الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أغراض التقديم]:
(وأما تقديمه: ) أى: المسند (فلتخصيصه بالمسند إليه) أى: لقصر المسند إليه على المسند على ما حققناه فى ضمير الفصل؛ لأن معنى قولنا: تميمى أنا- هو أنه مقصور على التميمية لا يتجاوزها إلى القيسية (نحو: لا فِيها غَوْلٌ (1) أى:
بخلاف خمور الدنيا)
…
===
هى أصالته ولا مقتضى للعدول عنه أو كون تقديمه فيه تشويق للمسند والغرض تقريره فى ذهن السامع كما تقدم فى قوله والذى حارت البرية فيه إلخ، أو تعجيل المسرة كقولك: سعد فى دارك، أو تعجيل المساءة كقولك: السفاح فى دار صديقك إلى آخر ما مر تجرى هنا، وهذا الكلام وإن علم مما تقدم لكنه نبه عليه هنا لئلا يوهم أنه أغفله فى بابه، ولم يذكره مع مقابله وهو التقديم.
[تقديم المسند]:
(قوله: أى لقصر إلخ) أشار بذلك إلى أن الباء داخلة على المقصور، وقوله على ما حققناه فى ضمير الفصل أى: من أن الباء بعد الاختصاص الكثير دخولها على المقصور
(قوله: لا يتجاوزها إلى القيسية) أى: فقط وإن تجاوز التميمية إلى غيرها فهو من قصر الموصوف على الصفة قصرا إضافيا
(قوله: نحو لا فيها) أى: ليس فى خمور الجنة (غول) فعدم الغول مقصور على الكون فى خمور الجنة لا يتعداه للكون فى خمور الدنيا والغول بفتح الغين ما يتبع شرب الخمر من وجع الرأس وثقل الأعضاء يقال غاله الشىء واغتاله إذا أخذه من حيث لا يدرى- كذا فى الصحاح، ثم إن جعل التقديم فى الآية للتخصيص يقتضى أن هنا مسوغا للابتداء بالنكرة غير التقديم؛ لأن إفادة القصر فى نحو ذلك مقيدة بأن يصح الابتداء بدون التقديم على ما يأتى والنفى حيث جعل للعدول فى المحمول لا يسوغ الابتداء بالنكرة، وحينئذ فالمسوغ للابتداء جعل التنوين للتنويع لا كون المبتدأ مصدرا؛ لأن ذلك مخصوص بالدال على تعجب أو دعاء فإذا جعل المسوغ
(1) الصافات: 47.
فإن فيها غولا، فإن قلت: المسند هو الظرف؛ أعنى: فيها، والمسند إليه ليس بمقصور عليه بل على جزء منه؛ أعنى: الضمير المجرور الراجع إلى خمور الجنة- قلت المقصود أن عدم الغول مقصور على الاتصاف بفى خمور الجنة لا يتجاوزه إلى الاتصاف بفى خمور الدنيا. وإن اعتبرت النفى فى جانب المسند
…
===
التنويع صح الابتداء وكان التقديم حينئذ واردا للحصر وهذا ظاهر إذا اعتبر العدول فى المحمول، وإن اعتبر العدول فى المحمول، وإن اعتبر بالنسبة للموضوع كان المسوغ كونه فى تأويل المضاف أى: عدم الغول
(قوله: فإن فيها غولا) المناسب لما يأتى من الجواب أن يقول فإن الكون فيها غول، لكنه جارى كلام المصنف
(قوله: فإن قلت إلخ) هذا وارد على قول المصنف بخلاف خمور الدنيا المفيد أن القصر إنما هو على جزء المسند الذى هو الضمير العائد على خمور الجنة وخلافه خمور الدنيا.
(قوله: بل على جزء منه) أى: وإذا كان كذلك فلا يصح التمثيل بهذه الآية لما إذا كان التقديم لقصر المسند إليه على المسند
(قوله: قلت) جواب بمنع قوله على جزء منه
(قوله: المقصود) أى: مقصود المصنف وإن كان هذا خلاف ظاهر كلامه
(قوله: على الاتصاف بفى خمور الجنة) أى: مقصور على الكون والحصول فى خمور الجنة فالمقصور عليه هو المتعلق؛ لأن الحكم الثابت للظرف إنما يثبت له باعتبار متعلقه ولم يصرح الشارح بالمتعلق لظهوره، وذكر الاتصاف إشارة إلى أنه من قصر الموصوف على الصفة فعدم الغول موصوف والصفة التى قصر عليها هى الكون فى خمور الجنة، ووجه الإشارة أن قصر الموصوف على الصفة معناه قصره على الاتصاف بها فصرح بالاتصاف إشارة لذلك
(قوله: لا يتجاوزه إلى الاتصاف إلخ) أى: لا يتجاوزه إلى الكون فى خمور الدنيا أى: وإن تجاوزه لغيره من المشروبات كاللبن والعسل، وأشار الشارح بقوله لا يتجاوزه إلخ إلى أنه قصر إضافى لا حقيقى.
(قوله: وإن اعتبرت إلخ) عطف على مقدر أى: وهذا إن اعتبرت النفى فى جانب المسند إليه وجعلته جزءا منه وإن اعتبرت إلخ أى: أن ما ذكر من أن المعنى أن عدم الغول مقصور على الاتصاف بكونه فى خمور الجنة لا يتعداه إلى الاتصاف بكونه
فالمعنى مقصور على عدم الحصول فى خمور الجنة لا يتجاوزه إلى عدم الحصول فى خمور الدنيا؛
…
===
فى خمور الدنيا إن اعتبرت النفى الذى هو لا فى جانب المسند إليه المؤخر أى: إن اعتبرته جزءا منه، وأما إن اعتبرت النفى فى جانب المسند المقدم أى: جزءا منه فالمعنى إلخ، والحاصل أن القضية موجبة معدولة الموضوع على الأول ومعدولة المحمول على الثانى وليست سالبة، واعترض اعتبار العدول فى الموضوع مع انفصال حرف السلب بأنه لو جاز لجاز كونه جزءا من المسند فى ما أنا قلت هذا فلا يتحقق فرق بينه وبين أنا ما قلت هذا، وقد تقدم أن الحق وجود الفرق بينهما وقد يجاب بأن الظرف يتوسع فيه أكثر من غيره، وحينئذ فلا يضر الفصل به بين حرف السلب والموضوع وإنما ارتكب هذا العدول فى القضية ولم تجعل سالبة محضة لئلا يرد أنه إذا كان تقديم المسند فى الآية للحصر كان معناها نفى حصر الغول فى خمور الجنة لا نفى الغول عنها؛ وذلك لأن النفى إذا أورد فى كلام فيه قيد أفاد نفى القيد فعلى هذا يفيد النفى نفى القصر المفاد بقيد التقديم لا ثبوته، وقد يقال: لا داعى لذلك؛ لأن النفى قد يتوجه إلى أصل الثبوت مع رجوع القيد إلى النفى كما تقدم فى قوله تعالى: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (1) فالنفى لأصل الظلم مقيدا ذلك النفى بالمبالغة فى تحققه، وليس النفى مسلطا على المبالغة فى الظلم وكما فى قوله تعالى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (2) فهو لتأكيد نفى ثبوت الإيمان لا لنفى تأكيد الثبوت الذى كان أصلا فى الجملة الاسمية فعلى هذا يصح ألا يعتبر العدول فى الآية ويفيد الكلام النفى المقيد بالقصر لا نفى القصر- أفاده العلامة اليعقوبى.
(قوله: فالمعنى أن الغول مقصور على عدم الحصول فى خمور الجنة) أى: مقصور على الاتصاف بعدم حصوله فى خمور الجنة فهو من قصر الموصوف وهو الغول على الصفة التى هى عدم الحصول فى خمور الجنة
(قوله: لا يتجاوزه إلى عدم الحصول إلخ) أى: لا يتجاوزه إلى اتصافه بعدم حصوله فى خمور الدنيا أى: وإن تجاوزه إلى الاتصاف
(1) فصلت: 46.
(2)
البقرة: 8.
فالمسند إليه مقصور على المسند قصرا غير حقيقى، وكذا القياس فى قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (1) ونظيره ما ذكره صاحب المفتاح فى قوله تعالى: إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي (2) من أن المعنى: حسابهم مقصور على الاتصاف بعلى ربى لا يتجاوزه إلى الاتصاف بعلى؛ فجميع ذلك من قصر الموصوف على الصفة دون العكس كما توهمه بعضهم (ولهذا) أى ولأن التقديم يفيد التخصيص (لم يقدم الظرف) الذى هو المسند على المسند إليه (فى: لا رَيْبَ فِيهِ)(3) ولم يقل: لا فيه ريب
…
===
بكونه مذموما مثلا وبكونه حاصلا فى خمور الدنيا
(قوله: فالمسند إليه مقصور على المسند قصرا غير حقيقى) أى: على كلا الاحتمالين أعنى اعتبار النفى جزءا من المسند إليه أو من المسند قوله: لَكُمْ دِينُكُمْ أى: أن دينكم مقصور على الاتصاف بكونه لكم لا يتجاوزه إلى الاتصاف بكونه لى ودينى مقصور على الاتصاف بكونه لى لا يتجاوزه إلى الاتصاف بكونه لكم وهذا لا ينافى أنه يتصف به أمته المؤمنون فهو قصر إضافى.
(قوله: ونظيره) أى: فى كونه قصر موصوف على صفة فى باب الظرف لا نظيره فى التقديم؛ لأن المسند فيه مؤخر على الأصل والحصر جاء من النفى وإلا لأمن التقديم
(قوله: حسابهم مقصور على الاتصاف) أى: على اتصافه بكونه على ربى
(قوله: لا يتجاوزه إلى الاتصاف بعلى) ضمير المتكلم راجع له- عليه الصلاة والسلام وخص بذلك مع أن غيره مثله؛ لأنه هو الذى يتوهم كون الحساب عليه لكونه تصدى للدعوة إلى الله وللجهاد وفى نسخة لا يتجاوزه إلى الاتصاف بعلى غير ربى وهى واضحة؛ لأن الاتصاف بعلى غير ربى غير ثابت فى الواقع سواء فى ذلك الغير النبى- عليه الصلاة والسلام وغيره
(قوله: فجميع ذلك) أى: جميع الأمثلة المذكورة فى المتن والشرح
(قوله: من قصر الموصوف) وهو الغول ودينكم ودينى وحسابهم، وقوله على الصفة:
وهى الكون فى خمور الجنة والكون لكم ولى والكون على ربى
(قوله: دون العكس) أى: لأن الحمل على العكس يستدعى جعل التقديم لقصر المسند على المسند إليه والقانون أنه لقصر المسند إليه على المسند
(قوله: كما توهمه بعضهم) وهو العلامة
(1) الكافرون: 6.
(2)
الشعراء: 113.
(3)
البقرة: 2.
===
الخلخالى فتوهم أن القصر فى قوله تعالى: لا فِيها (1)(غول) من قصر الصفة على الموصوف، والمعنى أن الكون فى خمور الجنة وصف مقصور على عدم الغول لا يتعداه إلى الغول، وهذا القصر إضافى لا حقيقى حتى يلزم أنه ليس لخمورها صفة إلا عدم الغول مع أن له صفات أخر كالسلامة والراحة، قال: وقد ورد ذلك القصر فى قول على- رضى الله عنه-:
رضينا قسمة الجبّار فينا
…
لنا علم وللأعداء مال (2)
فإنه قصر الصفة على الموصوف أى: أن الحال الذى لنا مقصور على العلم لا يتجاوزه للمال، والحال الذى للأعداء مقصور على المال لا يتجاوزه إلى العلم ويرد عليه أن الكلام مع من يعتقد أن الغول فى خمور الجنة كخمور الدنيا لا مع من يعتقد أن الاتصاف بعدم الحصول فى خمور الجنة محقق للغول ولغيره من الراحة والصحة أو لغيره فقط وبأن التقديم عندهم موضوع لقصر المسند إليه على المسند لا لقصر المسند على المسند إليه كما هو مقتضى كلام ذلك البعض، ولا يرد على هذا بيت علىّ فإن قصر المسند فيه على المسند إليه لم يستفد من تقديم المسند وإنما استفيد من معونة المقام والنزاع بين الشارح وغيره إنما هو فى أن القصر المسند على المسند إليه هل يستفاد من نفس التقديم بطريق الوضع أو من معونة المقام، والحق ما ذكره الشارح من أن قصر الصفة على الموصوف لا يستفاد من التقديم؛ لأن التقديم ليس موضوعا لذلك، وإنما يستفاد من معونة المقام، فإن أراد ذلك البعض أن التقديم فى الآية مفيد لذلك الحصر بمعونة المقام كان كلامه صحيحا، وإن أراد أنه مفيد لذلك وضعا كان غير صحيح، ثم إن قول الشارح: كما توهمه بعضهم ظاهره إن ذلك البعض توهم ذلك العكس فى جميع الأمثلة السابقة وليس كذلك، إذ هو لا يظهر فى قوله تعالى: إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي (3) إذ لا يصح قصر الكون على ربى فى حسابهم.
(1) الصافات: 47.
(2)
البيت من الوافر وهو فى ديوانه ص 96.
(3)
الشعراء: 113.
(لئلا يفيد) تقديمه عليه (ثبوت الريب فى سائر كتب الله تعالى) بناء على اختصاص عدم الريب بالقرآن، وإنما قال: فى سائر كتب الله تعالى لأنه المعتبر فى مقابلة القرآن كما أن المعتبر فى مقابلة خمور الجنة هى خمور الدنيا لا مطلق المشروبات وغيرها. (أو التنبيه) عطف على: تخصيصه؛ أى: تقديم المسند للتنبيه
…
===
(قوله: لئلا يفيد إلخ) فيه نظر؛ لأنه يقتضى أن التقديم يفيد الثبوت المذكور من حيث إن التقديم يفيد الحصر مع أنه لا يلزم أن يكون لإفادة الحصر، بل ذلك هو الغالب كما سيأتى فى كلام المصنف فالأولى لئلا يتوهم ثبوت الريب بتقديمه نظرا إلى أن الغالب فيه الحصر، وأجيب بأن المراد لئلا تتوهم الإفادة المذكورة أو لئلا يفيد توهم ذلك الأمر فالكلام على حذف المضاف، أو المراد لئلا يفيد ذلك إذا فهم الكلام على مقتضى الغالب فى التقديم وهو الاختصاص، وقوله لئلا يفيد إلخ علة للنفى أى: انتفى التقديم للظرف لأجل انتفاء الإفادة المبنية على إفهام اختصاص عدم الريب بالقرآن لو قدم الظرف
(قوله: فى سائر) أى: باقى من السور وهو البقية أى: أن مع الريب منتف عنها؛ لأن المراد بالريب هنا كونها مظنة له لا بالفعل لوقوعه فى القرآن بخلاف الكون مظنة له، فإنه منتف عن سائر كتب الله لما فيها من الإعجاز بنحو الإخبار عن المغيبات
(قوله: بناء على اختصاص إلخ) علة لقوله يفيد ثبوت الريب، وفى الكلام حذف مضاف أى بناء على إفهام اختصاص إلخ أى: لو قدم الظرف وإفهامه ذلك بالنظر للغالب وإلا فقد يقدم ولا يفيد القصر بأن كان التقديم هو المسوغ للابتداء بالنكرة حيث لم يوجد مسوغ سوى ذلك التقديم، فقول الشارح بناء على اختصاص بمنزلة قولنا بناء على الغالب- فتأمل.
(قوله: وإنما قال فى سائر كتب الله تعالى) أى: ولم يقل فى سائر الكتب
(قوله: فى مقابلة القرآن) أى: دون سائر الكتب؛ لأن التخصيص إنما هو باعتبار النظير الذى يتوهم فيه المشاركة وهو هنا باقى الكتب السماوية فقط دون كل كتاب غيرها، فإنه لا يتوهم فيه المشاركة فالحصر إضافى
(قوله: كما أن المعتبر إلخ) أى: ولذلك قال الشارح فى مفاد لا فِيها غَوْلٌ: إن عدم الغول مخصوص بخمور الجنة دون خمور الدنيا؛ فإنه
(من أول الأمر على أنه) أى: المسند (خبر لا نعت) إذ النعت لا يتقدم على المنعوت، وإنما قال: من أول الأمر لأنه ربما يعلم أنه خبر لا نعت بالتأمل فى المعنى والنظر إلى أنه لم يرد فى الكلام خبر للمبتدأ (كقوله:
له همم لا منتهى لكبارها
…
وهمّته الصّغرى أجلّ من الدّهر (1)
…
===
فيها، ولم يقل دون سائر المشروبات وغيرها من المطعومات
(قوله: من أول الأمر) أى:
فى أول أزمان إيراد الكلام
(قوله: لا نعت) أى: بخلاف لو أخر فإنه ربما يظن أنه نعت وأن الخبر سيذكر
(قوله: إذ النعت لا يتقدم على المنعوت) بخلاف الخبر مع المبتدأ، فإنه يتقدم فلو أخر ذلك المسند لربما ظن أنه نعت، واعترض بأنهم لم يقدموا المسند فى نحو:
زيد القائم للعلم من أول الأمر بأنه خبر، وأجيب بأن مثل هذا إذا قدم كان هو المسند إليه؛ لأن الحكم بابتدائية المقدم من المستويين تعريفا واجب فالمسند إنما يقدم على المسند إليه إذا كان المسند إليه نكرة إن قلت ارتكابهم ذلك فى المنكر دون المعرف يحتاج إلى نكتة قلت قد يقال: إن حاجة النكرة إلى النعت أشد من حاجتها إلى الخير فهى تطلب النعت طلبا حثيثا، فإذا أخر المسند بعدها توهم أنه نعت بخلاف ما لو تقدم، فإنه لا يتوهم ذلك؛ لأن النعت لا يتقدم على المنعوت، وبالجملة فالتقديم فى خبر النكرة بمنزلة ضمير الفصل فى خبر المعرفة فى أن كلا منهما معين للخبرية
(قوله: لا يتقدم على المنعوت) أى: بوصف كونه نعتا وإلا فنعت المعرفة يتقدم عليها ويعرب بحسب العوامل، كما أن نعت النكرة يتقدم عليها ويعرب حالا.
(قوله: لأنه ربما يعلم أنه خبر) أى: مع التأخير
(قوله: بالتأمل فى المعنى) أى:
ويعلم بغير ذلك أيضا ككون المذكور لا يصلح للنعتية لكونه نكرة والجزء الآخر المتقدم معرفة، فالشارح لم يرد الحصر
(قوله: والنظر إلى أنه لم يرد فى الكلام خبر) أى: بعده فيفهم السامع أن غرض المتكلم به الإخبار لا النعت
(قوله: كقوله) أى: قول حسان بن ثابت فى مدح النبى- صلى الله عليه وسلم وبعد البيت المذكور.
(1) البيت من الطويل فى الإيضاح/ 107 تحقيق د/ عبد الحميد هنداوى، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 78 وقيل إنه لحسان بن ثابت.
حيث لم يقل: همم له. (أو التفاؤل) نحو: سعدت بغرّة وجهك الأيّام
===
له راحة لو أنّ معشار جودها
…
على البرّ كان البرّ أندى من البحر (1)
والهمم جمع همة وهى الإرادة المتعلقة بمراد ما على وجه العزم، فإن كان ذلك المراد من معالى الأمور كانت علية، وإن كان من سفاسفها فهى دنيئة، وقوله لا منتهى لكبارها أى: لا آخر لكبارها بمعنى أنه لا يحاط بكبارها ولا يحصيها عدد والصغرى منها أجل باعتبار متعلقها من الدهر، والحاصل أن هممه- عليه الصلاة والسلام كلها علية لكن بعضها أعلى من بعض باعتبار متعلقها فهمته المتعلقة بفتح مكة، أو غزوة بدر، أو أحد مثلا أعظم من همته المتعلقة بغزوة هوازن، وهمته الصغرى أجل باعتبار متعلقها من همم الدهر أى: باعتبار متعلقها من الدهر الذى كانت العرب تضرب بهممه المثل؛ لأنه لوقوع العظائم فيه كأن له همما تتعلق بتلك العظائم فالصغرى أجل من الدهر نفسه فضلا عن هممه، أو فى الكلام حذف مضاف أى: أجل باعتبار متعلقها من همم الدهر أى: باعتبار متعلقها أو الكلام على حذف مضافين أى: أجل من همم أهل الدهر غيره- عليه السلام وإنما قلنا باعتبار متعلقها؛ لأن الهمة هى الإرادة ولا تفاوت فيها باعتبار نفسها
(قوله: حيث لم يقل همم له) أى: لخوف توهم أن له صفة لهممهم، وقوله لا منتهى لكبارها: خبر لها أو صفة بعد صفة والخبر محذوف وكلاهما خلاف المقصود وهو إثبات الهمم الموصوفة له- عليه الصلاة والسلام لا إثبات الصفة المذكورة لهممه ولا إثبات صفة أخرى للهمم الموصوفة؛ لأنه حينئذ يكون الكلام مسوقا لمدح هممه- عليه السلام لا لمدحه- عليه السلام قاله عبد الحكيم، فقدم له للتنبيه من أول الأمر على أنه خبر لا نعت
(قوله: أو التفاؤل) هو سماع المخاطب من أول وهلة ما يسر
(قوله: سعدت إلخ)(2) تمامه:
(1) البيت من الطويل وهو لحسان بن ثابت فى مدح الرسول فى شرح عقود الجمان للمرشدى/ 123.
وقبله
(له همم لا منتهى لكبارها
…
وهمته الصغرى أجل من الدهر)
والبيت الأخير فى الإيضاح/ 107 بتحقيق د/ عبد الحميد هنداوى، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإرشادات ص 78، وقيل إنه لحسان بن ثابت، والصحيح أنه لبكر بن النطاح فى مدح أبى دلف.
(2)
مطلع بيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى شرح عقود الجمان/ 124.
والبيت بتمامه:
(سعدت بغرّة وجهك الأيام
…
وتزيّنت ببقائك الأعوام)
(أو التشويق إلى ذكر المسند إليه) بأن يكون فى المسند المتقدم طول يشوق النفس إلى ذكر المسند إليه؛ فيكون له وقع فى النفس ومحل من القبول؛ لأن الحاصل بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب (كقوله: ثلاثة)(1) هذا هو المسند المتقدم الموصوف بقوله: (تشرق)
…
===
وتزيّنت ببقائك الأعوام
لا يقال هذا المسند فعل يجب تقديمه على فاعله فليس تقديمه للتفاؤل، إذ لا يقال فى المسند قدم لغرض كذا إلا إذا كان جائز التأخير على المسند إليه؛ لأنا نقول التمثيل مبنى على مذهب الكوفيين المجوزين لتقديم الفاعل على الفعل، أو يقال: إن الفعل هنا يجوز تأخيره فى تركيب آخر بأن يقال: الأيام سعدت بغرة وجهك على أنه من باب الإخبار بالجملة لا على أن يكون فعلا فاعله تقدم عليه، فتقديم سعدت فى هذا التركيب المؤدى إلى كون المسند إليه فاعلا مع صحة تأخيره باعتبار تركيب آخر لأجل ما ذكر من التفاؤل بخلاف لو أخر سعدت بالنظر للتركيب الآخر فلا يكون فيه تفاؤل لما علمته من معنى التفاؤل، وقول سم: إن التفاؤل لا يتوقف على التقديم- فيه نظر.
(قوله: أو التشويق) أى: للسامعين
(قوله: طول) أى: بسبب اشتماله على وصف أو أوصاف متعلقة بالمسند إليه
(قوله: كقوله) أى: قول الشاعر وهو محمد بن وهيب فى مدح المعتصم بالله (2)
(قوله: هذا هو المسند) إنما لم يكن هو المسند إليه مع أنه مخصص بالوصف لما يلزم عليه من الابتداء بنكرة والإخبار بمعرفة، وقد مر أنه لم يوجد فى كلامهم الإخبار بمعرفة عن نكرة فى غير الإنشاء نعم يجوز كونه خبر مبتدأ محذوف وشمس الضحى إلخ بدل منه لكنه تكلف. اهـ يس.
(1) البيت من البسيط، وهو لمحمد بن وهيب فى مدح المعتصم، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 79، وفى الأغانى 19/ 79، 81، وبلا نسبة فى تاج العروس (شرق).
(2)
مدح الشاعر المعتصم بالله بقوله:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها
…
شمس الضحى وأبو إسحق والقمر)
والبيت من البسيط، وهو فى الإيضاح 107 وهو لمحمد بن وهيب فى مدح المعتصم، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات 79، وفى الأغانى 19/ 79، 81، وبلا نسبة فى تاج العروس (شرق).
من: أشرق بمعنى: صار مضيئا (الدنيا) ففاعل تشرق والعائد إلى الموصوف- هو الضمير المجرور فى: (ببهجتها) أى: بحسنها ونضارتها؛ أى: تصير الدنيا منورة ببهجة هذه الثلاثة وبهائها، والمسند إليه المتأخر هو قوله:(شمس الضحى وأبو إسحق والقمر).
تنبيه: (كثير مما ذكر فى هذا الباب) يعنى: باب المسند (والذى قبله) يعنى:
باب المسند إليه (غير مختص بهما؛ كالذكر، والحذف، وغيرهما) من: التعريف، والتنكير، والتقديم، والتأخير، والإطلاق، والتقييد، وغير ذلك مما سبق،
…
===
(قوله: من أشرق إلخ) أشار بذلك إلى بيان معنى الفعل وإلى ضبطه بضم أوله احترازا عن كونه من شرق بمعنى طلع فيكون مفتوح الأول
(قوله: بمعنى صار مضيئا) إنما عبر بمعنى إشارة إلى أن المراد بأشرق المأخوذ منه صار مضيئا إلا أنه من أشرق بمعنى دخل فى وقت الشروق وإنما لم يقل بمعنى أضاء للمبالغة أى: أن الدنيا كانت مظلمة ثم صارت مضيئة عند وجود من ذكر بخلاف التعبير بأضاء، فإنه وإن أفاد التجدد إلا أنه يحتمل المفارقة، ويحتمل عدمها بخلاف صار فإنها مفيدة للانتقال والدوام بعده- كذا قرره شيخنا العدوى.
(قوله: فاعل تشرق) أى: لا ظرف لتشرق كما قال بعضهم؛ لأن جعله فاعلا أبلغ
(قوله: والعائد إلى الموصوف) أى: والرابط للموصوف النكرة بالجملة الواقعة صفة هو الضمير إلخ
(قوله: وبهائها) عطف على البهجة مفسر لها
(قوله: شمس الضحى) أضاف شمس إلى الضحى؛ لأنه ساعة قوتها مع عدم شدة إيذائها
(قوله: وأبو إسحق) كنية للمعتصم بالله الممدوح وفى توسطه بين الشمس والقمر إشارة لطيفة وهو أنه خير منهما؛ لأن خير الأمور أوسطها وإنهما كالخدم له بعضهم متقدم وبعضهم متأخر عنه ولما فيه من إيهام تولده من الشمس والقمر وأن الشمس أمه والقمر أبوه
(قوله: كثير مما ذكر) أى: كثير من الأحوال المذكورة فى هذا الباب.
(قوله: غير مختص بهما) بل يكون الكثير فى المفعول به وفى الحال والتمييز والمضاف إليه
(قوله: كالذكر إلخ) مثال للكثير
(قوله: وغير ذلك) أى: كالإبدال
وإنما قال: كثير لأن بعضها مختص بالبابين؛ كضمير الفصل المختص بما بين المسند إليه والمسند، وككون المسند فعلا فإنه مختص بالمسند إذ كل فعل مسند دائما، وقيل: هو إشارة إلى أن جميعها لا يجرى فى غير البابين؛ كالتعريف فإنه لا يجرى فى الحال والتمييز، وكالتقديم فإنه لا يجرى فى المضاف إليه؛ وفيه نظر؛ لأن قولنا: جميع ما ذكر فى البابين غير مختص بهما- لا يقتضى أن يجرى شىء من المذكورات فى كل واحد من الأمور التى هى غير المسند إليه والمسند؛
…
===
والتأكيد والعطف
(قوله: وإنما قال كثير) أى: ولم يقل جميع
(قوله: لأن بعضها) أى:
بعض الأحوال وهو غير الكثير مختص بالبابين، فلو قال جميع ما ذكر غير مختص بالبابين ورد عليه ضمير الفصل وكون المسند فعلا؛ لأن نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية
(قوله: كضمير الفصل) أى: فإنه مختص بالنسبة التى بين المسند والمسند إليه فقول الشارح المختص بما بين إلخ أى: بالحكم الذى بين إلخ أو بالمكان الذى بينهما، وفى بعض النسخ المختص ببابى تثنية باب
(قوله: فإنه) أى: الكون فعلا
(قوله: إذ كل فعل مسند دائما) أى: ما لم يكن مكفوفا بما كقلما وطالما وكثرما فإنها انسلخت عن معنى الفعلية، وصار معنى الأولى النفى والآخرين التكثير وما لم يكن زائدا ككان الزائدة أو مؤكدا لفعل قبله
(قوله: وقيل إلخ) قائله الشارح الزوزنى، وحاصل كلامه أنه إنما عبر المصنف بكثير ولم يعبر بجميع؛ لأنه لو قال وجميع ما ذكر غير مختص بالبابين، بل يجرى فى غيرهما لاقتضى أن كلا مما مضى أى: أن كل فرد من أفراد الأحوال المذكورة يجرى فى كل فرد مما يصدق عليه أنه غير المسند والمسند إليه وهذا غير صحيح لانتفاضه بالتعريف والتقديم؛ لأن كلا منهما لا يجرى فى سائر أفراد الغير، إذ من أفراده الحال والتمييز والمضاف إليه والتعريف لا يجرى فى الحال والتمييز وإن جرى فى المفعول والتقديم وإن جرى فى المفعول لا يجرى فى المضاف إليه فقوله هو أى: لفظ كثير إشارة، وقوله إلى أن جميعها أى: كل فرد منها وقوله لا يجرى فى غير البابين أى: فى كل فرد من أفراد الغير وقوله فإنه لا يجرى فى الحال إلخ أى: وإن جرى فى المفعول، وكذا يقال فى التقديم
(قوله: وفيه نظر) أى: فى هذا القيل نظر، وحاصله أن ما ذكره إنما يصح لو
فضلا عن أن يجرى كل منها فيه إذ يكفى لعدم الإختصاص بالبابين ثبوته فى شىء مما يغايرهما؛ فافهم. (والفطن
…
===
كان معنى قولنا جميع ما ذكر غير مختص بالبابين أى: بل يجرى فى غيرهما أن كل واحد من تلك الأحوال المذكورة فى البابين يجرى فى كل ما يصدق عليه أنه غيرهما حتى ينتقض بالتعريف والتقديم وليس كذلك، بل معناه أن كلا من الأحوال يجرى فى بعض ما يصدق عليه أنه غير البابين؛ لأنه يكفى فى سلب الاختصاص بالبابين عن الجميع تحقق كل منها فى بعض ما يصدق عليه الغير وهذا المعنى المذكور لا يقتضى أن فردا واحدا من الأحوال يجرى فى كل ما يصدق عليه أنه غير البابين فضلا عن جريان كل واحد من الأحوال فى كل ما يصدق عليه أنه غير البابين غاية الأمر أنه يرد على ذلك المعنى ضمير الفصل وكون المسند فعلا، وهذا هو الذى حمل المصنف على العدول عن جميع إلى كثير كما قال الشارح هذا ملخص تنظير الشارح، والحاصل أن الزوزنى حمل غير البابين على كل ما يصدق عليه أنه غيرهما فقال ما قال فرده الشارح بما حاصله أن المراد الغير فى الجملة فليس الحامل على العدول عن جميع إلى كثير ما ذكره الزوزنى، بل ما ذكرته أنا بقولى وإنما قال كثير؛ لأن بعضها مختص بالبابين إلخ.
(قوله: فضلا عن أن يجرى كل منها) أى: من الأحوال، وقوله فيه أى: فى كل فرد مما يصدق عليه أنه غير البابين، قال السيرامى: وفضلا مفعول مطلق من فضل بمعنى زاد يقال زيد لا يجود بدرهم فضلا عن الدنيا أى: إن عدم إعطائه الدرهم أمر زائد على عدم إعطائه الدينار؛ لأنه يمتنع أولا عن إعطاء الدينار، ثم عن إعطاء الدرهم فعن الواقعة بعدها إما بمعنى على أو للتجاوز وتستعمل بين كلامين مختلفين إيجابا وسلبا بعد انتفاء الأدنى ليلزم انتفاء الأعلى بالطريق الأولى- قال سم- فى قوله فضلا إلخ: إشارة إلى أن مراد هذا القيل أنه لو عبر بقوله جميع ما ذكر فى البابين غير مختص بهما لأفاد أن كل واحد مما ذكر يجرى فى كل واحد من غيرهما
(قوله: إذ يكفى لعدم الاختصاص) أى:
عدم اختصاص كل فرد من أفراد الأحوال المتقدمة بالبابين، وقوله ثبوته أى: ثبوت كل واحد مما ذكر من الأحوال وقوله فى شىء مما يغايرهما أى: مما يغاير المسند إليه والمسند
إذا أتقن اعتبار ذلك فيهما) أى: فى البابين (لا يخفى عليه اعتباره فى غيرهما) من المفاعيل، والملحقات بها، والمضاف إليه.
===
ولو كان ذلك واحدا كالمفعول به
(قوله: إذا أتقن اعتبار ذلك) أى: الكثير
(قوله: لا يخفى عليه اعتباره إلخ) أى: فإذا علم مما تقدم مثلا أن تعريف المسند إليه بالعلمية لإحضاره فى ذهن السامع باسم مختص به حيث يقتضيه المقام كما إذا كان المقام مقام مدح، فأريد إفراده لئلا يخالج قلب السامع غير الممدوح من أول وهلة عرف أن المفعول به يعرف بالعلمية لذلك كقولك خصصت زيدا بالثناء لشرفه على أهل وقته وإذا عرف مما تقدم أن الحذف لضيق المقام بسبب الوزن أو الضجر والسآمة عرف أن حذف المفعول به كذلك وإذا عرف أن الإبدال من المسند إليه لزيادة تقرير النسبة الحكمية عرف أن الإبدال من المفعول به لزيادة تقرير النسبة الايقاعية كقولك: أكرمت زيدا أخاك، وقس على ذلك- والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.