المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب التقاء الساكنين - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٢

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب التقاء الساكنين

‌باب التقاء الساكنين

لا يلتقيان في وصل محض إلا وأولهما حرف لين، وثانيهما مدغم متصل لفظًا

نحو: الضالين، وتمود، وتظلميني، أو حكمًا نحو: اضربن واضربن، وربما فر من التقائهما بجعل الألف همزة في نحو [ولا الضآلين] وهو لغة في تميم، وعكل، يقرأ الأعرابي منهم، وقيل لامرأة منهم: ما أذهب أسنانك؟ فقالت أكل الحار، وشرب القأر، ولا ضرورة.

فإن كان الأول حرف مد، والثاني غير مدم، وذلك من كلمتين حذف نحو: يرمي القوم، ويغزو الناس، ويخشى الغلام، وإن كان مدغمًا، فحكى أبو بكر فيه الوجهين الحذف والإثبات نحو: إي الله لقد قام فلان وها الله لأقومن، وغلامي الشجاع جاء، والمشهور الحذف.

وإن كان الأول تنوينًا، والثاني بابن، أو ابنة صفة بين علمين حذف

ص: 717

باتفاق وبين متفقين لفظًا غير علمين باختلاف نحو: جاء زيد بن عمرو، وضل بن ضل، وقال ابن زيدان: زيد بن عمرو فيه لغتان: التميمي يثبت التنوين في الأول، والألف في الثاني، والحجازي يحذف كليهما.

وفي النهاية: جاء زيد بن عمرو، وحذف التنوين عند سيبويه هو لكثرة الاستعمال، ولالتقاء الساكنين، فثبت التنوين في نحو: مررت بهند بنت علي، وعلى مذهب من صرف؛ لأنه فقد إحدى العلتين، وثبت عند غير سيبويه من علل الحذف لالتقاء الساكنين؛ إذ قد فقدت العلة، وحذف عند غيرهما، مما علل بكثرة الاستعمال، لوجود هذه العلة، وحركة الدال من قام زيد بن عمرو حركة إعراب على مذهب الأكثرين وهي عند أبي سعيد حركة بناء، واعتمد في ذلك على حذف التنوين انتهى.

أو النون الخفيفة والثاني: ساكن مدغم أو غير مدغم حذف التنوين والنون نحو: اضربا الغلام، واضربا الرجل، وإن كان نون لدن، والثاني لام التعريف، فالكثير حذفها نحو: من لد الصباح، وقل إقرارها وكسرها وإن

ص: 718

كان غير ذلك حرك الأول بالكسر نحو: اضرب الغلام، وحينئذ، وإيه، ومه.

والثاني: إن كان آخر كلمة نحو: أين، وأمس، وحيث، وإن كان الأول تنوينًا في غير ما ذكر كسر نحو: زيد الظريف جاء.

فإن كان بعد الساكن مضمومًا لازمًا، فمن العرب من يكسر، ومنهم من يضم التنوين اتباعًا نحو: هذا زيد اخرج إليه وهذا بكر الغمر إلا إن كانت الضمة عارضة، فتكسر نحو: هذا زيد ابنك، وهذا زيد ابنمك.

وقد يطرد حذف التنوين لالتقاء الساكنين في الندبة في مثل: معلى باتفاق، وفي نحو: واغلام زيداه على مذهب البصريين وقل في غير ذلك، كقراءة من قرأ [الله أحد] وزعم الجرمي: أن حذف التنوين لالتقاء الساكنين مطلقًا لغة.

ص: 719

فأما: «التقت حلقتا البطان» بإثبات الألف فنادر عند البصريين لا يقاس عليه، وجائز عند الكوفيين وقاسوا عليه.

وإذا دخلت همزة الاستفهام على ما فيه لام التعريف، وأبدلت همزة الوصل ألفًا ثبتت، وقد ثبت الممدود قبل المدغم المنفصل، وتقدم قول أبي بكر في ذلك، ومنه [عنه تلهى]، [لا تناصرون]، وقبل الساكن العارض تحريكه نحو: يغزو لحمر، ورمات المرأة، الأصل يغزو الأحمر، ورمت المرأة، وقال الجمهور: وأصل ما حرك منهما الكسر، قيل: ويحتمل أن يكون الأصل الفتح، قيل أو يقال: لا أصل في التقائهما لحركة، بل يقتضي وجوده التحريك، وتعيين الحركة يكون لوجوه تخص.

ص: 720

والتفريع على قول الجمهور فلا يعدل عن الكسر إلا تخفيفًا نحو: أين وكيف، و [الم الله] وقراءة من قرأ:[مريبا الذي] بفتح الباء، وقرأ أبو جعفر الرؤاسي:[الم ألله] بسكون الميم وقطع الهمزة. وقال أبو الحسن الكسر هنا جائز. وقال سيبويه: أما (الم) فلا يكسر، وحكى أبو بكر: أن بعض العرب يقول: أدخل الدار، وارقد اليوم، واقعد الآن يعني باتباع حركة آخر الفعل للضمة قبلها، قال: وهو رديء لأنه ملتبس بخطاب جمع المذكر، وحكى عن قوم أنهم قالوا: يجوز الاتباع في المفتوح نحو: اصنع الخير، وقالوا نجيزه، وإن لم نسمعه، وحكى عن قطرب:[قم الليل]، واضرب الرجل يعني بالفتح مطردًا فيما ثانيه لام التعريف وكل هذا خارج عما جاء به الجمهور.

أو جبرًا نحو: قبل وبعد، أو اتباعًا نحو: منذ أو ردًا

ص: 721

للأصل نحو مذ اليوم، أو تجنبًا للبس نحو: التاء والكاف في الخطاب نحو: أنت وأنت وذلك وذاك، وفي نحو: اضربن، واضربن، ولا تضربن ولا تضربن أو حملاً على النظير نحو: نحن حملت على همو، فالضمة كالواو، أو إيثارًا للتجانس نحو أسحار علمًا مرخمًا.

وتفتح نون (من) مع اللام نحو: من الغلام، ومن اليزيد، وكثر حذفها مع اللام غير المدغمة نحو: ملقوم بحيث لا يكاد ينحصر، وذلك من كثرة ما ورد، ويجوز عندي في سعة الكلام، وليس بقليل، ولا مخصوصًا بالضرورة، خلافًا لزاعميهما، وشذ حذفها، وبعدها اللام المدغمة في النون، لكنه لما حذفت أظهرت اللام قال المؤرج التغلبي:

المطعمين لدى الشتا

ء سدائفًا ملنيب غرا

ص: 722

وقد تكسر نون (من) مع اللام نحو: من الغلام، وهي لغة نجرانية؛ فإن لقيت ساكنًا غير اللام كسرت نحو: من ابنك، ومن انطلاقك، وقد تفتح فتقول: من ابنك، ونون (عن) مكسورة مع اللام، ومع غيرها نحو عن القوم، وعن ابنك، وحكى الأخفش، ضمها مع اللام نحو: عن القوم، وتكسر (نون) لكن قبل ألف الوصل نحو: ولكن الناس، ولكن ابنك، وجاء حذفها؛ إذ ذاك في الشعر قال العبدي:

لاك الشقاء ولاك الحين ساقهما

من حيث كانا إلى تلك المقادير

وتضم (واو) الجمع المفتوح ما قبلها نحو: اخشوا القوم، وقد تكسر نحو: اخشوا القوم، وعلى القياس هذا تكسر في نحو: اخشون، ولم يحكه سيبويه

ص: 723

وقال أبو عمرو: وقد كسروا (واو) الجمع فيها قوم، وهم قليل قالوا: اخشون وقد تفتح مع اللام قرئ [اشتروا الضلالة] بفتح الواو حكاه أبو الحسن، وقطرب؛ فإن كانت لغير الجمع جاز فيها الضم نحو:[لو استطعنا].

وإذا خففت همزة أقرئ، ولم يقرئ وشبهها، وجاء بعدها ساكن، فقال أبو علي: الوجه أن تكسر لالتقائهما، ولا تحذف فإن قلت: اقرأ ولم يقرأ حذفتها لالتقاء الساكنين، وقال بعض أصحابنا: القياس عندي أن ترد همزة ثم تسهل على حال ما يسهل أمثالها، فتجعل بين بين، ويقع الساكن بعدها، لأنها في تقدير حرف محرك، وكذلك في الجمع تجعلها بين الهمزة والواو والياء، وفي «يقرى» ياء محضة، وبين الهمزة والواو في قول الخليل وسيبويه، ويحرك في القولين، لالتقاء الساكنين، انتهى. وتحذف نون (لكن) ضرورة.

الفعل المضاعف اللام الساكنها للجزم، أو للوقف، وليس أفعل في التعجب يظهرها أهل الحجاز، ويفكون، وبه نزل أكثر القرآن نحو: قوله تعالى: [ولا تمنن تستكثر]، [ولا تشطط]، [واغضض من صوتك]،

ص: 724

و [استفزز]، إلا إن اتصلت به ألف اثنين أو واو جمع، أو تاء مؤنث، أو نون توكيد، فيدغم كغيرهم من العرب فتقول: ردا، وردوا، وردى، وردن، وتدغمه تميم وقيس وأسد، وقال سيبويه: لما ذكر بني تميم وهو قول غيرهم من العرب، وهو كثير وعليه جاء [ومن يشاق الله]، وقراءة [من يرتد].

ومن صور الوقف ما لا تدغمه تميم نحو: ارددن، ولم يرددن، وإن كان (أفعل) للتعجب، فالعرب مجمعون على الفك نحو: أشدد بحمرة زيد، وأقلل به.

و (هلم) عند بني تميم خاصة فعل ملتزم فيه الفتح، وحكى الجرمي فيه الفتح والكسر عن بعض بني تميم، ويفتح إن اتصل بها ضمير غائب نحو: هلمه، أو غائبة نحو: هلمها، أو ساكن نحو: هلم الرجل، وتكسر لضمير المؤنثة نحو: هلمى، وتضم لواو جمع نحو: هلموا؛ فإن اتصل بها نون الإناث، فسيأتي الخلاف في ذلك عند الكلام على هلم في أسماء الأفعال، ولغة غير تميم من أهل الحجاز وغيرهم أنها اسم فعل، وأما غير (هلم) في لغة تميم، ومن وافقهم؛ فإن اتصل بها ضمير غائبة فتح نحو: ردها ولم يردها، وبرها، ولم يبرها، وأقرها ولم يقرها، أو ضمير غائب نحو: رده، ولم يرده، وحكى الكوفيون: ردها بالضم والكسر، ورده بالفتح والكسر، وذلك في المضموم الفاء، وقال أبو عمر: قد تركه قوم على ما كان عليه قبل أن تلحقها الهاء المفتوحة والمضمومة، ولم يغيروا فيقولون: ردها ورده، ولا يغيرون عما بني عليه.

ص: 725

فإن كان قبل ساكن كسر نحو: رد الرجل، ورد ابنك، قال ابن كيسان: لغة قيس وتميم (رد القوم) بالكسر، قال أبو علي: ومنهم من يفتح مع الألف واللام فيقولون:

فغض الطرف

وقال سيبويه: الأفصح والأكثر الكسر، وأما مع الألف واللام فقال سيبويه: منهم من يدغمه على حاله مفتوحًا، وحكى الضم ابن جني وهو قليل.

فإن لم يتصل بهاء الغائبة، وهاء الغائب، ولا بالساكن فتح نحو: رد، وفر، وعض وهي غلة أسد وناس غيرهم، أو كسر نحو: رد، وفر وعض وهي لغة كعب، ونمير.

فأما [لا تضار]، ولم تضار ونحوه، فلم يحك فيه إلا الفتح، وأجاز الفراء: الكسر قياسًا، ولم يحكه لغة، أو اتبع لحركة الفاء نحو: فر، ورد، وعض وهذا أكثر في كلامهم، ولا تأتي إذا ذك بهمزة الوصل.

وحكى الكسائي سماعًا عن عبد القيس الإثبات بها يقولون: ارد، وافر، واعض وقال بعض أصحابنا في ضبط لغات من أدغم ما ملخصه:

ص: 726

«وأما غير الحجازيين من العرب، فتدغم، وتفتح إن اتصل به ألف نحو: ردا، وتضم عند الواو نحو: ردوا، وتكسر عند الياء نحو: ردى، فإن لم يتصل به شيء من هذا، فمنهم من يتبع حركته حركة ما قبله مطلقًا نحو: رد، وفر وعض، إلا إن اتصلت به هاء للمؤنث فيفتح نحو: ردها، وفرها، وعضها، أو هاء المذكر فيضم نحو: رده، وفره، وعضه، أو يكون بعده ساكن من كلمة أخرى فيكسر، ومنهم من يفتح مطلقًا إلا الساكن فيكسر نحو: رد القوم، وفاتح مطلقًا إن كان بعده ساكنًا أو لا، وكاسر مطلقًا، ولغة أناس من بكر بن وائل، إلا أن يفكوا قبل تاء الضمير في نحو: رددت، ورددت وفروعهما، وفي «ناء» ضمير الرفع، ونون الإناث، نحو: رددنا، ورددن، ويقولون: ردت، وردت، وردنا زيدًا، وردن عمرًا، وحكى الفراء: أن من أهل هذه اللغة من يزيد قبل التاء ألفًا فيقولون: ردات ومرات، وقال الخليل: وقد ذكر هذه اللغة عن ناس من بكر بن وائل، وهذا لا ينبغي أن يؤخذ به، قال أبو الفتح: قياس قول من قال: مرت أن يقول: يمرون وكونهم لم يطردوا القياس فيه دليل على شذوذه»، انتهى.

فأما ما شذت في فكه العرب، ولم تدغمه من المضاعف، وذلك: لححت العين، وصكك الفرس، وقطط الشعر، وألل السقاء، وضبب المكان، ودبب الإنسان، ومششت الدابة، وعززت الناقة فلا يدغم إذا اتصلت بها التاء والنون لا بكر بن وائل ولا غيرهم بل يقول: ضببت المكان والأمكنة ضبين.

وأما حذف أحد المثلين عند اتصال التاء والنون بالفعل فجاء في ألفاظ، وهي أحست، ومست، وظلت، الأصل أحسست، ومسست، وظللت، ونقل

ص: 727

الفراء، وابن الأنباري همت والأصل: هممت، وحمل ذلك سيبويه وغيره على الشذوذ، وأنه لا ينقاس فيما أشبه هذه الأفعال، وزعم الفراء أن ذلك قياس مستمر في ردت ومرت يريد: رددت ومررت، وزعم ابن مالك أن ذلك لغة مطردة لبني سليم وكرره في كتابه التسهيل، ولا نعلم ذلك إلا من جهته.

ص: 728