الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فلم يفهم أنه) أى: ذلك الرجل كان (منهم) أى: من آل فرعون، والحاصل أنه ذكر لرجل ثلاثة أوصاف؛ قدم الأول أعنى: مؤمن لكونه أشرف، ثم الثانى لئلا يتوهم خلاف المقصود (أو) لأن فى التأخير إخلالا (بالتناسب كرعاية الفاصلة نحو: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (1) بتقديم الجار والمجرور والمفعول على الفاعل لأن فواصل الآى على الألف.
[أقسام القصر]:
[[الباب الخامس: ] القصر]:
فى اللغة الحبس وفى الاصطلاح
…
===
(قوله: فلم يفهم أنه منهم) أى: والغرض بيان أنه منهم لإفادة ذلك مزيد عناية الله به، فتأخيره فيه إخلال بالمعنى المقصود
(قوله: ثلاثة أوصاف) أى: كونه مؤمنا وكونه من آل فرعون وكونه يكتم إيمانه وهذه الأوصاف معمولات للفعل؛ لأن العامل فى الموصوف عامل فى الوصف، وقوله قدم الأول أعنى مؤمن أى: على الجميع
(قوله: لكونه أشرف) أى: ولإفراده، إذ النعت المفرد يقدم على غيره
(قوله: ثم الثانى) أى: على الثالث وقوله لئلا يتوهم إلخ أى: ولقربه من المفرد بحسب المتعلق، إذ الأصل تقدير متعلق الجار مفردا وسكت عن الثالث؛ لأنه وقع فى محله فلا يسأل عنه
(قوله: كرعاية الفاصلة) أى: كالتقديم الذى لرعاية الفاصلة فإن قلت: إن رعاية الفواصل من البديع قلت قد سبق بيان إمكان انخراطه فى سلك المعانى من جهة أن المناسبة للفواصل بعد الإتيان بها رعاية كونها جميعا على نمط واحد أولها كآخرها.
(قوله: بتقديم الجار والمجرور والمفعول على الفاعل إلخ) وإنما قدم الجار والمجرور على المفعول وإن كان حق المفعول التقديم عليه؛ لأن تقديمه يفهم حصر الخيفة فى نفسه وهو غير مراد
(قوله: على الألف) أى: مبنية عليها.
[القصر]:
(قوله: فى اللغة الحبس) ومنه قوله تعالى: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (2) أى:
محبوسات فيها، وقال بعضهم هو فى اللغة: عدم المجاوزة إلى الغير فهو من قصر الشىء
(1) طه: 67.
(2)
الرحمن: 72.
تخصيص شىء بشىء بطريق مخصوص وهو (حقيقى وغير حقيقى)
…
===
على كذا إذا لم يتجاوز به إلى غيره لا من قصرت الشىء حبسته بدليل التعبير بعلى
(قوله: تخصيص شىء بشىء) أى: تخصيص موصوف بصفة أو صفة بموصوف فالباء داخلة على المقصور، والشىء الأول: إن أريد به الموصوف كان المراد بالشىء الثانى الصفة والعكس؛ وذلك لأن التخصيص يتضمن مطلق النسبة المستلزمة لمنسوب ومنسوب إليه، فإن كان المخصص منسوبا فهو الصفة وإن كان منسوبا إليه فهو الموصوف والمراد بتخصيص الشىء بالشىء الإخبار بثبوت الشىء الثانى للشىء الأول دون غيره، فالقصر مطلقا يستلزم النفى والإثبات
(قوله: بطريق مخصوص) أى: معهود معين من الطرق المصطلح عليها عندهم وهو واحد من الأربع الطرق الآتية فى كلامه وهى العطف وما وإلا وإنما والتقديم أو توسط ضمير الفصل وتعريف المسند إليه أو المسند بلام الجنس على ما مر واحترز بقوله بطريق مخصوص عن قولك: زيد مقصور على القيام فلا يسمى قصرا اصطلاحا، واعلم أن الباء الأولى للإلصاق والتعدية والثانية باء الاستعانة فلا يقال إن فى كلامه تعلق حرفى جر متحدى اللفظ والمعنى بعامل واحد
(قوله: وهو حقيقى إلخ) أتى الشارح بالضمير لطول الفصل أو للإشارة إلى أن قوله القصر ترجمة وقوله حقيقى خبر لمبتدأ محذوف، وحينئذ فيكون فى كلام المصنف استخدام؛ لأن الضمير عائد على القصر بمعنى التخصيص لا بمعنى الترجمة.
(قوله: وغير حقيقى) أى: وهو الإضافى؛ وذلك لأن السلب الذى تضمنه القصر إن كان عن كل ما عدا المقصور عليه فهو الحقيقى نحو ما خاتم الأنبياء والرسل إلا محمد، وإلا فهو الإضافى نحو: ما زيد إلا شاعر، وحاصل ما ذكره الشارح فى بيان انقسام القصر إلى حقيقى وغير حقيقى أن الحقيقى نسبة إلى الحقيقة بمعنى نفس الأمر؛ لأن عدم تجاوز المقصور للمقصور عليه فيه بحسب نفس الأمر وأن الإضافى نسبة للإضافة لأن عدم التجاوز فيه بالإضافة إلى شىء مخصوص- وفيه نظر، فإن عدم التجاوز فى كل من الحقيقى والإضافى بحسب نفس الأمر إذ لا بد فى كل منهما من المطابقة لنفس الأمر وإلا كان كاذبا، وحينئذ فلا تظهر مقابلة عدم التجاوز بحسب
لأن تخصيص الشىء بالشىء إما أن يكون بحسب الحقيقة وفى نفس الأمر بأن لا يتجاوزه إلى غيره أصلا؛
…
===
الإضافة إلى شىء لعدم التجاوز بحسب نفس الأمر؛ لأن عدم التجاوز بحسب الإضافة إلى شىء بحسب نفس الأمر أيضا- كما علمت، فلا يصح ما ذكره الشارح وذكر العلامة السيد فى حواشى المطول: إن الحقيقى نسبة للحقيقة بالمعنى المقابل للمجاز، وأن المراد بالإضافى المجاز بمعنى أن تخصيص الشىء بالشىء بحسب الإضافة إلى شىء معين مجازى له- وفيه نظر؛ لأن كلا من المعنيين حقيقى للقصر وليس الغرض من سوق الكلام إفادة أن بعض المعنيين معنى حقيقى للفظ القصر، والبعض الآخر معنى مجازى له- كما فهمه العلامة السيد، فلا يصح ما ذكره أيضا، والأولى كما قال الحفيد: أن المراد بالحقيقى ما لوحظ فيه الحقيقة ونفس الأمر بدون ملاحظة حال المخاطب من تردد أو اعتقاد خلاف أو شركة والإضافى ما لوحظ فيه الحقيقية ونفس الأمر مع ملاحظة حال المخاطب السابق، ومن ثم صرحوا بأن قصر الإفراد وقصر القلب وقصر التعيين أقسام للقصر الغير الحقيقى؛ لأنه هو الذى يعتبر فيه حال المخاطب وانقسام القصر إلى هذه الأقسام إنما هو باعتبار حال المخاطب، ويمكن أن ينزل كلام الشارح على ذلك وإن كان ظاهر كلامه أن الإضافى لا يشترط فيه أن يكون مطابقا لما فى نفس الأمر حيث عطف قوله أو بحسب الإضافة على قوله بحسب الحقيقة ونفس الأمر بأنه لما روعى فى الإضافى أمر زائد على ما اعتبر فى الحقيقى وهو حال المخاطب اقتصر عليه ولم يذكر المطابقة لما فى نفس الأمر مع أن المطابقة المذكورة معتبرة فيه أيضا
(قوله: لأن تخصيص الشىء بالشىء) الباء داخلة على المقصور عليه أى: لأن جعل الشىء خاصا بشىء ومنحصرا فيه
(قوله: إما أن يكون بحسب الحقيقة وفى نفس الأمر) العطف تفسيرى أى:
إما أن يكون بحسب ذاته من غير ملاحظة شىء دون شىء سواء كان الاختصاص- أيضا- كذلك أو لم يكن كذلك فيعم القصر الحقيقى والادعائى
(قوله: بأن لا يتجاوزه إلى غيره) الضمير المستتر فى يتجاوزه راجع للشىء الأول والبارز فيه وفى غيره راجع للشىء الثانى أى: بأن لا يتجاوز الشىء الأول المقصور الشىء الثانى المقصور عليه إلى
وهو الحقيقى، أو بحسب الإضافة إلى شىء آخر بألا يتجاوزه إلى ذلك الشىء وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شىء آخر
…
===
غير هذا الشىء الثانى كقولك: ما خاتم الأنبياء والرسل إلا محمد صلى الله عليه وسلم فقد قصرت ختمهما على محمد ونفيته عن كل ما عداه فلم يتجاوزه الختم إلى غيره أصلا
(قوله: وهو الحقيقى) قال ابن يعقوب سمى هذا حقيقيا؛ لأن التخصيص ضد المشاركة وهذا المعنى هو الذى ينافى المشاركة فهو الأولى أن يتخذ حقيقة للتخصيص فناسب أن يسمى قصرا حقيقيا.
(قوله: بألا يتجاوزه إلى ذلك الشىء) أى: بألا يتجاوز الشىء الأول وهو المقصور الشىء الثانى وهو المقصور عليه إلى ذلك الشىء الآخر
(قوله: وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شىء آخر) الواو للحال وإن وصلية أى: والحال أنه أمكن مجاوزته إلى شىء آخر- وفيه نظر؛ لأن القصر الإضافى لا بد فيه من مجاوزة الشىء الشىء بالفعل إلى شىء آخر فقولك: ما زيد إلا قائم معناه: أن زيدا لا يتجاوزه القيام إلى القعود، ولكن يتجاوزه إلى غيره من العلم أو الشعر أو الكتابة، فالأولى أن يقول وإن تجاوزه لما علمت أن الذى ينافى الحقيقى إنما هو المجاوزة بالفعل وأما الإمكان فلا ينافيه، وأجيب بأن المراد بالإمكان الإمكان الوقوعى لا مطلق الإمكان، فأمكن فى كلام الشارح بمعنى:
وقع- كذا قرر السيد الصفوى، لكن الذى ذكره العلامة الحفيد أن الشرط فى الإضافى عدم التجاوز إلى ما يعتبر القصر بالإضافة إليه كالقعود فى المثال المذكور، وأما غيره فلا يشترط التجاوز إليه بالفعل، بل يكفى فيه إمكان التجاوز وإن لم يوجد كما أشار إليه الشارح بخلاف الحقيقى، فإن عدم التجاوز فيه بالنسبة لجميع ما عدا المقصور عليه من غير إمكان التجاوز لغيره- انتهى.
وحاصله أن الحقيقى والإضافى بحسب اعتبار المعتبر، فإن اعتبر التخصيص بالنسبة إلى جميع الصفات الباقية فهو حقيقى سواء وجد الجميع أو لم يوجد شىء منه وإن اعتبر التخصيص بالنسبة إلى بعضها فهو إضافى وإن لم يكن موجودا إلا ذلك البعض.
فى الجملة؛ وهو غير حقيقى؛ بل إضافى كقولك: ما زيد إلا قائم؛ بمعنى أنه لا يتجاوز القيام إلى القعود؛ لا بمعنى أنه يتجاوزه إلى صفة أخرى أصلا، وانقسامه إلى الحقيقى والإضافى بهذا المعنى
…
===
(قوله: فى الجملة) أى: فى بعض أمثلة القصر لا فى كلها، إذ قد لا يتجاوزه إلى شىء آخر، كما إذا اعتبر القصر الذى فى لا إله إلا الله بالنسبة لآلهة بعض البلدان فهو إضافى مع عدم التجاوز لشىء آخر أصلا
(قوله: بل إضافى) دفع به توهم أن المراد بكونه غير حقيقى أنه مجازى كما قال السيد.
(قوله: لا بمعنى أنه لا يتجاوزه إلى صفة أخرى أصلا) أى: وإلا كان حقيقيا وهذا المعنى الذى ذكره وإن كان فيه تخصيص مضاد لمشاركة القيام للقعود فى زيد فلصحة وجود صفة مشاركة أخرى فيه لا ينبغى أن يتخذ حقيقية للتخصيص لكونه ليس بأكمل، وإن شمله مطلق التخصيص فناسب أن يسمى قصرا إضافيا؛ لأن التخصيص فيه إضافى- قاله ابن يعقوب.
(قوله: وانقسامه) أى: القصر وهذا جواب عما يقال: إن القصر هو التخصيص وهو من الأمور الإضافية لكونه نسبة بين المقصور والمقصور عليه حينئذ فيمتنع اتصافه بالحقيقى، وتقسيمه إلى الحقيقى والإضافى من تقسيم الشىء إلى نفسه وغيره، وحاصل الجواب أنه ليس المراد بالحقيقى ما يكون تعقله فى حد ذاته لا بالقياس إلى الغير، بل المراد به ما كان بالإضافة إلى جميع ما يغاير فهو حينئذ نوع من الإضافى بمعنى ما يكون تعقله بالقياس إلى الغير كما أن الإضافى هنا نوع منه أيضا وهو ما يكون بالإضافة إلى بعض ما يغاير، والحاصل أنه ليس المراد بالحقيقى ما ليس إضافيا مطلقا، بل ما كان بالإضافة إلى جميع المقصور عليه كما أن المراد بالإضافى ما كان بالإضافة إلى بعض ما عدا المقصور عليه، وحينئذ فكل منهما قسم من مطلق إضافى
(قوله: بهذا المعنى) تنازعه الحقيقى والإضافى والباء للملابسة من ملابسة الدال للمدلول المشار إليه فيما سبق، وهو عدم مجاوزة المقصور المقصور عليه إلى غيره أصلا بالنسبة للحقيقى، أو عدم مجاوزة المقصور للمقصور عليه إلى شىء آخر يعنى، وإن أمكن أن يتجاوزه إلى غير ذلك المعنى
لا ينافى كون التخصيص مطلقا من قبيل الإضافات (وكل منهما) أى: من الحقيقى وغيره (نوعان: قصر الموصوف على الصفة) وهو ألّا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلى صفة أخرى لكن يجوز أن تكون تلك الصفة لموصوف آخر (وقصر الصفة على الموصوف) وهو ألّا تتجاوز تلك الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر لكن يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخر (والمراد) بالصفة ههنا الصفة (المعنوية) أعنى: المعنى القائم بالغير
…
===
بالنسبة للإضافى
(قوله: لا ينافى كون التخصيص) أى: الذى هو القصر
(قوله: مطلقا) أى: حقيقيا كان أو إضافيا، وقوله: من قبيل الإضافات أى: النسب التى يتوقف تعقلها على تعقل غيرها لتوقف كل من الحقيقى والإضافى على تعقل المقصور والمقصور عليه، أو لأن فى كل من الحقيقى والإضافى إضافة إلى الغير، لكن فى الحقيقى إلى الجميع وفى الإضافى إلى البعض، وخص أحدهما باسم الإضافة؛ لأن المضاف إليه فيه متعين والآخر باسم الحقيقة؛ لأنه أنسب بحقيقة التخصيص التى هى ضد المشاركة، فالحقيقة موجودة فى كل منهما، لكنها فى الحقيقى أكمل لنفى كل مشارك.
(قوله: وهو ألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلخ) كقولك: ما زيد إلا قائم فقد قصرت زيدا على القيام ولم يتجاوزه للقعود، ويصح أن تكون تلك الصفة وهى القيام لموصوف آخر
(قوله: إلى صفة أخرى) إن أراد أى: صفة كان القصر حقيقيا، وإن أراد إلى صفة معينة من الصفات كان إضافيا، وكذا يقال فيما يأتى
(قوله: لكن يجوز إلخ) هذا الجواز ليس من مدلول القصر، وقد يمنع كون تلك الصفة لموصوف آخر كما فى إنما الله إله واحد، وأما فى قصر الصفة على الموصوف فلا يظهر منع الجواز فيه
(قوله: ألا تتجاوز تلك الصفة ذلك الموصوف) كقولك ما قائم إلا زيد فقد قصرت القيام على زيد بحيث لا يتجاوزه إلى غيره، وإن كان زيد متصفا بصفات أخر كالأكل والشرب وقوله: إلى موصوف آخر المراد جنس الموصوف الآخر الصادق بكل موصوف وببعض معين
(قوله: والمراد بالصفة) أى: التى تقصر أو يقصر عليها
(قوله: هنا) أى: فى باب القصر
(قوله: المعنى القائم بالغير) أى: سواء دل عليه بلفظ النعت النحوى كقائم،
(لا النعت) النحوى؛ أعنى: التابع الذى يدل على معنى فى متبوعه
…
===
أو غيره كالفعل نحو: ما زيد إلا يقوم وسواء كان ذلك المعنى القائم بالغير وجوديا أو عدميا كالحال، وأشار الشارح بالعناية إلى أنه ليس المراد بالمعنوية ما قابل صفات المعانى وهى الحال اللازمة لصفة أخرى فقط، بل المراد بها ما قابل الذات عند المتكلمين فشملت الوجودية والعدمية كما قلنا، ولا يقال: تفسير الصفة بما ذكر اصطلاح للمتكلمين والمناسب هنا ذكر المعنى اللغوى؛ لأنه المتبادر؛ لأنا نقول هذا المعنى لغوى أيضا، فقد قال فى الصحاح: الصفة كالعلم والسواد
(قوله: لا النعت النحوى) ليس المراد لا النعت النحوى فقط، بل ما هو أعم منه؛ لأن هذا لا يصح؛ لأن النعت النحوى لا يدخل فى شىء من طرق القصر فلا يعطف ولا يقع بعد إلا ولا بعد إنما ولا يتقدم ولا يتوسط بينه وبين منعوته ضمير الفصل وليس مسندا ولا مسندا إليه حتى يقصد بتعريفه باللام القصر، وحينئذ فالمراد نفيه بالكلية أى: أنه لا يصح إرادته فى باب القصر إذ لا يتأتى قصره بطريق من طرقه ولا يعكر على هذا قول الشارح وبينهما إلخ؛ لأن المراد بيان النسبة بينهما فى حد ذاتها ونفس الأمر لا فى هذا الباب- تأمل.
(قوله: أعنى التابع) أى: اللفظ التابع وهذا جنس فى التعريف شامل لجميع التوابع وقوله الذى يدل على معنى فى متبوعه فصل خرج به البدل وعطف البيان والتأكيد الذى ليس للشمول؛ لأنها كلها لا تدل على معنى فى المتبوع؛ لأنها نفسه، وأورد عليه أنه غير مانع لشموله نحو علمه فى أعجبنى زيد علمه، فإنه تابع دل على معنى وهو العلم فى المتبوع، وأجيب بأن قيد الحيثية معتبر فى التعريف، فالمعنى دل على معنى كائن فى المتبوع من حيث كونه فى المتبوع بمعنى أنه يشعر بالمتبوع فى حال دلالته على المعنى، ويشعر بأن هذا المعنى كائن فى ذلك المتبوع كالعالم فى قولك: جاء زيد العالم، فإنه يشعر بالذات التى هى المتبوع مع المعنى بقطع النظر عن ضميره بخلاف العلم فى: أعجبنى زيد علمه فإنه إنما يدل على المعنى ولا إشعار له بالمتبوع إلا بإضافته للضمير العائد إليه، وأورد أيضا نحو:
أخوك من قولك: جاءنى زيد أخوك لدلالته على الذات وعلى معنى فيها وهو الأخوة، وأجيب بأن المراد الدلالة قصدا والعرض من البدل تكرير النسبة لا الإشعار بالأخوة.
غير الشمول؛ وبينهما عموم من وجه لتصادقهما فى نحو: أعجبنى هذا العلم، وتفارقهما فى مثل:
…
===
(قوله: غير الشمول) فصل ثان أخرج به التأكيد بكل وأخواتها، واعترض بأن هذا القيد يخرج نحو الشاملون فى قولك جاء الناس الشاملون زيدا فإنه دال على معنى فى متبوعه هو الشمول مع أنه نعت نحوى، فالتعريف غير جامع، وأجيب بأن المراد بالشمول المنفى الشمول المعهود فى التوكيد وهو الذى يستفاد بالألفاظ المعلومة وفيه ضعف، إذ لا قرينة على ذلك، وأجاب عبد الحكيم بجواب غير هذا بأن الشمول لزيد شمول مقيد غير الشمول الذى فى القوم فإنه مطلق، والمطلق غير المقيد، وأورد أيضا نحو:
العلم والرجل فى قولك: أعجبنى هذا العلم فى هذا الرجل فإن تابع الإشارة نصوا على أنه نعت مع أنه لم يدل على معنى كائن فى المتبوع؛ لأنه نفسه وكذا كل نعت كاشف، وقد يجاب بأن اسم الإشارة يراعى معه مدلوله من حيث إنه شىء يشار إليه وكونه علما أو رجلا معنى زائد وكذا الاسم الكاشف؛ لأن ما قبله شىء وكونه حقيقية كذا معنى زائد، ولكن على تقدير تسليمه يرد حينئذ أنه ليس فيه إشعار بشيئين وهما الذات والمعنى كما قرر فى النعت؛ لأنه ليس بمشتق وعلى تقدير الإشعار يرد عليه التوكيد بالنفس والعين فى قولك: جاء زيد نفسه أو عينه لدلالة النفس على أن مدلول زيد موصوف بكونه نفسه هى الفاعلة للمجىء وليس موصوفا بكون ملابسه هو الفاعل للمجئ، فالأولى أن التعريف لغالب أفراد النعت وفيه خروج عن مقتضى أصل الحدود
(قوله: وبينهما) أى: بين المعنوية والنحوية من حيث مدلولها أو بين النحوية والمعنوية من حيث دالها وإلا فالنحوية لفظ وهو مباين للمعنى
(قوله: لتصادقها) أى: تصادق النعت النحوى والصفة المعنوية- وفيه نظر، إذ الصفة المعنوية معنى والنعت النحوى لفظ فهما متباينان فلا يتأتى تصادقهما، وأجيب بجوابين الأول أن المراد بالتصادق التحقق لا الحمل، ولا شك أن هذا المثال وجد فيه الأمران، فإن العلم نعت لاسم الإشارة على قول وصفة معنوية؛ لأنه معنى قائم بالغير الجواب الثانى أن الكلام مبنى على المسامحة؛ وذلك لأن التصادق بين الصفة المعنوية وبين معنى النعت النحوى، ولكن لشدة الارتباط
العلم حسن، ومررت بهذا الرجل، وأما نحو قولك: ما زيد إلا أخوك، وما الباب إلا ساج، وما هذا إلا زيد فمن قصر الموصوف على الصفة تقديرا إذ المعنى أنه مقصور على الاتصاف بكونه أخا، أو ساجا، أو زيدا.
===
الذى بين اللفظ ومعناه نسب ما للمعنى للفظ على طريق التمسح والتجوز
(قوله: العلم حسن) مثال لافتراق الصفة المعنوية، فإن العلم صفة معنوية لا نحوية؛ لأنه مبتدأ.
(قوله: ومررت بهذا الرجل) مثال لانفراد النعت، فإن لفظ الرجل نعت لاسم الإشارة ولم يدل على معنى قائم بالغير بالنظر لأصله فليس صفة معنى، فإن قيل الرجل فى هذا التركيب يدل على معنى قائم بالغير، إذ هو دال على كون المشار إليه موصوفا بالرجولية، ولذلك صح كونه نعتا فيكون صفة معنوية قلنا هو من أصله لم يوضع إلا للذات بخلاف العلم ولو عرض له فى الحين ما ذكر من التأويل فليس صفة معنوية باعتبار الأصل، ويرد على هذا الجواب أنه إن كان المعتبر فى كون الشىء صفة معنوية ما كان باعتبار الدلالة الأصلية فلا يكون قولنا ما زيد إلا أخوك وما الباب إلا ساج، وما هذا إلا زيد من قصر الموصوف على الصفة المعنوية، وقد صرحوا بأنه من حيث قالوا المعنى: حصر زيد فى الاتصاف بكونه أخا إلخ، فأما أن يجعل الكل من الصفة المعنوية باعتبار الحال أو لا يجعل الكل من الصفة المعنوية باعتبار الأصل؛ لأن الرجل حيث أعرب نعتا يقصد فيه هذا المعنى بعينه، فإن جعل منها كانت الصفة المعنوية أعم مطلقا من النعت النحوى وهو الأقرب. اهـ يعقوبى.
(قوله: وأما نحو قولك ما زيد إلا أخوك إلخ) قصد بهذا دفع ما يرد على قوله وكل منها نوعان فإن القصر فى الأمثلة المذكورة ليس من النوعين، وحاصل الجواب أنها من باب قصر الموصوف على الصفة المعنوية تأويلا، وقد يقال: كان ينبغى ترك المثال الأول لعدم احتياج الأخ للتأويل؛ لأنه يدل على معنى هو الأخوة فهو مما يدل على المعنى القائم بالغير دلالة ظاهرة، وإن لم يكن مشتقا- فتدبر.
(قوله: تقديرا) حال فى الصفة أى: حال كون الصفة مقدرة وإنما كانت الصفة مقدرة فى ذلك لعدم تحققها فى ذلك؛ لأن كلا من المسند والمسند إليه فى تلك الأمثلة
(والأول: ) أى: قصر الموصوف على الصفة (من الحقيقى نحو: ما زيد إلا كاتب إذا أريد أنه لا يتصف بغيرها) أى: غير الكتابة (وهو لا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشىء)
…
===
ذات، وقوله فمن قصر الموصوف على الصفة: مبنى على أن التأويل فى جانب المقصور عليه هنا كما هو الظاهر لكونه خبرا، وقد يعكس ويعتبر التأويل فى جانب المقصور على معنى قصر الكون زيدا على أخيك والبابية على الساج والهاذية على زيد، فحينئذ يكون من قصر الصفة على الموصوف، لكنه لا يخلو عن تكلف.
(قوله: من الحقيقى) حال من المبتدأ أو من الخبر على القول بجوازه منهما، وحاصل ما ذكره المصنف أن القصر إما حقيقى أو إضافى، والحقيقى: إما قصر موصوف على صفة أو بالعكس وكل منهما إما حقيقى غير ادعائى أو ادعائى فهذه أربعة، والإضافى: إما قصر موصوف على صفة أو بالعكس، وكل منهما: إما قصر إفراد أو قلب أو تعيين فهذه ستة، تلك عشرة كاملة
(قوله: إذا أريد إلخ) هذا قيد فى المثال أى: أن هذا المثال إنما يكون من الحقيقى إذا أريد أن زيدا لا يتصف بغيرها أى بكل مغاير لها من الصفات وأما إذا أريد أنه يتصف بها لا بمقابلها فقط من الشعر مثلا كان من القصر الإضافى
(قوله: وهو) أى: قصر الموصوف على الصفة قصرا حقيقيا لا يكاد يوجد أى: من البليغ المتحرى للصدق وهذا لا ينافى أنه قد يكون من غيره، لكن يكون كاذبا ولفظ لا يكاد يعبر به تارة عن قلة وجود الشىء فيقال: لا يكاد يوجد، كذا بمعنى أنه لا يوجد إلا نادرا تنزيلا للنادر منزلة الذى لا يقارب الوجود وتارة يعبر به عن نفى الوقوع والبعد عنه أى: لا يقرب ذلك الشىء إلى الوجود أصلا، وهذا الثانى هو المناسب لقوله بعد لتعذر الإحاطة بصفات الشىء أى: لعدم إمكان الإحاطة بصفات الشىء عادة؛ لأنه إذا تعذر فى العادة إحاطة المخلوق بصفات الشىء لم يتأتّ للمحترز عن نقيصة الكذب أن يأتى به قاصدا لمعناه الحقيقى
(قوله: لتعذر الإحاطة إلخ) أى:
لتعذر إحاطة المتكلم بها، ثم إن ذلك التعذر لا لكثرتها حتى يتوجه عليه إمكان الإحاطة الإجمالية وكفايتها فى القصر كما فى: ليس فى الدار إلا زيد بل لأن من الصفات ما هو
حتى يمكن إثبات شىء منها ونفى ما عداها بالكلية بل هذا محال؛ لأن للصفة المنفية نقيضا وهو من الصفات التى لا يمكن نفيها ضرورة امتناع ارتفاع النقيضين، مثلا: إذا قلنا: ما زيد إلا كاتب؛ وأردنا أنه لا يتصف بغيره لزم أن لا يتصف بالقيام ولا بنقيضه؛ وهو محال.
(والثانى: ) أى: قصر الصفة على الموصوف من الحقيقى
…
===
حقيقى خصوصا النفسية فلا يقع من العاقل المتحرى للصدق إثبات واحدة منها ونفى ما سواها مطلقا- قاله الفنرى.
(قوله: حتى يمكن إلخ) تفريع على الإحاطة أى: أن الإحاطة بصفات الشىء التى يتفرع عليها إمكان إثبات شىء منها ونفى ما عداه بالكلية متعذرة وضمير منها لصفات الشىء
(قوله: ونفى ما عداها) الأولى ونفى ما عداه أى: الشىء المثبت إلا أن يقال: إنه أنث الضمير إلى أن الشىء المذكور صفة
(قوله: بل هذا) أى: قصر الموصوف على الصفة قصرا حقيقيا محال وهذا إضراب على قول المصنف وهو لا يكاد يوجد، وفيه أنه لا حاجة لذلك الإضراب؛ لأن قول المصنف وهو لا يكاد يوجد يفيد المحالية خصوصا، وقد علل بعد ذلك بالتعذر، وقد يقال: إن المتعرض له فى المتن إنما هو كون هذا القصر غير واقع بالكلية وكم من أمور غير واقعة وليست محالا ولا دلالة للتعذر على المحالية؛ لأن المراد التعذر عادة لا عقلا على أن كثيرا ما يراد به التعسر.
(قوله: لأن للصفة المنفية) المراد جنس الصفة ولو قال لأن لكل من الأوصاف المنفية نقيضا وهو ثبوتها ألبتة لكان أوضح
(قوله: وهو) أى: النقيض من الصفات التى لا يمكن نفيها
(قوله: ولا بنقيضه) أعنى عدم القيام الصادق بالجلوس والاضطجاع أى:
ولزم أن لا يتصف بالحركة ولا بنقيضها، ولزم أن لا يتصف بالشعر ولا بنقيضه وهكذا كل وصف مغاير للكتابة، لا يقال: المراد من قولنا ما زيد إلا كاتب نفى اتصافه بغير الكتابة من الصفات الوجودية والنقيض أمر عدمى، وحينئذ فلا يكون إثبات صفة ونفى ما عداها محالا؛ لأنا نقول الكلام فى القصر الحقيقى وهو لا يتصور إلا بنفى كل ما هو غير المثبت فعلى فرض لو أريد نفى الصفات الوجودية إنما يلزم عدم ارتفاع النقيضين
(كثير، نحو: ما فى الدار إلا زيد) على معنى أن الحصول فى الدار المعينة مقصور على زيد (وقد يقصد به) أى: بالثانى (المبالغة
…
===
لا صحة القصر الحقيقى على أن قصد الأوصاف الوجودية فقط لو سلمنا كونه عذرا لم يندفع به ما ذكر، إذ من الصفات الوجودية ما يستلزم نقيض إحداهما عين الأخرى كحركة الجسم وسكونه فيلزم ذلك المحال قطعا، إذ من جملة المنفيات الحركة فيلزم ثبوت السكون عند انتفائها ولا يتأتى نفيهما معا لمساواة كل منهما لنقيض الآخر- كذا قال الفنرى، ورد هذا بأن غايته الامتناع فى بعض الأحيان وهو ما إذا كان الموصوف الجسم والوصف غير الحركة والسكون وهو ظاهر
(قوله: كثير) أى: لعدم التعذر بالإحاطة فلا محالية بالأولى
(قوله: ما فى الدار إلا زيد) أورد على هذا المثال بأن الكون فى الدار المعينة لا ينحصر فى زيد؛ لأن الهواء الذى لا يخلو منه فراغ عادة كائن فى الدار، فإن أجيب بأن المراد نفى الكون عن نوع زيد بأن يكون التقدير ما فى الدار إنسان أو أحد إلا زيد ليقع الاستثناء متصلا قلنا صار القصر إضافيا، ولزم صحة هذا فى قصر الموصوف على الصفة الذى جعل متعذرا أو محالا، إذ يصح قولك ما هذا الثوب إلا أبيض بتقدير ما هذا الثوب ملونا بشىء من الألوان غير البياض، فالأولى التمثيل بقولنا لا واجب بالذات إلا الله وما خاتم الأنبياء إلا محمد- صلى الله عليه وسلم انتهى يعقوبى.
(قوله: المعينة) أخذ هذا القيد من جعل اللام فى الدار للعهد ولا بد من هذا القيد، وذلك لأنه إذا أريد دار معينة صح أن تحصر هذه الصفة وهى الكون فيها فى زيد فلا يكون فيها غيره أصلا، وأما لو أريد مطلق دار فلا يصح إذ لا يتأتى عادة حصر الكون فى مطلق الدار فى زيد، إذ لا بد من كون غير زيد فى دار ما.
(قوله: أى بالثانى) أى: وهو قصر الصفة على الموصوف قصرا حقيقيا، قال الفنارى: وإرجاع الضمير إلى الحقيقى مطلقا، بل إلى مطلق القصر أصح وأشمل، إذ لا مانع من اعتبار القصر الادعائى فى الإضافى- اللهم إلا أن يقال: إنه لم يقع مثله فى كلام البلغاء، وإن جاز وأفاد عقلا
(قوله: المبالغة) أى: فى كمال الصفة فى ذلك الموصوف
لعدم الاعتداد بغير المذكور) كما يقصد بقولنا: ما فى الدار إلا زيد أن جميع من فى الدار ممن عدا زيدا فى حكم العدم؛ فيكون قصرا حقيقيا ادعائيا، وأما فى القصر الغير الحقيقى فلا يجعل غير المذكور بمنزلة العدم؛ بل يكون المراد أن الحصول فى الدار مقصور على زيد؛
…
===
فتنفى عن غيره على وجه العموم وتثبت له فقط دون ذلك الغير، وإن كانت فى نفس الأمر ثابتة لذلك الغير أيضا
(قوله: لعدم الاعتداد إلخ) أى: وإنما يفعل ذلك لعدم الاعتداد فى تلك الصفة بغير المذكور، وذلك إذا كان المقام مقام مذمة لغير المذكور ودعوى نقصانه وذلك كما إذا وجد علماء فى البلد وأريد المبالغة فى كمال صفة العلم فى زيد، فينزل غير زيد منزلة من انتفت عنه صفة العلم لعدم كمالها فيه، ويقال: لا عالم فى البلد إلا زيد
(قوله: قصرا حقيقيا ادعائيا) انظر هل إطلاق الحقيقى عليه حقيقة أو مجاز، واستظهر السيد الصفوى الثانى، ويدل له قول الشارح أول الباب بحسب الحقيقة ونفس الأمر- انتهى سم، وفى العروس: أنه من مجاز التركيب؛ لأنه إذا قيل لا عالم فى البلد إلا زيد على وجه حصر العلم فيه ونفيه عن غيره لعدم الاعتداد بالعلم فى ذلك الغير، فنفى العلم عن غير زيد الذى تضمنه هذا الحصر ليس كذلك فى نفس الأمر، وإنما نسب ذلك النفى إلى الغير لكونه بمنزلة المتصف بالنفى لضعف الإثبات فيه ونسبة الشىء لغير من هو له مجاز تركيبى.
(قوله: وأما فى القصر الغير الحقيقى) أى: وهو الإضافى فلا يجعل إلخ وهذا الذى ذكره الشارح إشارة للفرق بين الإضافى والقصر الحقيقى الادعائى، وحاصله أن الإضافى يعتبر بالإضافة إلى شىء معين من غير اعتبار المبالغة والتنزيل والحقيقى الادعائى مبنى على المبالغة والتنزيل، فإذا قلت ما فى الدار إلا زيد وأردت لا غيره وكان فيها غيره ونزلته منزلة العدم كان القصر حقيقيا ادعائيا، وإن أردت لا عمرو وكان فيها بكر وخالد أيضا كان إضافيا، وقد يعتبر فى الإضافى تلك المبالغة بأن يجعل ما يكون القصر بالإضافة إليه منزلة العدم، فإذا قلت: ما فى الدار إلا زيد بمعنى أن الحصول فى الدار مقصور على زيد لا يتجاوزه إلى عمرو، وإن كان حاصلا لبكر وخالد
بمعنى أنه ليس حاصلا لعمرو وإن كان حاصلا لبكر وخالد.
(والأول: ) أى: قصر الموصوف على الصفة (من غير الحقيقى:
…
===
فذلك قصر إضافى على وجه الحقيقة، فإذا جعل ما يكون القصر بالإضافة إليه وهو عمرو منزلة العدم كان قصرا إضافيا على وجه المبالغة، والحاصل أن أقسام القصر أربعة قصر حقيقى على وجه الحقيقية وقصر حقيقى على وجه المبالغة وقصر إضافى على وجه الحقيقة، وكذا على وجه المبالغة والفرق بين الثانى وهو الحقيقى الإدعائى والرابع وهو الإضافى الادعائى أن الحقيقى يجعل فيه ما عدا المقصور بمنزلة العدم كقولنا: ما فى الدار إلا زيد إذا كان فى الدار غير زيد، وجعل منزلة العدم والإضافى يجعل فيه ما يكون القصر بالإضافة إليه منزلة العدم كالمثال المذكور إذا قصد أن الحصول فى الدار مقصور على زيد لا يتجاوزه إلى عمرو وجعل عمرو منزلة العدم، فالأول ينزل فيه جميع من سوى المقصور بمنزلة العدم والثانى ينزل فيه بعض من سواه وهو ما يكون القصر بالإضافة إليه منزلة العدم، وأما الفرق بين الإضافى على وجه الحقيقة والإضافى على وجه المبالغة فقد علم مما مر كالفرق بين الحقيقى الادعائى والإضافى على وجه الحقيقة
(قوله: بمعنى أنه ليس حاصلا لعمرو) أى: الذى هو ليس موجودا فيها وقوله، وإن كان حاصلا لبكر وخالد أى: اللذين هما فيها ولم ينزلا منزلة العدم.
(قوله: والأول إلخ) لما فرغ من أقسام الحقيقى الأربعة شرع فى أقسام الإضافى وهى ستة كما عرفت وقوله من غير الحقيقى حال من المبتدأ أو الخبر أو صفة للمبتدأ أى: الكائن من غير الحقيقى ومن كلام المصنف هذا تعلم عدم جريان الانقسام إلى الإفراد والتعيين والقلب فى الحقيقى، بل هى خاصة بالقصر الإضافى، ولا يرد على هذا لا إله إلا الله، فإنها من قصر الصفة على الموصوف قصرا حقيقيا أى: لا غيره قصر إفراد للرد على معتقد الشركة؛ لأنا نقول: إنها من قصر الصفة أى: الألوهية على الموصوف أى: الله قصرا إضافيا أى: بالنسبة إلى المعبودات الباطلة وهى الأصنام والأوثان قصر إفراد ردا على من اعتقد شركتها مع الله فى الألوهية؛ لأن العبرة فى الإفراد وأخويه بحال المخاطب واعتباره والمخاطبون بلا إله إلا الله لا يعتقدون شركة كل ما عدا الله تعالى
تخصيص أمر بصفة دون) صفة (أخرى أو مكانها، والثانى: ) أى: قصر الصفة على الموصوف من غير الحقيقى (تخصيص صفة بأمر دون) أمر (آخر أو مكانه) وقوله: دون أخرى- معناه:
…
===
معه فى الألوهية حتى يكون القصر فى كلمة التوحيد قصرا حقيقيا، بل إنما يعتقدون شركة الأوثان والأصنام، فالمعنى أن الألوهية مقصورة على الله لا تتجاوزه إلى الأوثان والأصنام ولا ينظر إلى الواقع- كذا قرر بعض الأفاضل، وعلل فى المطول عدم جريان الانقسام فى الحقيقى بأنه لا يتصور من السامع العاقل أن يعتقد ثبوت جميع الصفات لأمر أو جميعها إلا واحدة أو يتردد فيه كيف وفيها ما هى متقابلة حتى يقصر بعضها وينفى الباقى إفرادا أو قلبا أو تعيينا، وكذا قصر الصفة على هذا المنوال.
(قوله: تخصيص أمر) وهو الموصوف المقصور والباء فى قوله بصفة داخلة على المقصور عليه، وفى الحقيقة هو على حذف مضاف أى: بثبوت صفة وإضافة صفة لما بعده من إضافة المصدر لمعموله أى: تخصيص المتكلم أمرا بثبوت صفة، وقوله دون أخرى حال من فاعل المصدر أى: حال كون المتكلم متجاوزا تاركا الصفة الأخرى وفهم منه أن هناك صفة يمكن أن تشارك هذه فى تخصيص ذلك الأمر بها، لكن جعلت له إحداهما فى مكان ليست فيه تلك الأخرى فيفهم منه أنه لم يتصف بتلك الأخرى، وأن تلك الأخرى لم يتقرر لها ذلك المكان بدلا عن هذه.
(قوله: أو مكانها) أى: أو تخصيص أمر بصفة مكان صفة أخرى وهذا قصر القلب وما قبله قصر الإفراد، وأما قصر التعيين فهو داخل فى قوله أو مكانها على طريقة المصنف وفيما قبله على طريقة السكاكى، وكذا يقال فيما بعد ومكانها قيل حال ومعناه أو واضعا تلك الصفة مكان أخرى، وقيل: إنه منصوب على الظرفية أى بصفة واقعة فى مكان صفة أخرى واحدة كانت أو أكثر
(قوله: والثانى) أى: من غير الحقيقى الذى هو الإضافى
(قوله: بأمر) هو الموصوف أى: تخصيص المتكلم صفة بأمر حالة كون المتكلم متجاوزا وتاركا أمرا آخر أو حال كون الصفة متجاوزة أمرا آخر
(قوله: أو مكانه) أى: أو تخصيص صفة بأمر مكان آخر
(قوله: معناه إلخ) ذكره ليتبين به المراد
متجاوزا الصفة الأخرى فإن المخاطب اعتقد اشتراكه فى صفتين، والمتكلم يخصصه بإحداهما ويتجاوز الأخرى، ومعنى دون فى الأصل: أدنى مكان من الشىء، يقال:
هذا دون ذلك-
…
===
من قوله دون أخرى فإنه يمكن أن يصدق بالسكوت عن تلك الصفة وعدم التعرض لانتفائها مع أنه ليس مرادا، إذ المراد التعرض لانتفائها
(قوله: متجاوزا الصفة الأخرى) أشار به إلى أن دون وقع حالا وذو الحال: إما المفعول المذكور وهو الأمر، وإما الفاعل وهو المخصص، فإنه مراد بحسب الحقيقة فهو فى قوة الملفوظ- كذا فى الفنرى، لكن جعله حالا من الفاعل هو الذى يدل عليه قول الشارح والمتكلم يخصصه بإحداهما ويتجاوز الأخرى مع أن فى جعله حالا من المفعول إتيان الحال من النكرة.
(قوله: اعتقد اشتراكه) أى: الموصوف فى صفتين وفى الكلام قلب، والأصل اعتقد اشتراك صفتين فيه بدليل ما يأتى له عند قول المصنف من يعتقد الشركة حيث قال أى: شركة صفتين فى موصوف ولو قيل أى: اعتقد اشتراكه بين صفتين لم يحتج للتأويل
(قوله: ويتجاوز الأخرى) أى: يتباعد عن ثبوت الأخرى إلى نفيها.
(قوله: ومعنى دون إلخ) حاصله أن أصل دون أن يستعمل فى المكان المحسوس المنحط أى: المنخفض بالنسبة لمكان آخر انحطاطا يسيرا فهى فى الأصل اسم مكان فيقال هذا البيت مثلا دون ذلك البيت إذا كان أحط منه قليلا، ثم استعملت فى المكان المعنوى من الأحوال والرتب مع مراعاة أن صاحب ذلك المكان أدنى وأخفض مرتبة من الآخر فيقال: زيد دون عمرو فى الفضل، ثم نقلت إلى تخطى حكم إلى حكم وتجاوز حد إلى حد بعد نقلها للمكان المعنوى المراعى فيه شرف غير صاحبه، ثم أريد بالمصدر الذى هو التجاوز اسم الفاعل كما فى كلام المصنف فيكون التقدير تخصيص المتكلم أمرا بصفة حال كونه متجاوزا صفة أخرى اعتقد فيها الشركة
(قوله: أدنى مكان من الشىء) أى: أخفض مكان أى مكان منخفض بالنسبة لمكان آخر- كذا قرر شيخنا العدوى، والمراد المكان المحسوس (وقوله: من الشىء) متعلق بأدنى باعتبار أصل المعنى كما يقال: دنا منه وقرب منه لا باعتبار المعنى التفضيلى، فلا يلزم استعمال أفعل التفضيل بالإضافة ومن قاله الفنرى.
إذا كان أحط منه قليلا؛ ثم استعير للتفاوت فى الأحوال والرتب، ثم اتسع فيه فاستعمل فى كل تجاوز حد إلى حد، وتخطى حكم إلى حكم. ولقائل أن يقول:
إن أريد بقوله: دون أخرى، ودون آخر- دون صفة واحدة أخرى، ودون أمر واحد آخر- فقد خرج عن ذلك ما إذا اعتقد المخاطب اشتراك ما فوق الاثنين كقولنا: ما زيد إلا كاتب لمن اعتقده كاتبا، وشاعرا، ومنجما، وقولنا: ما كاتب إلا زيد لمن اعتقد الكاتب زيدا، وعمرا، أو بكرا.
===
(قوله: إذا كان أحط منه) أى: فى الحسن
(قوله: ثم استعير) أى: نقل أو المراد الاستعارة التصريحية وقوله للتفاوت إلخ: الأولى للرتبة المنحطة كما تقدم فتكون دون استعملت فى المكان المعنوى بالنقل أو بالاستعارة من المكان الحسى بعد تشبيه المكان المعنوى به، وقد يقال: إن فى الكلام حذف مضاف وفى بمعنى من البيانية لذلك المحذوف أى لذى التفاوت من الرتب والأحوال
(قوله: ثم اتسع فيه) أى: بطريق النقل أو المجاز المرسل من استعمال المقيد فى المطلق؛ لأن المراد فاستعمل فى تجاوز حد وإن لم يكن هناك تفاوت كما فى القيام دون القعود أو من استعمال اسم الملزوم فى اللازم؛ لأن التفاوت يلزمه التجاوز، أو المراد بالاتساع فيه صيرورته حقيقة عرفية (وقوله: فى كل تجاوز) أى: فى كل ذى تجاوز حد إلى حد وذى تخطى إلخ، والمراد بالحكم المحكوم به، ثم يحتمل أن المراد بالحد الحكم فالعطف للتفسير، لكن لا يتناول كلامه حينئذ دون التى فى قصر الصفة على الموصوف أو الأمر المحكوم عليه، فالعطف مغاير فيدخل فى قوله:
تجاوز حد إلى حد دون التى فى قصر الصفة على الموصوف فى قوله: تخطى حكم إلى حكم دون التى فى قصر الموصوف على الصفة- كذا قرر شيخنا العدوى.
(قوله: ولقائل إلخ) هذا اعتراض على تعريف المصنف، وحاصله أنه إن اختار الشق الأول من شقى الترديد كان التعريف غير جامع لبعض أفراد القصر الإضافى وهو ما يكون لنفى أكثر من صفة واحدة أو أمر واحد، وإن اختار الشق الثانى كان التعريف غير مانع لصدقه على القصر الحقيقى؛ لأنه تخصيص أمر بصفة دون سائر الصفات، وتخصيص صفة بأمر دون سائر الأمور
(قوله: كقولنا ما زيد إلا كاتب) أى: فى قصر
وإن أريد الأعم من الواحد وغيره فقد دخل فى هذا التفسير القصر الحقيقى، وكذا الكلام على مكان أخرى ومكان آخر (فكل منهما) أى: فعلم من هذا الكلام،
…
===
الموصوف على الصفة وقوله: وما كاتب إلا زيد أى: فى قصر الصفة على الموصوف، وقوله اشتراك ما فوق الاثنين أى: اشتراك الموصوف فيما فوق الاثنين فى قصر الموصوف على الصفة أو اشتراك ما فوق الاثنين فى الموصوف فى قصر الصفة، وأجيب باختيار الشق الثانى، لكن المراد الواحد وغيره على سبيل التفصيل بأن يلاحظ الصفات أو الأمور الموصوفة المتجاوز عنها تفصيلا بخلاف القصر الحقيقى، فإنه يلاحظ النفى عن الغير على سبيل الإجمال، والحاصل أن النظر فى غير الحقيقى إلى كل فرد من المتجاوز عنه تفصيلا ضرورة الرد على معتقد ثبوته وليس هو جميع ما غاير المقصور حتى يكون بالنظر إليه إجمالا بخلاف الحقيقى مثلا إذا قيل: لا قائم إلا زيد إن لوحظ لا غيره كان القصر حقيقيا، وإن لوحظ لا عمرو ولا بكر ولا خالد كان إضافيا، وأجيب أيضا بأن المراد أعم من الواحد وغيره بشرط أن لا يكون الأعم هو الجميع، وحينئذ فلا يدخل القصر الحقيقى فى التعريف والقرينة على ذلك المراد المقابلة، وأجاب فى المطول باختيار الشق الثانى، وهذا المعنى وإن كان مشتركا بين الحقيقى وغيره، لكنه خصصه بغير الحقيقى؛ لأنه ليس بصدد التفسير للقصر الغير الحقيقى لأجل أن يتميز عن القصر الحقيقى؛ لأن ذلك قد علم من قوله وهو نوعان، بل غرضه من هذا الكلام أن يفرع عليه التقسيم إلى قصر الأفراد والقلب والتعيين وهذا التقسيم لا يجرى فى القصر الحقيقى، إذ العاقل لا يعتقد اتصاف أمر بجميع الصفات ولا اتصافه بجميع الصفات غير صفة واحدة ولا يردده أيضا بين ذلك، وكذا اشتراك صفة بين جميع الأمور- انتهى.
(قوله: وكذا الكلام إلخ) أى: من أنه إن أريد مكان صفة واحدة أخرى أو مكان أمر واحد آخر يخرج ما إذا اعتقد المخاطب أكثر من صفتين أو أمرين وإن أريد أعم دخل القصر الحقيقى؛ لأنه يصدق عليه أنه تخصيص بصفة مكان سائر الصفات وتخصيص بأمر مكان سائر الأمور
(قوله: فكل منهما) أى: من الأول والثانى من غير الحقيقى وقوله فكل إلخ نتيجة لما تضمنه التعريف من التنويع فالأضرب أربعة: -
ومن استعمال لفظ، أو فيه أن كل واحد من قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على الموصوف (ضربان: ) الأول: التخصيص بشىء
…
===
الأول منها: تخصيص أمر بصفة دون أخرى. الثانى: تخصيص أمر بصفة مكان أخرى. الثالث: تخصيص صفة بأمر دون آخر. الرابع: تخصيص صفة بأمر مكان آخر
(قوله: ومن استعمال لفظ أو فيه) أى: ومن لفظ أو التنويعية المستعملة فيه فى قوله أو مكانها أو مكانه. قيل: إن هذا من عطف التفسير بحسب المراد، وقال الشيخ يس:
الظاهر أنه عطف سبب على مسبب؛ لأن سبب علم ما ذكر من ذلك الكلام استعمال أو فيه كما لا يخفى، وعلى كل حال فليس ضرورى الذكر نعم له فائدة وهو الدلالة على أن أو فى كلام المصنف للتنويع لا للشك، وإلا لم يفد كلامه هذا المعنى
(قوله: الأول) أى: من كل منهما، وكذا يقال فى قوله والثانى؛ وذلك لأن قوله التخصيص بشىء أعم من كونه أمرا أو صفة، وقوله دون شىء أى صفة أو أمر على التوزيع، وكذا قوله بشىء أى: صفة أو أمر، وقوله مكان شىء أى: صفة أو أمر على التوزيع
(قوله: من ضربى كل إلخ) المراد بكل ما بينه الشارح بقوله من قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف، والقسم الأول من قصر الموصوف على الصفة: هو المعبر عنه بقوله تخصيص أمر بصفة دون صفة أخرى، والقسم الثانى منه: هو المعبر عنه بقوله تخصيص أمر بصفة مكان صفة أخرى، والقسم الأول من قصر الصفة على الموصوف: هو المعبر عنه بقوله تخصيص صفة بأمر دون أمر آخر، والقسم الثانى منه: هو ما عبر عنه بقوله تخصيص صفة بأمر مكان أمر آخر، وبذلك ظهر أن قول الشارح ويعنى بالأول إلخ أى: بالقسم الأول من النوع الأول، والقسم الأول من النوع الثانى، والحاصل أن المراد بالأول هو الذى لم يعبر فيه بلفظ مكان، بل بدون سواء كان من قصر الموصوف على الصفة أو العكس، والمراد بالثانى ما كان فيه لفظ مكان، وإنما كان ذاك أولا وهذا ثانيا لوقوعه كذلك فى التعريف أو التقسيم
(قوله: من قصر الموصوف إلخ) بيان لكل
(قوله: ويعنى بالأول) أى: من الضربين، وإنما أتى بالعناية هنا، وفى قوله وبالثانى: لخفاء المراد من الأول والثانى؛ لأنه لم يبين الأول من الضربين والثانى منهما،
دون شىء، والثانى: التخصيص بشىء مكان شىء (والمخاطب بالأول
…
===
لكن بداءة المصنف فيما تقدم بالتخصيص بشىء دون شىء وتثنيته بالتخصيص بشىء مكان شىء قرينة على المراد- أفاده سم.
(قوله: دون شىء) أى: لا التخصيص بشىء مكان شىء، فإنه الثانى كما يأتى
(قوله: من يعتقد الشركة) أى: غالبا وقد يخاطب به من يعتقد أن المتكلم يعتقد الشركة ولو كان هذا المخاطب معتقدا للانفراد كأن يعتقد مخاطب اتصاف زيد بالشعر فقط.
ويعتقد أنك تعتقد اتصافه بالشعر والكتابة أو التنجيم مثلا فتقول له: ما زيد إلا شاعرا لتعلمه أنك لا تعتقد ما يعتقده فيك
(قوله: أى شركة صفتين) يعنى فأكثر وكذا يقال فى قوله شركة موصوفين، وفى الأطول قوله من يعتقد الشركة هكذا اتفقت كلمتهم وينبغى أن يصح لخطاب من يعتقد اتصاف المسند إليه بالمقصور عليه ويجوز اتصافه بالغير فيقصر قطعا لتجويز الشركة
(قوله: فالمخاطب بقولنا إلخ) اعلم أن المقصور عليه أبدا ما بعد إلا والمقصور ما قبلها وحاصل ما قاله الشارح: إنه إذا اعتقد المخاطب أن زيدا شاعر وكاتب ومنجم مثلا قلت فى نفى ذلك الاعتقاد ما زيد إلا شاعر هذا فى قصر الموصوف وإذا اعتقد أن زيدا وعمرا وخالدا اشتركوا فى صفة الشعر، فإنك تقول فى نفى ذلك الاعتقاد: ما شاعر إلا زيد وهذا فى قصر الصفة، إذ المعنى أن الشعر مقصور على زيد لا يتصف به عمرو مثلا وجاز أن زيدا يتصف به أيضا
(قوله: لقطع الشركة) أى: لقطع ذلك القصر أو ذلك المتكلم الشركة التى اعتقدها المخاطب وإبطاله إياها ووصف الشركة بكون المخاطب اعتقدها احترازا عن الشركة فى نفس الأمر فلا يصح إرادتها لعدم تحققها
(قوله: بالثانى) عطف على قوله بالأول ومن يعتقد العكس عطف على من يعتقد الشركة السابق وعاملها واحد ذاتا وهو المخاطب لكنه عامل فى الجار والمجرور من حيث إنه مشتق، وفى من يعتقد من حيث إنه مبتدأ فإن قلنا الاختلاف بالحيثية كالاختلاف الذاتى قدرنا للثانى عاملا أى: والمخاطب بالثانى إلخ ويجعل من عطف الجمل لا المفردات وإلا كان من قبيل العطف على معمولى عاملين مختلفين، وإن قلنا الاختلاف بالحيثية ليس كالاختلاف الذاتى فلا يحتاج إلى تقدير عامل-
من ضربى كل) من قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على الموصوف ويعنى الأول: التخصيص بشىء دون شىء (من يعتقد الشركة) أى: شركة صفتين فى موصوف واحد فى قصر الموصوف على الصفة، وشركة موصوفين فى صفة واحدة فى قصر الصفة على الموصوف، فالمخاطب بقولنا: ما زيد إلا كاتب من يعتقد اتصافه بالشعر والكتابة، وبقولنا: ما كاتب إلا زيد من يعتقد اشتراك زيد وعمرو فى الكتابة.
(ويسمى) هذا القصر (: قصر إفراد لقطع الشركة) التى اعتقدها المخاطب (و) المخاطب (بالثانى) أعنى التخصيص بشىء مكان شىء من ضربى كل من القصرين (من يعتقد العكس) أى: عكس الحكم الذى أثبته المتكلم،
===
كذا قيل، وقد يقال إن العاملين هنا مختلفان ذاتا حقيقة؛ لأن المبتدأ فى الحقيقة أل، وحينئذ فلا بد من تقدير عامل هنا كما فعل الشارح
(قوله: من ضربى كل من القصرين) أى: قصر الموصوف على الصفة والعكس.
(قوله: من يعتقد العكس) أى: عكس الحكم هذا بالنظر للغالب وإلا فقد يخاطب به من يعتقد أن المتكلم يعتقد العكس، وإن كان هو لا يعتقد العكس، وذلك عند قصد أن يكون الخطاب لإفادة لازم الفائدة ببيان المتكلم إن ما عنده هو ما عند المخاطب مثلا لا ما توهمه فيه، ثم إن المراد بعكس الحكم المثبت ما ينافى ذلك الحكم ففى قصر الصفة، إذا اعتقد المخاطب أن القائم عمرو لا زيد تقول نفيا لذلك الاعتقاد ما قائم إلا زيد حصرا للقيام فى زيد ونفيا له عن عمرو وفى قصر الموصوف إذا اعتقد أن زيدا قاعدا لا قائم تقول ما زيدا لا قائم أى: لا قاعد، قال الشيخ يس: انظر هل المراد بالاعتقاد فى هذا المقام حقيقته الأصولية، أو المراد به ما يشمل التجويز فيدخل فيه الظن، بل والوهم، وأما شمول الاعتقاد هنا لليقين فلا كلام فيه، إذ هو أولى. اهـ.
وقد يقال: إن ظاهر قوله أو تساويا عنده أن الظن كالاعتقاد، وحينئذ فالمراد بالاعتقاد ما يشمل التجويز- فتأمل.
فالمخاطب بقولنا: ما زيد إلا قائم من اعتقد اتصافه بالقعود دون القيام، وبقولنا: ما شاعر إلا زيد من اعتقد أن الشاعر عمرو لا زيد (ويسمى) هذا القصر (قصر قلب لقلب حكم المخاطب، أو تساويا عنده) عطف على قوله: يعتقد العكس على ما يفصح عنه لفظ الإيضاح؛ أى: المخاطب بالثانى أما من يعتقد العكس، أو من تساوى عنده الأمران؛ أعنى: الاتصاف بالصفة المذكورة، وغيرها فى قصر الموصوف،
===
(قوله: فالمخاطب) مبتدأ خبره من اعتقد وفيه ضمير مستتر هو نائب الفاعل يرجع إلى أل
(قوله: اعتقد اتصافه بالقعود) أى: سواء اعتقد اتصافه بشىء آخر أم لا
(قوله: لقلب حكم المخاطب) أى لأن فيه قلبا وتبديلا لحكم المخاطب كله بغيره بخلاف قصر الإفراد، فإنه وإن كان فيه قلب وتبديل، لكن ليس لكل حكم المخاطب، بل فيه إثبات البعض ونفى البعض
(قوله: أو تساويا عنده) ينبغى كما قال الصفوى أن يدخل فى قصر التعيين ما إذا كان التردد بين أمرين هل الثابت أحدهما أو كلاهما، وكذا ما لو جزم بثبوت صفة على التعيين وأصاب وبثبوت أخرى معها لا على التعيين، وكذا إذا شك فى ثبوت واحدة وانتفائها بخلاف ما لو أخطأ فى الصفة التى اعتقدها على التعيين، فإن القصر حينئذ يكون بالنسبة إليها قصر قلب وبالنسبة لما تردد فيه قصر تعيين
(قوله: على ما يفصح عنه لفظ الإيضاح) أى: فالأولى حمل كلامه هنا عليه ليتطابقا وإن احتمل على بعد عطفه على يعتقد الشركة أى: إن المخاطب بالأول من يعتقد الشركة أو تساوى عنده الاتصافان أى: الاتصاف بالصفة، والاتصاف بغيرها فى قصر الموصوف، واتصاف الموصوف بصفة، واتصاف غيره بها فى قصر الصفة، وعلى هذا فيكون قصر التعيين داخلا فى الأول، والحاصل أنه لولا ما فى الإيضاح لأمكن عطف تساويا عنده على يعتقد الشركة فيكون قصر التعيين داخلا فى الأول وهو التخصيص بشىء دون شىء فيوافق ما فى المفتاح، وعبارة الإيضاح والمخاطب بالثانى: أما من يعتقد العكس، وأما من تساوى الأمران عنده فهى صريحة فى العطف الذى قاله الشارح
(قوله: الأمران) أشار بذلك إلى أن ضمير تساويا راجع لمعلوم من السياق وهو الأمران الشاملان للأمرين فى قصر الصفة وللصفتين فى قصر الموصوف
(قوله: بالصفة المذكورة وغيرها)
واتصاف الأمر المذكور وغيره بالصفة فى قصر الصفة؛ حتى يكون المخاطب بقولنا: ما زيد إلا قائم من يعتقد اتصافه بالقيام أو القعود من غير علم بالتعيين، وبقولنا: ما شاعر إلا زيد من يعتقد أن الشاعر زيد أو عمرو من غير أن يعلمه على التعيين (ويسمى) هذا القصر: (قصر تعيين) لتعيينه ما هو غير معين عند المخاطب، فالحاصل أن التخصيص بشىء دون شىء قصر إفراد، والتخصيص بشىء مكان شىء إن اعتقد المخاطب فيه العكس قصر قلب، وإن تساويا عنده قصر تعيين؛ وفيه نظر؛ لأنا لو سلمنا أن فى قصر التعيين تخصيص شىء بشىء مكان آخر فلا يخفى أن فيه تخصيص شىء بشىء دون آخر؛ فإن قولنا: ما زيد إلا قائم لمن يردده بين القيام والقعود تخصيص له بالقيام دون القعود؛
…
===
أى: على سبيل البدلية فالواو بمعنى أو ويدل لذلك قوله بعد حتى يكون المخاطب إلخ
(قوله: واتصاف الأمر المذكور وغيره) الواو بمعنى أو
(قوله: حتى يكون إلخ) تفريع على قوله أو تساويا فحتى تفريعية بمعنى الفاء
(قوله: ما زيد إلا قائم) أى: فى قصر الموصوف وقوله وبقولنا ما شاعر إلا زيد أى: فى قصر الصفة
(قوله: لتعيينه) أى: القصر أو المتكلم، وقوله: ما أى حكما وقوله غير معين أى: مبهم عند المخاطب شاك فى ثبوته
(قوله: فالحاصل) أى:
حاصل ما سبق من قوله والأول من غير الحقيقى إلى هنا، وقوله: إن التخصيص أى:
تخصيص المتكلم شيئا بشىء ففاعل المصدر ومفعوله محذوفان، والمفعول المحذوف الذى هو الشىء إن كان واقعا على الصفة كان المراد بقوله بشىء الموصوف فيتحقق قصر الصفة على الموصوف أى: جعلها مقصورة على الموصوف، وإن كان واقعا على الموصوف، كان المراد بقوله بشىء الصفة، فيتحقق قصر الموصوف على الصفة أى: جعلك هذا الموصوف مقصورا على تلك الصفة، فالباء فى بشىء داخلة على المقصور عليه على كلا الأمرين.
(قوله: والتخصيص إلخ) يجوز أن يكون بالنصب عطفا على اسم أن فيكون من عطف معمولين على معمولى أن ويجوز الرفع ويكون من عطف الجمل، وقوله بشىء أى: صفة كان أو موصوفا
(قوله: وإن تساويا عنده قصر تعيين) هذا قسيم قوله إن اعتقد
(قوله: وفيه نظر) أى: فى هذا الحاصل نظر
(قوله: لأنا لو سلمنا) فيه إشارة إلى
ولهذا جعل السكاكى التخصيص بشىء دون شىء مشتركا بين قصر الإفراد والقصر الذى سماه المصنف: قصر تعيين، وجعل التخصيص بشىء مكان شىء
…
===
منع كون التعيين من تخصيص شىء بشىء مكان آخر، وحاصل ذلك النظر أنا لا نسلم أن فى قصر التعيين تخصيص شىء بشىء مكان شىء آخر؛ لأن المخاطب به لم يثبت الصفة الأخرى فى قصر الموصوف حتى يثبت المتكلم مكانها ما يعينه، بل هو متردد بينهما سلمنا أن فيه تخصيصا بشىء مكان شىء آخر ولو احتمالا، فلا يخفى أن فيه أيضا تخصيصا بشىء دون شىء آخر فيكون داخلا فى الأول، وحينئذ فجعل قصر التعيين من تخصيص شىء بشىء مكان شىء لا من تخصيص شىء بشىء دون آخر تحكم
(قوله: ولهذا) أى: ولأجل أن قصر التعيين فيه تخصيص بشىء دون آخر وإن كونه من تخصيص شىء بشىء دون آخر أظهر من كونه من تخصيص شىء مكان آخر جعل إلخ، وهذا اعتراض ثان غير التحكم أى: أنه يلزمه التحكم ومخالفة من تقدمه من المؤلفين بلا موجب.
(قوله: والقصر الذى سماه المصنف إلخ) تبرأ الشارح من هذه التسمية إشارة إلى أن السكاكى لا يقول بها، إذ القصر الإضافى عنده نوعان فقط: قصر قلب لمن يعتقد العكس، وقصر إفراد لمن يعتقد الشركة ومن لا يعتقد شيئا فأدرج ما يسميه المصنف تعيينا فى الإفراد ولا مشاحة فى الاصطلاح، إلا أن فى قصر التعيين إزالة الشركة الاحتمالية بخلاف القسم الثانى من الإفراد، فإن فيه إزالة الشركة الحقيقية، وقد يقال:
إن البحث الوارد على المصنف لازم للسكاكى ولا يختص به المصنف، إذ كما أنه لا وجه لتخصيص التعيين بالتعريف الذى فيه مكان كما عند المصنف لا وجه لتخصيصه بالتعريف الذى فيه دون كما عند السكاكى، فالصواب جعل التعريفين شاملين لقصر التعيين، وهذا كله بناء على أن مفاد مكان خلاف مفاد دون كما اعتبره المصنف، وإلا لم يختص البحث بقصر التعيين، بل يجرى البحث فى التعريفين باعتبار القصرين الأولين أيضا لصدق كل منهما حينئذ على الآخر- فتدبر.
قصر قلب فقط (وشرط قصر الموصوف على الصفة إفرادا: عدم تنافى الوصفين)
…
===
(قوله: قصر قلب فقط) أى: لا قصر قلب وتعيين كما جعله المصنف، وتحصل مما تقدم أن قصر التعيين لم يدرجه أحد فى قصر القلب لظهور أن لا عكس فيه أصلا وأما عند السكاكى، فالتعيين من أفراد الإفراد لا قسيم له؛ لأن الإفراد عنده عبارة عن قطع الشركة سواء كانت بطريق الاحتمال أو الاعتقاد، وعند المصنف الإفراد قطع الشركة الاعتقادية فلا يتناول التعيين؛ لأنه قطع الشركة الاحتمالية لاشتراك الصفتين أو الموصوفين فى أن كلا منهما يحتمل أن يكون ثابتا بدل الآخر فعليه يكون التعيين قسيما لكل من الإفراد والقلب
(قوله: وشرط قصر الموصوف على الصفة إلخ) قد يقال هذا الاشتراك ضائع لعلمه مما تقدم من أن المخاطب بقصر الإفراد من يعتقد الشركة، فإن هذا يفيد أن قصر الإفراد إنما يكون عند اعتقاد الاشتراك فى الوصفين فهو تصريح بما علم التزاما وخص هذا الشرط بقصر الموصوف على الصفة دون قصر الصفة على الموصوف؛ لأن الموصوفات لا تكون إلا متنافية- قاله السيرامى، وفى يس: ظاهر كلام المصنف أنه لا اشتراط فى قصر الصفة على الموصوف إفرادا- وفيه نظر، فإنه يشترط فى قصر الصفة على الموصوف عدم تنافى الاتصافين، إذ لو كان الوصف مما لا يصح قيامه بمحلين لم يتأت اعتقاد المخاطب ثبوته لموصوفين فلا يتأتى فيه قصر الإفراد نحو قولك: لا أب لزيد إلا عمرو، ونحو: ما أفضل البلد إلا زيد؛ لأنه لا يجتمع الموصوفان فى وصف الأبوة ولا فى وصف الأفضلية فلا يتأتى فيهما قصر الإفراد بخلاف نحو قولك: لا جواد إلا حاتم فى قصر الإفراد فيصح؛ لأن الجود يمكن أن يتصف به اثنان، وأجيب بأن المصنف ترك هذا الاشتراط فى قصر الصفة إما لندرته؛ لأن تنافى اتصاف الموصوفين بالصفة نادر والكثير عدم تنافيهما والكثير بمنزلة اللازم فلا معنى لاشتراطه وإما للتعويل على ظهوره بالمقايسة انتهى.
(قوله: إفرادا) حال من قصر وشرط مجىء الحال من المضاف إليه موجود أى:
حال كونه إفرادا أى: ذا إفراد أو مفعول مطلق أى: قصر إفراد أو مفعول لأجله أى:
لأجل الإفراد
(قوله: عدم تنافى الوصفين) عدم تنافيهما صادق بأن يكون بينهما عموم
ليصح اعتقاد المخاطب اجتماعهما فى الموصوف حتى تكون الصفة المنفية فى قولنا:
ما زيد إلا شاعر كونه كاتبا، أو منجما؛ لا كونه مفحما أى: غير شاعر؛ لأن الإفحام؛ وهو وجدان الرجل غير شاعر ينافى الشاعرية (و) شرط قصر الموصوف على الصفة (قلبا:
…
===
وخصوص من وجه أو مطلق نحو: ما زيد إلا ماش لا أبيض أو لا ضاحك- قاله يس، وفى عبد الحكيم مراد المصنف بعدم تنافى الوصفين ألّا يكون مفهوم أحدهما عين نفى الآخر وذلك كالمفحمية والشاعرية ولا ملزوما لنفى الآخر لزوما بينا يحصل فى الذهن بحصوله كالقعود والقيام، إذ لو كان كذلك لم يتصور اعتقاد المخاطب اجتماعهما؛ لأن امتناع اجتماع النفى والإثبات من أجلى البديهيات فلا يتحقق قصر الإفراد لابتنائه على اعتقاد الشركة، وبهذا تعلم أنه لا يرد ما قيل أن صحة اعتقاد المخاطب الاجتماع لا يتوقف على عدم التنافى لجواز أن يعتقد خلاف الواقع، إذ الاعتقاد المطابق للواقع ليس بلازم فى القصر ولا حاجة للجواب عنه بأن المراد عدم تنافى الوصفين فى اعتقاد المخاطب لا فى الواقع- انتهى.
(قوله: ليصح إلخ) علة التنافى
(قوله: حتى تكون إلخ) حتى تفريعية بمنزلة الفاء وما ذكره من عدم منافاة كونه كاتبا لكونه شاعرا مبنى على أن المراد الكتابة والشعر بالقوة فلا يصح؛ إذ لا يمكن اجتماعهما؛ لأن المراد بالكتابة إلقاء الكلام نثرا بقرينة مقابلتها بالشعر الذى هو إلقاء الكلام نظما- كذا ذكر بعضهم.
(قوله: وقلبا إلخ) فيه العطف على معمولى عاملين؛ لأن قلبا عطف على إفرادا والعامل فيه قصر، وتحقق عطف على عدم، والعامل فيه شرط وفيه خلاف، والراجح المنع إذا لم يكن أحد المعمولين جارا ومجرورا متقدما كما فى قولك: فى الدار زيد والحجرة عمرو، وأجاب الشارح بأنه من عطف الجمل حيث قال وشرط إلخ، إن قلت:
إنما جاء هذا من جعل قوله إفرادا وقلبا مفعولا لأجله، ونحن نجعلهما حالا فيكون العامل فيهما شرط، وحينئذ فيكون من قبيل العطف على معمولى عامل واحد وهو جائز، قلت: ما زال البحث واردا؛ لأن اختلاف جهة العمل ينزل منزلة اختلاف العامل
تحقق تنافيهما) أى: تنافى الوصفين حتى يكون المنفى فى قولنا: ما زيد إلا قائم كونه قاعدا، أو مضجعا، أو نحو ذلك مما ينافى القيام، ولقد أحسن صاحب المفتاح فى إهمال هذا الاشتراط؛ لأن قولنا: ما زيد إلا شاعر- لمن اعتقد أنه كاتب وليس بشاعر- قصر قلب على ما صرح به فى المفتاح، مع عدم تنافى الشعر والكتابة،
…
===
بناء على ما حققه العلّامة الرضى، وقوله وشرط قصر الموصوف على الصفة قلبا إلخ:
سكت عن شرط قصر الصفة على الموصوف قلبا نحو: إنما الكاتب زيد لا عمرو لمن اعتقد أن الكاتب عمرو لا زيد، ولا يخفى عليك أن وصف الكتابة يمكن اجتماع الموصوفين فيه، وحينئذ فلا يشترط فيه تحقق التنافى، بل تارة لا يتحقق كما مثلنا، وتارة يتحقق نحو: لا أب لزيد إلا عمرو فإنه قصر صفة على موصوف قصر قلب ولا يمكن اجتماع موصوفين فى وصف أبوة زيد
(قوله: تحقق تنافيهما) أى: تحقق تنافى الوصفين فى الواقع لأجل أن يكون إثبات المتكلم إحدى الصفتين مشعرا بانتفاء غيرها وهى الصفة التى تنافيه، فيكون القصر قلب بيقين بخلاف ما إذا لم تكن إحداهما متنافية للأخرى، فإن المخاطب يجوز اجتماعهما فى بادئ الرأى فيحتمل أن يكون قصر إفراد ويحتاج فى كونه قصر قلب إلى أمر خارجى يعرف به أن المخاطب يعتقد العكس
(قوله: حتى يكون المنفى إلخ) حتى تفريعية بمعنى الفاء
(قوله: أو نحو ذلك مما ينافى القيام) أى:
ككونه مستلقيا أى: وليس المنفى بما ذكر من القصر كونه كاتبا أو شاعرا لعدم منافاتهما للقيام
(قوله: ولقد أحسن إلخ) هذا تعريض بالمصنف من كونه أساء فى اشتراط هذا الشرط وهو تحقق التنافى فى قصر الموصوف على الصفة قصر قلب، فكان ينبغى له إهماله كما أهمله السكاكى.
(قوله: على ما صرح به فى المفتاح) أى: لأن الشرط فى قصر القلب على كلام صاحب المفتاح اعتقاد المخاطب عكس ما يذكره المتكلم سواء كان التنافى بينهما محققا فى الواقع أم لا، فقول الشارح: مع عدم تنافى الشعر والكتابة أى: فى الواقع لصحة اجتماعهما فى موصوف واحد، وإن كان المخاطب يعتقد تنافيهما، والمراد بعدم تنافيهما
ومثل هذا خارج عن أقسام القصر على ما ذكره المصنف، لا يقال: هذا اشتراط للحسن، أو المراد التنافى فى اعتقاد المخاطب؛ لأنا نقول: أما الأول: فلا دلالة للفظ عليه، مع أنا لا نسلم عدم حسن قولنا: ما زيد إلا شاعر لمن اعتقده كاتبا غير شاعر،
…
===
واحد وإن كان مفهومهما مختلفا
(قوله: ومثل هذا) أى: ومثل هذا القول وهو ما زيد إلا شاعر لمن اعتقد أنه كاتب
(قوله: خارج عن أقسام القصر) أى: مع أن القصر لا تخرج عنه هذه الأقسام الثلاثة قطعا
(قوله: خارج عن أقسام القصر) أى: القصر الإضافى، أما خروجه عن قصر الإفراد فلاعتقاد المخاطب اتصافه بصفة وفى قصر الإفراد لا بد أن يعتقد المخاطب اجتماعهما واتصافه بهما، وأما خروجه عن قصر التعيين فلكون المخاطب به مترددا لا اعتقاد عنده والمخاطب هنا معتقد ثبوت أحدهما وانتفاء الآخر، وأما خروجه عن قصر القلب فلعدم تحقق تنافى الوصفين هنا فى الواقع وهو شرط فيه لا بد منه على ما قال المصنف، وقوله على ما ذكره المصنف أى: من اشتراط هذا الشرط فى قصر القلب، وأما على صنيع السكاكى من إهماله فلا يكون هذا المثال خارجا عن الأقسام الثلاثة، بل من قبيل قصر القلب كما علمت
(قوله: هذا شرط للحسن) أى: لحسن قصر القلب لا لصحته، وحينئذ فلا يخرج ما زيد إلا شاعر لمن اعتقد أنه كاتب عن أقسام القصر الثلاثة، بل هو من قبيل قصر القلب وإن كان غير حسن
(قوله: أو المراد التنافى فى اعتقاد المخاطب) أى: سواء تنافيا فى الواقع أو لا كما فى المثال المذكور، ثم إنه ليس المراد بتنافيهما فى اعتقاد المخاطب اعتقاد تنافيهما فى نفس الأمر بأن يعتقد أنه لا يمكن اجتماعهما فى نفس الأمر، بل المراد اعتقاده ثبوت أحداهما وانتفاء الأخرى فصح رد الشارح الآتى
(قوله: أما الأول) أى: وهو كونه شرطا فى حسن قصر القلب، وحاصل هذا الرد أنا لا نسلم أن هذا مراد المصنف لعدم إشعار لفظ الكتاب به، إذ الأصل فى الشروط أن تكون للصحة لا للحسن، بل كلامه فى الإيضاح الذى هو كالشرح لهذا الكتاب ينافى كونه شرطا للحسن؛ لأنه قال ليكون إثبات الصفة مشعرا بانتفاء غيرها، فإن قضيته أن الشرط للتحقق لا للحسن سلمنا أن لفظ الكتاب
وأما الثانى: فلأن التنافى بحسب اعتقاد المخاطب معلوم مما ذكره فى تفسيره أن قصر القلب هو الذى يعتقد فيه المخاطب العكس فيكون هذا الاشتراط ضائعا، وأيضا لم يصح قول المصنف: إن السكاكى لم يشترط فى قصر القلب تنافى الوصفين، وعلل المصنف اشتراط تنافى الوصفين بقوله: ليكون إثبات الصفة مشعرا بانتفاء غيرها؛
…
===
مشعر بأنه شرط فى الحسن فلا نسلم عدم حسن إلخ، فبطل حينئذ كونه شرطا فى الحسن فقول الشارح فلا دلالة للفظ أى: للفظ الكتاب أعنى المتن عليه
(قوله: وأما الثانى) أى: كون المصنف أراد تنافى الوصفين فى اعتقاد المخاطب لا بحسب نفس الأمر
(قوله: مما ذكره فى تفسيره) أى: مما ذكره فى التفريع على تفسيره أى: تعريفه؛ وذلك لأنه عرفه بأنه تخصيص أمر بصفة مكان صفة أخرى، ثم فرع على ذلك قوله، والمخاطب بالثانى من يعتقد العكس
(قوله: فيكون هذا الاشتراط ضائعا) يرد مثل هذا على قوله وشرط قصر الموصوف إفرادا عدم تنافى الوصفين؛ لأن عدم تنافى الوصفين وإمكان اجتماعهما معلوم من قوله فى التفريع على تعريفه والمخاطب بالأول من يعتقد الشركة فكان اللائق ترك الاشتراط فيهما لهذا المعنى، ولهذا لم يتعرض فى المفتاح لهذين الشرطين المذكورين فى قصر الإفراد وقصد القلب.
(قوله: وأيضا لم يصح) أى: على إرادة هذا الاحتمال الثانى
(قوله: لم يصح قول المصنف) أى: فى الإيضاح الذى هو كالشرح لهذا الكتاب وحاصل كلام الشارح أنه لو كان مراد المصنف التنافى بحسب اعتقاد المخاطب لم يصح قول المصنف فى الإيضاح معترضا على السكاكى أنه لم يشترط فى قصر القلب تنافى الوصفين كما شرطناه؛ وذلك لأن السكاكى قد شرط فيه كون المخاطب معتقدا للعكس وهذا هو المراد بالتنافى فى اعتقاد المخاطب، فدل هذا على أن مراد المصنف تنافى الوصفين فى الواقع لا بحسب اعتقاد المخاطب، إذ يبعد أن يعترض المصنف على السكاكى بما هو قائل ومعترف به، وإنما يعترض عليه بما تحقق إهماله له وهو التنافى فى نفس الأمر
(قوله: وعلل المصنف) أى: فى الإيضاح وأشار الشارح بهذا إلى بطلان دليل المصنف بعد ما أبطل مدعاه من اشتراط الشرط المذكور
(قوله: ليكون إلخ) أى: إنما اشترط فى قصر القلب
وفيه نظر بين فى الشرح.
(وقصر التعيين أعم) من أن يكون الوصفان فيه متنافيين، أو لا،
…
===
تنافى الوصفين لأجل أن يكون إثبات الصفة مشعرا بانتفاء الأخرى انتهى، فإذا قيل ما زيد إلا قائم كان إثبات القيام مشعرا بانتفاء القعود ولم يحصل ذلك الإشعار إلا إذا كان الوصفان متنافيين فى نفس الأمر
(قوله: وفيه نظر بين فى الشرح) أى: وحينئذ فالحق مع السكاكى فى إهمال ذلك الشرط، وحاصل النظر أنه إن أراد ليكون إثبات المتكلم الصفة مشعرا بانتفاء غيرها وهو ما اعتقده المخاطب ففيه أن أداة القصر مشعرة بذلك من غير حاجة للتنافى، وإن أراد أن إثبات المخاطب الصفة مشعر بانتفاء غيرها وهى التى أثبتها المتكلم كالقيام حتى يكون هذا عكسا لحكم المخاطب فيكون قصر قلب ففيه أن إثبات المخاطب لا إشعار له بانتفاء شىء أصلا، إذ غاية ما يفهم منه الإثبات فقط وانتفاء الغير إن فهمه منه المتكلم فبقرينة أو بعبارة، كأن يقول: ما زيد إلا قاعد فيقول المتكلم ردا عليه ما زيد إلا شاعر ولا يتوقف على التنافى، والحاصل أن شرط قصر القلب اعتقاد المخاطب عكس ما يذكره المتكلم سواء تحقق التنافى بينهما أم لا، وما ذكره المصنف من اشتراط تنافى الوصفين لا يتم
(قوله: وقصر التعيين) أى: وهو إثبات المتكلم أحد الأمرين المتردد فيهما أو أحد الأمور المتردد فيها، وقوله أعم أى: من كل واحد منهما على انفراده، وليس المراد أنه أعم من مجموعهما بأن يتحقق بدون هذا المجموع؛ لأنه لا يمكن؛ لأن الوصفين فيه إما متباينان أو لا ولا واسطة بينهما، فإن كانا متباينين تحقق القلب والتعيين دون الإفراد، وإن كانا غير متباينين تحقق الإفراد والتعيين دون القلب والعموم باعتبار المحل وليس العموم باعتبار نفس حقيقة قصر التعيين؛ لأنها مباينة لكل من حقيقة القصرين، إذ لا يصدق قصر الإفراد إلا عند اعتقاد المشاركة ولا يصدق قصر القلب إلا عند اعتقاد العكس ولا يصدق قصر التعيين إلا عند عدم الاعتقادين، وإنما كان قصر التعيين أعم محلا من كل قصرى الإفراد والقلب؛ لأن الأول على ما مر عليه المصنف محله ما لا تنافى فيه، والثانى محله ما فيه التنافى وقصر التعيين محله ما فيه التنافى وغيره فيكون أعم من الأول لشموله ما فيه التنافى وأعم من الثانى وهو قصر القلب لشموله