المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل ضمير المتكلم، وضمير المخاطب تفسيرهما المشاهدة، وضمير الغائب يحتاج إلى - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٢

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل ضمير المتكلم، وضمير المخاطب تفسيرهما المشاهدة، وضمير الغائب يحتاج إلى

‌فصل

ضمير المتكلم، وضمير المخاطب تفسيرهما المشاهدة، وضمير الغائب يحتاج إلى مفسر، والأصل في مفسره، أن يكون متقدمًا عليه، فإذا تقدم اسمان مستويان في الإسناد كان الضمير عائدًا على الأقرب إلا إن دل دليل على أنه لغير الأقرب مثال: جاءني زيد وعمرو أكرمته، فالضمير لعمرو، واشتريت جوادًا، وغلامًا فركبته فالضمير للجواد، فإن لم يستويا في الإسناد، وكان الثاني في ضمن الأول عاد على المتقدم خلافًا لأبي محمد بن حزم في زعمه: أن الضمير في قوله تعالى: [فإنه رجس] عائد على الخنزير لا على اللحم؛ لكونه أقرب مذكور.

ثم المفسر إما مصرح بلفظه نحو: زيد لقيته، أو مستغنى عنه بحضور مدلوله حسا مثل أن يخطر بذهنك أن مخاطبك سألك عن حالة شخص فتقول: هو مسافر، وتمثيل ابن مالك هذا بقوله:[هي راودتني عن نفسي] و [يا أبت استئجره] ليس بصحيح بل هذان مما تقدم مفسره مصرحًا به لفظًا قال ابن مالك: أو مستغنى عنه بحضور مدلوله علمًا نحو: قوله تعالى: [إنا أنزلناه في ليلة القدر] ونقول في هذا إنه عائد على ما دل عليه قوله: [اقرأ باسم ربك الذي خلق] وقوله: [علم الإنسان ما لم يعلم] قال ابن مالك أو بذكر ما هو له جزء كقوله:

ص: 941

..........

إذا حشرجت يومًا ......

قال: فالضمير عائد على النفس، والفتى في قوله: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى .... مغن عن ذكر النفس؛ لأنها جزء منه، وقال ابن هشام: الضمير يعود على النفس، ولم يتقدم لها ذكر، لكن الحشرجة وضيق الصدر دلا عليها، ومن ذلك: من كذب كان شرًا له، [اعدلوا هو أقرب للتقوى] ونحوهما الضمير يعود على المصدر الدال عليه كذب، والدال عليه اعدلوا؛ لأنه أحد جزأى الفعل، قال ابن مالك: أو كل نحو: [ولا ينفقونها] فالذهب، والفضة بعض المكنوزان، فأغنى ذكرهما عن ذكر الجمع فكأنه قال: أصناف ما يكنز، ويمكن النزاع في هذا، قال ابن مالك: أو نظير مثاله: عندي درهم ونصفه (أي ونصف درهم آخر)، وأصحابنا يعبرون عن مثل هذا بأنه يعود على الظاهر لفظًا لا معنى، ومنه: ظننت وظننته زيدًا قائمًا، ومنع ابن الطراوة هذه المسألة وتأتي في باب الإعمال، إن شاء الله تعالى.

ص: 942

وقال ابن مالك: أو مصاحب بوجه ما كقوله: [وأداء إليه بإحسان] أي إلى العافي الدال عليه (فمن عفى) وقد كثر ابن مالك أمثلة مما يفسره ما يفهم من سياق الكلام، ولم يتقدم مفسره، ولا تأخر، وأصحابنا قسموا ضمير الغائب إلى ما يتقدم عليه مفسره لفظًا ورتبة نحو: ضرب زيد غلامه، أو لفظًا دون رتبة نحو: ضرب زيدًا غلامه، أو رتبة دون لفظ نحو: ضرب غلامه زيد، وإلى ما يفسره ما يفهم من سياق الكلام، وهو ما علم المراد به، ولم يتقدم مفسره، ولا تأخر عنه بوجه من الوجوه الثلاثة مثل: ضرب غلامه زيد، غلامه ضرب زيد، وضرب غلام أخيه زيد، واسم الفاعل يجرى مجرى الفعل في هذا نحو: هند ضارب غلامه زيد من أجلها، ومررت بامرأة ضارب غلامه أخوها، وأما إن تأخر المفسر نحو: ضرب غلامه عمرًا، فأجازه ابن جني، وقبله أبو عبد الله الطوال من أهل الكوفة، والأخفش من أهل البصرة: ذكره عنه في الغرة قال: ورووا: ضربت جارية يحبها زيدًا، واختاره ابن مالك، وقد جاء في الشعر

ص: 943

ما ظاهره جواز ذلك، وقصره على الشعر دون الكلام أحمد بن جعفر، وشرط ابن مالك في إجازة ما اختاره أن يكون صاحب الضمير قد شارك في العامل نحو: ضرب غلامها هندًا فالناصب لصاحب الضمير الذي هو هند هو الرافع لغلامها الذي هو الفاعل، فلو لم يشارك فقلت: ضرب غلامها جار هند لم يجز؛ لأن الضمير الذي هو لهند لم يشارك الفاعل الذي هو غلامها في العامل الذي هو ضرب؛ لأن هندًا مخفوض بالإضافة، و (غلامها) مرفوع بضرب.

ونقل ابن مالك عن الكوفيين: أنهم لا يجيزون مثل: ضرب غلامه زيد، ولا غلامه ضرب زيد، ولا (في بيته يؤتى الحكم]، و (شتى تئوب الحلبة)، وأن سماع ذلك صحيح عن العرب تخليفط منه في النقل؛ لأن الكوفيين فصلوا في الضمير إذا تأخر العامل عن المفعول، والفاعل بين أن يكون متصلاً بالمفعول مجرورًا، أو بما أضيف إلى المفعول نحو: إرادته أخذ زيد، وغلام أبيه ضرب زيد، فهذا جائز عندهم، أو متصلاً به في موضع نصب، فلا يجوز عندهم نحو: ضاربه ضرب زيدًا، وفي موضع جر جاز عندهم نحو: غلامه ضرب زيد، وإن كان منفصلاً عما تقدم، فلا يجوز عندهم تقديم المفعول، ومثلوا ذلك بمثل كثيرة منها، ما رأى أحب زيد، ويوم يقوم يتخلص زيد، ويوم يقوم يجيء خالد، وإذا قام سرك زيد، وما يعجبه يتبع أخوك: فهذه كلها منعها الكسائي والفراء، وأجازها البصريون، فإن كان العامل مقدمًا جازت المسائل عند الكسائي والفراء فتقول: أخذ ما أراد زيد وأجاز الكسائي وأصحابه: ما أراد زيد

ص: 944

أخذ، وما في موضع نصب بأخذ، وثوب أخويك يلبسان، وقد تكرر لابن مالك هذا التخليط في آخر الفصل الثالث من باب تعدي الفعل ولزومه ونتكلم عليه إن شاء الله ثمة، وفي الغرة: أجازوا أخذ ما أراد زيد، ومنع الكوفي: ما أراد أخذ زيد، وأجاز البصري وهشام: زيدًا غلامه ضرب في كل تصريف الفعل، ومنعها الفراء جميعها، وأجازها الكسائي في اسم الفاعل، انتهى.

وأما ما يتقدم الضمير، ويتأخر عنه مفسره وجوبًا؛ فمنه المجرور برب نحو: ربه رجلاً صحبت والمرفوع بنعم، وبئس ما جرى مجراهما نحو:

نعم امرأً هرم ............

...........

وظرف رجلاً زيد؛ ففي نعم ضمير فاعل يفسره التمييز بعده هذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنه ليس فيه ضمير بل الاسم المرفوع بعد المنصوب هو الفاعل بنعم وبئس، ويأتي الكلام على ذلك في باب نعم وبئس إن شاء الله، والمرفوع بأول المتنازعين نحو:

جفوني ولم أجف الأخلاء

.............

ص: 945

وهذا لا يجوز عند الكسائي، والفراء، ويأتي في باب الإعمال إن شاء الله تعالى. والضمير الذي أبدل منه المفسر نحو: ما حكى الكسائي: «اللهم صل عليه الرءوف الرحيم» وهذه المسألة التي يجيزها الأخفش، ومنعها غيره. والضمير الذي يفسره الخبر نحو قوله تعالى:[إن هي إلا حياتنا الدنيا] قاله الزمخشري، واختاره ابن مالك، وهو عند أصحابنا مما يفسره سياق الكلام، وضمير الشأن والقصة نحو: قوله تعالى: [قل هو الله أحد][فإنها لا تعمى الأبصار] وذكر الفراء ضمائر يفسرها ما بعدها غير هذه فمن ذلك: [وهو محرم عليكم إخراجهم][وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر] وقول العرب: كان ذلك مرة، وهو ينفع الناس أحسابهم وقول الشاعر:

..............

فهل ا، ت مرفوع بما ههنا راس

ص: 946

وأما ضمير الشأن، فمذكر، وضمير القصة مؤنث، وهذا اصطلاح البصريين، ولا يعطف على هذا الضمير، ولا يؤكد، ولا يبدل منه ولا يتقدم خبره عليه، ولا جزء من خبره خلافًا ليوسف بن أبي سعيد السيرافي؛ فإنه أجاز في قوله:

أسكران كان ابن المراغة ...... ز

.........

أن يكون في كان ضمير الشأن، وابن المراغة وسكران مبتدأ، وخبرًا يفسر ضمير الشأن، ولا يفسر بمفرد، ويسميه الكوفيون مجهولاً وهو اسم يحكم على موضعه بالإعراب على حسب العامل، وزعم ابن الطراوة أنه حرف، فمثل كان زيد قائم، وليس زيد قائم فإلغاء لكان، وليس، وأخواتهما، وأما إنه أمة الله ذاهبة، فحرف كف إن عن العمل، وفي:

إن من يدخل الكنيسة يومًا

...........

ص: 947

إن ملغاة، وأما [قل هو الله أحد] فهو هنا فسره المعنى (أي المعبود الله أحد)، والتفريع على مذهب الجمهور فلا يفسر إلا بجملة خبرية مصرح بجزئيها، وأجاز الكوفيون، وأبو الحسن نحو: ظننته قائمًا زيد، ولا يجيزه البصريون، ولو سمع هذا التركيب كان زيد مبتدأ، والجملة قبله خبر عنه، ولا يجيز البصريون ما هو بقائم زيد، ولا ما هو قائمًا زيد، ولا كان قائمًا زيد، على إضمار الاسم في كان، وأجاز الكوفيون: كان قائمًا زيد ففي كان عندهم ضمير المجهول، وقائمًا خبر كان، وزيد مرفوع بقائم ولا يثنى قائم، ولا يجمع لرفعه الظاهر. هذا مذهب الكسائي، وذهب الفراء إلى جواز كان قائمًا زيد على أن يكون قائمًا خبر كان، وزيد مرفوع بكان، وقائمًا معًا، ولا يثنى قائمًا لرفعه الظاهر، وللكوفيين تفاريع من هذا النوع ستذكر في باب كان، إن شاء الله تعالى.

وأجاز الكوفيون: إنه ضرب، وإنه قام على حذف المسند غليه الضرب والقيام، فبقى مفردًا، وإفراد هذا الضمير لازم فتقول: إنه أخواك قائمان، وإنه إخوتك ذاهبون، وذكر أصحابنا أن هذا الضمير: يكون مذكرًا، ومؤنثًا سواء كان بعده مذكرًا، أم مؤنثًا نحو: هو زيد قائم، وهو هند قائمة، وهي هند قائمة، وهي زيد قائم، وإن كان المستحسن التذكير مع التذكير، والتأنيث مع التأنيث هذا مذهب أهل البصرة، وذهب الكوفيون إلى أن المخبر عنه إن كان مذكرًا، فالضمير

ص: 948

مذكر، وإن كان مؤنثًا فالضمير مؤنث فتقول: كان زيد قائم، وكانت هند قائمة للمشالكة، ولا يجوز عندهم كانت زيد قائم، ولا كان هند قائمة، وقال الفراء: العرب تدخل الهاء مع (أن) دلالة على الفعل بعدها، فإذا قالوا: إنه قام زيد، دلوا بالهاء على أن الفعل بعدها لمذكر وإذا قالوا: إنها قامت هند دلوا على أنه لمؤنث، فإذا كان بعدها فعل مذكر لم يجز إلا التذكير، وإذا كان فعل مؤنث جاز التذكير والتأنيث نحو:[إنه قامت هند، وإنها قامت هند، وإذا كان بعدها فعل مذكر، لم يجز فيه التأنيث] نحو: إنه قام الهندات، وإنه جلس جواريك، ولا يجوز إنها، وقال البصريون والكسائي: إذا ذكرت الهاء فهو كناية عن الأمر والشأن، وإذا أنثت فهي كناية عن القصة، قيل فألزمهم الفراء: أن يقولوا: إنها قام زيد، وهذا معدوم في كلام العرب، ولابن مالك مخالفة للفريقين، وترجيحات قال: وتذكيره لازم ما لم يله مؤنث نحو: إنها جاريتاك ذاهبتان، وإنها نساؤك ذاهبات، أو مذكر شبه به مؤنث نحو: إنها قمر جاريتك، أو فعل بعلامة تأنيث (يعني أنه يكون مسندًا إلى مؤنث) نحو:[إنها لا تعمي الأبصار] وقوله:

على أنها تعفو الكلوم

.................

فالتأنيث في هذه المسائل عنده أجود من التذكير، والتذكير مع ذلك جائز، فإن

ص: 949

كان المؤنث الذي في الجملة بعد مذكر لم يشبه به مؤنث، فحكمه التذكير نحو:[إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم]، أو ما ولى الضمير من مؤنث شبه به مذكر نحو: إنه شمس وجهك، أو كان الفعل الذي ولى الضمير بلا علامة تأنيث نحو: إنه قام جاريتك لم يكترث بالتأنيث في هذه الصور، والحكم فيها التذكير وثبت في نسخة من (التسهيل) فإن كان فيها مؤنث ليس فضلة، ولا كفضلة، اختير التأنيث باعتبار القصة نحو:[فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا]، و [فإنها لا تعمي الأبصار] واحترز بقوله: ليس فضلة من قوله:

ألا إنه من يلغ عاقبة الهوى

وبقوله: ولا كفضلة من قوله: [إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم] إذ المعنى نجزه جهنم انتهى.

وهذا الضمير يبرز مبتدأ عند الجمهور، خلافًا لأبي الحسن، والفراء فإنهما منعا ذلك، ولا يجيزانه إلا إن كان معمولاً لكان وإن وأخواتهما، ويبرز أيضًا في نحو: ما هو زيد قائم فهو اسم ما، والجملة في موضع نصب على أنه خبرها وقيل: لا يجوز ومن أجاز قال: يجوز دخول إلا على الجملة الواقعة خبرًا كما تدخل على الخبر، فيبطل العمل فتقول: ما هو إلا زيد قائم، وكذا في الاستفهام فتقول: هل هو إلا زيد قائم، ويبرز منصوبًا في باب إن وظن نحو: قوله تعالى: [وأنه لما قام عبد الله يدعوه]، وهو مسموع في: إن وأن، ويحتاج في دخولها في أخواتها إلى سماع، ويبرز أيضًا في باب ظن نحو قوله:

ص: 950

علمته الحق لا يخفى على أحد

.............

ويستكن في باب كان نحو: كان زيد قائم، واختلفوا في هذا التركيب، فأجازه الجمهور، وأنكر الفراء سماعه، وهو محجوج بوجوده في كلامهم، وفي باب كاد خلاف جوزه سيبويه فيه نحو: قراءة من قرأ [بعدما كاد يزيغ قلوب فريق منهم] بياء الغيبة في يزيغ، ومنعه بعضهم وتقدم مذهب ابن الطراوة في لحاق هذا الضمير.

والضمائر كلها مبنية، وإذا اجتمع ضمير متكلم، ومخاطب، أو غائب في إسناد كان الحكم للمتكلم نحو أنا وأنت قمنا، وزيدأنا وهو قمنا، وأنا وزيد قمنا، أو مخاطب، وغائب، فالحكم للمخاطب نحو: زيد أنت وهو قمتما، وأنت وزيد قمتما، وسواء تقدم الغائب أو المخاطب، وكذا لو تقدم المخاطب أو الغائب على المتكلم.

والفصل: هو صيغة ضمير منفصل مرفوع، ويسميه الفراء، وأكثر الكوفيين عمادًا، وبعض الكوفيين يسميه: دعامة ويسميه المدنيون صفة، وأكثر النحاة يذهب

ص: 951

إلى أنه حرف، وصححه ابن عصفور، وذهب الخليل إلى أنه ضمير باق على اسميته، ومحل هذا الفصل المبتدأ والخبر ونواسخه، واختلفوا في وقوعه بين الحال وصاحبها، فمنعه الجمهور وحكى الأخفش في الأوسط: مجيء ذلك عن العرب، ومن قرأ [هؤلاء بناتي هن أطهر لكم] بنصب (أطهر) لاحن عند أبي عمرو، وقال الخليل: والله إنه لعظيم، جعل أهل المدينة هذا فصلاً.

وشرط الفصل أن يتقدمه معرفة نحو: زيد هو الفاضل فلو قلت: ما ظننت أحدًا هو القائم، وإن كان أحد لهو القائم، وكان رجل هو القائم، أجاز ذلك الفراء وهشام، فنصبا القائم، وجعلا «هو» فصلاً، ومنع ذلك سيبويه، والبصريون، والمعروف من قول الكوفيين إجازة مثل.

.........

ولا يك موقف منك الوداعا

ص: 952

فعلى هذا يجوز فيه الفصل، كما ذهب إليه هشام، والفراء، ومن شرطه عند البصريين، أن يتوسط بين الأول وخبره، وأجاز الفراء تقديمه أول الكلام، ومنه عنده:[وهو محرم عليكم إخراجهم] وقال أيضًا: إذا ابتدأت بالاسم، فأنت مخير في نحو: جاء زيد وأبوه قائم أن تقول: وهو أبوه قائم، وهو الأحسن، وكذا زيد ذاهب، فإن كان فيه الفعل أو معناه نحو: أتيت زيدًا وقائم أبوه، أو تقدم أبوه قبح، ويزول القبح إذا أتيت بالعماد نحو أتيت زيدًا وهو قائم أبوه قال: وسمعت بعض العرب يقول: «كان مرة وهو ينفع الناس أحسابهم» وإن كان الموضع صالحًا للاسم والفعل صح أيضًا العماد نحو: هل مضروب زيد، قال تعالى:[وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر] وقولك: أما هو فذاهب زيد، فيقبح أما فذاهب زيد، لأنه للاسم انتهى ما لخص عن الفراء، وتقديمه الفصل جار على مذهبهم؛ لأنهم لم يجيئوا بالعماد؛ لأن يدخل بين المبتدأ والخبر، وإنما وضع عنده في كل موضع يبدأ فيه للاسم قبل الفعل.

وشرط الخبر أن يكون معرفة، أو قريبًا من المعرفة، فأما المعرفة فلا شرط فيها عند

ص: 953

البصريين، وذهب الفراء إلى أنه إن كان معرفة بغير (أل)، وجب الرفع نحو: كان زيد هو أخوك، وكان زيد هو صاحب الحمار، وقال الفراء: أجيز كان عبد الله هو أخاك بمعنى هو الأخ لك، ولا أجيز ذلك في زيد وعمرو، وإن كان (بأل) في باب (ما)، فلا يجوز أن يكون فصلاً عند الفراء نحو: ما زيد هو القائم، أو في ليس، فالرفع الوجه عند الفراء نحو ليس زيد هو القائم، ويجوز النصب، وهو الوجه عند البصريين.

فإن دخلت على الخبر لام الفرق نحو: إن كان زيد هو لقائم فلا يجوز أن يكون فصلاً، وتنصب «لقائم» عند الفراء، وأجاز أبو العباس: فيه النصب، وإن دخلت على الخبر (فاء الجزاء) نحو: أما زيد هو فالقائم، فمذهب سيبويه، والفراء أنه لا يجوز الفصل، وعلى قول أبي العباس: يجوز، وإن دخلت لا النافية على صيغة المضمر نحو كان زيد لا هو القائم، ولا هو المقارب، فمذهب البصريين جواز النصب والفصل، وذهب الفراء: إلى أنه لا يجوز إلا الرفع فيهما معًا، وإن دخلت إلا على صيغة المضمر نحو: ما كان زيد إلا هو الكريم فذهب البصريون، والفراء: إلى أنه لا يجوز النصب، ولا الفصل، وذهب الكسائي إلى جواز ذلك وإن كان الكلام في معنى ما دخلت لا يجوز نحو: إنما كان زيد هو القائم، فهي عند الفراء كمسألة إلا، والصحيح الجواز، وإن لم يدخل على الخبر، ولا على صيغة الضمير شيء مما ذكر، فإن كان الخبر جامدًا جاز دخول الفصل نحو قوله تعالى:[إن كان هذا هو الحق] وإن كان مشتقًا رافعًا ضمير الأول وتقدم ما ظاهره التعلق به من حيث المعنى نحو: كان زيد هو بالجارية الكفيل، [فإن أردت أن يكون (الجارية) في صلة الكفيل] لم تجز المسألة بإجماع، رفعت الكفيل أو نصبته، وإن أردت أن لا يكون في صلة الكفيل، فمن النحاة من يجعل ذلك

ص: 954

تبيينًا، ومنهم من يقدره هو كفيل بالجارية الكفيل، ومنهم من يجعل الكفيل بمنزلة الرجل، والرفع في الكفيل هو البين، فإن نصبت الكفيل، لم تجز المسألة عند الفراء بوجه، وعلى أصول البصريين إذا جعلت بالجارية تبيينًا، جاز النصب في هذا الوجه خاصة، وإن لم يتقدم جاز النصب نحو: كان زيد هو الكفيل بالجارية، وظننت زيدًا هو القائم، وكان زيد هو الحسن الوجه.

وإن كان رافعًا لسببي والضمير مطابق للاسم نحو: ظننت زيدًا هو القائم أبوه، وهو القائم جاريته، فلا يجوز فيه عند البصريين الفصل بل يجب الرفع، وأجاز الكسائي الفصل والنصب، وفصل الفراء بين أن يكون خلفًا، فيوافق الكسائي وغير خلف فيوافق البصريين، وحكى علي بن سليمان عن البصريين إنكار الخلف، وإن كان مخالفًا نحو: كان زيد هي القائمة جاريته، فأجاز الكسائي النصب، ومنع الفراء والبصريون هذه المسألة فلا يجوز، لا برفع ولا نصب، وإذا عطفت بالواو، فإن لم تذكر الضمير بعدها [نحو: كان زيد هو المقبل والمدبر، جاز الوجهان الرفع والنصب، فإن ذكرت بعدها] واختلف الخبران نحو: كان زيد هو القائم وهو الأمير، فلا يجوز في الأمير عند البصريين والفراء إلا الرفع، وأجاز هشام فيه النصب، فإن اتفقا نحو: كان زيد هو المقبل وهو المدبر، فالرفع في المقبل والمدبر عند البصريين فقط، وأجاز النصب الفراء وهشام، وإذا عطفت (بلا)، وذكرت الضمير بعدها نحو: كان زيد هو القائم لا هو القاعد، رفعت على قول البصريين، ونصبت على قول هشام، وإن لم تذكر الضمير نحو: كان

ص: 955

زيد هو القائم لا القاعد، جاز رفعهما ونصبهما بلا خلاف، وإذا عطفت بلكن نحو: ما كان زيد هو القائم، ولكن هو القاعد، رفعت القاعد في قول البصريين، وأجاز هشام النصب.

وإن كان الثاني كمعرفة في امتناع دخول (أل) عليه، جاز الفصل معه نحو: كان زيد هو أفضل منك وكان هذا مجمعًا عليه فلو قلت: «كان زيد هو منطلقًا» كان قبيحًا قاله سيبويه، فإن كان بعد الضمير مضارع نحو: كان زيد هو يقوم، فقد أجاز بعضهم أن يكون فصلا، والصحيح المنع، فإن كانا نكرتين قريبتين من المعرفة نحو: ما أظن أحدًا هو خيرًا منك، فقد أجازه أهل المدينة، ووافقهم أبو موسى الجزولي، وحكى ابن الباذش، أن قومًا من الكوفيين أجازوا الفصل في النكرات، كما تكون في المعارف قالوا: ومنه قوله تعالى: [أن تكون أمة هي أربى من أمة]«فأربى» في موضع نصب، وفي كتاب الصفار تلميذ الأستاذ أبي علي:«وأجازوا الفصل بين الاسم الذي ولى (إلا) وبين خبره، وإن لم تكن معرفة فقالوا: لا رجل هو منطلق» ، وقال يونس: إن أبا عمرو كان يرى بوقوعه بين نكرتين لحنًا، وأجاز عيسى الفصل بعد تمام الكلام نحو: هذا زيد هو خير منك، ومنعه الجمهور، وأجاز الكوفيون النصب، والفصل في نحو: ما بال زيد هو القائم، وما شأن عمرو هو الجالس، ولا يجيز البصريون في هذا إلا الرفع، وأجاز الكسائي، والفراء: مررت بعبد الله هو السيد الشريف، ولمن لحقته: لتلحقنه هو

ص: 956

الجواد الكريم وخرجت بعبد الله هو القائم والقائم، وإذا قلت: كان هو القائم زيد، وجعلت في كان ضميرًا مجهولاً، وزيد فاعل بالقائم فقال الفراء: ليس بجائز قال: وهو في قياس قول الكسائي: جائز، ولا يجيز البصريون ذلك، وإذا قدمت مفعولي ظننت عليها، جاز أن تأتي بالفصل بينهما نحو: زيدًا هو القائم ظننت، فإن تقدم الأول، وتوسطت ظننت وتأخر الثاني نحو: زيدًا ظننت هو القائم، ففي جواز ذلك نظر، والفصل لا يكون مطابقًا لما قبله إفرادًا وتذكيرًا، وتكلمًا ومقابلاتها، وتقدم الخلاف في كان زيد هي القائمة جاريته، والصحيح المنع فأما قوله:

........

يراني لو أصبت هو المصابا

فقد تأولوه على وجوه، ومن أحكام الفصل: أنه لا يتقدم مع الخبر على المخبر عنه، لا يجوز: هو القائم كان زيد، ولا هو القائم زيد، ولا هو القائم ظننت زيدًا، ونقل ابن مالك عن الكسائي: جواز ذلك، والنقل عن الكسائي مختلف فيه، فنقل هشام عنه المنع، ونقل الفراء وغيره عنه الجواز، ومذهب البصريين، والفراء

ص: 957

المنع، فإن توسط بين كان واسمها نحو: كان هو القائم زيد، فحكى إجازة ذلك عن الكسائي، ومذهب الجمهور المنع من التقديم على المبتدأ أو على كان وظننت، ومن التوسط بين كان واسمها، وبين ظننت ومعمولها الأول.

والقائلون باسمية الفصل اختلفوا، فذهب البصريون القائلون باسميته ومنهم الخليل: إلى أنه لا موضع له من الإعراب، وذهب الكسائي إلى أن موضعه كموضع الاسم، وذهب الفراء إلى أن موضعه كموضع الخبر، فإذا قلت: زيد هو القائم، فهو في موضع رفع على قوليهما، وإذا قلت ظننت زيدًا هو القائم، فهو في موضع نصب على قوليهما [وإذا قلت كان زيد هو القائم ففي موضع رفع على قول الكسائي، وفي موضع نصب على قول الفراء]

وفي: إن زيدًا هو القائم في موضع نصب على قول الكسائي، وفي موضع رفع على قول الفراء.

وإذا وقع بعد المبتدأ، وهو ظاهر جاز أن يكون فصلاً، وبدلاً ومبتدأ ثانيًا، أو ضمير جاز مع هذه أن يكون توكيدًا، أو في باب كان والاسم ظاهر أو مضمر، وما بعد الضمير مرفوع تعين أن يكون مبتدأ [أو منصوب والاسم ظاهر نحو: كان زيد هو الفاضل، فالبدل، أو مضمر نحو: كنت أنت الفاضل فهما] والتوكيد، فإن دخلت عليه لام الفرق: تعين الفصل نحو: إن كان زيد لهو

ص: 958

الفاضل، أو في باب إن والاسم ظاهر نحو: إن زيدًا هو القائم فالابتداء والفصل، أو مضمر نحو: إنك أنت الفاضل فهما، والتأكيد، أو بعد المفعول الأول لظننت وما بعده مرفوع تعين الابتداء نحو: ظننت زيدًا هو الفاضل، وظننتك أنت الفاضل أو منصوب، والمفعول الأول ظاهر نحو: ظننت زيدًا هو القائم، تعين الفصل أو مضمر نحو: ظننتك أنت الفاضل، فالفصل والتوكيد، وحكم الثاني والثالث في باب أعلم حكم الأول والثاني في باب علم، ويجوز عند كثير من العرب أن يكون هذا الضمير مبتدأ، ويرتفع ما بعده على الخبر، وحكى الجرمي أنها لغة تميم، وحكى عن أبي زيد: أنه سمعهم يقرأون [تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا] بالرفع.

وفائدة الفصل عند الجمهور التأكيد، وقال السهيلي: الاختصاص، فإذا قلت: كان زيد القائم، كان إخبارًا عن زيد بالقيام، واحتمل أن يكون غيره قد شاركه فيه، وإذا قلت: كان زيد هو القائم أفاد اختصاصه بالقيام دون غيره، ولو اجتمع الضميران مع الفصل، ولم يفصل بينهما نحو: زيد ظننته هو إياه القائم، فمذهب سيبويه: أنه لا يجوز ذلك، وإن فصلت وأخرت البدل جاز نحو:

ص: 959

ظننته هو القائم إياه، وسواء أكان الفصل بينهما بالمفعول الثاني كما مثلنا، أم بظرف معمول للخبر نحو: ظننته هو يوم الجمعة إياه القائم وإذا جوزنا معمول ذي (أل) أن يتقدم عليه، فإن كان أحدهما إضمارًا والآخر ظاهرًا، جاز اتفاقًا نحو: ظننته هو نفسه القائم، ولا يقع الفصل بين خبرين لا تقول: ظننت هذا الحلو الحامض، وقيل: يجوز دخوله بينهما.

ص: 960