الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويشيب فيه خصلتان الحرص وطول الأمل").
[ذكر الخاص بعد العام]:
(وإما بذكر الخاص بعد العام) عطف على قوله: [إما بالإيضاح بعد الإبهام] والمراد: الذكر على سبيل العطف
…
===
في عقود (1) الجمان كقوله صلى الله عليه وسلم: " يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان (2) الحرص وطول الأمل" رواه البخارى من حديث أنس
(قوله: ويشب) بكسر الشين وتشديد الباء بمعنى ينمو، يقال: شب الغلام يشب بالكسر إذا نما، فلو أريد الاختصار لقيل ويشب فيه الحرص وطول الأمل، ومن أمثلة التوشيع أيضا قوله:
سقتنى فى ليل شبيه بشعرها
…
شبيهة خدّيها بغير رقيب
فما زلت فى ليلين شعر وظلمة
…
وشمسين من خمر ووجه حبيب (3)
وقوله:
أمسى وأصبح من تذكاركم وصبا
…
يرثى لى المشفقان الأهل والولد
قد خدّد الدمع خدّى من تذكّركم
…
واعتاد فى المضنيان الوجد والكمد
وغاب عن مقلتى نومى لغيبتكم
…
وخاننى المسعدان الصبر والجلد
لا غرو للدمع أن تجرى غواربه
…
وتحته الطافيان القلب والكبد
كأنّما مهجتى شلو بمسبعة
…
ينتابها الضّاريان الذئب والأسد
لم يبق غير خفى الرّوح فى جسدي
…
فداكم الباقيان الروح والجسد
. اه سيوطى.
(قوله: والمراد) أى: بذكر الخاص بعد العام فى كلام المصنف، وقوله الذكر على سبيل العطف أى: ذكره بعده على سبيل العطف لا على سبيل الوصف أو الإبدال، ولو قال المصنف وإما بعطف الخاص على العام لكان أوضح، وإنما قيد ذكره بعده بكونه على سبيل العطف لأجل أن يغاير ما تقدم فى الإيضاح بعد الإبهام، وعلى
(1) فى الأصل: عقد.
(2)
أخرجاه فى الصحيحين.
(3)
البيتان لعبد الله بن المعتز فى الإيضاح ص 190 بتحقيق الدكتور عبد الحميد هنداوى.
(للتنبيه على فضله) أى: مزية الخاص (حتى كأنه ليس من جنسه) أى: العام (تنزيلا التغاير فى الوصف منزلة التغاير فى الذات) يعنى: أنه لما امتاز عن سائر أفراد العام بما له من الأوصاف الشريفة جعل كأنه شىء آخر مغاير للعام لا يشمله العام، ولا يعرف حكمه منه (نحو: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى (1))
===
هذا فلا بد أن يقيد ما سبق بما لا يكون على سبيل العطف لئلا يكون هذا تكرارا مع ذاك لدخوله فيه على تقدير عموم ذاك، وقد يقال: لا حاجة لتقييد ما تقدم؛ لأنه ليس فى ذكر الخاص بعد العام بطريق العطف إيضاح بعد إبهام، إذ لا يقصد به ذلك فلا يكون داخلا فيما سبق حتى يحتاج لتقييده بخلاف ما هنا فإن ذكر الخاص بعد العام صادق بما لا يكون بطريق العطف مما فيه إيضاح بعد إبهام كما فى الأمثلة السابقة فما هنا هو المحتاج للتقييد دون ما سبق، ولهذا تعرض الشارح هنا للتقييد ولم يتعرض له فيما سبق، والحاصل أن التقييد هنا للاحتراز عن ذكر الخاص بعد العام لا على سبيل العطف، فإن هذا من قبيل الإيضاح بعد الإبهام بخلاف ذكره بعده على سبيل العطف فإنه ليس من هذا القبيل، إذ لا يقصد به ذلك- فتأمل.
(قوله: للتنبيه إلخ) قضيته أن التنبيه على الفضل إنما يكون مع العطف، ووجهه أنه مع الوصف أو الإبدال يكون ذلك الخاص هو المراد من العام فليس فى ذكره بعد أفراد العام تنبيه على فضله لجعل العام بمنزلة الجنس للآخر فلا يتأتى (2) لأحد أن يعتبر فى الخاص ما يوجب كونه جنسا آخر
(قوله: للتنبيه على فضله) أى: فضل الخاص؛ وذلك لأن ذكره منفردا بعد دخوله فيما قبله إنما يكون لمزية فيه
(قوله: تنزيلا إلخ) أى: إنما جعل كالمغاير للعام لتنزيل التغاير فى الوصف أى: الكائن فى الخاص الذى حصلت به المزية له
(قوله: يعنى أنه إلخ) تفسير لقوله تنزيلا للتغاير إلخ
(قوله: من الأوصاف الشريفة) لعل التقييد بالشريفة نظرا للمثال أو الغالب وإلا فقد تكون الأوصاف خبيثة نحو: لعن الله الكافرين وأبا جهل
(قوله: لا يشمله العام ولا يعرف حكمه منه) أى: ولذلك صح ذكره على سبيل العطف المقتضى للتغاير.
(1) البقرة: 238.
(2)
في المطبوعة: أحد.
أى: الوسطى من الصلوات، أو الفضلى من قولهم للأفضل: الأوسط؛ وهى صلاة العصر عند الأكثر.
(وإما بالتكرير لنكتة) ليكون إطنابا لا تطويلا؛ وتلك النكتة (كتأكيد الإنذار فى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (1)) فقوله: كَلَّا ردع عن الانهماك فى الدنيا وتنبيه، وسَوْفَ تَعْلَمُونَ إنذار وتخويف؛ أى:
سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول المحشر،
…
===
(قوله: أى الوسطى من الصلوات) من بمعنى بين أى: المتوسطة بين الصلوات، وهذا أحد احتمالين فى معنى الوسطى فى الآية، وقوله أو الفضلى: احتمال ثان ويدل لكون من بمعنى بين فى الاحتمال الأول أنه وقع التصريح ببين فى بعض نسخ المطول- كذا قرره شيخنا العدوى.
(قوله: وهى صلاة العصر عند الأكثر) وذلك لتوسطها بين نهاريتين وليليتين، وقيل المغرب لتوسطها بين صلاتين يقصران، وقيل العشاء لتوسطها بين صلاتين لا يقصران، وقيل الصبح لتوسطها بين نهاريتين وليليتين أو بين نهارية وليلية يقصران، وقيل الظهر وذكر بعضهم أنها إحدى الصلوات الخمس لا بعينها أبهمها الله تحريضا للعباد على المحافظة على أداء جميعها كما قيل فى ليلة القدر وساعة الجمعة
(قوله: ليكون إطنابا) علة لمحذوف أى: إنما قيد المصنف التكرار بالنكتة لأجل أن يكون إطنابا؛ لأن التكرار إذا كان لغير نكتة كان تطويلا، فلما كان التطويل ظاهرا فى التكرار عند عدم النكتة قيد بها، وهذا بخلاف الإيضاح بعد الإبهام وذكر الخاص بعد العام فلا يكون كل منهما تطويلا أصلا؛ لأنه لا بد فيهما من النكتة، ولذا لم يقيدهما بها- كذا قرر شيخنا العدوى.
(قوله: كتأكيد الإنذار) أى: والارتداع كما يدل له كلام الشارح، والمراد بالإنذار التخويف، وهذا مثال للنكتة الحاصلة بالتكرار
(قوله: فقوله: كَلَّا ردع) أى: إنها هنا مفيدة للردع والزجر عن الانهماك فى تحصيل الدنيا وللتنبيه على الخطأ فى الاشتغال بها عن الآخرة وبيان ذلك أن المخاطبين لما تكاثروا فى الأموال وألهاهم ذلك عن عبادة الله حتى زاروا المقابر أى: ماتوا زجرهم المولى عن الانهماك
(1) التكاثر: 4، 3.
وفى تكريره تأكيد للردع والإنذار (وفى ثُمَّ دلالة على أن الإنذار الثانى أبلغ) من الأول تنزيلا لبعد المرتبة منزلة بعد الزمان،
…
===
فى تحصيل الأموال، ونبههم على أن اشتغالهم بتحصيلها وإعراضهم عن الآخرة خطأ منهم بقوله: كلا وخوفهم على ارتكاب ذلك الخطأ بقوله سوف تعلمون
(قوله: وفى تكريره تأكيد إلخ) فيه أن بين الجملتين حينئذ كمال الاتصال فكيف تعطف الثانية على الأولى، وجواب هذا قد مر هناك- فراجعه إن شئت- وقول الشارح تأكيد: للردع والإنذار هذا يشير لما قلناه من أن قول المصنف كتأكيد الإنذار فيه حذف الواو مع ما عطفت، ويمكن أن يكون داخلا فى كلامه بمقتضى الكاف فى قوله: كتأكيد الإنذار وعلى كل من الاحتمالين يمكن أن يقال: إن الردع لما كان مستفادا من معنى الحرف لم يعتن المصنف بالنص عليه وإن كان مرادا.
(قوله: وفى ثم) أى: وفى العطف بثم إلخ، وهذا جواب عما يقال كيف يكون الكلام تكريرا مع أن العاطف يستدعى كون المراد بالثانى غير الأول، فإن قلت: إذا كان الإنذار الثانى أبلغ لم يكن تكرير. قلت: كونه أبلغ باعتبار زيادة اهتمام المنذر به لا باعتبار أنه زاد شيئا فى المفهوم
(قوله: دلالة على أن الإنذار الثانى أبلغ) أى: دلالة للسامع على أن الإنذار الثانى الذى اعتبره المتكلم أبلغ من الأول أى: أوكد وأقوى منه.
(قوله: تنزيلا إلخ) علة لكون العطف بثم فيه دلالة على ما ذكر أى: إنما دل على ما ذكر لأجل التنزيل والاستعمال المذكورين؛ لأنه إذا نزل بعد المرتبة منزلة بعد الزمان واستعملت فيه دلت على أن ما بعدها أعلى وأبلغ، وقوله تنزيلا أى:
لأجل تنزيل بعد المرتبة الذى استعملت فيه هنا ثم وهو بعد معنوى منزلة البعد الحسى الموضوعة له وهو التراخى فى الزمان وتوضيح ذلك أن أصل ثم إفادة التراخى والبعد الزمانى وقد تستعار للتراخى والبعد المعنوى بمعنى أن المعطوف قد تكون مرتبته أعلى مما قبله فتستعمل فيه تنزيلا للتفاوت فى الرتبة منزلة التفاوت فى الزمان، وإذا استعملت ثم كذلك لأجل التنزيل المذكور كانت مستعملة فى مجرد التدرج فى درج الارتقاء، وإذا كان كذلك فدخولها على الجملة المذكورة يؤذن بأن مصحوبها أعلى عند
واستعمالا للفظ ثم فى مجرد التدرج فى درج الارتقاء.
(وإما بالإيغال) من: أوغل فى البلاد إذا أبعد فيها؛ واختلف فى تفسيره (فقيل: هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها؛
…
===
المتكلم، فلذلك دلت الآية على أبلغية الإنذار الذى هو مضمون الجملة الثانية؛ لأن الأبلغية علو فى الرتبة فى قصد المتكلم
(قوله: واستعمالا) عطف على تنزيلا عطف مسبب على سبب
(قوله: فى مجرد التدرج) من إضافة الصفة للموصوف أى واستعمالا لثم فى التدرج والانتقال فى درج الارتقاء المجرد عن اعتبار التراخى والبعد بين تلك الدرج فى الزمان أى: المجرد عن اعتبار كون تاليها أى: تالى ثم بعد متلوها فى الزمان ولا يقال: إن قوله: واستعمالا للفظ ثم فى مجرد التدرج ينافى قوله: تنزيلا لبعد المرتبة أى: المستعملة فيه ثم هنا؛ لأنا نقول المراد ببعد المرتبة بعدها فى المسافة والقدر لا فى الزمان، واعتبار التراخى والبعد المنفى التراخى والبعد زمانا- فتأمل اه سم.
(قوله: إذا أبعد فيها) أى: قطع كثيرها، وعلى هذا فتسمية المعنى الاصطلاحى إيغالا؛ لأن المتكلم قد تجاوز حد المعنى وبلغ زيادة عنه، ويحتمل أنه مأخوذ من توغل فى الأرض سافر فيها، وعلى هذا فيكون تسمية المعنى الاصطلاحى إيغالا لكون المتكلم أو الشاعر توغل فى الفكر حتى استخرج سجعة أو قافية تفيد معنى زائد على أصل معنى الكلام
(قوله: بما يفيد إلخ) أى: سواء كان ذلك المفيد للنكتة جملة أو مفردة، وقوله:
ختم البيت صريح فى أن مسماه المعنى المصدرى لا اللفظ المختوم به، وقوله الآتى فى التذييل وهو تعقيب إلخ: صريح فى أن مسمى التذييل المعنى المصدرى أيضا، لكن قوله هناك وهو ضربان أنسب بكون معناه الكلام المذيل به، والظاهر أنه يطلق عندهم على المعنيين، وكذا بقية الأقسام والتفسير باعتبار المعنى المصدرى والتمثيل باعتبار الكلام وفى قوله وهو ضربان استخدام قال فى الأطول وقوله ختم البيت إلخ: يشمل التعريف ذكر الخاص بعد العام والتكرير إذا كان ختم البيت بل سائر أقسام الإطناب إذا كانت كذلك
(قوله: يتم المعنى) أى: يتم أصل المعنى بدونها، وإنما قال يتم إلخ إشارة إلى أن النكتة لا تختص بما يتم المعنى بدونه، بل يجوز أن يتوقف عليها كما يتوقف أحيانا على
كزيادة المبالغة فى قولها) أى: قول الخنساء فى مرثية أخيها صخر:
(وإنّ صخرا لتأتمّ) أى: تقتدى (الهداة به
…
كأنّه علم) أى: جبل مرتفع (فى رأسه نار).
فقولها: كأنه علم واف بالمقصود؛
…
===
بعض الفضلات- قاله اليعقوبى- وتأمله.
(قوله: كزيادة المبالغة) أى: فى التشبيه وهى تحصل بتشبيه الشىء بما هو فى غاية الكمال فى وجه الشبه الذى أريد مدح المشبه بتحققه فيه
(قوله: كقول الخنساء) اسمها تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد، والخنساء لقب غلب عليها
(قوله: فى مرثية أخيها صخر) ومطلع تلك المرثية (1):
قذى بعينيك أو بالعين عوّار
…
أو ذرفت إذ خلت من أهلها الدّار
كأنّ عينى لذكراه إذا خطرت
…
فيض يسيل على الخدّين مدرار
تبكى خناس على صخر وحقّ لها
…
إذ رابها الدّهر إن الدهر ضرّار
فإنّ صخرا لوالينا وسيّدنا
…
وإنّ صخرا إذا نعشو لنحّار
وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به
البيت
وبعده:
لم تره جارة يمشى لساحتها
…
لريبة حين يخلى بيته الجار
ولا تراه وما فى البيت يأكله
…
لكنّه بارز بالصخر مهمار
طلق اليدين بفعل الخير ذو فخر
…
ضخم الدّسيعة بالخيرات أمّار
(قوله: الهداة) أى: الذين يهدون الناس إلى المعالى وإذا اقتدت به الهداة فالمهتدون من باب أولى
(قوله: كأنه) أى: كأن صخرا، وقوله: فى رأسه أى: الذى فى رأس ذلك العلم
(قوله: فقولها إلخ) حاصله أن تشبيهها صخرا بالجبل المرتفع الذى هو أظهر المحسوسات فى الاهتداء به مبالغة فى ظهوره فى الاهتداء، ثم زادت فى المبالغة بوصفها العلم بكونه فى رأسه نار، فإن وصف العلم المهتدى به بوجود نار على رأسه
(1) الأبيات للخنساء فى ديوانها ص 80 وهو فى المصباح ص 230، وتاج العروس (صخر) وجمهرة اللغة ص 948 ويروى: أغر أبلج تأتم الهداة به ..
أعنى: التشبيه بما يهتدى به؛ إلا أن فى قولها: فى رأسه نار زيادة مبالغة.
(وتحقيق) أى: وكتحقيق (التشبيه فى قوله:
===
أبلغ فى ظهوره فى الاهتداء مما ليس كذلك فتنجر المبالغة إلى المشبه الممدوح بالاهتداء به، وظهر مما قلناه أن الإضافة فى قول المصنف كزيادة المبالغة حقيقية، ويحتمل أن تكون بيانية أى: كزيادة هى المبالغة فى التشبيه بناء على أن التشبيه لا مبالغة فيه، إذ هو حقيقة لا مجاز، فالمبالغة فى التشبيه ترجع إلى الإتيان بشىء يفيد كون المشبه به غاية فى كمال وجه الشبه الكائن فيه فينجر ذلك الكمال إلى المشبه الممدوح بوجه الشبه
(قوله: أعنى) أى: بالمقصود وقوله التشبيه أى: لصخر
(قوله: بما يهتدى به) أى: بما هو معروف فى الاهتداء به وهو الجبل المرتفع، ولا شك أن فى تشبيه صخر بذلك مبالغة فى ظهوره والاهتداء به
(قوله: زيادة مبالغة) أى: لأنها لما أرادت أن تصف أخاها صخرا بالاشتهار لم تقتصر فى بيان ذلك على تشبيهه بالعلم، بل جعلت فى رأس العلم نار للمبالغة فى ذلك البيان.
(قوله: وتحقيق التشبيه) أى: بيان التساوى بين الطرفين فى وجه الشبه وذلك بأن يذكر فى الكلام ما يدل على أن المشبه مساو للمشبه به فى وجه الشبه حتى كأنه هو، والحاصل أن المبالغة فى التشبيه كما تقدم ترجع إلى الإتيان بشىء يفيد أن المشبه به غاية فى كمال وجه الشبه الكائن فيه فينجر ذلك الكمال إلى المشبه الممدوح بوجه الشبه، وأما تحقيق التشبيه فيرجع إلى زيادة ما يحقق التساوى بين المشبه والمشبه به حتى كأنهما شىء واحد لظهور الوجه فيهما بتمامه بسبب تلك المزية، فصار من ظهوره فيهما كأنه حقيقتهما وما سواه عوارض من غير إشعار بكون المشبه به غاية فى الوجه لعدم قصد تعظيم الوجه فى المشبه به لينجر ذلك إلى عظمته فى المشبه
(قوله: فى قوله) أى: قول امرئ القيس من قصيدة من الطويل مطلعها (1):
خليلىّ مرّا بى على أمّ جندب
…
لنقضى حاجات الفؤاد المعذّب
(1) الأبيات لامرئ القيس فى ديوانه ص 29، والبيت موطن الشاهد فى لسان العرب (جزع) وأساس البلاغة (جزع) وتاج العروس (جزع) وكتاب العيد 1/ 216.
كأنّ عيون الوحش حول خبائنا
…
) أى: خيامنا (وأرحلنا الجزع الذى لم يثقّب).
الجزع [بالفتح]: الخرز اليمانى الذى فيه سواد وبياض؛ شبه به عيون الوحش، وأتى بقوله: لم يثقب تحقيقا للتشبيه لأنه إذا كان غير مثقوب كان أشبه بالعيون. قال الأصمعى: الظبى، والبقرة إذا كانا حيين فعيونهما
…
===
فإنّكما إن تنظرانى ساعة
…
من الدّهر تنفعنى لدى أمّ جندب
ألم تر أنّى كلّما جئت طارقا
…
وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب
عقيلة أخدان لها لا ذميمة
…
ولا ذات خلق إن تأملت جانب
(قوله: كأن عيون الوحش) أى: المصادة لنا، والمراد به الظباء وبقر الوحش
(قوله: خبائنا) واحد الأخبية وهو ما كان من وبر أو صوف ولا يكون من شعر وهو على عمودين أو ثلاثة وما فوق ذلك يقال له بيت
(قوله: وأرحلنا) جمع رحل عطف على خبائنا عطف تفسير؛ لأن المراد بالخباء جنس الخيام الصادق بالكثير
(قوله: الجزع) خبر كأن، وقوله لم يثقب: بضم الياء وفتح الثاء وتشديد القاف وكسر الموحدة
(قوله: بالفتح) أى: بفتح الجيم، وحكى أيضا كسرها، وعلى كل حال فالزاى ساكنة، وأما الجزع بفتح الجيم والزاى فهو ضد الصبر
(قوله: الخرز اليمانى) أى: وهو عقيق فيه دوائر البياض والسواد
(قوله: شبه به عيون الوحش) أى بعد موتها
(قوله: تحقيقا للتشبيه) أى: لبيان التساوى فى وجه الشبه، وتوضيح ذلك أن تشبيه عيون الوحش بعد موتها بالجزع فى اللون والشكل ظاهر لكن الجزع إذا كان مثقبا يخالف العيون فى الشكل مخالفة ما لأن العيون لا تثقيب فيها، فزاد الشاعر قوله لم يثقب: ليحقق التشابه فى الشكل بتمامه أى: ليبين أن الطرفين متساويان فى الشكل الذى هو وجه الشبه مساواة تامة فهذه الزيادة لتحقيق التشبيه أى: لبيان التساوى فى وجه الشبه، وليس هذا من المبالغة السابقة كما قد يتوهم، إذ لم يقصد بذلك علو المشبه به فى وجه الشبه ليعلو بذلك المشبه الملحق به، فقد ظهر لك الفرق بينهما كما تقدم.
(قوله: كان أشبه بالعيون) لعل الأولى كانت العيون أشبه به؛ لأن الجزع اعتبره الشاعر مشبها به واعتبر العيون مشبهة
(قوله: الظبى) أى الغزال وقوله والبقرة أى الوحشية
كلها سواد، فإذا ماتا بدا بياضها، وإنما شبهها بالجزع؛ وفيه سواد وبياض بعد ما موتت، والمراد كثرة الصيد؛ يعنى: مما أكلنا كثرت العيون عندنا؛ كذا فى شرح ديوان امرئ القيس؛
…
===
(قوله: كلها سواد) أى: بحسب الظاهر وإن كانت لا تخلو فى نفس الأمر من بياض لا يظهر إلا بعد الموت
(قوله: بدا) هو بالقصر بمعنى ظهر أى: ظهر بياضها الذى كان غطى بالسواد زمن حياتها فأشبهت الجزع وفى كلامه إشارة إلى أن البياض فى حال الحياة موجود فيها فى الواقع إلا أنه خفى كما قلنا
(قوله: وإنما شبهها) أى: العيون
(قوله: وفيه سواد وبياض) جملة حالية
(قوله: بعد ما موتت) أى: ماتت وهذا ظرف لقوله شبهها، أى: أن تشبيهه العيون بالجزع، والحال أن فيه السواد والبياض لا يصح إلا بعد الموت لأجل أن يتم وجه الشبه، وقرر بعض الأشياخ أنه يصح قراءة موتت بفتح الميم والواو على صيغة المبنى للفاعل بمعنى صارت ميتة وبضم الميم وكسر الواو على صيغة المبنى للمفعول أى: موتها الغير، وأما قول بعضهم: إنه على الوجه الأول يكون معناه كثر موتها؛ لأن صيغة التفعيل تأتى للتكثير ففيه تأمل
(قوله: مما أكلنا) متعلق بقوله بعد ذلك كثرت، وحاصله أنهم كانوا يصطادون الوحش كثيرا ويأكلونها ويطرحون أعينها حول أخبيتهم فصارت أعينها بتلك الصفة
(قوله: كذا فى شرح ديوان امرئ القيس) أى: خلافا لمن زعم أن المراد من البيت أن الوحش الفهم لطول سفرهم واستقرارهم فى الفيافى فلا تفر منهم فتظهر أعينها بتلك الصفة حول أخبيتهم، ورد هذا القول بأن عيون الظباء حال حياتها سود فلا تشبه الخرز اليمانى الذى فيه سواد وبياض، بقى شىء آخر لا بد من التنبيه عليه وهو أن قوله فى رأسه نار، وقوله الذى لم يثقب كل منهما ذكر لإفادة معناه على أنه وصف لما قبله كسائر النعوت التى تراد لمعانيها، وليس معنى كل منهما مستفادا مما قبله، فإن كان الإتيان بالنعت عند الحاجة إليه مساواة فهذان منه وإلا لزم كون النعت إطنابا إن كان لفائدة أو تطويلا إن لم يكن لفائدة، ويلزم كون سائر الفضلات كذلك، وأجيب بأن النعت وشبهه من سائر الفضلات إن أتى به لإفادة المعنى الذى وضع له فقط وكان مدركا للأوساط من الناس
فعلى هذا التفسير يختص الإيغال بالشعر (وقيل: لا يختص بالشعر) بل هو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها.
(ومثل) لذلك فى غير الشعر (بقوله تعالى: قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (1)) فقوله: وَهُمْ مُهْتَدُونَ مما يتم المعنى بدونه؛ لأن الرسول مهتد لا محالة إلا أن فيه زيادة حث على الاتباع
===
كان مساواة وإن أتى به لمعنى دقيق مناسب للمقام لا يدركه إلا الخواص ولا يستشعره إلا أهل الرعاية لمقتضيات الأحوال كالمبالغة فى التشبيه المناسبة فى قوله: فى رأسه نار كان إطنابا، ولا نسلم أن ما أتى به للإطناب يجب أن يكون مستفادا مما قبله، بل إذا أتى بالشىء لمعناه وفيه دقة فى المقام مناسبة لا يأتى به لأجلها الأوساط من الناس، وإنما يتفطن له البلغاء وأهل الفطنة وقصد الإتيان به لذلك كان إطنابا، ولو أوجبنا فى الإطناب أن يكون معناه مدلولا لما قبله خرج كثير مما أوردوه فى هذا الباب عن معنى الإطناب، وبهذا يجاب عن كل ما كان من هذا النمط مما يذكره المصنف بعد
(قوله: فعلى هذا التفسير) أعنى قول المصنف ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها.
(قوله: وقيل لا يختص بالشعر) الباء داخلة على المقصور عليه أى: أن الإيغال ليس مقصورا على الشعر، بل يتعداها لغيره
(قوله: بل هو ختم الكلام) أى: سواء كان شعرا أو نثرا
(قوله: مما يتم المعنى بدونه) أى: بدون التصريح به كما هو المناسب للتعليل، وليس المراد أنه يتم المعنى بدونه رأسا
(قوله: لأن الرسول مهتد لا محالة) أى:
وحينئذ فيكون قوله وَهُمْ مُهْتَدُونَ تصريحا بما علم التزاما، وقد يقال: كما أن الرسول مهتد غير طالب للأجر لا محالة ينبغى أن يجعل المثال مجموع قوله اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ
(قوله: إلا أن فيه) أى: فى التصريح به
(قوله: زيادة حث على الاتباع) أى: فالنكتة فى الإيغال الكائن فى هذه الآية زيادة الحث على الاتباع، وأما أصل الحث والترغيب فقد حصل بقوله اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ لدلالته على اهتدائهم وطلب اتباعهم، وإنما كان قوله: وهم مهتدون مفيدا لزيادة الحث على الاتباع من جهة
(1) يس: 21، 20.
وترغيب فى الرسل.
(وإما بالتذييل؛ وهو تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها) أى:
معنى الجملة الأولى
…
===
التصريح بوصفهم الذى هو الاهتداء، فإن التصريح بالوصف المقتضى للاتباع فيه مزيد التأثير على ذكره ضمنا
(قوله: وترغيب فى الرسل) أى: زيادة ترغيب فى الرسل فهو عطف على حث ووجه إفادته ذلك أن الرسل إذا كانوا مهتدين واتبعهم الإنسان فلا يخسر معهم شيئا لا من دينه ولا من دنياه، بل ينضم له خير الدنيا والآخرة.
(قوله: بالتذييل) هو لغة جعل الشىء ذيلا للشىء
(قوله: تعقيب الجملة بجملة) أى: جعل الجملة عقب الأخرى، وقوله: بجملة أى: لا محل لها من الإعراب كما صرح بذلك الشارح فى مبحث الاعتراض الآتى قريبا
(قوله: تشتمل على معناها) صفة للجملة المجعولة عقب الأخرى أى: تشتمل تلك الجملة المعقب بها على معنى الأولى المعقبة ولو مع الزيادة، فالمراد باشتمالها على معناها إفادتها بفحواها لما هو المقصود من الأولى، وليس المراد إفادتها لنفس معنى الأولى بالمطابقة وإلا كان ذلك تكرارا، وحينئذ فلا يكون على هذا قوله تعالى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (1) تذييلا، ولذا قال العلامة اليعقوبى: لا بد أن يقع اختلاف بين نسبتى الجملتين فيخرج التكرار كما تقدم فى كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ فإن قوله تعالى:
جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا (2) مضمونه أن آل سبأ جزاهم الله تعالى بكفرهم، ومعلوم أن الجزاء بالكفر عقاب كما دلت عليه القصة ومضمون قوله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (3) أن ذلك العقاب المخصوص لا يقع إلا للكفور، وفرق بين قولنا جزيته بسبب كذا، وقولنا: ولا يجزى بذلك الجزاء إلا من كان بذلك السبب ولتغايرهما يصح أن يجعل الثانى علة للأول فيقال جزيته بذلك السبب؛ لأن ذلك الجزاء لا يستحقه إلا من
(1) التكاثر: 3، 4.
(2)
سبأ: 17.
(3)
يجازى قرأ الجمهور بضم الياء وفتح الزاى وحمزة والكسائى بالنون وكسر الزاى (البحر المحيط لأبى حيان الأندلسى) ص 261 ج 7.
(للتأكيد) فهو أعم من الإيغال من جهة أنه يكون فى ختم الكلام وغيره، وأخص من جهة أن الإيغال قد يكون بغير الجملة، ولغير التوكيد (وهو) أى: التذييل (ضربان:
===
اتصف بذلك السبب، ولكن اختلاف مفهومهما لا يمنع تأكيد أحدهما بالآخر للزوم بينهما معنى
(قوله: للتأكيد) أى: لقصد التوكيد بتلك الجملة الثانية عند اقتضاء المقام للتوكيد والمراد به هنا التوكيد بالمعنى اللغوى وهو التقوية
(قوله: فهو أعم من الإيغال) أى: عموما وجهيا وحاصله أن الإيغال والتذييل بينهما من النسب العموم والخصوص الوجهى فيجتمعان فيما يكون فى ختم الكلام لنكتة التأكيد بجملة كما يأتى فى قوله تعالى: جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (1) فهو إيغال من جهة أنه ختم الكلام بما فيه نكتة يتم المعنى بدونها وتذييل من جهة أنه تعقيب جملة بأخرى تشتمل على معناها للتأكيد، وينفرد الإيغال فيما يكون بغير جملة وفيما هو لغير التأكيد سواء كان بجملة أو بمفرد كما تقدم فى قوله الجزع الذى لم يثقب وينفرد التذييل فيما يكون فى غير ختم الكلام للتأكيد بجملة: كقولك مدحت زيدا أثنيت عليه بما فيه فأحسن إلى ومدحت عمرا أثنيت عليه بما ليس فيه فأساء إلى
(قوله: من جهة أن يكون فى ختم الكلام وغيره) أى بخلاف الإيغال فإنه لا يكون إلا فى ختم الكلام
(قوله: وغيره) أى: غير ختم الكلام يعنى فى الأثناء، وقد فهم بعضهم أن المراد بالكلام النثر، وأن قول الشارح وغيره بأن يكون فى الشعر وهو فهم فاسد عند التأمل لما سيأتى فى الشارح صريحا أن التذييل يكون فى أثناء الكلام
(قوله: وأخص من جهة الإيغال إلخ) الأنسب أن يقول وأخص من جهة أنه لا يكون إلا بالجملة وللتأكيد بخلاف الإيغال، فإنه قد يكون بغير جملة كالمفرد وقد يكون لغير التأكيد، وإنما كان هذا أنسب؛ لأن الكلام فى التذييل، إذ هو المحدث عنه لا فى الإيغال
(قوله: وهو ضربان) الضمير للتذييل لا بالمعنى المتقدم وهو المعنى المصدرى، بل بالمعنى الحاصل بالمصدر ففيه استخدام، وهذا يفيد أنه يطلق بالمعنيين.
(1) سبأ: 17.
ضرب لم يخرج مخرج المثل) بأن لم يستقل بإفادة المراد، بل يتوقف على ما قبله (نحو: جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (1) على وجه) وهو أن يراد: وهل يجازى ذلك الجزاء المخصوص إلا الكفور؛ فيتعلق بما قبله.
أما على الوجه الآخر؛ وهو أن يراد: وهل يعاقب إلا الكفور؛
…
===
(قوله: لم يخرج مخرج المثل) هو مبنى للمفعول بدليل قوله بعد ذلك وضرب أخرج إلخ
(قوله: بأن لم يستقل إلخ) أى: أو استقل بإفادة المراد ولم يفش أى: لم يكثر استعماله وإلا كان من الضرب الثانى كما نبه عليه الشارح بعد ذلك، والشارح لم ينبه على دخول هذه الصورة فى هذا الضرب فيعترض عليه بأنه يلزم على كلامه خروج ما إذا استقل ولم يفش عن القسمين مع أن تعريف التذييل شامل لهذه الصورة، وقد يجاب بأن الباء فى قوله بأن لم يستقل بمعنى الكاف التمثيلية، وحينئذ فتدخل تلك الصورة المذكورة فى الضرب الأول
(قوله: بل يتوقف على ما قبله) إنما كان للتوقف على ما قبله ليس خارجا مخرج المثل؛ لأن المثل وصفه الاستقلال؛ لأنه كلام تام نقل عن أصل استعماله لكل ما يشبه حال الاستعمال الأول كما يأتى فى الاستعارة التمثيلية كقولهم الصيف ضيعت اللبن فإنه مستقل فى إفادة المراد وهو مثل يضرب لمن فرط فى الشىء فى أوانه وطلبه فى غير أوانه
(قوله: على وجه) متعلق بمحذوف أى: وإنما يكون هذا المثال من هذا الضرب على وجه
(قوله: المخصوص) أى: وهو المذكور فيما قبل وهو إرسال سيل العرم عليهم وتبديل جنتيهم
(قوله: فيتعلق بما قبله) أى: فإذا أريد هذا المعنى صار قوله: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ متعلقا بما قبله، وهو قوله فأرسلنا عليهم، وحينئذ فلا يجرى مجرى المثل فى الاستقلال.
(قوله: وهو أن يراد وهل يعاقب) أى: بمطلق عقاب لا بعقاب مخصوص فإن قيل يلزم على هذا أن تكون الجملة الثانية غير مشتملة على معنى الأولى لتضمن الأولى عقابا مخصوصا وتضمن الثانية لمطلق عقاب، وحينئذ فلا يصدق عليها تعريف التذييل- قلت: المقصود من الجملة الأولى إنما هو مكافأتهم على كفرهم بالعقاب، وذكر فرد من
(1) سبأ: 17.
بناء على أن المجازاة هى المكافأة إن خيرا فخير، وإن شرا فشر- فهو من الضرب الثانى.
(وضرب أخرج مخرج المثل) بأن يقصد بالجملة الثانية حكم كلى منفصل عما قبله جار مجرى الأمثال فى الاستقلال
…
===
أفراد ما يعاقب به لا ينظر إليه- كذا أجاب يس، أو يقال: إن مطلق العقاب الذى تضمنته الجملة الثانية يصدق بالعقاب المتقدم ولو لم يتقيد به وصدقه به يوجب تأكيده فى الجملة
(قوله: بناء على أن المجازاة هى المكافأة) أى: مطلق المكافأة الشاملة للثواب والعقاب ويتعين المراد منهما من القرينة كقوله هنا: " إلا الكفور"، وقوله بناء إلخ أى:
وأما على الوجه الأول فليس بناء على ذلك بل بناء على أن الجزاء بمعنى العقوبة كما فى المطول، والحاصل أن الجزاء يطلق بمعنى العقاب ويطلق بمعنى المكافأة الشاملة للثواب والعقاب، فجعل الآية من الضرب الأول مبنى على الإطلاق الأول وجعلها من الضرب الثانى مبنى على الإطلاق الثانى- هذا محصل كلام الشارح هنا وفى المطول، وهذا البناء لا تظهر له صحة لصحة أن يكون المعنى على أن الجزاء يراد به العقاب وهل يعاقب ذلك العقاب فيكون من الضرب الأول، أو يكون المعنى وهل يعاقب مطلق العقاب إلا الكفور فيكون من الثانى، ولصحة أن يكون المعنى على أن الجزاء يراد به المكافأة وهل يكافؤ بتلك المكافأة المخصوصة إلا الكفور فيكون من الضرب الأول أيضا، أو يكون المعنى وهل يكافؤ بالشر مطلقا إلا الكفور فيكون من الضرب الثانى، والحاصل أن كلا من الإطلاقين يصح أن يكون التذييل فى الآية معه من الضرب الأول وأن يكون من الضرب الثانى فما قاله المصنف مما لا وجه له
(قوله: فهو من الضرب الثانى) أى: الذى أخرج مخرج المثل لعدم توقف المراد حينئذ على ما قبله فيصح أن يكون مثلا وأورد أن الجزاء وإن فسر بالمكافأة الشاملة للثواب والعقاب، إلا أن المراد منه خصوص العقاب وتخصيصه بالعقاب إنما يفهم من قوله جزيناهم الذى هو بمعنى عاقبناهم، وحينئذ فيكون قوله: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ غير مستقل بإفادة المراد فيكون من الضرب الأول، وأجيب بأن كون جزيناهم قرينة على المراد لا ينافى الاستقلال بالإفادة على أن ذلك يفهم من الكفور أيضا
(قوله: منفصل عما قبله) أى: بأن يكون غير متقيد بالجملة
وفشو الاستعمال (نحو: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (1)).
(وهو أيضا) أى: التذييل ينقسم قسمة أخرى، وأتى بلفظة [أيضا] تنبيها على أن هذا التقسيم للتذييل مطلقا، لا للضرب الثانى منه:
…
===
الأولى
(قوله: وفشو الاستعمال) أى: شيوع استعمال اللفظ الدال على كل منهما قال ابن يعقوب: الحق أن المشترط فى جريانه مجرى الأمثال هو الاستقلال، وأما فشو الاستعمال فلا دليل على اشتراطه فيه وحينئذ فالأولى للشارح حذفه.
(قوله: جاءَ الْحَقُّ) أى: الإسلام، وقوله وَزَهَقَ الْباطِلُ أى: زال الكفر
(قوله: إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) لا يخفى أن هذه الجملة لا توقف لمعناها على معنى الجملة الأولى مع تضمنها معنى الأولى وهو زهوق الباطل أى: اضمحلاله وذهابه ومفهوم النسبتين مختلف؛ لأن الثانية اسمية مع زيادة تأكيد فيها فصدق عليها ضابط الضرب الثانى وتأكيد زهوق الباطل مناسب هنا لما فيه من مزيد الزجر عنه والإياس من أحكامه الموجبة للاغترار به، وقد اجتمع الضربان فى قوله تعالى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (2) فجملة كل نفس ذائقة الموت من الضرب الثانى لاستقلالها وذلك ظاهر، وجملة أفإن مت فهم الخالدون من الأول لارتباطها بما قبلها؛ لأن الفاء للترتيب على الأولى، فكأنه قيل أينتفى ذلك الحكم الذى هو أن لا خلود لبشر بالنسبة إليهم فيترتب أنك إن مت فهم الخالدون والاستفهام للإنكار أى: لا ينتفى ذلك الحكم فلا يترتب إنك إن مت فهم الخالدون.
(قوله: وأتى بلفظة أيضا إلخ) قصد شارحنا العلامة بهذا الكلام الرد على الشارح الخلخالى حيث قال قوله: وهو أيضا أى: والتذييل أو الضرب الثانى، فقوله أو الضرب الثانى وهم؛ لأنه يرده لفظة أيضا وهذا الوهم نشأ له من كون الأمثلة التى مثل بها المصنف من القسم الثانى وهو ما يستقل- قال الفنرى: فإن قلت ما ذكره الشارح
(1) الإسراء: 81.
(2)
الأنبياء: 34، 35.
(إما) أن يكون (لتأكيد منطوق كهذه الآية) فإن زهوق الباطل منطوق فى قوله:
وَزَهَقَ الْباطِلُ.
===
من أن لفظة أيضا منبهة على التقسيم لمطلق التذييل تحكم لا دليل عليه ولا يذهب إليه الذوق السليم، إذ لو رجع ضمير هو إلى الضرب الثانى لكان المعنى، والضرب الثانى. ينقسم إلى قسمين كما أن مطلق التذييل ينقسم إلى قسمين وهذا معنى صحيح بل لا يبعد أن يقال لفظ أيضا بعد ذكر الضمير يدل على أن التقسيم للضرب الثانى وإلا وجب أن يقدم هو على الضمير كما لا يخفى على الذوق السليم (قلت) أجاب عن ذلك العلامة القاسمى بمنع التحكم؛ وذلك لأن معنى أيضا الرجوع لما تقدم كالتقسيم هنا، والرجوع إلى التقسيم مع اتحاد المقسم أبلغ فى معنى الرجوع وأظهر وإن أمكن أنه تقسيم للثانى ومعنى أيضا كما انقسم التذييل المطلق، وحينئذ فيتم ما قاله شارحنا من التنبيه
(قوله: لتأكيد منطوق) أى:
لتأكيد منطوق الجملة الأولى والمراد بالمنطوق هنا المعنى الذى نطق بمادته، والمراد بالمفهوم المعنى الذى لم ينطق بمادته وليس المراد بهما هنا ما اصطلح عليه الأصوليون، ولذا قال العلامة اليعقوبى: المراد بتأكيد المنطوق هنا أن تشترك ألفاظ الجملتين فى مادة واحدة مع اختلاف النسبة فيهما بأن تكون إحداهما اسمية مؤكدة والأخرى فعلية لا أن يكون لفظ الجملة الأولى نفس لفظ الثانية كما فى: " كلا سوف تعملون ثم كلا سوف تعلمون"؛ لأن هذا ليس تذييلا فضلا عن كونه مؤكدا للمنطوق، والمراد بتأكيد المفهوم هنا ألّا تشترك أطراف الجملتين فى مادة واحدة مع اتحاد صورة الجملتين فى الاسمية والفعلية أولا وذلك بأن تفيد الجملة الأولى معنى، ثم يعبر عنه بجملة أخرى مخالفة للأولى فى الألفاظ والمفهوم
(قوله: كهذه الآية) أى: كالتذييل فى هذه الآية وهى قوله تعالى: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فإن الموضوع فى الجملتين واحد وهو الباطل والمحمول فيهما من مادة واحدة وهو الزهوق
(قوله: فإن زهوق الباطل) فى قوله: وزهق الباطل من ظرفية المدلول فى الدال، وإنما لم يقل فإن زهوق الباطل المؤكد إشارة إلى أن المنظور له فى التذييل مجرد المعنى لا مع الخواص اللاحقة كالتأكيد؛ ولأن المنطوق للجملة الأولى مجرد زهوق الباطل لخلوها من التأكيد- فتأمل- كذا قرر شيخنا العدوى.
(وإما لتأكيد مفهوم؛ كقوله:
ولست) على لفظ الخطاب (بمستبق أخا لا تلمّه
…
) حال من [أخا] لعمومه، أو من ضمير المخاطب
…
===
(قوله: وإما لتأكيد مفهوم) أى: مفهوم الجملة الأولى
(قوله: كقوله)(1) أى:
النابغة الذبيانى من قصيدة من الطويل يخاطب بها النعمان بن المنذر ومطلعها:
أرسما جديدا من سعاد تجنّب
…
عفت روضة الأجداد منها فيثقب
عفا آية نسج الجنوب مع الصّبا
…
وأسحم دان مزنه يتصوّب
إلى أن قال:
فلا تتركنّى بالوعيد كأننى
…
إلى النّاس مطلىّ به القار أجرب
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة
…
يرى كلّ ملك دونها يتذبذب
كأنّك شمس والنّجوم كواكب
…
إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب
ولست بمستبق إلخ وبعده:
فإن أك مظلوما فعبد ظلمته
…
وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب
أتانى أبيت اللعن أنّك لمتنى
…
وتلك التى أهتمّ منها وأنصب
(قوله: على لفظ الخطاب) على بمعنى الباء
(قوله: بمستبق أخا) السين والتاء زائدتان فهو اسم فاعل من الإبقاء أى: لست بمبق لك مودة أخ، أو لست بمبق أخا لنفسك تدوم لك مودته وتبقى لك مواصلته
(قوله: لا تلمه) بفتح التاء وضم اللام من لم الشىء جمع بعضه إلى بعض أى: لا تضمه إليك لعدم رضاك بعيوبه وصفاته الذميمة الموجبة للتفرق
(قوله: حال من أخا) أى: لا صفة له؛ لأنه ليس مقصود الشاعر أخا معينا، بل مطلق أخ، والوصفية تفيد أن المعنى أنك لا تقدر على بقاء مودة أخ موصوف بكونه غير مضموم إليك مع اتصافه بالخصال الذميمة
(قوله: لعمومه) أى: لوقوعه فى حيز النفى فعمومه سوغ مجىء الحال منه وإن كان نكرة، والمعنى حينئذ لست بمبق مودة
(1) الأبيات للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 27، 28، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 160.
فى [لست](على شعث) أى: تفرق وذميم خصال.
فهذا الكلام دل بمفهومه على نفى الكامل من الرجال، وقد أكده بقوله:
(أى الرجال المهذب) استفهام بمعنى الإنكار؛ أى: ليس فى الرجال منقح الفعال، مرضى الخصال.
===
أخ فى حال كونه غير مضموم إليك مع شعثه وخصاله الذميمة
(قوله: فى لست) أى:
وحينئذ فالمعنى لست بمبق مودة أخ فى حال كونك غير مضموم إليه مع شعثه قيل لا وجه لتخصيص الضمير فى لست لجواز الحالية من ضمير المخاطب فى مستبق اللهم إلا أن يبنى الكلام على الاتحاد الذاتى بين الضميرين، أو يقال: إن وجه التخصيص أن الفعل أقوى فى العمل من الاسم- فتأمل.
(قوله: على شعث) على بمعنى مع والشعث بفتح العين وهو فى الأصل انتشار الشعر وتغيره لقلة تعهده بالتسريح والدهن فتكثر أوساخه، ثم استعمل فى لازمه وهو الأوساخ فى الحسية فهو مجاز مرسل علاقته اللزوم، ثم استعير اللفظ المجازى للأوساخ المعنوية وهى الخ صال الذميمة بجامع القبح فهو استعارة مبنية على مجاز
(قوله: أى تفرق) أى: موجب تفرق أى: افتراق، وقوله وذميم خصال: من إضافة الصفة للموصوف وعطفه على ما قبله أعنى موجب التفرق للتفسير- كذا قرر بعضهم ويحتمل أن المراد بالتفرق تفرق حال الأخ وتلونه وعدم انضباطه
(قوله: فهذا الكلام دل إلخ) أى:
لأن معنى البيت أنك إذا لم تضم أخا إليك فى حال عيبه وتتعامى عن زلته لم يبق لك أخ فى الدنيا ولا يعاشرك أحد من الناس؛ لأنه ليس فى الرجال أحد مهذب منقح الفعال مرضى الخصال، ولا شك أن الشطر الأول يدل بحسب ما يفهم منه على نفى الكامل من الرجال فقوله بعد ذلك: أى الرجال المهذب تأكيد لذلك المفهوم؛ لأنه فى معنى قولك ليس فى الرجال مهذب ومن الجيد فى هذا المعنى قول ابن الحداد:
واصل أخاك ولو أتاك بمنكر
…
فخلوص شىء قلّما يتمكّن
ولكلّ حسن آفة موجودة
…
إنّ السّراج على سناه يدخّن
(قوله: نفى الكامل من الرجال) لأنه لو وجد لم يصدق أنه إن كان بهذا الوصف لم يبق لنفسه أخا
(قوله: وقد أكده) أى: أكد ذلك المفهوم لا الكلام الدال بمفهومه كما قيل.
(وإما بالتكميل؛ ويسمى: الاحتراس أيضا) لأن فيه التوقى والاحتراز عن توهم خلاف المقصود (وهو أن يؤتى فى كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه) أى: يدفع إيهام خلاف المقصود؛ وذلك الدافع قد يكون فى وسط الكلام، وقد يكون فى آخره:
===
(قوله: وإما بالتكميل) أى: تكميل المعنى بدفع الإيهام عنه
(قوله: ويسمى) أى: هذا النوع من الإطناب
(قوله: الاحتراس أيضا) أى: زيادة على تسميته بالتكميل فله اسمان أما وجه تسميته بالتكميل فلتكميله المعنى بدفع إيهام خلاف المقصود عنه، وأما وجه تسميته بالاحتراس، فلأن حرس الشىء حفظه وهذا النوع فيه حفظ للمعنى ووقاية له من توهم خلاف المقصود، فقول الشارح؛ لأن فيه إلخ بيان لوجه تسميته بالاحتراس
(قوله: لأن فيه التوقى) أى: لأن به يحصل التوقى أى: الحفظ، وقوله:
والاحتراز أى: التحرز والتباعد فهو عطف لازم على ملزوم
(قوله: وهو أن يؤتى إلخ) ظاهره أن التكميل عبارة عن المعنى المصدرى أعنى: الإتيان المذكور والظاهر إطلاقه على المعنى الحاصل بالمصدر أيضا وهو ما يؤتى به لدفع توهم خلاف المقصود كما مر
(قوله: فى كلام إلخ) فى بمعنى مع فيشمل الواقع فى وسط الكلام وفى آخره وليست للظرفية وإلا فلا يشمل ما كان فى آخره
(قوله: بما يدفعه) أى: بقول يدفعه سواء كان ذلك القول مفردا أو جملة كان للجملة محل من الإعراب أولا، فإن قلت التذييل أيضا لدفع التوهم؛ لأنه للتأكيد فما الفرق قلت التذييل مختص بالجملة وبالآخر ولدفع التوهم فى النسبة، والتكميل لا يختص بشىء منها- كذا فى السيرامى، وظاهره اختصاص التذييل بالآخر وسيأتى فى الشارح أنه يجامع الاعتراض فيكون فى الأثناء
(قوله: قد يكون فى وسط الكلام وقد يكون فى آخره) أى: وقد يكون أيضا فى أوله وفى كل إما أن يكون جملة أو مفردا، وحينئذ فبينه وبين الإيغال عموم وخصوص من وجه لاجتماعهما فيما يكون فى الختم لدفع إيهام خلاف المقصود وانفراد الإيغال فيما ليس فيه دفع إيهام خلاف المقصود كما فى قولها: وإن صخرا إلخ، وانفراد التكميل بما فى الوسط كما فى قوله: فسقى ديارك إلخ، وبينه وبين التذييل عموم وخصوص من وجه
فالأول: (كقوله:
فسقى ديارك غير مفسدها
…
) نصب على الحال من فاعل [سقى]؛ وهو (صوب الرّبيع) أى: نزول المطر ووقوعه فى الربيع
…
===
إن صح أن التوكيد الكائن بالتذييل قد يدفع إيهام خلاف المراد وذلك لانفراد التكميل بما يكون بغير جملة، وانفراد التذييل بما يكون لمجرد التأكيد الخالى عن دفع الإيهام، وأما إن كان التوكيد الكائن بالتذييل لا يجامع دفع الإيهام فهما متباينان والحق ثبوت الفرق بين دفع ما يوهمه الكلام وبين دفع توهم السامع أن الكلام مجاز أو دفع غفلته عن السماع أو دفع السهو، وحينئذ فلا يستلزم التذييل التكميل بل هو أعم من التذييل مطلقا وبينه وبين التكرير والإيضاح المباينة كمباينة الإيغال والتذييل لهما
(قوله: فالأول) وهو ما إذا كان الدافع فى وسط الكلام أى: وهو مفرد.
(قوله: كقوله) أى: قول طرفة بن العبد من قصيدة يمدح بها قتادة بن مسلمة الحنفى، وكان قد أصاب قومه شدة، فأتوه فبذل لهم، وقبل البيت المذكور (1):
أبلغ قتادة غير سائله
…
نيل الثّواب وعاجل الشّكم
أنّى حمدتك للعشيرة إذ
…
جاءت إليك مرمّة العظم
ألقوا إليك بكلّ أرملة
…
شعثاء تحمل منقع البرم
ففتحت بابك للمكارم ح
…
ين تواصت الأبواب بالأزم
فسقى ديارك إلخ وهذه الجملة خبرية لفظا قصد بها الدعاء لذلك الممدوح
(قوله: ديارك) مفعول مقدم لسقى وهو بفتح الكاف كما علمت فكسرها خطأ، وقوله صوب الربيع: فاعل
(قوله: أى نزول المطر) هذا تفسير لصوب الربيع، فالصواب معناه النزول، والربيع معناه المطر- كذا قرر بعضهم، وفيه نظر- فقد ذكر ابن هشام فى شرح بانت سعاد أن الصوب فى البيت بمعنى المطر وذكر له نقلا عن أئمة اللغة أربعة معان ليس منها النزول، وأيضا لو كان مراد الشارح أن الربيع معناه المطر لم يكن
(1) الأبيات لطرفة بن العبد فى ديوانه ص 93 فى المصباح ص 210، ومعاهد التنصيص 1/ 362، وبلا نسبة فى لسان العرب (همى).
(وديمة تهمى) أى: تسيل؛ فلما كان المطر قد يؤول إلى خراب الديار وفسادها أتى بقوله: [غير مفسدها] دفعا لذلك.
===
لقوله بعد ذلك ووقوعه فى الربيع معنى، فالأحسن أن قول الشارح أى: نزول المطر من إضافة الصفة للموصوف أى: المطر النازل وهو تفسير للصوب، وقوله ووقوعه:
عطف تفسير، وقوله فى الربيع إشارة إلى أن المراد بالربيع فى البيت الزمن، وأن إضافة صوب للربيع فيه من إضافة المظروف إلى الظرف فالإضافة على معنى فى- كذا قرر شيخنا العدوى.
(قوله: وديمة تهمى) الديمة بكسر الدال: المطر المسترسل وأقله ما بلغ ثلث النهار أو الليل وأكثره ما بلغ أسبوعا وقيل المطر الدائم الذى لا رعد فيه ولا برق، وتهمى بفتح التاء من همى الماء والدمع إذا سال ولم يقيد الديمة بزمن الربيع كما قيد الصوب ليكون العطف من قبيل عطف العام
(قوله: فلما كان المطر قد يؤول إلى خراب الديار) أى: فربما يقع فى الوهم أن ذلك دعاء بالخراب، وقد يقال: إن الدعاء بالسقى وقرينة المدح تدل على أن المراد ما لا يضر، وحينئذ فلا يكون ذكر المطر موهما خلاف المقصود على أن المراد كون المطر قد يؤول إلى الخراب لا يكفى فى إيهام خلاف المقصود بل لا بد من سبق الذهن إليه ولا يسبق للذهن من السقى إلا الإصلاح لشيوعه فى ذلك، وأجيب عن الأول بأن الكلام يستحسن فيه الاحتراس فى الجملة ولو بالنظر لأصله من غير تعويل على القرائن فيناسب الإتيان بما يدفع ما قد يتوهم لا سيما وذكر الديمة والديار يزيد الإيهام؛ لأن السقى النافع وهو ما يكون للزرع، وأجيب عن الثانى بأن سبق الذهن إلى الخراب حصل من قوله وديمة تهمى فإن المطر الدائم الذى لا رعد فيه ولا برق، ولا يقال: إن تقديم غير مفسدها يمنع هذا التوجيه؛ لأنا نقول غير مفسدها مؤخر عن قوله وديمة تهمى تقديرا أو أنه حصل من تقديم ديارك؛ لأنه يسبق إلى الذهن منه الخراب للعادة بأن السقى المصلح إنما هو للزرع
(قوله: أتى بقوله غير مفسدها) أى: فى وسط الكلام بين الفعل وفاعله
(قوله: دفعا لذلك) أى: لإيهام خلاف المقصود ولهذا عيب على القائل:
(و) الثانى: (نحو: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (1)) فإنه لما كان مما يوهم أن يكون ذلك لضعفهم دفعه بقوله: (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ (2))
…
===
ألا يا اسلمى يا دارمىّ على البلى
…
ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (3)
حيث لم يأت بهذا القيد أعنى غير مفسدها قاله السيوطى فى عقود الجمان، وأجاب عنه بعضهم بأن الدعاء والمدح قرينة على أن المراد ما لا يضر، فإن قلت هذا القدر موجود أيضا فى بيت الاحتراس، وحينئذ فلا إيهام قلت: إنهم تارة يعولون على القرينة فلا يأتون بالاحتراس وتارة لا يعولون عليه فيأتون به- كذا ذكر شيخنا الحفنى فى حاشيته، وأجاب ابن عصفور بجواب غير هذا، وحاصله أن مازال فى كلامهم تدل على دوام الصفة للموصوف على حسب قبوله لها لا على سبيل الاستغراق فإذا قلت ما زال زيد يصلى أو ما زال يكرم الضيف فليس المراد استغرق أوقاته، بل المراد اتصافة بذلك فى الزمان القابل لذلك، وعلى هذا فقوله: لا زال منهلا بجرعائك القطر لم يرد به سائر الأوقات، وإنما المراد حيث قبلت ذلك، ولا شك أن قبولها لذلك إنما هو إذا كان غير مفسد لها
(قوله: والثانى) أى: وهو ما كان الدافع لإيهام خلاف المقصود واقعا فى آخر الكلام
(قوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) هذا صفة لقوم أبى موسى الأشعرى المشار لهم بقوله تعالى فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أى: أذلة لهم، فالقصد مدحهم بما يدل على موالاة المؤمنين ومعاملتهم بما يرضيهم فأذلة من التذلل والخضوع لا من الذلة والهوان
(قوله: فإنه) أى: وصفهم بالذل، وقوله: لما كان مما يوهم أن يكون ذلك أى: الوصف لضعفهم والإيهام نظرا إلى ظاهر لفظ الذل من غير مراعاة قرينة المدح أو نظرا إلى أن شأن المتذلل أن يكون ضعيفا
(قوله: أعزة على الكافرين) أى:
أقوياء وأشداء عليهم، وحينئذ فتذللهم للمؤمنين ليس لضعفهم وعدم قوتهم بل تواضعا منهم للمؤمنين، والتذلل مع التواضع إنما يكون عن رفعة فإن قلت قوله: أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يدل على معنى مستقل جديد لم يستفد مما قبله، فكيف كان إطنابا
(1، 2) المائدة: 54.
(3)
البيت لذى الرمة فى ديوانه ص 559، والخصائص 2/ 278، ولسان العرب مادتى (يا)، (ألا).
تنبيها على أن ذلك تواضع منهم للمؤمنين؛ ولهذا عدى الذل بعلى لتضمنه معنى العطف، ويجوز أن يقصد بالتعدية بعلى الدلالة على أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم.
(وإما بالتتميم؛ وهو أن يؤتى فى كلام لا يوهم خلاف المقصود
…
===
قلت هو إطناب حيث دفع توهم غيره، وإن كان له معنى مستقل فى نفسه لما تقدم أنه لا يشترط فى الإطناب ألّا يكون فيه معنى مستقل، بل يجوز وجود الإطناب إذا استقل لفظه بإفادة المعنى وكان فى إفادته دقة مناسبة لا يراعيها إلا البلغاء دون الأوساط من الناس ودفع ما يتوهم بزيادة وصف العزة على الكافرين من هذا القبيل لا مما يدركه الأوساط حتى يكون مساواة على أن الوصف بالذلة حيث عديت بعلى يشير إلى أن لهم عزة ورفعة فالوصف بالعزة أفاده ما قبله نوع إفادة- تأمل.
(قوله: تنبيها) معمول لقوله دفعه، وقوله على أن ذلك أى: ما ذكر من الذل، وقوله منهم أى: من القوم الممدوحين
(قوله: ولهذا) أى: لأجل كون ذلك الذل تواضعا منهم
(قوله: بعلى) أى: مع أنه يتعدى باللام يقال ذل له
(قوله: لتضمنه معنى العطف) أى: فكأنه قيل: فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه عاطفين على المؤمنين على وجه التذلل والتواضع، وعلى هذا فيكون التوسع بتضمين الذل معنى العطف وعلى باقية على بابها
(قوله: ويجوز أن يقصد إلخ) حاصله أنه لا يراعى التضمين فى الذلة، بل تبقى الذلة على معناها وإن فهم من القرائن أنها عن رحمة، وإنما التجوز فى استعمال على موضع اللام للإشارة إلى أن لهم رفعة واستعلاء على غيرهم من المؤمنين وأن تذللهم تواضع منهم لا عجز، والحاصل أن كلا من الأمرين اللذين جوزهما الشارح صحيح والفرق بينهما وجود التضمين فى الفعل على الأول وانتفاؤه على الثانى، وإنما استعمل الحرف موضع حرف آخر لما ذكرنا وأيضا لفظ على صلة لغير مذكور على الأول وعلى الثانى صلة للمذكور
(قوله: الدلالة) نائب فاعل يقصد، وقوله إنهم أى: القوم الموصوفين بالمحبة
(قوله: خافضون لهم أجنحتهم) أى: ملينون لهم جانبهم.
(قوله: وإما بالتتميم) تسمية هذا بالتتميم وما قبله بالتكميل مجرد اصطلاح إذ هما شىء واحد لغة
(قوله: فى كلام) أى: مع كلام فى أثنائه أو فى آخره
(قوله: لا يوهم إلخ)
بفضلة) مثل: مفعول، أو حال، أو نحو ذلك مما ليس بجملة مستقلة، ولا ركن كلام، ومن زعم أنه أراد بالفضلة ما يتم أصل المعنى بدونه فقد كذبه كلام المصنف فى الإيضاح،
…
===
هذا مخرج لتتميم ذكر فى كلام يوهم خلاف المقصود فإن الفرق بين التتميم والتكميل بأن النكتة فى التتميم غير دفع توهم خلاف المقصود لا بأنه لا يكون فى كلام يوهم خلاف المقصود؛ إذ لا مانع من اجتماع التتميم والتكميل اه أطول.
(قوله: بفضلة) أى: ولو كان معنى الكلام لا يتم إلا بها
(قوله: أو نحو ذلك) أى: كالمجرور والتمييز
(قوله: مما ليس بجملة مستقلة) بأن كان مفردا أو جملة غير مستقلة كجملة الحال والصفة لتأولهما بمفرد، وإنما كان كلامه شاملا للمفرد وللجملة الغير المستقلة؛ لأن السالبة تصدق عند نفى موضوعها ومحمولها
(قوله: ومن زعم إلخ) أى: لأجل دخول الجملة الزائدة على أصل المراد
(قوله: فقد كذبه إلخ) أى: حيث مثل له فيه بمما تحبون من قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (1) ولا شك أن قوله مما تحبون ليس فضلة بهذا الاعتبار فلا يكون تتميما والمصنف جعله من التتميم وصاحب البيت أدرى بالذى فيه، وإنما لم يكن فضلة بهذا الاعتبار الذى ذكره الزاعم؛ لأن الإنفاق مما يحبون الذى هو المقصود بالحصر لا يتم أصل المراد بدونه، إذ لا يصح أن يقال حيث أريد هذا المعنى حتى تنفقوا فقط دون مما تحبون، فتعين أن مراده بالفضلة بعض الفضلات المذكورة، سواء توقف تمام المعنى عليه أم لا، ولا شك أن مما تحبون بعضها لأنه مجرور فإن قلت إذا كان قوله مما تحبون لا يتم أصل المعنى بدونه لم يكن إطنابا أصلا بل مساواة فيكون تمثيل المصنف به للإطناب فاسدا من أصله فلا يستشهد به. قلت: حيث جعل إطنابا يجب أن يدعى أن أصل المعنى حتى تنفقوا أى: يقع منكم إنفاق وزيادة مما تحبون ولو كان باعتبار القصر محتاجا إليه لا تكون من المساواة؟ لأنه فريد لأجل نكتة لا يدركها الأوساط، وإنما يدركها ويراعيها البلغاء وهى الإشارة إلى أن فعل البر لا يكون إلا بغلبة النفس وتحملها المشاق بالإنفاق من المحبوب المشتهى
(1) آل عمران: 92.
وأنه لا تخصيص لذلك بالتتميم (لنكتة
…
===
لا بمطلق إنفاق؛ لأنه وإن كان فيه أجر لا يبلغ لهذا المعنى وقد تقدم أن هذا هو مناط الإطناب، ومن هذا تعلم أن كون الشىء مقصودا فى الكلام بحيث لا يتم المراد من حيث إنه مراد للمتكلم إلا به لا ينافى كونه إطنابا- فتأمل.
(قوله: وأنه لا تخصيص إلخ) عطف على كلام المصنف أى: وكذبه عدم تخصيص ذلك بالتتميم؛ لأن جميع أقسام الإطناب ما تقدم وما يأتى يتم المعنى بدونه فلا خصوصية للتتميم بذلك فذكر الفضلة فيه إن كان بهذا المعنى يكون مستدركا، وأيضا الفضلة بهذا المعنى الذى قاله الزاعم تصدق بالجملة التى لا محل لها من الإعراب المشترطة فى الاعتراض، فمقتضاه أن يكون التتميم أعم من الاعتراض، وقد نص الشارح فيما سيأتى على تباينهما حيث قال: فالاعتراض يباين التتميم؛ لأنه إنما يكون بفضلة، والفضلة لا بد لها من الإعراب.
(قوله: لنكتة) هذا زيادة بيان؛ لأن النكتة شرط فى كل ما حصل به الإطناب وإلا كان تطويلا.
قال العلامة اليعقوبى: وقد علم من حد التتميم أنه مباين للتكميل؛ لأنه شرط فى التتميم كون الكلام معه غير موهم لخلاف المراد بخلاف التكميل وأنه مباين للتذييل إن شرطنا فى الجملة ألّا يكون لها محل من الإعراب؛ لأن الفضله لا بد أن يكون لها محل من الإعراب وإن لم نشترط فى الجملة ألّا يكون لها محل من الإعراب كان بينه وبين التذييل عموم وخصوص من وجه لاجتماعهما فى الجملة التى لها محل من الإعراب، وانفراد التتميم بغير الجملة وانفراد التذييل بالتى لا محل لها من الإعراب وأن بينه وبين الإيغال عموما وخصوصا من وجه لاجتماعهما فى فضلة لم تدفع إيهام خلاف المقصود، وانفراد الإيغال بالجملة التى لا محل لها وما فيه دفع إيهام خلاف المقصود وانفراد التتميم بما يكون فى أثناء الكلام مما ليس بختم شعر ولا بختم كلام، واعلم أن التتميم ضربان تتميم المعانى وهو ما ذكره المصنف، وتتميم اللفظ ويسمى حشوا وهو ما يقوم به الوزن ولا يحتاج إليه المعنى، والمستحسن منه ما احتوى على نوع من البديع كقول أبى الطبيب المتنبى:
كالمبالغة؛ نحو: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ (1) فى وجه) وهو أن يكون الضمير فى حُبِّهِ للطعام (أى) يطعمونه (مع حبه) والاحتياج إليه. وإن جعل الضمير لله تعالى؛ أى يطعمونه على حب الله تعالى فهو لتأدية أصل المراد.
===
وخفوق قلبى لو رأيت لهيبه
…
يا جنّتى لوجدت فيه جهنّما (2)
فحصل بقوله يا جنتى وزن القافية مع اشتماله على الطباق الحسن، ولو قال: يا منيتى لكان مستهجنا
(قوله: كالمبالغة) أى: فى المدح الذى سيق لأجله الكلام
(قوله: نحو ويطعمون إلخ) أى: نحو قوله تعالى فى مدح الأبرار بالكرم وإطعام الطعام
(قوله: فى وجه) أى: وإنما يكون زيادة الفضلة التى هى المجرور هنا من المبالغة فى وجه مذكور فى الآية
(قوله: مع حبه) أى: مع حبهم له واشتهائهم إياه، وظاهره أن على بمعنى مع.
(قوله: والاحتياج إليه) من عطف العلة على المعلول أى: الناشئ ذلك الحب عن احتياجهم إليه، ولا شك أن إطعام الطعام مع الاحتياج إليه أبلغ فى المدح من مجرد إطعام الطعام؛ لأنه يدل على النهاية فى التنزه عن البخل المذموم شرعا، والحاصل أن القصد من الآية مجرد مدح الأبرار بالسخاء والكرم، ولا شك أن هذا يكفى فيه مجرد الإخبار عنهم بأنهم يطعمون الطعام سواء كانوا يحبونه أولا ولا يتوقف ذلك على بيان كون الطعام محبوبا لهم، وحينئذ فقوله عَلى حُبِّهِ إطناب نكتته إفادة المبالغة فى المدح على ما بينا، وما قيل فى هذه الآية يقال أيضا فى قوله وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ
(قوله: وإن جعل الضمير لله) أى: وجعلت على للتعليل
(قوله: على حب الله) أى: لأجل حب الله لا لرياء ولا سمعة وإن كان حبهم للطعام حاصلا على ذلك الوجه؛ لأن الشأن حبه لكنه غير ملحوظ
(قوله: فهو) أى: الجار والمجرور لتأدية أصل المراد وهو مدحهم بالسخاء والكرم؛ لأن الإنسان لا يمدح شرعا إلا على فعل لأجل الله وإذا كان الجار والمجرور على هذا الوجه لتأدية أصل المراد كان مساواة لا إطنابا فلا يكون تتميما، وقد يقال هذا يقتضى أن إطعام الطعام إذا لم يقصد به وجه الله بأن كان جبلة وغفل عن
(1) الإنسان: 8.
(2)
البيت لأبى الطبيب المتنبى فى الإيضاح ص 198 بتحقيقى.
(وإما بالاعتراض؛ وهو أن يؤتى فى أثناء الكلام، أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب؛ لنكتة سوى دفع الإيهام) لم يرد بالكلام مجموع المسند إليه والمسند فقط، بل مع جميع ما يتعلق بهما من الفضلات والتوابع. والمراد باتصال الكلامين أن يكون الثانى
…
===
قصد الرياء وقصد وجه الله لا يكون ممدوحا شرعا مع أنه ممدوح شرعا؛ لأنه يثاب على ذلك؛ لأن نية التقرب لا تشترط فى حصول الثواب إلا فى الترك لا فى الفعل، وحينئذ فما قاله الشارح لا يتم
(قوله: فى أثناء الكلام) أخرج الإيغال؛ لأنه ختم الكلام بما يفيد نكتة لا يتم المعنى بدونها كما مر
(قوله: متصلين معنى) أى: اتصالا معنويا بأن كان الثانى بيانا للأول أو تأكيدا له أو بدلا منه أو معطوفا عليه كما دل على ذلك التمثيل الآتى
(قوله: لا محل لها من الاعراب) أخرج التتميم لوجود الإعراب فيه وهذا شرط فى الجملة الاعتراضية، وكذا الجمل إذا تعددت لا بد فيها أن يكون لا محل لها من الإعراب جزما
(قوله: سوى دفع الإيهام) أخرج التكميل، فالخارج ثلاثة أمور وشمل التعريف بعض صور التذييل وهو ما إذا كانت الجملة المعترضة مشتملة على معنى ما قبلها وكانت النكتة التأكيد؛ لأن سوى دفع الإيهام شامل للتأكيد، ولا يقال جعل الاعتراض للتأكيد مخالف لما ذكره الشارح قدس سره فى حواشى الكشاف عند قوله تعالى: أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (1) حيث قال: إن اشتراط كون الاعتراض للتأكيد فمما لا نسمعه؛ لأنا نقول لا مخالفة بين الكلامين؛ لأن كلام الشارح فى تفسير الآية يفيد أن الاعتراض لا يكون للتأكيد وحده وهذا لا ينافى أنه يكون له ولغيره سوى دفع الإيهام وهذا هو المأخوذ من كلام المصنف وممن صرح بأن من فوائد الاعتراض التأكيد العلامة ابن هشام فى متن المغنى
(قوله: لم يرد بالكلام) أى: المذكور فى التعريف فأل للعهد الذكرى
(قوله: مجموع المسند إليه والمسند فقط) أى: والألم يشمل المثال الآتى
(قوله: من الفضلات والتوابع) أى: المفردة ولو تأويلا كما فى قوله تعالى (2) لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ فإن كلا منهما فى قوة المفرد، وإنما قيدنا ما ذكر بالمفرد ليغاير ما يأتى فى
(1) البقرة: 6.
(2)
النحل: 57.
بيانا للأول، أو تأكيدا، أو بدلا (كالتنزيه فى قوله تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (1)) فقوله [سبحانه] جملة- لأنه مصدر بتقدير الفعل- وقعت فى أثناء الكلام؛ لأن قوله: وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ عطف على قوله: لِلَّهِ الْبَناتِ.
===
بيان اتصال الكلامين من قوله أن يكون الثانى بيانا للأول أو تأكيدا أو بدلا أى: أو عطفا، فإن المراد بذلك الجملة التى ليست فى قوة المفر كما سيظهر من التمثيل كذا فى حاشية شيخنا الحفنى
(قوله: بيانا للأول) قضيته أن عطف البيان يكون فى الجمل ويوافقه ما مر فى الفصل والوصل وفى المغنى فى الباب الرابع فيما افترق فيه عطف البيان والبدل أن البيان لا يكون جملة بخلاف البدل
(قوله: أو بدلا) أى: أو نحو ذلك كأن يكون الكلام الثانى معطوفا على الأول كما فى قوله تعالى: إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ (2) فإن قوله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى اعتراض بين قوله: إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى، وبين قوله وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ، وفى بعض النسخ ثبوت قوله أو نحو ذلك
(قوله: كالتنزيه إلخ) مثال للنكتة التى هى غير دفع الإيهام والاعتراض فى الآية المذكورة واقع فى أثناء الكلام لا بين كلامين كما يأتى بيانه
(قوله: وَيَجْعَلُونَ) أى: المشركون
(قوله: بتقدير الفعل) أى: بفعل مقدر من معناه أى: أنزهه سبحانه أى: تنزيها.
(قوله: عطف على قوله لله البنات) أى: من قبيل عطف المفردات فلهم عطف على لله وما يشتهون عطف على البنات، وقد تقدم أن أثناء الكلام يشمل ما بين المتعاطفين، ثم إن العامل في المعطوف هو العامل فى المعطوف عليه فالضمير المجرور باللام معمول ليجعل على أنه مفعول وفاعله الواو والضميران لشىء واحد أى: يجعلون لله البنات ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون من الذكور، فإن قلت عمل الفعل فى ضميرين لشىء واحد أحدهما فاعل والآخر مفعول ممنوع فلا يقال ضربتنى؛ وذلك لأن عمله فيهما على أن أحدهما فاعل والآخر مفعول يوهم تغايرهما نظرا للغالب من مغايرة الفاعل للمفعول، إلا فى أفعال القلوب فإنه يجوز فيها ذلك لعدم الإيهام السابق؛ لأن علم الإنسان وظنه بأمور
(1) النحل: 57.
(2)
آل عمران: 36.
(والدعاء فى قوله:
===
نفسه أكثر من علمه وظنه بأمور غيره. قلت: أجيب بأجوبة ثلاثة: الأول: أن هذا إنما يراد إذا جعل الظرف لغوا متعلقا بالجعل بمعنى الاختيار فإن جعل مستقرا والجعل بمعنى التصير أى: يصيرون البنات مستحقة لله وما يشتهون من البنين مستحقا لهم فلا؛ لأن الامتناع إذا كان الضميران معمولين لفعل واحد لا إذا كان أحدهما معمولا لمعموله، وكذلك إذا كان الجعل بمعنى الاعتقاد؛ لأن الفعل حينئذ قلبى. الثانى: أن محل الامتناع فيما إذا لم يكن أحد الضميرين مجرورا فإن كان مجرورا جاز ذلك بدليل قوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ (1)؛ لأنه يتوسع فى الجار والمجرور والظرف ما لا يتوسع فى غيره. الثالث: أن محل الامتناع فى غير المعطوف فإن كان أحد الضميرين معطوفا جاز ذلك؛ لأنه يغتفر فى التابع ما لا يغتفر فى المتبوع وأحد الضميرين هنا مجرور ومعطوف واعترض الجوابان الأخيران بأن تعليل المنع السابق يقتضى المنع مطلقا حتى فى هاتين الصورتين لوجود علة المنع فيهما، وأجيب بأن وجود علة المنع فيهما لا يستلزم المنع؛ لأنهما مستثنيان للمعنى السابق فإن قلت لم لم تجعل جملة وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ حالية بأن يكون التقدير ويجعلون لله البنات، والحال أن لهم ما يشتهون من البنين، وحينئذ فلا تكون الآية من قبيل الاعتراض؟ قلت: جعلها حالية لا يفيد التشنيع عليهم المستفاد من العطف المؤكد بالتنزيه؛ وذلك لأن المعنى حينئذ أنهم اعتقدوا النقص فى حال كونهم موصوفين بالكمال وليس فيه إلا أنهم لم يقوموا بحق شكر سيدهم حيث تكلموا بالباطل ونسبوا له ما هو غير كامل مع أنه جعلهم بحالة الكمال من الأولاد وليس فى هذا من الشناعة ما فى نسبتهم ما هو غير كامل لسيدهم ونسبتهم ما هو كامل لأنفسهم؛ لأن المراد بجعلهم البنين لأنفسهم نسبتهم أنفسهم لاستحقاق البنين
(قوله: والدعاء) أى: المناسب للحال
(قوله: فى قوله)(2) أى: قول عوف بن محلم الشيبانى يشكوا ضعفه فى قصيدته التى قالها لعبد الله بن طاهر، وكان قد دخل عليه فسلم عليه عبد الله فلم يسمع؛ فأعلم بذلك فدنا منه وأنشده هذه القصيدة وأولها:
(1) مريم: 25.
(2)
الأبيات لعوف بن محلم الشيبانى أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 163.
إنّ الثمانين وبلغتها
…
قد أحوجت سمعى إلى ترجمان) (1)
أى: مفسر ومكرر، فقوله: وبلغتها اعتراض فى أثناء الكلام لقصد الدعاء، والواو فى مثله تسمى: واوا اعتراضية؛ ليست بعاطفة،
…
===
يا بن الذى دان له المشرقان
…
طرا وقد دان له المغربان
إن الثمانين
…
البيت، وبعده:
وبدّلتنى بالشطاط انحنا
…
وكنت كالصعدة تحت السنان
وأنشأت بينى وبين الورى
…
سحابة ليست كنسج العنان
أدعو به الله وأثنى به
…
على الأمير المصعبّى الهجان
فقرّبانى بأبى أنتما
…
من وطنى قبل اصفرار البنان
سقى قصور الشاذياخ الحيا
…
من بعد عهدى وقصور الميان
وقاربت منى خطا لم تكن
…
مقاربات وثنت من عنان
ولم تدع فىّ لمستمتع
…
إلا لسانى وبحسبى لسان
وهمت بالأوطان وجدا بها
…
وبالغوانى أين منّى الغوان
وقبل منعاى إلى نسوة
…
مسكنها حرّان والرقتان
فكم وكم من دعوة لى بها
…
أن تتخطاها صروف الزمان
(قوله: إن الثمانين) أى: سنة التى مضت من عمرى
(قوله: وبلغتها) بفتح التاء أى: بلغك الله إياها
(قوله: قد أحوجت سمعى) أى: لما ثقل بمضيها
(قوله: ترجمان) بفتح التاء والجيم يجمع على تراجم كزعفران وزعافر، ويقال أيضا بضم الجيم وفتح التاء وربما ضمت التاء مع الجيم
(قوله: أى مفسر) أى: بصوت أجهر من الصوت الأول، فقوله: ومكرر عطف تفسير هذا هو المراد بالترجمان هنا وإن كان فى الأصل هو من يفسر لغة بلغة أخرى.
(قوله: لقصد الدعاء) أى: للمخاطب بطول عمره وإبلاغه الثمانين سنة. قال اليعقوبى: ولا يقال فى هذا الدعاء دعاء على المخاطب بالصمم وضعف السمع فلا يناسب
(1) البيت لعوف بن ملحم الشيبانى، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 163.
ولا حالية. (والتنبيه فى قوله (1):
واعلم فعلم المرء ينفعه)
هذا اعتراض بين: اعلم، ومفعوله؛ وهو (أن سوف يأتى كلّ ما قدرا) أن: هى المخففة من الثقيلة،
…
===
ما سيق من أجله وهو إدخال السرور على المخاطب؛ لأنا نقول: إن الغبطة فى طول العمر يغتفر معها ذلك الضعف لعدم- إمكانه إلا به
(قوله: ولا حالية) أعلم أن الواو الاعتراضية قد تلتبس بالحالية فلا يعين إحداهما إلا القصد فإن قصد كون الجملة قيدا للعامل فهى حالية وإلا فهى اعتراضية ويحتملها قوله تعالى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ. ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ (2) فإن قدر أن المعنى اتخذتم العجل حال كونكم ظالمين بوضع العبادة فى غير محلها كانت لتقييد العامل فكانت واو الحال وإن قدر وأنتم قوم عادتكم الظلم حتى يكون تأكيدا لظلمهم بأمر مستقل لم يقصد ربطه بالعامل ولا كونه فى وقته كانت اعتراضية، فالفرق بينهما دقيق كما لا يخفى- اه يعقوبى.
(قوله: والتنبيه) أى: تنبيه المخاطب على أمر يؤكد الإقبال على ما أمر به زاد فى الإيضاح أنه قد يكون لتخصيص أحد المذكورين بزيادة تأكيد فى أمر علق بهما نحو: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ (3) وللاستعطاف والمطابقة كما فى قول أبى الطيب:
وخفوق قلبى لو رأيت لهيبه
…
يا جنّتى لرأيت فيه جهنّما
فقوله يا جنتى: اعتراض بين الشرط والجزاء للمطابقة بين الجنة وجهنم ولاستعطاف محبوبه بالإضافة للياء، وتسميته جنة ليرق له فينجيه من جهنم التى فى فؤاده بالوصال.
(قوله: واعلم إلخ) هذا البيت أنشده أبو على الفارسى ولم يعزه لأحد
(قوله: هذا اعتراض) أى: قوله فعلم المرء ينفعه اعتراض لأجل تنبيه المخاطب على أمر يؤكد
(1) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 163.
(2)
البقرة: 51، 52.
(3)
لقمان: 14.
وضمير الشأن محذوف؛ يعنى: أن المقدور آت البتة، وإن وقع فيه تأخير ما، وفى هذا تسلية وتسهيل للأمر.
فالاعتراض يباين التتميم لأنه إنما يكون بفضلة، والفضلة لا بد لها من إعراب، ويباين التكميل لأنه إنما يقع لدفع إيهام خلاف المقصود، ويباين الإيغال
…
===
إقباله على ما أمر به؛ وذلك لأن هذا الاعتراض أفاد أن علم الإنسان بالشىء ينفعه، وهذا مما يزيد المخاطب إقبالا على طلب العلم، والفاء فى قوله فعلم المرء ينفعه اعتراضية، ومع ذلك لا تخلو هنا عن شائبة السببية، إذ كأنه يقول وإنما أمرتك بالعلم بسبب أن علم المرء ينفعه، وقد استفيد من قول الشارح هذا اعتراض أن الاعتراض يكون مع الفاء كما يكون مع الواو وبدونهما
(قوله: وضمير الشأن محذوف) هذا على مذهب الجمهور ويجوز أن يكون المحذوف ضمير مخاطب هو المأمور بالعلم أى: أنك سوف يأتيك كل ما قدرا كما جوزه سيبويه وجماعة فى قوله تعالى: أَنْ يا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا (1)
(قوله: يعنى أن المقدور إلخ) هذا تفسير لحاصل المعنى
(قوله: وفى هذا تسلية إلخ) وذلك لأن الإنسان إذا علم أن ما قدره الله يأتيه ولا بد طال الزمان أو قصر وإن لم يطلبه وما لم يقدره لا يأتيه وأن طلبه تسلى وسهل عليه الأمر يعنى الصبر والتفويض وترك منازعة الأقدار
(قوله: فالاعتراض يباين إلخ) هذا تفريع على ما ذكره فى التعريف يعنى إذا علمت حقيقة الاعتراض فيما سبق من أنه لا بد، وأن يكون فى الأثناء، وأن يكون بجملة أو أكثر لا محل لها، وأن تكون النكتة فيه سوى دفع الإيهام تفرع على ذلك ما ذكره الشارح.
(قوله: والفضلة لا بد لها من إعراب) أى: والاعتراض إنما يكون بجملة لا محل لها، وهذا تباين فى اللوازم وهو يؤذن بالتباين فى الملزومات، وقد يقال لا حاجة لقوله والفضلة لا بد لها من إعراب فى بيان التباين؛ لأن ذلك يكفى فيه قوله: لأنه إنما يكون بفضلة أى: والفضلة مفرد ولو حكما والاعتراض إنما يكون بجملة وتباين اللوازم يشعر بتباين الملزومات
(قوله: لأنه إنما يقع لدفع إيهام خلاف المقصود) أى: بخلاف الاعتراض
(1) الصافات: 104، 105.
لأنه لا يكون إلا فى آخر الكلام، لكنه يشمل بعض صور التذييل؛ وهو ما يكون بجملة لا محل لها من الإعراب وقعت بين جملتين متصلتين معنى؛ لأنه كما لم يشترط فى التذييل أن يكون بين كلامين لم يشترط فيه ألا يكون بين كلامين؛ فتأمل حتى يظهر لك فساد ما قيل: إنه يباين التذييل
…
===
فإنه إنما يكون لغير ذلك الدفع فتباين لازماهما لها فلزم تباينهما
(قوله: لأنه لا يكون إلا فى آخر الكلام) أى: والاعتراض إنما يكون فى أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين
(قوله: لكنه يشمل إلخ) الأولى أن يقول وشمل بعض صور إلخ، إذ لا محل للاستدراك ولا يقال: إن النكتة فى الاعتراض لا بد أن تكون غير دفع الإيهام والنكتة فى التذييل لا بد أن تكون من التأكيد والتأكيد دافع للإيهام؛ لأنا نقول إن التأكيد أعم من دفع الإيهام لحصوله مع غيره وحينئذ فلا يلزم من نفى دفع الإيهام نفى التأكيد مطلقا وكفى هذا فى صحة أعمية الاعتراض
(قوله: وهو) أى: ذلك البعض
(قوله: وقعت بين جملتين متصلتين معنى) أى: وكان وقوعها بينهما للتأكيد
(قوله: لأنه كما لم يشترط إلخ) أى:
بل تارة يكون بين كلامين وتارة لا يكون بينهما؛ وذلك لأن الشرط فى التذييل كونه بجملة عقب أخرى بقيد كونها للتأكيد كانت تلك الجملة لها محل من الإعراب أم لا كانت بين كلامين متصلين معنى أم لا فشمل الصورة المذكورة فقول الشارح؛ لأنه كما لم يشترط إلخ علة لكون الصورة المذكورة من صور التذييل، وحيث كانت الصور المذكورة من صور التذييل وشملها ضابط الاعتراض تعلم أن بينهما عموما وخصوصا من وجه لاجتماعهما فى هذه الصورة وانفراد التذييل فيما لا يكون بين كلامين متصلين وانفراد الاعتراض بما لا يكون للتأكيد
(قوله: فتأمل) أى: ما قلناه لك من شمول الاعتراض لبعض صور التذييل المفيد أن بينهما عموما وخصوصا وجهيّا
(قوله: فساد ما قيل) أى: لأن عدم اشتراط الشىء ليس هو اشتراطا لعدمه فقولنا التذييل لا يشترط أن يكون بين كلام أو كلامين ليس شرطا لكونه ليس بين كلام أو كلامين، وحاصله أن بعض الناس فهم أن التذييل لما لم يشترط فيه أن يكون بين كلامين متصلين ولا فى أثناء كلام اختص بأنه لا يكون بين كلامين متصلين فباين الاعتراض لاختصاصه
بناء على أنه لم يشترط فيه أن يكون بين كلام أو بين كلامين متصلين معنى.
(ومما جاء) أى: ومن الاعتراض الذى وقع (بين كلامين) متصلين (وهو أكثر من جملة أيضا) أى: كما أن الواقع هو بينه أكثر من جملة
…
===
بكونه بين كلامين متصلين ووجه فساد هذا القول أنه لا يلزم من عدم اشتراط الشىء عدم وجوده، وإنما تلزم المباينة بينهما لو قيل: إنه يشترط فى التذييل ألا يكون بين كلامين، وفرق ظاهر بين عدم اشتراط الشىء واشتراط عدم الشىء؛ وذلك لأن الأول يجامع وجوده وعدمه فهو أعم من الثانى، ويمكن الجواب بأن هذا القائل نظر إلى تباينهما بحسب المفهوم بناء على ما ذكر وإن كان هذا لا يوجب التباين بحسب الصدق.
(قوله: بناء على أنه لم يشترط فيه أن يكون إلخ) أى: واشتراط ذلك فى الاعتراض، وترك الشارح بيان النسبة بين الاعتراض والإيضاح، وبين الاعتراض والتكرير ولنذكر ذلك تتميما للفائدة فالنسبة بينه وبين كل واحد منهما العموم والخصوص الوجهى؛ وذلك لأنه لا يشترط فى نكتة الاعتراض أن تكون غير نكتتهما ولم يشترط فيهما كونهما بغير الجملة التى لا محل لها من الإعراب ولا كونهما فى غير الوسط المشترط ذلك فى الاعتراض، وحينئذ فيجتمع الاعتراض مع الإيضاح فى الجملة التى لها محل أو لا محل لها من الإعراب الواقعة فى الأثناء، وينفرد الإيضاح فيما يكون بغير الجملة أو بالتى لها محل أو لا محل لها ولكنها فى الآخر وينفرد الاعتراض فيما يكون لغير باب الإيضاح، ويجتمع الاعتراض مع التكرير فى الجملة التى لا محل لها الواقعة فى الأثناء للتقرير والتوكيد، وينفرد الاعتراض فى الجملة المذكورة إذا كانت لغير توكيد وينفرد التكرير فيما لا يكون فى الأثناء
(قوله: أى ومن الاعتراض) أى: لا بالمعنى السابق بل بمعنى المعترض بدليل قوله وهو أكثر إلخ
(قوله: وهو أكثر) أى: والحال أن الاعتراض نفسه الواقع بين الكلامين أكثر إلخ ففيه تمثيلان تمثيل ما جاء بين كلامين وتمثيل ما هو أكثر من جملة
(قوله: أى كما أن الواقع إلخ) أى: كما أن الكلام الذى وقع الاعتراض بينه وفى أثنائه أكثر من جملة، فأبرز الشارح الضمير لجريان الصلة على غير
(قوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (1)) فهذا اعتراض أكثر من جملة؛ لأنه كلام يشتمل على جملتين وقع بين كلامين أولهما قوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، وثانيهما قوله:(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ (2))، والكلامان متصلان معنى (فإن قوله:
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
…
===
من هى له؛ لأن أل واقعة على الكلام وضمير هو للاعتراض وضمير بينه لأل الموصولة
(قوله: قوله تعالى) هذا مبتدأ خبره قوله سابقا ومما جاء أى: وقوله تعالى فَأْتُوهُنَّ إلخ من جملة الاعتراض الذى جاء على الوصف المذكور
(قوله: فهذا) أى: قوله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ اعتراض
(قوله: يشتمل على جملتين) إحداهما: يحب التوابين، والأخرى: ويحب المتطهرين، بناء على أن المراد بالجملة ما اشتمل على المسند والمسند إليه ولو كانت الثانية فى محل المفرد، هذا إذا قدر كما هو الظاهر أن الثانية معطوفة على جملة يحب التوابين التى هى خبر إن، وأما إذا بنينا على أن المراد بالجملة ما يستقل بالإفادة وهو الأقرب، فإنما يتبين كونه أكثر من جملة إذا قدر عطف ويحب المتطهرين على مجموع إن الله يحب التوابين، إما بتقدير الضمير على أنه مبتدأ أى: وهو يحب المتطهرين أو بدون تقديره؛ لأنها ليست فى محل المفرد حينئذ وإن كانت محتوية على ضمير عائد على ما فى الأولى، وأما إذا قدر على هذا البناء عطفها على يحب التوابين فلا يخفى أنه ليس هنا جملتان، وحينئذ فليس الفضل هنا بأكثر من جملة بل بواحدة فقط.
(قوله: والكلامان متصلان معنى) أى: لكون الجملة الثانية عطف بيان على الأولى حقيقة بناء على جواز وروده فى الجمل التى لا محل لها أو لكون الجملة الثانية مماثلة للأولى فى إفادة ما تفيده، فقول المصنف فإن قوله نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ بيان إلخ يحتمل أن يكون مراده البيان عطف البيان، ويحتمل أن يكون مراده به ما ذكرنا
(قوله: نساؤكم حرث لكم) أى: محرث لكم أى: موضع حرثكم وفى كونهن موضع
(1) البقرة: 222.
(2)
البقرة: 223.
بيان لقوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) وهو مكان الحرث، فإن الغرض الأصلى من الإتيان طلب النسل، لا قضاء الشهوة. والنكتة فى هذا الاعتراض الترغيب فيما أمروا به، والتنفير عما نهوا عنه.
(وقال قوم قد تكون النكتة فيه) أى: فى الاعتراض
…
===
الحرث تنبيه على أن الغرض من إتيانهن طلب الغلة منهن وهو النسل كما تطلب الغلة من المحرث الحسى، فإذا فهمت أن الحكمة الأصلية من إتيانهن طلب النسل الذى هو أهم الأمور منهن لما فيه من بقاء النوع الإنسانى المترتب عليه تكثير خيور الدنيا والآخرة فهمت أن الموضع الذى يطلب منه النسل هو المكان الذى يطلب منه الإتيان شرعا لتلك الحكمة
(قوله: بيان لقوله إلخ) وذلك لأن المكان الذى أمر الله بإتيانهن منه منهم فبين بأنه موضع الحرث بقوله: نساؤكم حرث لكم، وإذا علمت ذلك تعلم أن قول المصنف بيان لقوله فأتوهن إلخ الأولى أن يقول بيان لحيث أمركم الله أن يقال: إن فى الكلام حذف أى: بيان لحيث من قوله فأتوهن من حيث أمركم الله ومثل هذا شائع فى كلامهم
(قوله: وهو) أى:
حيث إن المكان الذى أمرنا الله بإتيانهن منه مكان الحرث
(قوله: فإن الغرض الأصلى) أى:
الحكمة الأصلية وإلا فأفعال الله لا تعلل بأغراض، وهذا تعليل لمحذوف أى: وإنما كان قوله نساؤكم حرث لكم بيانا لقوله فأتونهن من حيث أمركم الله؛ لأن الغرض إلخ أى: وحينئذ فلا تأتوهن إلا من حيث يتأتى هذا الغرض
(قوله: طلب النسل) أى: لأنه أهم الأمور المترتبة على إتيانهن لما فيه بقاء النوع الإنسانى المترتب عليه كثرة الخيور الدنيوية والأخروية، وحيث كان الغرض من إتيانهن طلب النسل والنسل لا يحصل إلا بالإتيان من القبل لا من الدبر فيكون ذلك الموضع هو المكان الذى طلب إتيانهن منه شرعا، فتم ما ذكره المصنف من دعوى البيان
(قوله: الترغيب فيما أمروا به) أى: الذى من جملته الإتيان فى القبل، وقوله والتنفير عما نهوا عنه أى: الذى من جملته الإتيان فى الدبر ووجه كون الاعتراض هنا مرغبا ومنفرا عما ذكر أن الإخبار بمحبة الله للتائب عما نهى عنه إلى ما أمر به وللمتطهر من أدران التلبس بالمنهى عنه بسبب التوبة والرجوع للمأمور به مما يؤكد الرغبة فى الأوامر التى من جملتها الإتيان فى القبل والتنفير عن النواهى التى من جملتها إتيان الدبر.
(غير ما ذكر) مما سوى دفع الإيهام حتى إنه قد يكون لدفع إيهام خلاف المقصود (ثم) القائلون بأن النكتة فيه قد تكون دفع الإيهام افترقوا فرقتين (جوز بعضهم وقوعه) أى: الاعتراض (آخر جملة لا تليها جملة متصلة بها) وذلك بألّا يلى الجملة جملة أخرى أصلا فيكون الاعتراض فى آخر الكلام، أو يليها جملة أخرى غير متصلة بها معنى. وهذا الاصطلاح مذكور فى مواضع من الكشاف، فالاعتراض عند هؤلاء أن يؤتى فى أثناء الكلام، أو فى آخره، أو بين كلامين متصلين، أو غير متصلين- بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لنكتة سواء كانت دفع الإيهام أو غيره. (فيشمل) الاعتراض بهذا التفسير (التذييل) مطلقا؛
…
===
(قوله: غير ما ذكر) الأوضح أن يقول قد تكون النكتة فيه دفع الإيهام
(قوله: مما سوى دفع الايهام) هذا بيان لما ذكر فكأنه قال قد تكون النكتة فيه غير سوى دفع الإيهام وغير ذلك السوى هو دفع الإيهام؛ لأن نفى النفى إثبات فالنكتة على هذا القول تكون نفس دفع الإيهام وتكون غيره وقوله: حتى إنه إلخ، حتى تفريعية بمعنى الفاء وضمير إنه للاعتراض، فكأنه قال: فيكون الاعتراض لدفع إيهام خلاف المقصود
(قوله: آخر جملة) أى: فى آخر جملة أى بعدها
(قوله: بألّا يلى الجملة) أى: التى اعترض بعدها
(قوله: فيكون) أى: بحيث يكون الاعتراض فى آخر الكلام
(قوله: أو يليها) أى: الجملة المعترض بعدها
(قوله: أن يؤتى فى أثناء الكلام) هذا محل وفاق، (وقوله: أو فى آخره) محل خلاف، (وقوله: أو بين كلامين متصلين) هذا محل موافقة، (وقوله: أو غير متصلين) محل مخالفة، (وقوله: بجملة) متعلق بيؤتى، (وقوله: لا محل لها من الإعراب) هذا لم يقع فيه خلاف، فيكون اشتراط عدم المحلية باقيا بحاله
(قوله: لنكتة) زادها للتصوير والتصريح بالتعميم لا للإخراج؛ لأن الإطناب كله لنكتة
(قوله: فيشمل إلخ) لما كان الاعتراض على هذا التعريف نسبته لما تقدم مخالفة لنسبته على التعريف السابق أشار المصنف إلى بيان بعض تلك المخالفة
(قوله: بهذا التفسير) أى: الصادق على ما لا محل له من الإعراب من الجملة المؤكدة لما قبلها، سواء كانت فى آخر الكلام أو فى أثنائه.
(قوله: مطلقا) أى: شمولا مطلقا فيجتمعان فيما إذا كانت الجملة المعترضة مشتملة على معنى ما قبلها وكانت النكتة التأكيد، وينفرد الاعتراض فيما إذا كانت
لأنه يجب أن يكون بجملة لا محل لها من الإعراب وإن لم يذكره المصنف (وبعض صور التكميل) وهو ما يكون بجملة لا محل لها من الإعراب، فإن التكميل قد يكون بجملة، وقد يكون بغيرها. والجملة التكميلية قد تكون ذات إعراب، وقد لا تكون؛
…
===
النكتة غير التأكيد، ويحتمل أن المراد بقوله مطلقا أى: بجميع صوره لقول المصنف بعد وبعض صور التكميل ولا فرق فى التذييل بين أن يكون فى الآخر أم لا؛ لأن التذييل قد يكون فى الوسط كما تقدم قريبا للشارح فلا تغفل عنه
(قوله: لأنه يجب أن يكون) أى: التذييل أى: كما أن الاعتراض يجب فيه ذلك، وهذا تعليل لشمول الاعتراض له على وجه الإطلاق
(قوله: وإن لم يذكره المصنف) أى: وإن لم يذكر وجوب أن يكون بجملة لا محل لها من الإعراب أى: فى تفسيره للتذييل سابقا بل كلامه بحسب ظاهره شامل لكون الجملة لها محل أو لا محل لها، والمراد أنه لم يذكر ذلك صراحة وإن كان أشار إلى اشتراط ذلك بالأمثلة بما لا محل له فيكون التذييل على هذا تعقيب جملة بأخرى لا محل لها من الإعراب تشتمل على معناها للتأكيد كانت تلك الجملة فى الآخر أو بين كلامين متصلين أو غير متصلين ولا شك أن الاعتراض على هذا القول صادق عليه، إذ لا يخرج منه ما يكون فى آخر الكلام من التذييل بخلافه على القول السابق فى الاعتراض ويزيد الاعتراض على هذا القول عن التذييل بما ليس للتأكيد كما مر فهو أعم منه عموما مطلقا ولا يقال لا حاجة لذكرهم التذييل مع شمول الاعتراض له على هذا القول؛ لأنا نقول ذكرهم له أشار إلى أن بعض صور الاعتراض وهى التى تكون لنكتة التأكيد تسمى باسمين، وإلا فكان ينبغى الاستغناء بالاعتراض عنه
(قوله: وهو) أى: البعض ما يكون بجملة لا محل لها من الإعراب أى: لدفع الإيهام سواء كانت تلك الجملة فى الآخر أو بين كلامين متصلين أو غير متصلين
(قوله: وقد يكون بغيرها) أى:
بغير الجملة بأن يكون بمفرد، وهذا لا يكون اعتراضا.
(قوله: قد تكون ذات إعراب) أى: وهذه لا تدخل فى الاعتراض، وقوله: وقد تكون أى: وهذه تدخل فى الاعتراض وهى المشار لها بقول المتن وبعض صور التكميل،
لكنها تباين التتميم؛ لأن الفضلة لا بد لها من إعراب. وقيل: لأنه لا يشترط فى التتميم أن يكون جملة كما اشترط فى الاعتراض؛ وهو غلط؛ كما يقال: إن الإنسان يباين الحيوان؛ لأنه لم يشترط فى الحيوان النطق- فافهم.
===
وعلى هذا فيكون بين التكميل والاعتراض على هذا القول العموم والخصوص الوجهى لاجتماعهما فى الصورة المشمولة للاعتراض، وهو ما يكون بجملة لا محل لها من الإعراب لدفع الإيهام، إذ لا يشترط فى الاعتراض على هذا القول أن تكون النكتة غير دفع الإيهام، وينفرد الاعتراض بما يكون من الجمل لغير دفع الإيهام، وينفرد التكميل بغير الجملة وبالجملة التى لها محل وقد تقدم أن بين التكميل والاعتراض على القول السابق فيه التباين
(قوله: لكنها) أى: الاعتراض وأنث الضمير نظرا إلى كونه جملة أى:
لكن الجملة المعترضة تباين إلخ، ولو ذكر الضمير لكان أوضح، بل لو قال وهو أى:
الاعتراض مباين للتتميم لكان أولى، إذ لا محل للاستدراك، وحاصل ما ذكره الشارح فى توجيه المباينة أن التتميم إنما يكون بفضلة، والفضلة لا بد لها من إعراب، والاعتراض إنما يكون بجملة لا محل لها من الإعراب فقد تنافى لازمهما وتنافى اللوازم يقتضى تنافى الملزومات فقول الشارح لأن الفضلة أى المشترطة فى التتميم
(قوله: وقيل لأنه إلخ) أى:
وقيل فى وجه التباين بين الاعتراض والتتميم غير ما سبق وضمير لأنه للحال والشأن
(قوله: وهو غلط) أى: هذا القيل المعلل بقوله؛ لأنه إلخ غلط نشأ من عدم الفرق بين عدم الاشتراط واشتراط العدم، والحاصل أن عدم اشتراط الجملة فى التتميم بجامع كون التتميم جملة فلا يكون منافيا لاشتراط الجملة فى الاعتراض، نعم اشتراط عدم الجملة فى التتميم مناف لاشتراطها فى الاعتراض، فعدم الاشتراط أعم من اشتراط العدم
(قوله: كما اشترط) تشبيه فى المنفى وهو يشترط، (وقوله: كما يقال) أى: كاللفظ الذى يقال أى: كقول إن الإنسان إلخ، فما مصدرية ووجه الشبه أن كلا غلط.
بقى شى آخر وهو بيان النسبة بين الاعتراض على هذا القول وبين الإيغال وبين الإيضاح وبينه وبين التكرير أما النسبة بينه وبين الإيغال فالعموم والخصوص الوجهى؛ لأنه لا يشترط فى الاعتراض كونه فى الأثناء ولا بين كلامين متصلين ولا كونه
(وبعضهم) أى: وجوز بعض القائلين بأن نكتة الاعتراض قد تكون دفع الإيهام (كونه) أى: الاعتراض (غير جملة) فالاعتراض عندهم أن يؤتى فى أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنى- بجملة، أو غيرها؛ لنكتة ما (فيشمل) الاعتراض بهذا التفسير (بعض صور التتميم
…
===
فى غير الشعر ولم يشترط فى الإيغال، كونه بغير جملة ولا كونه مما له محل، وحينئذ فيجتمعان فى جملة لا محل لها وقعت آخرا للكلام أو الشعر وينفرد الإيغال بالفضلة، وبالجملة التى لها محل وينفرد الاعتراض بالجملة التى ليست ختما بل فى الأثناء أو بين كلامين متصلين ولا محل لها، وأما النسبة بينه وبين الإيضاح والتكرير فكذلك العموم والخصوص الوجهى لاجتماعه معهما فى الجملة التى لا محل لها وهى للإيضاح أو التأكيد، وينفرد الاعتراض عنهما بما يكون لغير التأكيد والإيضاح من الجملة التى لا محل لها، وينفردان عنه بما يكون مفردا أو جملة لها محل للتأكيد والإيضاح
(قوله: وبعضهم كونه غير جملة) أى: من غير تجويز كونه آخر، ولو قال المصنف غير الجملة بلام العهد أى: غير الجملة التى لا محل لها من الإعراب لكان أحسن ليشمل كونه جملة لها محل من الإعراب كما شمل كونه مفردا- قاله فى الأطول.
(قوله: فالاعتراض عندهم إلخ) أى: فهم لم يخالفوا الجمهور إلا فى التعميم فى النكتة وفى كون الاعتراض جملة لا محل لها أو غيرها بأن يكون جملة لها محل أو مفردا.
(قوله: فى أثناء الكلام) فلا يكون فى الآخر على هذا القول كالأول بخلافه على الثانى
(قوله: متصلين معنى) فلا يقع على هذا بين كلامين لا اتصال بينهما: كالقول الأول بخلافه على الثانى.
(قوله: أو غيرها) يشمل ما هو أكثر من جملة ويشمل المفرد أيضا بخلافه على القولين الأولين فإنه لا يكون بمفرد عليهما
(قوله: لنكتة ما) أى: سواء كانت دفع الإيهام أو غيرها وإذا حققت النظر وجدت النسبة بين الاعتراض بالمعنى الأول وهذا المعنى الأخير العموم والخصوص المطلق وبينه بالمعنى الثانى والمعنى الأخير العموم والخصوص الوجهى
(قوله: فيشمل بعض صور التتميم) وهو ما كان بغير جملة فى أثناء
و) بعض صور (التكميل) وهو ما يكون واقعا فى أثناء الكلام، أو بين الكلامين المتصلين (وإما بغير ذلك) عطف على قوله: [إما بالإيضاح بعد الإبهام،
…
===
الكلام، ولا يقال: إن التتميم لا يكون إلا بفضلة ومن لازمها أن يكون لها محل من الإعراب والاعتراض لا يكون إلا بما لا محل له كما تقرر أولا، وهذا البعض إنما خالف فى كونه قد يكون غير جملة فيبقى اشتراط ألّا يكون له محل من الإعراب بحاله؛ لأنا نقول الظاهر أن هذا البعض يخالف فى هذا الاشتراط أيضا ويؤيد ذلك قول المصنف وبعضهم كونه غير جملة فإن غير الجملة شامل للمفرد ومن شأنه أن يكون له محل من الإعراب وحيث شمل الاعتراض بعض صور التتميم كان بينهما عموم وخصوص من وجه لاجتماعهما فى هذه الصورة المشمولة للاعتراض، وانفراده عن التتميم بما يكون غير فضلة، وانفراد التتميم عنه بما يكون آخرا وهو فضلة، وقد علمت أن الاعتراض على القولين السابقين مباين للتتميم
(قوله: وبعض صور التكميل) اعترض بأنه يشمل بعض صور التذييل فكان على المصنف أن ينبه عليه، وأجيب بأنه مفهوم من أصل تفسير الاعتراض، والغرض بيان ما يخص هذا البعض، فإن قلت: إنه قد ذكر بعض صور التكميل مع كونه مشمولا للاعتراض عند البعض الأول قلت بعض صور التكميل المشمولة للاعتراض عند هذا البعض غير بعض الصور المشمولة للاعتراض عند البعض الأول؛ لأن المشمولة له عند البعض الأول ما كان بجملة لا محل لها من الإعراب والمشمولة له عند هذا البعض ما ليس بجملة فظهر الاختصاص، إذ ما ليس بجملة لا يشمله قول ذلك البعض، فلو سكت المصنف عن قوله: وبعض صور التكميل لتوهم أن شمول الاعتراض له عند البعض الثانى كشموله له عند البعض الأول مع أنه ليس كذلك، وهذا بخلاف بعض صور التذييل فإنه مشمول على كل قول- كذا قرر شيخنا العدوى.
(قوله: وهو ما يكون) الضمير راجع للبعض بقسميه التتميم والتكميل، وقد علمت أن الاعتراض على القولين السابقين مباين للتتميم، وقوله: ما يكون واقعا فى أثناء الكلام إلخ أى: سواء كان مفردا أو جملة، وحيث شمل الاعتراض بالمعنى المذكور وعند هذا البعض بعض صور التتميم والتكميل كان بين الاعتراض بالمعنى المذكور، وبينهما
وإما بكذا وكذا] (كقوله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ (1) فإنه لو اختصر) - أى: ترك الإطناب- فإن الاختصار قد يطلق على ما يعم الإيجاز والمساواة؛ كما مر (لم يذكر:
…
===
عموم وخصوص من وجه لاجتماعه معهما فيما ذكر، وانفراد الاعتراض عنهما بما يكون لغير دفع الإيهام وهو غير فضلة وانفرادهما عنه بما يكون آخرا وهو جملة لدفع الإيهام بالنسبة للتكميل أو فضلة بالنسبة للتتميم.
بقى شىء آخر وهو النسبة بين الاعتراض على هذا التفسير وبين التذييل والإيضاح والتكرير والإيغال وحاصلها أنا نقول بين الاعتراض على هذا التفسير والإيغال التباين؛ لأنه اشترط فى الاعتراض أن يكون فى الأثناء أو البين وشرط فى الإيغال أن يختم به الكلام أو الشعر وهما لا يجتمعان، وبينه وبين التذييل العموم والخصوص الوجهى فيجتمعان فيما يكون فى الأثناء أو البين وهو جملة لا محل لها على تفسير التذييل بذلك أو مطلقا إن لم يفسر بذلك كما هو ظاهر تفسير المصنف سابقا، وينفرد الاعتراض بما يكون لغير التوكيد أو يكون فضلة، وينفرد التذييل بما لا يكون فى أثناء الكلام أو لا بين كلامين بل آخرا وكذلك النسبة بينه وبين كل من الإيضاح والتكرير، فيجتمع معهما فيما يكون فى البين أو فى الأثناء للإيضاح أو يكون تكرارا للتأكيد وينفرد عنهما بما يكون لغير الإيضاح والتأكيد وينفردان عنه فيما لا يكون فى البين ولا فى الأثناء، بل فى الآخر للإيضاح أو يكون تكرارا للتأكيد، وإنما تعرضنا لبيان النسبة بين هذه الأمور السبعة وهى الإيضاح والتكرير والإيغال والتذييل والتكميل والتتميم، والاعتراض لأجل ازدياد البصيرة فى فهمها وتشحيذ القريحة فى تفطنها ولم أتعرض لبيان النسبة فيما تقدم بين ذكر الخاص بعد العام وبين غيره من هذه الأمور السبعة لظهور أمره بالنسبة إلى سائرها، وذلك لظهور مباينته لغير التتميم والإيغال والاعتراض ومجامعته لهذه الثلاثة فى بعض الصور
(قوله: وإما بكذا وكذا) لا حاجة إليه، فالأولى حذفه
(قوله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) مبتدأ والجملة بعد الموصول صلة، وقوله ومن حوله: عطف على المبتدأ، والحول يشمل جهة
(1) غافر: 7.
وَيُؤْمِنُونَ بِهِ لأن إيمانهم لا ينكره) أى: لا يجهله (من يثبتهم) فلا حاجة إلى الإخبار به لكونه معلوما (وحسن ذكره) أى: ذكر قوله: وَيُؤْمِنُونَ بِهِ (إظهار شرف الإيمان ترغيبا فيه) وكون هذا الإطناب بغير ما ذكر من الوجوه السابقة ظاهر بالتأمل فيها.
===
العلو والسفل كما يشمل جهة اليمين والشمال على الظاهر- كذا قرر شيخنا العدوى، وقوله يسبحون بحمد ربهم: خبر المبتدأ أى: يسبحون ملتبسين بالحمد بأن يقولوا سبحان الله وبحمده
(قوله: وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) أى: بربهم
(قوله: فإنه) أى: الحال والشأن وقوله لو اختصر أى: ارتكب الاختصار
(قوله: على ما يعم الإيجاز والمساواة) أى:
والمراد هنا الثانى؛ لأنه لو لم يذكر ويؤمنون به كان مساواة.
(قوله: لأن إيمانهم إلخ) أى: وإنما قلنا إن زيادة وَيُؤْمِنُونَ بِهِ إطناب؛ لأن إيمانهم (1) تسبيحهم وحمدهم المستفاد من قوله تعالى يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ يدلان على إيمانهم به تعالى
(قوله: أى لا يجهله) لما كان نفى الإنكار لا يستلزم العلم المراد فسره بما يستلزمه وهو نفى الجهل قاله سم، وقرر بعضهم أن هذا التفسير منظور فيه للشأن والعادة من أن ما لا يجهل لا ينكر وإن كان يمكن إنكار الشىء معاندة
(قوله: لا ينكره من يثبتهم) أى: وهو المخاطب بهذا الكلام، بل ذلك أمر معلوم عنده وقوله لكونه معلوما أى: عند المخاطب
(قوله: إظهار شرف الإيمان) أى: المدلول لجملة ويؤمنون به؛ لأنها سيقت مساق المدح فأتى بها لأجل إظهار شرف مدلولها
(قوله: ترغيبا فيه) أى:
حيث مدح الملائكة الحاملون للعرش ومن حوله، وهذا كما يوصف الأنبياء بالصلاح لقصد المدح به مع العلم بصلاحهم ترغيبا فى الصلاح
(قوله: وكون) هو بالرفع مبتدأ خبره قوله ظاهر، وقوله بالتأمل فيها أى: فى الآية أو فى الوجوه السابقة وهو الظاهر؛ وذلك لأن ما حصل به الإطناب فى الأنواع السابقة إما أن لا يكون معه حرف عطف كغير الاعتراض وعطف الخاص على العام أو معه ذلك ولم يقصد العطف كالاعتراض أو قصد به ذلك وكان من عطف الخاص على العام كقوله تعالى: حافِظُوا عَلَى
(1) بياض فى النسخة المطبوعة.