الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحكاية
الحكاية: إيراد لفظ المتكلم على حسب ما أورده في الكلام، والمحكي قسمان: مفرد وجملة، ويأتي الكلام في ذلك، إن شاء الله تعالى، والكلام هنا في الاستعلام بأي، وبمن، فإذا استفهمت بأي استفهام استثبات عن مذكور في كلام غيرك، وكان نكرة عاقلاً أو غير عاقل، أو معرفة جهل الاسم الدال عليها الذي ذكره من خاطبك، فلم تدر ما هو، ففي ذلك وجهان أحدهما وهو المختار الأفصح: أن يطابق المحكي إعرابًا وتذكيرًا، وإفرادًا، وفروعها فتقول لمن قال: قام رجل: (أي)، ورجلان:(أيان)، ورجال: أيون وامرأة: (أية)، وامرأتان:(أيتان)، ،نساء:(أيات)، ويفتح في الجر والنصب كمسلمات، وذلك في الوصل والوقف، ولا يكون أيون، وأيين إلا لما جمع بالواو والياء والنون مما العقل له، أو لما صلح أن يوصف بذلك نحو: رجال، فإنك تقول: رجال مسلمون، والوجه الثاني: أن يطابق في الإعراب، وفي الإفراد أو التأنيث فقط فتقول:(أي) في قام رجل، أو رجلان أو رجال، وأية في قامت امرأة أو امرأتان، ونساء.
وهذان الوجهان بخلاف حالة (أي) في الاستفهام غير الاستثبات، فإن الأفصح أن تكون مفردة بغير تاء للمذكر والمؤنث في جميع الأحوال، ومن العرب من يثني ويجمع ويؤنث وهو قليل، لا يكاد يوجد إلا في الشعر.
والحركات الحلاقة (لأي) حركات إعراب نشأت من عوامله وقيل: ليست لإعراب، وإنما هي اتباع للفظ المتكلم؛ فهي بمنزلة (من) في موضع رفع بالابتداء، أو الخبر، ولا يبعد أن يكون مفعوله محلاً، وقد ذكر بعضهم إدخال حرف الجر، فيقول (بأي) وقياس مذهب البصريين أنك إذا قلت (أي) ارتفع على الابتداء وخبره الفعل المحذوف الدال عليه قول المخاطب: قام رجل؛ فالتقدير (أي قام)، وأجاز الكوفيون، رفعه بفعل مضمر قبله ولو أظهر لجاز، وإظهاره عندهم المختار في مثل:(اشترى أي أيا) حكاية لمن قال: اشترى رجل فرسًا، وإذا كانت، (أي)، منصوبة أو مجرورة حملت على فعل مضمر، ويجوز أن تأتي به على طريقة التأكيد، فتذكره متأخرًا، فتقول، أيا ضربت؟ وبأي مررت؟ وأجاز بعض أصحابنا أن تأتي به متقدمًا، ولا يقدمون العامل في الاستثبات إلا مع (أي) و (من) و (ما) من سائر أسماء الاستفهام، يقولون لمن قال: أكلت خبزًا: أكلت ما، ولمن قال: لقيت زيدًا: لقيت من، ولمن قال: ضربت رجلاً: ضربت أيا، ولا يقولون لمن قال: خرجت يوم الجمعة: خرجت متى؟ ولا لمن قال: سرت ضاحكًا: سرت كيف.
وسمعت الحكاية في (أين) في الاستثبات، قال بعضهم: وقد قيل له: إن في موضع كذا وكذا العشب والماء: أين إن العشب والماء، وفي كم معطوفة على غيرها حكى من كلامهم: قبضت عشرين، وكم استثباتًا لمن قال: قبضت عشرين وكذا وكذا، وشرط الاستثبات (بأي) ألا تكون مضافة، وأجاز بعضهم ترك الحكاية في (أي) ورفعها في جميع الأحوال على الابتداء والخبر، قال: لأنك لو أظهرت لقلت (أي) من ذكرت.
وإذا استثبت (بمن) في الوقف على الذي اسثبت عنه (بأي) ففيه وجهان أحدهما: ما عليه أكثر العرب من أنك تشبع الحركات في حالة الإفراد للمذكر فتقول: (منو) لمن قال: قام رجل (ومنا) لمن قال: لقيت رجلاً، و (منى) لمن قال: مررت برجل، وفي المؤنث الأفصح أن تقول (منه) بفتح النون وإسكان الهاء المبدلة من تاء التأنيث، وحكى منت بسكون النون والتاء، وقيل: الهاء في (منه) ليست للتأنيث، وإنما هي صورتها، ليحكى بها التأنيث، وفي التثنية: منان ومنين ومنتان ومنتين، وفي الجمع: منون ومنين ومنات، ففي التثنية حكيت الإعراب، والتثنية والتذكير والتأنيث وفي جمع من يعقل: حكيت الجمع والإعراب وفي جمع المؤنث حكيت التأنيث والجمع لا الإعراب، وأجاز يونسك الحكاية بمن في الوصل، وهو مذهب لبعض العرب، يثبت الزيادة في الوصل تقول: منو يا هذا، ومنا يا هذا، ومني يا هذا ولا ينون، وتقول في المؤنث في الرفع: منت يا فتى، وفي الجر والنصب منت يا فتى يشير إلى الحركة، ولا ينون وفي التثنية: منان ومنتان يا فتى؟ فيكسر النون ومنين ومنتين يا فتى، فتفتح النون، ومنات يا فتى، فتضم التاء في الرفع وتكسر التاء وتنون نصبًا وجرًا.
فأما: (منون أنتم) فوجه على هذه اللغة التي حكاها يونس عن بعض العرب، ويكون استثباتًا عن المعارف إذا جهلت كالاستثبات عن النكرات وهو قليل، ولشذوذ هذه اللغة، قال يونس لا يصدق بها كل أحد، وقال سيبويه: هو شاذ لا يعرف في كلام ولا شعر إنما سمع في هذا البيت وحده، ولم يسمع في غيره، ووجهه على ما حكاه يونس، والكسائي من أن بعض العرب، قال: ضرب من منا، فأعربه (فمنون) جمع من المعرب، وصار بمنزلة (أي) و (أي) لا يحذف منه العلامات وصلاً فكذلك (من) ووجه الكسائي على أنه من إجراء الوصل مجرى الوقف، ووجه أيضًا على أنه من لغة من يجعل الزيادة في مستأنف الاستفهام فيقول: منو أنت، ومنان أنتما، ومنون أنتم
…
وحكى الكسائي: ضرب غلام من منا، بإعراب (من) المضاف إليها بالجر، وتنوينها، وبترك الإعراب فيها وتسكينها فتقول: ضرب غلام من منا
…
وقال بعضهم: ضرب من منا حذفت من الأول الزيادة، وأثبتها في الثاني، ومن قال: من يا فتى، فالظهر أنه اتباع وقيل: هو معرب، فيجرى مجرى (أي) في الإعراب، ومن التزم دخول الباء في (أي) التزامها فيمن يقول: بمن.
والوجه الثاني: أن تلحق من واوًا رفعًا، وألفًا نصبًا، وياء جرًا، سواء كان الاستثبات عن مذكر، أم مؤنث مفرد، أم مثنى، أو مجموع فتقول: منو ومنا ومنى وأهل هذه اللغة كأنهم أرادوا أن يحكوا إعراب الاسم السابق فقط، فألحقوا هذه الواو والألف والياء دالة على الحالات، ولا يكون الاسم بها معربًا، ولا يوجد اسم مبني في الوصل، معرب في الوقف.
وقد ذهب بعض من صنف إلى أن عد فيما رفع بالواو، ونصب بالألف، وجر بالياء في الحكاية، ويحمل ذلك على التسامح، لأنها معربة بذلك حقيقة.
واختلفوا في هذه الحروف اللاحقة فذهب المبرد، وأبو علي، إلى أنها حروف زيدت أولاً، ولزمت عنها الحركات، وذهب السيرافي إلى أن الحكاية وقعت بالحركات، ثم اتسعت، فتولدت عنها الحروف، وذهب بعضهم إلى أنها عوض من لام العهد، إذ النكرة إذا أعيدت كانت باللام، وذهب بعضهم إلى أن الحروف بدل من التنوين، ولا يجدي هذا الخلاف كبير فائدة وقال بعضهم: هذه الحروف في النصب والجر غير موافقة للعامل (فمن) مبتدأ على كل حال، والتقدير من الذي تكلمت به، والصحيح أنها موافقة فالتقدير في (منو) من قام، وفي (منا) من ضربت، وفي (منى) من مررت، وأجاز ابن خروف هذين التخريجين، وقوى قول من يقدر عامل النصب والجر وفيه إضمار حرف الجر، ومن التزم إظهاره في (أي)، التزمه في (منى) فتقول: بمنى.
ومن فروع هذا الباب، أنه إذا اجتمع مذكر ومؤنث، ألحقت في الآخر فتقول: لمن قال: رأيت رجلاً وامرأة: من ومنه تسكن الأول لأنه وصل ولمن قال: رأيت امرأة ورجلاً: من ومنًا. اتفق الإعراب لهذا أو اختلف، فتقول لمن
قال: ضرب رجل امرأة: من منه، وفي عكسه: من منا، وكذا لو اتفقا في الوحدة كما ذكرنا، أو اختلفا فتقول لمن قال: رأيت رجلاً وامرأتين: من ومنتين، ورجلاً ونساء: من ومنات، ولمن قال: رأيت امرأة ورجلين: من ومنين، ونساء ورجلاً: من ومنا. وهل يجوز أن يغلب الذكر على الأنثى؛ فيثنى بصيغة المذكر فتقول لمن قال رأيت رجلاً وامرأة: منين كما تقول: ضربت أحمرين في رجل أحمر، وامرأة حمراء؛ فيه نظر.
وإذا سألت (بأي) يجرى على هذا القياس، فتقول لمن قال: رأيت رجلاً وامرأة: أيا وأية، ولمن قال: رأيت امرأةً ورجلاً: أيةً وأيًا تجرى كل واحد منهما على ما يقتضيه إعرابه، وقياسه؛ إذ الزوائد تثبت في الوصل بخلاف (من) اتفقا في الإعراب، أو الوحدة أو العقل، أو اختلفا.
تقول لمن قال: رأيت رجلاً وحمارًا: أيًا وأيًا، وهل يجوز فيه تغليب المذكر على المؤنث فيه الاحتمال السابق.
ولو خلطت سؤال (من) مع (أي)، وذلك في العاقل وغيره قلت في قول من قال: رأيت رجلاً وحمارًا (من) و (أيا)، وفي قول من قال: رأيت حمارًا ورجلاً: (أيا)، و (من) فتأتي بكل واحد منهما على القياس مفردًا كان أو مثنى.
وإن استفهمت (بأي) عن معرفة قلت في مررت بأخيك: (أي)
أخوك؟ وفي رأيت الرجلين: أي الرجلان؟ وفي رأيت الرجال: أي الرجال؟ بالرفع على الابتداء وخبره ولو قلت: أيان الرجلان، وأيون الرجال؟ وأية المرأة؟ وأيتان المرأتان؟ وأيات النساء؟ جاز، وكان حسنًا، والإفراد والتذكير في هذا كله أحسن من الجمع.