المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) في المبيت بمنى - حاشية الجمل على شرح المنهج = فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب - جـ ٢

[الجمل]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ

- ‌(بَابٌ) فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا

- ‌(فَصْلٌ) فِي اللِّبَاسِ

- ‌(بَابٌ) فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا

- ‌[بَابٌ فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ]

- ‌(بَابٌ فِي الِاسْتِسْقَاءِ)

- ‌(بَابٌ) فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌(كِتَابُ الْجَنَائِزِ)

- ‌[ذِكْرُ الْمَوْتِ]

- ‌[تَمَنِّي الْمَوْت]

- ‌[يُلَقَّنَ مُحْتَضَرٌ الشَّهَادَةَ]

- ‌(فَرْعٌ) الصَّغِيرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ يُغَسِّلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ

- ‌(فَصْلٌ)فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ

- ‌[أَرْكَان صَلَاة الْمَيِّت]

- ‌[شُرُوط صِحَّة صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌(فَصْلٌ) فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ

- ‌[تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّت]

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ)

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ]

- ‌[زَكَاة الْبَقَر]

- ‌[زَكَاة الْغَنَم]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ النَّابِتِ]

- ‌[نِصَابُ الْقُوتُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ]

- ‌(بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ)

- ‌(بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ)

- ‌(بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْمَالِ وَمَا تَجِبُ فِيهِ

- ‌(بَابُ أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَالِ)

- ‌(بَابُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ)

- ‌(كِتَابُ الصَّوْمِ)

- ‌(فَصْلٌ) فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ

- ‌(فَرْعٌ) إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ حَرُمَ الصَّوْمُ بِلَا سَبَبٍ

- ‌(فَصْلٌ) فِي شُرُوطِ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَمَا يُبِيحُ تَرْكَ صَوْمِهِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي فِدْيَةِ فَوْتِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ

- ‌(بَابٌ صَوْمِ التَّطَوُّعِ)

- ‌(فَرْعٌ)لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ تَطَوُّعًا وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ

- ‌(كِتَابُ الِاعْتِكَافِ)

- ‌[أَرْكَانُ الِاعْتِكَاف]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ)

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌(بَابُ الْمَوَاقِيتِ) لِلنُّسُكِ

- ‌(بَابُ الْإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ صِفَةِ النُّسُكِ)

- ‌(فَصْلٌ) فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى

- ‌(فَصْلٌ) : فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبَيَانِ أَوْجُهِ أَدَائِهِمَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ

- ‌(بَابُ مَا حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ الْإِحْصَارِ)

الفصل: ‌(فصل) في المبيت بمنى

إنْ لَمْ يُفْعَلْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّوَقُّفِ (وَسَيَأْتِي وَقْتُ الذَّبْحِ) لِلْهَدْيِ تَقَرُّبًا وَغَيْرُهُ فِي بَابِ مَا حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ (وَحَلَّ بِاثْنَيْنِ مِنْ رَمْيٍ) يَوْمَ (نَحْرٍ وَحَلْقٍ) أَوْ تَقْصِيرٍ (وَطَوَافٍ) مَتْبُوعٍ بِسَعْيٍ إنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ (غَيْرَ نِكَاحٍ وَوَطْءٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ) مِنْ لُبْسٍ وَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ وَقَلْمٍ وَصَيْدٍ وَطِيبٍ وَدُهْنٍ وَسَتْرِ رَأْسِ الذَّكَرِ وَوَجْهِ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ لِخَبَرِ «إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» ، وَرُوِيَ «إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ» وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» فَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ وَالْحَلْقُ وَالْقَلْمُ وَكَذَا الصَّيْدُ (وَ) حَلَّ (بِالثَّالِثِ الْبَاقِي) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَنْ فَاتَهُ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ مِنْ دَمٍ أَوْ صَوْمٍ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِبَدَلِهِ هَذَا فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَهَا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ يَطُولُ زَمَنُهُ وَتَكْثُرُ أَفْعَالُهُ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ فَأُبِيحَ بَعْضُ مُحَرَّمَاتِهِ فِي وَقْتٍ وَبَعْضُهَا فِي آخَرَ.

(فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى

لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الَّتِي عَقِبَ يَوْمِ الْعِيدِ

ــ

[حاشية الجمل]

بِالْقِرَاءَةِ إلَى خُرُوجِ وَقْتِهَا فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْوَدَاعِ وَخَرَجَ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِوَدَاعٍ وَلَا غَيْرِهِ لَمْ يَسْتَبِحْ النِّسَاءَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِبَقَائِهِ مُحْرِمًا اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ لِبَقَائِهِ مُحْرِمًا وَهَلْ لَهُ إذَا تَعَذَّرَ عَوْدُهُ إلَى مَكَّةَ التَّحَلُّلُ كَالْمُحْصَرِ أَوْ لَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الطَّوَافِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَائِضِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً وَتَقْصِيرُهُ بِتَرْكِ الطَّوَافِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا يَمْنَعُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ بِهِ الْآنَ كَمَنْ كَسَرَ رِجْلَيْهِ عَمْدًا فَعَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ حَيْثُ يُصَلِّي جَالِسًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَوْ شُفِيَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّوْقِيتِ) أَيْ الْأَصْلُ فِيمَا أَمَرَنَا بِهِ الشَّارِعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ فَمَا كَانَ مُوَقَّتًا فَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ أَيْ الْكَثِيرِ اهـ. شَيْخُنَا وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ أَيْ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ وَإِلَّا فَهَذِهِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لَكِنْ لَا آخِرَ لَهُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَحَلَّ بِاثْنَيْنِ إلَخْ) وَأَمَّا الذَّبْحُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ كَالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنْ لَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّحَلُّلِ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ. اهـ. عَمِيرَةُ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَحَلَّ بِاثْنَيْنِ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا شَعْرٌ فَالتَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ اهـ. حَجّ.

(قَوْلُهُ: مِنْ لُبْسٍ وَحَلْقٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْغَيْرِ وَتَنْحَلُّ عِبَارَتُهُ إلَى هَكَذَا وَحَلَّ الْحَلْقُ بِالْحَلْقِ وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَبَقَ لَهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا انْقَطَعَ لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ طُهْرِ غَيْرِ صَوْمٍ وَطَلَاقٍ وَطُهْرٍ وَقَدْ أَشَارَ م ر إلَى إصْلَاحِ الْعِبَارَةِ بِقَوْلِهِ وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ وَالْحَلْقُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ اهـ أَيْ لَمْ يَفْعَلْ الْحَلْقَ يَعْنِي أَنَّ حِلَّ الْحَلْقِ وَجَوَازَهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي إذَا فَعَلَ الرَّمْيَ وَالطَّوَافَ حَلَّتْ لَهُ الْمَحْظُورَاتُ حَتَّى الْحَلْقُ، وَأَمَّا لَوْ فَعَلَ الرَّمْيَ وَالْحَلْقَ أَوْ الطَّوَافَ وَالْحَلْقَ فَلَا يُقَالُ حَلَّ لَهُ مَا يَشْمَلُ الْحَلْقَ بَلْ يُقَالُ حَلَّ لَهُ مَا عَدَا الْحَلْقَ إذْ الشَّيْءُ لَا يَحِلُّ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ أَيْ فِي بَاقِي الْبَدَنِ غَيْرِ الرَّأْسِ وَإِلَّا فَحَلْقُهَا وَتَقْصِيرُهَا لَا يَتَوَقَّفُ حِلُّهُ عَلَى تَحَلُّلٍ أَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ بِانْتِصَافِ اللَّيْلِ اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَّا النِّسَاءَ) أَيْ أَمْرُهُنَّ عَقْدًا وَتَمَتُّعًا اهـ. سم عَلَى حَجّ.

(قَوْلُهُ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ لَا يَتَزَوَّجُ فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَقَوْلُهُ وَلَا يُنْكِحُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ لَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ اهـ. ح ل.

(قَوْلُهُ: أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَحَلَّ بِهِ إلَخْ) الضَّمِيرُ فِي كَلَامِ الْأَصْلِ رَاجِعٌ لِلتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَعِبَارَتُهُ وَإِذَا قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ فَفِعْلُ اثْنَيْنِ مِنْ الرَّمْيِ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ إلَخْ انْتَهَتْ، وَأَمَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ فَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ اهـ. مَحَلِّيٌّ وَلَا دَخْلَ لِلْحَلْقِ عَلَى هَذَا فِي التَّحَلُّلِ.

(قَوْلُهُ: وَحَلَّ بِالثَّالِثِ الْبَاقِي) وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ كَمَا يَخْرُجُ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَاتِهِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَيُطْلَبُ مِنْهُ الثَّانِيَةُ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ هُنَا وَاجِبًا وَثَمَّ مَنْدُوبًا وَيُسَنُّ تَأْخِيرُ الْوَطْءِ عَنْ بَاقِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِيَزُولَ عَنْهُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ وَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» أَيْ جِمَاعٍ لِجَوَازِ ذَلِكَ فِيهَا وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِلْحَاجِّ تَرْكُ الْجِمَاعِ لِمَا ذُكِرَ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ فَاتَهُ الرَّمْيُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَنْ فَاتَهُ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَى الْبَدَلِ وَلَوْ صَوْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَيُفَارِقُ الْمُحْصَرُ الْعَادِمُ لِلْهَدْيِ حَيْثُ لَمْ يَتَوَقَّفْ تَحَلُّلُهُ عَلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ بِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَيْسَ لَهُ إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ فَلَوْ تَوَقَّفَ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْبَدَلِ لَشَقَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ عَلَى سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْحَجِّ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْبَدَلِ وَاَلَّذِي يَفُوتُهُ الرَّمْيُ يُمْكِنُهُ الشُّرُوعُ فِي التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَإِذَا أَتَى بِهِ حَلَّ لَهُ مَا عَدَا النِّكَاحَ وَمُقَدَّمَاتِهِ وَعَقْدَهُ فَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ قَوْلُ الْمَتْنِ وَحَلَّ بِاثْنَيْنِ إلَخْ أَيْ جَعْلُهُ التَّحَلُّلَ قِسْمَيْنِ أَوَّلًا وَثَانِيًا فِي الْحَجِّ أَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إلَخْ) وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ لَمَّا طَالَ زَمَنُ الْحَيْضِ جُعِلَ لِارْتِفَاعِ مَحْظُورَاتِهِ مَحِلَّانِ انْقِطَاعُ الدَّمِ وَالِاغْتِسَالُ وَالْجَنَابَةُ لَمَّا قَصُرَ زَمَنُهَا جُعِلَ لِارْتِفَاعِ مَحْظُورَاتِهَا مَحَلٌّ وَاحِدٌ اهـ. شَرْحُ م ر.

[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى]

(قَوْلُهُ: أَيَّامَ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةَ إلَخْ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِشْرَاقِ نَهَارِهَا بِنُورِ الشَّمْسِ وَلَيَالِيهَا بِنُورِ الْقَمَرِ وَحِكْمَةُ التَّسْمِيَةِ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا اهـ. حَجّ أَوْ لِأَنَّ النَّاسَ يُشْرِقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا أَيْ

ص: 469

وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (يَجِبُ مَبِيتٌ بِمِنًى لَيَالِيَ) أَيَّامِ (تَشْرِيقٍ) لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (مُعْظَمَ لَيْلٍ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَبِيتِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِلَحْظَةٍ مِنْ نِصْفِهِ الثَّانِي بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا مَرَّ لِمَا تَقَدَّمَ ثَمَّ، وَالتَّصْرِيحُ بِمَبِيتِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَبِالْوُجُوبِ مَعَ قَوْلِي مُعْظَمَ لَيْلٍ مِنْ زِيَادَتِي (وَ) يَجِبُ (رَمْيٌ كُلَّ يَوْمٍ) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (بَعْدَ زَوَالٍ إلَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ) وَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِيهَا وَالْأُولَى مِنْهَا تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَهِيَ الْكُبْرَى وَالثَّانِيَةُ الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةُ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ مِنًى تَنْتَهِي إلَيْهَا (فَإِنْ نَفَرَ) وَلَوْ انْفَصَلَ مِنْ مِنًى بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ عَادَ لِشُغْلٍ

ــ

[حاشية الجمل]

يَنْشُرُونَهَا فِي الشَّمْسِ وَيُقَدِّدُونَهَا اهـ. إيضَاحٌ وَهَذِهِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ هِيَ الْمَعْدُودَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، وَأَمَّا الْمَعْلُومَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي قَوْلِهِ {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] فَهِيَ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. اهـ. شَرْحُ م ر فَيَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا وَهُوَ آخِرُهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ هُوَ أَيْ يَوْمُ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَعْمَالِ النُّسُكِ يَقَعُ فِيهِ، وَقِيلَ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا قِيلَ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ فِي الْعُمْرَةِ هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ اهـ. إيضَاحٌ.

(قَوْلُهُ: وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ زَوَالٍ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ.

وَعِبَارَةُ حَجّ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى وَسُقُوطِهِ وَرَمْيِهَا وَشُرُوطِ الرَّمْيِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: يَجِبُ مَبِيتٌ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا قَوْلُهُ مُعْظَمَ لَيْلٍ.

وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ وَهَلْ الْمَبِيتُ وَاجِبٌ أَمْ سُنَّةٌ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ جَبَرَهُ بِدَمٍ فَإِنْ قُلْنَا الْمَبِيتُ وَاجِبٌ كَانَ الدَّمُ وَاجِبًا وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ كَانَ سُنَّةً وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ هَذَا الْمَبِيتِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا مُعْظَمُ اللَّيْلِ وَالثَّانِي الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا بِهَا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) فِي تَقْدِيرِ الْإِيَامِ إشَارَةً إلَى أَنَّ اللَّيَالِيَ لَا تُسَمَّى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ إلَّا تَوَسُّعًا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا فِي الْإِيضَاحِ مِنْ أَنَّ وَجْهَ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ تَقْدِيدُ اللَّحْمِ فِيهَا بِالشَّرْقَةِ أَيْ الشَّمْسِ إذْ ذَاكَ خَاصٌّ بِالنَّهَارِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: مُعْظَمِ لَيْلٍ) هَذَا يَتَحَقَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُسَمَّى مُعْظَمًا عُرْفًا فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ اهـ. ع ش وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ. شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ أَيْضًا مُعْظَمُ لَيْلٍ) بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. اهـ. شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ) أَيْ وَأَطْلَقَ أَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَبِيت اللَّيْلَةَ فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِجَمِيعِهَا لَا بِمُعْظَمِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ز ي فَلْيُرَاجَعْ اهـ. بِشَوْبَرِيٍّ.

(قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إذْ الْأَمْرُ بِالْمَبِيتِ لَمْ يَرِدْ هُنَا، بَلْ لِأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَهَا حَتَّى يَمْضِيَ نَحْوُ رُبُعِ اللَّيْلِ إلَخْ أَيْ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِلَفْظِ الْمَبِيتِ هُنَا فَالْفَارِقُ الْأَمْرُ بِلَفْظِهِ هُنَا وَعَدَمُهُ هُنَاكَ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّصْرِيحُ بِمَبِيتِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَبِيتَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ إنْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَجَبَ مَبِيتُهَا أَيْ الثَّالِثَةِ وَمِنْ ثَمَّ أَسْقَطَ هَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَوْلُهُ وَبِالْوُجُوبِ أَيْ فِي عُمُومِ لَيَالِيِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ فِي الثَّالِثَةِ اهـ. ح ل.

(قَوْلُهُ: وَرَمْيٌ كُلَّ يَوْمٍ) الْأَحْسَنُ أَنْ يُقْرَأَ رَمْيٌ بِالتَّنْوِينِ لِيَكُونَ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَصْلِ الرَّمْيِ وَبِوَقْتِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْإِضَافَةِ فَيُفِيدُ الْإِخْبَارَ بِوَقْتِهِ وَيُشْعِرُ بِأَنَّ الرَّمْيَ سَبَقَ لَهُ عِلْمٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي وَقْتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ زَوَالٍ إلَخْ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَيَدْخُلُ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلِاتِّبَاعِ وَيُسَنُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ تَقْدِيمُهُ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَإِلَّا قَدَّمَ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا فَيُؤَخِّرُهَا بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَيَخْرُجُ أَيْ وَقْتُهُ الِاخْتِيَارِيُّ بِغُرُوبِهَا مِنْ كُلِّ يَوْمٍ أَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ فَيَبْقَى إلَى غُرُوبِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: إلَى الْجَمَرَاتِ) حَقِيقَةُ الْجَمْرَةِ مَجْمَعُ الْحَصَى الْمُقَدَّرِ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا جَانِبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَسْفَلُ الْوَادِي فَرَمْيُ كَثِيرٍ مِنْ أَعْلَاهَا بَاطِلٌ اهـ. أُجْهُورِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ، وَمِثْلُهُ حَجّ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُخْتَارِ وَالْمِصْبَاحِ أَنَّ جَمَرَاتٍ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ جَمْرَةٍ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَأَنَّ الْجَمْرَةَ الَّتِي هِيَ الْمُفْرَدُ تُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْحَصَاةِ وَمَكَانِ الرَّمْيِ وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى جِمَارٍ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِيهَا) عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الرَّامِي خَارِجًا عَنْ الْجَمْرَةِ فَلَوْ وَقَفَ فِي بَعْضِهَا وَرَمَى إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْهَا صَحَّ لِمَا مَرَّ مِنْ حُصُولِ اسْمِ الرَّمْيِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: مَسْجِدَ الْخَيْفِ) نِسْبَةً إلَى مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ الْخَيْفَ اسْمٌ لِمَكَانٍ ارْتَفَعَ عَنْ السَّيْلِ وَانْحَطَّ عَنْ غِلَظِ الْجَبَلِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ الْكُبْرَى) وَتَقَدَّمَ أَنَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ تُسَمَّى الْكُبْرَى فَلَفْظُ الْكُبْرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ نَفَرَ) أَيْ سَارَ بَعْدَ التَّحْمِيلِ فَصَحَّ قَوْلُهُ وَلَوْ انْفَصَلَ مِنْ مِنًى بَعْدَ الْغُرُوبِ اهـ. ح ل.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ فَلَهُ النَّفْرُ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ حَلَّ الرَّحْلِ وَالْمَتَاعِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ، كَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ سَبَبُهُ سُقُوطُ شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ

ص: 470

(فِي) الْيَوْمِ (الثَّانِي بَعْدَ رَمْيِهِ) وَبَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ قَبْلَهُ أَوْ تَرَكَ مَبِيتَهُمَا لِعُذْرٍ (جَازَ وَسَقَطَ مَبِيتُ) اللَّيْلَةِ (الثَّالِثَةِ وَرَمْيُ يَوْمِهَا) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]

ــ

[حاشية الجمل]

الْعَزِيزِ وَالْمُصَحَّحِ فِيهِ وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَمَنَاسِكِ الْمُصَنِّفِ امْتِنَاعُ النَّفْرِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَحَلَ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ مِنْ مِنًى فَإِنَّ لَهُ النَّفْرَ انْتَهَتْ.

وَعِبَارَةُ حَجّ وَإِذَا نَفَر أَيْ تَحَرَّكَ لِلذَّهَابِ إذْ حَقِيقَةُ النَّفْرِ الِانْزِعَاجُ فَيَشْمَلُ مَنْ أَخَذَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ وَيُوَافِقُ الْأَصَحَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ غُرُوبَهَا وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ كَثِيرُونَ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَإِنْ نَفَرَ فِي الثَّانِي إلَخْ) يُقَالُ فِي مُضَارِعِهِ يَنْفِرُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا اهـ. مِنْ شَرْحِ م ر وَفِي الْمُخْتَارِ نَفَرَتْ الدَّابَّةُ تَنْفِرُ بِالْكَسْرِ نِفَارًا وَتَنْفُرُ بِالضَّمِّ نُفُورًا وَنَفَرَ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى مِنْ بَابِ ضَرَبَ. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كحج إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرَاهُ طَرِيقَةٌ أُخْرَى فَلْيُرَاجَعْ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَإِنْ نَفَرَ فِي الثَّانِي إلَخْ) أَمَّا لَوْ نَفَرَ فِي الثَّالِثِ قَبْلَ رَمْيِهِ كَأَنْ نَفَرَ ضَحْوَةَ النَّهَارِ فَلَا يَجُوزُ وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِتَرْكِ رَمْيِهِ وَالْحِيلَةُ فِي الْجَوَازِ وَسُقُوطِ الْفِدْيَةِ أَنْ يَخْرُجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ رَمْيِهِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ مِنًى، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَيْهَا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِمَبِيتِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، وَالْمُتَبَرِّعُ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ رَمْيُ يَوْمِهَا فَيَجُوزُ لَهُ النَّفْرُ فِي يَوْمِهَا قَبْلَ الرَّمْيِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر وَالرَّشِيدِيُّ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَإِنْ نَفَرَ فِي الثَّانِي إلَخْ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَأَرَادَ النَّفْرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ جَازَ قَالَ حَجّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ النَّفْرِ مُقَارِنَةً لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَدَّ بِخُرُوجِهِ فَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ مَبِيتٍ وَرَمْيِ الْكُلِّ مَا لَمْ يَتَعَجَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ النَّفْرِ اهـ. وَيُوَجَّهُ بِمَا ذَكَرْته اهـ. حَجّ، ثُمَّ قَالَ أَيْ حَجّ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مَا مُحَصِّلُهُ إنَّ شَرْطَ جَوَازِ النَّفْرِ أَنْ لَا يَعْزِمَ عَلَى الْعَوْدِ فَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ النَّفْرِ لَمْ يَجُزْ النَّفْرُ وَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ النَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ نِيَّةِ الْعَوْدِ لَا يُسَمَّى نَفْرًا اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ عَادَ لِشُغْلٍ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ نَفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى لِحَاجَةٍ كَزِيَارَةٍ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ فَعَادَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَلَهُ النَّفْرُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ بَلْ لَوْ بَاتَ هَذَا مُتَبَرِّعًا سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ وَإِنْ بَقِيَ لِلزَّوَالِ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ لَهُ بِالرَّمْيِ وَلَوْ عَادَ لِلْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا عَوْدَهُ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِنًى وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُهُ كَالْمُسْتَدِيمِ لِلْفِرَاقِ وَنَجْعَلُ عَوْدَهُ كَعَدَمِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَلَا الْمَبِيتُ انْتَهَتْ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لِشُغْلٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ. اهـ. شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ رَمْيِهِ) فَإِنْ نَفَرَ فِيهِ قَبْلَ رَمْيِهِ لَمْ يَجُزْ وَبِهِ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ قَالَ لِأَنَّ هَذَا النَّفْرَ غَيْرُ جَائِزٍ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَوْلُهُ وَبَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ قَبْلَهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَإِنْ تَرَكَ مَبِيتَهُمَا بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ النَّفْرُ فِي الثَّانِي وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا اهـ. مِنْ شَرْحِ م ر.

وَعِبَارَةُ حَجّ أَمَّا إذَا لَمْ يَبِتْهُمَا وَلَا عُذْرَ لَهُ أَوْ نَفَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّمْيِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّفْرُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ نَعَمْ يَنْفَعُهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى الْعَوْدُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَرْمِي وَيَنْفِرُ حِينَئِذٍ، وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ طَرْدَ مَا ذُكِرَ فِي الْأُولَى فِي الرَّمْيِ فَمَنْ تَرَكَهُ لَا لِعُذْرٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النَّفْرُ أَوْ لِعُذْرٍ يُمْكِنُ مَعَهُ تَدَارُكُهُ وَلَوْ بِالنَّائِبِ فَكَذَلِكَ أَوْ لَا يُمْكِنُ جَازَ انْتَهَتْ. وَقَوْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَبِتْهُمَا إلَخْ صَادِقٌ بِمَا إذَا بَاتَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ رَأَيْت السَّيِّدَ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ عَقِبَ عِبَارَةٍ سَاقَهَا عَنْ الْمُصَنِّفِ قُلْت وَهُوَ مُقْتَضٍ لِامْتِنَاعِ التَّعْجِيلِ فِيمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ إذَا تَرَكَ مَبِيتَ اللَّيْلَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَبِتْ الْمُعْظَمَ وَهُوَ اللَّيْلَتَانِ اهـ. سم عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ مَبِيتَهُمَا لِعُذْرٍ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّرْكُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُتَّجَهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الرَّمْيِ فِي الْمَاضِي كَتَرْكِ الْمَبِيتِ، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ إذَا كَانَ الْمُتَعَدَّى بِتَرْكِهِ أَحَدَهُمَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَرَمْيُهَا أَمْ يَجِبُ نَظِيرُ مَا تَعَدَّى بِهِ فَقَطْ أَمْ يَفْصِلُ، فَيُقَالُ إنْ كَانَ الِاخْتِلَالُ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ لَمْ يَلْزَمُهُ الرَّمْيُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيتَ إنَّمَا وَجَبَ لِأَجْلِ الرَّمْيِ فَيَكُونُ تَابِعًا وَالتَّابِعُ لَا يُوجِبُ الْمَتْبُوعَ وَإِنْ حَصَلَ الْإِخْلَالُ بِتَرْكِ الرَّمْيِ وَجَبَ الْمَبِيتُ فِي كُلِّ ذَلِكَ نَظَرٌ. اهـ. أَقُولُ وَلَك أَنْ تَمْنَعَ أَوَّلًا إلْحَاقَ تَرْكِ الرَّمْيِ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَبِيتَ وَاجِبٌ وَوَقْتُ الرَّمْيِ فِيمَا مَضَى اخْتِيَارِيٌّ فَمَتَى تَدَارَكَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الثَّانِيَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَاغَ لَهُ النَّفْرُ بِخِلَافِ تَرْكِ الْمَبِيتِ فِي الْمَاضِي لَا سَبِيلَ إلَى تَدَارُكِهِ. اهـ. عَمِيرَةُ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203] أَيْ فِي ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ رَمْيِهِ اهـ. جَلَالَيْنِ وَيُشِيرُ بِهَذَا

ص: 471

وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بِمِنًى بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا رَمْيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَحُكْمَ الْمَبِيتِ وَغَيْرَهُمَا وَثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا جَوَازَ النَّفْرِ فِيهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَيُوَدِّعُهُمْ.

(وَشَرْطٌ لِلرَّمْيِ) أَيْ لِصِحَّتِهِ (تَرْتِيبٌ) لِلْجَمَرَاتِ بِأَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا إلَى الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ إلَى الْوُسْطَى ثُمَّ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَكَوْنُهُ سَبْعًا) مِنْ الْمَرَّاتِ لِذَلِكَ فَلَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ حَصَاتَيْنِ كَذَلِكَ إحْدَاهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْأُخْرَى بِيَسَارِهِ لَمْ يُحْسَبْ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَوْ رَمَى حَصَاةً وَاحِدَةً سَبْعًا كَفَى

ــ

[حاشية الجمل]

إلَى أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ دَفْعًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ النَّظْمِ مِنْ أَنَّ النَّفْرَ وَاقِعٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْيَوْمَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا. اهـ. وَقَدْ صَرَّحَتْ الْآيَةُ بِنَفْيِ الْحَرَجِ رَدًّا عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِئَتَيْنِ: فِئَةٌ تَعْتَقِدُ أَنَّ فِي التَّأْخِيرِ إثْمًا، وَفِئَةٌ أُخْرَى تَعْتَقِدُ أَنَّ فِي التَّقْدِيمِ إثْمًا اهـ. شَرْحُ الْمِشْكَاةِ وَفِيهِ أَيْضًا وَلَعَلَّ وَجْهَ نَفْيِ الْأَثِمِ عَمَّنْ تَأَخَّرَ تَطْيِيبُ قَلْبِ مَنْ تَعَجَّلَ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَأَخَّرَ فِي نَفْيِ الْأَثِمِ فَدَلَّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي مُوَافَقَةِ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلسُّنَّةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ اهـ. م ر.

(قَوْلُهُ: وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بِمِنًى إلَخْ) حَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ خُطَبَ الْحَجِّ أَرْبَعٌ الْأُولَى يَوْمُ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ سُنَّ لِلْإِمَامِ إنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ سَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ وَالثَّانِيَةُ يَوْمَ التَّاسِعِ بِمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ بِهِمْ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، وَالرَّابِعَةُ فِي ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِمِنًى وَكُلُّهَا فُرَادَى وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا الَّتِي يَوْمَ التَّاسِعِ فَإِنَّهَا ثِنْتَانِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ اهـ. ز ي.

(قَوْلُهُ: وَيُوَدِّعُهُمْ) أَيْ يُعَلِّمُهُمْ طَوَافَ الْوَدَاعِ اهـ شَيْخُنَا، لَكِنَّ عِبَارَةَ شَرْحِ م ر يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا جَوَازَ النَّفْرِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهِ وَيُوَدِّعُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِخَتْمِ الْحَجِّ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. فَقَدْ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ تَعْلِيمِهِمْ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَبَيْنَ تَوْدِيعِهِمْ فَلْيُنْظَرْ مَا مَعْنَى التَّوْدِيعِ.

(قَوْلُهُ: وَشُرِطَ لِلرَّمْيِ إلَخْ) الْأَوْجَهُ أَنَّ الرَّمْيَ كَالطَّوَافِ فَيَقْبَلُ الصَّرْفَ وَأَنَّ السَّعْيَ كَالْوُقُوفِ فَلَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ، كَذَا فِي شَرْحِ م ر وَقَرَّرَهُ فِي دَرْسِهِ وَنَازَعَ سم شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فِي عَدَمِ قَبُولِ السَّعْيِ لِلصَّرْفِ وَقَرَّرَ عَنْ الشَّيْخِ حَجّ أَنَّهُ يَقْبَلُ كَالطَّوَافِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْوُقُوفَ فَقَطْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَحَاصِلُ الشُّرُوطِ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ مِنْهَا مُخْتَصٌّ بِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْخَمْسَةُ بَعْدَهُ تَجْرِي فِيهِ وَفِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ اهـ. وَبَقِيَ سَابِعٌ وَهُوَ فَقْدُ الصَّارِفِ.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَصَرْفُ الرَّمْيِ بِالنِّيَّةِ لِغَيْرِ الْحَجِّ كَأَنْ رَمَى إلَى شَخْصٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي الْجَمْرَةِ كَصَرْفِ الطَّوَافِ بِهَا إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ بَحَثَ فِي الْمُهِّمَّاتِ إلْحَاقَ الرَّمْيِ بِالْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَحْدَهُ كَرَمْيِ الْعَدُوِّ فَأَشْبَهَ الطَّوَافَ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَالظَّاهِرُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ آخِذًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَالْوُقُوفِ انْتَهَتْ.

وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ طَوَافٌ دَخَلَ وَقْتُهُ إذَا طَافَ نَاوِيًا طَوَافًا آخَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَطُوفَ حَامِلًا مُحْرِمًا وَيَنْوِيَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَحْمُولِ فَيَقَعُ لِذَلِكَ الْمَحْمُولِ أَوْ نَاوِيًا غَيْرَ الطَّوَافِ كَلُحُوقِ غَرِيمٍ انْصَرَفَ عَنْ الطَّوَافِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا صَرَفَ الطَّوَافَ إلَى طَوَافٍ آخَرَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَحْمُولِ فَيُصْرَفُ لَهُ أَوْ إلَى غَيْرِ طَوَافٍ انْصَرَفَ فَالرَّمْيُ كَالطَّوَافِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى رَمْيٍ آخَرَ لَمْ يَنْصَرِفْ كَأَنْ قَصَدَ بِهِ مُسْتَنِيبَهُ أَوْ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ كَأَنْ قَصَدَ إصَابَةَ الدَّابَّةِ فِي الرَّمْيِ انْصَرَفَ وَلَا يَظْهَرُ فِي الرَّمْيِ نَظِيرُ الْمَحْمُولِ فِي الطَّوَافِ لِيَتَأَتَّى اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

(قَوْلُهُ: تَرْتِيبٌ لِلْجَمَرَاتِ) جَمْعُ جَمْرَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ أَيْ الْحَصَيَاتِ فِيهَا وَمَسَافَةُ بُعْدِ الْأُولَى عَنْ مَسْجِدِ الْخَيْفِ أَلْفُ ذِرَاعٍ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَعَنْ الْوُسْطَى مِائَتَا ذِرَاعٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا وَبَيْنَ الْوُسْطَى وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِائَتَا ذِرَاعٍ وَثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ وَبَيْنَ هَذِهِ وَبَابِ السَّلَامِ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ وَأَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا كُلُّ ذَلِكَ بِذِرَاعِ الْيَدِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا إلَخْ) أَيْ فَلَا يَعْتَدُّ بِرَمْيِ الثَّانِي قَبْلَ تَمَامِ الْأُولَى وَلَا بِالثَّالِثَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْأُولَيَيْنِ وَلَوْ تَرَكَ حَصَاةً وَشَكَّ فِي مَحَلِّهَا مِنْ الثَّلَاثِ جَعَلَهَا مِنْ الْأُولَى احْتِيَاطًا فَيَرْمِي بِهَا إلَيْهَا وَيُعِيدُ رَمْيَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ إذْ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الرَّمْيِ فِي الْجَمَرَاتِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا تُسَنُّ فَقَطْ كَمَا فِي الطَّوَافِ وَلَوْ تَرَكَ حَصَاتَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَحَلَّهُمَا جَعَلَ وَاحِدَةً مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَوَاحِدَةً مِنْ ثَالِثَةٍ وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأُولَى مِنْ أَيِّ جَمْرَةٍ كَانَتْ أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ وَحَصَلَ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَحَدِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْمَرَّاتِ) أَيْ مَرَّاتِ الرَّمْيِ أَيْ لَا مِنْ الْحَصَيَاتِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا سَبْعًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَمَى حَصَاةً وَاحِدَةً إلَخْ، وَقَوْلُهُ فَلَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مِنْ الْمَرَّاتِ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَصَاتَيْنِ كَذَلِكَ) أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْ دُفْعَةً وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ لَمْ يُحْسَبْ إلَّا وَاحِدَةً أَيْ وَإِنْ تَرَتَّبَ الْحَصَاتَانِ فِي الْوُقُوعِ أَمَّا لَوْ رَمَاهُمَا مُتَرَتِّبَتَيْنِ فَيُحْسَبُ لَهُ ثِنْتَانِ سَوَاءٌ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ مَرْتَبَتَيْنِ كَمَا رَمَى أَوْ الثَّانِيَةُ قَبْلَ الْأُولَى اهـ. مِنْ شَرْحِ م ر

ص: 472

وَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْحَصَاةِ فِي الْمَرْمِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَمْيًا؛ وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَارِدِ (وَ) كَوْنُهُ (بِيَدٍ) لِأَنَّهُ الْوَارِدُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي فَلَا يَكْفِي الرَّمْيُ بِغَيْرِهَا كَقَوْسٍ وَرِجْلٍ (وَ) كَوْنُهُ (بِحَجَرٍ) لِذِكْرِ الْحَصَى فِي الْأَخْبَارِ وَهُوَ مِنْ الْحَجَرِ فَيُجْزِئُ بِأَنْوَاعِهِ وَلَوْ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْفُصُوصُ كَيَاقُوتٍ وَعَقِيقٍ وَبَلُّورٍ لَا غَيْرُهُ كَلُؤْلُؤٍ وَإِثْمِدٍ وَجِصٍّ وَجَوْهَرٍ مُنْطَبِعٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ (وَقَصْدُ الْمَرْمِيِّ) مِنْ زِيَادَتِي فَلَوْ رَمَى إلَى غَيْرِهِ كَأَنْ رَمَى فِي الْهَوَاءِ فَسَقَطَ فِي الْمَرْمِيِّ لَمْ يُحْسَبْ (وَتَحَقُّقُ إصَابَتِهِ) بِالْحَجَرِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ كَأَنْ تَدَحْرَجَ وَخَرَجَ مِنْهُ

ــ

[حاشية الجمل]

(قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْحَصَاةِ فِي الْمَرْمِيِّ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَشُرِطَ أَنْ يُسَمِّيَ رَمِيًّا فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ فِي الْمَرْمِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الرَّمْيُ فَلَا بُدَّ مِنْ صِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِوَضْعِ الْيَدِ مَبْلُولَةً عَلَى الرَّأْسِ بِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّعَبُّدِ وَبِأَنَّ الْوَاضِعَ هُنَا لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّمْيِ بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ فِيهِمَا انْتَهَتْ.

وَعِبَارَةُ حَجّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إجْزَاءِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الرَّأْسِ مَعَ أَنَّهُ يُسَمَّى مَسْحًا بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ وُصُولُ الْبَلَلِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ وَهُنَا مُجَاهَدَةُ الشَّيْطَانِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِالرَّمْيِ عَلَى الَّذِي يُجَاهَدُ بِهِ الْعَدُوُّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ «لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْجِمَارِ اللَّهَ رَبَّكُمْ تُكَبِّرُونَ وَمِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ تَتْبَعُونَ وَوَجْهَ الشَّيْطَانِ تَرْمُونَ» انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: وَبِيَدٍ) فَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ بِيَدِهِ قَدَّمَ الْقَوْسَ، ثُمَّ الرِّجْلَ، ثُمَّ الْفَمَ وَإِلَّا اسْتَنَابَ اهـ. حَجّ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي الرَّمْيُ بِغَيْرِهَا كَقَوْسٍ وَرِجْلٍ وَمِقْلَاعٍ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْيَدِ أَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ. اهـ. ع ش.

(قَوْلُهُ: فَيُجْزِئُ بِأَنْوَاعِهِ) مِنْهُ الْكَذَّانُ بِفَتْحٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ حِجَارَةٌ رَخْوَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَدَرٌ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْفُصُوصُ) وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِجْزَاءِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَازِ فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى الرَّمْيِ بِالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِ كَسْرٌ أَوْ إضَاعَةُ مَالٍ حَرُمَ وَإِنْ أَجْزَأَ اهـ. رَمْلِيٌّ اهـ. زِيَادِيٌّ وَلَا يُقَالُ هَذَا الْغَرَضُ صَحِيحٌ فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَهُ عَنْهُ مَنْدُوحَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ كَانَ عُدُولُهُ إلَيْهِ حَرَامًا مِنْ حَيْثُ إضَاعَةُ الْمَالِ أَوْ كَسْرُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لَا يَحْرُمُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ رَشُّ الْقَبْرِ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ التَّعَيُّنِ وَعَدَمِهِ وَأُجِيبَ عَنْ عَدَمِ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ بِأَنَّهُ خَلْفَنَا شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ إكْرَامُ الْمَيِّتِ وَحُصُولُ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ لِلْحَاضِرِينَ وَحُضُورُ الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لَا يُكْرَهُ الْقَلِيلُ مِنْهُ اهـ. ع ش.

(قَوْلُهُ: وَجِصٍّ) أَيْ بَعْدَ الطَّبْخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حِينَئِذٍ حَجَرًا بَلْ نَوْرَةً أَمَّا قَبْلَهُ فَيُجْزِئُ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: وَجَوْهَرٌ مُنْطَبِعٌ) أَشَارَ بِهِ دُونَ تَعْبِيرِ الْمَحَلِّيِّ بِيَنْطَبِعُ إلَيَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْطِبَاعِهِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْحَجَرِيَّةِ إلَّا بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُشَمَّسِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ ثَمَّ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ مُنْطَبِعٌ أَيْ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا كَفَى؛ لِأَنَّ فِيهِ الْحَجَرَ كَامِنًا وَمِنْهُ يُعْلَمُ صِحَّةُ رَمْيِ خَاتَمِ فِضَّةٍ فِيهِ فَصٌّ مِنْ حَجَرٍ كَيَاقُوتٍ مَثَلًا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: وَقَصْدُ الْمَرْمِيِّ) أَيْ أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَ الرَّمْيِ فِيهِ وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْحَصَاةِ الْمُقَدَّرِ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ حَوْلَ الشَّاخِصِ الْمَشْهُورِ مِنْ سَائِرِ جِهَاتِهِ إلَّا فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا وَجْهًا وَاحِدًا فَلَوْ قَصَدَ الشَّاخِصَ وَرَمَى لَمْ يَكْفِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَرْمِيِّ وَإِنْ قَصَدَ الْمَرْمِيَّ وَرَمَى إلَى الشَّاخِصِ فَوَقَعَ بَعْدَ إصَابَتِهِ فِي الْمَرْمِيِّ كَفَى وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّنَاقُضِ فِي كَلَامِهِمْ وَلَوْ أَصَابَتْ الْحَصَاةُ شَيْئًا كَمَحْمَلٍ فَعَادَتْ إلَى الْمَرْمِيِّ فَإِنْ كَانَ عَوْدُهَا بِحَرَكَةٍ مَا أَصَابَتْهُ لَمْ يَكْفِ وَإِلَّا كَفَى كَمَا لَوْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ وَقَدْ خَرَجَ إلَى الْمَرْمِيِّ مِنْ الْأَرْضِ لَا مِنْ نَحْوِ ظَهْرِ بَعِيرٍ لِاحْتِمَالِهَا بِحَرَكَتِهِ فَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْحَرَكَةِ كَفَى اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَقَصَدَ الْمَرْمِيَّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ النُّسُكَ اهـ. حَجّ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ رَمَى إلَى غَيْرِهِ إلَخْ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى الْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ فِي الْجَمْرَةِ أَوْ الْحَائِطِ الَّتِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَأَصَابَهُ، ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَرْمِيِّ لَا يُجْزِئُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ بِفِعْلِهِ مَعَ قَصْدِ الرَّمْيِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ اهـ. وَالثَّانِي مِنْ احْتِمَالَيْهِ أَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ مُدَّعِيًا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى تَعْلِيلِ الْإِجْزَاءِ فِيهِ كَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى غَيْرِ الْمَرْمِيِّ فَوَقَعَ فِيهِ يُجْزِئُ وَقَدْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْمَرْمِيِّ حَدًّا مَعْلُومًا، غَيْرَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ عَلَيْهَا عَلَمٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ تَحْتَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْعُدَ عَنْهُ احْتِيَاطًا، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى لَا مَا سَالَ مِنْ الْحَصَى فَمَنْ أَصَابَ مُجْتَمَعَهُ أَجْزَأَهُ وَمَنْ أَصَابَ سَائِلَهُ لَمْ يُجْزِهِ وَمَا حَدَّدَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ مَوْضِعَ الرَّمْيِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ إلَّا فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ، وَرَمْيُ كَثِيرٍ مِنْ أَعْلَاهَا بَاطِلٌ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا اهـ. شَرْحُ م ر وَفِي كَلَامِ حَجّ أَنَّ الشَّاخِصَ لَيْسَ مِنْ الْمَرْمِيِّ فَلَوْ أُزِيلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ فِي مَحَلِّهِ اهـ. ح ل، وَالْوَجْهُ الْوَجِيهُ خِلَافُهُ لِلْقَطْعِ بِحُدُوثِ الشَّاخِصِ وَأَنَّهُ لَمْ

ص: 473

فَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَتِهِ لَمْ يُحْسَبْ (سُنَّ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ) بِمُعْجَمَتَيْنِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ» وَهُوَ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا بِقَدْرِ الْبَاقِلَّا (وَمَنْ عَجَزَ) عَنْ الرَّمْيِ لِعِلَّةٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا

ــ

[حاشية الجمل]

يَكُنْ فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الظَّاهِرَ ظُهُورًا تَامًّا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَالنَّاسُ فِي زَمَنِهِ لَمْ يَكُونُوا يَرْمُونَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَيَتْرُكُونَ مَحَلَّهُ وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَنُقِلَ فَإِنَّهُ غَرِيبٌ اهـ. سم عَلَى حَجّ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَتِهِ لَمْ يُحْسَبْ) أَيْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إصَابَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيهِ وَبَقَاءُ الرَّمْيِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْإِيعَابِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَسُنَّ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ) وَيُكْرَهُ بِأَكْبَرَ وَبِأَصْغَرَ مِنْهُ وَبِهَيْئَةِ الْخَذْفِ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْهَا الشَّامِلِ لِلْحَجِّ وَغَيْرِهِ اهـ. حَجّ. اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر، وَهَيْئَةُ الْخَذْفِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أَنْ يَضَعَ الْحَصَى عَلَى بَطْنِ إبْهَامِهِ وَيَرْمِيَهُ بِرَأْسِ السَّبَّابَةِ. اهـ.

وَفِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ وَيَتَعَلَّقُ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَسَائِلُ إلَى أَنْ قَالَ الثَّانِيَةُ السُّنَّةُ أَنْ يَأْتِيَ الْجَمْرَةَ الْأُولَى مِنْ أَسْفَلَ وَيَصْعَدَ إلَيْهَا وَيَعْلُوَهَا حَتَّى يَكُونَ مَا عَنْ يَسَارِهِ أَقَلَّ مِمَّا عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، ثُمَّ يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَاحِدَةً وَاحِدَةً يُكَبِّرُ عَقِبَ كُلِّ حَصَاةٍ كَمَا سَبَقَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ عَنْهَا وَيَنْحَرِفُ قَلِيلًا وَيَجْعَلُهَا فِي قَفَاهُ وَيَقِفُ فِي مَوْضِعٍ لَا يُصِيبُهُ الْمُتَطَايِرُ مِنْ الْحَصَى الَّذِي يُرْمَى وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيَدْعُو مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ وَخُشُوعِ الْجَوَارِحِ وَيَمْكُثُ كَذَلِكَ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الْوُسْطَى وَيَصْنَعُ فِيهَا كَمَا صَنَعَ فِي الْأُولَى وَيَقِفُ لِلدُّعَاءِ كَمَا وَقَفَ فِي الْأُولَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ عَنْ يَسَارِهَا كَمَا فَعَلَ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيهَا، بَلْ يَتْرُكُهَا بِيَمِينٍ وَيَقِفُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ مُنْقَطِعًا عَنْ أَنْ يُصِيبَهُ الْحَصَى، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ الَّتِي رَمَاهَا يَوْمَ النَّحْرِ فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا لِلدُّعَاءِ إلَى أَنْ قَالَ الثَّامِنَةُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَرَمَيَاتِ الْجَمْرَةِ الْوَاحِدَةِ سُنَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ وَاجِبَةٌ إلَى أَنْ قَالَ الْحَادِيَةَ عَشَرَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمِيَ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَاشِيًا وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ يَنْفِرُ فِي الثَّالِثِ عَقِبَ رَمْيِهِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى رُكُوبِهِ، الثَّانِيَةَ عَشَرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ وَأَنْ يُصَلِّيَ أَمَامَ الْمَنَارَةِ عِنْدَ الْأَحْجَارِ الَّتِي أَمَامَهَا فَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَنَّهُ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى حُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْفَرَائِضِ فَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي فَضْلِ مَسْجِدِ الْخَيْفِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ آثَارًا إلَى أَنْ قَالَ الْخَامِسَةَ عَشَرَ فِي حِكْمَةِ الرَّمْيِ اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ كُلُّهَا لَهَا مَعَانٍ قَطْعًا فَإِنَّ الشَّرْعَ لَا يَأْمُرُ بِالْعَبَثِ، ثُمَّ إنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ قَدْ يَفْهَمُهُ الْمُكَلَّفُ وَقَدْ لَا يَفْهَمُهُ، فَالْحِكْمَةُ فِي الصَّلَاةِ التَّوَاضُعُ وَالْخُضُوعُ وَإِظْهَارُ الِافْتِقَارِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحِكْمَةُ فِي الصَّوْمِ كَسْرُ النَّفْسِ وَفِي الزَّكَاةِ مُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِ وَفِي الْحَجِّ إقْبَالُ الْعَبْدِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ إلَى بَيْتٍ فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَرَّفَهُ كَإِقْبَالِ الْعَبْدِ إلَى مَوْلَاهُ ذَلِيلًا وَمِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا تُفْهَمُ مَعَانِيهَا السَّعْيُ وَالرَّمْيُ فَكُلِّفَ الْعَبْدُ بِهِمَا لِيَتِمَّ انْقِيَادُهُ فَهَذَا النَّوْعُ لَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ وَلَا أُنْسَ لِلْعَقْلِ بِهِ فَلَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدُ امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَكَمَالُ الِانْقِيَادِ فَهَذِهِ إشَارَةٌ مُخْتَصَرَةٌ تُعْرَفُ فِيهَا الْحِكْمَةُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، السَّادِسَةَ عَشَرَ إذَا نَفَرَ مِنْ مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ انْصَرَفَ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا كَمَا هُوَ يُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى، بَلْ يُصَلِّيهَا بِالْمَنْزِلِ الْمُحَصَّبِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ صَلَّاهَا بِمِنًى جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ بَعْدَ نَفْرِهِ مِنْ مِنًى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ.

السَّابِعَةَ عَشَرَ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَتَى الْمُحَصَّبَ فَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَهَجَعَ هَجْعَةً، ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ» وَهَذَا التَّحْصِيبُ مُسْتَحَبٌّ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ هُوَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ التَّحْصِيبُ سُنَّةً إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا الْمُحَصَّبُ بِالْأَبْطَحِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْجَبَلِ الَّذِي عِنْدَهُ مَقَابِرُ مَكَّةَ وَالْجَبَلِ الَّذِي يُقَابِلُ مُصَعِّدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا عَنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

(قَوْلُهُ: الْبَاقِلَاءُ) بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الْقَصْرِ وَبِالتَّخْفِيفِ مَعَ الْمَدِّ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ اهـ. شَيْخُنَا.

1 -

(قَوْلُهُ: وَمَنْ عَجَزَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَجِيرَ عَيْنٍ عَلَى الْأَوْجَهِ وَقَوْلُهُ أَنَابَ أَيْ وُجُوبًا فِي وَقْتِ الرَّمْيِ وَجَوَازًا قَبْلَهُ اهـ. حَجّ وسم عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: لِعِلَّةٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ لِنَحْوِ مَرَضٍ وَيُتَّجَهُ ضَبْطُهُ بِمَا مَرَّ فِي إسْقَاطِهِ لِلْقِيَامِ فِي الْفَرْضِ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ بِأَنْ أَيِسَ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَقْتَهُ وَلَوْ ظَنًّا وَلَا

ص: 474

قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الرَّمْيِ (أَنَابَ) مَنْ يَرْمِي عَنْهُ وَلَا يَمْنَعُ زَوَالُهَا بَعْدَهُ مِنْ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَلَا يَصِحُّ رَمْيُهُ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِلَّا وَقَعَ عَنْهَا.

وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ سَبْعًا إلَى هُنَا يَأْتِي فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ (وَلَوْ تَرَكَ رَمْيًا) مِنْ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ (تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي تَشْرِيقٍ) أَيْ أَيَّامِهِ وَلَيَالِيِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِبَاقِي الْأَيَّامِ (أَدَاءً) بِالنَّضِّ فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَبِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهِمْ وَقَوْلِي أَدَاءً مِنْ زِيَادَتِي وَإِنَّمَا وَقَعَ أَدَاءً؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ قَضَاءً لَمَا دَخَلَهُ التَّدَارُكُ كَالْوُقُوفِ بَعْدَ فَوْتِهِ وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمْيِ مَا بَعْدَهُ فَإِنْ خَالَفَ فِي رَمْيِ الْأَيَّامِ وَقَعَ عَنْ الْمَتْرُوكِ، وَيَجُوزُ رَمْيُ الْمَتْرُوكِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَيْلًا كَمَا عُلِمَ فَقَوْلُ الْأَصْلِ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَيَدْخُلُ رَمْيُ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَيَخْرُجُ بِغُرُوبِهَا اقْتِصَارٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ (لَزِمَهُ دَمٌ بِ) تَرْكِ رَمْيِ (ثَلَاثِ رَمَيَاتٍ) فَأَكْثَرَ وَلَوْ فِي الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ

ــ

[حاشية الجمل]

يَنْعَزِلُ النَّائِبُ بِطُرُوِّ إغْمَاءِ الْمُنِيبِ أَوْ جُنُونِهِ بَعْدَ إذْنِهِ لِمَنْ يَرْمِي عَنْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ آيِسٌ اهـ.

(قَوْلُهُ أَيْضًا لَا يُرْجَى زَوَالُهَا) أَيْ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا فِيمَا يَظْهَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْعَجْزَ الَّذِي يَنْتَهِي إلَى الْيَأْسِ كَمَا فِي اسْتِنَابَةِ الْحَجِّ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ فَوَاتِ) ظَرْفٌ لِلزَّوَالِ لَا لِقَوْلِهِ لَا يُرْجَى اهـ. شَيْخُنَا، وَالْمُرَادُ بِوَقْتِ الرَّمْيِ وَقْتُ جَوَازِهِ وَهُوَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثُ اهـ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: أَنَابَ) أَيْ وُجُوبًا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَإِذَا اسْتَنَابَ عَنْهُ مَنْ رَمَى أَوْ حَلَالًا سُنَّ لَهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ الْحَصَى وَيُكَبِّرَ كَذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا تَنَاوَلَهَا النَّائِبُ وَكَبَّرَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ عَجَزَ الْأَجِيرُ عَلَى عَيْنِهِ عَنْ الرَّمْيِ هَلْ يَسْتَنِيبُ هُنَا لِلضَّرُورَةِ أَوْ لَا كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي وَيُرِيقُ دَمًا اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُ زَوَالُهَا بَعْدَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لَكِنْ تُسَنُّ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْحَجِّ بِأَنَّ الرَّمْيَ تَابِعٌ وَيَجْبُرُ بِدَمٍ اهـ. سم عَلَى حَجّ.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ بَرِئَ مِنْ عُذْرِهِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الرَّمْيِ لَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَتُهُ، لَكِنَّهَا تُسَنُّ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْحَجِّ بِأَنَّ الرَّمْيَ تَابِعٌ وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِيهِمَا وَبِأَنَّ الرَّمْيَ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ ظَنَّ الْعَجْزَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ رَمْيُهُ) أَيْ النَّائِبِ عَنْهُ أَيْ الْمُنِيبِ إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ أَيْ النَّائِبِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ رَمَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى مَثَلًا عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَهَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ اهـ. ح ل.

(قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ) حَتَّى لَوْ رَمَى النَّائِبُ الَّذِي لَمْ يَرْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَصَدَ الْمُسْتَنِيبَ فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهُ هُوَ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ عَنْ الْغَيْرِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْغَيْرِ إذَا نَوَاهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ مِثْلَ الصَّلَاةِ أَثَّرَتْ فِيهِ نِيَّةُ الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَبِيهًا بِالصَّلَاةِ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ أَيْضًا إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ لِلْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ وَيُعْتَبَرُ كُلُّ يَوْمٍ عَلَى حِدَتِهِ فَإِذَا رَمَى عَنْ نَفْسِهِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ أَوَّلَ يَوْمٍ رَمَى عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ النَّائِبُ رَمَى بَعْضَ الْجَمَرَاتِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْبَعْضُ وَلَوْ حَصَاةً وَاحِدَةً لَا يَصِحُّ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ الْمُنِيبِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ اهـ. مِنْ شَرْحِ م ر وَحَجّ، ثُمَّ قَالَ حَجّ.

(فَرْعٌ)

لَوْ أَنَابَهُ جَمَاعَةٌ فِي الرَّمْيِ عَنْهُمْ جَازَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ هَلْ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ بِأَنْ لَا يَرْمِيَ عَنْ الثَّانِي مَثَلًا إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ رَمْيِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْمِيَ إلَى الْأُولَى عَنْ الْكُلِّ، ثُمَّ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، ثُمَّ الْأَخِيرَةِ كَذَلِكَ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اُسْتُنِيبَ عَنْ آخَرَ وَعَلَيْهِ رَمْيٌ سَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت مَا عَلَيْهِ لَازِمٌ لَهُ فَوَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا عَلَى الْأَوَّلِ فِي مَسْأَلَتِنَا، قُلْت قَصْدُهُ الرَّمْيَ لَهُ صَيَّرَهُ كَأَنَّهُ مَلْزُومٌ بِهِ فَلَزِمَهُ التَّرْتِيبُ رِعَايَةً لِذَلِكَ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِالنَّصِّ فِي الرِّعَاءِ) بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ لَا غَيْرُ جَمْعُ رَاعٍ وَتَجْوِيزُ الشَّوْبَرِيِّ الضَّمَّ خَطَأٌ إذْ الضَّمُّ إنَّمَا هُوَ فِي الرُّعَاةِ بِالتَّاءِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا جَمْعًا لِرَاعٍ اهـ. مِنْ ابْنِ شَرَفٍ وق ل.

(قَوْلُهُ: لَمَّا دَخَلَهُ التَّدَارُكُ) كَالْوُقُوفِ بَعْدَ فَوْتِهِ؛ لِأَنَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ إذَا فَاتَتْ لَا تُتَدَارَكُ أَيْ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إنْ تَدَارَكَهُ وَاجِبٌ هَذَا مُرَادُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فِي الْمُلَازَمَةِ شَيْءٌ اهـ. شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْمَتْرُوكِ أَيْ بِأَنْ لَا يَنْوِيَ بِالرَّمْيِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ اهـ. ع ش، وَقَوْلُهُ فَإِنْ خَالَفَ إلَخْ أَيْ بِأَنْ قَصَدَ أَنْ يَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْهُ وَالْحَالُ أَنَّ عَلَيْهِ رَمْيَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ اهـ. شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ لَزِمَهُ دَمٌ أَيْ وَلَوْ بِعُذْرٍ خِلَافًا لحج حَيْثُ قَاسَهُ عَلَى الْمَبِيتِ فِي أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِلْأَذْرَعِيِّ اهـ. ح ل،

(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ) الْغَايَةُ رَاجِعَةٌ لِقَوْلِهِ فَأَكْثَرَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ كَتَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ أَوْ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ أَوْ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَمَا بَعْدَهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَرْكُ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَأَقَلَّ فِي أَكْثَرِ مِنْ يَوْمٍ فَتَأَمَّلْ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَلَوْ فِي الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ) قَدْ يَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ تَرْكِ أَرْبَعِ رَمَيَاتٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْأَرْبَعِ بِأَنْ يَتْرُكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً فَيُعْتَدُّ لَهُ بِمَا رَمَاهُ وَيَكُونُ الدَّمُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَتْرُوكَةِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ رَمْيَةً فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأُولَى مَثَلًا لَمْ يُحْسَبْ لَهُ مَا بَعْدَهَا وَتُجْبَرُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَهَكَذَا فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الدَّمَ يَتَحَقَّقُ وُجُوبُهُ بِتَرْكِ ثَلَاثَةٍ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ تَرْكِهَا تَرْكُ كَثِيرٍ مِنْ الرَّمْيِ فَلَا تَجِبُ

ص: 475

لِأَنَّ الرَّمْيَ فِيهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةً بِرَأْسِهَا وَفِي الرَّمْيَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مُدُّ طَعَامٍ وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْهُ مُدَّانِ وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيَالِي التَّشْرِيقِ كُلِّهَا دَمٌ وَاحِدٌ وَفِي لَيْلَةٍ مُدٌّ وَفِي لَيْلَتَيْنِ مُدَّانِ إنْ لَمْ يَنْفِرْ قَبْلَ الثَّالِثَةِ وَإِلَّا وَجَبَ دَمٌ لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ

ــ

[حاشية الجمل]

زِيَادَةٌ عَلَى الدَّمِ، بَلْ يَكُونُ فِي جَمِيعِ الْمَتْرُوكِ سَوَاءٌ مَا تَرَكَهُ بِالْفِعْلِ وَمَا فَعَلَهُ وَلَمْ يُحْسَبْ لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ جَمِيعَ الرَّمْيِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ اهـ. ع ش.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرَّمْيَ فِيهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ) أَيْ فَلَا يُقَالُ يَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ رَأْسًا كُلُّ دَمٍ عَنْ رَمْيِ يَوْمٍ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الرَّمْيَةِ الْأَخِيرَةِ إلَخْ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَرْكُ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ غَيْرَ الْأَخِيرِ وَقَعَ رَمْيُ مَا بَعْدَهَا عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ اهـ. ق ل.

وَعِبَارَةُ ابْنِ الْجَمَّالِ وَفِي تَرْكِ رَمْيَةٍ مُدُّ طَعَامٍ وَفِي اثْنَيْنِ مُدَّانِ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِتَرْكِهِمَا مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ مِمَّا قَبْلَهُ إنْ صَحَّ نَفْرُهُ فِيهِ وَذَلِكَ لِعُسْرِ تَبْعِيضِ الدَّمِ وَبَحَثَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ إجْزَاءَ الدَّمِ الْكَامِلِ عَنْ الْمُدِّ وَالْمُدَّيْنِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ إذْ هُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ أَصَالَةً إنَّمَا هُوَ الدَّمُ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا إجْزَاءُ ثُلُثِ الدَّمِ فِي الْوَاحِدَةِ وَثُلُثَيْهِ فِي اثْنَتَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ الْمُدِّ فِي الْحَصَاةِ وَالْمُدَّيْنِ فِي الْحَصَاتَيْنِ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّ دَمَ تَرْكِ الرَّمْيِ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا إطْعَامَ فِيهِ وَجَوَابُهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّءُوفِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ كَانَ الْقِيَاسُ عَدَمَ إجْزَاءِ الْمُدِّ لِلْقَادِرِ عَلَى ثُلُثِ الدَّمِ لَكِنْ لَمَّا عَسُرَ تَبْعِيضُ الدَّمِ وَكَذَا الصَّوْمُ إذْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِ تَكْمِيلُ الْمُنْكَسِرِ عُدِلَ إلَى جِنْسٍ آخَرَ أَخَفَّ مِنْهُمَا قَصْدًا إلَى السُّهُولَةِ وَنُزِّلَ الْمَعْدُولُ إلَيْهِ مَنْزِلَةَ أَصْلِ الْمَعْدُولِ عَنْهُ حَتَّى إنَّهُ لَيْسَ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ بَدَلُهُ وَهُوَ صَوْمُ ثُلُثِ الْعَشَرَةِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ اهـ.

وَتَوْضِيحُهُ أَنْ يُقَالَ لَا شُبْهَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَصَالَةً ثُلُثُ الدَّمِ فِي الْحَصَاةِ وَثُلُثَاهُ فِي الْحَصَاتَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبُهُ صَوْمَ ثُلُثِ الْعَشَرَةِ فِي الْأَوَّلِ وَثُلُثَيْهَا فِي الثَّانِي لَكِنْ أُقِيمَ الْمُدُّ أَوْ الْمُدَّانِ مَقَامَ ثُلُثِ الدَّمِ أَوْ ثُلُثَيْهِ لِعُسْرِ تَبْعِيضِ الدَّمِ لَا أَنَّهُ جُعِلَ بَعْدَهُ فِي الرُّتْبَةِ لِيُخَالِفَ دَمَ التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَإِذَا عَجَزَ عَنْ نَحْوِ الْمُدِّ الَّذِي هُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الدَّمِ فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الدَّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ وَلَا يُخْرِجُهُ هَذَا عَنْ كَوْنِهِ دَمَ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ إذْ لَيْسَ الصَّوْمُ بَدَلًا عَنْ الْمُدِّ وَالْمُدَّيْنِ، بَلْ عَنْ الدَّمِ الْقَائِمِ هُوَ مَقَامَهُ لِلتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ وَكَذَا الصَّوْمُ إذْ يَلْزَمُ إلَخْ مِنْ أَنَّ الْمُدَّ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الصَّوْمِ أَيْضًا وَأَنَّهُ عِنْدَ الْعَجْزِ يُرْجَعُ إلَيْهِ فَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ إنَّمَا هُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الدَّمِ فَقَطْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ ثُلُثَ الدَّمِ فِي الْحَصَاةِ أَوْ ثُلُثَيْهِ فِي الْحَصَاتَيْنِ أَجْزَأَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي الصَّوْمُ إذَا عَجَزَ عَنْهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَجْزُ عَنْ الْمُدِّ وَالْمُدَّيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّ إنَّمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ سَوَاءٌ فِي حَقِّ مُرِيدِ إخْرَاجِ نَحْوِ ثُلُثِ الدَّمِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُدِّ وَأَجْزَأَ نَحْوُ ثُلُثِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ أَصَالَةً فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: مُدُّ طَعَامٍ) فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْمُدِّ مَثَلًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْمُدِّ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَثُلُثٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقِيلَ تُكَمَّلُ أَرْبَعَةً جَبْرًا لِلْكَسْرِ، ثُمَّ تُفَرَّقُ الْأَرْبَعَةُ بِنِسْبَةِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ لِلْعَشَرَةِ فَيَصُومُ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِهَا، ثُمَّ سَبْعَةَ أَعْشَارِهَا وَذَلِكَ مَعَ الْجَبْرِ خَمْسَةٌ يَوْمَانِ ثُمَّ ثَلَاثَةٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ تُبْسَطُ أَعْشَارًا بِأَرْبَعِينَ وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِهَا اثْنَيْ عَشَرَ عُشْرًا فَتُكَمَّلُ عِشْرِينَ عُشْرًا بِيَوْمَيْنِ وَسَبْعَةُ أَعْشَارِهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ عُشْرًا فَتُكَمَّلُ ثَلَاثِينَ عُشْرًا بِثَلَاثَةٍ وَإِنَّمَا جُبِرَ الْكَسْرُ بِتَكْمِيلِهِ أَرْبَعَةً قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ إيجَابُ بَعْضِ الصَّوْمِ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ بِجَبْرِ الثُّلُثِ، ثُمَّ قِسْمَتِهَا وَجَبْرِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَعْشَارِ وَالسَّبْعَةِ فَهُنَا جَبْرَانِ، وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ الثُّلُثُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، بَلْ يُبْسَطُ مِنْ جِنْسِ كَسْرِهِ وَهُوَ ثُلُثٌ فَتَكُونُ عَشَرَةً بِالنِّسْبَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ جَبْرِ الْمُنْكَسِرِ فَيَصُومُ يَوْمًا؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ بِوَاحِدٍ ثُمَّ ثَلَاثَةً إذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّ سَبْعَةَ أَعْشَارِهَا سَبْعَةُ أَثْلَاثٍ بِثُلُثَيْنِ حَتَّى تَكُونَ ثَلَاثَةً فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَبْرٌ وَاحِدٌ فِي أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ جَبْرَانِ فِي الشِّقَّيْنِ مَعًا اهـ. سم عَلَى الْغَايَةِ بِإِيضَاحٍ.

(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَنْفِرْ قَبْلَ الثَّالِثَةِ) الضَّمِيرُ فِي " يَنْفِرْ " رَاجِعٌ لِمَنْ تَرَكَهَا وَتَرَكَ اللَّيْلَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ نَفَرَ قَبْلَ مَبِيتِ الثَّالِثَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَرَكَ مَا قَبْلَهَا فَيَكُونُ تَارِكًا لِلثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ هَذَا الشِّقُّ مُكَرَّرًا وَأَيْضًا التَّقْيِيدُ مِنْ أَصْلِهِ مُسْتَدْرَكٌ.

وَعِبَارَةُ ابْنِ الْجَمَّالِ، وَفِي تَرْكِ لَيْلَةٍ مُدٌّ وَلَيْلَتَيْنِ مُدَّانِ إنْ لَمْ يَنْفِرْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ بَلْ بَاتَ الثَّالِثَةَ وَرَمَى يَوْمَهَا أَوْ تَرَكَ مَبِيتَهَا لِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ لِعُذْرٍ كَالْمَأْتِيِّ بِهِ فَإِنْ نَفَرَ مَعَ تَرْكِهِمَا بِلَا عُذْرٍ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِنْ رَمَى بَعْدَ الزَّوَالِ فَنَفْرُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِمَبِيتِ الثَّالِثَةِ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَرَمَى يَوْمَهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ نَفَرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ فِي الصُّورَتَيْنِ فَدَمٌ لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ

ص: 476

هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ أَمَّا هُمْ كَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَرِعَاءِ الْإِبِلِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى بِلَا دَمٍ.

(وَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ نَحْوِ حَائِضٍ)

ــ

[حاشية الجمل]

بِلَا عُذْرٍ وَوَقَعَ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ وَشَرْحِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ فِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَتَيْ التَّشْرِيقِ إذَا نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ دَمًا، وَانْتَقَدَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ مَتَى فَوَّتَ مَبِيتَهُمَا بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ فَوَّتَ مَبِيتَ الثَّالِثَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ لَزِمَهُ الدَّمُ لَكِنْ لِتَرْكِ الثَّلَاثِ لَا لِتَفْوِيتِهِ مَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ مَبِيتَ الثَّالِثَةِ فَالْوَاجِبُ مُدَّانِ لَا دَمٌ، قَالَ فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الدَّمِ فِيهِمَا اهـ. وَهُوَ وَاضِحٌ مُتَّجَهٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَإِنْ صُنِّفَ فِي رَدِّهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِشْكَالَ الْمَارَّ فِي وُجُوبِ الْإِطْعَامِ فِي تَرْكِ الرَّمْيَةِ وَالرَّمْيَتَيْنِ مَعَ كَوْنِ هَذَا الدَّمِ لَا يَدْخُلُهُ الْإِطْعَامُ وَجَوَابُهُ يَأْتِي هُنَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ إلَّا هُنَاكَ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ فِي تَرْكِ اللَّيْلَةِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَفِي تَرْكِ اللَّيْلَتَيْنِ ثَمَانِيَةً بِتَفْصِيلِهِمَا السَّابِقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ يَجِبُ مَبِيتٌ بِمِنًى لَيَالِيَ تَشْرِيقٍ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ إلَخْ أَمَّا هُمْ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ هُنَاكَ كَمَا صَنَعَ شُرَّاحُ الْمِنْهَاجِ.

وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ فِي بَحْثِ الْمَبِيتِ نَصُّهَا هَذَا فِيمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ أَمَّا مَنْ تَرَكَ مَبِيتَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْعُذْرُ أَقْسَامٌ أَحَدُهَا أَهْلُ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَيَسِيرُونَ إلَى مَكَّةَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالسِّقَايَةِ وَسَوَاءٌ تَوَلَّى السِّقَايَةَ بَنُو الْعَبَّاسِ أَوْ غَيْرُهُمْ وَلَوْ أُحْدِثَتْ سِقَايَةٌ لِلْحَاجِّ فَلِلْمُقِيمِ بِشَأْنِهَا تَرْكُ الْمَبِيتِ كَسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ، الثَّانِي رِعَاءُ الْإِبِلِ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لِعُذْرِ الْمَرْعَى فَإِذَا رَمَى الرِّعَاءُ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ يَوْمَ النَّحْرِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلَهُمْ الْخُرُوجُ إلَى الرَّعْيِ وَالسِّقَايَةِ وَتَرْكُ الْمَبِيتِ فِي لَيَالِي مِنًى جَمِيعًا وَلَهُمْ تَرْكُ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّشْرِيقِ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَرْمُوا عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ عَنْ الثَّانِي ثُمَّ يَنْفِرُوا فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَنْفِرُ وَمَتَى أَقَامَ الرِّعَاءُ بِمِنًى حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَزِمَهُمْ الْمَبِيتُ بِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَلَوْ أَقَامَ أَهْلُ السِّقَايَةِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَلَهُمْ الذَّهَابُ إلَى السِّقَايَةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ شُغْلَهُمْ يَكُونُ لَيْلًا وَنَهَارًا الثَّالِثُ مَنْ لَهُ عُذْرٌ بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْمَبِيتِ أَوْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ مَعَهُ أَوْ لَهُ مَرِيضٌ يَحْتَاجُ إلَى تَعَهُّدِهِ أَوْ يَطْلُبُ عَبْدًا آبِقًا أَوْ يَكُونُ بِهِ مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ الْمَبِيتُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ وَلَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَا شَيْءَ عَلِيم انْتَهَتْ.

وَعِبَارَةُ ابْنِ الْجَمَّالِ فِي شَرْحِ نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي وَإِنَّمَا يَجِبُ هَذَا أَيْ دَمُ تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى عَلَى حَاجٍّ تَرَكَ الْمَبِيتَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ كَرِعَاءِ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ لِغَيْرِ دَوَابِّ الْحَاجِّ وَأُجَرَاءَ وَمُتَبَرِّعِينَ قِيَاسًا عَلَى فِطْرِ الْمُرْضِعَةِ الْمُتَبَرِّعَةِ بِالْإِرْضَاعِ فِي رَمَضَانَ بِشَرْطِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الدَّمُ إنْ عَسُرَ عَلَيْهِمْ الْإِتْيَانُ بِهَا إلَى مِنًى لَيْلًا وَخَشُوا مِنْ تَرْكِهَا ضَيَاعًا أَوْ جُوعًا لَا صَبْرَ عَلَيْهِ عَادَةً كَمَا اسْتَظْهَرَهُ حَجّ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ وَخَرَجُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الرَّعْيَ لَا يَكُونُ لَيْلًا بِخِلَافِ السِّقَايَةِ قَالَ شَيْخُنَا وَمَوْلَانَا السَّيِّدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْ مِنْ شَأْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ فَلَوْ فُرِضَ الِاحْتِيَاجُ لَيْلًا إلَى الرَّعْيِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ يَعْنِي الشِّهَابَ حَجّ فِي الْحَاشِيَةِ أَيْ وَصَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ وَقَدْ يُصَوَّرُ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لَيْلًا بِبُعْدِ الْمَرْعَى اهـ. وَكَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَإِنْ خَرَجُوا لَيْلًا وَخَالَفُوا الرِّعَاءَ بِأَنَّ عَمَلَهُمْ فِي النَّهَارِ فَقَطْ وَفِيهِ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ السِّقَايَةُ قَدِيمَةً أَوْ مُحْدَثَةً بِمَكَّةَ وَبِطَرِيقِهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ لِلْبَيْعِ فِيمَا يَظْهَرُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّعَاءُ أُجَرَاءَ وَكَمَنْ خَافَ وَلَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَلَى نَحْوِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ ضَيَاعِ مَرِيضٍ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ أَوْ لَهُ مُتَعَهِّدٌ مَشْغُولٌ بِتَحْصِيلِ نَحْوِ الْأَدْوِيَةِ أَوْ لَمْ يَضَعْ، لَكِنَّهُ يَأْنَسُ بِهِ لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ أَوْ إشْرَافٍ عَلَى مَوْتٍ وَإِنْ تَعَهَّدَهُ غَيْرُهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ مِمَّا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ هُنَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ كَخَوْفِ حَبْسِ غَرِيمٍ وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ بِإِعْسَارِهِ أَوْ ثَمَّ قَاضٍ لَا يَسْمَعُهَا إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ وَكَعُقُوبَةِ مَنْ يَرْجُو بِغَيْبَتِهِ الْعَفْوَ.

وَمِنْ الْأَعْذَارِ غَلَبَةُ النَّوْمِ لِمَنْ نَزَلَ لِطَوَافِ الرُّكْنِ وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُهُ وَإِدْرَاكُ الْمُعْظَمِ بِمِنًى أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ حَجّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ) وَأَمَّا الرَّمْيُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بِالنَّصِّ فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ اهـ. ح ل، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْذُورِينَ يَسْقُطُ عَنْهُمْ الْمَبِيتُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ تَدَارُكُ الرَّمْيِ تَأَمَّلْ اهـ. شَيْخُنَا أَيْ بِالطَّرِيقِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي عِبَارَةِ الْإِيضَاحِ.

(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ نَحْوِ حَائِضٍ إلَخْ) أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ وَجَبْرُ

ص: 477

كَنُفَسَاءَ (طَوَافُ وَدَاعٍ) وَيُسَمَّى بِالصَّدَرِ أَيْضًا

ــ

[حاشية الجمل]

تَرْكِهِ بِالدَّمِ سُنَّةٌ أَيْضًا اهـ. إيضَاحٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَتَى بِنُسُكٍ إذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ نُسُكِهِ فَمَتَى بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ اهـ. شَرْحُ م ر.

(فَائِدَةٌ)

قَالَ مَوْلَانَا وَشَيْخُنَا السَّيِّدُ الْمَرْحُومُ عُمَرُ رضي الله عنه وَعَنَّا بِهِ يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي الصَّغِيرِ هَلْ يَلْزَمُ وَلِيَّهُ أَنْ يَطُوفَ بِهِ طَوَافَ الْوَدَاعِ أَمْ لَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ أَوْ لَيْسَ مِنْهَا وَلَكِنَّهُ خَرَجَ بِهِ إثْرَ نُسُكٍ وَجَبَ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِهَا كَالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ وَيُحْتَمَلُ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَظَرًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ إثْرَ نُسُكٍ فَلَا وُجُوبَ هَذَا مَا ظَهَرَ الْآنَ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ رَأَيْت الْفَاضِلَ الْمُحَشِّيَ يَعْنِي سم - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْغَايَةِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ لَمْ نَرَ فِيهِ نَقْلًا وَعِنْدِي يَجِبُ إنْ قُلْنَا إنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَإِلَّا فَلَا اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.

(قَوْلُهُ: كَنُفَسَاءَ) أَيْ وَكَمُسْتَحَاضَةٍ نَفَرَتْ فِي نَوْبَةِ حَيْضِهَا وَذِي جُرْحٍ نَضَّاحٍ يُخْشَى مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ اهـ. حَجّ وَقَوْلُهُ نَفَرَتْ فِي نَوْبَةِ حَيْضِهَا بِخِلَافِ فِي نَوْبَةِ طُهْرِهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا كَالْمَجْمُوعِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ إذَا نَفَرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ فَإِنْ كَانَ يَوْمَ حَيْضِهَا فَلَا طَوَافَ عَلَيْهَا، أَوْ طُهْرِهَا لَزِمَهَا وَلَوْ رَأَتْ امْرَأَةٌ دَمًا فَانْصَرَفَتْ بِلَا وَدَاعٍ، ثُمَّ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ نُظِرَ إلَى مَرَدِّهَا السَّابِقِ فِي الْحَيْضِ فَإِنْ بَانَ أَنَّهَا تَرَكَتْهُ فِي طُهْرِهَا وَجَبَ الدَّمُ أَوْ فِي حَيْضِهَا فَلَا دَمَ اهـ. سم عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: طَوَافُ وَدَاعٍ) وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَطْوِفَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَوَافٍ يَخُصُّهُ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَفَعَلَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ عَقِبَهُ لَمْ يَكْفِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيلِ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ أَيْضًا طَوَافُ وَدَاعٍ) وَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ، ثُمَّ أَتَى الْمُلْتَزَمَ فَيَلْصَقُ بَطْنَهُ وَصَدْرَهُ بِحَائِطِ الْبَيْتِ وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ فَيَجْعَلُ الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَالْيُسْرَى مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْعَبْدُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك حَمَلْتنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك حَتَّى سَيَّرْتنِي فِي بِلَادِك وَبَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك حَتَّى أَعَنْتنِي عَلَى قَضَاءِ مَنَاسِكِك فَإِنْ كُنْت رَضِيت عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًى وَإِلَّا فَمِنْ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي وَيَبْعُدَ عَنْهُ مَزَارِي وَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلَا بِبَيْتِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عَنْ بَيْتِك اللَّهُمَّ فَاصْحَبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي وَارْزُقْنِي طَاعَتَك مَا أَبْقَيْتنِي وَاجْمَعْ لِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيَأْتِي بِآدَابِ الدُّعَاءِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي آدَابِ عَرَفَاتٍ وَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فِي تَضَرُّعِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ أَتَى إلَى زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْهَا مُتَزَوِّدًا، ثُمَّ عَادَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ وَمَضَى وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً حَائِضًا اُسْتُحِبَّ لَهَا أَنْ تَأْتِيَ بِهَذَا الدُّعَاءِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَتَمْضِيَ اهـ. إيضَاحٌ وَفِي حَجّ أَنَّ الْمُكْثَ لَمَّا ذُكِرَ بَلْ وَلِلْإِطَالَةِ فِي الدُّعَاءِ بِغَيْرِ الْوَارِدِ لَا يُوجِبُ إعَادَةَ الطَّوَافِ اهـ. وَإِذَا فَارَقَ الْبَيْتَ مُوَدِّعًا فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يَخْرُجُ وَبَصَرُهُ إلَى الْبَيْتِ لِيَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، وَقِيلَ يَلْتَفِتُ إلَيْهِ فِي انْصِرَافِهِ كَالْمُتَحَزِّنِ عَلَى مُفَارَقَتِهِ.

وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يَخْرُجُ وَيُوَلِّي ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ وَلَا يَمْشِي الْقَهْقَرَى كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قَالُوا، بَلْ الْمَشْيُ قَهْقَرَى مَكْرُوهٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ وَلَا أَثَرٌ مَحْكِيٌّ وَمَا لَا أَصْلَ لَهُ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ كَرَاهَةُ قِيَامِ الرَّجُلِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ نَاظِرًا إلَى الْكَعْبَةِ إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى وَطَنِهِ بَلْ يَكُونُ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. إيضَاحٌ.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ الْمَتْبُوعِ بِرَكْعَتَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ مَا لَمْ يُؤْذِ أَوْ يَتَأَذَّ بِزِحَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ حَافِيًا وَأَنْ لَا يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى سَقْفِهِ وَلَا يَنْظُرَ إلَى أَرْضِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَيَاءً مِنْهُ وَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَمْشِيَ بَعْدَ دُخُولِهِ الْبَابَ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَأَنْ يَدْعُوَ فِي جَوَانِبِهِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُسَنُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ إلَخْ إلَى أَنْ قَالَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي أَنَّ الْمُوَدِّعَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ يَخْرُجُ وَقَالَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ بَنِي

ص: 478

(بِفِرَاقِ مَكَّةَ) وَلَوْ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ أَوْ فَارَقَهَا لِسَفَرٍ قَصِيرٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» أَيْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمَا ذَكَرْته مِنْ وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَلَى غَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ هُوَ مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ مِنْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ

ــ

[حاشية الجمل]

سَهْمٍ

وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاعْتِمَارِ وَالطَّوَافِ تَطَوُّعًا وَأَنْ يَزُورَ الْأَمَاكِنَ الْمَشْهُورَةَ بِالْفَضْلِ بِمَكَّةَ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا وَأَنْ يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى الْبَيْتِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ «أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ تَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ» ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ السَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ ظَاهِرَةٌ إذْ الطَّائِفُونَ جَمَعُوا بَيْنَ ثَلَاثٍ: طَوَافٌ وَصَلَاةٌ وَنَظَرٌ فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ سِتُّونَ وَالْمُصَلُّونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ أَرْبَعُونَ وَالنَّاظِرُونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ وَالصَّلَاةُ فَصَارَ لَهُمْ عِشْرُونَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ هُنَاكَ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَنُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا بِمَكَّةَ فِي الطَّوَافِ وَالْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي الْمَسْعَى وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي فِي نُسُكٍ أَوْ لَا انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى بِالصَّدَرِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُسَمَّى بِهِ أَيْ بِالصَّدَرِ طَوَافُ الرُّكْنِ اهـ. ح ل وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ عَنْهُ إلَى مَكَّةَ وَيَرْجِعُونَ إلَى أَوْطَانِهِمْ.

(قَوْلُهُ: بِفِرَاقِ مَكَّةَ) أَيْ بِإِرَادَةِ فِرَاقِ مَكَّةَ.

وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ طَافَ لِلْوَدَاعِ قَالَ حَجّ وَأَفْهَمَ الْمَتْنُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مِنْ عُمْرَانِ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ فَطَرَأَ لَهُ السَّفَرُ لَمْ يَلْزَمْهُ دُخُولُهَا لِأَجْلِ طَوَافِ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ حَالَ خُرُوجِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ اهـ. وَإِذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ وَفَارَقَهَا إلَى مَحَلٍّ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا لِشَيْءٍ مِنْ حَوَائِجِ السَّفَرِ أَوْ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَهَلْ يَحْتَاجُ هَذَا الْخُرُوجُ لِوَدَاعٍ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ جَدِيدٌ أَوْ لِبُطْلَانِ الْوَدَاعِ السَّابِقِ بِعَوْدِهِ إلَى مَكَّةَ أَوْ يُفْصَلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَوْدُهُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ كَأَخْذِ حَاجَةٍ لِلسَّفَرِ فَلَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَاكِثِ لِحَاجَةِ السَّفَرِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ وَأَطْلَقَ م ر فِي تَقْرِيرِهِ جَوَابَ سَائِلِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ اهـ. سم عَلَيْهِ.

(فَائِدَةٌ)

هَلْ وَجَبَ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ كَمَا أَنَّ سَائِرَ الْوَاجِبَاتِ كَالْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ تَجِبُ بِالْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهَا وَقْتٌ مَخْصُوصٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فَوُجُوبُهُ تَابِعٌ لِوُجُوبِهَا أَوْ وَجَبَ وُجُوبًا مُبْتَدَأً بِفِرَاقِ مَكَّةَ لَا بِالْإِحْرَامِ أَوْ يُفَصَّلُ فَيُقَالُ وَجَبَ بِالْإِحْرَامِ مَعَ فِرَاقِ مَكَّةَ إنْ كَانَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَبِفِرَاقِهَا فَقَطْ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا جَزَمَ فِي مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ بِالْأَوَّلِ، قَالَ وَقَوْلُهُمْ بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِهِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا لِلصِّحَّةِ وَقَالَ شَارِحُهُ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الثَّانِي قَالَ وَلَا يَبْعُدُ التَّفْصِيلُ أَيْ الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ أَنَّ دَلِيلَ الْوُجُوبِ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُوجِبُهُ عِنْدَ الْفِرَاقِ سَوَاءٌ أَسُبِقَ بِالْإِحْرَامِ أَمْ لَا اهـ وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ كَمَا قَالَ فِيمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا، أَمَّا إذَا دَخَلَهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ وَأَرَادَ السَّفَرَ مِنْهَا أَوْ أَرَادَهُ مَكِّيٌّ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ تَابِعٍ، بَلْ مُبْتَدَأٌ بِفِرَاقِ مَكَّةَ لِلْخَبَرِ وَتَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ فَارَقَهَا لِسَفَرٍ قَصِيرٍ) أَيْ سَوَاءٌ فَارَقَهَا لِسَفَرٍ طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ تَقْيِيدُ الْقَصِيرِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ مِنْهُ.

وَعِبَارَةُ حَجّ وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ مُطْلَقًا أَوْ دُونَهَا وَهُوَ وَطَنُهُ أَوْ لِيَتَوَطَّنَهُ وَإِلَّا فَلَا طَوَافَ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي الْقِسْمَيْنِ أَيْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَالدُّونِ بَيْنَ مَنْ نَوَى الْعَوْدَ وَغَيْرَهُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: لِلِاتِّبَاعِ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ لِثُبُوتِهِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا وَفِعْلًا وَلِيَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بَيْتَ رَبِّهِ كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ مَقْصُودٍ لَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ عَلَيْهِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: آخِرُ عَهْدِهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَقَوْلُهُ أَيْ الطَّوَافُ بَيَانٌ لِمُتَعَلِّقِ الْجَارِّ وَهُوَ إمَّا اسْمُ كَانَ أَوْ خَبَرُهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ) وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْهَا أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهَا كَالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ مِنْهَا وَمِنْ ثَمَّ لَزِمَ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ وَاتَّجَهَ أَنَّهُ حَيْثُ وَقَعَ إثْرَ نُسُكٍ لَمْ تَجِبْ لَهُ نِيَّةٌ نَظَرًا لِلتَّبَعِيَّةِ وَإِلَّا وَجَبَتْ لِانْتِفَائِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِهِ فِي النُّسُكِ عَدَمُ طَلَبِهِ فِي غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ السِّوَاكَ سُنَّةٌ فِي مَحْوِ الْوُضُوءِ وَهُوَ سُنَّةٌ مُطْلَقًا اهـ. حَجّ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ مَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إلَخْ) هَذَا الْمُعْتَمَدُ ضَعِيفٌ عِنْدَ م ر وحج وَنَصُّ عِبَارَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَيْسَ طَوَافُ الْوَدَاعِ مِنْ الْمَنَاسِكِ أَيْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ دُونَهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَدَّعَ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ آفَاقِيًّا تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ وَتَشْبِيهًا لِاقْتِضَاءِ

ص: 479

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ عَلَى مَنْ خَرَجَ لِغَيْرِ مَنْزِلِهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ وَكَانَ سَفَرُهُ قَصِيرًا كَمَنْ خَرَجَ لِلْعُمْرَةِ وَلَا عَلَى مُحْرِمٍ خَرَجَ إلَى مِنًى وَأَنَّ الْحَاجَّ إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْ مِنًى فَعَلَيْهِ الْوَدَاعُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ

ــ

[حاشية الجمل]

خُرُوجِهِ الْوَدَاعَ بِاقْتِضَاءِ دُخُولِهِ الْإِحْرَامَ وَلِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ قَاصِدَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَنَاسِكِ لَأُمِرَ بِهِ هَذَا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُ مِنْهَا وَيَخْتَصُّ بِمَنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ ذَوِي النُّسُكِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا إلَّا الْمُتَوَلِّي فَجَعَلَهُ تَحِيَّةً لِلْبُقْعَةِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا رُكْنًا، كَمَا قَالَ غَيْرُهُ إنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ قَالَ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْهَا لَأُمِرَ بِهِ قَاصِدُ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْمُفَارَقَةِ وَلَمْ تَحْصُلْ كَمَا أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَا يُشْرَعُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ مَكَّةَ وَيَلْزَمُهُمَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَذَكَرَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَفِي مَجْمُوعِهِ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ آخِرَ الْبَابِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا نُقِلَ عَنْ التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فِيهِ، بَلْ فِيهِ أَنَّهُ نُسُكٌ حَيْثُ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ حَيْثُ لَا يَجِبُ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ وَهُوَ يَسْقُطُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ نُسُكٌ لَا يَسْقُطُ بِطَوَافٍ آخَرَ وَاجِبٍ اهـ.

وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَوَّلًا وَفِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ أَوْ لَا وَفِي أَنَّهُ يُحَطُّ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجِيرِ عِنْدَ تَرْكِهِ أَوْ لَا اهـ. بِحُرُوفِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَمَّالِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ أَوْ لَا وَأَنَّهُ هَلْ يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ أَوْ لَا، لَكِنَّ الَّذِي اسْتَوْجَهَهُ فِي التُّحْفَةِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ وَأَنَّهُ حَيْثُ وَقَعَ إثْرَ نُسُكٍ لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِهَا كَالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ مِنْهَا وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَزَادَ أَنَّهُ يُحَطُّ عِنْدَ تَرْكِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يُقَابِلُهُ قَالَ مَوْلَانَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي مَبْحَثِ الطَّوَافِ مِنْ التُّحْفَةِ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ إذَا وَقَعَ إثْرَ نُسُكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَجَرَى فِي الْحَاشِيَةِ عَلَى اشْتِرَاطِهَا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَعَلَّلَهُ بِوُقُوعِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ التَّامِّ فَتَحَرَّرَ أَنَّ لَهُ أَيْ لحج ثَلَاثَةَ آرَاءٍ اهـ. وَجَزَمَ بِمَا فِي الْحَاشِيَةِ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ فِي مَبْحَثِ الطَّوَافِ وَاسْتَوْجَهَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ قَالَ وَلَيْسَ كَالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْعِبَادَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَإِنْ فُعِلَ إثْرَ الْمَنَاسِكِ فَاحْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ لِضَعْفِ التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ الْمَسْنُونَ مِنْ طَوَافِ النَّفْلِ فَتَجِبُ نِيَّتُهُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ. اهـ. أَيْ نَظَرًا لِشَمُولِ نِيَّةِ الْحَجِّ لَهُ إذْ هُوَ مِنْ سُنَنِهِ لِمَنْ سُنَّ فِي حَقِّهِ كَمَا أَنَّ سَائِرَ السُّنَنِ سُنَّتْ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْقَدِحُ فَتَأَمَّلْ اهـ. بِحُرُوفِهِ.

(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ إلَخْ) أَيْ لَا وَدَاعَ وَاجِبَ وَإِلَّا فَهُوَ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَ لِسَفَرٍ قَصِيرٍ نَاوِيًا الْعَوْدَ اهـ. شَيْخُنَا وَفِي ع ش مَا نَصُّهُ قَوْلَهُ وَكَانَ سَفَرُهُ قَصِيرًا قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ إلَى مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ لَكِنْ ذَكَرَ م ر فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ إلَخْ مَا نَصُّهُ وَالْأَفْضَلُ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْجِدِ سُنَّةَ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ يَأْتِي إلَى بَابِ دَارِهِ وَيُحْرِمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ عَقِبَ الصَّلَاةِ، بَلْ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ فَانْدَفَعَ اسْتِشْكَالُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْإِحْرَامِ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَتَقَدَّمَ لَك التَّنْبِيهُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَيُعَلِّمُهُمْ الْمَنَاسِكَ إلَخْ وَيَأْمُرُ فِيهَا أَيْضًا الْمُتَمَتِّعِينَ وَالْمَكِّيِّينَ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الطَّوَافُ مَسْنُونٌ وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ هُنَا لَا وَدَاعَ عَلَى مَنْ خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ إلَخْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ لَهُ مِنْ اسْتِحْبَابِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ فَارَقَ مَكَّةَ لِمَسَافَةِ قَصْرٍ لَزِمَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَصَدَ الْإِقَامَةَ أَوْ لَا بِخِلَافِ مَنْ فَارَقَهَا لِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَإِنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ فِيمَا خَرَجَ لَهُ لَزِمَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَفَصَّلَ فِيمَا دُونَهَا حَيْثُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ عَلَى مَنْ خَرَجَ لِغَيْرِ مَنْزِلِهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ وَكَانَ سَفَرُهُ قَصْرًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْ مِنًى) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى بَلَدِهِ مِنْ مِنًى وَلَا يَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ فَعَلَيْهِ الْوَدَاعُ أَيْ وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْوَدَاعِ عَقِبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ عِنْدَ عَوْدِهِ إلَيْهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ فَقَدْ وَهِمَ إذْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يُسَمَّى طَوَافَ وَدَاعٍ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ

ص: 480

أَمَّا نَحْوُ الْحَائِضِ فَلَا طَوَافَ عَلَيْهَا لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» وَقِيسَ بِهَا النُّفَسَاءُ فَلَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ لَزِمَهَا الْعَوْدُ وَالطَّوَافُ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي.

(وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ) مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ (بِدَمٍ) لِتَرْكِهِ نُسُكًا وَاجِبًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ الْمُتَحَيِّرَةَ (فَإِنْ عَادَ) بَعْدَ فِرَاقِهِ بِلَا طَوَافٍ (قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ

ــ

[حاشية الجمل]

اهـ. شَرْحُ حَجّ وَقَوْلُهُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ لَوْ فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ لَكِنْ فَاتَهُ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ الصَّوْمُ بَدَلَهُ فَصَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَقِبَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَرَادَ السَّفَرَ إلَى بَلَدِهِ وَأَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ جُمْلَةُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا بَلَدُهُ وَلَوْ تَوَقَّفَ لُزُومُ الْوَدَاعِ عَلَيْهَا لَزِمَ سُقُوطُهُ عَنْهُ وَهُوَ بَعِيدٌ فَلَوْ أَرَادَ السَّفَرَ قَبْلَ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَأَنْ يَصُومَهَا أَيْضًا بِبَلَدِهِ أَوْ فِي سَفَرِهِ فَهَلْ يَصِحُّ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَيَلْزَمُهُ وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ بَدَلًا أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوَّلُ غَيْرُ بَعِيدٍ فَلْيُرَاجَعْ وَهَلْ مِثْلُ الْفَرَاغِ تَفْوِيتُ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيُ مَعَ مُكْثِهِ بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ اهـ. سم عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا نَحْوُ الْحَائِضِ إلَخْ) مِثْلُ الْحَائِضِ الْمَعْذُورِ لِخَوْفِ ظَالِمٍ أَوْ فَوْتِ رُفْقَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ اهـ. مِنْ شَرْحِ م ر.

(قَوْلُهُ: فَلَا طَوَافَ عَلَيْهَا) أَيْ وَلَا دَمَ أَيْضًا. اهـ. ع ش وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِطَوَافِ الرُّكْنِ فَلَوْ حَاضَتْ قَبْلَهُ فَإِنَّهَا تَسْتَمِرُّ مُحْرِمَةً حَتَّى تَرْجِعَ لِمَكَّةَ فَتَطُوفَ وَلَوْ طَالَ ذَلِكَ سِنِينَ، وَبَحَثَ السَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا إذَا وَصَلَتْ بَلَدَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ عَادِمَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْوُصُولُ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ يَكُونُ حُكْمُهَا كَالْمُحْصَرِ فَتَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ شَاةٍ وَحَلْقٍ وَنِيَّةِ تَحَلُّلٍ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْكَلَامُ مَفْرُوضٌ حَيْثُ لَمْ تَعْلَمْ بِالْحُكْمِ حَتَّى وَصَلَتْ بَلَدَهَا فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهَا وَصَلَتْ لِمَحَلٍّ وَعَجَزَتْ عَنْ الْوُصُولِ لِمَكَّةَ وَهِيَ عَارِفَةٌ بِالْحُكْمِ فَتُحْلِلُ الْآنَ بِذَبْحٍ وَتَقْصِيرٍ مَعَ نِيَّةٍ فِيهِمَا وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ شَافِعِيَّةً تُقَلِّدُ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَوْ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رضي الله عنه عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِي أَنَّهَا تَهْجُمُ وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَلْزَمُهَا بَدَنَةٌ وَتَأْثَمُ بِدُخُولِهَا الْمَسْجِدَ حَائِضًا وَيُجْزِيهَا هَذَا الطَّوَافُ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا فِي بَقَائِهَا عَلَى الْإِحْرَامِ مِنْ الْمَشَقَّةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: أُمِرَ النَّاسُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ هَكَذَا ضَبَطَهُ بِالْقَلَمِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ) أَيْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا لَا يَجُوزُ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ اهـ. حَجّ.

(قَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ) وَفِي طَوْفَةٍ مِنْهُ أَوْ بَعْضِهَا دَمٌ كَامِلٌ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ مُدٌّ كَتَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَةٍ أَوْ حَصَاةٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا أَشْبَهَ الصَّلَاةَ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ كَانَ كَالْخَصْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَأُلْحِقَ تَرْكُ بَعْضِهِ بِتَرْكِ كُلِّهِ وَلَا كَذَلِكَ ذَلِكَ هـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: لِتَرْكِهِ نُسُكًا وَاجِبًا) أَيْ عِبَادَةً وَاجِبَةً وَهَذَا جَارٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَالْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ نُسُكٌ أَيْ عِبَادَةٌ وَكَوْنُهُ نُسُكًا فِي ذَاتِهِ لَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ أَيْ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَسَقَطَ مَا لِلْحَلَبِيِّ هُنَا.

(قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ جَبْرِ تَرْكِهِ بِدَمٍ.

وَعِبَارَةُ حَجّ نَعَمْ الْمُتَحَيِّرَةُ لَا دَمَ عَلَيْهَا لِلشَّكِّ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِاحْتِمَالِ كُلِّ زَمَنٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا لِلْحَيْضِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: الْبُلْقِينِيُّ) هُوَ أَبُو حَفْصٍ سِرَاجُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ رَسْلَانَ الْبُلْقِينِيُّ نِسْبَةً إلَى بُلْقِينَةَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى مِصْرَ قُرْبَ الْمَحَلَّةِ الْكُبْرَى الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ عَالِمُ عَصْرِهِ وُلِدَ ثَانِيَ عَشَرَ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَتَفَقَّهَ عَلَى التَّقِيِّ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ الْمُتَوَفَّى عَاشِرَ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِمِائَةٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَادَ قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ إلَخْ) وَالْعَوْدُ وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنْ أَمْكَنَهُ، أَمَّا إذَا عَادَ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، سَوَاءٌ عَادَ مِنْهَا أَوْ بَعْدَهَا وَإِنْ فَعَلَهُ أَيْ الطَّوَافَ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ لِاسْتِقْرَارِهِ بِمَا ذُكِرَ وَالْعَوْدُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي هَذِهِ الْحَالِ اهـ. حَجّ وَكَذَا إنْ عَادَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَطَنَهُ وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ مَا يُرِيدُ تَوَطُّنَهُ فِيهِ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ، وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَيَظْهَرُ فِيمَنْ خَرَجَ تَارِكًا لَهُ عَامِدًا عَالِمًا، وَقَدْ لَزِمَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ لَهُ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ أَيْ قَبْلَ وُصُولِ وَطَنِهِ لَمْ يَأْثَمْ وَإِلَّا أَثِمَ وَإِنْ عَادَ فَالْعَوْدُ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ لَا لِلْإِثْمِ اهـ. سم عَلَى حَجّ وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا فِي الْعَامِدِ الْعَالِمِ مَا بَحَثَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي تَرْكِ الْمِيقَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ بِالْعَوْدِ التَّدَارُكَ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ لِشُغْلٍ آخَرَ أَوَّلًا بِقَصْدِ شَيْءٍ بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ فِرَاقِهِ بِلَا طَوَافٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وَقْتُ الْمُفَارَقَةِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الطَّوَافِ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ مُرَادُهُ السَّفَرَ الطَّوِيلَ وَقَبْلَ بُلُوغِ نَحْوِ وَطَنِهِ فِيمَا إذَا كَانَ وَطَنُهُ أَوْ الَّذِي يُرِيدُ تَوَطُّنَهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ

ص: 481

وَطَافَ فَلَا دَمَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ وَكَمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَقَوْلِي وَطَافَ مِنْ زِيَادَتِي وَقَوْلِي فَلَا دَمَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ سَقَطَ الدَّمُ (وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الطَّوَافِ وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (لَا لِصَلَاةٍ أُقِيمَتْ أَوْ شُغْلِ سَفَرٍ) كَشِرَاءِ زَادٍ وَشَدِّ رَحْلٍ (أَعَادَ) الطَّوَافَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَكَثَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

(وَسُنَّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ) وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ شُرْبِهِ.

ــ

[حاشية الجمل]

مَكَّةَ وَتُعْتَبَرُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ لَا مِنْ آخِرِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْوَدَاعَ لِلْبَيْتِ فَنَاسَبَ اعْتِبَارَ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ نِسْبَةً إلَيْهِ مِنْ الْحَرَمِ، وَقِيلَ مِنْ الْحَرَمِ نَظِيرُ مَا يَأْتِي وَيَرُدُّهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ. اهـ. حَجّ.

(قَوْلُهُ: وَطَافَ) أَمَّا لَوْ عَادَ لِلطَّوَافِ فَمَاتَ قَبْلَ الطَّوَافِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ عَنْهُ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ) لَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ بِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ تَسْوِيَتُهُمْ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ فِي وُجُوبِ الْوَدَاعِ لِأَنَّ سَفَرَهُ هُنَا لَمْ يَتِمَّ لِعَوْدِهِ بِخِلَافِ هُنَاكَ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَهُ) أَيْ فِي مَحَلٍّ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَاسِيًا) أَيْ لِوُجُوبِ الْخُرُوجِ عَقِبَ الطَّوَافِ وَقَوْلُهُ أَوْ جَاهِلًا أَيْ بِمَا ذُكِرَ وَمِثْلُهَا الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُكْثِ.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ مَكَثَ مُكْرَهًا بِأَنْ ضُبِطَ وَهُدِّدَ بِمَا يَكُونُ إكْرَاهًا فَهَلْ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ مَكَثَ مُخْتَارًا فَيَبْطُلُ الْوَدَاعُ أَوْ نَقُولُ الْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ هَذَا اللُّبْثِ فَإِذَا أُطْلِقَ وَانْصَرَفَ فِي الْحَالِ جَازَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَمِثْلُهُ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ عَقِبَ الْوَدَاعِ أَوْ جُنَّ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَالْأَوْجَهُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَا انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: لَا لِصَلَاةٍ أُقِيمَتْ) أَيْ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ حَجّ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ أُقِيمَتْ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا لَا لِصَلَاةٍ أُقِيمَتْ إلَخْ) أَيْ لِغَيْرِ صَلَاةٍ أُقِيمَتْ وَغَيْرِ شُغْلِ سَفَرٍ وَذَلِكَ الْغَيْرُ كَعِبَادَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، لَكِنَّ الْأَوْجَهَ بَلْ الْمَنْصُوصَ اغْتِفَارُ مَا بِقَدْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَيْ أَقَلِّ مُمْكِنٍ مِنْهَا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ سَائِرِ الْأَغْرَاضِ إذَا لَمْ يُعَرِّجْ لَهَا أَيْ الْأَغْرَاضِ اهـ. حَجّ.

(قَوْلُهُ: وَسُنَّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ) أَيْ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهَا مُبَارَكَةٌ وَتُقَوِّي الْقَلْبَ وَهِيَ اسْمٌ لِلْبِئْرِ الْمَشْهُورَةِ قَرِيبًا مِنْ الْبَيْتِ وَأَصْلُهَا مِنْ ضَرْبِ جِبْرِيلَ الْأَرْضَ بِجَنَاحِهِ حِينَ عَطِشَتْ هَاجَرُ وَوَلَدُهَا إسْمَاعِيلُ لَمَّا وَضَعَهَا إبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام هُنَاكَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا فَاضَ مِنْهَا الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَتْ لَهُ هَاجَرُ زُمَّ زُمَّ أَيْ اجْتَمِعْ يَا مُبَارَكُ فَاجْتَمَعَ فَسُمِّيَتْ زَمْزَمَ، وَيُقَالُ لَهَا زُمَازِمُ وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَاءَ حِينَ خَرَجَ مِنْهَا سَاحَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَزُمَّ أَيْ مُنِعَ بِجَمْعِ التُّرَابِ حَوْلَهُ، وَرُوِيَ لَوْلَا أُمُّكُمْ هَاجَرُ حَوَّطَتْ عَلَيْهَا لَمَلَأَتْ أَوْدِيَةَ مَكَّةَ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ سُمِعَ مِنْهَا حِينَئِذٍ صَوْتٌ يُشْبِهُ صَوْتَ الْفَرَسِ عِنْدَ شُرْبِهَا الْمُسَمَّى بِذَلِكَ وَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ زَمْزَمُ وَهِزْمَةُ جِبْرِيلَ وَسُقْيَا اللَّهِ إسْمَاعِيلَ وَبَرَكَةٌ وَسَيِّدَةٌ وَنَافِعَةٌ وَمَصُونَةٌ وَعَوْنَةٌ وَبُشْرَى وَصَاحِبَةٌ وَبَرَّةٌ وَعِصْمَةٌ وَسَالِمَةٌ وَمَيْمُومَةٌ وَمُعْذِبَةٌ وَكَافِيَةٌ وَطَاهِرَةٌ وَحَرَمِيَّةٌ وَمُرُورِيَّةٌ وَمُؤْنِسَةٌ وَطَيِّبَةٌ وَشَبَّاعَةُ الْعِيَالِ وَطَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُغْنِي عَنْ الْمَطْعُومَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُشْبِعُ وَشِفَاءُ سَقَمٍ أَيْ شُرْبُ مَائِهَا يَشْفِي مِنْ السَّقَامِ وَهُوَ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ وَأَفْضَلُ الْمِيَاهِ بَعْدَمَا نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

وَعِبَارَةُ حَجّ وَسُنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ لِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهَا مُبَارَكَةٌ وَأَنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» أَيْ فِيهَا قُوَّةُ الِاغْتِذَاءِ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ لَكِنْ مَعَ الصِّدْقِ كَمَا وَقَعَ لِأَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَلْ نَمَا لَحْمُهُ وَزَادَ سِمَنُهُ زَادَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَشِفَاءُ سَقَمٍ أَيْ حِسِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ شُرْبُهُ وَأَنْ يَقْصِدَ بِهِ نَيْلَ مَطْلُوبَاتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ لِخَبَرِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» سَنَدُهُ حَسَنٌ، بَلْ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ أَئِمَّةٌ وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ طَعَنَ فِيهِ بِمَا لَا يُجْدِي وَيُسَنُّ عِنْدَ إرَادَةِ شُرْبِهِ الِاسْتِقْبَالُ وَالْجُلُوسُ وَقِيَامُهُ صلى الله عليه وسلم لِبَيَانِ الْجَوَازِ، ثُمَّ اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَك مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ لِكَذَا اللَّهُمَّ فَافْعَلْ بِي ذَلِكَ بِفَضْلِك، ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيُسِرُّ بِهِ وَيَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا وَأَنْ يَتَضَلَّعَ أَيْ يَمْتَلِئَ وَيُكْرَهُ تَنَفُّسُهُ عَلَيْهِ لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ «آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ» وَأَنْ يَنْقُلَهُ إلَى وَطَنِهِ اسْتِشْفَاءً وَتَبَرُّكًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ انْتَهَتْ.

وَقَوْلُهُ لِمَا شُرِبَ لَهُ هُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ شَرِبَهُ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالشَّارِبِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ تَعَدِّي ذَلِكَ إلَى الْغَيْرِ فَإِذَا شَرِبَهُ إنْسَانٌ بِقَصْدِ وَلَدِهِ وَأَخِيهِ مَثَلًا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ إذَا شَرِبَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلْيُرَاجَعْ وَعِبَارَتُهُ فِي هَوَامِشِ فَتَاوَى حَجّ الْفِقْهِيَّةِ الْكُبْرَى نَصُّهَا قَوْلُهُ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» إلَخْ هَلْ وَلَوْ كَانَ طَلَبُ التَّحْصِيلِ بِهِ لِغَيْرِ شَارِبِهِ بِأَنْ شَرِبَ لِيَحْصُلَ لِوَلَدِهِ الْعِلْمُ أَوْ الشِّفَاءُ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ أَوْ وَكَالَةٌ بِأَنْ وَكَّلَ فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ وَلَيْسَ مُوَافِقًا لِمَا نُقِلَ عَنْهُ اهـ. ع ش عَلَى م ر.

وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَيُسَنُّ أَنْ يَنْوِيَ حَالَ

ص: 482

(وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ خِلَافَهُ وَذَلِكَ لِخَبَرِ «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي

ــ

[حاشية الجمل]

شُرْبِهِ مَا شَاءَ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ زَوَالِ مَرَضٍ وَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» وَأَنَا أَشْرَبُهُ لِكَذَا وَيَذْكُرَ مَا يُرِيدُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ فَافْعَلْ، ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيَشْرَبُ وَيَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا كُلَّمَا شَرِبَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إذَا شَرِبَهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَنَالُوا مَطْلُوبَهُمْ وَيُسَنُّ الدُّخُولُ إلَى الْبِئْرِ وَالنَّظَرُ فِيهَا وَأَنْ يَنْزِعَ بِالدَّلْوِ الَّذِي عَلَيْهَا وَيَشْرَبَ وَأَنْ يَنْضَحَ مِنْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَصَدْرِهِ وَأَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْ مَائِهَا وَيَسْتَصْحِبَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ بَلْ يُنْدَبُ ذَلِكَ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ يُبَدَّلُ فَمِنْ خُرَافَاتِ الْعَوَامّ وَيُسَنُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ مَا لَمْ يُسْكِرْ وَأَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ وَأَنْ يَنْصَرِفَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مُسْتَدْبِرَ الْبَيْتِ وَيُكْثِرَ الِالْتِفَاتَ إلَى أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ كَالْمُتَحَزِّنِ الْمُتَأَسِّفِ عَلَى فِرَاقِهِ، وَيَقُولُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ عَابِدُونَ سَائِحُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، بَلْ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ الْمَالِكِيُّ إنَّ قَصْدَ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْ قَصْدِ الْكَعْبَةِ وَمِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَيُسَنُّ أَنْ يَأْتِيَ سَائِرَ الْمَشَاهِدِ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيُسَنُّ زِيَارَةُ الْبَقِيعِ وَقُبَاءَ وَأَنْ يَأْتِيَ بِئْرَ أَرِيسٍ فَيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةَ الْآبَارِ السَّبْعَةِ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

أَرِيسٌ وَغَرْسٌ رُومَةٌ وَبُضَاعَةٌ

كَذَا بَضَّهْ قُلْ بِئْرُ جَامِعِ الْعِهْنِ

وَيَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ فَالصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ وَلْيَحْذَرْ مِنْ الطَّوَافِ بِقَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام وَمِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ بِقَصْدِ تَعْظِيمِهِ وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَمَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ وَيُسَنُّ أَنْ يَصُومَ بِالْمَدِينَةِ مَا أَمْكَنَهُ وَأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى جِيرَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُقِيمِينَ وَالْغُرَبَاءِ بِمَا أَمْكَنَهُ اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ وَتَقْبِيلُهُ ظَاهِرَهُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّعْظِيمَ لَكِنْ مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ بَعْدَ نَقْلِ كَرَاهَةِ تَقْبِيلِ التَّابُوتِ مَا نَصُّهُ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ التَّبَرُّكَ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيُحْتَمَلُ مَجِيءُ ذَلِكَ هُنَا وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُمْ حَافَظُوا عَلَى التَّبَاعُدِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى هُنَا حَيْثُ بَالَغُوا فِي تَعْظِيمِ عِيسَى عليه السلام حَتَّى ادَّعَوْا فِيهِ مَا ادَّعَوْا وَمِنْ ثَمَّ حَذَّرُوا كُلَّ التَّحْذِيرِ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ وَفِيمَا قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الْغَيْرِ الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هُوَ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَكَوْنُهُمَا قَبْلَهُ بِمُقْتَضَى الْفَهْمِ مِنْ الْغَايَةِ إذْ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ وَغَيْرِهِمَا وَاَلَّذِي أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فِي الْغَيْرِ عَدَمُ سَنِّهَا لَهُ وَفِي الْمُعْتَمِرِ عَدَمُ سَنِّهَا لَهُ أَيْضًا وَأَوْهَمَ فِي الْحَاجِّ أَنَّهَا لَا تُسَنُّ لَهُ قَبْلَ فَرَاغِ حَجِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَيْدٌ فَقَالَ وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُسَنُّ قَبْلَ فَرَاغِهِ مَعَ أَنَّهَا تُسَنُّ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُسَنُّ لِلْمُعْتَمِرِ وَلَا لِغَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ مِنْ أَنَّهَا تُسَنُّ لَهُمَا أَيْضًا.

وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَسُنَّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ وَزِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ انْتَهَتْ وَأَجَابَ عَنْهُ حَجّ بِقَوْلِهِ وَمَا أَوْهَمَتْهُ عِبَارَتُهُ مِنْ قَصْرِ نَدْبِ الزِّيَارَةِ وَالشُّرْبِ عَلَى الْحَاجِّ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهَا لِلْحَجِيجِ آكَدُ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ لَهَا وَقَدْ أَتَوْا مِنْ أَقْطَارٍ بَعِيدَةٍ وَقَرُبُوا مِنْ الْمَدِينَةِ قَبِيحٌ جِدًّا كَمَا يَدُلُّ لَهُ خَبَرُ «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ مَقَالٌ اهـ بِحُرُوفِهِ.

(قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي إلَخْ) فِي دَلَالَةِ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْمُدَّعَى نَوْعُ خَفَاءٍ وَقَدْ اسْتَدَلَّ م ر بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» اهـ. شَيْخُنَا وَالْمُرَادُ مِنْ تَسْمِيَةِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ رَوْضَةً أَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةِ تُنْقَلُ إلَى الْجَنَّةِ فَتَكُونُ مِنْ رِيَاضِهَا أَوْ أَنَّهُ عَلَى الْمَجَازِ لِكَوْنِ الْعِبَادَةِ فِيهِ تَؤَوَّلُ إلَى دُخُولِ الْعَابِدِ رَوْضَةَ الْجَنَّةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِتِلْكَ الْبُقْعَةِ وَالْخَبَرُ مَسُوقٌ لِمَزِيدِ شَرَفِهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَقِيلَ فِيهِ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ أَيْ كَرَوْضَةٍ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقْعُدُ فِيهَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمُؤْمِنِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُكْثِرُونَ الذِّكْرَ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ اهـ. فَتْحُ الْبَارِي اهـ. شَوْبَرِيٌّ

ص: 483

عَلَى حَوْضِي» وَخَبَرِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» ، رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَسُنَّ لِمَنْ قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَتِهِ أَنْ يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا رَأَى حَرَمَ الْمَدِينَةِ وَأَشْجَارَهَا زَادَ فِي ذَلِكَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ، وَيَغْتَسِلُ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَلْبَسُ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةِ وَهِيَ بَيْنَ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ كَمَا مَرَّ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ فَرَاغِهَا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ ثُمَّ وَقَفَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ رَأْسِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَيَبْعُدُ مِنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ نَاظِرًا لِأَسْفَلَ مَا يَسْتَقْبِلُهُ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عُلَقِ الدُّنْيَا وَيُسَلِّمُ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ

ــ

[حاشية الجمل]

وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ أَرْضِ الْجَنَّةِ أَوْ الْعَمَلُ فِيهَا كَالْعَمَلِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ مُوصِلٌ إلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ الْجَالِسُ فِيهَا يَرَى مِنْ الرَّاحَةِ مَا يَرَاهُ الْجَالِسُ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَحْنَثُ مَنْ جَلَسَ فِيهَا وَحَلَفَ أَنَّهُ جَالِسٌ فِي الْجَنَّةِ انْتَهَتْ وَهَذَا الْمُبَيَّنُ أَرْبَعُ أُسْطُوَانَاتٍ مِنْ عِنْدِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ وَيَنْتَهِي إلَى الْمِنْبَرِ فَيَكُونُ قَدْرَ أُسْطُوَانَةٍ وَشَيْءٍ يَسِيرٍ فَالرَّوْضَةُ قَرِيبَةٌ مِنْ شَكْلِ الْمُثَلَّثِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى حَوْضِي) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْآنَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُنْقَلُ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَوْثَرُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا رَأَى حَرَمَ الْمَدِينَةِ إلَخْ) وَحَدُّ حَرَمِ الْمَدِينَةِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمَدِينَةُ حَرَمُ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ» ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَيْرٌ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ، وَأَمَّا ثَوْرٌ فَلَا يَعْلَمُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِهَا جَبَلًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ وَإِنَّمَا ثَوْرٌ بِمَكَّةَ قَالَ فَيُرَى أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى أُحُدٍ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤَلَّفِ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ فِي الْحَدِيثِ «حَرَمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى أُحُدٍ» قَالَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَقِيلَ إلَى ثَوْرٍ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ مَعْنَى وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ لَوْ رَأَيْت الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا دَعَوْتهَا قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» وَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحِ وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ. اهـ. إيضَاحٌ وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَحَدُّ حَرَمِهَا عَرْضًا مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا السُّودِ وَطُولًا مَا بَيْنَ عَيْرٍ وَثَوْرٍ وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ مِنْ وَرَاءِ أُحُدٍ يَعْرِفُهُ أَهْلُهَا اهـ. بِحُرُوفِهِ.

(قَوْلُهُ: وَيَغْتَسِلُ قَبْلَ دُخُولِهِ) وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ لَا يَفُوتُ بِالدُّخُولِ، بَلْ يُنْدَبُ لَهُ تَدَارُكُهُ بَعْدَهُ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَيَلْبَسُ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ) وَهَلْ الْأَوْلَى هُنَا الْأَعْلَى قِيمَةً كَالْعِيدِ أَوْ الْأَبْيَضِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي إذْ هُوَ أَلْيَقُ بِالتَّوَاضُعِ الْمَطْلُوبِ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْبَيَاضُ لِلذَّهَابِ إلَى أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّ هَذَا اللُّبْسَ إنَّمَا طُلِبَ لِيَكُونَ دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ الشَّرِيفَ وَوُقُوفُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ اهـ. حَجّ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ وَقَفَ إلَخْ) أَيْ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى مَحَلِّ الْمُوَاجَهَةِ وَوَقَفَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَيَبْعُدُ مِنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ) وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجُدْرَانِ الْقَبْرِ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ كَمَا يَبْعُدُ مِنْهُ لَوْ حَضَرَ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُغْتَرَّ بِكَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فِي مُخَالَفَتِهِمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ وَالْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مُحْدَثَاتِ الْعَوَامّ وَجَهَالَاتِهِمْ وَلَقَدْ أَحْسَنَ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ أَبُو عَلِيٍّ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ مَا مَعْنَاهُ اتَّبِعْ طُرُقَ الْهُدَى وَلَا يَضُرَّك قِلَّةُ السَّالِكِينَ وَإِيَّاكَ وَطُرُقَ الضَّلَالَةِ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ وَمَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّ الْمَسْحَ بِالْيَدِ وَنَحْوِهِ أَبْلَغُ فِي الْبَرَكَةِ فَهُوَ مِنْ جَهَالَتِهِ وَغَفْلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ إنَّمَا هِيَ فِيمَا وَافَقَ الشَّرْعَ وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ وَكَيْفَ يَنْبَغِي الْفَضْلُ فِي مُخَالَفَةِ الصَّوَابِ اهـ. إيضَاحٌ.

(قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ) أَيْ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِخَبَرِ «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» وَلِخَبَرِ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي وَكَّلَ اللَّهُ بِي مَلَكًا يُبَلِّغُنِي وَكُفِيَ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ وَكُنْت لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَكَّلَ اللَّهُ بِي مَلَكًا إلَخْ قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ بِلَا وَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِلَا وَاسِطَةٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرُهَا فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ يُبَلَّغُ ذَلِكَ مَعَ السَّمَاعِ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُعَظَّمِ مَا نَصُّهُ (تَنْبِيهٌ)

يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ التَّعَارُضِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ وَأَحَادِيثَ أُخَرَ وَرَدَتْ بِمَعْنَاهَا أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يُبَلَّغُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ إذَا صَدَرَا مِنْ بُعْدٍ وَيَسْمَعُهُمَا إذَا كَانَا عِنْدَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَإِنْ وَرَدَ أَنَّهُ يُبَلَّغُهُمَا هُنَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ إذْ لَا مَانِعَ أَنَّ مَنْ عِنْدَ قَبْرِهِ يُخَصُّ بِأَنَّ الْمَلَكَ يُبَلِّغُ صَلَاتَهُ وَسَلَامَهُ مَعَ سَمَاعِهِ لَهُمَا إشْعَارًا بِمَزِيدِ خُصُوصِيَّتِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ وَالِاسْتِمْدَادِ لَهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهَا إذْ الْمُقَيَّدُ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ وَاجِبٌ حَيْثُ أَمْكَنَ وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -

ص: 484

وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك وَسَلَّمَ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ صَوْبَ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنهما ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ وَدَّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ وَأَتَى الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَأَعَادَ نَحْوَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ.

ــ

[حاشية الجمل]

يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ هَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ لِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ وَالْوَرَعُ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ) وَأَكْمَلُهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا نَبِيَّ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا حَبِيبَ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولَ اللَّهِ حَقًّا بَلَّغْت الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْت الْأَمَانَةَ وَنَصَحْت الْأُمَّةَ وَكَشَفْت الْغُمَّةَ وَجَلَوْت الظُّلْمَةَ وَجَاهَدْت فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ جَزَاك اللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جُوزِيَ نَبِيٌّ عَنْ أُمَّتِهِ وَعَلَى آلِكَ وَأَصْحَابِك وَأَزْوَاجِك وَأَهْلِ بَيْتِك أَجْمَعِينَ وَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ: السَّلَامُ عَلَيْك مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إنْ كَانَ قَدْ حَمَّلَهُ السَّلَامَ عَلَيْهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، وَلَوْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ سَلِّمْ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ سَلِّمْ لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ يُفَرَّقُ، وَالْفَرْقُ أَقْرَبُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَامِ مَا بَيْنَ النَّاسِ التَّوَدُّدُ وَالْمَحَبَّةُ وَالْمُرَادُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الشَّفَاعَةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُرِيدِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ عِنْدَهُ اهـ. كَذَا بِهَامِشٍ عَنْ حَجّ فِي كُتُبِهِ وَعِبَارَتُهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالدُّرِّ الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُعَظَّمِ نَصُّهَا: وَأَمَّا إرْسَالُ السَّلَامِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَالْقَصْدُ مِنْهُ الِاسْتِمْدَادُ مِنْهُ وَعَوْدُ الْبَرَكَةِ عَلَى الْمُسَلِّمِ فَتَرْكُهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ اكْتِسَابِ فَضِيلَةٍ لِلْغَيْرِ فَلَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِهِ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ فَاتَّجَهَ أَنَّ ذَلِكَ التَّبْلِيغَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِأَنَّ تَفْوِيتَ الْفَضَائِلِ عَلَى الْغَيْرِ حَرَامٌ كَإِزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ قُلْت هَذَا اشْتِبَاهٌ إذْ فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ عَدَمِ اكْتِسَابِ الْفَضِيلَةِ لِلْغَيْرِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى الْغَيْرِ فَمِنْ ثَمَّ جَازَ هَذَا التَّفْوِيتُ وَلَمْ يَحْرُمْ بِتَرْكِ ذَلِكَ الِاكْتِسَابِ فَافْهَمْ اهـ.

وَفِيمَا عَلَّلَ بِهِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ لَيْسَ شَافِعًا، بَلْ مَأْمُورٌ بِالتَّبْلِيغِ لِمَنْ يَشْفَعُ فَحَيْثُ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهُ، فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ التَّبْلِيغِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ الْتَزَمَ إيصَالَهَا لَهُ صلى الله عليه وسلم اهـ. ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ) أَيْ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا وَرَأْسُهُ عِنْدَ مَنْكِبِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُقَابَلَتِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: عَلَى عُمَرَ) أَيْ فَيَقُولُ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ وَرَأْسُهُ عِنْدَ مَنْكِبِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى مِثْلِ مَا ذَكَرَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ) وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَقُولُ مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْعُتْبِيِّ مُسْتَحْسِنِينَ لَهُ قَالَ كُنْت جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] ، وَقَدْ جِئْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنْتَ فِي الْقَاعِ أَعْظَمُهُ

فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ

نَفْسِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ

فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرْمُ

قَالَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَحَمَلَتْنِي عَيْنَايَ فَرَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ، فَقَالَ يَا عُتْبِيُّ الْحَقْ الْأَعْرَابِيَّ فَبَشِّرْهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَهُ اهـ. إيضَاحٌ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ مُسْتَدْبِرًا لِلْقَبْرِ الشَّرِيفِ بِأَنْ يَبْعُدَ عَنْ الْمَقْصُورَةِ نَحْوَ الرَّوْضَةِ مُرَاعَاةً لِلْأَدَبِ أَخْذًا مِمَّا قِيلَ فِي الْإِمَامِ إذَا صَلَّى فِي مِحْرَابِهِ لَا يَجْعَلُ يَسَارَهُ لِلْمِحْرَابِ لِئَلَّا يَكُونَ مُسْتَدْبِرًا لَهُ صلى الله عليه وسلم اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَأَعَادَ نَحْوَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ) أَيْ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ حَرَمِ رَسُولِك وَيَسِّرْ لَنَا لِلْعَوْدِ إلَى الْحَرَمَيْنِ سَبِيلًا سَهْلًا اُرْزُقْنَا الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرُدَّنَا إلَى أَهْلِنَا سَالِمِينَ غَانِمِينَ وَيَنْصَرِفُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَمْشِي الْقَهْقَرَى كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ اسْتِصْحَابُ شَيْءٍ مِنْ الْأُكَرِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمَيْنِ وَلَا مِنْ الْأَبَارِيقِ وَالْكِيزَانِ الْمَعْمُولَةِ مِنْهُ، وَأَمَّا الْقُلَلُ الطَّبَاشِيرِيُّ وَالدَّوَارِقُ، فَقَالَ شَيْخُنَا سَأَلْت عَنْهَا بِمَكَّةَ فَقِيلَ لِي إنَّ طِينَهَا يُؤْخَذُ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ وَمِنْ الْبِدَعِ تَقَرُّبُ الْعَوَامّ بِأَكْلِ التَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

1 -

(خَاتِمَةٌ)

فِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ الْبَابُ السَّادِسُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ اعْلَمْ أَنَّ لِمَدِينَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَسْمَاءً: الْمَدِينَةُ وَطَابَةُ وَطَيْبَةُ وَالدَّارُ وَيَثْرِبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة: 120] ، الْآيَةَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ «صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ» قِيلَ سُمِّيَتْ طَابَةَ وَطَيْبَةَ لِخُلُوصِهَا عَنْ الشِّرْكِ وَطَهَارَتِهَا مِنْهُ، وَقِيلَ لِطِيبِهَا لِسَاكِنِهَا لِأَمْنِهِمْ

ص: 485

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية الجمل]

وَدِعَتِهِمْ، وَقِيلَ لِطِيبِ الْعَيْشِ بِهَا وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا الدَّارَ فَلِلِاسْتِقْرَارِ بِهَا لِأَمْنِهَا، وَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْهُمْ قُطْرُبٌ وَابْنُ فَارِسٍ هِيَ مِنْ دَانَ أَيْ أَطَاعَ وَالدِّينُ الطَّاعَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُطَاعُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي الْبَابِ مَسَائِلُ إلَى أَنْ قَالَ الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ لِلزَّائِرِ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم التَّقَرُّبَ بِالْمُسَافَرِ إلَى مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّلَاةِ فِيهِ إلَى أَنْ قَالَ الْخَامِسَةُ لِيَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ حِينَئِذٍ شَرَفَ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا أَفْضَلُ الدُّنْيَا بَعْدَ مَكَّةَ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَفْضَلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَنَّ الَّذِي شَرُفَتْ بِهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرُ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ وَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قُدُومِهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ مُسْتَشْعِرَ التَّعْظِيمَةِ مُمْتَلِئَ الْقَلْبِ مِنْ هَيْبَتِهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، السَّادِسَةُ إذَا وَصَلَ بَابَ مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيَقُلْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ فَيَقْصِدُ الرَّوْضَةَ الْكَرِيمَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ تَحْتَ الْمِنْبَرِ، وَفِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ أَنَّهُ يَجْعَلُ عَمُودَ الْمِنْبَرِ حِذَاءَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَسْتَقْبِلُ السَّارِيَةَ الَّتِي إلَى جَانِبِهَا الصُّنْدُوقُ وَتَكُونُ الدَّائِرَةُ الَّتِي فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَكَذَلِكَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ وُسِّعَ الْمَسْجِدُ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم.

وَفِي كِتَابِ الْمَدِينَةِ أَنَّ ذَرْعَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَمَقَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى تُوُفِّيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَشِبْرٌ وَأَنَّ ذَرْعَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَشِبْرٌ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ سِعَةِ الْمَسْجِدِ وَكَيْفِيَّةِ حَالِهِ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى أَنْ قَالَ الْعَاشِرَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ كُلَّ يَوْمٍ إلَى الْبَقِيعِ خُصُوصًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْفَرْقَدِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ وَيَزُورُ الْقُبُورَ الظَّاهِرَةَ فِيهِ كَقَبْرِ إبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعُثْمَانَ وَالْعَبَّاسِ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمْ وَيَخْتِمُ بِقَبْرِ صَفِيَّةَ رضي الله عنها عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي فَضْلِ قُبُورِ الْبَقِيعِ وَزِيَارَتِهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَفِي الْمُخْتَارِ الْفَرْقَدُ مَقْبَرَةٌ بِالْمَدِينَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ بِأُحُدٍ وَأَفْضَلُهُ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَيَبْدَأُ بِحَمْزَةَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُكَبِّرُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَعُودَ وَيُدْرِكَ جَمَاعَةَ الظُّهْرِ فِيهِ.

الثَّانِيَةَ عَشَرَ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَ قَبَاءَ وَهُوَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ أَوْلَى نَاوِيًا التَّقَرُّبَ بِزِيَارَتِهِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أُسَيْدَ بْنِ ظُهَيْرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ «صلى الله عليه وسلم قَالَ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ» وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِئْرَ أَرِيسٍ الَّتِي رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَفَلَ فِيهَا وَهِيَ عِنْدَ مَسْجِدِ قُبَاءَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا وَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ إلَى أَنْ قَالَ السَّادِسَةَ عَشَرَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُلَاحِظَ بِقَلْبِهِ فِي مُدَّةِ مُقَامِهِ بِالْمَدِينَةِ جَلَالَتَهَا وَأَنَّهَا الْبَلْدَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ سبحانه وتعالى لِهِجْرَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتِيطَانِهِ وَمَدْفِنِهِ وَلْيَسْتَحْضِرْ تَرَدُّدَهُ صلى الله عليه وسلم فِيهَا وَمَشْيَهُ فِي بِقَاعِهَا، السَّابِعَةَ عَشَرَ تُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بِالْمَدِينَةِ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ صَبَرَ عَلَى لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا كُنْت لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» إلَى أَنْ قَالَ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ فِي أَشْيَاءَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَيْنَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَيْئًا وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ رضي الله عنه وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ.

وَقَوْلُهُ الْقَصَّةِ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ

ص: 486