الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وأما (كذا) فالكاف للتشبيه، وذا اسم إشارة للمفرد المذكر، فإذا أبقيت كل واحد منهما على موضوعه الأصلي، ولا تركيب فيه، ولا يكون إذ ذاك كناية عن شيء، وإن أخرجت عن موضوعها الأصلي، فإن العرب استعملتها كناية عن عدد، وعن غير عدد، وفي كلتا الحالتين تكون مركبة، ولذلك لا تثنى ولا تجمع، ولا تؤنث، ولا تتبع بتابع: لا نعت، ولا عطف بيان، ولا تأكيد، ولا بدل، ولا عطف نسق، ولا تتعلق الكاف بشيء، ولا تدل على تشبيه، ولا تلزم الصدر، ولا تكون مقصورة على إعراب خاص بل تستعمل في موضع رفع، ونصب، وجر بالإضافة وبحرف، ولا تدخل على (ذا) ها للتنبيه، ومن النحويين من حكم على موضع الكاف بالإعراب وجعلها اسمًا، ومنهم من حكم عليها بالزيادة، فإذا كانت كناية عن غير عدد، فتكون مفردة ومعطوفة تقول العرب: مررت بدار كذا، ونزل المطر مكان كذا، وقالت العرب: أما بمكان كذا وكذا وجد؟ فيقال: بلى وماذا، ولا يراد بالمتعاطفين أن المكان يوصف بصفتين معطوفة إحداهما على الأخرى، وهو كناية عن معرفة، ومن
وقوعه على النكرة قوله:
وأسلمني الزمان كذا «فلا طرب ولا أنس
أوقع (كذا) موقع الحال وهو نكرة، وتقول العرب: مررت بدار كذا فتصف به النكرة وبدار كذا واشتريته بثمن كذا، وله عندي كذا.
وإذا كانت كناية عن العدد، فمذهب البصريين أن تمييزها يكون مفردًا، سواء كانت مفردة أم معطوفة، وأريد بها عدد قليل أو كثير فتقول: له عندي كذا درهمًا، وله عندي كذا وكذا درهمًا، وبه قال كثير من المتأخرين ابن طاهر، وابن خروف، وقد نازع ابن خروف في إفرادها في العدد فزعم: أنه غير مستعمل في كلام العرب، ومذهب الكوفيين أنها تفسر بما يفسر به العدد الذي هو كناية عنه، فمن الثلاثة إلى العشرة بالعدد (المخفوض) نحو: له عندي كذا جوار، وتفرد هي عن المركب بالمفرد المنصوب، وتركب هي تقول: له عندي كذا كذا درهمًا، وعن العقود بالمفرد المنصوب، وتكون هي معطوفة على مثلها تقول: له عندي كذا وكذا درهمًا، وعن المائة والألف بالمفرد المجرور، وتفرد هي نحو: له كذا درهم، وقد وافق الكوفيين على هذا المذهب الأخفش فيما نقله صاحب البسيط، والمبرد، وابن الدهان، وابن معط، وذهب الأخفش، وابن كيسان، والسيرافي فيما نقله أبو بكر عتيق بن داود اليماني إلى موافقتهم في المركب
والمعطوف، وكذا ابن عصفور، إلا أنه قال في الكناية عن الثلاثة إلى العشرة، وعن المائة والألف: له عندي كذا من الدراهم فرد التمييز إلى الجمع معرفًا بأل، وزعم أنه مذهب البصريين، واضطرب أبو علي فمرة قال بقول البصريين ومرة يقول بقول الكوفيين.
وأما حكاية ابن السيد: أن البصريين والكوفيين اتفقوا على أن (كذا) و (كذا) كناية عن الأعداد المركبة، فليس ذكر الاتفاق بصحيح، وقد بنى على حكاية ابن السيد الاتفاق ابن عصفور، وهو بناء غير صحيح، والمسموع من لسان العرب: أن كذا إذا كانت كناية عن غير عدد كانت مفردة، ومعطوفة خاصة، ولا يحفظ تركيبها، وإذا كانت كناية عن عدد فلا يحفظ إلا كونها معطوفة ولا تحفظ مفردة ولا مركبة، ولذلك لم يمثل بها سيبويه، والأخفش والفارسي في الأعداد إلا معطوفة، وبذلك ورد السماع والذي أجازه الكوفيون، ومن وافقهم من التراكيب ليست مسموعة من العرب نص على ذلك الفارسي، والزجاجي، وابن خروف، وابن العلج، وابن مالك، وابن أبي الربيع، وابن عصفور في بعض التراكيب، وهو إجازتهم كذا درهم بالخفض وكذا
دراهم، وأما تجويزهم بعد كذا الرفع فخطأ، والخفض في التمييز لحن، ولا يجوز خلافًا لمن زعم أنه يجوز على الإضافة، وخلافًا لمن زعم أنه يجوز على البدل، وعلى هذا الذي قررناه لو قال: له عندي كذا كذا درهمًا، نزلناه على درهم واحد إلا إن قال: أردت به عددًا أكثر من ذلك فيرجع في ذلك إلى تفسيره، ولو قال: كذا كذا درهمًا لم نجعله تركيبًا، بل يكون مما حذف منه المعطوف، وأصله كذا وكذا، كل ذلك حفظ لما استقر في كلامهم من أن (كذا) لا تستعمل في العدد إلا معطوفة، وكذا لو لحن فخفض الدرهم أو رفعه، لأن اللحن لا يبطل الإقرار، وقد اختلفت مذاهب الفقهاء في الإقرار بهذه الكنايات خلافًا كثيرًا وذكرنا منه طرفًا في تأليفنا «كتاب الشذا في مسألة كذا» .
ومما هو كناية عن الحديث والخبر كيت وذيت تقول: كان من القصة: كيت وكيت وذيت وذيت وأصلهما كية وذية بالتشديد، وتاء التأنيث كطية ولية وقد جاءا كذلك، وهو قليل فحذفت تاء التأنيث وأبدلت التاء من الياء التي هي لام، فإن وزنتها على الأصل قلت فعل أو على الظاهر قلت: فعت، وبنيا لافتقارهما إلى جملة يكنى بها عنهما، فأجريا مجرى الحرف الذي معناه في غيره، ولو سميت رجلا بكيت لمي جز أن تجمعه بالواو والنون، لأن هذا إبدال مختص بالتأنيث، فجرى مجرى أخت وبنت، ولا يجوز أن يستعملا إلا مكررين وفيهما الضم والفتح والكسر.