الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(" ولا رأى منى" أى: العورة، وإما لنكتة أخرى) كإخفائه، أو التمكن من إنكاره إن مست إليه حاجة، أو تعينه حقيقة أو ادعاء، ونحو ذلك.
[أغراض تقديم المتعلقات على الفعل]:
(وتقديم مفعوله) أى: مفعول الفعل (ونحوه) أى نحو المفعول
…
===
ولا رأى منى" (1) أى: ما رأيت منه العورة ولا رآها منى ويمكن أن الحذف هنا إشارة لتأكيد الأمر بستر العورة حسا من حيث إنه قد ستر لفظها على السامع ليكون الستر اللفظى موافقا للستر الحسى
(قوله: كإخفائه) أى: خوفا عليه كأن يقال الأمير يحب ويبغض عند قيام قرينة عند المخاطب دون بعض السامعين على أن المراد يحبنى ويبغض ذلك الحاضر فيحذف المتكلم المفعول خوفا على نفسه أن يؤذى بنسبة محبة الأمير إليه أو خوفا على ذلك الحاضر بسبب نسبة بغض الأمير إليه فقد دعت الحاجة للحذف
(قوله: أو التمكن من إنكاره) أى: كأن يقال: لعن الله وأخزى ويراد زيد عند قيام القرينة، فيحذف المتكلم ذلك المفعول ليتمكن من الإنكار إن نسب إليه لعن زيد وطولب بموجبه؛ لأن الإنكار مع القرينة المجردة أمكن من الإنكار عند التصريح
(قوله: إن مسّت إليه) أى: إلى ما ذكر من الإخفاء والإنكار
(قوله: أو تعينه حقيقة) كما يقال نحمد ونشكر أى: الله تعالى لتعين أنه المحمود المشكور حقيقة
(قوله: أو ادعاء) أى: كما يقال نخدم ونعظم، والمراد الأمير لادعاء تعينه وأنه لا يستحق ذلك فى البلد غيره.
(قوله: ونحو ذلك) أى: كإبهام صونه عن اللسان كقولك: نمدح ونعظم وتريد محمدا- صلى الله عليه وسلم عند قيام القرينة وكإبهام صون اللسان عنه كقولك: لعن الله وأخزى الشيطان عند قيام القرينة، واعلم أن الاختصار لازم للحذف لهذه الأوجه سواء قصد أو لم يقصد، وحينئذ فيصح أن يكون الحذف فيما ذكر له والنكات لا تتزاحم.
(قوله: وتقديم مفعوله إلخ) هذا هو المطلب الثانى من مطالب هذا الباب أى: أن من أحوال متعلقات الفعل تقديم معمول الفعل عليه من مفعول به أو جار ومجرور أو ظرف أو حال أو نحو ذلك كالمفعول له ومعه.
(1) سبق تخريجه.
من الجار والمجرور، والظرف، والحال، وما أشبه ذلك (وعليه: ) أى: على الفعل
…
===
وفيه: وإنما زاد المصنف ونحوه؛ لأن المراد بالمفعول عند الإطلاق المفعول به فيحتاج لزيادة ونحوه لإدخال المجرور والحال وباقى المفاعيل وإنما لم يعبر بمعموله ويستغنى عن قوله ونحوه؛ لأن الكلام السابق مفروض فى المفعول؛ لأنه الأصل فى المعمولية ولم يقل وتقديمه مع أن المقام مقامه ليتضح ضمير عليه المتعلق بتقديم
(قوله: من الجار والمجرور إلخ) نحو: فى الدار صليت، وعند زيد جلست وراكبا جئت
(قوله: وما أشبه ذلك) أى: من جميع معمولات الفعل التى يجوز تقديمها على الفعل كالمفعول له ومعه وفيه والتمييز على ما فيه، وخرج بقولنا التى يجوز إلخ الفاعل؛ فإنه لا كلام لنا فيه؛ لأنه عند تقديمه لا يكون معمولا للفعل، بل مبتدأ.
(قوله: لرد الخطأ) من إضافة المصدر لمفعوله أى: لرد المتكلم خطأ المخاطب فى اعتقاده تعيين مفعول الفعل ونحوه، فيكون القصر قصر قلب كما يصرح به قوله لمن اعتقد إلخ، وليس المراد لرد الخطأ فى قصر التعيين؛ وذلك لأن قصر التعيين إنما يلقى لمن لا حكم عنده؛ لأنه إنما يلقى للمتردد كما يأتى ومن لا حكم عنده لا ينسب إليه الخطأ؛ لأنه من أوصاف الحكم
(قوله: وأصاب فى ذلك) أى: فى اعتقاده المعرفة لإنسان ما وقوله وأعتقد أى: مع ذلك الاعتقاد الأول
(قوله: وتقول لتأكيده) أى: إذا لم يكتف المخاطب بالرد الأول
(قوله: أى تأكيد هذا الرد) أى: المسمى بقصر القلب.
(قوله: لا غيره) إنما كان تأكيدا له؛ لأن منطوقه موافق لمفهوم زيدا عرفت.
وفى الأطول وتقول فى تأكيده أى: تأكيد هذا التقديم لا تأكيد رد الخطأ؛ لأن المؤكد فى المتعارف هو المفيد للأول لا مفاده ألا ترى أنك تجعل فى جاء زيد زيد الثانى تأكيدا للأول فلا يغرنك قول الشارح المحقق أى: تأكيد هذا الرد
(قوله: وقد يكون) أى: تقديم المفعول على الفعل، وقد هنا للتحقيق لا للتقليل أى: أن التقديم يكون لرد الخطأ فى الاشتراك تحقيقا، وأشار الشارح بهذا الاعتراض على المصنف حيث إن التقديم يفيد قصر القلب ولم يذكر إفادته لقصر الأفراد مع أنه قد يفيده والاقتصار على ذكر
(لرد الخطأ فى التعيين كقولك: زيدا عرفت- لمن اعتقد أنك عرفت إنسانا) وأصاب فى ذلك (و) اعتقد (أنه غير زيد) وأخطأ فيه (وتقول لتأكيده: ) - أى: تأكيد هذا الرد- زيدا عرفت (لا غيره) وقد يكون لرد الخطأ فى الاشتراك كقولك: زيدا عرفت- لمن اعتقد أنك عرفت زيدا وعمرا، وتقول لتأكيده: زيدا عرفت وحده، وكذا فى نحو: زيدا أكرم وعمرا لا تكرم أمرا ونهيا، فكان الأحسن أن يقول: لإفادة الاختصاص (ولذلك) أى: ولأن التقديم لرد الخطأ فى تعيين المفعول
…
===
الشىء فى مقام البيان يفيد الحصر
(قوله: لرد الخطأ فى الاشتراك) أى: لرد المتكلم خطأ المخاطب فى اعتقاده الاشتراك فى مفعول الفعل ويسمى ذلك الرد بقصر الأفراد
(قوله: وتقول لتأكيده) أى: لتأكيد ذلك الرد إن لم يكتف المخاطب بالرد المذكور
(قوله: زيدا عرفت وحده) أى: لا مشاركا بفتح الراء كما تعتقد، وإنما كان وحده مؤكدا؛ لأن منطوقه موافق لمفهوم زيدا- عرفت.
وترك المصنف والشارح بيان إفادة التقديم قصر التعيين مع أنه يفيده كما يستفاد من المطول، كأن تقول: زيدا عرفت لمن اعتقد- أنك عرفت إنسانا، ولكنه جاهل لعينه وشاك فى ذلك
(قوله: وكذا فى نحو: زيدا أكرم إلخ) أشار بذلك إلى أن رد الخطأ فى قصرى القلب والأفراد كما يكون فى الإخبار يكون فى الإنشاء فنحو: زيدا أكرم وعمرا لا تكرم يقال ذلك ردا على من اعتقد أن النهى عن الإكرام مختص بغير عمرو أو الأمر به مختص بغير زيد فى قصر القلب، وكذا يقال ذلك ردا على من اعتقد أن النهى عن الإكرام أو الأمر بالإكرام مستوفيه زيد وعمرو فى قصر الأفراد
(قوله: فكان الأحسن إلخ) أى: لأجل أن يدخل فيه القصر بأنواعه الثلاثة ويدخل فيه نحو: زيدا أكرم وعمرا لا تكرم، وأورد على الشارح أن إفادة الاختصاص لا تجرى فى الإنشاء؛ لأنه عبارة عن ثبوت شىء لشىء ونفيه عن غيره ولا يقبله الإنشاء، وأجيب بأن التخصيص وإن لم يجر فى الإنشاء باعتبار ذاته لكنه يجرى فيه باعتبار ما يتضمنه من الخبر، فإن كل إنشاء يتضمن خبرا فقولك: أكرم زيدا يتضمن خبرا وهو أن زيدا مأمور بإكرامه أو مستحق للإكرام.
مع الإصابة فى اعتقاد وقوع الفعل على مفعول ما (لا يقال: ما زيدا ضربت ولا غيره) لأن التقديم يدل على وقوع الضرب على غير زيد تحقيقا لمعنى الاختصاص، وقولك: ولا غيره ينفى ذلك فيكون مفهوم التقديم مناقضا لمنطوق:
لا غيره، نعم؛ لو كان التقديم لغرض آخر غير التخصيص- جاز: زيدا ضربت ولا غيره،
…
===
قال اليعقوبى بعد ذكر هذا والحق أن التخصيص النسبة إلى شىء دون غيره، فإن كانت النسبة إنشائية فما وقع به التخصيص إنشاء وإن كانت خبرية فما وقع به خبر، وإنما عبر بالأحسن دون الصواب لإمكان الاعتذار عن المصنف بأنه لم يذكر رد الخطأ فى الاشتراك وما يتعلق به من التأكيد وحده اعتمادا على المقايسة بما سبق ولم يعمم بحيث يتناول الإنشاء؛ لأنه فى مبحث الخبر.
(قوله: مع الإصابة) أى: مع إصابة المخاطب
(قوله: لا يقال) أى: عند إرادة الرد على المخاطب فى اعتقاده وقوع الضرب منك على زيد
(قوله: تحقيقا لمعنى الاختصاص) الإضافة بيانية أى: تحقيقا لمعنى هو اختصاص زيد بنفى الضرب عنه، فإن معناه قصر عدم الضرب على زيد وثبوته لغيره
(قوله: ينفى ذلك) أى: ينفى وقوع الضرب على غير زيد
(قوله: مناقضا لمنطوق إلخ) أى: والجمع بين المتناقضين باطل، والأولى للشارح إسناد المناقضة للأخير أعنى منطوق لا غيره فيقول فيكون منطوق لا غيره مناقضا لمفهوم التقديم؛ لأن الأول وقع فى مركزه والثانى هو الطارىء وإن كانت المناقضة نسبة بين الطرفين يصح إسنادها لكل منهما
(قوله: نعم ولو كان التقديم لغرض آخر) أى: كالاهتمام به فى نفى الفعل عنه أو استلذاذا بذكره من غير إرادة الإعلام بثبوت الفعل لغيره جاز ما زيدا ضربت ولا غيره؛ وذلك لأنه ليس فى التقديم ما ينافى النفى عن الغير؛ لأن المعنى المفاد بالتقديم- وهو الاهتمام مثلا- يصح معه النفى عن الغير وثبوته، وأشار الشارح بذلك إلى أن التقديم لا يلزم أن يكون للاختصاص، بل ذلك هو الغالب وقد يكون لأغراض أخر كما يأتى ذلك للمصنف فى قوله: والتخصيص لازم للتقديم غالبا، وكان الأولى للشارح أن يؤخر قوله: نعم بعد قوله: لا ما زيدا ضربت،
وكذا زيدا ضربت وغيره (ولا: ما زيدا ضربت ولكن أكرمته) لأن مبنى الكلام ليس على أن الخطأ واقع فى الفعل بأنه الضرب حتى ترده إلى الصواب بأنه الإكرام؛ وإنما الخطأ فى تعيين المضروب؛ فالصواب: ولكن عمرا (وأما نحو: زيدا عرفته- فتأكيد إن قدر) الفعل المحذوف (المفسر) بالفعل المذكور (قبل المنصوب)
===
ولكن أكرمته؛ لأنه يجرى فيه أيضا
(قوله: وكذا زيدا ضربت وغيره) أى: أنه مثل ما زيدا ضربت ولا غيره فى المنع عند قصد التخصيص وفى الجواز عند قصد غيره؛ لأن التخصيص يفيد نفى مشاركة الغير والعطف يفيد ثبوت المشاركة وهو تناقض، فإن جعل التقديم للاهتمام أو الاستلذاذ، جاز ذلك إذ ليس فى التقديم ما ينافى مقتضى العطف؛ لأن المعنى المفاد بالتقديم وهو الاهتمام بجامع المفاد بالعطف
(قوله: لأن مبنى الكلام) أى: لأن الذى بنى وذكر لأجله هذا الكلام المحتوى على التقديم وهو ما زيدا ضربت
(قوله: ليس على أن الخطأ واقع فى الفعل) أى: والاستدراك بلكن يفيد أن مبنى الكلام على أن الخطأ واقع فى الفعل الذى هو الضرب فيكون فى الكلام تدافع، إذ أوله يقتضى عدم الخطأ فى الفعل وآخره يقتضى الخطأ فيه
(قوله: ليس على أن الخطأ إلخ) أى: لأنه لو أريد ذلك لقيل: ما ضربت زيدا ولكن أكرمته بلا تقديم للمفعول
(قوله: بأنه الضرب) الباء بمعنى فى وهو بدل من فى الفعل، أو أن الباء للتصوير.
(قوله: وأما نحو إلخ) أى: أن ما تقدم من أن زيدا عرفت مفيد للاختصاص قطعا محله ما لم يكن هناك ضمير الاسم السابق يشتغل الفعل بالعمل فيه، وأما إذا كان هناك اشتغال فتأكيد إن قدر إلخ، وفى هذا رد على صاحب الكشاف حيث جزم بأن زيدا عرفته للتخصيص.
(قوله: فتأكيد) أى: فذو تأكيد، لا أنه نفس التأكيد، أو أن قوله فتأكيد خبر لمحذوف أى: فمفاده تأكيد للفعل المحذوف، والمراد فتأكيد فقط فلا ينافى أنه حالة التخصيص فيه تأكيد أيضا فالمقابلة ظاهرة أو يقال قوله الآتى، وإلا فتخصيص أى:
مقصود فلا ينافى أن هناك تأكيدا، لا أنه غير مقصود، فإن قلت: أى فائدة لهذا التأكيد وكيف يكون من الاعتبار المناسب؟ قلت: قد يكون المقام مقام إنكار تعلق الفعل بالمفعول
أى: عرفت زيدا عرفته (وإلا فتخصيص) أى: زيدا عرفت عرفته؛ لأن المحذوف المقدر كالمذكور فالتقديم عليه كالتقديم على المذكور فى إفادة الاختصاص كما فى: بسم الله، فنحو: زيدا عرفته- محتمل للمعنيين؛ والرجوع فى التعيين إلى القرائن، وعند قيام القرينة على أنه للتخصيص يكون آكد من قولنا: زيدا عرفت؛
…
===
مع ضيق المقام بحيث يطلب فيه الاختصار فيعدل عن ذكر الفعل مرتين صراحة المفيد للتأكيد المناسب للإنكار إلى ما يفيد التأكيد مع الحذف المناسب للاختصار
(قوله: أى عرفت زيدا عرفته) أى: ففيه تكرار الإسناد وهو يفيد تأكيد الفعل لا يقال: كيف يكون مفاده تأكيد الفعل المحذوف مع أن المراد بهذا الفعل التفسير؛ لأنا نقول إفادته التوكيد بالتبع لإفادته تفسير المحذوف فالتوكيد لازم للتفسير الذى هو المراد بهذا الفعل، فإن قلت: كيف يستلزم التفسير التأكيد مع أن المفسر لم يفهم منه حتى يكون تأكيدا؟
قلت: بعد ذكر المفعول يعلم أن ثم مقدرا بمعناه والمقدر كالمذكور، فصار مذكورا مرتين وتسميته تفسيرا من جهة دلالته على المحذوف، فالتأكيد لازم له بتحقق ذكر مضمونه مرتين، ولو كان أحد المذكورين تقديرا أفاده ابن يعقوب.
(قوله: وإلا إلخ) أى: وإلا يقدر المفسر قبل المنصوب، بل قدر بعده
(قوله: فتخصيص) أى: فالكلام ذو تخصيص أو فمفاد الكلام حينئذ تخصيص
(قوله: كما فى بسم الله) تشبيه فى إفادة الاختصاص
(قوله: فنحو زيدا عرفته إلخ) أعاده وإن كان هو معنى كلام المتن ليرتب عليه قوله والرجوع إلخ
(قوله: محتمل للمعنيين) هما التأكيد والتخصيص فعلى احتمال التأكيد يكون الكلام إخبارا بمجرد معرفة متعلقه بزيد وعلى احتمال التخصيص يكون الكلام إخبار بمعرفة مختصة بزيد، ردا على من زعم تعلقها بعمرو مثلا دون زيد أو زعم تعلقها بهما.
(قوله: والرجوع فى التعيين) أى: تعيين كون التقديم للتأكيد أو التخصيص
(قوله: وعند قيام القرينة على أنه) أى: زيدا عرفته للتخصيص بأن كان المقام مقام اختصاص يكون أى: زيدا عرفته
(قوله: آكد) أى: زائدا فى التأكيد من قولنا زيدا عرفت هذا يقتضى أن زيدا عرفت فيه تأكيد- وليس كذلك، بل لمجرد الاختصاص كما
لما فيه من التكرار، وفى بعض النسخ (وأما نحو: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ (1) فلا يفيد إلا التخصيص) لامتناع أن يقدر الفعل مقدما نحو: أما فهدينا ثمود؛ لالتزامهم وجود فاصل بين أما والفاء، بل التقدير: أما ثمود فهدينا فهديناهم بتقديم المفعول؛
…
===
تقدم، فالأولى أن يقول: يكون مفيدا للتأكيد أيضا لما فيه من التكرار كذا قيل، ورد بأن التخصيص يستلزم التأكيد بخلاف العكس، إذ ليس التخصيص إلا تأكيدا على تأكيد
(قوله: لما فيه من التكرار) أى: تكرار الإسناد المفيد لتأكيد الجملة ومعلوم أن التخصيص ليس إلا تأكيدا على تأكيد، فيتقوى زيدا عرفته بزيادة التأكيد- كذا قرر سم، وقرر غيره أن قوله آكد بمعنى: أبلغ فى الاختصاص، وقوله لما فيه من التكرار أى: من تكرار الاختصاص، أما الاختصاص الأول: فقد استفيد من تقديم المفعول على الفعل المقدر، وأما التخصيص الثانى فهو مستفاد من عود الضمير فى الإسناد الثانى على المفعول المتقدم فكأن المفعول متقدم فى الإسناد المتكرر
(قوله: وأما نحو: وأما ثمود إلخ) المراد بنحو كل تركيب تقدم فيه المشغول عنه واليا لأما التى هى بمعنى مهما يكن، وهذا تخصيص للمسألة السابقة التى هى من باب الاشتغال، وحاصله أنه لما ذكر أن نحو زيدا عرفته محتمل للتأكيد والتخصيص ربما يتوهم أن نحو قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ بنصب ثمود على القراءة الشاذة يحتملهما دفع ذلك التوهم بأنه متعين للتخصيص لتعين التقدير مؤخرا هكذا، وأما ثمود فهدينا هديناهم فقوله: وأما نحو وأما ثمود أى:
بالنصب، وأما على قراءة الرفع فالتقديم مفيد لتقوى الحكم بتكرر الإسناد ويتأكد بما فى أما من الدلالة على اللزوم والتحقيق، لكن كون التقديم فى الآية على قراءة الرفع مفيدا لتقوى الحكم بناء على مذهب غير السكاكى لما تقدم عنه أن تقديم مثل هذا لا يفيد التقوى لكونه سببيا، وقوله: وأما نحو إلخ: مقابل لقوله وأما زيدا عرفته
(قوله: فلا يفيد إلا التخصيص) أى: دون مجرد التأكيد فالحصر بالنسبة لمجرد التأكيد، فلا يرد أن مع كل تخصيص تأكيدا
(قوله: لامتناع أن يقدر إلخ) فيه بحث وهو أنه لم لا يجوز أن يقدر الفعل مقدما بدون الفاء هكذا أما هدينا ثمود فهديناهم فيحصل الفصل بين أما والفعل
(1) فصلت: 17.
وفى كون هذا التقديم للتخصيص نظر؛ لأنه قد يكون مع الجهل بثبوت أصل الفعل كما إذا جاءك زيد وعمرو، ثم سألك سائل: ما فعلت بهما؟ فتقول: أما زيدا فضربته، وأما عمرا فأكرمته؛ فتأمل (وكذلك) أى: ومثل زيدا عرفت فى إفادة التخصيص (قولك: بزيد مررت) فى المفعول بواسطة لمن اعتقد أنك مررت بإنسان؛ وأنه غير زيد،
…
===
ويكون التركيب حينئذ مفيدا للتأكيد، وأجيب بأن الفعل المقدر هو الجواب والمذكور إنما هو مفسر له، وجواب أما لا بد من اقترانه بالفاء فلا يجوز أن يقدر بدونها وإلا لزم خلو الجواب عن الفاء وهو لا يجوز.
(قوله: وفى كون هذا التقديم) أى: الحاصل مع أما للتخصيص نظر أى: بل هو لإصلاح اللفظ
(قوله: لأنه) أى: التقديم قد يكون مع الجهل بثبوت أصل الفعل أى:
ومع الجهل بذلك لا يتأتى التخصيص؛ لأنه إنما يكون عند العلم بأصل الفعل، وأيضا لو كان التقديم فى هذه الآية مفيدا للتخصيص كما قال المصنف لاقتضى أنه ليس أحد من الكفار هدى أى: دل على الطريق الموصل واستحب العمى على الهدى غير ثمود وليس كذلك، وفى قول الشارح؛ لأنه قد يكون مع الجهل إشعار بأنه قد يكون مع العلم أيضا، وحينئذ فمنازعة الشارح للمصنف إنما هى فى كلية كون التقديم الحاصل مع أما للتخصيص
(قوله: ثم سألك سائل ما فعلت بهما) أى: سألك سائل عن الفعل الذى تعلق بهما الصادر منك ما هو
(قوله: فتقول أما زيدا إلخ) أى: فالسائل جاهل بالفعل وأنت لم ترد التخصيص، بل أردت بيان ما تعلق بهذين الرجلين، فالغرض من التركيب المذكور أعنى قولك: أما زيدا إلخ إفادة أصل الفعل المتعلق بهما والتقديم فيه لإصلاح اللفظ بالفعل بين أما والفاء
(قوله: فتأمل) أى: فتأمل فى هذا البحث ليظهر لك أنه ليس الغرض من الآية بيان أن ثمود هدوا فاستحبوا العمى على الهدى دون غيرهم ردا على من زعم انفراد غيرهم بذلك أو مشاركته لهم كما قال المصنف؛ لأن من المعلوم أن الكفار كلهم كذلك وإنما الغرض بيان أن أصل الهداية أى: الدعوة للحق حصلت لهم والإخبار بسوء صنيعهم ليعلم أن إهلاكهم إنما كان بعد إقامة الحجة عليهم
(قوله:
وكذلك: يوم الجمعة سرت، وفى المسجد صليت، وتأديبا ضربته، وماشيا حججت (والتخصيص لازم للتقديم غالبا) أى: لا ينفك عن تقديم المفعول ونحوه فى أكثر الصور بشهادة الاستقراء وحكم الذوق؛ وإنما قال: غالبا لأن اللزوم الكلى غير متحقق؛ إذ التقدم قد يكون لأغراض أخر كمجرد الاهتمام،
…
===
وكذلك يوم الجمعة سرت) أى: فى الظرف وهذا يقال ردا لمن اعتقد أن سيرك فى غير يوم الجمعة
(قوله: وتأديبا إلخ) أى: فى المفعول لأجله وهذا يرد به على من اعتقد أن سبب الضرب العداوة أى: إن علة الضرب مقصورة على التأديب وليس علته العداوة
(قوله: وماشيا إلخ) أى: فى الحال، وهذا يرد به على من اعتقد أن الحج وقع منك راكبا
(قوله: لازم للتقديم) أى: لتقديم ما حقه التأخير سواء كان المتقدم مفعولا أو غيره أو بعض المعمولات على بعض كما فى: وإن عليكم لحافظين- كما يفيده كلام الشارح فى المطول، واحترز بقوله ما حقه التأخير عما هو مقدم وضعا: كاسم الاستفهام المتقدم على عامله وكالمبتدأ المتقدم على خبره عند من يجعله معمولا للخبر فلا يفيد تقديم ما ذكر شيئا من التخصيص، وهذا بناء على قاعدة السكاكى وإلا فتقديم المسند إليه عند المصنف يفيد التخصيص إذا كان المسند جملة نحو: أنا سعيت فى حاجتك، وقوله لازم للتقديم أى: لزوما جزئيا فلا ينافى فى قوله غالبا، واعلم أن اللزوم إما كلى- وهو ما لا ينفك أصلا كلزوم الزوجية للأربعة- أو جزئى وهو ما ينفك فى بعض الأوقات كلزوم الخسوف للقمر وقت الحيلولة وما هنا من الثانى، وفى عبد الحكيم: أن الغالبية ليست باعتبار الأوقات والأحوال حتى تنافى اللزوم، بل بالنسبة للمواد ويشير إلى ذلك الشارح بقوله: فى أكثر الصور.
(قوله: وحكم الذوق) المراد به هنا قوة للنفس تدرك بسببها لطائف الكلام ووجوه محسناته فهو عبارة عن العقل، وحينئذ فالمعنى بشهادة الاستقراء والعقل
(قوله: غير متحقق) أى: غير ثابت
(قوله: أخر) أى: غير التخصيص
(قوله: كمجرد الاهتمام) أى: كالاهتمام المجرد عن التخصيص نحو: العلم لزمت فإن الأهم تعلق اللزوم بالعلم
والتبرك، والاستلذاذ، وموافقة كلام السامع، وضرورة الشعر، ورعاية السجع، والفاصلة، ونحو ذلك. قال الله تعالى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ. ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (1)
…
===
(قوله: والتبرك) أى: تعجيل التبرك نحو: محمدا- عليه الصلاة والسلام أحببت
(قوله: والاستلذاذ) أى: تعجيله نحو: ليلى أحببت وإنما قدرنا التعجيل فى هذا وما قبله؛ لأن التبرك والاستلذاذ يحصلان مع التأخير
(قوله: وموافقة إلخ) نحو: زيدا أكرمت فى جواب من أكرمت؟ فتقديم زيدا موافقة لتقديم السائل من الاستفهامية التى هى المفعول
(قوله: وضرورة الشعر) كقوله:
سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه
…
وليس إلى داعى النّدى بسريع (2)
(قوله: ورعاية السجع) أى: السجع من النثر غير القرآن
(قوله: والفاضلة) أى:
من القرآن؛ لأن ما يسمى فى غير القرآن سجعة يسمى فى القرآن فاصلة- رعاية للأدب؛ لأن السجع فى الأصل هدير الحمام، ولا يقال: إن رعاية الفاصلة من المحسنات البديعية فلا يحسن إيرادها هنا؛ لأنا نقول عدم رعاية توافق الفواصل؛ وإن كان الأصل جوازه؛ لأن اعتبار التوافق من البديع، لكن لما أورد المتكلم بعض الفواصل مختوما بحرف واحد كان المقام فى الباقى مقام الرعاية وكان عدمها خروجا عما يناسب المقام الذى أورد فيه ذلك البعض بعد إيراده.
(قوله: ونحو ذلك) أى: كتعجيل المسرة نحو خيرا تلقى وتعجيل المساءة نحو: شرا يلقى صديقك
(قوله: قال الله تعالى إلخ) كلها أمثلة لما كان التقديم فيه لغرض آخر غير التخصيص
(قوله: خذوه إلخ) أى: يقول الله لخزنة النار خُذُوهُ فَغُلُّوهُ أى: اجمعوا يده إلى عنقه فى الغل ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ أى: أدخلوه فى النار كذا فى الكواشى.
(1) الحاقة: 30 - 32.
(2)
البيت من الطويل، وهو للأقيشر فى ابن عم له موسر كان قد سأله فمنعه وهو فى دلائل الإعجاز/ 150، والخزانة 2/: 281 ومعاهد التنصيص: 3: 242.
وبعده
(حريص على الدنيا مضيع لدينه
…
وليس لما فى بيته بمضيع)
وقال: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (1) وقال: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (2) وقال: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (3) إلى غير ذلك مما لا يحسن فيه اعتبار التخصيص عند من له معرفة بأساليب الكلام (ولهذا) أى:
ولأن التخصيص لازم للتقديم غالبا (يقال فى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) معناه:
===
(قوله: ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) مثال لكون التقديم لمجرد رعاية الفاصلة، إذ ليس المعنى على صلوه الجحيم لا غيرها، (وقوله: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ إلخ): فيه الشاهد أيضا، فالتقديم فيه لرعاية الفاصلة، إذ ليس المراد الرد على من يتوهم أنه يؤمر بسلسلة أخرى يسلكها حتى يكون التقديم للتخصيص
(قوله: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) من المعلوم أن هذا ليس من تقديم المعمول على العامل، بل من تقديم أحد المعمولين على الآخر فإن عليكم: خبر إن، ولحافظين: اسمها، فالتقديم لرعاية الفاصلة؛ لأن المراد الإخبار بأن على الآدميين ملائكة يكتبون لا الرد على من يعتقد أنهم على غيرهم
(قوله: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) التقديم هنا لتصحيح اللفظ؛ لأن أما لا تليها الفاء ولرعاية الفاصلة أيضا؛ وذلك لأن المراد النهى عن قهر اليتيم وانتهار السائل لا الرد على من زعم أن النهى عن قهر غير اليتيم وانتهار غير السائل
(قوله: وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (5)) التقديم هنا أيضا لرعاية الفاصلة؛ وذلك لأن المراد الإخبار بظلمهم أنفسهم لا الرد على من زعم ظلمهم غير أنفسهم فظهر لك أن التقديم فيما ذكر من الآيات لرعاية الفواصل ولا يخلو من الاهتمام، ولا يناسب إرادة الحصر فيها عند من له ذوق ومعرفة بأساليب الكلام أى: مقاصده
(قوله: مما لا يحسن فيه اعتبار التخصيص) نفى الحسن لا يستلزم نفى الصحة، ولهذا حمل صاحب الكشاف والقاضى قوله تعالى: ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ على التخصيص أى: ثم لا تصلوه إلا الجحيم وهى النار العظيمة؛ لأنه كان متعاظما على الناس
(قوله: ولهذا يقال فى إِيَّاكَ نَعْبُدُ إلخ) كون تقديم إياك للاختصاص لا ينافى
(1) الانفطار: 10.
(2)
الضحى: 9 - 10.
(3)
النحل: 118.
(4)
الفاتحة: 5.
(5)
البقرة: 57.
نخصك بالعبادة والاستعانة) بمعنى: نجعلك من بين الموجودات مخصوصا بذلك؛ لا نعبد ولا نستعين غيرك (وفى: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (1) معناه: إليه) تحشرون (لا إلى غيره؛ ويفيد) التقديم (فى الجميع)
…
===
أنه لرعاية الفاصلة أيضا
(قوله: نخصك بالعبادة) أى: نجعلك دون كل موجود مخصوصا بالعبادة والاستعانة على جميع المهمات، أو على أداء العبادة وهذا المعنى يفيد أن التقديم للاختصاص
(قوله: بمعنى إلخ) يشير إلى أن الباء داخلة على المقصور، وقوله بذلك أى:
المذكور من العبادة والاستعانة
(قوله: لا نعبد ولا نستعين غيرك) يشير إلى أن القصر فى هذه الآية قصر حقيقى خارج عن قصر القلب والأفراد والتعيين؛ لأنها أقسام للإضافى كما يأتى
(قوله: معناه إليه لا إلى غيره) أى: فالتقديم للاختصاص وإنما كان كلام الأئمة فى تفسير الآيتين دليلا على أن التقديم مفيد للاختصاص؛ لأنه لم يوجد فى الآيتين من آلات الحصر إلا التقديم، وقد قالوا معنى الآيتين كذا فلو كان الاختصاص من مجرد ما علم من خارج وإن التقديم لمجرد الاهتمام كما قيل لم يناسب أن يقال: إن معنى الآيتين كذا، بل يقال واستفيد مما تقرر من خارج أن لا عبادة وأن لا استعانة لغيره وأن لا حشر لغيره- أفاده اليعقوبى.
واعلم أن الاختصاص والقصر بمعنى واحد عند علماء المعانى؛ وذلك لأنهم نصوا على أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص، وقابلوه بالاهتمام فدل على أنه غيره، وعدوا التقديم المذكور من طرق القصر وكون القصر لا يتأتى فى بعض المواضع مما لا ينكره القوم؛ لأنهم قالوا بإفادته ذلك غالبا، وأما قول ابن السبكى بالفرق بين القصر والتخصيص فمخالف لما عليه أهل المعانى، وحاصل الفرق الذى ذكره أن التخصيص قصد المتكلم إفادة السامع خصوص شىء من غير تعرض لغيره إثبات ولا نفى بسبب اعتناء المتكلم بذلك الشىء وتقديمه له فى كلامه، فإذا قلت ضربت زيدا فقد أخبرت بضرب عام وقع منك على شخص خاص، فصار ذلك الضرب المخبر به خاصّا لما انضم
(1) آل عمران: 158.
أى: جميع صور التخصيص (وراء التخصيص) أى بعده (اهتماما بالمقدم) لأنهم يقدمون الذى شأنه أهم وهم ببيانه أعنى
…
===
إليه منك ومن زيد وهذه المعانى الثلاثة أعنى: مطلق الضرب وكونه واقعا منك وكونه واقعا على زيد قد يكون قصد المتكلم بها ثلاثتها على السواء، وقد يترجح قصده لبعضها على بعض ويعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه، فإن الابتداء بالشىء يدل على الاهتمام به وأنه الأرجح فى غرض المتكلم، فإذا قلت زيدا ضربت علم أن وقوع الضرب على خصوص زيد هو المقصود لا إفادة حصول الضرب منك، وإذا قلت ضربت زيدا علم أن المقصود وقوع خصوص الضرب على زيد، فلا شك أن كل مركب من خاص وعام له جهتان فقد يقصد من جهة عمومه وقد يقصد من جهة خصوصه فقصده من جهة خصوصه هو الاختصاص، وأما الحصر فمعناه نفى الحكم عن غير المذكور وإثباته للمذكور بطريق مخصوصه، وهذا المعنى زائد على الاختصاص
(قوله: أى جميع صور التخصيص) أى: فى جميع الصور التى أفاد فيها التقديم التخصيص.
(قوله: أى: بعده) أى: بعد ذلك التخصيص المفاد للتقديم، وإنما لم يقل أى:
غيره مع أنه المراد إشارة إلى تأخره فى الاعتبار عن الاختصاص بحسب الرتبة فبعدية الاهتمام بالنظر إلى أن المقصود بالذات هو التخصيص والاهتمام تابع له ومتأخر عنه فى الاعتبار
(قوله: اهتماما بالمقدم) أى: سواء كان ذلك من جهة الاختصاص أو من غيرها ولا ينافى هذا المعنى قوله وراء التخصيص كما لا يخفى فينطبق الدليل أعنى قوله: لأنهم يقدمون إلخ على المدعى- انتهى فنرى.
(قوله: هم ببيانه) أى: بذكر ما يدل عليه أعنى أى: أشد عناية، وفى الغنيمى:
إن أعنى يصح أن يكون اسم تفضيل مصوغا من قولهم عنى بكذا بضم العين على صيغة المبنى للمفعول أى: اعتنى به فيكون مبنيا للمفعول فى الصورة، ولكنه بمعنى المبنى للفاعل كما يؤخذ من التفسير السابق ويرد عليه أن صوغ اسم التفضيل من المبنى للمفعول شاذ، ويجاب بأنه جار على مذهب من يجوز صوغه من المبنى للمفعول إذا كان ملازما
(ولذا يقدر) المحذوف (فى بسم الله مؤخرا) أى: بسم الله أفعل؛ كذا ليفيد مع الاختصاص الاهتمام؛ لأن المشركين كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم فيقولون: باسم اللات باسم العزى؛ فقصد الموحد تخصيص اسم الله بالابتداء للاهتمام والرد عليهم
…
===
لذلك البناء وبأن ذلك ورد فى كلام العرب والمعنى هم أشد مشغوفية ببيان الأهم ويصح أن يكون مصوغا من عنيت بكذا بفتح العين على صيغة المبنى للفاعل أى: أردته، والمعنى هم أشد إرادة ببيان الأهم وظهر من هذا أن عنى ورد فى كلامهم تارة مبنيا للمفعول وتارة مبنيا للفاعل فليس من الأفعال الملازمة للبناء للمفعول، واعلم أن الاهتمام له معنيان أحدهما كون المقدم مما يعتنى بشأنه لشرف وعزازة ور كنية مثلا فيقتضى ذلك تخصيصه بالتقديم وهذا المعنى هو المناسب بحسب الظاهر؛ لأن يقال: لأنهم يقدمون الذى شأنه أهم وهم ببيانه أعنى ونفس الاهتمام فى هذا هو الموجب للتقديم، ولا يدل تقديمه إلا على أن المتكلم له به الاعتناء المطلق والآخر كون المقدم فى تقديمه معنى لا يحصل عند التأخير، فإن المفعول مثلا إذا تعلق الغرض بتقديمه لإفادة الاختصاص فلم يتعلق الاهتمام بذاته، وإنما تعلق بتقديمه للغرض المفاد وليست الأهمية هنا هى الموجبة للتقديم، بل الحاجة إلى التقديم هى الموجبة للاهتمام بذلك التقديم، فالأهمية هنا معللة موجبة بفتح الجيم لا موجبة بالكسر والعلة هى الحاجة، والأهمية والتقديم متلازمان معللان بعلة الحاجة؛ لأن الحاجة إنما هى إلى التقديم واهتم به لكونه محتاجا إليه، وهذا المعنى يعم كل ما يجب فيه التقديم.
(قوله: ولهذا) أى: لأجل أن التقديم يفيد الاختصاص ويفيد مع ذلك الاهتمام
(قوله: يقدر المحذوف فى بسم الله مؤخرا) أى: إنه يقدر ما يتعلق به الجار والمجرور المحذوف مؤخرا، حيث كان ذلك مما له شرف وكان المقام يناسبه إرادة الاختصاص كما فى بسم الله، فإذا قدر مؤخرا أفاد الاختصاص والاهتمام معا والاهتمام هنا ظاهر؛ لأن الجلالة يهتم بها لشرف ذاتها
(قوله: لأن المشركين إلخ) علة للمعلل مع علته
(قوله: فقصد الموحد تخصيص اسم الله بالابتداء للاهتمام والرد عليهم) الأولى فقصد الموحد بالتقديم تخصيص اسم الله بالابتداء أى: قصر الابتداء عليه والاهتمام به للرد عليهم ليناسب ما قدمه؛ ولأنه أوفق بالواقع؛ وذلك لأن هؤلاء الأشقياء حيث كانوا يبدأون
وأورد: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (1)
…
===
بغير اسم الله ويهتمون بذلك الغير فقصد الموحد الرد عليهم يكون بتخصيص اسم الله بالابتداء والاهتمام به- كذا قرر شيخنا العدوى.
وتخصيص الموحد اسم الله بالابتداء للرد عليهم من باب قصر القلب؛ لأنه لرد الخطأ فى التعيين إن كان الكفار قاصدين بقولهم باسم اللات والعزى أى: لا غير ذلك، وإن أرادوا باسم اللات والعزى لتقربنا إلى الله كانوا معتقدين للشركة، فيكون القصر المفاد بالتقديم فى: بسم الله لرد الخطأ فى الشركة وهو قصر إفراد. اهـ.
لكن العلامة اليعقوبى استشكل كون التقديم فى كلامهم- لعنة الله عليهم- للتخصيص حيث قال: إن تقديم المجرور فى قولهم باسم اللات مثلا لا يصح أن يكون للاختصاص لاعتقادهم ألوهية الله ولابتدائهم باسمه فى بعض الأوقات من غير إنكار عليهم، ولا يصح أن يكون للاهتمام؛ لأنه أعظم الآلهة؛ لأنهم- قبحهم الله- إنما يعبدون غيره ليقربهم إليه وهم بلغاء فصحاء فما مفاد هذا التقدير- اللهم إلا أن يقال: التقديم للاهتمام؛ لأن المقام مقام الاستشفاع بتلك الآلهة، فإن قلت الاختصاص حيث يقصد به الرد إنما يكون للرد على من زعم اختصاص الغير أو مشاركته فى الحكم فإذا قيل: بسم الله وقصد الاختصاص كان المعنى: إنى أبتدئ بسم الله لا بغيره فقط أو لا بغيره معه، كما تعتقد أيها المخاطب والمشركون لا يعتقدون أن المؤمنين يبتدئون بأسماء آلهتهم مع الله تعالى ولا بأسماء آلهتهم بانفرادها فكيف صح التخصيص هنا للرد على المشركين؟ قلت: الرد عليهم فى اعتقادهم أن الآلهة ينبغى أن يبتدأ بأسمائها، فلما حصر المؤمن الابتداء فى اسم الله تعالى فهم منه أنه لا ينبغى لى أن أبتدئ مع الله تعالى باسم آلهتك أيها المشرك لبطلانها وهدم نفعها فلا يلتفت إلى الابتداء بها، فالحصر بالنظر إلى نفى إمكان الابتداء بأسماء الآلهة وانبغائه كما عليه المخاطب لا بالنظر إلى نفى الوقوع- ا. هـ كلامه.
واعلم أن قصد الموحد الرد عليهم ظاهر على جعل جملة البسملة خبرية أما على جعلها إنشائية فيرد أن الإنشاء لا حكم فيه فكيف يتأتى الرد إلا أن يجاب بأن هذا
(1) العلق: 1.
يعنى: لو كان التقديم مفيدا للاختصاص والاهتمام لوجب أن يؤخر الفعل ويقدم:
بِاسْمِ رَبِّكَ؛ لأن كلام الله تعالى أحق برعاية ما تجب رعايته (وأجيب بأن الأهم فيه القراءة)
…
===
الإنشاء تضمن خبرا وهو أنه لا ينبغى الابتداء باسم غير الله وهذا الحكم ينكره المشركون على أن كلام الشارح فيما مر يفيد أن التخصيص الواقع فى الإنشاء لا يعتبر فيه رد الخطأ، بل يعتبر فيه الثبوت للمذكور والنفى عن الغير من غير التفات إلى كونه ردا للخطأ نحو: عمرا أكرم أو لا تكرم، لكن ظاهر ما يأتى فى أقسام القصر الثلاثة أنه ينظر فيها لاعتقاد المخاطب مطلقا فى الخبر والإنشاء
(قوله: يعنى لو كان التقديم إلخ) هذا يدل على أنه إيراد على قوله ويفيد التقديم وراء التخصيص اهتماما فقوله ويرد عليه أى: على كون التقديم يفيد الاهتمام والاختصاص فى الغالب ويرد عليه بأن كون كلام الله أحق برعاية ما تجب رعايته مسلم، لكن إذا ثبت أن الاختصاص مع الاهتمام واجب الرعاية فى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وهو ممنوع، فالوجه أن يكون واردا على قوله؛ ولهذا يقدر المحذوف مؤخرا كما قرره فى شرح المفتاح حيث قال: وإذا كان الواجب تقدير الفعل مؤخرا فما بال قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (1) قدم الفعل فيه، والحال أن كلام الله تعالى أحق برعاية ما تجب رعايته.
(قوله: أحق برعاية ما تجب إلخ) أى أحق برعاية النكات التى تجب رعايتها فى الكلام البليغ
(قوله: بأن الأهم فيه) أى: فى ذلك القول وهو اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وفى نسخة الأهم فيها أى: فى آية اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
(قوله: لأنها أول إلخ) أى: وإنما كانت القراءة فى تلك الآية أهم؛ لأنها أول آية نزلت من سورة، فلما كانت أول آية نزلت كان الأمر بالقراءة فيها أهم من ذكر اسم الله فلذلك قدم، وإنما كان الأمر بالقراءة أهم لما ذكر؛ لأن المقصود بالذات من الإنزال حفظ المنزل وهو متوقف على القراءة وكون الأمر بالقراءة فى هذه الآية أهم لما ذكر لا ينافى كون ذكر اسم الرب أهم لذاته فتأخيره لا يفيد الشرف المقتضى للأهمية فى الجملة، والحاصل أن الاهتمام
(1) العلق: 1.
لأنها أول سورة نزلت فكان الأمر بالقراءة أهم باعتبار هذا العارض وإن كان ذكر الله أهم فى نفسه؛ هذا جواب جار الله العلامة فى الكشاف (وبأنه) أى:
بِاسْمِ رَبِّكَ
…
===
بذكر الله باسمه أمر ذاتى والاهتمام بالقراءة أمر عارض من حيث إن المقصود من الإنزال الحفظ المتوقف عليها فقدم الاهتمام بحسب العارض على الاهتمام الذاتى فمفاضلة القراءة على ذكر اسم الله بحسب العرض، ومفاضلة ذكر اسم الله على القراءة بحسب الذات، فاعتبرت المفاضلة التى سببها العروض، وفيه أن مقتضى هذا أن يكون ذكر الله مقدما؛ لأنه بالذات ويمكن أن يقال: إن المفاضلة التى موجبها العروض كالناسخة للتى موجبها أمر ذاتى لاقتضاء المقام إياها فعلم من هذا أن الأهمية الذاتية إنما تفيد التقديم إن لم يعارضها مناسبة المقام الذى هو مقتضى البلاغة التى هى أعظم ما وقع به إعجاز القرآن- كذا قرر شيخنا العلامة العدوى.
(قوله: لأنها أول سورة نزلت) وقيل: أول ما نزل سورة الفاتحة، وقيل أول ما نزل أول سورة المدثر، والتحقيق أن الخلاف لفظى؛ لأن أول سورة نزلت بتمامها سورة الفاتحة، وأول آية نزلت على الإطلاق اقرأ باسم ربك إلى قوله: عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (1) وأول آية نزلت بعد فترة الوحى أول المدثر، فمن قال: أول سورة نزلت الفاتحة مراده أول سورة نزلت بتمامها، ومن قال: أول ما نزل اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ مراده أول ما نزل على الإطلاق، ومن قال: أول ما نزل أول المدثر مراده أول ما نزل بعد فترة الوحى.
إذا علمت هذا فقول الشارح: لأنها أول سورة نزلت فيه مسامحة، والأولى أن يقول: أول آية نزلت من سورة
(قوله: فكان الأمر بالقراءة أهم) أى: فلذا قدم وقوله باعتبار هذا العارض وهو كونها أول ما نزل أى: والمقصود من الإنزال الحفظ وهو متوقف عليها
(قوله: وإن كان ذكر الله) أى: باسمه والواو للحال وإن وصلية، وقوله فى نفسه أى: باعتبار ذاته، واعترض هذا الجواب العلامة الحفيد قائلا: إن
(1) العلق: 5.
(متعلق ب اقْرَأْ الثانى) أى: هو مفعول اقرأ الذى بعده
…
===
أسماءه تعالى لا يساويها شىء فى الأهمية ولا يقاربها فلا يقال: القراءة أهم من اسم الله ولا الأمر بها أيضا لما فى ذلك من البشاعة الظاهرة، وأجيب بأن المراد الأمر بمطلق القراءة أهم من الأمر باختصاص القراءة باسمه تعالى وهى التى قدم فيها اسمه تعالى وإن كان اسم الله أهم بالنظر إلى ذاته، فاسمه تعالى بالنظر إلى ذاته أهم من القراءة ومن الأمر بها، وأما بالنظر إلى القراءة المشتملة عن تقديمه فمطلق القراءة أهم نظرا إلى ذلك العارض وهو السبق فى النزول، وإنما اعتبرت تلك الأهمية؛ لأن الأمر بالقراءة لم يكن معلوما للمخاطب فى حال الخطاب فذكر الفعل أولا ليعلم حال القراءة ولو قدم اسمه تعالى لاقتضى أن الأمر بالقراءة معلوم للمخاطب والمجهول إنما هو ما تلبست به القراءة من اسمه تعالى فقدم لبيانه وليس كذلك، ولا يخفى أن هذا بعيد من كلام الشارح والأقرب إليه ما تقدم من تقرير شيخنا العدوى.
(قوله: متعلق باقرأ الثانى) أى: على أنه مفعول والباء زائدة لتأكيد الملابسة لإفادة الدوام والتكرار فيكون المعنى اقرأ اسم ربك أى: اذكره على وجه التكرار دائما، وهذا بخلاف ما لو قيل اقرأ اسم ربك فإن معناه اقرأ أى: اذكره ولو مرة، وعلى هذا الاحتمال يكون اسم ربك هو المقروء:" وهو المناسب لما ورد من قوله- عليه الصلاة والسلام ما أنا بقارىء"(1) إذ هو اعتذار متضمن لطلب ما يقرأ، ويحتمل أن يكون متعلقا باقرأ الثانى على أن الباء للمصاحبة التبركية أو الاستعانة ويكون اقرأ الثانى إما لازما باعتبار المقروء أى: أوجد القراءة متبركا أو مستعينا باسم ربك وإما متعديا أى:
اقرأ القرآن متبركا أو مستعينا باسم ربك فهذه احتمالات ثلاثة، وحاصلها أن اقرأ الثانى متعد ومفعوله باسم ربك بزيادة الباء أو متعد ومفعوله محذوف أو لازم، وأما الأول فلازم كما قاله المصنف لكن احتمال كون اقرأ الثانى لازما لا يناسب كلام المصنف، بل المناسب له أنه متعد بجعل الباء زائدة للدوام أو بحذف المفعول وهو القرآن؛ لأن تفسير المصنف للأول بما يقتضى لزومه إنما هو لإفادة مخالفته للثانى، وإنما يخالفه بجعل
(1) رواه البخارى فى بدء الوحى ج (6).
(ومعنى) اقرأ (الأول: أوجد القراءة) من غير اعتبار تعديته إلى مقروء به كما فى: فلان يعطى؛ كذا فى المفتاح.
===
الثانى متعديا وإلا لم يكن لذلك التفسير فائدة واحتمال تعدى الثانى بحذف المفعول وهو القرآن معترض بأن القرآن لم يكن معهودا وقت النزول حتى يحذف؛ لأن هذا أول ما نزل فلا قرينة على المحذوف حينئذ على أن احتمال التنزيل، وكذا حذف المفعول يستلزم طلب القراءة بدون المقروء وهذا محال، فإما أن يقال بوقوع التكليف بالمحال كما هو مذهب بعض الأشاعرة أو تأخير البيان لوقت الحاجة، لكن الظاهر أنه طلب للقراءة فى الحال بدليل جوابه- عليه الصلاة والسلام بقوله: ما أنا بقارىء ثلاث مرات، فالوجه جعل اقرأ الثانى متعديا بزيادة الباء لإفادة التكرار والدوام
(قوله: ومعنى الأول إلخ) أى: فقد نزل الفعل المتعدى منزلة اللازم وعلى هذا لا يكون اقرأ الثانى تأكيدا للأول، بل هو مستأنف استئنافا بيانيا جواب لقوله كيف اقرأ؛ وذلك لأن الثانى أخص ولا تأكيد بين أخص وأعم، وحينئذ اندفع ما يقال يلزم على جعل الأول لازما والثانى متعديا عاملا فى الجار والمجرور المتقدم عليه الفصل بين المؤكد والتأكيد بمعمول التأكيد سلمنا أن الأخص يؤكد الأعم فلا نسلم امتناع الفصل بين التأكيد والمؤكد بمعمول التأكيد كالفصل بين الموصوف والصفة بمعمولها كقولك: مررت برجل عمرا ضارب.
(قوله: من غير اعتبار تعديته إلى مقروبه) أى: إلى ما تعلقت به القراءة ووقعت عليه والأوضح حذف به أى: وأما على الجواب الأول فقد اعتبر تعديته إلى مقروء وهو اسم ربك، وإنما كان الأوضح ما ذكر؛ لأن التعبير المذكور إنما يناسب احتمال كون اقرأ الأول لازما أو متعديا لمفعول محذوف والياء للاستعانة، وحينئذ فينحل معنى كلام الشارح إلى قولنا من غير اعتبار تعديته إلى مقروء به أى: بخلافه على الجواب الأول فقد اعتبر تعديته لمقروء به فاسم ربك على الجواب الأول مقروء به؛ لأنه مستعان أو متبرك به فى القراءة لا مقروء لأن المراد اقرأ القرآن أو أوجد القراءة مستعينا أو متبركا باسم ربك وقد علمت ما يرد على كل من الاحتمالين بالنسبة لاقرأ الثانى، ويقال مثل ذلك بالنسبة لاقرأ الأول- تأمل كذا قرر شيخنا العدوى.
(وتقديم بعض معمولاته) أى: معمولات الفعل (على بعض لأن أصله) أى: أصل ذلك البعض (التقديم) على البعض الآخر (ولا مقتضى للعدول عنه) أى: عن الأصل (كالفاعل فى نحو: ضرب زيد عمرا) لأنه عمدة فى الكلام وحقا أن يلى الفعل، وإنما قال فى نحو: ضرب زيد عمرا- لأن فى نحو: ضرب زيدا غلامه مقتضيا للعدول عن الأصل (والمفعول الأول فى نحو: أعطيت زيدا درهما)
===
(قوله: وتقديم بعض معمولاته إلخ) هذا هو المطلب الثالث من مطالب هذا الباب أى: أن من أحوال متعلقات الفعل تقديم بعض معمولات الفعل على بعض وأراد بمعمولاته كل ما له ارتباط به الشامل للمسند إليه، وإن كان الباب معقودا للمتعلقات التى هى ما عدا المسند إليه والقرينة على هذه الإرادة قوله كالفاعل إلخ
(قوله: لأن أصله التقديم) علة لمحذوف أى: يكون ذلك التقديم إما لأن إلخ، وقوله أى: أصل ذلك البعض أى: المتقدم
(قوله: ولا مقتضى للعدول عنه) المقتضى للعدول عن الأصل مثل اتصال الفاعل بضمير المفعول المقتضى لتقدم المفعول؛ لأنه مرجع الضمير وتأخير الفاعل، ثم إن اللام فى قوله للعدول، وإن كانت صلة لمقتضى فالفتحة فيه نصب وسقوط التنوين تشبيها له بالمضاف، وإن لم تكن صلة فالفتحة بنائية والجار متعلق بمحذوف يدل عليه لفظ مقتضى أشار للوجهين فى المغنى.
(قوله: لأنه عمدة إلخ) أى: إنما كان أصل الفاعل التقديم؛ لأنه عمدة فى الكلام أى: لا يتقوم الكلام بدونه بخلاف المفعول فسقط ما فى الحفيد، ونص ما فى الحفيد: إن التعليل بالعمدية لأصالة التقديم غير صحيح؛ لأن المفعول عمدة أيضا بالنسبة للفعل المتعدى؛ لأن تعقله يتوقف على تعقل المفعول مع أنه ليس أصله التقديم، فالأولى تعليل أصالة التقديم فى الفاعل بكونه مقدما على المفعول فى تعلق الفعل؛ لأن الفعل يتعلق أولا بالفاعل، ثم بالمفعول فالمناسب لترتيب المعنى أن يقدم الفاعل، ورد هذا الاعتراض بأن المفعول فضلة مطلقا سواء كان الفعل لازما أو متعديا والفعل المتعدى إنما يتوقف تعقله على شىء يقوم به أو يقع عليه بدليل أن الكلام يتم بالفعل المتعدى مع الفاعل ولا يتم بالفعل المذكور مع المفعول كما مر.
(قوله: وحقه أن يلى الفعل) أى: لأنه لشدة طلب الفعل له صار كالجزء منه وما هو كالجزء أولى بالتقديم مما هو فى حكم الانفصال
(قوله: مقتضيا للعدول عن الأصل)
فإن أصله التقديم لما فيه من معنى الفاعلية؛ وهو أنه عاط؛ أى: آخذ للعطاء (أو لأن ذكره) أى: ذكر ذلك البعض الذى يقدم (أهم)
…
===
أى: وهو اتصال الفاعل بضمير المفعول المقتضى لتقدم المفعول، إذ لو قدم الفاعل حينئذ لزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة
(قوله: فإن أصله) أى: أصل المفعول الأول وهو زيدا فى المثال
(قوله: أنه عاط) من عطوت الشىء تناولته (وقوله أى: آخذ للعطاء) أى:
الشىء المعطى وهو الدراهم فقولك أعطيت زيدا درهما فى معنى أخذ زيد منى درهما
(قوله: أو لأن ذكره أهم) أى: كما لو كان تعلق الفعل بذلك المقدم هو المقصود بالذات لغرض من الأغراض فيقدم على المعمول الآخر، وذلك كما فى المثال الآتى، فإن تعلق القتل بالخارجى هو المقصود بالذات ليستريح الناس من أذاه دون تعلقه بالقاتل، ولو كان فاعلا فيكون ذكره أولا لكونه أهم
(قوله: جعل الأهمية إلخ) هذا اعتراض على المصنف حيث خالف صنيعه هنا ما ذكره فى باب المسند إليه؛ وذلك لأنه فيما تقدم جعل الأهمية أمرا شاملا لكون الأصل التقديم ولغيره حيث قال، وأما تقديمه فلكون ذكره أهم إما لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه وإما ليتمكن الخبر فى ذهن السامع وإما لتعجيل المسرة أو المساءة إلخ، وهنا جعل الأهمية قسيما لكون الأصل التقديم فمقتضى ما تقدم أن يكون المصنف هنا عطف العام على الخاص بأو وهو لا يجوز، وأجاب الشارح عن هذا الاعتراض بالتوفيق بين الكلام وعدم لزوم العطف المذكور بقوله فمراد المصنف بالأهمية فيما تقدم مطلق الأهمية، ومراده بالأهمية هنا الأهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم وتوضيح ذلك الجواب أن الأهمية المطلقة أى: الغير المقيدة بذاتية أو عرضية لها أسباب منها أصالة التقديم وتمكين الخبر فى ذهن السامع وتعجيل المسرة أو المساءة إلى غير ذلك مما تقدم فإن كان سببها غير كون الأصل التقديم من تعجيل المسرة أو المساءة أو تمكين الخبر فى ذهن السامع، فالأهمية عرضية وإن كان سببها كون الأصل التقديم فالأهمية ذاتية، فالمصنف أراد بالأهمية هنا الأهمية العارضة المقابلة للأهمية الذاتية وأراد بالأهمية السابقة فى باب المسند إليه مطلق الأهمية الشاملة للذاتية والعرضية، وحينئذ فعطف الأهمية فى كلامه على كون الأصل التقديم من عطف
جعل الأهمية هاهنا قسيما لكون الأصل التقديم، وجعلها فى المسند إليه شاملا له ولغيره من الأمور المقتضية للتقديم؛ وهو الموافق للمفتاح؛ ولما ذكره الشيخ عبد القاهر حيث قال: إنا لم نجدهم اعتمدوا فى التقديم شيئا يجرى مجرى الأصل غير العناية والاهتمام،
…
===
المغاير فصح جعله هنا الأهمية قسيما لكون الأصل التقديم، لكن يرد على هذا الجواب أن ما ذكره هنا بعد الأهمية من كون التأخير فيه إخلال ببيان المعنى والتناسب من جملة أسباب الأهمية العرضية فيكون مندرجا فيها فكيف يجعله قسيما لها، وحاصل ما أجيب به أنا نريد بالأهمية العرضية هنا ما كان سببها غير ما ذكر بعد وغير أصالة التقديم، فالاحتراز عن الإخلال ببيان المعنى والتناسب ليسا داخلين عنده فى الأهمية- كذا قرر شيخنا العلامة العدوى.
(قوله: جعل إلخ) أى: لأن العطف يقتضى المغايرة
(قوله: قسيما لكون الأصل التقديم إلخ) أخذ الشارح الكونية من قول المصنف؛ لأن أصله التقديم؛ لأن أن وما دخلت عليه فى تأويل الكون لجمود خبرها
(قوله: شاملا) أى: أمرا شاملا له أى: لكون الأصل التقديم ولغير كونه الأصل؛ وذلك لأنه جعلها فيما تقدم مقسما، حيث قال:
وأما تقديمه فلكون ذكره أهم إما لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه، وإما ليتمكن الخبر فى ذهن السامع إلى آخر ما مر
(قوله: من الأمور إلخ) بيان لذلك الغير
(قوله: وهو) أى: جعل الأهمية أمرا شاملا لأصالة التقديم وغيره من شمول الشىء لأسبابه الموافق للمفتاح ولما ذكره الشيخ عبد القاهر يعنى فى دلائل الإعجاز
(قوله: حيث قال) أى: الشيخ عبد القاهر، وهذه حيثية تعليل
(قوله: فى التقديم) أى: فى الأغراض الموجبة له
(قوله: يجرى مجرى الأصل) أى: مجرى القاعدة الكلية الشاملة لجميع أغراضه
(قوله: والاهتمام) عطف تفسير فجعل الاهتمام كالقاعدة الكلية فى مطلق الشمول؛ وذلك لأن الاهتمام بالشىء صادق بأن يكون من جهة أصالة تقديمه أو من جهة تمكنه فى ذهن السامع أو من جهة تعجيل المسرة أو المساءة إلخ، وجعله كالقاعدة حيث قال يجرى مجرى الأصل ولم يجعله قاعدة بحيث يقول شيئا هو الأصل؛ لأن شمول القاعدة لجزئياتها
لكن ينبغى أن يفسر وجه العناية بشىء يعرف له معنى، وقد ظن كثير من الناس أنه يكفى أن يقال: قدم للعناية ولكونه أهم من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية، وبم كان أهم؟ فمراد المصنف بالأهمية هاهنا الأهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم أو السامع بشأنه والاهتمام بحاله لغرض من الأغراض (كقولك: قتل الخارجى فلان)
…
===
وشمول الاهتمام لأسبابه
(قوله: لكن ينبغى إلخ) هذا من جملة كلام الشيخ وقوله وجه العناية أى: سببها وقوله يعرف له أى: لذلك الشىء معنى أى: مزية، واعتبار مثل أصالة التقديم وتمكين الخبر فى ذهن السامع، ولا يقال: إن الشىء نفس المعنى؛ لأنك إذا قلت قدم هذا؛ لأنه أهم لكون الأصل تقديمه، فقولك لكون الأصل تقديمه لا بد من معرفة معناه أى: وجهه وسببه بأن يقال: لأنه مسند إليه والأصل فيه أن يكون مقدما إلى غير ذلك كذا قرر شيخنا العدوى.
وعلم من كلام الشيخ عبد القاهر هذا أنه لا يكفى أن يقال قدم هذا الشىء للاهتمام به، بل لا بد من بيان سبب الاهتمام بأن يقال اهتم به لكون الأصل تقديمه ولا مقتضى للعدول عن تلك الأصالة أو لأجل أن يتمكن الخبر فى ذهن السامع إلخ
(قوله: ولكونه أهم) تفسير لما قبله
(قوله: من غير أن يذكر من أين كانت) أى: من غير أن يذكر جواب من أين كانت وجواب ذلك ذكر سببها، وحينئذ فالمعنى من غير ذكر سببها وجهها وقوله وبم كان؟ أى: وبأى سبب كان تفسير لما قبله
(قوله: فمراد المصنف) أى: وحين إذ كان كلام المصنف هنا مخالفا لما مر فى المسند إليه الموافق لما فى المفتاح، ولما ذكره الشيخ عبد القاهر فيتعين أن مراد المصنف إلخ
(قوله: الأهمية العارضة) أى: لا مطلق الأهمية أى: بخلاف ما مر فى المسند إليه، فإن مراده بها الأهمية المطلقة الصادقة بالذاتية والعارضة والدليل على أن مراد المصنف بالأهمية هنا الأهمية العارضة ما تقرر من أن العام إذا قوبل بالخاص يراد به ما عدا الخاص
(قوله: بحسب اعتناء المتكلم) أى: سواء وافق نفس الأمر أو لا
(قوله: بشأنه) أى: بشأن المقدم
(قوله: لغرض من الأغراض) أى: غير أصالة التقديم كما تقدم
(قوله: قتل الخارجى فلان) الخارجى هو الخارج على السلطان فالنسبة إليه من نسبة الجزئى للكلى.
لأن الأهم فى تعلق القتل هو الخارجى المقتول ليتخلص الناس من شره (أو لأن فى التأخير إخلالا ببيان المعنى نحو: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ (1) فإنه لو أخر) قوله: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) عن قوله: يَكْتُمُ إِيمانَهُ (لتوهم أنه من صلة يكتم) أى: يكتم إيمانه من آل فرعون
…
===
(قوله: لأن الأهم إلخ) يعنى إن إفادة وقوع القتل على الخارجى أهم من إفادة وقوعه من فلان؛ لأن قصد الناس وقوع القتل على الخارجى لا وقوع القتل من فلان
(قوله: أو لأن فى التأخير) أى: تأخير ذلك المفعول المقدم، (وقوله: إخلالا ببيان المعنى) أى: المراد وذلك بأن يكون التأخير موهما لمعنى آخر غير مراد فيقدم لأجل التحرز والتباعد عن ذلك الإيهام
(قوله: أنه من صلة يكتم) أى: لتوهم أنه بعض معمولاته والبعض الآخر قوله: إيمانه، والحاصل أنه على تقدير تأخير الجار والمجرور لا تكون صلة يكتم منحصرة فيه، إذ من صلته حينئذ المفعول وهو إيمانه وهذا هو السر فى تعبير المصنف بمن التبعيضية، وقوله لتوهم أى: توهما قويا فلا ينافى أن هذا التوهم حاصل فى حال تقديمه أيضا لاحتمال تعلقه به مع التقديم لكنه ضعيف، فإن قلت أن التأخير لا يوهم كونه من صلة يكتم إلا لو كان يكتم يتعدى بمن ومن المعلوم أنه إنما يتعدى بنفسه، إذ يقال: كتمت زيدا الحديث كما قال الله تعالى: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (2) أجيب بأنه سمع أيضا تعديته بمن فيعرض الإيهام بسبب ذلك؛ فإن قلت: إن تقديم الجار والمجرور على الجملة فيما إذا كان كل منهما نعتا هو الأصل، إذ القاعدة عند اختلاف النعوت تقديم النعت المفرد، ثم الظرف، ثم الجملة، وحينئذ فالآية المذكورة مما جرى فيها التقديم على الأصل لا مما قدم لغرض آخر يجاب بأن النكات لا تتزاحم فيجوز تعدادها ويرجح بعضها على بعض اعتبار المتكلم، فيجوز أن يقال قدم الجار والمجرور؛ لأنه الأصل لقربه من المفرد؛ لأن الأصل تقديره بالمفرد وأن يقال: قدم لأن فى تأخيره إخلالا بالمراد.
(1) غافر: 28.
(2)
النساء: 42.