المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب اسم الإشارة - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٢

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب اسم الإشارة

‌باب اسم الإشارة

هو محصور فلا يحتاج إلى حد، ولا رسم، وهو لمفرد قريب مذكر (ذا)، والفه منقلبة عن أصل عند البصريين، وقال بعضهم: عن ياء، فالمحذوف ياء، فالعين واللام ياءان، وقال بعضهم: عن واو فالمحذوف ياء، وهو من باب طويت، وقيل المحذوف اللام، وقيل: العين، وهذه الألف هي اللام، ووزنه في الأصل: فعل بتحريك العين، وهو قول ابن الأخضر، وابن أبي العافية، وقيل: فعل بسكون العين، وهو قول ابن مهلب. والثلاثة من نحاة الأندلس، وزعم الكوفيون أن ألف (ذا) زائدة، ووافقهم السهيلي، وذهب قوم منهم السيرافي: إلى أن (ذا) ثنائي الوضع كـ «ما» فالألف أصل ليست منقلبة عن شيء، ويقال:(ذاء) ممدودًا، بهمزة مكسورة، وذائه بهمزة بعدها هاء مكسورة، وفي كتاب أبي الحسن الهيثم: الهاء ساكنة، وهذاؤه قال:

هذاؤه الدفتر خير دفتر

في يد قرم ماجد مصور

ص: 974

ولوسط: ذاك، ولبعيد ذلك، ولمثناه لقريب: ذان، وقرأ بعضهم هاذأن، واللذأن بالهمز، وتشديد النون فرارًا من التقاء الساكنين، ولوسط ذانك، ولبعيد ذانك بنون مشددة، وذانيك بياء ساكنة بعد النون المكسورة، ولمؤنث قريب (تى) و (ته) و (تا) و (ذى) و (ذه) و (ته) و (تهى) و (ذه) و (ذهى) و (ذات) ولوسط (تيك)، و (تيك) و (ذيك)، وقال ثعلب: لا يقال ذيك: ولبعيد (تلك) وتلك، وتيلك، وتالك، وللمثنى (تان) لقريب، وتانك لوسط، وتانك، وتانيك لبعيد ويستوي في الجمع المذكر، والمؤنث، فتقول في القريب: أولاء، وأولى مقصورًا، وهؤلاء، وأولاء، ووزن (أولاء) فعال، ووزن أولى المقصور فعل، وعند أبي إسحاق وزنهما معًا فعل، ومذهب سيبويه: أن الألف منقلبة عن ياء، لأنها ممالة، واختار المبرد: أن يكون الألف أصلاً لا منقلبة، لأن هذه مضارعات للحروف بزوالها عن التمكن.

وذكر الفراء أن الأولى والأولاك لغة تميم ومدهما لغة الحجاز. وذكر قطرب إشباع ضمة الهمزة في أولا، وأولئك، ولوسط أولاك، وأولئك ولبعيد

ص: 975

أولالك، وهذا التقسيم بالنسبة إلى مشهور قول النحاة: وبعضهم يرى أن لهذه الأسماء رتبتين قربى وبعدى، فيجعل المجرد من حرف الخطاب للقرب، والذي يلحقه للبعد، ولا يرى رتبة وسطى، وفي تشديد النون في المثنى حالة كونه بالياء خلاف منعه البصريون، وأجازه الكوفيون، والخلاف في أولئك، وأولاك، أهما للوسطى، أو البعدى؟ وقال الكسائي من قال: أولاك فواحدهم ذاك، من قال أولاك فواحدهم ذلك، وقال ابن السيد: أولاك، وأولئك كل منهما يصلح أن يكون واحدهم ذلك، وذاك، فإن كانا للمؤنث فواحدهما تلك، انتهى.

ويصحب هاء التنبيه اسم الإشارة المجرد من كاف الخطاب كثيرًا نحو: هذا، وهذان، وهذه، وهاته، وهاتى، وهاتا وهاتان، وهؤلاء والمقرون بالكاف قليلاً نحو: هذاك، وهاتيك، وزعم ابن يسعون أن تى في المؤنث لا تستعمل إلا بهاء في أولها، وبالكاف في آخرها وليس بصحيح، وأما لحاق الهاء في المثنى، والمجموع إذا كان بالكاف، فزعم ابن مالك أنه لا تلحقه الهاء لا يقال هذانك، ولا هاتانك، ولا هؤلائك، والصحيح جوازه، فإن كان اسم الإشارة باللام أو بما يقوم مقامها مما يستعمل في الرتبة البعدي فلا تدخل عليه هاء التنبيه، لا يقال هذالك، ولا هاتلك، ولا هاتلك، ولا هاتيلك، ولا هاذانك، ولا هاتانيك، ولا هاأولالك، وملخصه أن هاء التنبيه لا تكون فيما استعمل في الرتبة البعدي، وتجامع ما كان للرتبة القربى والرتبة الوسطى، وقال بعض أصحابنا: لم يجع سيبويه للمشار ثلاث مراتب، بل مرتبتين دنيا وتراخ وقال الفراء: أهل الحجاز يقولون: ذلك، وبه جاء القرآن، وأهل نجد من تميم، وقيس، وربيعة بغير لام.

وفصل هاء التنبيه من اسم الإشارة المتقدم الذكر المجرد من حرف الخطاب بأنا،

ص: 976

وأخواته من الضمائر المرفوعة الموضع المنفصل نحو: هاأناذا، وها أناذى، وهانحن أولاء، وها أنت ذا، وها أنت ذى، وها أنتما ذان، وها أنتما تان، وها أنتم أولاء، وها أنتن أولاء، ها هوذا، وهاهى ذى، وها هماذان، وهاهماتان، وهاهم أولاء، وهاهن أولاء، فيكون الضمير مبتدأ واسم الإشارة خبرًا عنه، وقال الزجاج لو قال قائل: هازيد ذا جاز بلا خلاف (يعني أنه يفصل بينهما بغير الضمير) نحو ما مثل، فإن لم يخبر عن المضمر باسم الإشارة، فلا يكون إلا شاذًا نحو قوله:

أبا حكم هاأنت عم مجالد

...........

وقال الفراء: إذا وصلت المكنى بالمبهم، وجعلت الخبر عنه بالفعل، فالعرب في ذلك تدخل حرف التنبيه على المكنى دون المبهم نحو: ها أنا ذا أقوم، ولا يكادون يقولون:«أنا» . وقدي قولون: «ها أنا هذا» ، فإذا كان الكلام غير ترتيب، وهو أن تبنى أحدهما على الآخر لم تدخل هاء فتقول: أنا هذا، وهذا هو. انتهى، ويعني – والله أعلم بقوله هذا – إذا كان الكلام على غير ترتيب أنه يجعل الفعل خبرًا، وكان اسم الإشارة توكيدًا للمضمر، ولذلك أتى بالفعل فيه ضمير يعود على المكنى، لا على اسم الإشارة، وقال تعالى:[هأنتم أولاء]

ص: 977

وفي الحديث: (ها أنا ذا يا رسول الله) وقال ابن مالك: وقد تعاد مع الفصل توكيدًا قال تعالى: [ها أنتم هؤلاء] وهو مخالف لظاهر كلام سيبويه.

والكاف اللاحقة لاسم الإشارة حرف خطاب تبين أحوال المخاطب، وهي كالضمير صورة تقول: ذاك ذاك ذاكما ذاكم ذاكن، وكذا الباقي، وزعم ابن مالك، أنه ربما استغنى عن الميم بإشباع ضمة الكاف، وقد أنشد بعض الكوفيين:

وإنما الهالك ثم التالك

ذو حيرة ضاقت به المسالك

كيف يكون النوك إلا ذلك

يريد ذلكم، وأقول: إن هذا الشعر بسكون الكاف، وهو موزون رآه مضبوطًا بخط الناسخ بضمة فبنى عليه مدعاه وإن صح أنه مسموع من العرب بضم الكاف، فيكون من تغيير الحركة لموافقة الكاف قبله، وتغيير حركة أسهل من حذف حرف لم يعهد حذفه.

ومن العرب من يكتفي في خطاب المثنى والمجموع والمفرد بالكاف التي هي للمفرد المذكر إذا كان مع اسم الإشارة، وقد عقد النحاة بابًا للمخاطبة نلخصه هنا

ص: 978

فنقول: المخاطبة جعل حرف الخطاب على حسب المسئول، واسم الإشارة على حسب المسئول عنه، فتكون المسائل ستًا وثلاثين، وذلك أن المسئول مفرد، ومثنى ومجموع، وكل واحد منهما مذكر ومؤنث، وذلك ستة أنواع، والمسئول عنه كذلك، وستة مضروبة في ستة ست وثلاثون، تمثيل ذلك: كيف ذلك الرجل يا رجل، كيف تيك المرأة يا امرأة، كيف ذاكما الرجل يا رجلان، كيف تيكما المرأة يا امرأتان، كيف ذاكم الرجل يا رجال، كيف ذاكن الرجل يا نسوة، كيف ذانك الرجلان يا رجل، كيف تيكن المرأة يا نساء، كيف تانك المرأتان يا امرأة، كيف ذانكما الرجلان يا رجلان، كيف تانكما المرأتان يا امرأتان، كيف ذانكم الرجال يا رجال، كيف تانكن المرأتان يا نسوة، كيف أولئك الرجال يا رجل، كيف أولئك النسوة يا امرأة، كيف أولئكما الرجال يا رجلان، كيف أولئكما النسوة يا امرأتان، كيف أولائكم الرجال يا رجال، كيف أولئكن النسوة يا نساء، كيف ذاك الرجل يا أمراة، كيف ذانك الرجلان يا امرأة، كيف ذانكما الرجلان يا امرأتان، كيف ذانكن الرجلان يا نساء، كيف أولائك الرجال يا امرأة، كيف أولائكما الرجال يا امرأتان كيف أولائكن الرجال يا نسوة، كيف تيك المرأة يا رجل، كيف تانك المرأتان يا رجل، كيف تيكما المرأة يا رجلان، كيف تانكم المرأتان يا رجال، كيف تانكما المرأتان يا رجلان، كيف أولائك النساء يا رجل، كيف أولائكما النساء يا رجلان، كيف أولائكم النساء يا رجال، [كيف ذاكما الرجل يا امرأتان].

وهذا الذي ذكرناه هو من استعمال العرب اسم الإشارة، وحرف الخطاب على اللغة الفصيحة، وأما إذا كان اسم الإشارة على كل حال من تثنية، وجمع وتأنيث كما يكون للواحد المذكر مفتوح الكاف مطلقًا أو مكسورة مع المؤنث، فلا يجيء فيها هذا العدد، بل تكون كلها على لفظ واحد، أو على لفظين في لغة من فتح الكاف للمذكر، وكسرها للمؤنث، ومن غريب النقل ما حكى أبو حاتم عن أبي زيد:

ص: 979

أنه سمع من الأعراب من يقول: إذا قيل له أين فلانة؟ ها هو (ذه) وقال: قد سمعت من يفتح الذال فيقول ها هوذا، حمل مرة على الشخص، ومرة على المرأة، وإنما المعروف ها هي (ذه) والمذكر ها هو (ذا).

وقال ابن مالك: وقد ينوب ذو البعد عن ذي القرب لعظمة المشير كقوله تعالى: [وما تلك بيمينك يا موسى]، أو لعظمة المشار إليه نحو:[ذالكم الله ربي]، وذو القرب عن ذي البعد كحكاية الحال نحو:[فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه] وقد يتعاقبان مشيرًا بهما إلى ما ولياه نحو: [ذلك نتلوه عليك]، ثم قال:[إن هذا لهو القصص الحق][إن في ذلك لذكرى]، [إن في هذا لبلاغا]، انتهى ملخصًا.

وما ذهب إليه ابن مالك من أنهما يتعاقبان، فيكون (ذلك) بمعنى (هذا) هو مذهب الجرجاني وطائفة، وخالفهم السهيلي، وأبطل ما احتجوا به.

وإذا قلت: أرأيتك فالهمزة دخلت على رأيت، فإما أن يكون بمعنى أعلمتك، أو بمعنى أخبرني، فإن كانت باقية على موضعها الأصلي من العلم، كانت الكاف ضميرًا منصوبًا، وتطابق الضمير المرفوع في إفراد وتثنية وجمع، وتذكير وتأنيث مفعولاً أول وما بعده مفعول ثان، وتعدى الفعل المسند إلى الضمير المرفوع المنفصل إلى ضميره المنصوب المتصل فتقول: أريتك منطلقًا كما تقول: أعلمتك منطلقًا (أي أعلمت نفسك)، وأريتك ذاهبة، وأرأيتكما ذاهبين، وأرأيتموكم ذاهبين، وأرأيتكن

ص: 980

ذاهبات، وإن كانت (بمعنى أخبرني) صارت لا تدل على استفهام، ولا تقتضي جوابًا، فيجوز أن تتصل بها الكاف، وفيها إذ ذاك ثلاثة مذاهب؛ أحدها: مذهب البصريين، وهو أن الفاعل هو التاء، وتبقى مفردة دائمًا مفتوحة، والكاف حرف خطاب، وتظهر علامة الفروع في الكاف فتقول: أرأيتك أرأيتك أرأيتكما أرأيتكم أرأيتكن.

المذهب الثاني: مذهب الفراء وهو أن التاء حرف خطاب لا ضمير والكاف وما زيد عليها هي الفاعل.

المذهب الثالث: أن الفاعل هو التاء، والكاف في موضع نصب، وفي محفوظي أنه مذهب الكسائي: ولأرأيت (بمعنى أخبرني) أحكام تذكر في باب «ظننت» ، إن شاء الله تعالى.

ويتصل كاف الخطاب أيضًا بحيهل، والنجاء ورويد أسماء أفعال تقول: حيهلك (بمعنى ائت) والنجاءك (بمعنى أسرع) ورويكد (بمعنى أمهل) وقل اتصالها (ببلى)(وكلا) وأبصر وليس، ونعم وبئس، وحسبت تقول: بلاك،

ص: 981

وكلاك، وأبصرك (بمعنى أبصر زيدًا، وليتك زيدًا قائمًا) ونعمك الرجل زيد، وبئسك الرجل بكر، وحسبك عمرًا منطلقًا.

ومن أسماء الإشارة (هنا) وهو ظرف مكان لا ينصرف إلا أنه قد يجر بمن، أو بإلى فتقول: من هنا وإلى هنا، وهو لداني المكان وهناك لوسطه، ويدخل عليهما (هاء) التنبيه، وقد تبدل ألف (هنا) هاء في الوقف فتقول:(هنه) وذكروا أنه قد يشار بها إلى الزمان وقد يتأول ما استدلوا به، ومن خط أبي جعفر بن أبي رقيقة وكان نحويًا بتونس ما نصه «المفضل يعني الضبى (هناك) في المكان و (هنالك) في الزمان» ، انتهى.

والكاف اللاحقة في هناك وهنالك للخطاب لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث بخلاف أسماء الإشارة التي تقدم ذكرها، وثم ظرف مكان للبعد، والتزم فيها الظرفية إلا أنها قد تجر بمن، وإلى فتقول: من ثم، وإلى ثم، ومن أعربها مفعولاً به في قوله تعالى:[وإذا رأيت ثم رأيت] فليس إعرابه بصحيح، ومن الظروف المشار بها إلى المكان البعيد هنا مشددة النون مكسورة الهاء، أو مفتوحة، وقال أبو حاتم:«إن أمرته أن يتنحى عنك قلت: تنح هنا وهنا، وإن شئت أدخلت حرف التنبيه فقلت: تنح ههنا، وهي في هذا كله ظرف مكان بمنزلة ثم» . قال صاحب الترشيح: وهي في كل حال من أمر، أو نهي أو خبر مشددة قال ذو الرمة:

ص: 982

هنا وهنا ومن هنا لهن بها

ذات الشمائل والأيمان هينوم

جاء بها مشددة في الخبر. انتهى، وفي النهاية: هنا أصلها أن تكون للمكان ثم استعيرت للزمان، وحقها أن تضاف إلى المفرد قال الأعشى:

لات هنا ذكرى جبيرة ....

............

وقد أضافوها إلى الفعل والفاعل قال:

حنت نوار ولات هنا حنت

.........

وإلى المبتدأ والخبر قال:

ص: 983

أفي أثر الإظعان عينك تلمح

نعم لات هنا إن قلبك متيح

أصل إن تدخل على المبتدأ والخبر، انتهى.

وأما قول الشاعر:

حنت نوار ولات هنا حنت

فقال ابن عصفور: لات: لا تعمل في اسم الزمان نكرة ومعرفة، و (هنا) تكون ظرف زمان، وظرف مكان، وقال ابن مالك: انتصب (هنا) على الظرفية، وحنت في موضع رفع على الابتداء وخبره في الظرف قبله، وأخبر عن الفعل مؤولا بالمصدر، والمعنى ولا حنان في هاذ الوقت، ونقل ابن مالك عن بعض المتأخرين أن (هنا) اسم لات، والتقدير ليس ذلك الوقت وقت حنت (أي وقت حنان)، وقد يقال بتاء قال:

وذكرها هنت ولات هنت

وأسماء الإشارة مبنية، فأما ذان وتان، فهي عند المحققين صيغ تثنية حقيقة.

ص: 984