضَعَهُ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَكَانَ يُضِيءُ بِاللَّيْلِ كَأَنَّهُ الْقَمَرُ فَحَيْثُ بَلَغَ
مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِجُزْئِهِ فِي مُرُورِهِ
ــ
[حاشية الجمل]
ضَوْءُهُ كَانَ مِنْ الْحَرَمِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِجُزْئِهِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِبَعْضِهِ فِي مُرُورِهِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِجَمِيعِ بَدَنِهِ أَيْ بِجَمِيعِ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِأَنْ لَا يُقَدِّمَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ وَاكْتَفَى بِمُحَاذَاتِهِ بَعْضَهُ كَمَا يَكْتَفِي بِتَوَجُّهِهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ لِجُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَصِفَةُ الْمُحَاذَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ بِجَانِبِ الْحَجَرِ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِهِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ مَارًّا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ وَتَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ، قَالَ: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الطَّوَافِ يَجُوزُ مَعَ اسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُرُورِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَذَلِكَ سُنَّةٌ فِي الطَّوْفَةِ الْأُولَى لَا غَيْرُ، بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا غَيْرُ الِاسْتِقْبَالِ الْمُسْتَحَبِّ عِنْدَ لِقَاءِ الْحَجَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّوَافِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ قَطْعًا وَسُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَإِذَا اسْتَقَلَّ لِنَحْوِ دُعَاءٍ فَلْيَحْتَرِزْ عَنْ أَنْ يَمُرَّ مِنْهُ أَدْنَى جُزْءٍ قَبْلَ عَوْدِهِ إلَى جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ وَيُقَاسُ بِالْحَجَرِ فِيمَا تَقَرَّرَ مَنْ يَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَّ، وَلَوْ أُزِيلَ الْحَجَرُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ لِمَحَلِّهِ مَا وَجَبَ لَهُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ الرُّكْنُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ طَوَافِ الرَّاكِبِ وَمَنْ فِي السَّطْحِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ حَيْثُ وَجَبَتْ لِمَا تَجِبُ مُحَاذَاتُهُ مِنْ الْحَجَرِ ثُمَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ مِنْ إجْزَاءِ الِانْفِتَالِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ جَمِيعِ الْحَجَرِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ خِلَافَهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ مَا لَوْ يَتَوَسَّعُوا فِي دَوَامِهِ، وَلَوْ حَاذَى بِجَمِيعِ الْبَدَنِ بَعْضَ الْحَجَرِ دُونَ بَعْضٍ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ حَاذَاهُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَبَعْضُهُ مُجَاوِزٌ إلَى جَانِبِ الْبَابِ لَمْ يُعْتَدُّ بِطَوْفَتِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِيهِمَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي الْأَوَّلِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَظَاهِرٌ كَمَا أَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُحَاذَاةِ الْحَجَرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اسْتِقْبَالُهُ، وَإِنْ عَدِمَ الصِّحَّةَ فِي الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ الْمُرُورِ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى الْحَجَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِقْبَالِهِ الْمُقَيَّدِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُقَدِّمُ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ الْمَذْكُورِ اهـ. شَرْحُ م ر.
وَفِي حَجّ مَا نَصُّهُ وَيَنْبَغِي لِمُقَبِّلِ الْحَجَرِ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ حَالَ التَّقْبِيلِ فِي هَوَاءِ الْبَيْتِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ إنْ ثَمَّ شَاذَرْوَنًا فَمَتَى زَالَتْ قَدَمُهُ عَنْ مَحَلِّهَا قَبْلَ اعْتِدَالِهِ كَانَ قَدْ قَطَعَ جُزْءًا مِنْ الْبَيْتِ وَهُوَ فِي هَوَائِهِ فَلَا يُحْسَبُ لَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مُسْتَلِمِ الْيَمَانِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا مُحَاذِيًا لَهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَصِفَةُ الْمُحَاذَاةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ بِجَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي إلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِهِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ مَارًّا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ وَتَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ، قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الطَّوَافِ يَجُوزُ مَعَ اسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُرُورِهِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَخْ انْتَهَتْ، فَقَوْلُهُ إذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِانْفِتَالَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عِنْدَ الِانْفِتَالِ أَنْ يُحَاذِيَ يَسَارَهُ جُزْءًا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، بَلْ يَكْفِي مُحَاذَاتُهُ حِينَئِذٍ لِأَوَّلِ مَا يُجَاوِزُ الْحَجَرَ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ، وَقَدْ فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ حَيْثُ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ فِيهِ تَخَلُّفَ جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ فِي بَعْضِ الطَّوَافِ انْتَهَى، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ فِي مَنَاسِكِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الطَّوَافِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَأَمَّا جَوَابُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَنْ نَظَرِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّوَافِ إنَّمَا تُوجَدُ عِنْدَ الِانْحِرَافِ عَنْ مُحَاذَاةِ طَرَفِ الْحَجَرِ وَهُوَ حِينَئِذٍ قَدْ حَاذَاهُ يَسَارُهُ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ مِنْ التَّخَلُّفِ اهـ. فَهُوَ لَا يُوَافِقُ مَا ذُكِرَ عَنْ الْمَنَاسِكِ الْمُصَرِّحَ كَمَا لَا يَخْفَى بِأَنَّ مَا قَبْلَ الِانْحِرَافِ مَحْسُوبٌ مِنْ الطَّوَافِ وَالظَّاهِرُ جِدًّا فِي أَنَّ الِانْفِتَالَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْحَجَرِ نَعَمْ قَدْ يُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ إلَخْ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الِانْفِتَالَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ الْيَسَارُ مُحَاذِيًا لِشَيْءٍ مِنْ الْحَجَرِ لَمْ يَصِحَّ هَذَا إذْ لَا يَصِحُّ ابْتِدَاؤُهُ أَوَّلًا بِجَعْلِ الْمُجَاوَزَةِ لِلْحَجَرِ فَقَطْ عَنْ يَسَارِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا إلَخْ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ أَيْ بِشَرْطِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ وَاقْتَصَرَ عَلَى جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ بِشَرْطِهِ فَلَيْسَتْ الْإِشَارَةُ إلَى جَمِيعِ مَا فِي قَوْلِهِ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ إلَخْ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِأَنَّ مُرَادَهُ ذَلِكَ تَعْبِيرُ ابْنِ النَّقِيبِ عَنْهُ فِي
(بِبَدَنِهِ) لِلِاتِّبَاعِ وَيُسَنُّ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ الْبَيْتَ أَوَّلَ طَوَافِهِ وَيَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي لِجِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ كُلُّ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَمُرُّ مُتَوَجِّهًا لَهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ وُجُوبِ جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ (فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِهِ) كَأَنْ بَدَأَ بِالْبَابِ (لَمْ يُحْسَبْ) مَا طَافَهُ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ وَلَوْ أُزِيلَ الْحَجَرُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ مُحَاذَاةُ مَحَلِّهِ وَيُسَنُّ حِينَئِذٍ اسْتِلَامُ مَحَلِّهِ وَتَقْبِيلُهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ وَقَوْلِي أَوْ لِجُزْئِهِ مِنْ زِيَادَتِي (وَ) خَامِسُهَا (كَوْنُهُ سَبْعًا) وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ زَاحِفًا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَوْ تَرَكَ مِنْ السَّبْعِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ (وَ) سَادِسُهَا كَوْنُهُ (فِي الْمَسْجِدِ) وَإِنْ وَسِعَ
ــ
[حاشية الجمل]
مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا وَتَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ اهـ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ مُتَأَمِّلٍ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَجْمُوعِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا إنْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً فِي أَنَّ الِانْفِتَالَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ وَأَنَّ عِبَارَةَ الْمَنَاسِكِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ مَا قَبْلَ الِانْفِتَالِ مَحْسُوبٌ مِنْ الطَّوَافِ عَلَى وَفْقِ مَا فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَأَنَّ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا إلَخْ لَا يَدُلُّ دَلَالَةً مُعْتَدًّا بِهَا عَلَى مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِهِ وَقُرْبِ حَمْلِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَيْك مُخَالَفَةُ مَا فِي هَذَا الشَّرْحِ لِمَا تَقَرَّرَ عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ مِنْ أَنَّ أَوَّلَ الطَّوَافِ إنَّمَا هُوَ الِانْحِرَافُ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ هُنَا وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الطَّوَافِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِمَا قَبْلَ الِانْحِرَافِ أَيْضًا اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا مُحَاذِيًا لَهُ) أَيْ إنْ كَانَ مَنْكِبُهُ الْأَيْسَرُ عَرِيضًا، وَقَوْلُهُ أَوْ لِجُزْئِهِ أَيْ إنْ كَانَ مَنْكِبُهُ هَزِيلًا جِدًّا اهـ. شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ قَوْلُهُ أَوْ لِجُزْئِهِ أَيْ بِأَنْ كَانَ نَحِيفًا وَحَاذَى بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْحَجَرِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا مُحَاذِيًا لَهُ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَشْمَلُ الزَّاحِفَ وَالرَّاكِبَ اهـ. قَلْيُوبِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
(قَوْلُهُ: بِبَدَنِهِ) أَيْ بِجَمِيعِ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِأَنْ لَا يُقَدِّمَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ اهـ شَرْحُ م ر وَخَالَفَهُ حَجّ فَقَالَ (تَنْبِيهٌ)
يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشِّقِّ الْأَيْسَرِ أَعْلَاهُ الْمُحَاذِي لِلصَّدْرِ وَهُوَ الْمَنْكِبُ فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهُ بِهَذَا وَحَاذَاهُ بِمَا تَحْتَهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ لَمْ يَكْفِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: انْفَتَلَ) أَيْ انْصَرَفَ وَانْحَرَفَ جَاعِلًا الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ) أَيْ وَهُوَ مُسْتَحْضِرٌ لِلنِّيَّةِ حَيْثُ وَجَبَتْ حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مِنْ إدْرَاكِ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَيَزُولُ قَطْعًا بِحَسَبِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ فَيَكُونُ وَاجِبًا فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ سَبْعًا) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فِي الْعَدَدِ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ كَعَدَدِ الصَّلَاةِ فَإِذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ طَافَ سَبْعًا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّهُ سِتٌّ سُنَّ لَهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَجَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَيُفَارِقُ عَدَدَ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الرَّكَعَاتِ مُبْطِلٌ بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ مُحَاذَاتِهِ شَيْئًا مِنْ الْحَجَرِ بَعْدَ الطَّوْفَةِ السَّابِقَةِ مِمَّا حَاذَاهُ أَوَّلًا اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ فَلَوْ شَكَّ أَيْ قِبَلَ الْفَرَاغِ فِي الْعَدَدِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَشَرْحِهِ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْعَدَدِ قَبْلَ تَمَامِهِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ إجْمَاعًا، وَإِنْ ظَنَّ خِلَافَهُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ شَكَّ فِي الْفَاتِحَةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ تَمَامِهَا أَثَّرَ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ لَمْ يُؤَثِّرْ اهـ. وَقَوْلُهُ سُنَّ لَهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَشَرْحِهِ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِالْإِتْمَامِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى إخْبَارِهِمَا، بَلْ وَلَا إلَى إخْبَارِ مَا زَادَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَثُرُوا وَنَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ أَوْ أَخْبَرَاهُ أَوْ عَدْلٌ وَاحِدٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَجْمُوعِ جَزَمَ بِهِ وَتَبِعُوهُ بِالنَّقْصِ عَنْ السَّبْعِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ أَتَمَّهَا نُدِبَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَبُولُهُمَا بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا غَيْرُ مُبْطِلَةٍ فَلَا مَحْذُورَ فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِهِمَا مُطْلَقًا بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى وَمِنْهُ يَظْهَرُ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِالْإِخْبَارِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ وَحَصَلَ بِهِ شَكٌّ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ فَلَوْ شَكَّ إلَخْ لَكِنْ هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّارِحِ إلَّا إنْ أَوْرَثَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا يُؤَثِّرُ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمِ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا) كَذَا عَبَّرَ م ر وَهَذِهِ الْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ لَكِنْ لَا مَوْقِعَ لَهَا هُنَا إذْ لَا عَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَدَدِ حَتَّى يُعَمَّمَ بِهَا فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَابْنُ حَجَرٍ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَقِلًّا لَا عَلَى سَبِيلِ الْغَايَةِ، فَقَالَ وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا إلَخْ لَكِنْ عَلَيْهِ الْمُؤَاخَذَةُ مِنْ حَيْثُ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ هُنَا أَيْ فِي مَقَامِ بَيَانِ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ تَعْمِيمٌ فِي الرَّاكِبِ وَالزَّاحِفِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمَسْجِدِ) أَلْ فِي كَلَامِهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ أَيْ فِي الْمَسْجِدِ الْمَوْجُودِ الْآنَ أَوْ حَالَ الطَّوَافِ لَا مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ وَسِعَ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالْحَرَمِ فَلَوْ وَسِعَ الْمَسْجِدُ حَتَّى بَلَغَ الْحِلَّ وَصَارَتْ حَاشِيَتُهُ فِي الْحِلِّ وَطَافَ بِهَا لَمْ يَصِحَّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَرَمِ مَعَ الْمَسْجِدِ اهـ. ح ل وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُنَا فِي مِعْرَاجِهِ وَلَمْ نَعْلَمْ ابْتِدَاءَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَلَا وَاقِفَهُ وَلَا مَسْجِدِيَّتَهُ إلَّا بِإِخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ مِقْدَارُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِقَدْرِ الْمَطَافِ الْآنَ ثُمَّ وُسِّعَ وَأَوَّلُ مَنْ وَسَّعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاِتَّخَذَ لَهُ جِدَارًا ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه -
أَوْ كَانَ الطَّوَافُ عَلَى السَّطْحِ وَلَوْ مُرْتَفِعًا عَنْ الْبَيْتِ أَوْ حَالَ حَائِلٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْبَيْتِ كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي (وَ) سَابِعُهَا (نِيَّتُهُ) أَيْ الطَّوَافِ (إنْ اسْتَقَلَّ) بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ (وَ) ثَامِنُهَا (عَدَمُ صَرْفِهِ) لِغَيْرِهِ كَطَلَبِ غَرِيمٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ صَرَفَهُ انْقَطَعَ لَا إنْ نَامَ فِيهِ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تُنْقِضُ الْوُضُوءَ وَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَسُنَنُهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي كُلِّهِ) وَلَوْ امْرَأَةً لَا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ أَشْبُهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ وَيُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ الزَّحْفُ لَا الرُّكُوبُ
ــ
[حاشية الجمل]
عَنْهُ ثُمَّ عُمَرُ سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ اشْتَرَى دُورًا وَزَادَهَا فِيهِ وَاِتَّخَذَ لَهُ جِدَارًا قَصِيرًا دُونَ الْقَامَةِ ثُمَّ عُثْمَانُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَاِتَّخَذَ لَهُ الْأَرْوِقَةَ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ثُمَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ ثُمَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثُمَّ الْمَنْصُورُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ ثُمَّ الْمَهْدِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَلَمْ يُتِمَّهُ فَتَمَّمَهُ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْهَادِي وَزَادَ فِي بَعْضِ جِهَاتِهِ بِحَيْثُ جَعَلَهُ مُرَبَّعًا بَيْنَ جِدَارِهِ وَجِدَارِ الْكَعْبَةِ تِسْعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثُمَّ زَادَ فِيهِ الْمَأْمُونُ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَمِائَتَيْنِ بَعْدَ الْمَهْدِيِّ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَتْقَنَ بُنْيَانَهُ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْآنَ وَبِنَاءُ السَّلَاطِينِ بَعْدَهُ إمَّا تَجْدِيدٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِيهِ أَوْ إصْلَاحٌ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ الْمِنْبَرَ مُوسَى بْنُ عِيسَى عَامِلُ هَارُونَ الرَّشِيدِ وَأَوَّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ مِنْ دَاخِلِهَا قُصَيٌّ جَدُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَنَاهَا ثُمَّ كَسَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِالْقَبَاطِيِّ مِنْ خَارِجِهَا ثُمَّ أَبْدَلَهَا السُّلْطَانُ فَرَجُ بْنُ بَرْقُوقٍ فِي خِلَافَتِهِ بِالْكِسْوَةِ السَّوْدَاءِ مِنْ خَارِجِهَا وَاسْتَمَرَّتْ إلَى الْآنَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الطَّوَافُ عَلَى السَّطْحِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر أَوْ كَانَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ ارْتَفَعَ عَنْ الْبَيْتِ كَالصَّلَاةِ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ مَعَ ارْتِفَاعِهِ عَنْ الْبَيْتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ فُرِّقَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الصَّلَاةِ جِهَةُ بِنَائِهَا فَإِذَا عَلَا كَانَ مُسْتَقْبِلًا وَالْمَقْصُودَ فِي الطَّوَافِ نَفْسُ بِنَائِهَا فَإِذَا عَلَا لَمْ يَكُنْ طَائِفًا بِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي) لَكِنْ يُكْرَهُ الطَّوَافُ حِينَئِذٍ، بَلْ يُكْرَهُ خَارِجَ الْمَطَافِ، وَلَوْ بِدُونِ حَائِلٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَذَاهِبِ يَرَى بُطْلَانَهُ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمَطَافِ هـ حَجّ بِتَصَرُّفٍ.
(قَوْلُهُ: وَسَابِعُهَا نِيَّتُهُ إلَخْ) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَسَابِيعَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ أَيْ فِي التَّطَوُّعِ وَأَنَّهُ لَوْ نَوَى قَدْرًا وَأَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ كَالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَلْيُحَرَّرْ، وَفِي فَتَاوَى الشِّهَابِ م ر مَا نَصُّهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي النَّفْلِ؟ الْجَوَابُ أَنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ إنَّمَا يَكْفِي لِأُسْبُوعٍ وَاحِدٍ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَنِيَّتُهُ إنْ اسْتَقَلَّ) النِّيَّةُ الَّتِي يَفْصِلُ فِيهَا بَيْنَ الِاسْتِقْلَالِ وَعَدَمِهِ مَعْنَاهَا قَصْدُ الْفِعْلِ عَنْ الطَّوَافِ أَمَّا مُطْلَقُ قَصْدِ أَصْلِ الْفِعْلِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى فِي طَوَافِ النُّسُكِ اهـ. حَجّ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ أَصْلِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الدَّوَرَانُ وَأَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْفِعْلِ عَنْهُ أَيْ مِنْ الطَّوَافِ فَلَا يَكْفِي مُطْلَقُ الدَّوَرَانِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ كَوْنِهِ طَوَافًا أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ قَاصِدًا لِلْفِعْلِ مِنْ أَصْلِهِ وَلَا مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ أَصْلِ الْفِعْلِ تَأَمَّلْ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم فَقَالَ قَوْلُهُ قَصْدُ الْفِعْلِ عَنْ الطَّوَافِ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَالنَّذْرِ أَوْ الْفَرْضِيَّةِ فِي النَّذْرِ وَكَكَوْنِهِ وَدَاعًا فِي الْوَدَاعِ وَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَنَظَائِرِهِ كَالِاعْتِكَافِ بِأَنَّ الطَّوَافَ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ يَنْوِي غَيْرَ مَا عَلَيْهِ وَيَقَعُ عَمَّا عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ فَلْيُرَاجَعْ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ) وَهُوَ مَا عَدَا الرُّكْنِ وَالْقُدُومِ مِنْ جُمْلَتِهِ الْوَدَاعُ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِخِلَافِ مَا شَمِلَهُ نُسُكٌ وَهُوَ طَوَافُ الرُّكْنِ وَالْقُدُومِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِشُمُولِ نِيَّةِ النُّسُكِ لَهُ. اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَعَدَمُ صَرْفِهِ لِغَيْرِهِ) يَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا قَصَدَ عَدَمَ الطَّوَافِ وَمَا إذَا قَصَدَ إدْرَاكَ غَرِيمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الطَّوَافَ لِمَحْمُولِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ دَخَلَ وَقْتُهُ لَمْ يَنْصَرِفْ وَوَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِلَّا انْصَرَفَ وَوَقَعَ عَنْ الْغَيْرِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّوَرَانَ حَوْلَ الْبَيْتِ يَنْصَرِفُ عَنْ الطَّوَافِ مُطْلَقًا فِيمَا إذَا قَصَدَ عَدَمَ الطَّوَافِ أَوْ قَصَدَ غَيْرَ الطَّوَافِ مُطْلَقًا كَإِدْرَاكِ غَرِيمٍ وَعَنْ طَوَافِ نَفْسِهِ لِمَحْمُولِهِ إذَا قَصَدَ الطَّوَافَ لِمَحْمُولِهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ دَخَلَ وَقْتُهُ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ وَقْتُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي اهـ. م ر، وَلَوْ قَصَدَ الطَّوَافَ وَالْغَرِيمَ يَنْبَغِي الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ قَصَدَ بِالرُّكُوعِ مَثَلًا الرُّكُوعَ وَشَيْئًا آخَرَ فَإِنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ الصِّحَّةُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ اهـ. سم، فَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ أَيْ فَقَطْ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: عَلَى هَيْئَةٍ لَا تُنْقِضُ الْوُضُوءَ) كَأَنْ كَانَ رَاكِبًا مُتَمَكِّنًا أَوْ قَعَدَ فِي أَثْنَائِهِ وَنَامَ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُ إلَخْ) أَيْ سُنَنُهُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَكَذَا عَبَّرَ م ر فِي شَرْحِهِ وَعَدَّهَا، فَقَالَ إحْدَاهَا أَنْ يَمْشِيَ فِي كُلِّهِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَسْتَلِمَ إلَخْ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ إلَخْ، وَالرَّابِعَةُ أَنْ يَرْمُلَ ذَكَرٌ إلَخْ، وَالْخَامِسَةُ أَنْ يَضْطَبِعَ إلَخْ، وَالسَّادِسَةُ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ إلَخْ، وَالسَّابِعَةُ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ أَشْوَاطِهِ، وَالثَّامِنَةُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ اهـ. فَجَعَلَ الْأَدْعِيَةَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا سُنَّةً وَاحِدَةً مَعَ أَنَّهُ
لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَفِي غَيْرِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ وَنَصُّهُ فِي الْأُمِّ عَلَى الْكَرَاهَةِ يُحْمَلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ غَيْرِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِخِلَافِ الْأَوْلَى (وَ) أَنْ (يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ بِيَدِهِ (أَوَّلَ طَوَافِهِ وَ) أَنْ (يُقَبِّلَهُ وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ الشَّيْخَانِ وَفِي الثَّالِثِ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا تُسَنُّ الثَّلَاثَةُ لِلْمَرْأَةِ
ــ
[حاشية الجمل]
يُمْكِنُ عَدُّ كُلِّ دُعَاءٍ سُنَّةً، بَلْ وَعَدُّ الِاسْتِلَامِ سُنَّةً وَالتَّقْبِيلِ سُنَّةً وَالسُّجُودِ سُنَّةً وَاسْتِلَامِ الْيَمَانِيِّ سُنَّةً لَكِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى) فِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ فَالرُّكُوبُ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ عَلَى أَكْتَافِ الرِّجَالِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَمُنَازَعَةُ الْإِسْنَوِيِّ فِيهِ وَغَيْرِهِ مَرْدُودَةٌ، لَا مَكْرُوهٌ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ كَمَرَضٍ أَوْ احْتَاجَ إلَى ظُهُورِهِ لِيُسْتَفْتَى فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً طُوفِي وَرَاءَ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ وَأَنَّهُ طَافَ رَاكِبًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِيَظْهَرَ فَيُسْتَفْتَى» ثُمَّ مَحَلُّ جَوَازِ إدْخَالِ الْبَهِيمَةِ الْمَسْجِدَ عِنْدَ أَمْنِ تَلْوِيثِهَا وَإِلَّا كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ وَفِي الْقَلْبِ مِنْ إدْخَالِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ شَيْءٌ فَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِيثَاقُ فَذَاكَ أَيْ خِلَافُ الْأَوْلَى وَإِلَّا فَإِدْخَالُهَا مَكْرُوهٌ وَمَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ إدْخَالَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ حَرَامٌ وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ إدْخَالَ الْبَهِيمَةِ إنَّمَا هُوَ لِحَاجَةِ إقَامَةِ السُّنَّةِ كَمَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم إطْلَاقُهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهَا، وَلَا يُقَاسُ إدْخَالُ الصِّبْيَانِ الْمُحْرِمِينَ الْمَسْجِدَ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى الْبَهَائِمِ مَعَ ذَلِكَ لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ وَأَيْضًا فَالِاحْتِرَازُ فِيهِمْ بِالتَّحَفُّظِ وَنَحْوِهِ أَكْثَرُ وَلَا كَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ. هَذَا وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ عَلَى الْإِدْخَالِ فِيهَا بِدُونِ حَاجَةٍ وَعَدَمِهَا عَلَى الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَطَوَافُ الْمَعْذُورِ مَحْمُولًا أَوْلَى مِنْهُ رَاكِبًا صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ الدَّابَّةِ وَرُكُوبُ الْإِبِلِ أَيْسَرُ حَالًا مِنْ رُكُوبِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَيُكْرَهُ الزَّحْفُ لِقَادِرٍ عَلَى الْمَشْيِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ يَنْبَغِي عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي الْفَرْضِ لِلِاتِّبَاعِ وَكَأَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ يُرَدُّ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّوَافِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ بِالسَّيْرِ فَلَا يُقَاسُ بِالصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الرُّكُوبِ بِلَا حَاجَةٍ فَالزَّحْفُ مِثْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْغَرَضِ مِنْهُ فَنُسِيَتْ فِي التَّعْظِيمِ وَيُسْتَحَبُّ الْحَفَاءُ فِي الطَّوَافِ مَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَنْ يُقْصِرَ فِي الْمَشْيِ لِتَكْثِيرِ خُطَاهُ رَجَاءَ كَثْرَةِ الْأَجْرِ لَهُ اهـ.
وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْبَعِيرَ الَّذِي طَافَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُذَلَّلًا أَيْ مُرَوَّضًا وَمُعَلَّمًا عَلَى عَدَمِ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ بِدُونِ إشَارَةِ رَاكِبِهِ قَالَ وَلَعَلَّ بَعِيرَ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَ كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَسْتَلِمَ) أَيْ يَلْمِسَ مِنْ الِاسْتِلَامِ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ السَّلَامِ وَهِيَ التَّحِيَّةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي الْمُخْتَارِ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَمَسَهُ إمَّا بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِالْيَدِ وَلَا يُهْمَزُ وَبَعْضُهُمْ يَهْمِزُهُ اهـ. وَفِي رِسَالَةِ ابْنِ عَلَّانَ الِاسْتِلَامُ افْتِعَالٌ مِنْ السَّلِمَةِ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَهِيَ الْحِجَارَةُ لِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْحَجَرِ وَقِيلَ مِنْ السَّلَامِ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ التَّحِيَّةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ سَلَامٌ عَلَى الْحَجَرِ وَتَحِيَّةٌ لَهُ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ الْمُحَيَّا اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَأَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) أَيْ بَعْدَ اسْتِقْبَالِهِ اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ بِيَدِهِ وَلَا يُقَبِّلُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمَا كَالْأَصْحَابِ لَكِنْ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ أَنَّهُ يُقَبِّلُهَا مُطْلَقًا فَإِنْ شَقَّ فَبِنَحْوِ خَشَبَةٍ أَيْ فِي الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى نَظِيرُ مَا يَأْتِي اهـ. حَجّ. وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُ يَدَهُ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ) أَيْ يَضَعُ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ بِلَا حَائِلٍ كَمَا فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ أَيْ الْأَكْمَلُ ذَلِكَ.
(فَرْعٌ)
لَوْ تَعَارَضَ التَّقْبِيلُ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ بِأَنْ أَمْكَنَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَأَنْ خَافَ هَلَاكًا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا دُونَ أَحَدِهِمَا فَهَلْ يُؤْثِرُ التَّقْبِيلَ لِسَبْقِهِ أَوْ وَضْعَ الْجَبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْخُضُوعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ، وَلَوْ بِحَائِلٍ لَكِنْ الْأَكْمَلُ الْوَضْعُ بِلَا حَائِلٍ اهـ. سم عَلَى حَجّ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَفِي الثَّالِثِ الْبَيْهَقِيُّ) وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ وَقَالَ رَأَيْت عُمَرَ رضي الله عنه قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ، وَقَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ هَكَذَا فَفَعَلْت» وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا قَبَّلَهُ قَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك فَسَمِعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَقَالَ بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ وَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172] وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ مَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّتَهُ وَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمْ الْعَبِيدُ وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ عُهُودَهُمْ
إذَا خَلَا الْمَطَافُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَإِنْ خَصَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِاللَّيْلِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ الْأَخِيرِ (اسْتَلَمَ) بِلَا تَقْبِيلٍ فِي الْأُولَى وَبِهِ فِي الثَّانِيَةِ (بِيَدِهِ) الْيُمْنَى فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى عَلَى الْأَقْرَبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (فَ) إنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ اسْتَلَمَهُ (بِنَحْوِ عُودٍ) كَخَشَبَةٍ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى اسْتَلَمَ (ثُمَّ قَبَّلَ) مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي (فَ) إنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ وَبِغَيْرِهَا (أَشَارَ) إلَيْهِ (بِيَدِهِ) الْيُمْنَى (فَبِمَا فِيهَا) مِنْ زِيَادَتِي ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم طَافَ عَلَى بَعِيرٍ فَكُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ» وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ وَيُسَنُّ تَثْلِيثُ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِلَامِ وَمَا بَعْدَهُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ
ــ
[حاشية الجمل]
وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذَلِكَ فِي رَقٍّ وَقَالَ لِلْحَجَرِ افْتَحْ فَاكَ فَفَتَحَهُ فَأَلْقَمَهُ ذَلِكَ الرَّقَّ، وَقَالَ لَهُ اشْهَدْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ وَافَاك بِالْوَفَاءِ وَأَنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلْقٌ يَشْهَدُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ وَعَلَى الْكَافِرِينَ بِالْجُحُودِ وَأَنَّهُ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ أَوْ قَبَّلَهُ بِحَقٍّ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ نِعْمَ مَا قُلْت وَخَابَ مَنْ لَمْ تَكُنْ جَلِيسَهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ وَقِيلَ إنَّ اسْتِخْرَاجَ الذُّرِّيَّةِ كَانَ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَعَلَيْهِ اُخْتُلِفَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُخِذَ فِيهِ الْمِيثَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ بِعَطْفِ نَعْمَانَ وَادٍ بِجَنْبِ عَرَفَةَ، وَقِيلَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ حِينَ أُهْبِطَ آدَم فِيهَا وَقِيلَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَقِيلَ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ اسْتَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ ذُرِّيَّتَهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ جُمْلَةَ الذُّرِّيَّةِ خَرَجَتْ مِنْ نَفْسِ صُلْبِ آدَمَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172] وَفِي تَفْسِيرِ الْخَطِيبِ مَا نَصُّهُ أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَ بَعْضَهُمْ مِنْ صُلْبِ بَعْضٍ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ كَنَحْوِ مَا يَتَوَالَدُونَ كَالذَّرِّ وَنَصَبَ لَهُمْ دَلَائِلَ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَرَكَّبَ فِيهِمْ عُقُولًا عَرَفُوهُ بِهَا كَمَا جَعَلَ لِلْجِبَالِ عُقُولًا حَتَّى خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10]، وَكَمَا جَعَلَ لِلْبَعِيرِ عَقْلًا حَتَّى سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ وَرَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ جَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إنْسَانٍ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ وَعَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ قَالَ أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ ذُرِّيَّتُك فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ يَا رَبِّ مَنْ هَذَا قَالَ دَاوُد قَالَ كَمْ جَعَلْت عُمُرَهُ قَالَ سِتِّينَ سَنَةً قَالَ يَا رَبِّ زِدْهُ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا انْقَضَى عُمُرُ آدَمَ إلَّا أَرْبَعِينَ سَنَةً جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ آدَم أَوَ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أَوَ لَمْ تُعْطِهَا ابْنَك دَاوُد فَجَحَدَ آدَم فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَنَسِيَ آدَم فَأَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ» ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: إذَا خَلَا الْمَطَافُ) وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَكْفِي خُلُوُّهُ مِنْ جِهَةِ الْحَجَرِ فَقَطْ بِأَنْ تَأْمَنَ مَجِيءَ وَنَظَرَ رَجُلٍ غَيْرِ مُحْرِمٍ حَالَةَ فِعْلِهَا ذَلِكَ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ اسْتَلَمَ بِيَدِهِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ حَتَّى يَجْعَلَهُ تَقْيِيدًا لَهُ إلَّا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بِلَا تَقْبِيلٍ كَأَنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ فِعْلُ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ مَجْمُوعِهَا فَعَلَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْهُ اهـ. شَيْخُنَا، وَقَوْلُهُ عَنْ الْأَخِيرَيْنِ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ اسْتَلَمَ بِيَدِهِ. اهـ. شَيْخُنَا وَيَظْهَرُ ضَبْطُ الْعَجْزِ هُنَا بِمَا يُخِلُّ بِالْخُشُوعِ مِنْ أَصْلِهِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَا يُسَنُّ اسْتِلَامٌ وَلَا مَا بَعْدَهُ فِي مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الطَّوَافِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُؤْذِي أَوْ يَتَأَذَّى، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رضي الله عنهما عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ يَا عُمَرُ إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ إنْ وَجَدْت خَلْوَةً وَإِلَّا فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الِاسْتِلَامُ خُصُوصُ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَذْكَارٍ اسْتَحَبُّوهَا مَعَ عَدَمِ وُرُودِهَا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى) عِبَارَةُ حَجّ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَالْيُسْرَى فَمَا فِي الْيُمْنَى فَمَا فِي الْيُسْرَى لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فِيمَا فِيهَا) قَدْ يُقَالُ الْإِشَارَةُ بِمَا فِي الْيَدِ تَسْتَتْبِعُ الْإِشَارَةَ بِالْيَدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ الْإِشَارَةِ بِمَا فِيهَا قُلْت قَدْ يُتَصَوَّرُ الِانْفِكَاكُ بَيْنَهُمَا بِمَا لَوْ كَانَ بِالْيَدِ آفَةٌ تَمْنَعُ رَفْعَهَا نَحْوَ الْحَجَرِ وَلَا تَمْنَعُ تَحْرِيكَ مَا فِيهَا وَرَفْعَهُ نَحْوَ الْحَجَرِ. اهـ. سم اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ) عِبَارَةُ حَجّ وَخَرَجَ بِيَدِهِ فَمُهُ فَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ بِهِ لِلتَّقْبِيلِ لِقُبْحِهِ وَيَظْهَرُ فِي الْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى مَا لَمْ يَعْجِزْ عَنْ الْإِشَارَةِ بِيَدِهِ وَمَا فِيهَا فَيُسَنُّ بِهِ ثُمَّ الطَّرَفُ كَالْإِيمَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهَا بِالرِّجْلِ، بَلْ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ بِحُرْمَةِ مَدِّ الرِّجْلِ لِلْمُصْحَفِ، فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْكَعْبَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ الْفَرْقُ أَوْجَهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ) أَيْ وَلَا بِالْجَبْهَةِ إلَى السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَأَتَّى الْإِشَارَةُ بِهَا بِدُونِ الرَّأْسِ، وَقَدْ قَالَ حَجّ إنَّ الْإِشَارَةَ بِالرَّأْسِ خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ تَثْلِيثُ مَا ذَكَرَ) بِأَنْ يَسْتَلِمَهُ ثُمَّ يُقَبِّلَهُ ثُمَّ يَسْجُدَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا ثَانِيًا وَثَالِثًا أَوْ يَسْتَلِمُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُقَبِّلُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْجُدُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ، لَكِنْ الثَّانِي أَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي حَجّ مَا نَصُّهُ وَيُسَنُّ تَكْرِيرُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَلِمَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً
وَتَخْفِيفُ الْقُبْلَةِ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ (وَ) أَنْ (يَسْتَلِمَ) الرُّكْنَ (الْيَمَانِيَّ) وَيُقَبِّلَ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ بِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ اسْتِلَامُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ وَلَا تَقْبِيلُ غَيْرِ الْحَجَرِ مِنْ الْأَرْكَانِ فَإِنْ خَالَفَ لَمْ يُكْرَهْ بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ التَّقْبِيلَ حَسَنٌ (وَ) أَنْ (يَقُولَ) عِنْدَ اسْتِلَامِهِ (أَوَّلَ طَوَافِهِ بِاسْمِ اللَّهِ
ــ
[حاشية الجمل]
ثُمَّ يُقَبِّلَ كَذَلِكَ ثُمَّ يَسْجُدَ كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ تَثْلِيثُ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ وَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ وَبِمَا فِيهَا وَتَقْبِيلِ الْمُشَارِ بِهِ، وَظَاهِرُ صَنِيعِهِ حَيْثُ ذَكَرَ هَذَا قَبْلَ مَا يَأْتِي مِنْ الْأَدْعِيَةِ وَمِنْ اسْتِلَامِ الْيَمَانِيِّ وَتَقْبِيلِ مَا اسْتَلَمَ بِهِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَتَقْبِيلِ مَا أَشَارَ بِهِ لَهُ لَا يُسَنُّ فِيهِ تَثْلِيثٌ.
وَعِبَارَةُ حَجّ تَقْتَضِي سَنَّ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَنَصُّهَا وَيُرَاعَى ذَلِكَ الْمَذْكُورُ كُلُّهُ مَعَ تَكْرِيرِهِ ثَلَاثًا، وَكَذَا مَا يَأْتِي فِي الْيَمَانِيِّ، وَكَذَا الدُّعَاءُ الْآتِي اهـ. فَعَلَى مُقْتَضَاهَا كَانَ عَلَى الشَّارِحِ تَأْخِيرُ قَوْلِهِ وَيُسَنُّ تَثْلِيثُ مَا ذُكِرَ إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَيُرَاعِي ذَلِكَ كُلَّ طَوْفَةٍ لِيَعُودَ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: وَتَخْفِيفُ الْقُبْلَةِ) أَيْ لِلْحَجَرِ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ مَا طُلِبَ تَقْبِيلُهُ مِنْ يَدِ عَالِمٍ وَوَلِيٍّ وَوَالِدٍ وَأَضْرِحَةٍ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَفِيهِ أَيْضًا (تَنْبِيهٌ)
قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُسَنُّ تَقْبِيلُ يَدِ الصَّالِحِ، بَلْ وَرِجْلِهِ فَلَوْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا يُمْكِنُ مِنْ نَظِيرِهِ هُنَا حَتَّى يَسْتَلِمَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَقْبِيلِهَا ثُمَّ يُقَبِّلَ مَا اسْتَلَمَ بِهِ وَحَتَّى يُشِيرَ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِلَامِهَا أَيْضًا ثُمَّ يُقَبِّلَ مَا أَشَارَ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ الْأَقْرَبُ عَدَمُ سَنِّ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ يَغْلِبُ فِيهَا الِاتِّبَاعُ فِي طَلَبِ مَا وَرَدَ فِعْلُهُ عَنْ الشَّارِعِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَلَا كَذَلِكَ يَدُ الصَّالِحِ فَإِنَّ تَقْبِيلَهَا شُرِعَ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَبَرُّكًا بِهَا فَلَا يَتَعَدَّاهَا إلَى غَيْرِهَا اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ يُؤْخَذُ مِنْ هُنَا أَيْ مِنْ سَنِّ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ سَنُّ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ وَالْمِنْبَرِ الشَّرِيفِ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ قُبُورُ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَأَجْزَاءُ الْحَدِيثِ أَفْتَى بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ اهـ. تَوْشِيحٌ عَلَى الْجَامِعِ الصَّحِيحِ هَكَذَا وَجَدْته بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ.
(قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ) عِبَارَةُ حَجّ وَيُكْرَهُ إظْهَارُ صَوْتٍ لِقُبْلَتِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: الْيَمَانِيِّ) نِسْبَةً إلَى الْيَمَنِ وَتَخْفِيفُ يَائِهِ لِكَوْنِ الْأَلِفِ بَدَلًا مِنْ إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ أَكْثَرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا الْمَبْنِيِّ عَلَى زِيَادَةِ الْأَلِفِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَشَارَ إلَيْهِ) أَيْ بِيَدِهِ فَبِنَحْوِ عُودٍ ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَيَسْتَلِمَ الْيَمَانِيَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَالْيُسْرَى فَمَا فِي الْيُمْنَى فَمَا فِي الْيُسْرَى ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا اسْتَلَمَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ أَشَارَ إلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ بِتَرْتِيبِهِ ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ انْتَهَتْ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَقْبِيلُ غَيْرِ الْحَجَرِ مِنْ الْأَرْكَانِ) وَخُصَّ رُكْنُ الْحَجَرِ بِالتَّقْبِيلِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَضِيلَتَيْ كَوْنِ الْحَجَرِ فِيهِ وَكَوْنِهِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْيَمَانِيُّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الثَّانِيَةُ أَيْ بِاعْتِبَارِ رَأْسِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانَ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الشَّامِيَّانِ فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْفَضِيلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ أُسَّهُمَا لَيْسَ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلَمْ يُسَنَّ تَقْبِيلُهُمَا وَلَا اسْتِلَامُهُمَا اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ:، بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَأَيُّ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ، غَيْرَ أَنَّا نُؤْمَرُ بِالِاتِّبَاعِ وَالْمُرَادُ بِالْحُسْنِ فِيهِ الْمُبَاحُ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّا نُؤْمَرُ بِالِاتِّبَاعِ. اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ اسْتِلَامِهِ) أَيْ يَبْتَدِئُ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ أَيْ مُقَارِنًا لَهُ بِحَالِهِ ثُمَّ يَخْتِمُهُ وَهُوَ مَاشٍ بِحَيْثُ يَكُونُ آخِرُهُ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْبَابِ فَحِينَئِذٍ يَشْرَعُ فِي الدُّعَاءِ الْآتِي وَيَمْشِي بِحَيْثُ يَكُونُ آخِرُهُ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْمَقَامِ اهـ. حَجّ بِتَصَرُّفٍ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا نَصُّهُ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى تَحْتِ الْمِيزَابِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي فِي ظِلِّك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم شَرَابًا هَنِيئًا لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَعَمَلًا مَقْبُولًا وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ أَيْ وَاجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِي وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ عُمْرَةً مَبْرُورَةً وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُ التَّعْبِيرِ بِالْحَجِّ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ وَيُقْصَدُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْقَصْدُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الدُّعَاءِ الْآتِي فِي الرَّمَلِ وَمَحَلُّ الدُّعَاءِ بِهَذَا إذَا كَانَ الطَّوَافُ فِي ضِمْنِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَبَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْخَيْرِ فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ فَهُوَ سُنَّةٌ مَأْثُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْثُورُ أَفْضَلَ وَمِنْ الْمَأْثُورِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتنِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ وَاخْلُفْ عَلَيَّ كُلَّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ» ، وَمَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَالذُّلِّ وَمَوَاقِفِ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا
وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ) أَطُوفُ (إيمَانًا بِك إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ (وَ) أَنْ يَقُولَ (قُبَالَةَ الْبَابِ اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُك إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَالْحَرَمُ حَرَمُك وَالْأَمْنُ أَمْنُك وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ النَّارِ وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ (وَبَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً الْآيَةَ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَالرَّوْضَةِ اللَّهُمَّ بَدَلَ رَبَّنَا (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ وَمَأْثُورُهُ) أَيْ الدُّعَاءِ فِيهِ أَيْ مَنْقُولِهِ (أَفْضَلُ فَقِرَاءَةٌ) فِيهِ (فَغَيْرُ مَأْثُورِهِ)
ــ
[حاشية الجمل]
وَالْآخِرَةِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اهـ.
1 -
(قَوْلُهُ: وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ مِنْ كُلِّ مَنْ هُوَ بِصُورَةِ مَعْبُودٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ نَاسَبَ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك إلَخْ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: إيمَانًا بِك) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَطُوفُ بِتَأْوِيلِهِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ أَطُوفُ حَالَ كَوْنِي مُؤْمِنًا بِك. اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ) لَمْ يَقُلْ لِلِاتِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهَذَا الذِّكْرِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ نَصُّهَا وَرُوِيَ ذَلِكَ حَدِيثًا وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَكِنْ جَاءَ فِي خَبَرٍ مُنْقَطِعٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقُولُ إذَا اسْتَلَمْنَا؟ قَالَ قُولُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَلِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ هَكَذَا أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَفِي الرَّوْنَقِ يُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ كَالصَّلَاةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ وَافَقَهُ بَحْثُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ افْتِتَاحُ الطَّوَافِ بِالتَّكْبِيرِ كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا بَلْ شَاذٌّ، وَإِنْ تَبِعَهُ بَعْضُهُمْ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: قُبَالَةَ الْبَابِ) أَيْ تِلْقَاءَ الْبَابِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ تِلْقَاءِ الْبَابِ وَيُكْمِلُهُ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَقِفُ حَتَّى يُكْمِلَ الدُّعَاءَ قُبَالَةَ الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ فِي الْمَطَافِ يَضُرُّ بِالنَّاسِ اهـ. شَيْخُنَا وَمِثْلُهُ حَجّ وَقُبَالَةَ بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ الْجِهَةُ الَّتِي تُقَابِلُهُ وَارْتِفَاعُ الْبَابِ فَوْقَ خَمْسَةِ أَذْرُعٍ وَعَرْضُ عَتَبَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ذِرَاعٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: الْبَيْتُ) أَيْ الْكَامِلُ الْوَاصِلُ لِغَايَةِ الْكَمَالِ اللَّائِقُ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْبُيُوتِ هُوَ بَيْتُك هَذَا لَا غَيْرُ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا اللَّهُمَّ الْبَيْتُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اللَّهُمَّ إنَّ الْبَيْتَ بِزِيَادَةِ إنَّ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ النَّارِ) أَيْ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ كَمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ إنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ، بَلْ يَعْنِي بِهِ الطَّائِفَ نَفْسَهُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَنْسَبُ وَأَلِيقُ إذْ مَنْ اسْتَحْضَرَ أَنَّ الْخَلِيلَ اسْتَعَاذَ مِنْ النَّارِ أَيْ بِنَحْوِ {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87] أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْخَوْفِ وَالْخُشُوعِ وَالتَّضَرُّعِ مَا لَا يُوجِبُ لَهُ الثَّانِي بَعْضَ مِعْشَارِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ الْأَوَّلَ لَكَانَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِخُصُوصِهِ عَرِيًّا عَنْ الْحِكْمَةِ اهـ. حَجّ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيُشِيرُ) أَيْ بِكَلِمَةِ هَذَا بِقَلْبِهِ لَا بِيَدِهِ، وَقَوْلُهُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَيْ الْحَجَرِ الَّذِي نُزِّلَ مِنْ الْجَنَّةِ كَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ حِينَ نَادِي بِالْحَجِّ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ حَتَّى يَضَعَ الْحَجَرَ ثُمَّ يَهْبِطُ بِهِ حَتَّى يَأْخُذَ مَا يَبْنِي بِهِ وَهَكَذَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) هِيَ كُلُّ خَيْرٍ يُقْصَدُ تَحْصِيلُهُ فِيهَا وَمَا أَعَانَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً هِيَ كُلُّ مَا فِيهَا مِنْ الرَّاحَةِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالشُّهُودِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْمَتْنِ أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ لِلدُّعَاءَيْنِ قَبْلَهُ أَيْ الدُّعَاءِ الَّذِي قُبَالَةَ الْبَابِ وَاَلَّذِي بَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ، لَكِنْ قَالَ حَجّ فِي الَّذِي قُبَالَةَ الْبَابِ قِيلَ لَا يُعْرَفُ هَذَا خَبَرًا وَلَا أَثَرًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ مَعَ شَرْحِ حَجّ وَبَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سَنَدُهُ صَحِيحٌ، لَكِنْ بِلَفْظِ رَبَّنَا وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي رِوَايَةٍ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَهِيَ أَفْضَلُ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بِهَا الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه قِيلَ وَلَفْظُ اللَّهُمَّ وَحْدَهُ كَمَا وَقَعَ فِي الْمَتْنِ أَيْ وَالرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ عِبَارَتَهَا كَعِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ لَمْ يُرِدْ انْتَهَتْ فَغَرَضُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ التَّعْرِيضُ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ: بِمَا شَاءَ) أَيْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ دُعَاءٍ جَائِزٍ، وَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُخْرَوِيِّ اهـ. حَجّ وَقَدْ جَاءَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابٌ هُنَاكَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فِي الْمَطَافِ وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي الْمَسْعَى وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَفِي مِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: وَمَأْثُورُهُ) أَيْ الدُّعَاءِ فِيهِ أَيْ الشَّامِلِ لِلذِّكْرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْآخَرَ، وَقَوْلُهُ أَيْ مَنْقُولِهِ أَيْ عَنْ النَّبِيِّ أَوْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ اهـ. حَجّ وَمِنْهُ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِهَا، وَلَوْ بِنَحْوِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِمَنْ فَصَّلَ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهَا لَمْ تُحْفَظْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَحُفِظَ عَنْهُ غَيْرُهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، بَلْ مَنَعَهَا فِيهِ بَعْضُهُمْ فَمِنْ ثَمَّ اكْتَفَى فِي تَفْضِيلِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا عَلَيْهَا بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الْمَحَلِّ بِخُصُوصِهِ بِأَدْنَى مُرَجِّحٍ كَوُرُودِهِ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَوْ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، وَقَوْلُهُ
وَيُسَنُّ لَهُ الْإِسْرَارُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ (وَ) أَنْ (يُرَاعِيَ ذَلِكَ) أَيْ الِاسْتِلَامَ وَمَا بَعْدَهُ (كُلَّ طَوْفَةٍ) اغْتِنَامًا لِلثَّوَابِ لَكِنَّهُ فِي الْأُولَى آكَدُ وَشُمُولُ ذَلِكَ لِاسْتِلَامِ الْيَمَانِيِّ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ زِيَادَتِي (وَ) أَنْ (يَرْمُلَ ذَكَرٌ فِي) الطَّوْفَاتِ (الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (مَطْلُوبٌ) بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ أَوْ رُكْنٍ وَلَمْ يَسْعَ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلَوْ سَعَى بَعْدَهُ لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ إفَاضَةٍ، وَالرَّمَلُ يُسَمَّى خَبَبًا (بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ) وَيَمْشِي فِي الْبَقِيَّةِ عَلَى هِينَتِهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا حَرَّكَ الدَّابَّةَ وَرَمَلَ بِهِ الْحَامِلُ وَلَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثِ لَا يَقْضِيهِ فِي الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا السَّكَنِيَّةُ فَلَا تُغَيَّرُ (وَ) أَنْ (يَقُولَ فِيهِ) أَيْ فِي الرَّمَلِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ) أَيْ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ
ــ
[حاشية الجمل]
فَقِرَاءَةٌ أَيْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الذِّكْرِ وَجَاءَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرَيْ عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لَهُ الْإِسْرَارُ بِذَلِكَ) أَيْ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَدْعِيَةِ الطَّوَافِ الْمَأْثُورَةِ وَغَيْرِهَا وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إلَخْ وَيُسِرُّ بِذَلِكَ وَبِمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ نَعَمْ يُسَنُّ الْجَهْرُ لِتَعْلِيمِ الْغَيْرِ حَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ آكَدُ) عِبَارَةُ حَجّ وَهُوَ فِي الْأَوْتَارِ آكَدُ وَآكَدُهَا الْأُولَى وَالْأَخِيرَةُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَشُمُولُ ذَلِكَ) أَيْ لَفْظُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَمَا بَعْدَهُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَيَقُولُ أَوَّلَ طَوَافِهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِي أَيْ حَيْثُ أَوْقَعَ اسْمَ الْإِشَارَةِ بَعْدَ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْأَصْلُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَتَقْبِيلِهِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَرْمُلَ) ذَكَرَ فِي الْمُخْتَارِ الرَّمَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْهَرْوَلَةُ وَرَمَلَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَرْمُلُ رَمَلًا وَرَمَلَانًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ مِنْهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الطَّوْفَاتِ الثَّلَاثِ إلَخْ) وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَسْتَوْعِبُ الْبَيْتَ بِالرَّمَلِ وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ لَا يَرْمُلُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ اهـ. إيضَاحٌ وَعَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَشْوَاطِ إلَى الطَّوْفَاتِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ تَسْمِيَةِ الطَّوَافِ شَوْطًا أَوْ دَوْرًا وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ وَشَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ حَجّ وَأَنْ يَرْمُلَ فِي جَمِيعِ الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ، الْأَوَّلُ لَا يُنَافِيهِ كَرَاهَةُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ تَسْمِيَةَ الْمَرَّةِ شَوْطًا؛ لِأَنَّهُ كَرَاهَةٌ أَدَبِيَّةٌ إذْ الشَّوْطُ الْهَلَاكُ كَمَا كَرِهَ تَسْمِيَةَ مَا يُذْبَحُ عَنْ الْمَوْلُودِ عَقِيقَةً لِإِشْعَارِهَا بِالْعُقُوقِ فَلَيْسَتْ شَرْعِيَّةً لِصِحَّةِ ذِكْرِ الْعَقِيقَةِ فِي الْأَحَادِيثِ وَالشَّوْطِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارِ الْمَجْمُوعِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْكَرَاهَةُ وَلَكِنَّهَا خِلَافُ الْمُخْتَارِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا كَرَاهَةٌ أَدَبِيَّةٌ لَا غَيْرُ فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُهُ كَرَاهَةُ تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ عَتَمَةً شَرْعًا قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَاكَ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلَفْظِ الشَّارِعِ هَذَا اهـ. وَانْحَطَّ كَلَامُ م ر فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ سَعَى بَعْدَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ وَلَوْ أَرَادَ السَّعْيَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ ثُمَّ سَعَى وَلَمْ يَرْمُلْ لَمْ يَقْضِهِ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْعَ رَمَلَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَمَلَ فِي الْقُدُومِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ إلَخْ) أَيْ وَبِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ وَثْبٌ وَلَا عَدْوٌ مَعَ هَزِّ كَتِفَيْهِ اهـ. حَجّ وَيُكْرَهُ تَرْكُ الرَّمَلِ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَسَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا دَخَلَ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ مُعْتَمِرًا سَنَةَ سَبْعٍ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسَنَةٍ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ أَيْ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ طَاقَةٌ بِقِتَالِنَا فَأَمَرَهُمْ صلى الله عليه وسلم بِهِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ بَقَاءَ قُوَّتِهِمْ وَجَلَدَهُمْ فَلَمَّا رَآهُمْ الْمُشْرِكُونَ قَالُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَمِنْ كَذَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَشُرِعَ مِنْ زَوَالِ سَبَبِهِ لِيُتَذَكَّرَ بِهِ مَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ مِنْ الضَّعْفِ بِمَكَّةَ ثُمَّ نِعْمَةُ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَإِعْزَازُهُ وَتَطْهِيرُ مَكَّةَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَمَرِّ الْأَعْوَامِ وَالسِّنِينَ. اهـ. حَجّ وَشَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: مُقَارِبًا خُطَاهُ) بِضَمِّ الْخَاءِ جَمْعُ خُطْوَةٍ بِضَمِّهَا اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَاسْمٌ لِنَقْلِ الْقَدَمِ وَجَمْعُهُ خِطَاءٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ كَرَكْوَةٍ وَرِكَاءٍ اهـ. شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثِ إلَخْ) وَلَوْ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الثَّلَاثِ أَتَى بِهِ فِي بَاقِيهَا أَيْ بَاقِي الثَّلَاثِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُولَ فِيهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ إلَخْ) أَيْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْمَحَالِّ الَّتِي لَمْ يَرِدْ لَهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ فِي الْحَاشِيَةِ. اهـ. حَجّ وَاعْتَرَضَهُ ح ل بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ مِنْ الطَّوَافِ وَرَدَ فِيهِ ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا الذِّكْرَ وَهُوَ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا إلَخْ يُطْلَبُ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَطَافِ مَحَلٌّ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ حَتَّى يَأْتِيَ فِي حَالَةِ الرَّمَلِ بِهَذَا الذِّكْرِ وَلَعَلَّ هَذَا الْإِشْكَالَ هُوَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ حَجّ بِقَوْلِهِ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ فِي الْحَاشِيَةِ وَأَجَابَ أَيْ الْحَلَبِيُّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِرْوَاحِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمُتَقَدِّمَ بَيَانُهَا إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرْمُلْ أَمَّا هُوَ فَيَقُولُ هَذَا الذِّكْرَ فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ اهـ. وَأَنْتَ تَرَى جَوَابَهُ مُنَاقِضًا لِعِبَارَةِ حَجّ الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ قَالَ أَيْ فِي الْمَحَالِّ الَّتِي لَمْ يَرِدْ لَهَا ذِكْرٌ
(حَجًّا مَبْرُورًا) أَيْ لَمْ يُخَالِطْهُ ذَنْبٌ (إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا لِلِاتِّبَاعِ وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ عُمْرَةً مَبْرُورَةً وَيُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ مُرَاعَاةً لِلْحَدِيثِ وَيَقْصِدُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْقَصْدُ (وَ) أَنْ (يَضْطَبِعَ) أَيْ الذَّكَرُ (فِي طَوَافٍ فِيهِ رَمَلٌ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَفِي سَعْيٍ) قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ بِجَامِعِ قَطْعِ مَسَافَةٍ مَأْمُورٍ بِتَكْرِيرِهَا سَبْعًا وَذَلِكَ (بِأَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى) مَنْكِبِهِ (الْأَيْسَرِ) كَدَأْبِ أَهْلِ الشَّطَارَةِ وَالِاضْطِبَاعُ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْعَضُدُ وَخَرَجَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَلَا يُسَنُّ فِيهِمَا الِاضْطِبَاعُ بَلْ يُكْرَهُ (وَ) أَنْ (يَقْرُبَ) الذَّكَرُ فِي طَوَافِهِ (مِنْ الْبَيْتِ) تَبَرُّكًا؛ وَلِأَنَّهُ أَيْسَرُ فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ، نَعَمْ إنْ تَأَذَّى أَوْ آذَى غَيْرَهُ بِنَحْوِ زَحْمَةٍ فَالْبُعْدُ أَوْلَى
(فَلَوْ فَاتَ رَمَلٌ بِقُرْبٍ) لِنَحْوِ زَحْمَةٍ (وَأَمْنِ لَمْسِ نِسَاءٍ وَلَمْ يَرْجُ فُرْجَةً) يَرْمُلُ فِيهَا لَوْ انْتَظَرَ (بَعْدُ) لِلرَّمَلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبُ يَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا فَإِنْ خَافَ لَمْسَ نِسَاءٍ فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى مِنْ الْبُعْدِ مَعَ الرَّمَلِ تَحَرُّزًا عَنْ مُلَامَسَتِهِنَّ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى انْتِقَاضِ الطُّهْرِ وَلَوْ خَافَ مَعَ الْقُرْبِ أَيْضًا لَمْسَهُنَّ فَتَرْكُ الرَّمَلِ أَوْلَى وَإِذَا تَرَكَهُ سُنَّ أَنْ يَتَحَرَّكَ فِي مَشْيِهِ وَيَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ لَرَمَلَ وَكَذَا فِي الْعَدْوِ
ــ
[حاشية الجمل]
مَخْصُوصٌ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْمُلْ كَغَيْرِهِ فِي الْأَذْكَارِ الْمَخْصُوصَةِ وَأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا الذِّكْرَ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ الَّتِي لَمْ يَرِدْ لَهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ.
وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ حَجّ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَالْآخَرُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ مَنْ يَرْمُلُ يَقُولُ هَذَا الذِّكْرَ فِي جَمِيعِ رَمَلِهِ فَيَكُونُ الَّذِي اسْتَرْوَحَهُ الْحَلَبِيُّ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي.
وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ إلَخْ عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَأَنْ يَقُولَ فِي رَمَلِهِ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ مُحَاذِيًا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ إلَخْ، قَالَ فِي شَرْحِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ مُحَاذِيًا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَخْ مَا نَصُّهُ كَمَا فِي الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُنْدَبُ فِي جَمِيعِ رَمَلِهِ، وَعِبَارَتُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي رَمَلِهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَآكَدُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا إلَخْ نَصَّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ انْتَهَتْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ النَّصِّ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ. اهـ. انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: حَجًّا مَبْرُورًا) الْحَجُّ الْمَبْرُورُ قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ الْمَقْبُولُ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنْ الْإِثْمِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْأَقْوَالُ فِي تَفْسِيرِهِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَجَّ الَّذِي وُفِّيَتْ أَحْكَامُهُ وَوَقَعَ مَوْقِعًا لِمَا طُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّفِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ اهـ. وَقَالَ حَجّ فِي الزَّوَاجِرِ الْمَبْرُورُ هُوَ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَلَا صَغِيرَةَ مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ إلَى التَّحَلُّلِ الثَّانِي اهـ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْإِيعَابِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَوْ صَغِيرَةً، وَإِنْ تَابَ مِنْهَا فَوْرًا مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ إلَى التَّحَلُّلِ كَمَا بَيَّنْته مَعَ فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَوَّلَ الْحَاشِيَةِ انْتَهَتْ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَذَنْبًا مَغْفُورًا) أَيْ وَاجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا، قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الْعُلَمَاء تَقْدِيرُهُ اجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَسَعْيِي سَعْيًا مَشْكُورًا أَيْ عَمَلًا مُتَقَبَّلًا يَزْكُو لِصَاحِبِهِ وَمَسَاعِي الرَّجُلِ أَعْمَالُهُ وَاحِدُهُ مَسْعَاةٌ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ إلَخْ) أَيْ وَيَقُولُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ لَهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ اهـ. حَجّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَضْطَبِعَ إلَخْ) وَيُكْرَهُ تَرْكُ الِاضْطِبَاعِ، وَلَوْ تَرَكَهُ فِي بَعْضِهِ أَتَى بِهِ فِي بَاقِيهِ وَيُسَنُّ حَتَّى فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتَجَرَّدْ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيُسَنُّ لَهُ حَسْرُ ثِيَابِهِ عَنْ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ فَتَعْبِيرُهُمْ بِجَعْلِ وَسَطِ الرِّدَاءِ تَحْتَ الْمَنْكِبِ الْأَيْمَنِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ كَوْنِ الْمُحْرِمِ مُتَجَرِّدًا اهـ. مِنْ حَجّ وَالشَّوْبَرِيِّ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الذَّكَرُ) وَلَوْ صَبِيًّا فَيُسَنُّ لِلْوَلِيِّ فِعْلُهُ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: فِي طَوَافٍ فِيهِ رَمَلٌ) أَيْ فِي السَّبْعِ طَوْفَاتٍ لَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ فَهُوَ يُخَالِفُ الرَّمَلَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَالْمُرَادُ فِيهِ رَمَلٌ مَشْرُوعٌ، وَإِنْ لَمْ يَرْمُلْ فِيهِ بِالْفِعْلِ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَسَطَ رِدَائِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْأَفْصَحِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَهْلِ الشَّطَارَةِ) الشَّاطِرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي أَعْيَا أَهْلَهُ خُبْثًا أَيْ أَتْعَبَهُمْ مِنْ خُبْثِهِ، لَكِنْ الْمُرَادُ هُنَا مَنْ عِنْدَهُ نَشَاطٌ وَفِي الْمُخْتَارِ شَطَرَ يَشْطُرُ بِضَمِّ الطَّاءِ شَطَارَةً وَشَطُرَ أَيْضًا مِنْ بَابِ ظَرُفَ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: بَلْ يُكْرَهُ) أَيْ فَيُزِيلُهُ عِنْدَ إرَادَتِهِمَا وَيُعِيدُهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّعْيِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ) بِضَمِّ الرَّاءِ مِنْ قَرُبَ مِنْ كَذَا وَبِفَتْحِهَا مِنْ قَرِبَهُ كَعَلِمَ مُتَعَدِّيًا اهـ. ع ش عَلَى م ر وَالْمُنَاسِبُ هُنَا فِي الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَأَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ) لَكِنْ قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَبْعُدَ مِنْهُ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ لِيَأْمَنَ مِنْ الطَّوَافِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ وَلَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ زَمَنِهِ لَمَّا كَانَ الشَّاذَرْوَانُ مُسَطَّحًا يَطُوفُ عَلَيْهِ الْعَوَامُّ وَكَانَ عَرْضُهُ دُونَ ذِرَاعٍ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا اجْتَهَدَ فِي تَسْنِيمِهِ وَتَتْمِيمِهِ ذِرَاعًا وَبَقِيَ إلَى الْآنَ عَمَلًا بِقَوْلِ الْأَزْرَقِيِّ، وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ جُزْءًا حَسَنًا رَأَيْته بِخَطِّهِ وَفِي آخِرِهِ أَنَّهُ اسْتَنْتَجَ مِنْ خَبَرِ عَائِشَةَ «لَوْلَا قَوْمُك حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ لَهَدَمْت الْبَيْتَ» الْحَدِيثَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّغْيِيرُ فِيهِ لِمَصْلَحَةٍ ضَرُورِيَّةٍ أَوْ حَاجِيَّةٍ أَوْ مُسْتَحْسَنَةٍ وَقَدْ أَلَّفْت فِي ذَلِكَ كِتَابًا حَافِلًا سَمَّيْته الْمَنَاهِلَ الْعَذْبَةَ فِي إصْلَاحِ مَا وَهَى مِنْ الْكَعْبَةِ دَعَى إلَيْهِ خَبْطُ جَمْعٍ جَمٍّ فِيهِ لَمَّا وَرَدَتْ الْمَرَاسِيمُ بِعِمَارَةِ سَقْفِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ لَمَّا أَنْهَاهُ سَدَنَتُهَا مِنْ خَرَابِهِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَأَمْنِ لَمْسِ نِسَاءٍ) أَيْ فِي بُعْدِهِ لِيَرْمُلَ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ الرَّمَلِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَطَافِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَقُولُ بِبُطْلَانِهِ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمَطَافِ اهـ. حَجّ فَالْبُعْدُ الْمُوجِبُ لِلطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ مَكْرُوهٌ فَتَرْكُ الرَّمَلِ أَوْلَى مِنْ ارْتِكَابِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ خَافَ مَعَ الْقُرْبِ أَيْضًا)
فِي السَّعْيِ الْآتِي بَيَانُهُ وَإِنْ رَجَى الْفُرْجَةَ الْمَذْكُورَةَ سُنَّ لَهُ انْتِظَارُهَا، وَخَرَجَ بِالذَّكَرِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ يُسَنُّ لَهُمَا فِي الْأَخِيرَةِ حَاشِيَةُ الْمَطَافِ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِطَانِ بِالرِّجَالِ إلَّا عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ فَيُسِنُّ لَهُمَا الْقُرْبُ وَذِكْرُ حُكْمِ الْخُنْثَى مَعَ قَوْلِي وَلَمْ يَرْجُ فُرْجَةً مِنْ زِيَادَتِي (وَ) أَنْ (يُوَالِيَ كُلٌّ) مِنْ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ (طَوَافَهُ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ (وَ) أَنْ (يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ
ــ
[حاشية الجمل]
مَعْطُوفٌ عَلَى فَإِنْ خَافَ السَّابِقَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَفْهُومِ فَمَتَى خَافَ اللَّمْسَ فِي الْبُعْدِ فَالْقُرْبُ أَوْلَى مِنْ اللَّمْسِ فِيهِ أَوْ خَافَهُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا شَيْءٌ إلَخْ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ لَهُمَا الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ، بَلْ يَحْرُمَانِ إنْ قَصَدَ التَّشَبُّهَ بِالرِّجَالِ عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ وَلِمَنْ أَطْلَقَ عَدَمَهَا اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيُوَالِي كُلٌّ طَوَافَهُ) وَيُسَنُّ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْهِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الِاسْتِلَامِ بَعْدَهُمَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّعْيِ بَعْدَهُ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ) وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ طَافَ أَسَابِيعَ فِعْلُ الصَّلَاةِ عَقِبَ كُلٍّ وَيَلِيهِ مَا لَوْ أَخَّرَهَا إلَى بَعْدِ الْكُلِّ ثُمَّ صَلَّى لِكُلٍّ رَكْعَتَيْنِ وَيَلِيهِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ لِلْكُلِّ (فَرْعٌ)
مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَعَدَمُ الْكَلَامِ إلَّا فِي خَيْرٍ كَتَعَلُّمِ جَاهِلٍ بِرِفْقٍ إنْ قَلَّ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَا الشُّكْرِ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَهِيَ تَحْرُمُ فِيهَا فَلَا تُطْلَبُ فِيمَا يُشْبِهُهَا وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا فِي الْخِصَالِ وَمِنْهُ مَعَ تَشَبُّهِهِمْ الطَّوَافَ بِالصَّلَاةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ وَاجِبَاتِهِ وَسُنَنِهِ الظَّاهِرُ فِي أَنَّهُ يُسَنُّ وَيُكْرَهُ فِيهِ كُلُّ مَا يُتَصَوَّرُ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَمَكْرُوهَاتِهَا يُؤْخَذُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي يَدَيْ الطَّائِفِ إنْ دَعَا رَفَعَهُمَا وَإِلَّا فَجَعَلَهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ بِكَيْفِيَّتِهِمَا ثَمَّ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الطَّوَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ أَفْضَلُ مِنْ الْجُلُوسِ ذَاكِرًا إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ لِفَاعِلِهِ ثَوَابُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّتَيْنِ وَلَمْ يَرِدْ فِي الطَّوَافِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَا يُقَارِبُ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ كَرِهَ الطَّوَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَلَمْ يَكْرَهْ أَحَدٌ تِلْكَ الْجِلْسَةَ، بَلْ أَجْمَعُوا عَلَى نَدْبِهَا وَعَظِيمِ فَضْلِهَا وَالِاشْتِغَالُ بِالْعُمْرَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِالطَّوَافِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إذَا اسْتَوَى زَمَانُهُمَا كَمَا مَرَّ وَالْوُقُوفُ أَفْضَلُ مِنْهُ عَلَى الْأَوْجَهِ لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» أَيْ مُعْظَمُهُ كَمَا قَالُوهُ وَلِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْحَجِّ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ جَاءَ فِيهِ مِنْ حَقَائِقِ الْقُرْبِ وَعُمُومِ الْمَغْفِرَةِ وَسَعَةِ الْإِحْسَانِ مَا لَمْ يَرِدْ فِي الطَّوَافِ وَاغْتِفَارِ الصَّارِفِ فِيهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ لِعَظِيمِ الْعِنَايَةِ بِحُصُولِهِ رِفْقًا بِالنَّاسِ لِصُعُوبَةِ قَضَاءِ الْحَجِّ لَا لِكَوْنِهِ قُرْبَةً مُسْتَقِلَّةً، بَلْ عَدَمُ اسْتِقْلَالِهِ مِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لِعِزَّتِهِ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَوِّمًا لِلْحَجِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، بَلْ أَفْضَلُهَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ فَانْدَفَعَ ادِّعَاءُ أَفْضَلِيَّةِ الطَّوَافِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُهُ عَلَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمِنْ حَيْثُ شُرُوعُ التَّطَوُّعِ بِهِ فَتَأَمَّلْ حَجّ
وَفِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَالِ الطَّوَافِ أَنْ يَصُونَ نَظَرَهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ وَأَمْرَدَ حَسَنِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ بِكُلِّ حَالٍ لَا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَحَالِ الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَنْظُرُ فِيهَا إلَى الْمَرْأَةِ لِلْحَاجَةِ فَلْيَحْذَرْ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ الشَّرِيفِ وَيَصُونُ نَظَرَهُ وَقَلْبَهُ عَنْ احْتِقَارِ مَنْ يَرَاهُ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَنْ فِي بَدَنِهِ نَقْصٌ أَوْ جَهِلَ شَيْئًا مِنْ الْمَنَاسِكِ أَوْ غَلِطَ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَهُ ذَلِكَ بِرِفْقٍ، وَقَدْ جَاءَتْ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فِي تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ كَثِيرِينَ أَسَاءُوا الْأَدَبَ فِي الطَّوَافِ كَمَنْ نَظَرَ امْرَأَةً فِي الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا الْأَمْرُ مِمَّا يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَشَدِّ الْقَبَائِحِ فِي أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ اهـ.
وَفِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ وَيُكْرَهُ الْبَصْقُ فِي الطَّوَافِ بِلَا عُذْرٍ وَجَعْلُ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُتَكَتِّفًا وَوَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى فِيهِ إلَّا فِي حَالَةِ تَثَاؤُبِهِ فَيُسْتَحَبُّ وَتَشْبِيكُ أَصَابِعِهِ أَوْ تَفَرْقُعُهَا وَكَوْنُهُ حَاقِبًا أَوْ حَاقِنًا أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَتُوقُ نَفْسُهُ لَهُ وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ مُتَنَقِّبَةً وَلَيْسَتْ مُحْرِمَةً وَيَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى تَنَقُّبٍ بِلَا حَاجَةٍ بِخِلَافِهِ لَهَا كَوُجُودِ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهَا وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهِ وَكَرَاهَةُ الشُّرْبِ أَخَفُّ وَتَطَوُّعُهُ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الطَّوَافِ اهـ.
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْبَصْقُ فِي الطَّوَافِ وَإِذَا فَعَلَهُ فَلْيَكُنْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ أَمَّا إلْقَاؤُهُ فِي أَرْضِ الْمَطَافِ فَحَرَامٌ، وَقَوْلُهُ وَجَعْلُ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ إلَخْ وَهَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُنَافَاةً لِمَا كَانَ عَلَيْهِ هَيْئَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَوْلُهُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ أَيْ مَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَأَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ) وَيُنْدَبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ بِفَتْحِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم الْتَزَمَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّ هُنَاكَ مَلَكًا مُؤَمِّنٌ عَلَى الدُّعَاءِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَمُحَاذَاةِ الْبَابِ مِنْ أَسْفَلِهِ وَعَرْضُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَيُلْصِقُ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ بِجِدَارِ الْبَيْتِ وَيَضَعُ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَى الْبَابِ وَالْيُسْرَى إلَى الرُّكْنِ وَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنْ النَّارِ وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَوَسَاوِسِهِ وَيَدْعُو
وَ) فِعْلُهُمَا (خَلْفَ الْمَقَامِ أَوْلَى) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَذِكْرُ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ زِيَادَتِي وَكَذَا قَوْلِي (فَ) إنْ لَمْ يَفْعَلْهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ فَعَلَهُمَا (فِي الْحِجْرِ فَفِي الْمَسْجِدِ فَفِي الْحَرَمِ فَحَيْثُ شَاءَ) مَتَى شَاءَ وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ وَيَقْرَأُ فِيهِمَا (بِسُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِمَا فِي قِرَاءَتِهِمَا مِنْ الْإِخْلَاصِ الْمُنَاسِبِ لِمَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ثَمَّ (وَ) أَنْ (يَجْهَرَ) بِهِمَا (لَيْلًا) مَعَ مَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُسِرُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ كَالْكُسُوفِ وَيُجْزِئُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَرِيضَةٌ وَنَافِلَةٌ أُخْرَى.
ــ
[حاشية الجمل]
بِمَا شَاءَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهَا إنْ اسْتَقَلَّتْ بِخِلَافِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَيُنْدَبُ إذَا وَالَى بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ طَوَافٍ أَنْ يُصَلِّيَ لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ كُلِّ طَوَافٍ عَقِبَهُ، وَلَوْ قَصَدَ كَوْنَ الرَّكْعَتَيْنِ عَنْ الْكُلِّ كَفَى بِلَا كَرَاهَةٍ، وَقِيَاسُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَنْ يَكُونَ الْإِطْلَاقُ كَذَلِكَ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ إحْرَامُهُ بِأَرْبَعٍ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةُ الطَّوَافِ كَمَا فِي التَّحِيَّةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْجَوَازُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَخَلْفَ الْمَقَامِ) الْمُرَادُ بِهِ كَوْنُ الْمَقَامِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مِنْ جِهَتِهَا فَغَيَّرَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي حَجّ مَا نَصُّهُ وَخَلْفَ الْمَقَامِ أَيْ الْحَجَرِ الَّذِي أُنْزِلَ مِنْ الْجَنَّةِ لِيَقُومَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ لَمَّا أُمِرَ بِهِ وَأُرِيَ مَحَلَّهَا بِسَحَابَةٍ عَلَى قَدْرِهَا فَكَانَ الْحَجَرُ يَقْصُرُ بِهِ إلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ الْآلَةَ مِنْ إسْمَاعِيلَ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَطُولُ إلَى أَنْ يَضَعَهَا ثُمَّ بَقِيَ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ وَكَثْرَةِ الْأَعْدَادِ بِجَنْبِ بَابِ الْكَعْبَةِ حَتَّى وَضَعَهُ صلى الله عليه وسلم بِمَحَلِّهِ الْآنَ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ اضْطِرَابٍ فِي ذَلِكَ وَلَمَّا صَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ قَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] ، كَمَا قَرَأَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّفَا وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِمَا إعْلَامًا لِلْأُمَّةِ بِشَرَفِهَا وَإِحْيَاءً لِذِكْرِ إبْرَاهِيمَ كَمَا أَحْيَا ذِكْرَهُ بِكَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَبُ الرَّحِيمُ الدَّاعِي بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ لِهِدَايَتِهِمْ وَتَكْمِيلِهِمْ وَالْمُرَادُ بِخَلْفِهِ كُلَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عُرْفًا وَحَدَثَ الْآنَ فِي الْمُسَقَّفِ خَلْفَهُ زِينَةٌ عَظِيمَةٌ بِذَهَبٍ وَغَيْرِهِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الصَّلَاةِ تَحْتَهَا وَيَلِيهَا فِي الْفَضْلِ دَاخِلُ الْكَعْبَةِ فَتَحْتُ الْمِيزَابِ فَبَقِيَّةُ الْحَرَمِ فَالْحَطِيمُ فَوَجْهُ الْكَعْبَةِ فَبَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ فَبَقِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَدَارُ خَدِيجَةَ رضي الله عنها فَمَكَّةُ فَالْحَرَمُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا وَتَوَقُّفُ الْإِسْنَوِيِّ فِي دَاخِلِ الْكَعْبَةِ رَدُّوهُ بِأَنَّ فِعْلَهُمَا خَلْفَهُ هُوَ الثَّابِتُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي أَفْضَلِيَّةِ ذَلِكَ بَلْ قَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُمَا لَا خَلْفَهُ وَمَالِكٌ إنَّ أَدَاءَهُمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَيُرَدُّ أَيْضًا بِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْكَعْبَةِ لِلِاتِّبَاعِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ) هَلْ الْمُرَادُ مَا لَمْ يَأْتِ بَعْدَ الطَّوَافِ بِفَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أُخْرَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَيَجْزِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ إلَخْ أَوْ أَعَمُّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْآتِي وَيَجْزِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ إلَخْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ أَصْلَ الطَّلَبِ فَلَا يُنَافِي خُصُوصَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ اهـ. سم.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُمَا فَرِيضَةٌ وَنَافِلَةٌ قُلْت لَا يَضُرُّ هَذَا الِاحْتِمَالُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّ بَعْدَ الطَّوَافِ أَصْلًا أَوْ صَلَّى لَكِنَّهُ نَفَى سُنَّةَ الطَّوَافِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ) وَيُسَنُّ لِمَنْ أَخَّرَهُمَا إرَاقَةُ دَمٍ، وَإِنْ صَلَّاهُمَا فِي الْحَرَمِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا يَظْهَرُ أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَيُصَلِّيهِمَا الْوَلِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَالْأَجِيرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَوْ مَغْصُوبًا وَفَارَقَ صَلَاةَ الْمُمَيِّزِ لَهُمَا وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِأَنَّهُ مُحْرِمٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ أَيْ فَيَكُونُ فِي حَقِّ الْقَادِرِ بِشَاةٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ بِصِيَامِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ثَلَاثَةٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِمَوْتِهِ) وَتَمْتَازُ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَنْ غَيْرِهَا بِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهَا فَإِنَّ الْأَجِيرَ فِي الْحَجِّ يُصَلِّيهِمَا وَتَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِسُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ) وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُمَا اللَّهُمَّ أَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدَيْك أَتَيْتُك بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وَأَعْمَالٍ سَيِّئَةٍ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ النَّارِ فَاغْفِرْ لِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ اهـ. مِنْ هَامِشِ الْإِيضَاحِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ بِهِمَا لَيْلًا) أَيْ وَلَوْ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا يُعَارِضُهُ خِلَافًا لِمَا ظَنَّهُ قَوْلُهُمْ يُسَنُّ التَّوَسُّطُ فِي نَافِلَةِ اللَّيْلِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ؛ وَلِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَلَوْ نَوَاهَا مَعَ مَا سُنَّ الْإِسْرَارُ فِيهِ كَرَاتِبَةِ الْعِشَاءِ احْتَمَلَ نَدْبَ الْجَهْرِ مُرَاعَاةً لَهَا لِتَمَيُّزِهَا بِالْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي وُجُوبِهَا وَالسِّرِّ مُرَاعَاةً لِلرَّاتِبَةِ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ بَحَثَ أَنَّهُ يَتَوَسَّطُ بَيْنَ الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ مُرَاعَاةً لِلصَّلَاتَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّوَسُّطَ بَيْنَهُمَا بِفَرْضِ تَصَوُّرِهِ وَأَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِيهِ مُرَاعَاةٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِهِ إلَّا فِي النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ كَمَا تَقَرَّرَ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: لَيْلًا) بِخِلَافِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ السُّنَّةَ فِيهِمَا الْإِسْرَارُ، وَلَوْ لَيْلًا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ الْجَهْرَ لَيْلًا وَكَأَنَّ الْفَرْقَ الِاتِّبَاعُ؛ لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ اتِّبَاعٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيُجْزِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ إلَخْ) أَيْ يُجْزِي فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ مُطْلَقًا
(وَلَوْ حَمَلَ شَخْصٌ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ) طَافَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ (مُحْرِمًا) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ)(وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وَطَافَ بِهِ) بِقَيْدٍ زِدْته فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ بِقَوْلِي (وَلَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا) بِأَنْ نَوَاهُ لِلْمَحْمُولِ أَوْ أَطْلَقَ (وَقَعَ) الطَّوَافُ (لِلْمَحْمُولِ)
ــ
[حاشية الجمل]
وَفِي حُصُولِ الثَّوَابِ أَنْ يَنْوِيَ سُنَّةَ الطَّوَافِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ ثُمَّ إنْ نُوِيَتْ أُثِيبَ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا سَقَطَ الطَّلَبُ فَقَطْ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَمَلَ شَخْصٌ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ هَذَا الْمَبْحَثِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ كَمَا صَنَعَ فِي الرَّوْضِ، وَقَدْ أَشَارَ م ر فِي شَرْحِهِ إلَى رَبْطِهِ بِمَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَطُوفَ بِنَفْسِهِ وَلِهَذَا لَوْ حَمَلَ شَخْصٌ مُحْرِمًا إلَخْ. اهـ. وَمَعَ هَذَا صَنِيعُ الرَّوْضِ أَحْسَنُ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ أَيْضًا: وَلَوْ حَمَلَ شَخْصٌ مُحْرِمًا إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَحْمُولُ بِهِ عُذْرٌ مِنْ صِغَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ فِي الصَّغِيرِ أَحَمَلَهُ وَلِيُّهُ الَّذِي أَحْرَمَ عَنْهُ أَمْ غَيْرُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ فِي حَمْلِ غَيْرِ الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ إذَا طَافَ رَاكِبًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهُ أَوْ نَائِبُهُ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَطُفْ) أَيْ سَوَاءٌ دَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَفِي نُسْخَةٍ لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ طَوَافِهِ ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ أَيْ الْمَحْمُولِ، وَقَوْلُهُ بِقَيْدٍ زِدْته فِي الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِي إلَخْ وَهُمَا قَوْلُهُ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ أَيْ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَهَذَا الْقَيْدُ مَذْكُورٌ فِيهَا فِي الْأَصْلِ، وَقَوْلُهُ بِأَنْ نَوَاهُ لِلْمَحْمُولِ فِي نُسْخَةٍ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ إلَخْ هَذَا رُبَّمَا يُعَيِّنُ الضَّرْبَ عَلَى تِلْكَ النُّسْخَةِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ طَافَ الْمَحْمُولُ عَنْ نَفْسِهِ إلَخْ هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ أَيْ لِلْمَحْمُولِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَنْوِهِ أَيْ الْمَحْمُولُ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ مَعَ الْحَامِلِ بِأَنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا بِأَنْ نَوَاهُ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ مَعَ الْحَامِلِ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَطُفْ إلَخْ فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهُ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ نَوَاهُ الْحَامِلُ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا اهـ. ح ل وَحَاصِلُ صُوَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالِاخْتِصَارِ سِتَّةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْحَامِلِ أَرْبَعَةٌ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ إلَخْ وَأَحْوَالَ نِيَّتِهِ أَرْبَعَةٌ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا تُضْرَبُ فِي الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ فَيَقَعُ الطَّوَافُ لِلْمَحْمُولِ فِي ثَمَانِيَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ بِأَنْ نَوَاهُ لِلْمَحْمُولِ أَوْ أَطْلَقَ هَاتَانِ صُورَتَانِ فِي أَحْوَالِ الْحَامِلِ الْأَرْبَعِ أَخْرَجَ مِنْهَا وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ إلَّا إنْ أَطْلَقَ إلَخْ تُضَمُّ إلَى الثَّمَانِيَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ، وَإِنْ نَوَاهُ الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا هَاتَانِ صُورَتَانِ فِي أَحْوَالِ الْحَامِلِ الْأَرْبَعِ بِثَمَانِيَةٍ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَقَعُ لِلْمَحْمُولِ فِي سَبْعَةٍ وَلِلْحَامِلِ فِي تِسْعَةٍ هَذَا، وَإِنْ اعْتَبَرْت لِلْمَحْمُولِ أَحْوَالًا أَرْبَعَةً كَالْحَامِلِ بَلَغَتْ أَرْبَعًا وَسِتِّينَ، وَإِنْ اعْتَبَرْت أَحْوَالَ النِّيَّةِ الْأَرْبَعَ فِي الْمَحْمُولِ بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَسِتَّةً وَخَمْسِينَ اهـ.
شَيْخُنَا وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمَحْمُولَ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَلَالَيْنِ أَوْ مُحْرِمَيْنِ أَوْ الْأَوَّلُ حَلَالٌ وَالثَّانِي مُحْرِمٌ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ طَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ دَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ أَوْ لَا وَمِثْلُهُ الْمَحْمُولُ، وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةِ الْحَامِلِ فِي أَرْبَعَةِ الْمَحْمُولِ سِتَّةَ عَشَرَ تُضْرَبُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى بِأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَامِلُ الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ عَنْ الْمَحْمُولِ أَوْ عَنْهُمَا أَوْ يُطْلِقَ وَمِثْلُهَا فِي الْمَحْمُولِ فَتُضْرَبُ أَرْبَعَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ وَهِيَ صُوَرُ النِّيَّةِ تُضْرَبُ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتِّينَ تَبْلُغُ أَلْفًا وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ صُورَةً اهـ. وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي السَّعْيِ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الصَّارِفِ كَالطَّوَافِ، وَقَوْلُهُ مُحْرِمًا أَيْ وَلَوْ صَغِيرًا لَمْ يُمَيِّزْ لَكِنْ إنْ كَانَ حَامِلُهُ الْوَلِيَّ أَوْ مَأْذُونَهُ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ طَوَافِهِ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ أَوْ مَأْذُونِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ حَمَلَ مَا لَوْ جَذَبَ مَا هُوَ عَلَيْهِ كَخَشَبَةٍ أَوْ سَفِينَةٍ فَإِنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِكُلٍّ بِطَوَافِ الْآخَرِ لَكِنْ بَحَثَ جَرَيَانَ تِلْكَ الْأَحْكَامِ هُنَا أَيْضًا وَلَهُ وَجْهٌ نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْجَاذِبُ الْمَشْيَ لِأَجْلِ الْجَذْبِ بَطَلَ طَوَافُهُ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ وَخَرَجَ أَيْضًا حَامِلٌ مُحْدِثٌ أَوْ نَحْوُهُ كَالْبَهِيمَةِ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَقَعَ لِلْمَحْمُولِ) اُسْتُشْكِلَ وُقُوعُ الطَّوَافِ عَنْ الْمَحْمُولِ بِشَرْطِهِ بِقَوْلِهِمْ فِيمَا لَوْ قَالُوا عَلَيْهِ طَوَافُ إفَاضَةٍ أَوْ مَنْذُورٍ مُعَيَّنَ الْوَقْتِ أَوَّلًا فَنَوَى غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ لِلْإِفَاضَةِ أَوْ الْمَنْذُورِ فِي وَقْتِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ وَأَجَابَ ابْنُ الْمُقْرِي، فَقَالَ لَعَلَّ الشَّرْطَ فِي الصَّرْفِ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ إلَى غَيْرِ طَوَافٍ أَمَّا إذَا صَرَفَهُ إلَى طَوَافٍ آخَرَ فَلَا يَنْصَرِفُ سَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ نَفْسَهُ أَمْ غَيْرَهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْحَامِلَ جَعَلَ نَفْسَهُ آلَةً لِمَحْمُولِهِ فَانْصَرَفَ فِعْلُهُ عَنْ الطَّوَافِ وَالْوَاقِعُ لِمَحْمُولِهِ طَوَافُهُ لَا طَوَافُ الْحَامِلِ كَمَا فِي رَاكِبِ الدَّابَّةِ بِخِلَافِ النَّاوِي فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ أَتَى بِطَوَافٍ لَكِنَّهُ صَرَفَهُ لِطَوَافٍ آخَرَ فَلَمْ يَنْصَرِفْ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْأَوَّلَ خَاصٌّ بِالْمَحْمُولِ وَالثَّانِيَ بِغَيْرِهِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَقَوْلُهُ وَالْوَاقِعُ لِمَحْمُولِهِ طَوَافُهُ
لِأَنَّهُ كَرَاكِبِ دَابَّةٍ وَعُمِلَ بِنِيَّةِ الْحَامِلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ لِلْحَامِلِ الْمُحْرِمِ إذَا دَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وَنَوَى الْمَحْمُولُ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ نَفْسِهِ (إلَّا إنْ أَطْلَقَ وَكَانَ كَالْمَحْمُولِ) فِي كَوْنِهِ مُحْرِمًا مَا لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ (فَ) يَقَعُ (لَهُ) لِأَنَّهُ الطَّائِفُ وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ طَافَ الْمَحْمُولُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ طَوَافِهِ لَمْ يَقَعْ لَهُ إنْ لَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَكَمَا لَوْ لَمْ يَطُفْ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ، وَإِنْ نَوَاهُ الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا وَقَعَ لَهُ، وَإِنْ نَوَاهُ مَحْمُولُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ عَنْهَا عَمَلًا بِنِيَّتِهِ فِي الْجَمِيعِ؛ وَلِأَنَّهُ الطَّائِفُ وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَطُفْ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وَإِفَادَةُ حُكْمِ الْإِطْلَاقِ فِي مَنْ لَمْ يَطُفْ مِنْ زِيَادَتِي (وَسُنَّ) لِكُلٍّ بِشَرْطِهِ فِي الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى (أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ بَعْدَ طَوَافِهِ وَصَلَاتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا) وَهُوَ الْبَابُ الَّذِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ (لِلسَّعْيِ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ــ
[حاشية الجمل]
أَيْ بِنِيَّةِ الْحَامِلِ إذْ لَا فِعْلَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يُنَافِي الْآلِيَّةَ فَلَا يُنَافِي مَا بَحَثْنَاهُ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْحَامِلُ غَيْرَ الطَّوَافِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْصُلَ لِلْمَحْمُولِ، وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ قَصْدَ غَيْرِ الطَّوَافِ يُنَافِي آلِيَّةَ فِعْلِهِ لِلْمَحْمُولِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَرَاكِبِ دَابَّةٍ) بِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ هُنَا.
وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ وَقَعَ لِلْمَحْمُولِ قَدْ يُشْكِلُ بِمَا لَوْ اسْتَنَابَ الْعَاجِزُ عَنْ الرَّمْيِ مَنْ لَمْ يَرْمِ عَنْ نَفْسِهِ حِينَ يَقَعُ رَمْيُ النَّائِبِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْمُسْتَنِيبَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الرَّمْيَ مَحْضُ فِعْلِ النَّائِبِ فَلَمْ يَنْصَرِفْ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ لِلْمَحْمُولِ طَوَافٌ وَالْحَامِلُ كَالدَّابَّةِ كَمَا قَرَّرُوهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ طَافَ الْمَحْمُولُ عَنْ نَفْسِهِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لَمْ يَطُفْ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَدَخَلَ فَالْمُرَادُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ أَيْ لَمْ يَطُفْ وَلَمْ يَدْخُلْ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ اُنْظُرْ هَلْ يَقَعُ لِلْحَامِلِ أَوْ لَا وَمُقْتَضَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْحَامِلَ نَوَاهُ لِلْمَحْمُولِ أَوْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ فَيَكُونُ غَيْرَ وَاقِعٍ لَهُمَا، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَكَمَا إلَخْ أَيْ فَيَقَعُ لِلْمَحْمُولِ فَتَكُونُ نِيَّةُ الْمَحْمُولِ فِي الطَّوَافِ لِنَفْسِهِ قَائِمَةً مَقَامَ دُخُولِ وَقْتِ طَوَافِهِ اهـ. شَيْخُنَا مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ إلَخْ) قَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْحُ فِي الْمَحْمُولِ أَحْوَالَ النِّيَّةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَأَشَارَ الْمَتْنُ إلَى اعْتِبَارِ أَحْوَالِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأُخْرَى بِقَوْلِهِ مُحْرِمًا لَمْ يَطُفْ إلَخْ فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ أَحْوَالُ الْمَحْمُولِ السِّتَّةَ عَشَرَ كَمَا اُعْتُبِرَتْ أَحْوَالُ الْحَامِلِ كَذَلِكَ، وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحْوَالِ الْحَامِلِ لَمْ يُوفِ بِكَلَامِ الْمَتْنِ مَعَ الشَّرْحِ إذْ عَلَى اعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْحَامِلِ السِّتَّةَ عَشَرَ وَالسُّكُوتِ عَنْ أَحْوَالِ الْمَحْمُولِ يَكُونُ الْقَائِلُ بِذَلِكَ سَاكِتًا عَنْ قَوْلِ الشَّرْحِ فَإِنْ طَافَ الْمَحْمُولُ عَنْ نَفْسِهِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ نَوَاهُ الْحَامِلُ إلَخْ مَعَ أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِيهِ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ لَمْ يُعْلَمْ حُكْمُهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ نَوَاهُ لِنَفْسِهِ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَطُفْ إلَخْ أَيْ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِلْمَحْمُولِ أَيْ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحَامِلَ نَوَى الْمَحْمُولَ أَوْ أَطْلَقَ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَاهُ مَحْمُولُهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ سَوَاءٌ نَوَاهُ أَوْ لَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْمَحْمُولِ إذَا نَوَاهُ الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا وَيَبْقَى مَا إذَا قَصَدَ الْحَامِلُ عَدَمَ الطَّوَافِ أَوْ إدْرَاكَ غَرِيمٍ وَنَوَى الْمَحْمُولُ الطَّوَافَ لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَحْصُلُ الطَّوَافُ لِلْمَحْمُولِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ هُوَ الدَّائِرُ، وَقَدْ صُرِفَ الدَّوَرَانُ عَنْ الطَّوَافِ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْمَحْمُولِ مَعَ ذَلِكَ إذْ لَوْ أَثَّرَتْ لَأَثَّرَتْ فِيمَا إذَا نَوَاهُ الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ بِجَامِعِ صَرْفِهِ عَنْ الْمَحْمُولِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الطَّوَافَ فِعْلٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمَحْمُولِ فِعْلٌ إلَّا بِوَاسِطَةِ فِعْلِ الْحَامِلِ فَإِذَا صَرَفَهُ عَنْ الطَّوَافِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَحْصُلَ الطَّوَافُ لِلْمَحْمُولِ إذْ لَا فِعْلَ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَقْرَبُ وَيُفَارِقُ حِينَئِذٍ الدَّابَّةُ بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَصْرُوفٍ فَأَمْكَنَ كَوْنُهَا آلَةً وَلَا تُمْكِنُ الْآلِيَّةُ هُنَا مَعَ الصَّرْفِ عَنْ الطَّوَافِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ الطَّائِفُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ خَاصٌّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي ضِمْنِ التَّعْلِيلِ الْعَامِّ وَانْظُرْ لِمَ أَفْرَدَهَا بِالتَّعْلِيلِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) اقْتِصَارُهُ عَلَى اسْتِلَامِ الْحَجَرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسَنُّ التَّقْبِيلُ وَلَا السُّجُودُ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فَصْلٌ ثُمَّ يَعُودُ نَدْبًا بَعْدَ فَرَاغِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِيَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ حِينَئِذٍ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَلَا السُّجُودُ عَلَيْهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ سَبَبَهُ الْمُبَادَرَةُ لِلسَّعْيِ اهـ. . وَالظَّاهِرُ سَنُّ ذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ.
وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ تُشِيرُ إلَيْهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي التَّقْبِيلِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ وَالْمِيزَابَ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ وَيَدْعُو شَاذٌّ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ فِي الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى) الشَّرْطُ خُلُوُّ الْمَطَافِ اهـ. رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَخْرُجُ) أَيْ عَقِبَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْتِيَ الْمِيزَابَ وَالْمُلْتَزَمَ مُبَادَرَةً لِلسَّعْيِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَنِّ إتْيَانِ الْمُلْتَزَمِ عَقِبَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ فِي طَوَافٍ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ سَعْيٌ اهـ. ح ل.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ وَلَا الْمِيزَابَ قَبْلَ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَا بَعْدَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ مُبَادَرَةٌ لِلسَّعْيِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَمُخَالَفَةُ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ شَاذَّةٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، قَالَ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ثُمَّ صَوَّبَ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ عَقِبَ الرَّكْعَتَيْنِ لَا بِالِاسْتِلَامِ ثُمَّ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: الَّذِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ) أَيْ الْمُحَاذِي لِمَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ الطَّاقُ الْأَوْسَطُ مِنْ الطَّاقَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي تُحَاذِي مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ
(وَشَرْطُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا) بِالْقَصْرِ طَرَفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ (وَيَخْتِمَ بِالْمَرْوَةِ) وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِي فَلَوْ عَكَسَ لَمْ تُحْسَبْ الْمَرَّةُ الْأُولَى (وَ) أَنْ (يَسْعَى سَبْعًا ذَهَابُهُ مِنْ كُلِّ مَرَّةٍ) مِنْهُمَا (لِلْآخَرِ فِي الْمَسْعَى مَرَّةٌ) لِلِاتِّبَاعِ، «وَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ «فَابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» (وَ) أَنْ يَسْعَى (بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومٍ وَ) أَنْ (لَا يَتَخَلَّلَهُمَا) أَيْ السَّعْيَ وَطَوَافَ الْقُدُومِ (الْوُقُوفُ) بِعَرَفَةَ بِأَنْ يَسْعَى قَبْلَهُ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا الْوُقُوفُ امْتَنَعَ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْفَرْضِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَسْعَى
ــ
[حاشية الجمل]
أَهْلِ مَكَّةَ مَشْهُورٌ اهـ. تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ وُقُوعِهِ عَنْ الرُّكْنِ. اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا) أَيْ فِي الْأُولَى وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْأَوْتَارِ وَيَبْدَأَ بِالْمَرْوَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْأَشْفَاعِ اهـ. حَجّ فَالْأُولَى لَا تُحْسَبُ أُولَى إلَّا إذَا كَانَتْ مَبْدُوءَةً مِنْ الصَّفَا، وَكَذَا الثَّالِثَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّابِعَةُ، وَكَذَا الثَّانِيَةُ لَا تُحْسَبُ إلَّا إذَا كَانَتْ مَبْدُوءَةً مِنْ الْمَرْوَةِ، وَكَذَا الرَّابِعَةُ وَالسَّادِسَةُ فَلِذَلِكَ فَرَّعَ حَجّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَقَالَ لَوْ تَرَكَ خَامِسَةً مَثَلًا جَعَلَ السَّابِعَةَ خَامِسَةً وَأَتَى بِسَادِسَةٍ وَسَابِعَةٍ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ فَلَوْ تَرَكَ خَامِسَةً إلَخْ أَقُولُ صُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَذْهَبَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ الَّتِي انْتِهَاؤُهَا بِالصَّفَا مِنْ غَيْرِ الْمَسْعَى إلَى الْمَرْوَةِ ثُمَّ يَعُودَ مِنْ الْمَرْوَةِ فِي الْمَسْعَى إلَى الصَّفَا ثُمَّ يَعُودَ فِي الْمَسْعَى مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ، فَقَدْ تَرَكَ الْخَامِسَةَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ لَمْ يَذْهَبْ فِي الْمَسْعَى إلَى الْمَرْوَةِ، بَلْ ذَهَبَ فِي غَيْرِهَا فَلَا يُحْسَبُ لَهُ ذَلِكَ خَامِسَةً وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ حُسْبَانِهِ خَامِسَةً إلْغَاءُ السَّادِسَةِ الَّتِي هِيَ عَوْدُهُ بَعْدَ هَذَا الذَّهَابِ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا؛ لِأَنَّهَا مَشْرُوطَةٌ بِتَقَدُّمِ الْخَامِسَةِ عَلَيْهَا وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا السَّابِعَةُ الَّتِي هِيَ ذَهَابُهُ بَعْدَ هَذِهِ السَّادِسَةِ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ فَقَدْ وَقَعَتْ خَامِسَةً إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مِمَّا يُعْتَدُّ بِهِ إلَّا أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّ الْخَامِسَةَ مَتْرُوكَةٌ وَالسَّادِسَةَ لَغْوٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَصَارَتْ السَّابِعَةُ خَامِسَةً وَاحْتَاجَ لِعَدِّهَا إلَى سَادِسَةٍ وَسَابِعَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِالْقَصْرِ) وَأَصْلُهُ الْحِجَارَةُ الْمُلْسُ وَاحِدَتُهَا صَفَاةٌ كَحَصَاةٍ أَوْ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ فَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْجَمْعِ فَهُوَ الْحِجَارَةُ أَوْ فِي الْمُفْرَدِ فَالْحَجَرُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ) فِي كِتَابِ مُحَاضَرَاتِ الْأَبْرَارِ وَلِابْنِ عَرَبِيٍّ مَا لَفْظُهُ قُلْت أَذْكُرُ الْجَبَلَ الْأَمِينَ هُوَ أَبُو قُبَيْسٍ وَكَانَ اسْمُهُ أَوَّلًا الْأَمِينُ فَإِنَّهُ أَوْدَعَهُ اللَّهُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إلَى زَمَنِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا بَنِي الْبَيْتَ فَنَادَاهُ الْجَبَلُ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ مَخْبُوءَةٌ مِنْ زَمَنِ الطُّوفَانِ فَأَعْطَاهُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَإِنَّمَا حَدَثَ لَهُ اسْمُ أَبِي قُبَيْسٍ بِرَجُلٍ بَنَى دَارًا يُسَمَّى أَبَا قُبَيْسٍ وَكَانَ اسْمُهُ الْأَمِينَ فَغَلَبَ عَلَيْهِ اسْمُ أَبِي قُبَيْسٍ اهـ. مِنْ رِسَالَةِ ابْنِ عَلَّانَ.
(قَوْلُهُ: وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ طَرَفُ جَبَلِ قَيْنُقَاعَ اهـ. " بِرْمَاوِيٌّ وَالْآنَ عَلَيْهَا عَقْدٌ وَاسِعٌ عَلَامَةً عَلَى أَوَّلِهَا اهـ. حَجّ وَقَدْرُ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ سَبْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا وَكَانَ عَرْضُ الْمَسْعَى خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا فَأَدْخَلُوا بَعْضَهُ فِي الْمَسْجِدِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْوُصُولِ إلَيْهَا مُرُورَ السَّاعِي فِي سَعْيِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَالصَّفَا مُرُورُهُ فِيهِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِاسْتِقْبَالِ الْمَرْوَةِ ثُمَّ يَخْتِمُ بِهِ وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِمُبَاشَرَتِهِ فِي الْقُرْبَةِ أَكْثَرَ هُوَ أَفْضَلُ وَبُدَاءَتُهُ بِالصَّفَا وَسِيلَةُ اسْتِقْبَالِ الْمَرْوَةِ وَالْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا لِبَيَانِ التَّرْتِيبِ وَضَرُورَتِهِ فَلَا إشْعَارَ فِي تَقْدِيمِهَا بِأَفْضَلِيَّتِهَا وَالْبُدَاءَةُ بِالشَّيْءِ لَا تَسْتَلْزِمُ أَفْضَلِيَّةَ الْمَبْدَأِ عَلَى الْآخِرِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ آخِرُهُ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَبْدَأُ) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَاذَا تَبْدَأُ إذَا طُفْت، وَقَوْلُهُ فَابْدَءُوا بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ لِلْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ بِمَاذَا نَبْدَأُ إذَا طُفْنَا، قَالَ شَيْخُنَا وَلَعَلَّ السُّؤَالَ تَعَدَّدَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ قُدُومٍ) وَهُوَ أَيْ السَّعْيُ بَعْدَ الْقُدُومِ أَفْضَلُ مِنْهُ بَعْدَ الرُّكْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ، فَقَالَ وَإِذَا أَرَادَ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَلْزَمْهُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا إلَخْ اهـ.
وَعِبَارَةُ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ الْوُسْطَى وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ انْتَهَتْ. وَأَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِلِاتِّبَاعِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ وَفِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ: وَلَوْ دَخَلَ حَلَالٌ مَكَّةَ فَطَافَ لِلْقُدُومِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهَلْ لَهُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ أَوْ لَا، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ طَوَافُ الْقُدُومِ حَالَ الْإِحْرَامِ لِشُمُولِ نِيَّةِ الْحَجِّ لَهُمَا حِينَئِذٍ فَكَانَتْ التَّبَعِيَّةُ صَحِيحَةً لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ، فَالْمُجَانَسَةُ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَهُمَا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْآتِي فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْعَى بَعْدَهُ بَعْضَ السَّعْيِ وَيُكْمِلَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الرُّكْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا وَالْأَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ الْمَنْعُ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَسْعَى إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي الْمَعْنَى تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ امْتَنَعَ السَّعْيُ إلَخْ،.
وَعِبَارَةُ حَجّ فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ طَوَافِ نَفْلٍ كَأَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ بِحَجٍّ مِنْهَا ثُمَّ تَنَفَّلَ بِطَوَافٍ وَأَرَادَ السَّعْيَ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُ جَمْعٍ بِجَوَازِهِ
بَعْدَ طَوَافِ نَفْلٍ مَعَ إمْكَانِهِ بَعْدَ طَوَافِ فَرْضٍ.
(وَلَا تُسَنُّ إعَادَةُ سَعْيٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ (وَسُنَّ لِلذَّاكِرِ أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَامَةً) أَيْ قَدْرَهَا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَقَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي الذَّكَرَ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا الرُّقِيُّ إلَّا إنْ خَلَا الْمَحَلُّ عَنْ الرِّجَالِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْخُنْثَى الْإِسْنَوِيُّ وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَرْقَ
ــ
[حاشية الجمل]
حِينَئِذٍ ضَعِيفٌ كَقَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ الَّذِي تَبَيَّنَ لِي بَعْدَ التَّوَقُّفِ أَنَّ الرَّاجِحَ مَذْهَبًا صِحَّتُهُ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ صَحِيحٍ بِأَيِّ وَصْفٍ كَانَ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا بَعْدَ طَوَافِ وَدَاعٍ، بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ بَعْدَهُ كَمَا قَالَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَوَافَ وَدَاعٍ إلَّا إنْ كَانَ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْمَنَاسِكِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ بِلَا وَدَاعٍ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ فِي حَقِّهِ حِينَئِذٍ، وَتَصَوُّرِهِ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ أَرَادَ خُرُوجًا قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ لَا نَظَرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ الْمَشْرُوعِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَنَاسِكِ لَا فِي كُلِّ وَدَاعٍ، وَقَوْلُ جَمْعٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ لَهُ السَّعْيَ بَعْدَهُ إذَا عَادَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (تَنْبِيهٌ)
أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ ثُمَّ عَادَ لَهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ فَهَلْ يُسَنُّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ نَظَرًا لِدُخُولِهِ أَوْ لَا نَظَرًا لِعَدَمِ انْقِطَاعِ نِسْبَتِهِ عَنْهَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْعَوْدَ إلَيْهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَلَوْ قِيلَ بِالثَّالِثِ لَمْ يَبْعُدْ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَهُمْ نَدْبَهُ لِلْحَلَالِ الشَّامِلِ لِمَا إذَا فَارَقَ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ ثُمَّ عَادَ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الطَّبَرِيِّ مَا يُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَلَى الْخَارِجِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَلَا كَذَلِكَ طَوَافُ الْقُدُومِ وَعَلَيْهِ فَيُجْزِي السَّعْيُ بَعْدَهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَادَ لِمَكَّةَ بَعْدَ الْوَقْفِ وَقَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْقُدُومُ وَلَا يُجْزِيهِ السَّعْيُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ السَّعْيَ مَتَى أُخِّرَ عَنْ الْوُقُوفِ وَجَبَ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ انْتَهَتْ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ ثُمَّ أَرَادَ خُرُوجًا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَيْ وَلَوْ إلَى مِنًى يَوْمَ الثَّامِنِ لِلْمَبِيتِ بِهَا لَيْلَةَ التَّاسِعِ ثُمَّ الذَّهَابِ لِلْوُقُوفِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْخُرُوجِ لِغَيْرِ مِنًى بَيْنَ الْخُرُوجِ لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَمَا دُونَهَا فَلْيُرَاجَعْ، وَقَوْلُهُ تَنْبِيهٌ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ إلَخْ الَّذِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِمْ أَوْ قُدُومٍ مَا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ مَثَلًا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسَنُّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ فَيَنْبَغِي إجْزَاءُ السَّعْيِ بَعْدَهُ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ اهـ. فَجَزَمَ بِسَنِّ طَوَافِ الْقُدُومِ وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي إجْزَاءُ السَّعْيِ بَعْدَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ نَفْلٍ) وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ دَخَلَ مَكَّةَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَتَنَفَّلَ بِطَوَافٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ ذَلِكَ الطَّوَافِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ حَتَّى يُوقِعَهُ بَعْدَ طَوَافِ الرُّكْنِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ بِنِصْفِ اللَّيْلِ هَذَا مُرَادُهُ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَلَا تُسَنُّ إعَادَةُ سَعْيٍ) بَلْ تُكْرَهُ فَإِنْ أَعَادَهُ لَمْ يَحْرُمْ وَيُسْتَثْنَى الْقَارِنُ فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَلَوْ سَعَى صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ بِعَرَفَةَ أَوْ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ عَادَ لِعَرَفَةَ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ السَّعْيِ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ) أَيْ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ لَمْ يُعِدْهُ اهـ. فَقَيَّدَ عَدَمَ الْإِعَادَةِ بِكَوْنِهِ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ إنْ سَعَى لَا تُسَنُّ إعَادَتُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ فَعَلَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الرُّكْنِ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَإِذَا سَعَى وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يُعِدْهُ، وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ وَانْتَهَتْ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْإِعَادَةَ مَكْرُوهَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ م ر وحج.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَرْقَى) يُقَالُ رَقِيَ بِكَسْرِ الْقَافِ يَرْقَى بِفَتْحِهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَالرُّقِيُّ الْآنَ بِالْمَرْوَةِ مُتَعَذِّرٌ لَكِنْ بِآخِرِ دَكَّةٍ فَيَنْبَغِي رُقِيُّهَا عَمَلًا بِالْوَارِدِ مَا أَمْكَنَ اهـ. حَجّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَرَقِيت فِي السُّلَّمِ وَغَيْرِهِ أَرْقَى مِنْ بَابِ تَعِبَ رُقِيًّا عَلَى فُعُولٍ وَرَقْيًا مِثْلُ فَلْسٍ أَيْضًا وَارْتَقَيْت وَتَرَقَّيْت مِثْلُهُ وَرَقِيت السَّطْحَ وَالْجَبَلَ عَلَوْته يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَالْمَرْقَى وَالْمُرْتَقَى مَوْضِعُ الرُّقِيِّ وَالْمِرْقَاةُ مِثْلُهُ وَيَجُوزُ فِيهَا فَتْحُ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهُ مَوْضِعُ الِارْتِقَاءِ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ تَشْبِيهًا بِاسْمِ الْآلَةِ وَرَقَيْته أَرْقِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى رَقْيًا عَوَّذْته بِاَللَّهِ وَالِاسْمُ الرُّقْيَا عَلَى فُعْلَى وَالْمَرَّةُ رُقْيَةٌ وَالْجَمْعُ رُقًى مِثْلُ مُدْيَةٍ وَمُدًى اهـ. وَبَقِيَ مَعْنًى ثَالِثٌ وَهُوَ الرُّقِيُّ فِي الْمَعَانِي أَيْ التَّنَقُّلُ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ وَيُقَالُ فِيهِ رَقَى بِالْفَتْحِ يَرْقَى فَالْفَارِقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّقِيِّ فِي السُّلَّمِ فَتْحُ الْقَافِ فِي الْأُولَى وَكَسْرُهَا فِي الثَّانِيَةِ وَمُضَارِعُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ يَرْقَى كَيَرْضَى تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ خَلَى الْمَحَلُّ إلَخْ) خَالَفَهُ حَجّ، فَقَالَ أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا رُقِيٌّ، وَلَوْ فِي خَلْوَةٍ عَلَى الْأَوْجَهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا كَانَ يَقَعَانِ فِي شَكٍّ لَوْلَا الرُّقِيُّ فَيُسَنُّ لَهُمَا حِينَئِذٍ عَلَى الْأَوْجَهِ احْتِيَاطًا اهـ. لَكِنْ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر كَالشَّارِحِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَرْقَ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ الْمَسَافَةِ فِي كُلٍّ بِأَنْ يُلْصِقَ عَقِبَهُ أَوْ عَقِبَ
أَنْ يُلْصِقَ عَقِبَهُ بِأَصْلِ مَا يَذْهَبُ مِنْهُ وَرُءُوسَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (وَ) أَنْ (يَقُولَ كُلٌّ) مِنْ الذَّاكِرِ وَالرَّاقِي وَغَيْرِهِمَا (اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ) دِينًا وَدُنْيَا (وَ) أَنْ (يُثَلِّثَ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ) لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِزِيَادَةِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ وَنَقْصِ بَعْضِهَا، وَتَعْبِيرِي بِكُلٍّ إلَى آخِرِهِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا رَقَى إلَى آخِرِهِ (وَ) أَنْ (يَمْشِيَ) عَلَى هِينَتِهِ (أَوَّلَ السَّعْيِ وَآخِرَهُ وَ) أَنْ (يَعْدُوَ الذَّكَرُ) أَيْ يَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا (فِي الْوَسَطِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَمَحَلُّهُمَا) أَيْ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ (مَعْرُوفٌ) ثَمَّ فَيَمْشِي حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَيَعْدُو حَتَّى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِجِدَارِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه فَيَمْشِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمَرْوَةِ فَإِذَا عَادَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا مَشَى فِي مَحَلِّ مَشْيِهِ وَسَعَى فِي مَحَلِّ سَعْيِهِ أَوَّلًا وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي
ــ
[حاشية الجمل]
حَافِرِ مَرْكُوبِهِ بِأَصْلِ مَا يَذْهَبُ مِنْهُ وَرَأْسَ أُصْبُعِ رِجْلَيْهِ أَوْ رِجْلٍ أَوْ حَافِرِ مَرْكُوبِهِ بِمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ وَبَعْضُ دَرَجِ الصَّفَا مُحْدَثٌ فَلْيُحْتَطْ فِيهِ بِالرُّقِيِّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ وُصُولَهُ لِلدَّرَجِ الْقَدِيمِ، كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ زَمَنِهِمْ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُحْدَثٌ لِعُلُوِّ الْأَرْضِ حَتَّى غَطَّتْ دَرَجَاتٍ كَثِيرَةً انْتَهَتْ، وَقَوْلُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ زَمَنِهِمْ، وَأَمَّا الْآنَ إلَخْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمَا ذَكَرُوهُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، وَأَمَّا الْآنَ فَمِنْ أَصْلِهَا دَرَجٌ مَدْفُونٌ فَيَكْفِي إلْصَاقُ الْعَقِبِ أَوْ الْأَصَابِعِ بِآخِرِ دَرَجِهِمَا، وَأَمَّا الْمَرْوَةُ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ الْمُشْرِفِ ثَمَّ يَكُونُ قَدْ وَصَلَهَا، وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ كُلَّهُ بِأَدِلَّةٍ فِي الْحَاشِيَةِ اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يُلْصِقَ عَقِبَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُولَ كُلٌّ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ وَاقِفًا عَلَى كُلٍّ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ أُثْنِي عَلَيْهِ تَعَالَى لِهِدَايَتِهِ إيَّانَا فَالتَّكْبِيرُ هُنَا كَالْحَمْدِ فَلَا وَقْفَةَ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا اللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا لِغَيْرِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَقْدِيمُ الظَّرْفِ، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا هَدَانَا أَيْ عَلَى هِدَايَتِنَا فَهُوَ مَصْدَرٌ وَالْمُرَادُ دَلَّنَا عَلَى طَاعَتِهِ وَأَوْصَلَنَا بِالْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا أَيْ مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلَا تُحْصَرُ، وَقَوْلُهُ لَهُ الْمُلْكُ أَيْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ بِيَدِهِ أَيْ قُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ، وَقَوْلُهُ الْخَيْرُ زَادَ فِي رِوَايَةٍ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ مُمَكِّنٌ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدَّيْنَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِمَا شَاءَ) وَمِنْهُ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَإِنِّي أَسْأَلُك كَمَا هَدَيْتنِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ أَوَّلَ الْمَسْعَى إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ مَاشِيًا وَحَافِيًا إنْ أَمِنَ تَنَجُّسَ رِجْلَيْهِ وَسَهُلَ عَلَيْهِ وَمُتَطَهِّرًا وَمَسْتُورًا وَالْأَوْلَى تَحَرِّي خُلُوِّ الْمَسْعَى إلَّا إنْ فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا وَقِيَاسُهُ نَدْبُ تَحَرِّي خُلُوِّ الْمَطَافِ حَيْثُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمُبَادَرَةِ بِهِ وَلَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ اتِّفَاقًا عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَتَهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ جَمْعًا مُجْتَهِدِينَ قَائِلُونَ بِامْتِنَاعِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُمْ خَالَفُوا مَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فِيهِ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ مَرَّاتِهِ بَلْ يُكْرَهُ الْوُقُوفُ فِيهِ لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَمَرَّ أَنَّهُ يَضُرُّ صَرْفُهُ كَالطَّوَافِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ كَيْفِيَّةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَأَنْ يَمْشِيَ أَوَّلَ الْمَسْعَى وَآخِرَهُ. انْتَهَتْ قَالَ فِي الْعُبَابِ وَيَجِبُ أَنْ يَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَلَوْ الْتَوَى فِيهِ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ بِخِلَافِهِ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْهُ وَضَبَطْت ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنْ يَخْرُجَ عَنْ سَمْتِ الْعَقْدِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْمَرْوَةِ إذْ هُوَ مُقَارِنٌ لِعَرْضِ الْمَسْعَى مِمَّا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الَّذِي ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ أَنَّهُ عَرْضُهُ ثُمَّ مَا ذَكَرَ هُوَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ السَّعْيُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ السَّعْيِ فَلَوْ مَرَّ وَرَاءَ مَوْضِعِهِ فِي زُقَاقِ الْعَطَّارِينَ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مُخْتَصٌّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ كَالطَّوَافِ إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ الْتَوَى فِي سَعْيِهِ يَسِيرًا جَازَ، وَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَوْ زُقَاقَ الْعَطَّارِينَ فَلَا اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْعُبَابِ وَلَوْ الْتَوَى فِيهِ يَسِيرًا الْمُرَادُ بِالْيَسِيرِ فِيهِ مَا لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَعْدُوَ الذَّكَرُ إلَخْ) وَيُلَاحِظُ بِقَلْبِهِ عِنْدَ ذَلِكَ إقَامَةَ السُّنَّةِ وَالْحَذَرَ أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى عَادَةِ الْعَوَامّ مِنْ الْمُسَابَقَةِ فِيهِ فَيَصِيرُ لَعِبًا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: فِي الْوَسَطِ) الْمُرَادُ بِالْوَسَطِ هُنَا الْأَمْرُ التَّقْرِيبِيُّ إذْ مَحَلُّ الْعَدْوِ أَقْرَبُ إلَى الصِّفَةِ مِنْهُ إلَى الْمَرْوَةِ بِكَثِيرٍ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: قَدْرَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ) أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ كَانَ مَحَلَّ ذَلِكَ الْمِيلِ فَلَمَّا رَمَاهُ السَّيْلُ أَلْصَقُوهُ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَقَدَّمَ عَنْ مُحَاذَاةِ مَحَلِّهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ) هَذَا التَّعْبِيرُ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَسْعَى لَا يَمُرُّ إلَّا عَلَى رُكْنٍ وَاحِدٍ مِنْ أَرْكَانِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ بَابَ السَّلَامِ كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ رَآهُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ الْمُعَلَّقِ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا الثَّانِي الْمُقَابِلُ لِرِبَاطِ الْعَبَّاسِ فَلَيْسَ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ حَجّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ عَبَّرَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: بِجِدَارِ الْعَبَّاسِ)
الذَّكَرَ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَلَا يَعْدُوَانِ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي سَعْيِهِ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ مَرَّاتِ السَّعْيِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ طُهْرٌ وَلَا سِتْرٌ وَيَجُوزُ فِعْلُهُ رَاكِبًا وَيُكْرَهُ لِلسَّاعِي أَنْ يَقِفَ فِي سَعْيِهِ لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ..
ــ
[حاشية الجمل]
الْمَشْهُورِ الْآنَ بِرِبَاطِهِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا قِنْدِيلٌ مُعَلَّقٌ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ) ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَا سِتْرٌ) بَلْ يُنْدَبُ فِيهِ كُلُّ مَا طُلِبَ فِي الطَّوَافِ مِنْ شَرْطٍ أَوْ مَنْدُوبٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ فِعْلُهُ رَاكِبًا) أَيْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى الْمَشْيُ فِيهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لِلسَّاعِي إلَخْ) وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ اهـ. شَرْحُ م ر وَفِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ السَّابِعَةُ أَيْ مِنْ سُنَنِ السَّعْيِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَأَيْت النَّاسَ إذَا فَرَغُوا مِنْ السَّعْيِ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْمَرْوَةِ وَذَلِكَ حَسَنٌ وَزِيَادَةُ طَاعَةٍ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاعُ شِعَارٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَيْسَ فِي السَّعْيِ صَلَاةٌ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (خَاتِمَةٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ الْفَاضِلُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلَّانَ الصِّدِّيقِيُّ الْبَكْرِيُّ سَبْطُ الْحَسَنِ خَادِمُ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَالتَّفْسِيرِ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ الْمَكِّيِّ فِي رِسَالَةٍ أَلَّفَهَا فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْأَخْبَارِ وَمَا نَابَهُ مِنْ حَوَادِثِ الزَّمَانِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهَذَا التَّأْلِيفِ وَلَمْ يَرَ أَحَدًا قَبْلَهُ سَبَقَهُ إلَى التَّأْلِيفِ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَقَالَ رَوَيْنَا بِالسَّنَدِ عَنْ الْجَدِّ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ عَلَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ أُنْزِلَ الرُّكْنُ أَيْ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْمَقَامُ أَيْ الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ مَعَ آدَمَ عليه السلام لَيْلَةَ نَزَلَ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَأَى الرُّكْنَ وَالْمَقَامَ فَعَرَفَهُمَا فَضَمَّهُمَا إلَيْهِ وَأَنِسَ بِهِمَا وَعَنْهُ أَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَ آدَم عليه السلام مِنْ الْجَنَّةِ مَعَهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مُتَأَبِّطُهُ وَهُوَ يَاقُوتَةٌ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ لَوْلَا أَنْ طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُ مَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ وَنَزَلَ بِنَخْلِ الْعَجْوَةِ وَبِآلَاتِ الصِّنَاعَةِ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْبَيْتُ الَّذِي بَوَّأَهُ اللَّهُ لِ آدَمَ يَوْمَ أُنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ يَاقُوتَةً مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ حَمْرَاءَ تَلْتَهِبُ لَهَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا شَرْقِيٌّ وَالْآخَرُ غَرْبِيٌّ وَكَانَ فِيهَا قَنَادِيلُ مِنْ نُورِ الْجَنَّةِ أَسَاسُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَهُوَ مَنْظُومٌ بِنُجُومٍ مِنْ يَاقُوتٍ أَبْيَضَ وَالْحَجَرُ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِهِ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكْثِرُوا مِنْ اسْتِلَامِ هَذَا الْحَجَرِ فَإِنَّكُمْ يُوشِكُ أَنْ تَفْقِدُوهُ بَيْنَمَا النَّاسُ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَطُوفُونَ بِهِ إذَا صَبَّحُوا وَقَدْ فَقَدُوهُ إنَّ اللَّهَ لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِنْ الْجَنَّةِ فِي الْأَرْضِ إلَّا أَعَادَهُ إلَيْهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ الْحَجَرَ سَيَعُودُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلَ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فِي الْعِظَمِ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ وَيَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَفِي مُثِيرِ شَوْقِ الْأَنَامِ قِيلَ لَمَّا انْتَهَى بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ إلَى مَوْضِعِ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ إبْرَاهِيمُ لِإِسْمَاعِيلَ ابْغِ لِي حَجَرًا فَرَجَعَ، وَقَدْ جَاءَ جِبْرِيلُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَكَانَ اللَّهُ اسْتَوْدَعَ الرُّكْنَ أَبَا قُبَيْسٍ حِينَ غَرِقَتْ الْأَرْضُ زَمَنَ نُوحٍ عليه السلام، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَبِي قُبَيْسٍ إذَا رَأَيْت خَلِيلِي يَبْنِي بَيْتِي فَأَخْرِجْهُ لَهُ قَالَ إسْمَاعِيلُ يَا أَبَتِ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا قَالَ جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَكِلْنِي إلَى حَجَرِك جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ وَفِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْأَنْوَارِ أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا صَالِحًا وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ وَأَبَاحَ لَهُ الْجَنَّةَ كُلَّهَا إلَّا الشَّجَرَةَ الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا وَشَرَطَ ذَلِكَ مَعَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ مَلَكًا وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَلَكَ مُوَكَّلًا عَلَى آدَمَ حَتَّى لَا يَنْسَى عَهْدَ رَبِّهِ كُلَّمَا خَطَرَ بِبَالِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الشَّجَرَةِ نَهَاهُ الْمَلَكُ فَلَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا آدَم غَابَ هَذَا الْمَلَكُ فَأَكَلَ مِنْهَا فَطَارَتْ عَنْهُ الْحُلَلُ فَأُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ فَلَمَّا رَجَعَ الْمَلَكُ وَجَدَهُ قَدْ نَقَضَ عَهْدَ رَبِّهِ فَنَظَرَ اللَّهُ إلَى ذَلِكَ الْمَلَكِ بِالْهَيْبَةِ فَصَارَ جَوْهَرًا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ عَنْ الْمَلَكِ غِيبَتَهُ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ هَتَكْت سِرَّ آدَمَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَجْعَلَنَّك لِلْبَشَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ يَدٌ وَلِسَانٌ وَأُذُنٌ وَعَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا صَالِحًا اهـ.
وَفِي مُثِيرِ شَوْقِ الْأَنَامِ عَنْ أَنَسٍ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فَمَنْ مَسَحَهُ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ» رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «أَنَّ الْحَجَرَ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ بَيْعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ الرُّكْنَ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ أَبُو طَاهِرٍ الْمُخْلِصُ فِي فَوَائِدِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية الجمل]
وَأَخْرَجَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ بِلَفْظِ «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ كَمَا يُصَافِحُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ بَيْعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَدْرَكَ الْحَجَرَ وَمَسَحَهُ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ» رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَمَانِ بِلَفْظِ: «الْحَجَرُ يَدُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فَمَنْ مَسَّهُ فَإِنَّمَا يُبَايِعُ اللَّهَ» ، وَعَنْهُ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ فَمَنْ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْحَجَرِ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ أَنْ لَا يَعْصِيَهُ» رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ» رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي التَّارِيخِ وَابْنُ عَسَاكِرَ قَالَ الْخَطِيبُ مَعْنَى أَنَّهُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنَّ مَنْ صَافَحَهُ فِي الْأَرْضِ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْعَقْدَ يَعْقِدُهُ الْمَلِكُ بِالْمُصَافَحَةِ لِمَنْ يُرِيدُ مُوَالَاتَهُ وَالِاخْتِصَاصَ بِهِ فَخَاطَبَهُمْ بِمَا يَعْهَدُونَهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَلِكٍ إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ الْوَافِدُ قَبَّلَ يَمِينَهُ فَلَمَّا كَانَ الْحَاجُّ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ يُسَنُّ لَهُ تَقْبِيلُهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ يَمِينِ الْمَلِكِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي الْإِيعَابِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ» هُوَ مِنْ مَجَازِ التَّمْثِيلِ الْمُقَرَّرِ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ شَبَّهَ إنْعَامَهُ عَلَى عِبَادِهِ عِنْدَ امْتِثَالِهِمْ أَمْرَهُ بِاسْتِلَامِهِمْ مَا أَمَرَهُمْ بِاسْتِلَامِهِ تَبَرُّكًا بِهِ وَخُضُوعًا لِأَوَامِرِهِ بِإِنْعَامِ مَلِكٍ أَقْبَلَ عَلَى رَعِيَّتِهِ وَمَدّ لَهُمْ يَدَهُ لَيُقَبِّلُوهَا لِيَعُمَّهُمْ مَعْرُوفُهُ فَفَعَلُوا فَعَمَّهُمْ ذَلِكَ اهـ. قَالَ السَّيِّدُ الْإِيجِي فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ تَسْمِيَةُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِيَمَنِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ وَتَقْرِيبًا إلَى أَذْهَانِهِمْ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَشْبِيهٌ لِحَالِ مَنْ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِحَالِ مَنْ يُبَايِعُ مَلِكًا مُطَاعًا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُبَايَعَةِ بِالْمُصَافَحَةِ بِالْيَمِينِ وَلَمَّا كَانَ الْمَلِكُ الْحَقُّ جل جلاله مُنَزَّهًا عَنْ الْيَدِ الْجَارِحَةِ وَالْيَمَنِ الْمَعْهُودَةِ نُزِّلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مَنْزِلَةَ يَمِينِ الْمَلِكِ الْمُبَايِعِ وَأَضَافَهَا إلَى ذَاتِهِ الْأَشْرَفِ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَعْرِيفًا لَهَا بِجَلَالَةِ مَنْزِلَتِهِ لَدَيْهِ سُبْحَانَهُ وَنُزِّلَ الْمُسْتَلِمُ لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُصَافِحِ لِلْمَلِكِ فِي مُبَايَعَتِهِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ تَأْكِيدَ هَذِهِ الْمُبَايَعَةِ وَتَشْدِيدَ هَذِهِ الْمُعَاهَدَةِ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَلَمَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَهْدٌ بِحُسْنِ الْقَبُولِ وَحُصُولِ الْمَأْمُولِ وَإِجْزَالِ الثَّوَابِ بِأَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ فِي الْمَآبِ.
1 -
قَالَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِ التَّشْوِيقِ لِيُلْحَظَ فِي الْحَجَرِ عِنْدَ تَقْبِيلِهِ مَعَانِي الْأَوَّلُ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ كَمَا يُصَافِحُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ» ثُمَّ نَقَلَ فِي مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ الطَّبَرِيِّ وَقَالَ بَعْدَ تَمَامِهِ فَلْيَنْظُرْ الْعَبْدُ كَيْفَ يُقَبِّلُهُ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ يَكُونُ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ الثَّانِي كَوْنُهُ يَاقُوتَةٌ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ عَلَى مَا نَطَقَتْ بِهِ شَوَاهِدُ صَحِيحِ السُّنَّةِ فَلْيَقُمْ مُسْتَلِمُهُ بِمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ حَقِّ التَّعْظِيمِ وَالِاحْتِرَامِ وَيُقَابِلُ نِعْمَةَ اللَّهِ بِهَذَا الْإِنْعَامِ بِشُكْرِ أَدَبِ التَّقْبِيلِ وَالْوَفَاءِ بِحَقِّ الِاسْتِلَامِ، الثَّالِثُ مُقَبِّلُهُ وَمُسْتَلِمُهُ يَضَعُ شَفَتَيْهِ عَلَى مَوْضِعٍ وَضَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ شِفَاهَهُمْ وَيُبَاشِرُ مَحَلًّا بَاشَرُوهُ بِأَكُفِّهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ قَطْعِيٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَرُبَّمَا كَانَ أَيْضًا فِي حَالِهِ ذَلِكَ مُخَالِطًا لِزُمَرٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَا تَكَادُ تَخْلُو مِنْ وُرُودِهِمْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ وَلَا تَفْقِدُ مِنْ تَرَدُّدِهِمْ تِلْكَ الْحَضْرَةُ فَيَتَصَوَّرُ لِاسْتِحْضَارِ ذَلِكَ هَيْبَتَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ وَيَجْمَعُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي التَّقْبِيلِ بَيْنَ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَيُطَهِّرُ ذَلِكَ الْمَحَلَّ الْمُقَدَّسَ مِنْ أَنْ يُقَبِّلَهُ مِنْ غَيْرِ إخْلَاصٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ حَذَرًا مِنْ مَقْتِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يُحْرَمَ مَثُوبَةَ ذَلِكَ وَيَفُوتَهُ عَمِيمُ بَرَكَتِهِ، الرَّابِعُ يُرْوَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخَذَ مِيثَاقَ بَنِي آدَمَ حِينَ اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ كَتَبَهُ فِي رَقٍّ وَأَلْقَمَهُ هَذَا الْحَجَرَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَقُولُ الْعَبْدُ عِنْدَ مُوَافَاتِهِ إيمَانًا بِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك فَلْيُطَابِقْ قَوْلُهُ هَذَا مَعْنَاهُ وَلْيَسْتَحْضِرْ بِمَحْضِ الْإِيمَانِ فِي ذِهْنِهِ ذَلِكَ الْمَشْهَدَ حَتَّى كَأَنَّهُ يُشَاهِدُهُ وَيَرَاهُ لِيَعْلَمَ أَنَّ مَنْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ وَنَكَثَ بَعْدَ الْعَهْدِ فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْمَقْتَ عَلَى ذَلِكَ بِالصَّدِّ وَالطَّرْدِ.
الْخَامِسُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ بَيْعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ الْحَجَرَ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَعْلَمْ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ أَنَّهُ مُبَايِعٌ لِلَّهِ عَلَى طَاعَتِهِ فَيُصَمِّمُ عَلَى الْوَفَاءِ بِمُبَايَعَتِهِ، السَّادِسُ وَرَدَ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ وَمُصَافَحَةُ أَهْلِ الشِّرْكِ» وَفِي هَذَا مِنْ الْعِبْرَةِ وَالْعِظَةِ مَا لَا يَخْفَى وَلِذَلِكَ أَبْقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى صِفَةِ السَّوَادِ أَبَدًا وَإِلَّا فَقَدْ مَسَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية الجمل]
وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ مَا يُوجِبُ تَبْيِيضَهُ لَكِنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ وَوَعْظًا لِكُلِّ مَنْ وَافَاهُ مِنْ ذَوِي الْأَفْكَارِ وَإِرَادَةً لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْخَطَايَا إذَا كَانَتْ تُؤَثِّرُ فِي الْحَجَرِ هَذَا الْأَثَرَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِتَأْثِيرِهَا فِي الْقَلْبِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا بَاعِثًا عَلَى مُبَايَنَةِ الزَّلَّاتِ وَمُجَانَبَةِ الذُّنُوبِ فَلَا يَغْفُلَنَّ مُسْتَلِمُهُ عَنْ الْفِكْرَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يُهْمِلَنَّ حَظَّهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ الْعُظْمَى، السَّابِعُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ الْحَجَرَ وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ طَوِيلًا يَبْكِي ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا عُمَرُ خَلْفَهُ، فَقَالَ يَا عُمَرُ هُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ هَذَا الْحَجَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ فَلْيَجْتَهِدْ مُسْتَلِمُهُ فِي الْإِخْلَاصِ وَلْيُخْلِصْ فِي الطَّاعَةِ وَيَجْتَهِدْ فِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ» اهـ. كَلَامُهُ.
وَفِي كِتَابِ الدِّيارْبَكْرِي وَفِي الْخَبَرِ «الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتُتَانِ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ أُنْزِلَا فَوُضِعَا عَلَى الصَّفَا فَأَضَاءَ نُورُهُمَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ جَانِبَيْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَمَا يُضِيءُ الْمِصْبَاحُ فِي اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُؤَمِّنُ الرَّوْعَةَ وَيُسْتَأْنَسُ بِهِ، وَيُبْعَثَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُمَا فِي الْعِظَمِ مِثْلُ أَبِي قُبَيْسٍ يَشْهَدَانِ لِمَنْ وَافَاهُمَا بِالْوَفَاءِ وَرَفَعَ النُّورَ عَنْهُمَا وَغَيَّرَ وَصْفَهُمَا وَحُسْنَهُمَا حَيْثُ هُمَا فِيهِ» اهـ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَرْفُوعِ «نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ مَا لَفْظُهُ قَدْ اعْتَرَضَ الْمُلْحِدُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالُوا مَا سَوَّدَتْهُ خَطَايَا الْمُشْرِكِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّضَهُ تَوْحِيدُ الْمُؤْمِنِينَ وَاَلَّذِي أَرَاهُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ بَقَاءَ أَثَرِ الْخَطَايَا فِيهِ وَهُوَ السَّوَادُ أَبْلَغُ مِنْ بَابِ الْعِبْرَةِ وَالْعِظَةِ مِنْ تَغَيُّرِ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْخَطَايَا إذَا أَثَّرَتْ فِي الْحَجَرِ فَتَأْثِيرُهَا فِي الْقُلُوبِ أَعْظَمُ فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ تُجْتَنَبَ» اهـ. وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الذُّنُوبَ سَوَّدَتْهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَحْجَارِ الْبَيْتِ أَنَّ فِيهِ صَكَّ الْعَهْدِ الَّذِي هُوَ بِالْفِطْرَةِ الَّتِي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ لَوْلَا أَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ بِالشِّرْكِ لِمَا حَالَ عَنْ الْعَهْدِ فَصَارَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ مَحَلًّا لِذَلِكَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَصَارَ الْحَجَرُ مَحَلًّا لِمَا كُتِبَ فِيهِ مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ فَتَنَاسَبَا فَاسْوَدَّ الْقَلْبُ مِنْ خَطَايَا بَنِي آدَمَ بَعْدَمَا كَانَ وُلِدَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ وَاسْوَدَّ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ بَعْدَ ابْيِضَاضِهِ وَكَانَتْ الْخَطَايَا سَبَبًا فِي ذَلِكَ حِكْمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ رَأَيْت الْحَجَرَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِمِائَةٍ وَبِهِ نُقْطَةٌ بَيْضَاءُ ظَاهِرَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ ثُمَّ رَأَيْت الْبَيَاضَ بَعْدَ ذَلِكَ نَقَصَ نَقْصًا بَيِّنًا بِحَيْثُ لَمْ نَرَهَا إلَّا بَعْدَ جَهْدٍ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ خَلِيلٍ الْمَكِّيُّ الشَّافِعِيُّ شَيْخُ الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الطَّبَرِيِّ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى وَلَقَدْ أَدْرَكْت فِي الْحَجَرِ ثَلَاثَ مَوَاضِعَ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ أَكْبَرُهُنَّ فِي قَدْرِ حَبَّةِ الذُّرَةِ الْكَبِيرَةِ وَالثَّانِيَةُ دُونَهَا وَالثَّالِثَةُ إلَى جَنْبِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْ الثَّانِيَةِ قَدْرَ حَبَّةِ الدُّخْنِ قَالَ ثُمَّ إنِّي أَتَلَمَّحُ تِلْكَ النُّقْطَةَ فَإِذَا هِيَ فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي نَقْصٍ اهـ.
وَذَكَرَ التَّقِيُّ الْفَاسِيُّ أَنَّهُ ذَاكَرَ بِهَذَا الْأَمْرِ بَعْضَ مَشَايِخِهِ بَعْدَ نَحْوِ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ نُقْطَةً بَيْضَاءَ خَفِيَّةً جِدًّا اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَوْضِعَهَا مِنْ الْحَجَرِ قَالَ وَلَعَلَّهَا النُّقْطَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهِ الْآنَ فَإِنَّ فِي جَانِبِهِ مِمَّا يَلِي بَابَ الْكَعْبَةِ مِنْ أَعْلَاهُ نُقْطَةً بَيْضَاءَ قَدْرَ حَبَّةِ سِمْسِمَةٍ عَلَى مَا أَخْبَرَنِي بِهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَكِّيِّينَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانِي عَشَرَةَ وَثَمَانِمِائَةٍ اهـ. قَالَ الْمُحِبُّ بْنُ فَهْدٍ وَشَاهَدْت بِخَطِّ وَالِدِي الْعِزِّ مِمَّا نَقَلَهُ مِنْ خَطِّ جَدِّهِ التَّقِيِّ قَالَ أَنَا رَأَيْت هَذِهِ النُّقْطَةَ بَعْدَ السِّتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ بِسِنِينَ ثُمَّ انْطَمَسَتْ مِنْ نَحْوِ سَنَةِ سَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ اهـ. ثُمَّ نَقَلَ الْمُحِبُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّهُ رَآهَا فِي حُدُودِ السَّبْعِينَ وَلَا يَتَفَطَّنُ لَهَا إلَّا حَادُّ النَّظَرِ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا وَأَنَّهُ قَدْ رَآهَا بِإِشَارَةِ التَّقِيِّ بْنِ فَهْدٍ وَمَعَهُمْ مُحَدِّثُ الْيَمَنِ الشَّيْخُ يَحْيَى الْعَامِرِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَحَافِلِ وَإِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهَا بَعْدُ اهـ. مُلَخَّصًا.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «أَنَّ الْحَجَرَ أُلْقِمَ الصَّكَّ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ إقْرَارُ بَنِي آدَمَ بِالتَّوْحِيدِ وَأَسْمَاؤُهُمْ» قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ الْكَشْفِيَّةِ الْمُوضِحَةِ لِمَعَانِي الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْعَقْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ مَا عَسُرَ عَلَى الْعَقْلِ تَصَوُّرُهُ يَكْفِينَا فِيهِ الْإِيمَانُ بِهِ وَرَدُّ مَعْنَاهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الثَّلَاثِمِائَةِ مَا يُؤَيِّدُ الْإِيمَانَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ وَفِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية الجمل]
يَدِهِ كِتَابَانِ مَطْوِيَّانِ وَهُوَ قَابِضٌ يَدَهُ عَلَى كِتَابٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى أَسْمَاءَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْيُسْرَى فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» اهـ. فَلَوْ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ لَمَا قَامَ بِذَلِكَ وَرَقُ الدُّنْيَا وَمِنْ هُنَا نُفَرِّقُ كِتَابَةَ اللَّهِ مِنْ كِتَابَةِ الْمَخْلُوقَاتِ.
قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ، وَهَذَا عِلْمٌ غَرِيبٌ عَجِيبٌ، وَقَدْ ذُقْنَاهُ وَشَاهَدْنَاهُ وَحَكَى أَنَّ فَقِيرًا كَانَ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ هَلْ نَزَلَتْ لَك وَرَقَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِعِتْقِك مِنْ النَّارِ، فَقَالَ لَا وَهَلْ يَنْزِلُ لِلنَّاسِ أَوْرَاقٌ، فَقَالَ الْحَاضِرُونَ نَعَمْ وَهُمْ يَمْزَحُونَ مَعَهُ فَلَا زَالَ يَطُوفُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُنْزِلَ لَهُ بَرَاءَةً مِنْ النَّارِ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ وَرَقَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْمِنْبَرِ الشَّرِيفِ مَكْتُوبٌ فِيهَا عِتْقُهُ مِنْ النَّارِ فَفَرِحَ بِهَا وَأَطْلَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَكَانَ مِنْ شَأْنِ ذَلِكَ الْكِتَابِ أَنْ يُقْرَأَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى السَّوَاءِ لَا يَتَغَيَّرُ كُلَّمَا قَلَبْت الْوَرَقَةَ انْقَلَبَتْ الْكِتَابَةُ بِانْقِلَابِهَا فَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِلَا شَكٍّ، قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ وَاتَّفَقَ فِي زَمَانِنَا أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ فَأَعْطَاهَا اللَّهُ وَرَقَةً مِنْ شَجَرَةٍ مَكْتُوبٌ فِيهَا عِتْقُهَا مِنْ النَّارِ فَمَسَكَتْهَا فِي يَدِهَا ثُمَّ اسْتَيْقَظَتْ وَالْوَرَقَةُ قَدْ انْقَبَضَتْ عَلَيْهَا يَدُهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى فَتْحِ يَدِهَا بِحِيلَةٍ فَأَرْسَلُوهَا إلَيَّ فَأَلْهَمَنِي اللَّهُ عز وجل أَنْ قُلْت لَهَا انْوِ بِقَلْبِك مَعَ اللَّهِ أَنَّك تَبْلَعِينَ الْوَرَقَةَ إذَا فُتِحَ كَفُّك فَقَرَّبَتْ يَدَهَا إلَى فَمِهَا وَنَوَتْ ذَلِكَ فَابْتَلَعَتْهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ مِنْهَا أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَاعْلَمْ ذَلِكَ يَا أَخِي وَآمِنْ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ.
وَمِنْ آيَاتِ الْحَجَرِ وَخَوَاصِّهِ حِفْظُ اللَّهِ لَهُ مِنْ الضَّيَاعِ مُنْذُ أُهْبِطَ إلَى آدَمَ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ أُمُورٌ تَقْتَضِي ذَهَابَهُ كَالطُّوفَانِ وَدَفْنِ أَبِي إيَادٍ وَذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ أَنَّ الْحَجَرَ أُزِيلَ مِنْ مَوْضِعِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ إلَيْهِ قَالَ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ جُرْهُمٍ وَإِيَادٍ وَالْعَمَالِقَةِ وَالْقَرَامِطَةُ قَالَ التَّقِيُّ الْفَاسِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعَمَالِيقِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ اهـ. وَفِي سَنَةِ بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ وَأَلْفٍ سَقَطَ مِنْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ الْجِدَارُ الشَّامِيُّ وَبَعْضٌ مِنْ الشَّرْقِيِّ وَالْغَرْبِيِّ وَبَقِيَ الْجِدَارُ الْيَمَانِيُّ صَحِيحًا فَاقْتَضَى رَأْيُ الْمُعَلِّمِ بِالْبَلَدِ عَلِيِّ بْنِ شَمْسِ الدِّينِ هَدْمَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَمَنَعْته مِنْ هَدْمِ الْجِدَارِ الْيَمَانِيِّ وَأَلَّفْت فِيهِ مُؤَلَّفًا سَمَّيْته إيضَاحُ تَلْخِيصِ بَدِيعِ الْمَعَانِي فِي بَيَانِ مَنْعِ هَدْمِ جِدَارِ الْكَعْبَةِ الْيَمَانِيِ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَشَرَعُوا فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ وَكَانَ النَّاظِرُ عَلَى الْعِمَارَةِ مِنْ قِبَلِ مَوْلَانَا السُّلْطَانِ مرادخان نَصَرَهُ اللَّهُ، وَقَدْ كَانَ الْحَجَرُ الَّذِي فَوْقَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَدْ اخْتَلَّ وَبَرَزَ إلَى خَارِجٍ فَأَخْرَجُوهُ وَأَخَذَ الْمُهَنْدَسُ يُزِيلُ مَا عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْجِبْسِ وَالْفِضَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ قَرَصَ بِالْمِعْوَلِ مِنْ غَيْرِ تَأَنٍّ فَإِذَا بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَدْ تَشَطَّأَ مِنْهُ أَرْبَعُ شَطَيَاتٍ مِنْ وَجْهِهِ وَكَادَتْ أَنْ تَسْقُطَ عَنْهُ إلَّا أَنَّهَا بَقِيَتْ فِي مَكَانِهَا فَعَظُمَ هَذَا الْأَمْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَشَرَعَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ يَقُولُ لَا يَتِمُّ إصْلَاحُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَّا إنْ رُفِعَ مِنْ مَكَانِهِ لِيَصْلُحَ الَّذِي تَحْتَهُ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْحَاضِرُونَ هَذَا الرَّأْيَ وَأَبْقَوْهُ بِمَحَلِّهِ ثُمَّ شَرَعُوا فِي طَبْخِ آلَاتٍ يُلْصَقُ بِهَا مَا كَانَ تَشَطَّرَ مِنْهُ فَفَعَلُوا وَأَلْصَقُوهَا فَتَمَّ إحْكَامُهَا ثُمَّ أَعَادُوا الْحَجَرَ الَّذِي كَانَ فَوْقَهُ فَوَضَعُوهُ مَكَانَهُ وَأَحْكَمُوا اللِّحَامَ بَيْنَهُمَا بِالْجِبْسِ وَالْفِضَّةِ الْمُذَابَةِ وَقَدْ رَأَيْت الْحَجَرَ يَوْمَئِذٍ وَطُولُهُ نِصْفُ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الْعَمَلِ وَعَرْضُهُ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ إلَى جِهَةِ الْيَمَانِيِ ثَمَانُ قَرَارِيطَ وَسُمْكُهُ أَرْبَعُ قَرَارِيطَ.
وَذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ أَبَا طَاهِرٍ الْقَرْمَطِيَّ نِسْبَةً إلَى قِرْمِطَ إحْدَى قُرَى وَاسِطَ وَهُوَ كَافِرٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُشْكَاةِ لحج جَاءَ مَكَّةَ سَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسَبْعَ عَشْرَةَ فَسَفَكَ الدِّمَاءَ بِمَكَّةَ حَتَّى مَلَأَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبِئْرَ زَمْزَمَ مِنْ الْقَتْلَى وَقَلَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَذَهَبَ بِهَا إلَى بِلَادِ هَجَرَ وَعَلَّقَهُ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ عَلَى الْأُسْطُوَانَةِ السَّابِعَةِ لِزَعْمِهِ الْفَاسِدِ أَنَّ الْحَجَّ يُنْقَلُ إلَيْهِ وَبَقِيَ مَوْضِعُهُ خَالِيًا يَضَعُ النَّاسُ فِيهِ أَيْدِيَهُمْ لِلتَّبَرُّكِ إلَى حِينِ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ وَذَلِكَ عَامَ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَمُدَّةُ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْقَرَامِطَةِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً فَافْتَدَاهُ أَيْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ بِثَلَاثِينَ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَالْكَافِ بِوَزْنِ عُلَيْمٍ الْمُحَدِّثَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ لِيَتَعَرَّفَهُ وَيَأْتِي بِهِ فَذَهَبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إلَى الْقَرَامِطَةِ فَأَحْضَرُوا لَهُمْ حَجَرًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَنَا فِي حَجَرِنَا عَلَامَتَانِ لَا يَسْخُنُ بِالنَّارِ وَلَا يَغُوصُ فِي الْمَاءِ فَأَحْضَرُوا نَارًا وَمَاءً فَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ فَغَاصَ ثُمَّ فِي النَّارِ فَحَمِيَ وَكَادَ يَتَشَقَّقُ، فَقَالَ