الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
الاستفهام على ضروب: طلب المعرفة، وهو الاستفهام الذي لا يشوبه شيء، واستفهام على طريق التسوية نحو: سواء على أقمت أم قعدت، واستفهام على سبيل التقرير نحو: ألم أحسن إليك، ولا يكون إلا بالهمزة، واستفهام على سبيل الإنكار وهو الذي يتكلم فيه هذا الفصل، فنقول: لا يكون من أدوات الاستفهام إلا بالهمزة متقدمة ثابتة في المشهور من اللغات، وحكى أبو زيد عن الكلابين أنهم قالوا لمن قال: رأيت زيدًا: زيد إنيه، بحذف الهمزة لدلالة علامة الإنكار عليها، وقال أبو المضاء منهم أزيدًا إنيه، فأتى بالهمزة، وهذا الإنكار الذي تلحقه العلامة لا يكون إلا عن مذكور في كلام المخاطب، فلو أنكرت ابتداءً لم تأت بالعلامة قيل: وربما لحقت الاستفهام الذي لا يشوبه شيء من الإنكار، سئل أعرابي عن إخوته وعن نفسه؛ فقيل له أخبرني عن أخيك زيد فقال:«أزيد إنيه فوالله ما رأيت أحدًا أسكن فورًا، ولا أبعد غورًا، ولا آخذًا بدين حجة قد تقدم رأسها من زيد» ، قال: فهذا استفهام محض ليس فيه إنكار البتة، ويحتمل عندي التأويل على الإنكار؛ فإنه من شهرة الأوصاف الجميلة بحيث لا ينبغي أن يسأل عنه؛ إذ هو معلوم الأوصاف، وهذا الإنكار على ضربين: أحدهما أن ينكر أن يكون الأمر على ما ذكره المتكلم، فإذا قال: قام زيد فقلت: أزيدنيه كنت منكرًا لصدور القيام من زيد، ومكذبًا له في الإخبار عن زيد بالقيام، ولا يكون إلا في الخبر.
والضرب الآخر: أن ينكر المخاطب كون رأيه على خلاف ما ذكر من مخاطبته؛ فهو يسفهه في الرأي الذي ذكره، ويتعين بحسب القرينة، ويكون في الخبر نحو: اضرب زيدًا إن أساء، فتقول: أزيدنيه أي كيف لا تضربه وهذه حاله، وفي غير الخبر نحو: أأضرب زيدًا، فتقول: أزيدنيه أي كيف لا تضربه، وصورة الإنكار واحدة.
وقال ابن أبي الربيع: الإنكار إما لبعد وقوع ذلك أو لأنه معلوم أو لكون الأمر في نفسك بعيدًا قبل الإخبار، وهذا شبيه بالإنكار، انتهى.
وإلحاق علامة الإنكار ليس بحتم بل غالبًا، فيجوز لمن قيل له: قام زيد أن يقول: أزيدنيه، وأن يقول: أقائم زيد، ونحوه مما يؤدي المعنى، ويكون إنكارًا عاريًا من حكاية لفظ المتكلم، ولا يلحق علامة إلا في الوقف: وهي مدة تجانس حركة ما تقف عليه فتقول في قام عمر: أعمروه؟ وفي ضربت عمرا: أعمراه؟ وفي مررت بحذام والحارث: أحذاميه، أو ألحارثيه.
فإن كان الآخر ساكنًا نحو: موسى والقاضي رفعًا وجرًا، فقيل يلحق موسى ألفًا والقاضي ياءً، وهما علامة الإنكار، فيلتقي ساكنان؛ فتحذف ألف موسى وياء القاضي، وقيل: وهو الصحيح إذا كان مثل موسى والقاضي فلا تلحق إلا إن، وتلحق الياء لإن، وهاء السكت فتقول: أموسى إنيه، والقاضي إنيه، وقالوا: أنا إنيه، ولو كان على القول الأول لقالوا: أأناه؟
وإن كان الساكن ياء إضافة في لغة من سكنها حذفت الياء، كما حذفت في
الندبة؛ فتقول في: قام غلامي: أغلاماه على قول من لا يلحق إن، ومن ألحق قال: أغلامي إنيه.
وإن كان الساكن تنوينًا، كانت العلامة ياء ساكنة يكسر لها التنوين فتقول في قام زيد: أزيدنيه، وفي أرأيت زيدًا: أزيدنيه، وفي مررت بزيد: أزيدنيه؛ فإن كان آخر الاسم قد حذف لأجل التنوين نحو: رام وعصا؛ فالقياس: أن يكسر التنوين؛ فيعود المحذوف لزوال موجب حذفه، وهو التقاء الساكنين فتقول: أعصانيه، وأرامينيه. وقد يقال: حكمه حكم زيد إبقاء للحكاية فتقول: أعصنيه وأرامنيه، ويجوز أن تزيد (إن) في آخر الكلمة؛ فإن كان آخره غير تنوين زدت (إن) من غير تغيير، ولحقت النون العلامة وهي ساكنة: فيلتقي ساكنان فتكسر نون (إن) لالتقائهما، فيلزم أن تكون العلامة ياء، كما كانت في المنون الذي لم يزد بعده (إن) فتقول: أأحمدنيه.
وإن كان تنوينًا؛ فثلاثة أوجه أحدها: إقرار التنوين ساكنًا، وتحقيق همزة (إن) فتقول: أزيدإنيه.
والثاني: إدغام التنوين في نون (إن) بعد حذف الهمزة فتقول: أزيدنيه، وزعم ابن هشام، وابن أبي الربيع: أن الهمزة حذفت من (إن) ابتداءً، وأدغم التنوين في (إن)، وأقول: إنه نقلت حركة الهمزة إلى التنوين بعد حذفها فصار أزيدنيه، فأدغم النون التي هي للتنوين في نون (إن) كما قالوا في قوله تعالى:[لكنا هو الله ربي] أصله لكن أنا هو الله ربي، فعمل فيه ذلك وأدغم، وقيل ما حكاه أبو زيد من قولهم: أزيدنيه بتشديد النون لم يرد (إن) آخر الكلمة، وإنما ثقل التنوين على حد من وقف على الحرف بالتشديد نحو: سبسبا.
والثالث: نقل حركة الهمزة إلى التنوين بعد حذفها، فصار أزيدننيه بالفك من غير إدغام، وقد تدخل (إن) على ما يصح به المعنى، وإن لم يحك، ومن ذلك
قول بعض العرب، وقد قيل له: أتخرج إن أخصبت البادية؟ فقال: أأنإنيه لما خاطبه، فقال: أتخرج وفيه ضمير المخاطب مستكنًا فلا يبرز، فتلحقه (إن) أدخلها على أنا، ولم يحك كلام السائل، وصح به المعنى، والإنكار الذي أراده، وحكى الجرمي: أجلستاه في جلست رجع إلى الخطاب، كما رجع أأنإنيه إلى المتكلم، قال: وأجلستوه حين حكى حالة اللفظ، وقال سيبويه ومن قال: أذهبتوه قال أأناه يريد أنه تدخل المدة على أنا، وتأويل أبي على القالي على أنه حذف الألف الأولى خطأ بين؛ إذ ألف (أنا) لا تثبت في الوقف، ومن قال: أذهبتوه حكى فيه كلام المتكلم وهو في مثل هذا قليل وقياسه أن يقول: أأنت إنيه؟ لأن الضمير في ذهبت لا ينفصل وكان يكون كقولهم: أأنا إنيه حيث كان الضمير في يخرج لا ينفصل، وعلى هذا تقول في ضربته: أأناهوه، وفي ضربتها أأنا إياها إنيه ولا تقول: أهواه ولا أهياه.
والخلاف الذي في الاسم بعد (من) على قول من يحكي أهو معرب أو لا، جار أيضًا هنا، ومن قال: هو معرب، ولزم الإتيان بالجر فيلزم هنا أيضًا فيقول في: مررت بزيدك أبزيدنيه، وتلحق العلامة آخر الصفة، وآخر المعطوف فتقول في قام زيد الفاضل، وقام زيد وعمرو: أزيد الفاضلوه، وأزيد وعمرنيه، وفي ضرب زيد العاقل عمرا الخبيث: ضرب زيد العاقل عمرًا الخبيثاه.
والإنكار في القول، وفي أجزائه الضرورية من الاسم والفعل دون الحرف؛ إذ هو إنما يكون في الخبر نفسه، أو في نسبه جزء ما إلى غيره.
قيل ولا يبعد أن يكون في الحروف المفيدة معنى نحو: قام زيد ثم عمرو، وإذا أنكرت عليه المهلة، فالقياس يقتضي أن تقول: أثماه فيه نظر.
وإذا فصلت بين الهمزة وبين ما تريد أن تلحقه علامة الإنكار بنحو: أتقول أو بالظرف نحو: اليوم، فتقول لمن قال: قام أحمد أتقول أحمدًا، أو اليوم أحمد؟ لم تلحقه العلامة، فلو صرحت بالعامل في الذي تريد أن تلحقه العلامة جاز لحاقها؛ فتقول: لمن قال: ضربت زيدًا: أضربت زيدنيه، وزعم ابن الطراوة أن حرف الإنكار ما صرح معه بالعامل، وإذا قلت: ضربت زيدًا لم تقل إلا أزيدنيه، ولا يجوز: أضربت زيدنيه، إنما تقول أضربت زيدا، وقد نص سيبويه على جواز: أضربت عمراه، ولم يعتد بالعمل في عمرو فصلاً، وإذا فصلت، أو استفهمت غير منكر، أو متعجب، لم تلحق هذه العلامة، والهاء التي بعد العلامة هاء السكت.
التذكار قطع اللفظ عن تمام المقصود منه بسبب عدم ذكر تمامه في الحال، فيعرض للمتكلم توقف في بعض أجزائه، فجعلوا علمًا له في آخر الكلمة، ليتذكر عندها ما بعدها، ولا يقصد الوقف، فإن قصد لم تلحق العلامة ووقف عليه على ما أحكم في باب الوقف، ثم ما نقف عليه للتذكار إن كان متحركًا، كانت العلامة مدة تجانس الحركات نحو: قالا، ويقولوا، والعامي، ومنا في من ابنك، ومنى في من الرجل في لغة من فتح نون (من) مع ابن، وكسرها مع (أل).
وإن كان ساكنًا حرف مد ولين مكن مده واستغنى بذلك عن إلحاق العلامة،
وقيل تأتي بمدة التذكار فينحذف ما هو من نفس الكلمة؛ إذ حرف التذكار دخل لمعنى، أو حرف لين صحيحًا، فالعلامة ياء ساكنة تقول: هذا سيفنى، وقدى، وألى، واخشى، واسعوى، وكيى، ولوى في سيف، وقد، وأل، واخشى، واسعوا، وكي، ولو، ولا تلي هذه العلامة هاء السكت.