الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ويسمى الفصل لذلك) أى: لكونه جوابا لسؤال اقتضته الأولى (استئنافا، وكذا) الجملة (الثانية) نفسها تسمى استئنافا ومستأنفة.
[أنواع الاستئناف]:
(وهو) أى: الاستئناف (ثلاثة أضرب؛ لأن السؤال) الذى تضمنته الأولى:
===
تشبيه القطع بالقطع من غير حاجة لتشبيه أحد المقطوع عنهما بالآخر، ولهذا يصح هنا أن يجعل كون الجملة الأولى منشأ السؤال الذى هو سبب الجواب كافيا فى القطع؛ لأنها سبب السبب من غير حاجة لزيادة تنزيلها منزلة السؤال وتشبيهها به كما أشار إليه صاحب الكشاف حيث جعل الاستئناف كالجارى على المستأنف عنه وكالمتصل به، ولهذا لا يصح عطفه عليه لما بينه وبينه من الاتصال ولو كان على تقدير السؤال وتنزيل المستأنف عنه منزلة السؤال لم يصلح كون الجواب كالجارى عليه، إذ لا يجرى الجواب على السؤال على أنه وصف له، فقد اكتفى بمجرد الربط الحاصل بالنشأة ولم يعتبر تشبيهها بالسؤال ولا تشبيه الاستئناف بالجواب اه كلامه.
لا يقال الاكتفاء بمجرد كون الأولى منشأ للسؤال ينافيه جعل السؤال كالمذكور على ما قاله السكاكى؛ لأنا نقول تقدم أن جعل السؤال كالمذكور ليس للقطع، بل لنكت أخرى قد تقدمت، ولك أن تقول: تنزيل الأولى منزلة السؤال للقطع أو كونها منشأ للسؤال للقطع أو تقدير السؤال كالمذكور للقطع مآلها واحد والاختلاف فى الاعتبار والتعبير والتلازم حاصل فى الكل، فأى فائدة لهذا الاختلاف؟ ! فتأمل.
(قوله: ويسمى الفصل) أى: الذى هو ترك العطف
(قوله: استئنافا) تسميته بذلك من تسمية اللازم باسم الملزوم؛ لأن الاستئناف الذى هو الإتيان بكلام مستقل فى جميع أجزاء تركيبه عما قبله يستلزم قطعه أى: ترك عطفه على ما قبله
(قوله: تسمى استئنافا إلخ) تسميتها بذلك من تسمية الشىء باسم ما تعلق به؛ لأن الجملة لابسها الاستئناف وتعلق بها، هذا ويحتمل أن الاستئناف مشترك بين المعنى المصدرى والمعنى الاسمى
(قوله: أى الاستئناف) يعنى مطلقا سواء أريد به فصل الجملة الثانية أو نفسها
(قوله: لأن السؤال إلخ) هذا تعليل المحذوف أى: وإنما انحصر فى ثلاثة أضرب؛ لأن السؤال
(إما عن سبب الحكم مطلقا؛ نحو:
قال لى كيف أنت قلت عليل
…
سهر دائم وحزن طويل (1)
أى: ما بالك عليلا؟
…
===
إلخ، وحاصله أن المنبهم على السامع إما سبب الحكم الكائن فى الجملة الأولى على الإطلاق بمعنى أنه جهل السبب من أصله فيسأل عنه، وإما سبب خاص بمعنى أنه تصور نفى جميع الأسباب إلا سبب خاص تردد فى حصوله ونفيه فسأل عنه، وإما غير السبب بأن ينبهم عليه شىء مما يتعلق بالجملة الأولى
(قوله: عن سبب الحكم) أى: المحكوم به الكائن فى الجملة الأولى
(قوله: مطلقا) حال من السبب أى: حال كون السبب مطلقا أى: لم ينظر فيه لتصور سبب معين بل لمطلق سبب، وذلك لكون السامع يجهل السبب من أصله وذلك بأن يكون التصديق بوجود السبب حاصلا للسائل والمطلوب بالسؤال تصور حقيقة السبب كما قاله فى البيت المذكور فإن التصديق بوجود العلة يوجب التصديق بوجود السبب، إلا أنه جاهل حقيقته فيطلب بما شرح ماهيته ولذا يسأل بما، والتصديق الحاصل بوجود سبب معين ضمنى ليس مقصودا للسائل
(قوله: عليل) خبر مبتدأ محذوف أى: أنا عليل وهذه الجملة منشأ السؤال
(قوله: سهر دائم) خبر لمبتدأ محذوف أى: سبب علتى سهر دائم وهذا محل الشاهد حيث ترك العاطف لما بين الجملتين من شبه كمال الاتصال، والمغايرة التى يقتضيها العطف لا تناسبه، وأما قوله:
عليل أى: أنا عليل فلا شاهد فيه لما نحن بصدده؛ لأنه جواب عن سؤال ملفوظ به، واحتمال كون عليل خبرا أولا، وسهر خبرا ثانيا بتأويله بساهر، وكذا حزن، أو كون سهر مبتدأ، ودائم خبرا، والجملة كالبدل مما قبلها أو حالية أى: ذو سهر دائم تعسف لا يتبادر من الكلام فلا يرتكب
(قوله: أى ما بالك عليلا) أى: ما حالك حال كونك عليلا، ولا شك أن السؤال عن حال العليل بعد العلم بعلته يوجب كون المعنى ما سبب علتك، إذ لا يبقى ما يسأل عنه من أحوال العلة بعد العلم بها إلا سببها فيقدر هذا السؤال
(1) البيت فى الإشارات والتنبيهات للجرجانى ص 34، ومعاهد التنصيص 1/ 100. ودلائل الإعجاز ص 238، وفى عقود الجمان ص 182.
أو ما سبب علتك؟ ) بقرينة العرف والعادة؛ لأنه إذا قيل: فلان مريض- فإنما يسأل عن مرضه وسببه، لا أن يقال: هل سبب علته كذا وكذا لا سيما السهر والحزن؛
===
المفيد لهذا المعنى
(قوله: أو ما سبب علتك) هذا تنويع فى التعبير والمعنى واحد؛ لأن كلا من العبارتين يفيد السؤال عن سبب العلة وإن كانت العبارة الأولى تفيد ذلك بالتلويح، والثانية تفيده بالتصريح- كذا قرر شيخنا العدوى.
(قوله: بقرينة إلخ) مرتبط بمحذوف أى: وإنما كان السؤال عن السبب المطلق لا عن السبب الخاص بقرينة العرف وإضافة القرينة لما بعده بيانية وأشار بعطف العادة عليه إلى أن المراد العرف العادى
(قوله: فإنما يسأل عن مرضه) على تقدير مضاف أى:
عن سبب مرضه فعطف سببه عليه تفسير، (وقوله: لا أن يقال هل سبب علته كذا) أى: على وجه التردد فى ثبوت سبب خاص، وبيان ما ذكره الشارح أنه إذا قيل فلان مريض لم يتصور السامع منه إلا مجرد المرض ويبقى السبب مجهولا له فيقول: ما سبب مرضه؟ فيكون السؤال تصوريا بمعنى أنه يطلب تصور السبب لكونه جاهلا به، لا أنه يعلم الأسباب بخصوصها ويتردد فى تعيين أحدهما ليكون السؤال عن السبب الخاص وإجابة ذلك السؤال التصورى بسبب خاص تحصل مطلوب السائل أعنى: تصور سبب المرض مع التصديق بكون السبب الخاص سببا، إلا أن هذا التصديق لما لم يغاير التصديق الحاصل له قبل السؤال لم يكن هذا السؤال إلا لتصور ماهية السبب، فافهم فإنه مما خفى على بعض الناظرين- اه عبد الحكيم.
فإن قلت: حيث كان السائل خالى الذهن من السبب وطالبا لتصور السبب المطلق فلا يؤكد الكلام الملقى إليه؛ لأن التأكيد إنما يجىء لطالب الحكم وقد اشتمل الجواب المذكور على التأكيد؛ لأن اسمية الجملة من المؤكدات كما مر فلا يصح أن يكون السؤال هنا عن السبب المطلق بل عن السبب الخاص، وأجيب بأن اسمية الجملة لا تكون من المؤكدات إلا إذا انضم إليها مؤكد، وإلا فلا تكون من المؤكدات كما هنا، فعدم التأكيد هنا دليل على أن السائل طالب لتصور السبب مطلقا
(قوله: لا سيما السهر والحزن) أى: خصوصا السهر والحزن فهما أولى بعدم القول؛ لأنه يبعد كونهما
حتى يكون السؤال عن السبب الخاص.
(وإما عن سبب خاص) لهذا الحكم (نحو: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ (1) كأنه قيل:
…
===
سببين من الأسباب المحدثة للمرض، وحينئذ فلا يقال فى السؤال: هل سبب علته السهر أو الحزن؟ إذ لا يتوهم سببيتهما للمرض حتى يسأل عنهما، والحاصل أنه إذا قيل فلان مريض فالعادة تمنع من أن يقال: هل سبب مرضه السهر أو الحزن؟ منعا أكثر من أن يقال: هل سبب مرضه الحمى أو البرودة؟ لأنه لا يتوهم سببية الحزن والسهر للمرض حتى يسأل عنهما لأنهما من أبعد الأسباب المحدثة للمرض، وإنما تقضى العادة بالسؤال عن مطلق السبب بأن يقال ما سبب مرضه؟ لما مر
(قوله: حتى يكون إلخ) هذا تفريع على المنفى
(قوله: وإما عن سبب خاص لهذا الحكم) يسأل السائل عنه هل هو حاصل أو غير حاصل؟ فيكون المقام مقام أن يتردد فى ثبوته، فلذا يؤتى بالجواب مؤكدا
(قوله: لهذا الحكم) أى: الكائن فى الجملة الأولى كعدم التبرئة فى الآية الآتية
(قوله: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) هذه الجملة منشأ السؤال، (وقوله: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) هذا هو الاستئناف قال فى الكشاف: وما أبرئ نفسى أى: من الزلل ولم أشهد لها بالبراءة الكلية ولا أزكيها، ولا يخلو: إما أن يريد فى هذه الحادثة الهم المفهوم من قوله: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها (2) الذى هو فعل النفس عن طريق الشهوة البشرية عن طريق القصد والعزم، وإما أن يريد عموم الأحوال. اه.
(قوله: كأنه قيل إلخ) أى: لأن الحكم بنفى تبرئة النفس من طهارتها من الزلل يتبادر منه أن ذلك لانطباعها من أصلها على طلب ما لا ينبغى فكأن المقام مقام أن يتردد فى ثبوت أمرها بالسوء بعد تصوره، فكأنه قيل لم نفيت البراءة عن نفسك، هل لأن النفس أمارة بالسوء؟ أى: إنها منطبعة على ذلك، فالسائل متردد طالب للتعيين- كذا فى ابن يعقوب. (وقوله: فكأن المقام إلخ) أولى من قول الشارح: إذا كان طالبا مترددا؛
(1) يوسف: 53.
(2)
يوسف: 24.
هل النفس أمارة بالسوء؟ فقيل: إن النفس لأمارة بالسوء) بقرينة التأكيد، فالتأكيد دليل على أن السؤال عن السبب الخاص؛ فإن الجواب عن مطلق السبب لا يؤكد (وهذا الضرب يقتضى تأكيد الحكم) الذى هو فى الجملة الثانية- أعنى:
الجواب- لأن السائل متردد فى هذا السبب الخاص: هل هو سبب الحكم؟ أم لا؟
(كما مر) فى أحوال الإسناد الخبرى
…
===
لأن التردد بالفعل لم يتحقق؛ لأن حال الأنبياء عند من عرف زكاتها يبعد التردد فى كون نفسه تأمر بالسوء، ولكن لما نفى تبرئة النفس عن موجبات نقصانها صار المقام مقام التردد باعتبار أصل معناه- كذا قرر شيخنا العدوى، وعبارة عبد الحكيم.
(قوله: كأنه قيل إلخ) وليس السؤال المقدر ما سبب عدم تبرئتك لنفسك على ما سبق إليه الوهم؛ لأنه معلوم وهو الهم المفهوم من قوله: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها، فالسؤال المقدر هل جنس النفس مجبولة على الأمر بالسوء فلا براءة لهذه النفس الشريفة المزكاة، فأجيب نعم إن جنس النفس آمرة بالسوء مجبولة عليه فيكون هو السبب لنفى التبرئة- اه.
(قوله: هل النفس أمارة بالسوء) أى: هل لأن النفس أمارة بالسوء أى: هل سبب التبرئة أن النفس إلخ؛ لأن الفرض أن السؤال عن سبب خاص
(قوله: بقرينة التأكيد) هذا مرتبط بمحذوف أى: فالسؤال عن سبب خاص بقرينة التأكيد بأن واللام؛ لأنه يدل على أن السائل سأل عن سبب خاص مع التردد فيه، فأجيب بالتأكيد على ما بينه الشارح؛ لأن السؤال عن مطلق السبب لا يؤكد جوابه
(قوله: وهذا الضرب) أى:
النوع من السؤال وهو السؤال عن سبب خاص للحكم الكائن فى الجملة الأولى أو المراد هذا الضرب من الاستئناف من حيث السؤال يقتضى إلخ، فاندفع ما يقال: إن الضرب قسم من أقسام الاستئناف وهو لا يقتضى التأكيد
(قوله: يقتضى تأكيد الحكم) أى: الجواب؛ لأن السؤال لما كان عن سبب خاص وهو طالب له لا لماهيته علم أن السؤال جملة طلبية فيقتضى تأكيد الحكم؛ ولذا قيل فى هذا الباب إن دلت الجملة الأولى على سؤال تصديقى أى: فيه تردد فى النسبة بعد تصور الطرفين كانت الجملة الثانية مؤكدة وإلا فلا؛ لأن التأكيد بإن إنما يكون للنسبة لا لأحد الطرفين
(قوله: كما مر)
من أن المخاطب إذا كان طالبا مترددا حسن تقوية الحكم بمؤكد. ولا يخفى أن المراد الاقتضاء استحسانا لا وجوبا، والمستحسن فى باب البلاغة بمنزلة الواجب.
(وإما عن غيرهما) أى: غير السبب المطلق، والخاص (نحو: فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ (1)) أى: فماذا قال إبراهيم فى جواب سلامهم؟ فقيل: قال سلام؛ أى:
حياهم بتحية أحسن؛ لكونها بالجملة الاسمية
…
===
الكاف تعليلية
(قوله: من أن المخاطب إذا كان طالبا إلخ) الأولى أن يقول من أن المخاطب قد ينزل منزلة المتردد الطالب إذا قدم إليه ما يلوح بالخبر فيستشرف استشراف المتردد، فحينئذ يحسن تقوية الحكم بمؤكد وما أبرئ يلوح بالخبر كما قررنا، وإنما كان هذا أولى مما قاله الشارح لما تقدم من أن المخاطب هنا غير متردد فى الحكم طالب له؛ لأن حال الأنبياء عند من عرف زكاتها يبعد التردد فى كون نفسه تأمر بالسوء نعم هو منزل منزلة المتردد؛ لأن يوسف لما نفى تبرئة النفس عن موجبات نقصانها صار المقام مقام تردد باعتبار مفاده- تأمل.
(قوله: لا وجوبا) أى: وحينئذ فلا يكون تعبير المصنف بيقتضى المشعر بالوجوب مناسبا
(قوله: بمنزلة الواجب) أى: فى طلب مراعاته والإتيان به، وحينئذ فساغ التعبير بيقتضى.
(قوله: وإما عن غيرهما) أى: عن غير السبب الخاص وغير السبب المطلق وهو شىء آخر له تعلق بالجملة الأولى يقتضى المقام السؤال عنه إما عام كما فى الآية، وإما خاص كما فى البيت؛ لأن العلم حاصل بواحد من الصدق والكذب والسؤال عن تعيينه
(قوله: قالُوا) أى: الرسل أعنى الملائكة المرسلين لقوم لوط، (وقوله: سَلاماً) مفعول لمحذوف أى: نسلم عليك يا إبراهيم سلاما
(قوله: قالَ سَلامٌ) أى: قال إبراهيم فى جواب سلام الملائكة: سلام أى عليكم فهو مبتدأ حذف خبره
(قوله: أى فماذا قال إبراهيم فى جواب سلامهم) أى: سلام الملائكة عليه ولا شك أن قول إبراهيم ليس سببا لسلام الملائكة لا عاما ولا خاصا وعام فى حد ذاته.
(1) الذاريات: 25.
الدالة على الدوام والثبات.
(وقوله: زعم العواذل) جمع: عاذلة؛ بمعنى: جماعة عاذلة (أننى فى غمرة) وشدة (صدقوا) أى: الجماعات العواذل فى زعمهم أنى فى غمرة (ولكن غمرتى لا تنجلى) ولا تنكشف، بخلاف أكثر الغمرات والشدائد
…
===
(قوله: الدالة على الدوام والثبات) أى: بخلاف تحيتهم، فإنها بالجملة الفعلية؛ لأنه نصب لفظ سلام بتقدير الفعل كما بيناه، وقد يقال: إن الفعلية تدل على الحدوث والاستمرار وهو موازى الدوام والثبات وحينئذ فلا أحسنية، وحسن الدوام على التجدد والحدوث يحتاج لبيان- كذا قرر شيخنا العدوى، ثم إن التفريق بين الجملتين واعتبار النكات المذكورة إنما يراعى فى الحكاية لا فى المحكى؛ لأنها الكلام البليغ غاية البلاغة، فقول الفنارى ومن تبعه يحتمل أن يكون تفاوت المتخاطبين بلغة يعتبر فيها مثل ما يعتبر فى اللغة العربية، ويحتمل أن يكون تفاوتهم بها؛ لأنهم كانوا على ما قيل يتكلمون باللغة العربية نعم شيوع هذه اللغة إنما كان من إسماعيل- عليه السلام بعيد عن المقصود- أفاده المولى عبد الحكيم.
(قوله: زعم)(1) قال فى شرح الشواهد: لا أعرف قائله، والزعم أكثر استعماله فى الاعتقاد الباطل، وقد يستعمل فى الحق على ما فى القاموس، ومن ذلك ما هنا بدليل قوله: صدقوا
(قوله: بمعنى جماعة عاذلة) أى: من الذكور ولم يجعله الشارح جمع عاذلة بمعنى امرأة عاذلة لقول الشاعر: صدقوا بضمير الذكور ولم يجعله جمع عاذل؛ لأن فاعلا لا يطرد جمعه على فواعل، إلا إذا كان صفة لمؤنث، أو لما لا يعقل كحائض وصاهل، وأما إن كان صفة لمن يعقل كعاذل فلا يطرد، بل هو سماعى بخلاف فاعلة فإنه يطرد جمعها على فواعل مطلقا، وقد يقال: ما المانع من جعل هذا من جملة ما سمع- تأمل.
(قوله: وشدة) عطف تفسير كما أن قوله بعد: ولا تنكشف تفسير لما قبله
(قوله: ولكن غمرتى لا تنجلى) لما كان قوله: صدقوا مظنة أن يتوهم أن غمرته مما تنكشف
(1) البيت أورده الجرجانى فى الإشارات ص 125، بلا عزو، والطيبى فى التبيان ص 142، وفى عقود الجمان ص 182، وفى شرح شواهد المغنى 2/ 800 ومعاهد التنصيص 1/ 281، ومغنى اللبيب 2/ 383.
كأنه قيل: أصدقوا أم كذبوا؟ فقيل: صدقوا.
(وأيضا منه) أى: من الاستئناف؛ وهذا إشارة إلى تقسيم آخر له (: ما يأتى بإعادة اسم ما استؤنف عنه) أى: أوقع عنه الاستئناف، وأصل الكلام: ما استؤنف عنه الحديث؛
…
===
كما هو شأن أكثر الغمرات والشدائد، استدرك على ذلك بقوله: ولكن غمرتى لا تنجلى، والمعنى أنى كما قالوا ولكن لا مطمع فى فلاحى
(قوله: كأنه قيل إلخ) هذا تقدير للسؤال الناشئ من الجملة الأولى، فإنه لما أظهر الشكاية من جماعة العذال له على اقتحام الشدائد كان ذلك مما يحرك السائل ليسأل هل صدقوا فى ذلك الزعم أم لا؟
فالسائل متصور للصدق والكذب، وإنما يسأل عن تعيين أحدهما لتردده فى الثابت لما زعموه هل هو الصدق أو الكذب؟ فإن قلت: حيث كان المقام مقام تردد كان الواجب فى الجواب التأكيد بأن يقال: إنهم لصادقون مثلا أجيب بأن السؤال المقدر لما كان فعلا أتى بالجواب مطابقا والتأكيد تقديرى بمثل القسم أى: صدقوا والله مثلا.
(قوله: وأيضا منه) أى: ونعود أيضا إلى تقسيم آخر منه أى: من الاستئناف أى: بمعنى الجملة الثانية
(قوله: إلى تقسيم آخر) أى: باعتبار إعادة اسم ما استؤنف عنه الحديث والإتيان بوصفه المشعر بالعلية، وإن كان الاستئناف فى ذلك لا يخلو عن كونه جوابا عن السؤال عن السبب أو غيره الذى هو حاصل التقسيم السابق
(قوله: ما يأتى) أى: استئناف يأتى
(قوله: بإعادة) أى: مع إعادة، فالباء للمصاحبة بمعنى مع وإضافة اسم إلى ما من إضافة الاسم إلى المسمى أى اسم ذات، (وقوله: استؤنف عنه) أى:
لأجله أى: أوقع الاستئناف والحديث لأجله فعن بمعنى اللام ويصح أن تكون بمعنى بعد
(قوله: أى أوقع عنه الاستئناف) أى: لأجله أو بعده، وهذا بيان لحاصل المعنى المراد، فالفعل إما مسند إلى مصدره ويؤيده شيوع هذا التقدير، وإما إلى الجار والمجرور ويؤيده تقديم الشارح على الاستئناف.
(قوله: وأصل الكلام) أى: أصل قوله استؤنف عنه أى: أصله بعد بنائه للمجهول فهو بيان للأصل الثانى، وإلا فالأصل الأصيل بإعادة اسم ما استأنف المتكلم
فحذف المفعول ونزل الفعل منزلة اللازم (نحو: أحسنت) أنت (إلى زيد؛ زيد حقيق بالإحسان)
…
===
الحديث- أى: الكلام- عنه، فبنى الفعل للمجهول بعد حذف الفاعل وإقامة المفعول به مقامه، فصار بإعادة اسم ما استؤنف عنه الحديث، ثم حذف المفعول الذى له الأصالة بالنيابة وهو الحديث اختصارا لظهور ذلك المراد، ولما حذف ذلك المفعول نزل الفعل منزلة اللازم، فأنيب المجرور أو المصدر المفهوم من استؤنف بتأويل استؤنف بأوقع كما قال الشارح
(قوله: فحذف المفعول) أى: فى الأصل الأول الذى هو نائب فاعل فى هذا الأصل الثانى وهو لفظ الحديث
(قوله: منزلة اللازم) أى: بالنسبة للمفعول الصريح حيث قطع النظر عن ذلك المفعول واقتصر على المفعول بالواسطة وهو قوله عنه
(قوله: نحو أحسنت أنت إلى زيد) أشار الشارح بأنت إلى أن التاء فى أحسنت تاء الخطاب لا تاء المتكلم، فالمعنى حينئذ نحو قولك: المخاطب قد أحسن إلى زيد: أحسنت إلى زيد، وإنما جعل الشارح التاء للخطاب مع أنه يصح جعلها للمتكلم للتناسب مع أحسنت فى المثال الآتى؛ لأنه يتعين أن تكون الثانية للخطاب، وإلا لقال صديقى القديم وأيضا لا معنى لتعليل إحسان المتكلم إلى زيد فى المثال الثانى بصداقته للمخاطب إلا بعد اعتبار أمر خارج عن مفاد الكلام كصداقة المخاطب للمتكلم أو قرابته له، ثم إن المقصود من هذا الكلام أعنى قولك: أحسنت إلى زيد إعلام المخاطب بأنه وقع الإحسان منه بالقياس إلى زيد لتقرير الإحسان السابق واستجلاب الإحسان اللاحق لا إفادة لازم الفائدة- كما قيل، حتى يكون معنى الكلام: إنى أعلم إحسانك إلى زيد، ويكون السؤال المقدر الواقع من المخاطب سؤالا عن سبب علمه، ويكون الجواب عنه بأنى أعلم ذلك؛ لأنه حقيق بالإحسان، أو لأنه صديق لك؛ لأن هذا مع بعده عن الفهم يرد عليه أن العلم بكونه حقيقا بالإحسان لا يستلزم العلم بإحسان المخاطب إليه، ثم إن فعل المخاطب الأمر الحسن مع زيد إنما يتحقق كونه إحسانا إذا كان زيد محلا للإحسان؛ لأن الفعل الحسن فى غير موقعه إساءة، فإذا كان زيد محلا للإحسان، وقلت لمخاطبك الذى صدر منه الإحسان له: أحسنت إلى زيد يتجه السؤال منه عن سبب
.
===
كون زيد محسنا إليه أو عن أهليته للإحسان، فالمخاطب بعد تصديقه للمتكلم فى قوله:
أحسنت إلى زيد مصدق بكون زيد محسنا إليه لسبب، إلا أنه تارة يكون جاهلا بنفس السبب طالبا لتصوره فيكون السؤال المقدر: لماذا أحسن إليه على صيغة الماضى المبنى للمجهول؟ أى: لأى سبب صار محسنا إليه، وتارة يكون عالما بأسباب كونه محسنا إليه ككونه فى نفسه حقيقا بالإحسان وكونه صديقا للمخاطب وهو السائل أو قريبا له، أو غير ذلك جاهلا بتعيينه، فيطلب تعيين السبب، فيكون السؤال المقدر هل هو حقيق بالإحسان؟ والجواب على التقديرين زيد حقيق بالإحسان من غير إشارة إلى سبب استحقاقه، أو صديقك القديم أهل لذلك مع بيان سبب استحقاقه، إلا أنه على التقدير الأول يكون مقصود السائل تصور السبب المعين والتصديق به تابع له حاصل بالعروض، وعلى التقدير الثانى يكون مقصود السائل أولا وبالذات التصديق بالسبب الحامل، وأما تصوره فحاصل بالعروض.
بقى شىء آخر وهو أنه على التقدير الثانى يستحسن التأكيد فى الجواب لكون السائل مترددا فى تعيين السبب؛ لأن السؤال عن السبب الخاص بخلاف السؤال الأول وهو لماذا أحسن إليه؟ فإنه سؤال عن السبب المطلق، والجواب أن كلام المصنف فى نفس الاستئناف وكونه على وجهين وأن الوجه الثانى أبلغ من الأول، وأما استحسان التأكيد على التقدير الثانى وعدمه على التقدير الأول فخارج عما نحن فيه، وبما حررناه ظهر لك اندفاع اعتراض العلامة السيد بأن المخاطب أعلم بسبب فعله الاختيارى، وحينئذ فلا معنى لسؤاله من الغير وهو المتكلم عن سبب إحسانه؛ وذلك لأن السؤال المقدر الواقع من المخاطب سؤال عن كون زيد محسنا إليه لا عن كون المخاطب محسنا، وإذا علمت اندفاع ذلك الاعتراض تعلم أنه لا حاجة لما أجيب به من الجوابين اللذين أولهما أن السائل لا يتعين أن يكون المخاطب، بل سامع آخر وثانيهما أن السائل هو المخاطب ولكن السؤال للتقرير لا للاستفهام، وظهر لك أيضا مما قلناه أن تقدير السؤال لماذا أحسن إليه؟ أو هل هو حقيق بالإحسان؟ يصح مع كل من الجوابين اللذين
بإعادة اسم زيد (ومنه ما يبنى على صفته) أى: صفة ما استؤنف عنه دون اسمه، والمراد: صفة تصلح لترتب الحديث عليه (نحو: أحسنت إلى زيد صديقك القديم؛ أهل لذلك) والسؤال المقدر فيهما: لماذا أحسن إليه؟ أو: هل هو حقيق بالإحسان؟
(وهذا) أى: الاستئناف المبنى على الصفة (أبلغ) لاشتماله على بيان السبب الموجب للحكم؛ كالصداقة القديمة فى المثال المذكور لما يسبق إلى الفهم من ترتب الحكم على الوصف الصالح للعلية أنه علة له
…
===
ذكرهما المصنف وأنه ليس فى الكلام لف ونشر مرتب كما قيل. اه عبد الحكيم، مع بعض زيادة وتصرف.
(قوله: بإعادة اسم زيد) أى: الذى استؤنف الحديث والكلام لأجله
(قوله: ما يبنى) أى: استئناف يبنى ويركب من تركيب الكل على أجزائه ولم يعبر بالإعادة؛ لأن الصفة لم تذكر أولا حتى تعاد
(قوله: والمراد صفة تصلح لترتب الحديث) أى: الحكم بمعنى المحكوم به فى الجملة الثانية وضمير عليه للصفة بمعنى الوصف
(قوله: صديقك القديم إلخ) أى: فهذا استئناف مركب من صفة ما استؤنف الحديث لأجله، وهذه الصفة وهى الصداقة تصلح لترتب الحديث عليها
(قوله: فيهما) أى: فيما بنى على الاسم وفيما بنى على الصفة
(قوله: لماذا أحسن إليه) بصيغة الماضى وهذا راجع للمثال الأول، ويقدر السائل فيه غير المخاطب من السامعين كما علم من ضبطه بصيغة الماضى لعدم اشتمال الجواب فيه على خطاب وليس بصيغة المضارع ويقدر السائل المخاطب؛ لأنه لا معنى لسؤال الشخص عن سبب فعله، إلا أن يقال: السؤال لتقرير الحكم لا للاستعلام، (وقوله: أو هل هو إلخ) راجع للمثال الثانى وتقدير السؤال فيه من المخاطب لاشتمال الجواب على الخطاب ففى كلام الشارح إشارة إلى أنه لا يتعين تقدير السؤال من المخاطب كما فى المثال الأول، ففى كلام الشارح توزيع على طريق اللف والنشر المرتب على ما فى الفنرى، لكن لا يخفى صحة تقدير هل هو إلخ فى المثال الأول أيضا- فتأمل.
(قوله: الموجب للحكم) أى: الذى تضمنه الجواب كثبوت الأهلية للإحسان للصديق القديم، (وقوله: كالصداقة إلخ) مثال للسبب الموجب للحكم
(قوله: لما يسبق علة إلخ)
وهاهنا بحث: وهو أن السؤال إن كان عن السبب فالجواب يشتمل على بيانه لا محالة، وإلا فلا وجه لاشتماله عليه، كما فى قوله تعالى: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ، وقوله: زعم العواذل
…
===
لقوله: لاشتماله إلخ، (وقوله: من ترتب الحكم) أى: كثبوت الكون أهلا للإحسان، (وقوله: على الوصف الصالح للعلية) أى: كالصداقة القديمة، (وقوله: أنه) أى: الوصف وهو بدل من ما وإنما كان يسبق للفهم ما ذكر؛ لأن تعليق الحكم على مشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق كقولك: أكرم العالم
(قوله: وهاهنا) أى: فى الأبلغية المعللة بما ذكر بحث فهو إيراد على قوله: وهذا أبلغ لاشتماله على بيان السبب الموجب للحكم، وتقريره أن المراد بالحكم الحكم الذى يتضمنه الجواب كما يدل عليه التعليل بأن ترتب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، والحكم الذى يتضمنه الجواب هو الحكم المسئول عن سببه؛ إذ لو كان غيره لم يطابق الجواب السؤال؛ لأن بيان سبب الحكم الغير المسئول عنه لا يكون جوابا للسؤال عن سبب الحكم المسئول عنه، فحينئذ يرد عليه أن السؤال إن كان عن سبب الحكم فلا بد من اشتمال الجواب عليه فى أى: استئناف كان أى: سواء كان مبنيا على الاسم أو مبنيا على الصفة وإن لم يكن سؤالا عنه فالجواب غير مشتمل على السبب فى أى: استئناف كان؛ إذ لا معنى لاشتماله على بيانه، وحينئذ فلا فرق بين الاستئنافين فجعل المبنى على الصفة أبلغ من المبنى على الاسم وتعليله بما ذكر لا يتم، فقول الشارح:
وهو أن السؤال أى: المقدر، (وقوله: إن كان عن السبب) أى: فى المبنى على الاسم والمبنى على الصفة، (وقوله: فالجواب) أى: فى كل منهما يشتمل على بيانه (وقوله: وإلا فلا وجه) أى: وإلا يكن السؤال فى المبنى على الاسم والمبنى على الصفة عن السبب، بل كان غيره فلا وجه لاشتمال الجواب على سبب الحكم، وحينئذ فليس أحدهما أبلغ من الآخر فلا يتم ما ذكره المصنف من أبلغية المبنى على الصفة على المبنى على الاسم ولا يتم ما سبق من التعليل، وقول الشارح كما فى قوله تعالى: قالُوا سَلاماً (1)
(1) الذاريات: 25.