المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تقييد الفعل بالشرط: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٢

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌[أغراض الحذف]:

- ‌ ذكر المسند

- ‌[أغراض الإفراد]:

- ‌[أغراض كون المسند فعلا أو اسما]:

- ‌أغراض تقييد الفعل بمفعول ونحوه، وترك تقييد الفعل:

- ‌[ترك تقييد الفعل]:

- ‌[أغراض‌‌ تقييد الفعل بالشرط:إن وإذا ولو]:

- ‌ تقييد الفعل بالشرط:

- ‌[استطراد إلى التغليب]:

- ‌[أغراض التنكير]:

- ‌ تنكير المسند

- ‌[أغراض التخصيص بالإضافة والوصف وتركه]:

- ‌[تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف]:

- ‌[غرض التعريف]:

- ‌(وأما تعريفه

- ‌[ترك تقييد المسند بالحال أو المفعول أو نحو ذلك]:

- ‌[أغراض كون المسند جملة]:

- ‌[كون المسند جملة للتقوّى]:

- ‌‌‌[أغراض التأخيروالتقديم]:

- ‌[أغراض التأخير

- ‌[تأخير المسند]:

- ‌[أغراض التقديم]:

- ‌[تقديم المسند]:

- ‌[[الباب الرابع: ] أحوال متعلقات الفعل]

- ‌[حال الفعل مع المفعول والفاعل]:

- ‌[أغراض تقديم المتعلقات على الفعل]:

- ‌[[الباب الخامس: ] القصر]:

- ‌[طرق القصر]:

- ‌[طريقة العطف]:

- ‌(ومنها النفى والاستثناء

- ‌[التقديم]:

- ‌[[الباب السادس: ] القول فى‌‌ الإنشاء]:

- ‌ الإنشاء]:

- ‌[أنواع الإنشاء]:

- ‌[الطلب]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: التمني]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: الاستفهام]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: الأمر]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: النهي]:

- ‌ومن أنواع الطلب: النداء

- ‌[[الباب السابع: ] الفصل والوصل]

- ‌[تعريف الفصل والوصل]:

- ‌[أحوال الوصل والفصل للاشتراك فى الحكم]:

- ‌[الفصل لعدم الاشتراك فى الحكم]:

- ‌[الوصل بغير الواو من حروف العطف]:

- ‌[الفصل لعدم الاشتراك فى القيد]:

- ‌[الفصل لكمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لكمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الاتصال]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الانقطاع]:

- ‌[أنواع الاستئناف]:

- ‌[حذف صدر الاستئناف]:

- ‌[الوصل لدفع الايهام]:

- ‌[محسنات الوصل]:

- ‌[تذنيب]:

- ‌[الباب الثامن: الإيجاز والإطناب والمساواة]:

- ‌[إيجاز القصر]:

- ‌[إيجاز الحذف]:

- ‌[الإطناب]:

- ‌[ذكر الخاص بعد العام]:

- ‌[الإيجاز والإطناب النسبيان]:

الفصل: ‌ تقييد الفعل بالشرط:

أو نحو ذلك.

‌[أغراض‌

‌ تقييد الفعل بالشرط:

إن وإذا ولو]:

(وأما تقييده: ) أى: الفعل (بالشرط) مثل: أكرمك إن تكرمنى، وإن تكرمنى أكرمك

===

هنا المانع اللغوى وهو ما لا يتأتى تحصيل الشىء معه وجوديا كان أو عدميّا منافيا كان أولا

(قوله: أو نحو ذلك) أى: كمجرد الاختصار حيث اقتضاه المقام لضيق أو ضجر من المتكلم أو خوف سآمة السامع.

[تقييد الفعل بالشرط]:

(قوله: وأما تقييده بالشرط) كان الأولى للمصنف أن يقدم هذا على حالة ترك التقييد، ويؤخر ترك التقييد عن هذا لأجل أن يجرى التقييد بالقيود الوجودية على سنن واحد، وكيف يؤخر هذا والتقييد بالشرط فى قوة التقييد بالمفعول فيه كما يعلم من قول الشارح الآتى بمنزلة قولك: أكرمك وقت مجيئك إياى، وأجيب بأنه لما كان التقييد بالشرط محتاجا إلى بسط ما أخره عن الترك، وإن كان المناسب ذكره مع ما قبله

(قوله: أى الفعل) أى: الواقع مسندا فى جملة الجزاء نحو: إن جئتنى أكرمتك فالشرط مقيد لأكرمتك، وقوله: أى الفعل أى: أو ما يشبهه أو ما هو مؤول بما يشبهه الواقع مسندا فى جملة الجزاء نحو كلما كانت الشمس طالعة، فالنهار موجود، ونحو: إن كان زيد أبا لعمرو فأنا أخ له، ففى المثال الأول ثبوت الوجود للنهار مقيد بطلوع الشمس، إذ المعنى وجود النهار ثابت فى كل وقت من أوقات طلوع الشمس، وفى المثال الثانى ثبوت أخوة عمرو للمتكلم مقيد بأبوة زيد لعمرو

(قوله: بالشرط) أراد به جملة لشرط، وأعاد المصنف الضمير على الشرط فى قوله أدواته بمعنى التعليق أعنى: عقد السببية والمسببية على طريق الاستخدام، واعلم أن إطلاق الشرط على الجملة الشرطية أعنى:

مجموع فعل الشرط والجزاء غير معهود، وكذلك إطلاقه على مجموع الأداة وفعل الشرط فقط إنما المعهود إطلاقه على فعل الشرط وأداته والتعليق

(قوله: مثل أكرمك إن تكرمنى إلخ) لم يقصد الشارح بذلك أن التقييد كما يكون للجزاء المذكور يكون للمحذوف؛

ص: 47

(فلاعتبارات) وحالات تقتضى تقييده به (لا تعرف إلا بمعرفة ما بين أدواته) يعنى حروف الشرط وأسماءه (من التفصيل وقد بين ذلك) أى: التفصيل (فى علم النحو)

===

لأن البصريين جعلوا أكرمك إن تكرمنى محذوف الجزاء لعدم صحة تقديم الجزاء على الشرط؛ لأن حروف الشرط لها الصدارة، بل قصد أن الشرط كما يكون قيدا للجزاء المتأخر يكون قيدا للجزاء المتقدم، فإن علماء المعانى لا يجعلون المتقدم على الشرط دالا على الجزاء، بل يجعلونه نفس الجزاء كما صرح به الشارح فى بحث الإيجاز والإطناب والمساواة وفاقا للكوفيين. هذا والجمهور من النحويين شرطوا أن يكون الشرط ماضيا إذا تقدم عليه ما هو جزاء فى المعنى نحو: أنت ظالم إن فعلت كذا، واختار بعضهم عدم الاشتراط فهذا المثال مبنى عليه- أفاده الفنارى.

(قوله: فلاعتبارات) أى: نكات معتبرات لكون المقام يقتضى التقييد بما يفيدها، وإنما فسرنا الاعتبارات بما ذكر بدليل قوله وحالات؛ لأن الحالات معتبرات لاعتبارات وتلك الحالات هى تعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى إما فى الماضى كما فى لو، وإما فى الاستقبال: إما مع الجزم كما فى إذا أو مع الشك كما فى إن، أو فى جميع الزمان كما فى مهما، أو المكان كما فى أين

(قوله: يعنى حروف الشرط وأسماءه) دفع بهذا ما يتوهم من لفظ أدوات أنها كلها حروف

(قوله: من التفصيل) بيان لما أى إلا بمعرفة التفصيل الذى بين أدواته الحاصل ببيان ما بينها من الفرق المعنوى. وفى الأطول: ما بين أدواته من التفصيل أى: مما ذكر مفصلا ككون إن وإذا للشرط فى الاستقبال، لكن مع الجزم فى إذا ومع الشك فى إن، وكون لو للشرط فى الماضى، وكون مهما ومتى لعموم الزمان، وأين لعموم المكان، ومن لعموم من يعقل، وما لعموم غير العاقل فيعتبر فى كل مقام ما يناسبه من معانى تلك الأدوات، فإذا كان المخاطب مثلا يعتقد أنه إن كرر المجىء إليك مللت منه واستثقلته فتقول نفيا لذلك: كلما جئتنى ازددت فيك حبّا، وكذا إذا كان يعتقد أن الجائى فى وقت كذا لا يصادف طعاما عند زيد مثلا قلت نفيا لذلك: متى جئت زيدا وجدت عنده طعاما، أو كان يعتقد أنك لا

ص: 48

وفى هذا الكلام إشارة إلى أن الشرط- فى عرف أهل العربية-: قيد لحكم الجزاء مثل المفعول، فقولك: إن جئتنى أكرمك- بمنزلة قولك: أكرمك وقت مجيئك إياى، ولا يخرج الكلام بهذا التقييد عما كان عليه من الخبرية والإنشائية،

===

تجالسه إلا بالمسجد مثلا قلت أينما تجلس أجلس معك، أو يعتقد أنك لا تكرم إلا من كان من بنى فلان فتقول له نفيا لذلك: من جاءنى أكرمته أو كان يعتقد أنك لا تشترى إلا الحاجة الفلانية، ولو اشترى هو غيرها قلت نفيا لذلك ما تشتر أشتره وعلى هذا فقس.

(قوله: وفى هذا الكلام) أعنى: قول المصنف وأما تقييده بالشرط إلخ حيث جعل الشرط قيدا

(قوله: لحكم الجزاء) أراد بالحكم النسبة كثبوت الإكرام أو أن الإضافة بيانية أى: قيد للجزاء فالجزاء هو الكلام المقصود بالإفادة، وأما جملة الشرط فليست كلاما مقصودا لذاته، بل مذكورة على أنها قيد فيه بمنزلة الفضلات كالمفعول والظرف، فإذا قلت إن جئتنى أكرمتك فالمعتبر لأصل الإفادة هو الإخبار بالإكرام وأما الشرط فهو قيد فكأنك قلت أكرمك وقت مجيئك، واعلم أن ما ذكر- من أن الكلام المقصود بالإفادة هو الجزاء والشرط قيد له- ينبغى أن يستثنى من ذلك ما إذا كانت أداة الشرط اسما مبتدأ وجعل خبره الجزاء أو مجموع فعل الشرط والجزاء، فإن الكلام حينئذ مجموع الجملتين؛ لأن الخبر من حيث هو خبر ليس بكلام، وكذا جزؤه من باب أولى، فإن جعل الخبر فعل الشرط كما هو الأصح عند النحاة كان الكلام هو الجزاء

(قوله: ونحوه) أى: كالظرف فى أنه يقيد به كضربت أو صمت يوم الخميس

(قوله: بمنزلة قولك أكرمك إلخ) استفيد الوقت من التعليل؛ لأن الشرطية قيد فى الجزاء فهو بمنزلة العلة وزمان المعلول والعلة واحد فالمعنى فى هذا المثال أكرمتك لأجل مجيئك إياى وفى زمانه

(قوله: ولا يخرج الكلام) الذى هو الجزاء. وقوله: بهذا التقييد أى: بجملة الشرط.

وقوله: عما كان عليه أى قبل التقييد بالشرط؛ لأن أداة الشرط إنما تخرج الشرط عن أصله ولا تسلط لها على الجزاء بل هو باق على حاله.

ص: 49

بل إن كان الجزاء خبرا فالجملة الشرطية خبرية نحو: إن جئتنى أكرمك، وإن كان إنشائيا فإنشائية نحو: إن جاءك زيد فأكرمه، وأما نفس الشرط فقد أخرجته الأداة عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب، وما يقال من

===

(قوله: بل إن كان الجزاء خبرا) أى: قبل التقييد بجملة الشرط، وقوله فالجملة الشرطية أعنى مجموع الشرط والجزاء، وقوله خبرية أى: بسبب خبرية الجزاء، واعترض على الشارح بأن الجزاء فى قوله أإن ضربتك تضربنى خبر مع أن الجملة إنشائية. ورد بأن حرف الاستفهام داخل فى المعنى على الجزاء كما صرح به الرضى، وحينئذ فهو ليس بخبر

(قوله: وإن كان) أى: الجزاء إنشائيا أى: قبل التقييد بالشرط، وقوله فإنشائية أى: فالجملة الشرطية إنشائية بسبب إنشائية الجزاء

(قوله: وأما نفس الشرط) أى: الجملة الشرطية وحدها بدون الجزاء وهذا مقابل فى المعنى لقوله ولا يخرج

(قوله: عن الخبرية) أى عن كونه كلاما خبريا؛ لأنه صار مركبا ناقصا، وقوله: واحتمال الصدق والكذب عطف لازم على ملزوم وكما أخرجته الأداة عن الخبرية أخرجته أيضا عن الإنشائية لما علمت أنه صار بالأداة مركبا ناقصا والمحصور عندهم فى الخبر والإنشاء إنما هو المركب التام، وأما قول الشارح فى المطول: لأن الحرف قد أخرجه إلى الإنشاء ففيه حذف مضاف بقرينة السياق أى: إلى حكم الإنشاء. وهو عدم احتمال الصدق والكذب، وإن كان ليس بإنشاء حقيقة، والحاصل أن الشرط وحده كالمفعول الذى قيد به الفعل فكما أن المفعول لا يحتمل صدقا ولا كذبا فكذلك الشرط

(قوله: وما يقال إلخ) قائله الشارح العلامة فى شرح المفتاح، وهذا شروع فى دفع التناقض بين ما قاله شارحنا سابقا، وما قاله الشارح العلامة، وحاصل ذلك الإيراد كيف يقال: إن الكلام عند أهل العربية هو الجزاء والشرط لا دخل له فيه، وإنما هو قيد له، مع أن هذا يخالفه ما قاله الشارح العلامة من أن كل واحد من الشرط والجزاء ليس خبرا محتملا للصدق والكذب، لأن كل واحد منهما أخرجته الأداة عن أصله فليس المعتبر فى القضية حكم الجزاء لذلك، وإنما الكلام الخبرى المحتمل للصدق والكذب هو مجموع الشرط والجزاء فكل واحد منهما مذكور قصدا لتوقف الكلام عليه؛ لأنه جزء منه وحاصل الجواب أن

ص: 50

أن كلا من الشرط والجزاء خارج عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب، وإنما الخبر هو مجموع الشرط والجزاء المحكوم فيه بلزوم الثانى للأول- فإنما هو اعتبار المنطقيين، فمفهوم قولنا: كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود- باعتبار أهل العربية- الحكم بوجود النهار فى كل وقت من أوقات طلوع الشمس، فالمحكوم عليه هو النهار والمحكوم به هو الوجود، وباعتبار المنطقيين الحكم بلزوم وجود النهار لطلوع الشمس فالمحكوم عليه طلوع الشمس والمحكوم به وجود النهار فكم من فرق بين الاعتبارين.

===

ما قاله الشارح العلامة اصطلاح للمناطقة وما تقدم لشارحنا اصطلاح لأهل العربية ولا يعترض باصطلاح على اصطلاح

(قوله: أن كلا من الشرط والجزاء) أى: كلا منهما على حدته لا مجموعهما كما هو ظاهر

(قوله: واحتمال) أى: وخارج عن احتمال الصدق إلخ وهو عطف لازم على ملزوم

(قوله: وإنما الخبر) أى: وإنما الكلام الخبرى سواء كان الجزاء فى الأصل خبرا أو إنشاء حتى إنك إذا قلت إن جاءك زيد فأكرمه، فالمراد الحكم باللزوم بين المجئ والإكرام، ولو كانت صورة الجزاء إنشاء

(قوله: المحكوم فيه) أى: فى ذلك الخبر

(قوله: فإنما هو اعتبار المنطقيين) أى: فهم يعتبرون اللزوم بين الشرط والجزاء سواء كان اللزوم بينهما حقيقيا أو اتفاقيا فمتى ثبت اللزوم بينهما صدقت القضية ولو لم يقع واحد منهما

(قوله: الحكم بوجود النهار) الأولى أن يقول الحكم على النهار بالوجود لأجل أن يدل على المحكوم عليه، وبه يتضح التفريع، فالمقصود عند أهل العربية الإخبار بوجود النهار والتقييد ليس مقصودا لذاته

(قوله: والمحكوم به وجود النهار) لعل الأولى أن يقول لزوم وجود النهار؛ لأنهم إنما يحكمون باللزوم لا بالوجود

(قوله: فكم من فرق بين الاعتبارين) أى: كم فرق أى: إن هناك فروقا كثيرة بين الاعتبارين لاختلاف الكلام والحكم والمحكوم به والمحكوم عليه باختلاف هذين الاعتبارين.

وعبارة المطول: والتحقيق فى هذا المقام أن مفهوم الجملة الشرطية بحسب اعتبار المنطقيين غيره بحسب اعتبار أهل العربية؛ لأنا إذا قلنا: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، فعند أهل العربية النهار محكوم عليه وموجود محكوم به والشرط قيد له، ومفهوم

ص: 51

(ولكن لا بد من النظر هاهنا فى إن وإذا ولو) لأن فيها أبحاثا كثيرة لم يتعرض لها فى علم النحو (فإن وإذا للشرط

===

القضية أن الوجود يثبت للنهار على تقدير طلوع الشمس، وظاهر أن الجزاء باق على ما كان عليه من احتمال الصدق والكذب وصدقها باعتبار مطابقة الحكم بثبوت الوجود للنهار حينئذ وكذبها بعدمها، وأما عند المنطقيين فالمحكوم عليه هو الشرط والمحكوم به هو الجزاء ومفهوم القضية الحكم بلزوم الجزاء للشرط وصدقها باعتبار مطابقة الحكم باللزوم وكذبها بعد مهما فكل من الطرفين قد انخلع عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب، وقالوا إنها تشارك الحملية فى أنها قول موضوع للتصديق والتكذيب، وتخالفها فى أن طرفيها مؤلفان تأليفا خبريا، وإن لم يكونا خبريين وبأن الحكم فيها ليس بأن أحد الطرفين هو الآخر بخلاف الحملية، ألا ترى أن قولنا: كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود مفهومه عندهم أن وجود النهار لازم لطلوع الشمس، وعند النحاة أن التقدير النهار موجود فى كل وقت من أوقات طلوع الشمس وظاهر أنه جملة خبرية قيد مسندها مفعول فيه فكم من فرق بين المفهومين، وتحقيق هذا المقام على هذا الوجه من نفائس المباحث- انتهى.

قال عبد الحكيم: فإن قلت فما الفرق بين مذهبى أهل العربية وأهل الميزان، فإن المآل واحد؟ قلت: الفرق أن الشرط عند أهل العربية مخصص للجزاء ببعض التقديرات حتى أنه لولا التقييد بالشرط كان الحكم الذى فى الجزاء عاما لجميع التقديرات فيكون التقييد مفهومه مفهوم مخالفة كما ذهب إليه الشافعية وعند أهل الميزان كل واحد من الشروط والجزاء بمنزلة جزء القضية الحملية لا يفيد الحكم أصلا فلا يكون الشرط مخصصا للجزاء ببعض التقديرات فلا يتصور مفهوم المخالفة، بل مسكوت عنه كما هو مذهب الحنفية

(قوله: ولكن لا بد إلخ) لما أحال معرفة الاعتبارات المفادة لأدوات الشرط على تبيينها ببيان معانيها فى علم النحو أشار إلى أن ثلاثة منها لا يكفى فى بيان الأغراض المفادة لها بيان معانيها المذكورة فى علم النحو فقال: ولكن إلخ.

(قوله: فى إن وإذا ولو) أى: فى معانى هذه الثلاثة

(قوله: للشرط) المراد به تعليق حصول مضمون جملة على حصول مضمون جملة أخرى بخلافه فى قوله بوقوع

ص: 52

فى الاستقبال لكن أصل إن عدم الجزم بوقوع الشرط)

===

الشرط، فإن المراد به فعل الشرط

(قوله: فى الاستقبال) متعلق بالحصول الثانى الذى تضمنه لفظ الشرط- كما فى عبد الحكيم، أو بالشرط نظرا لما فيه من معنى الحصول؛ لأن الشرط تعليق حصول مضمون جملة الجزاء على حصول مضمون الشرط الكائن فى الاستقبال، ويلزم من حصول مضمون الشرط فى الاستقبال حصول مضمون الجزاء فيه؛ لأن الحصول المعلق بحصول أمر فى المستقبل يلزم أن يكون مستقبلا، وليس متعلقا بالشرط أعنى التعليق باعتبار ذاته؛ لأنه حالى لا استقبالى، ويصح أن يكون متعلقا بوصف محذوف أى: للشرط الموجود فى الاستقبال ويراد بالشرط التعليق وبضمير الوصف: الشرط بمعنى فعل الشرط وهو المعلق عليه وحينئذ ففيه استخدام.

(قوله: لكن أصل إن) أى: المعنى الأصلى لها الذى تستعمل فيه بالحقيقة اللغوية، وسيأتى مقابل ذلك الأصل فى قوله: وقد تستعمل

(قوله: عدم الجزم) أى: عدم جزم المتكلم، وقوله بوقوع الشرط أى: فى المستقبل والمراد بعدم الجزم بوقوعه فى المستقبل الشك فى وقوعه فى المستقبل وتوهم وقوعه فيه، وإن كان يصدق بظن الوقوع وبالجزم بعدم وقوعه، والحاصل أن الفعل له خمسة أحوال: إما أن يجزم المتكلم بوقوعه فى المستقبل، أو يظن وقوعه فيه وهاتان الحالتان تستعمل فيهما إذا، وتارة يتردد فى وقوعه فى المستقبل على حد سواء، أو يظن عدم وقوعه فيه ويتوهم وقوعه وهاتان الحالتان تستعمل فيهما إن، وتارة يجزم بعدم الوقوع لكون الفعل محالا وهذه الحالة لا يستعمل فيها شىء منهما، إذ لا معنى للتعليق فتحصل من هذا أن إذا تشارك إن فى عدم الدخول على المستحيل وهو المجزوم بعدم وقوعه إلا لنكتة على ما سيأتى فى قوله تعالى:

قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ (1) إلخ، وتنفردان بالمشكوك والمتوهم وقوعه، وتنفرد إذا بالمتيقن والمظنون الوقوع، وسائر أدوات الشرط كإن فى حكمها المذكور، إذا علمت هذا فقول المصنف: عدم الجزم بوقوع الشرط، صادق بالشك فى الوقوع وتوهمه وظنه والجزم بعدمه، ولكنه محمول على الحالتين الأوليين دون الأخيرتين وإن شملهما كلامه،

(1) الزخرف: 81.

ص: 53

فلا تقع فى كلام الله تعالى على الأصل إلا حكاية، أو على ضرب من التأويل (وأصل إذا الجزم بوقوعه) فإن وإذا يشتركان فى الاستقبال بخلاف لو، ويفترقان بالجزم بالوقوع وعدم الجزم به، وأما عدم الجزم بلا وقوع الشرط فلم يتعرض له لكونه مشتركا بين إذا وإن والمقصود بيان وجه الافتراق (ولذلك) أى: ولأن أصل إن عدم الجزم بالوقوع

===

وأورد على هذا إن مات زيد فافعل كذا مع أن الموت مجزوم بوقوعه، وأجاب الزمخشرى بأن وقت الموت لما كان غير معلوم استحسن دخول إن عليه انتهى فترى.

(قوله: فلا تقع فى كلام الله تعالى على الأصل) أى: وهو عدم الجزم بوقوع الشرط؛ لأنه تعالى عالم بحقائق الأشياء على ما هى عليه فيستحيل فى حقه تعالى الشك والتردد فى شىء ما

(قوله: إلا حكاية) أى: عن الغير كما فى قالُوا إِنْ يَسْرِقْ (1) إلخ، (وقوله: أو على ضرب من التأويل) أى: بأن يفرض أن هذا الكلام واقع على لسان شخص عربى تكلم بهذا الكلام كما سيأتى فى قوله وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ (2) فهى حينئذ باقية على أصلها من الشك أو التوهم فقوله إلا حكاية أو على ضرب إلخ أى: فتقع حينئذ فى كلام الله على الأصل

(قوله: وأصل إذا) أى: معناها الأصلى الذى تستعمل فيه على سبيل الحقيقة اللغوية

(قوله: الجزم بوقوعه) أى: جزم المتكلم بوقوعه فى المستقبل بحسب اعتقاده؛ لأن الشرط مطلقا مقدر الوقوع فى المستقبل، وقوله الجزم بوقوعه أى: أو ظن وقوعه ففيه حذف أو أن مراده بالجزم الرجحان فيشمل اعتقاد الوقوع وظنه

(قوله: يشتركان فى الاستقبال) أى: فى أن كلا منهما شرط فى الاستقبال

(قوله: بخلاف لو) أى: فإنها شرط فى الماضى

(قوله: بالجزم بالوقوع) أى: بالنسبة لإذا (وقوله: وعدم الجزم به) أى بالنسبة لإن.

(قوله: وأما عدم الجزم) جواب عن سؤال مقدر وحاصله كما أن إن لعدم الجزم بوقوع الشرط كذلك هى لعدم الجزم بلا وقوعه كما صرح به النحاة من أنها إنما تستعمل فى المعانى المحتملة المشكوكة، وكما أن إذا للجزم بوقوع الشرط هى أيضا لعدم الجزم بلا وقوعه، بل ذلك لازم للجزم بوقوعه فعدم الجزم باللاوقوع مشترك بينهما،

(1) يوسف: 77.

(2)

النساء: 78.

ص: 54

(كان) الحكم (النادر) لكونه غير مقطوع به فى الغالب (موقعا لإن و) لأن أصل إذا الجزم بالوقوع (غلب لفظ الماضى) لدلالته على الوقوع قطعا نظرا إلى نفس اللفظ وإن نقل هاهنا إلى معنى الاستقبال (مع إذا نحو: فَإِذا جاءَتْهُمُ)(1)

===

فيشترط فيهما أن يكون مدخولهما غير مجزوم بعدم وقوعه، إذ لو حصل الجزم بعدم وقوعه لم يستعمل فيه لا هذا ولا هذا لكونه محالا، فكان على المصنف أن يتعرض لبيان ذلك بحيث يقول: لكن أصل إن عدم الجزم بوقوع الشرط وبلا وقوعه، وأصل إذا الجزم بوقوعه وعدم الجزم بلا وقوعه، وحاصل الجواب أن المصنف بصدد بيان الفرق بينهما ولا وجه لدخول ما كان مشتركا فى مقام الافتراق، قال الشيخ يس: لكن يبقى هنا شىء وهو أن عدم الجزم بلا وقوع الشرط فى إذا بمعنى أنه منتف، وفى إن بمعنى أنه يجوز فلا اشتراك بينهما فى الحقيقة- فتأمل. اهـ.

وحاصله أن عدم الجزم بلا وقوع الشرط فى إن لوجود الشك، وفى إذا لوجود الجزم بوقوعه فبينهما فرق

(قوله: كان الحكم النادر) أى: القليل الوقوع وقوله لكونه غير مقطوع به علة لكونه نادرا، ثم إن غير المقطوع بوقوعه إما محتمل للوقوع وعدمه على حد سواء فيكون مشكوكا فيه، وإن للشك، وإما أن يكون مترجحا عدمه على وجوده فيكون متوهما وهى تستعمل فى المتوهم

(قوله: فى الغالب) متعلق بكونه وإنما قيد به؛ لأن النادر قد يقطع بوقوعه كيوم القيامة فإنه نادر ومع ذلك مقطوع به، وإنما كان يوم القيامة نادرا؛ لأنه لا يحصل إلا مرة ولا تكرر لوقوعه، والنادر هو ما يقل وقوعه جدا كأن يقع مرة أو مرتين، وإن كان وقوعه لا بد منه

(قوله: ولأن أصل إذا) أى: ولكون أصل إذا إلخ، وقوله غلب عطف على كان

(قوله: إلى نفس اللفظ) أى:

الموضوع للدلالة على الوقوع فى الزمان الماضى

(قوله: هاهنا) أى مع إذا وقوله إلى معنى الاستقبال أى: لأن إذا الشرطية تقلب الماضى إلى معنى المستقبل.

(قوله: فإذا جاءتهم الحسنة إلخ) استشهد بالآية على استعمال إذا فى المقطوع به، واستعمال إن فى المشكوك فيه، نظرا لكون كلامه تعالى واردا على أساليب كلامهم

(1) الأعراف: 131.

ص: 55

أى: قوم موسى (الْحَسَنَةُ) كالخصب والرخاء (قالُوا لَنا هذِهِ) أى: هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أى: جدب وبلاء (يَطَّيَّرُوا) أى: يتشاءموا (بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) من المؤمنين. جىء فى جانب الحسنة بلفظ الماضى مع إذا (لأن المراد الحسنة المطلقة) التى حصولها مقطوع به (ولهذا عرفت) الحسنة (تعريف الجنس)

===

وآتيا على نمط ما ينبغى أن يعتبر أن لو عبر به مخلوق يجوز عليه الشك والتردد والجزم، وإلا فالله تعالى لا يتصور منه جزم ولا شك؛ لأنه علام الغيوب والشىء عنده تعالى، إما معلوم الوقوع أو معلوم عدمه

(قوله: أى قوم موسى) كان الصواب أن يقول قوم فرعون؛ لأن أصحاب تلك المقالة قوم فرعون لا قوم موسى الذين هم بنو إسرائيل، فما ذكره الشارح سبق قلم- كذا اعترض. وأجيب بأن المراد بقوم موسى قومه الذين أرسل إليهم وإن لم يذعنوا له، ولا شك أن من أرسل إليهم النبى، وإن لم يذعنوا يقال لهم قومه كما يشهد بذلك القرآن.

(قوله: الحسنة) اى: الأمر المستحسن

(قوله: كالخصب) بكسر الخاء يقال للسنة الكثيرة المطر، فعطف الرخاء عليه من عطف اللازم على الملزوم وإتيانه بالكاف إشارة إلى أن الحسنة لا تنحصر فيهما أى: ونمو الأموال وصحة البدن وكثرة الأولاد وغير ذلك

(قوله: مختصة) أخذه من تقديم المعمول أى: لنا؛ لأنه خبر لهذه والخبر معمول للمبتدأ

(قوله: ونحن مستحقوها) أخذ ذلك من جعل لام لنا للاستحقاق أى: ونحن نستحقها لكمال سعادتنا فى ديننا وبركة مجدنا لا من بركة وجود موسى ودينه، وفى قوله: ونحن مستحقوها إشارة إلى أنهم ادعوا اختصاص الحسنة بحسب الاستحقاق لا بحسب الوقوع، فإن الحسنة لم تكن مختصة بهم

(قوله: أى جدب وبلاء) لم يأت بالكاف إشارة إلى انحصار السيئة فى هذين فيكون المراد بها نوعا مخصوصا

(قوله: أى يتشاءموا إلخ) التشاؤم ترقب حصول المكروه وقوله بموسى أى:

بسبب وجود موسى، ومن معه لعدم سعادتهم ودينهم، ولولا وجودهم فينا لما أصابنا ذلك هذا قولهم، ولم يفهموا أن الأمر بخلافه، وأن السيئة من شؤم عصيانهم، وأن الحسنة من رحمة الله الواسعة

(قوله: الحسنة المطلقة) أى: الغير المقيدة بنوع مخصوص كما يشير إليه إتيان الشارح بالكاف فى قوله: كالخصب

(قوله: ولهذا) أى: لأجل كون الحسنة

ص: 56

أى: الحقيقة لأن وقوع الجنس كالواجب لكثرته واتساعه لتحققه فى كل نوع بخلاف النوع، وجىء فى جانب السيئة بلفظ المضارع مع إن لما ذكره بقوله:

(والسيئة نادرة بالنسبة إليه) أى: إلى الحسنة المطلقة (ولهذا نكرت) السيئة لتدل على التقليل.

===

مطلقة عرفت إلخ (قوله أى: الحقيقة) أى: فى ضمن فرد غير معين فأل فى الحسنة للعهد الذهنى؛ لأن المراد من مدخولها الحقيقية فى ضمن فرد مبهم ومجئ الحقيقة، لا من حيث هى لعدم وجودها فى الخارج، بل مجيئها فى ضمن مجئ أى فرد من أفراد أى نوع من أنواعها.

(قوله: لأن وقوع الجنس إلخ) علة لقوله مقطوع به ومراده بالجنس الأمر المطلق الغير المقيد بنوع مخصوص، وقوله كالواجب أى: فى القطع بوقوعه عادة، وإن كان يمكن عقلا عدم وقوعه

(قوله: لكثرته واتساعه) علة للعلة أعنى قوله: لأن وقوع إلخ:

فالحسنة جنس يشمل أنواع الحسنات مثل إعطاء الحياة والصحة والأموال والأولاد والخصب والرخاء وغير ذلك، فكل هذه أنواع للحسنة والحسنة شاملة لها

(قوله: لتحققه فى كل نوع) أى: لأن كل جنس يتحقق فى أفراده وهى الأنواع المتدرجة تحته، بل فى كل فرد من أى نوع من أنواعه، وهذا علة لقوله لكثرته

(قوله: بخلاف النوع) أى: المعين كالجدب؛ فإنه ليس مقطوعا بوقوعه فقد لا يحصل ذلك النوع بأن يحصل نوع آخر

(قوله: نادرة بالنسبة إليها) أى: لأن المراد بالسيئة نوع مخصوص معين وهو الجدب والبلاء، والنوع المعين ليس محقق الوقوع، إذ النوع المعين قد لا يقع بأن يقع نوع آخر غيره

(قوله: ليدل على التقليل) فيه إشكال، وذلك لأن التقليل المدلول للتنكير هو قلة الشىء فى نفسه بقلة أفراده بمعنى أنه شىء يسير واحد مثلا لا كثير، والتقليل المؤذن بعدم الجزم هو قلة وقوع الشىء، وإن كان عند وقوعه كثيرا ففرق بين التقليلين، فلا يصح أن يكون ما دل على أحدهما علة فى الآخر، وأجيب بأن قلة الأفراد تؤذن أيضا بعدم الجزم بالوقوع ضرورة قرب ارتفاع القليل عن الوجود بخلاف الكثير، فأحد التقليلين لازم للآخر فصح أن يكون ما دل عليه فى الآخر.

ص: 57

(وقد تستعمل إن فى) مقام (الجزم) بوقوع الشرط (تجاهلا) كما إذا سئل العبد عن سيده: هل هو فى الدار؛ وهو يعلم أنه فيها- فيقول: إن كان فيها أخبرك؛ فيتجاهل خوفا من السيد

===

(قوله: وقد تستعمل إن إلخ) هذا مقابل لقوله سابقا: أصل إن عدم الجزم بوقوع الشرط، وحينئذ فكان عليه أن يذكر أيضا مقابل قوله: وأصل إذا الجزم بوقوعه فيقول، وقد تستعمل إذا فى مقام الشك للإشعار بأن الشك فى ذلك الشرط مما لا ينبغى كقولك لمن قال: لا أدرى هل يتفضل على الأمير بهذا النوال أو لا إذا تفضل عليك كيف يكون شكرك إشعارا بأن الأمير لا ينبغى الشك فى تفضله، ولعله لم يذكره لقلته بالنسبة لخروج إن عن أصلها

(قوله: فى مقام الجزم) أى: فى حالته وقدر مقام؛ لأن إن لم تستعمل فى الجزم

(قوله: بوقوع الشرط) فى التقييد بوقوع الشرط إشكال؛ لأن إن قد تستعمل أيضا على خلاف الأصل فى مقام الجزم بعدم وقوع الشرط الذى هو خلاف أصلها؛ لأن أصلها أن تستعمل فى الأمور المحتملة كما فى آية: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ (1) وكأن يقال: للخصم: أرأيت إن كان العالم قديما، فإنه يلزم استغناؤه عن الفاعل فلا يكون ممكنا، وأنت تقول إنه ممكن، والحاصل أن كلا من الجزم بالوقوع والجزم باللاوقوع قد يستعمل فيهما إن على خلاف الأصل، وحينئذ فلا وجه لتقييد الشارح بوقوع الشرط، فكان الأولى للشارح أن يقول: وقد تستعمل فى الشرط المجزوم بثبوته أو نفيه، والجواب أنه إنما قيد بذلك نظرا للأمثلة المذكورة

(قوله: تجاهلا) أى:

لأجل تكلف الجهل أى عند اقتضاء المقام التجاهل

(قوله: وهو يعلم أنه فيها) أى:

ولكن أوصاه أنه لا يعلم أحدا بوجوده فى الدار إلا بعد مشاورته

(قوله: خوفا من السيد) أى: لكونه أوصاه أن لا يعلم أحدا بوجوده فى الدار، وهذا التجاهل يعد من نكات علم المعانى حيث اقتضاه الحال كما فى المثال، فإن كان إيراده لمجرد الظرافة كان من البديع فلا يرد ما قيل إن تجاهل العارف من قبيل سوق المعلوم مساق غيره وهو من أنواع البديع فيكون ذكره هنا تطفلا.

(1) الزخرف: 81.

ص: 58

(أو لعدم جزم المخاطب) بوقوع الشرط فيجرى الكلام على سنن اعتقاده (كقولك لمن يكذبك: إن صدقت فماذا تفعل) مع علمك بأنك صادق (أو تنزيله) أى: تنزيل المخاطب

===

(قوله: أو لعدم جزم إلخ) عطف على قوله تجاهلا أى: تستعمل إن فى مقام الجزم للتجاهل أو لعدم جزم المخاطب إلخ، وإنما جر عدم جزم المخاطب باللام لفقد شرط نصب المفعول لأجله؛ لأن العدم ليس مصدرا قلبيا، وليس فعلا لفاعل الفعل المعلل بخلاف التجاهل، فإنه مصدر قلبى موافق لفعله فى الوقت وفى الفاعل، إذ فاعلهما واحد وهو المستعمل فلذا جرد من اللام

(قوله: أو لعدم جزم المخاطب بوقوع الشرط) أى: والحال أن المتكلم عالم بوقوعه

(قوله: على سنن) أى: على مقتضى اعتقاد المخاطب، واعلم أن هذا وما بعده قد اعتبر فيهما حال المخاطب لكن على سبيل الحقيقة هنا، وعلى سبيل التنزيل فيما بعد لا يقال اعتبار حال المخاطب يخالف ما تقدم من اعتبار حال المتكلم وهو عدم جزمه بوقوع الشرط؛ لأنا نقول اعتبار حال المتكلم إنما هو إذا استعملت إن على سبيل الحقيقة، وإلا اعتبر حال المخاطب على سبيل الحقيقة أو التنزيل كما هنا.

(قوله: كقولك لمن يكذبك) اعترض على المصنف بأن المكذب جازم بعدم وقوع الشرط وهو الصدق، وحينئذ فليس التعبير بإن للجرى على سنن ما عند المخاطب؛ لأنها للأمور المشكوكة والذى عند المخاطب الجزم بعدم الوقوع، والجواب أن المراد بقوله من يكذبك أى: من يجوز كذبك فهو متردد والتردد محل إن، وليس المراد بقوله لمن يكذبك من كان جازما بكذبك، أو المراد بمن يكذبك من قال لك كذبت ولا يخفى أنه لا يلزم من قوله لك كذبت أن يكون جازما بأنك كاذب، أو يقال التكذيب كناية عن عدم التصديق؛ لأنه لازم التكذيب فقوله لمن يكذبك أى: لمن لا يعتقد صدقك بأن شك فى صدقك، وتردد فيه ونسب إليك الكذب إن قلت إن الشاك لا اعتقاد عنده، وحينئذ فلا يناسب قوله على سنن اعتقاده أجيب بأن المراد باعتقاده حاله الذى هو عليه وهو الشك قرر ذلك شيخنا العدوى.

(قوله؛ فماذا تفعل) الاستفهام للتقرير أى: لا تقدر على ما يدفع خجلتك. اهـ أطول.

ص: 59

العالم بوقوع الشرط (منزلة الجاهل لمخالفته مقتضى العلم) كقولك لمن يؤذى أباه: إن كان أباك فلا تؤذه (أو التوبيخ) أى: تعبير المخاطب على الشرط (وتصوير أن المقام لاشتماله على ما يقلع الشرط عن أصله لا يصلح إلا لفرضه) أى: فرض الشرط (كما يفرض المحال) لغرض من الأغراض (نحو: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ)(1)

===

(قوله: العالم بوقوع الشرط) أى: أو بلا وقوعه، واقتصر على العلم بالوقوع نظرا للمثال.

(قوله: كقولك لمن يؤذى أباه إن كان أباك فلا تؤذه) أى: فعلم المخاطب بأنه أبوه محقق ومقتضاه أنه لا يؤذيه، لكنه لما آذاه نزله المتكلم منزلة الجاهل بالأبوة، فعبر بإن لأجل أن يجرى الكلام على سنن اعتقاده تنزيلا قال الفنرى لك أن تعتبر فى هذه الصورة تنزيل المتكلم نفسه منزلة الشاك؛ لأن فعل المخاطب من إيذاء أبيه كأنه أوقعه فى الشك وفى هذا الاعتبار ملاحظة حال المتكلم كما هو الأصل فى إن ا. هـ.

(قوله: أى تعبير المخاطب) يمكن أن التقييد بالمخاطب لملاحظة المثال المذكور ونحوه، وإلا فالتعبير قد يكون لغير المخاطب نحو: إن كان هذا أبا زيد فلا يؤذه

(قوله: على الشرط) أى: على وقوع الشرط منه أو اعتقاده إياه

(قوله: وتصوير) أى: تبيين وهو من عطف السبب على المسبب أى: تصوير المتكلم للمخاطب وقوله: إن المقام أى: الذى أورد فى شأنه الكلام

(قوله: لاشتماله) علة لقوله لا يصلح مقدمة على المعلول وقوله على ما يقلع أى على أدلة تحقق زوال الشرط من أصله

(قوله: إلا لفرضه) أى: إلا لأن يفرض ويقدر ذلك الشرط كما يفرض المحال وكما أن المحال المحقق استعمال إن فيه كثير تستعمل هنا فى ذلك المحال المقدر- كذا فى عبد الحكيم.

(قوله: لغرض) متعلق بيفرض المحال أى: وفرض المحال يكون لغرض من الأغراض: كالتبكيت وإلزام الخصم والمبالغة ونحو ذلك

(قوله: أفنضرب عنكم الذكر) أى: أفنضرب عنكم القرآن بترك إنزاله لكم، وترك إنزال ما فيه من الأمر والنهى

(1) الزخرف: 5.

ص: 60

أى: أنهملكم فنضرب عنكم القرآن وما فيه من الأمر والنهى والوعد والوعيد صَفْحاً أى: إعراضا أو للإعراض

===

والوعد والوعيد وإنزال ذلك لغيركم

(قوله: أى أنهملكم فنضرب إلخ) أشار بذلك إلى أن الفاء عاطفة على جملة مقدرة تناسب الجملة المعطوفة فى المعنى وهمزة الاستفهام باقية فى محلها الأصلى داخلة على تلك الجملة المقدرة، وقيل إن الهمزة مقدمة من تأخير، والأصل فأنضرب بتقديم الفاء على الاستفهام كما فى قوله تعالى فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (1) فأى الفريقين، ثم قدمت الهمزة تنبيها على أصالتها فى الصدارة فلا تحتاج لتقدير جملة على هذا والوجه الأول للزمخشرى، والثانى لسيبويه والجمهور، واختار الشارح الوجه الأول تبعا للكشاف لجزالة المعنى وهذان الوجهان يجريان فى كل جملة مقرونة بالفاء أو الواو أو ثم مسبوقة بهمزة الاستفهام نحو: أفنضرب إلخ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ (2) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ (3) واعلم أن الزمخشرى لم يقل بوجوب التقدير فقد جزم بما قاله سيبويه والجماعة فى مواضع فقال فى قوله تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى (4) عطف على فأخذناهم بغتة، وفى قوله تعالى: أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (5) فيمن قرأ بفتح الواو إن آباؤنا عطف على الضمير فى مبعوثون اكتفاء بالفصل بينهما بهمزة الاستفهام

(قوله: أى إعراضا) أشار بذلك إلى أن الصفح بمعنى الإعراض وأن صفحا فى الآية مفعول مطلق عامله نضرب؛ لأن معناه وهو صرف القرآن للغير وترك إنزاله لهم يتضمن الإعراض ويستلزمه أو عامله فعل مقدر أى: أفنضرب عنكم الذكر ونعرض عنكم إعراضا

(قوله: أو للإعراض) يشير إلى أنه يجوز أن يكون صفحا مفعولا له بناء على عدم اشتراط اتحاده هو وعامله فى الفاعل، إذ فاعل الإعراض المخاطبون أى: لإعراضكم عن الإيمان، وفاعل الضرب هو الله تعالى أو بناء على أن فاعل الإعراض هو الله تعالى أى: لإعراضنا عنكم، وعدم إقبالنا عليكم بالتكاليف،

(1) التكوير: 26.

(2)

محمد: 10.

(3)

يونس: 51.

(4)

الأعراف: 97.

(5)

الواقعة: 47 - 48.

ص: 61

أو معرضين (أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (1) فيمن قرأ إن بالكسر) فكونهم مسرفين أمر مقطوع به لكن جىء بلفظ إن لقصد التوبيخ وتصوير أن الإسراف من العاقل فى هذا المقام يجب ألا يكون إلا على سبيل الفرض والتقدير كالمحالات لاشتمال المقام على الآيات الدالة على أن الإسراف مما لا ينبغى أن يصدر عن العاقل أصلا فهو بمنزلة المحال،

===

ولا يقال: إن الضرب هو الإعراض والعلة تغاير المعلول؛ لأنا نقول ضرب الذكر عنهم جعله مخاطبا به غيرهم دونهم وعدم إنزاله لهم وهو ملزوم للإعراض الذى هو عدم الإقبال عليهم بالتكاليف وإهمالهم منها لا نفسه كما لا يخفى أو بناء على أن المراد اعتبارا لإعراضكم وفاعل الاعتبار والضرب هو الله

(قوله: أو معرضين) يشير إلى جواز كون صفحا حالا، واعلم أن الضرب فى الأصل الذود والدفع، يقال: ضرب الغرائب عن الحوض ذادها ودفعها، وحينئذ فنضرب إما استعارة تصريحية لترك إنزاله لهم أو أنه استعارة تخيلية حيث شبه الذكر بغرائب تذاد وتدفع عن الحوض مثلا واستعير اسم المشبه به للمشبه فى النفس، ثم حذف المشبه به وهو الغرائب وذكر شىء من لوازمه وهو الضرب على طريق المكنية والضرب تخييل للمكنية وهى لفظ الغرائب المطوى، أو لفظ الذكر المذكور، أو التشبيه المضمر على اختلاف المذاهب

(قوله: فيمن قرأ) أى: فى قراءة من قرأ بالكسر وهذا متعلق بمحذوف خبر لمحذوف أى: فإن شرط فى قراءة من قرأه بالكسر أى: وأما فى قراءة من قرأ بالفتح فهو فى محل المفعول من أجله، والمعنى لأن كنتم قوما مسرفين أى: مستهزئين بآيات الله وكتابه، ثم إنه على قراءة الفتح يتعين إعراب صفحا حالا أو مفعولا مطلقا، ولا يجوز أن يكون مفعولا له؛ لأنه لا يتعدد وعلى قراءة الكسر بإن الشرطية يكون جواب الشرط محذوفا دل عليه ما قبله، أو أن نفس ما قبلها هو الجواب أو لا يحتاج إلى جواب لوقوع الجملة الشرطية حالا فاستغنت عن الجزاء لتجردها على معنى الشرط والمعنى مفروضا كونكم مسرفين، ونظير الآية فى الوجهين المذكورين زيد وإن كثر ماله بخيل

(قوله: وتصوير أن الإسراف)

(1) الزخرف: 5.

ص: 62

والمحال وإن كان مقطوعا بعدم وقوعه لكنهم يستعملون فيه إن لتنزيله منزلة ما لا قطع بعدمه على سبيل المساهلة وإرخاء العنان لقصد التبكيت

===

أى: تبيين أن الاستهزاء بآيات الله وكتابه فى هذا المقام الذى أورد فى شأنه هذا الكلام وهو مقام ظهور الآيات ونزول القرآن.

(قوله: والمحال وإن كان إلخ) هذا جواب عما يقال إذا كان الإسراف بمنزلة المحال فلا تستعمل فيه إن لما مر أنه يشترط فيها عدم الجزم بوقوع الشرط ولا وقوعه، والمحال مقطوع بعدم وقوعه، وحينئذ فلا تستعمل فيه إن، وحاصل الجواب أن المحال:

وإن كان ليس محلا لأن بحسب الأصل لكونه مقطوعا بعدم وقوعه، لكن كثيرا ما ينزل منزلة المشكوك وهو ما لا قطع بعدمه ولا بوجوده لإرخاء العنان لتبكيت الخصم فتدخل عليه إن، وحاصل كلام الشارح أن فى الآية تنزيلين:

الأول: تنزيل الإسراف المقطوع به منزلة المحال المقطوع بعدمه.

الثانى: تنزيل المحال منزلة المشكوك فيه الذى لا قطع بعدمه ولا بوجوده على سبيل المساهلة وإرخاء العنان لقصد التبكيت، فأدخلت عليه إن، فالتنزيل الأول وسيلة للثانى الذى هو موقع لأن، واعترض بأن اعتبار التنزيلين أمر لا يتعين، إذ يصح أن يكون فيها تنزيل واحد وهو تنزيل الإسراف المقطوع به منزلة ما لا قطع بعدمه ولا بوجوده الذى هو موقع إن، ولا داعى إلى اعتبار التنزيلين فى الآية، وأجيب بجوايين:

الأول: أن اعتبار التنزيلين أبلغ فى التوبيخ، إذ لو نزل ابتداء كذلك فات اعتبار محاليته وهى نكتة مطلوبة لاقتضاء المقام لها لإفادتها المبالغة التامة فى التوبيخ.

الثانى: أن تنزيل المقطوع به منزلة المشكوك فيه قليل وتنزيل المقطوع بعدمه منزلة المشكوك فيه كثير، فجعل التنزيل الأول واسطة ليجرى على الكثير وظهر مما ذكرناه أن الشرط هنا أعنى قوله: إن كنتم قوما مسرفين مقطوع بوقوعه، لكن أدخلت عليه إن للتوبيخ وتبيين أنه لا يصلح إلا أن يفرض كما يفرض المحال بعد تنزيله منزلته نظرا لوجود ما يزيله

(قوله: لقصد التبكيت) أى: إسكات الخصم

ص: 63

كما فى قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (1)(أو تغليب غير المتصف به) أى: بالشرط (على المتصف به) كما إذا كان القيام

===

وإلزامه من حيث إن المتكلم إذا تنزل مع مدعى المحال، وأظهر مدعاه المحال فى صورة المشكوك اطمأن لاستماعه، فحينئذ يرتب عليه لازما مسلم الانتفاء كما فى آية: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا (2) وكأن يقال لمن يعتقد أن العالم قديم وأنه ممكن بذاته: لو كان العالم قديما للزم استغناؤه عن الفاعل، فلا يكون ممكنا، وأنت تقول بإمكانه أو يرتب عليه لازما قاطعا لرجائه بتمكنه فى ذهنه كما فى آية: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ بناء على أن المراد فأنا أول النافين لذلك الولد العابدين لله فإذا رتب الخصم ذلك اللازم سكت المدعى، وانقطع وسلم والتزم بما كان لا يقول به كذا قيل لكنه بعيد من جهة أن التعليق على وجود ولد فى الواقع؛ لأنه المحال لا فى زعمهم، إذ ليس هذا محالا وكلامنا فى المحال، وقيل المعنى: إن صح وثبت ببرهان يقينى وحجة واضحة أن للرحمن ولدا موجودا خارجا فأنا أول المطيعين لذلك الولد أى:

فأسبقكم إلى طاعته والانقياد له، كما يعظم الرجل ولد الملك تعظيما لأبيه، لكنه لم يثبت بالبرهان والحجة الواضحة أن له ولدا فأنا أعبد ربى وحده فكون الرحمن له ولد محال، فنزل ذلك الأمر المقطوع بانتفائه منزلة المشكوك فيه، واستعمل فيه إن تبكيتا للمخاطبين

(قوله: أو تغليب) عطف على عدم جزم، وقوله: غير المتصف به أى: غير محقق الاتصاف بالشرط وهو المشكوك فى اتصافه به الذى هو موقع إن، وقوله على المتصف به أى: بالفعل فيما إذا كانت أداة الشرط داخلة على كان أو من تحقق أنه سيتصف به فى المستقبل فيما إذا كانت غير داخلة على كان فيصير الجميع كالمشكوك فيه، وهذا التقرير يدل عليه قول الشارح كما إذا كان القيام إلخ، فإن قلت: حيث صار اتصاف الجميع بالشرط كالمشكوك فيه بسبب تغليب المشكوك فى اتصافه بالشرط على المتصف به تحقيقا كان استعمال إن فى موضعها وهو ما يشك فيه، وحينئذ فلم يكن

(1) الزخرف: 81.

(2)

البقرة: 23.

ص: 64

قطعى الحصول لزيد غير قطعى لعمرو فتقول: إن قمتما كان كذا

===

هذا الموضع مما نحن فيه وهو استعمال إن فى الجزم بالشرط على خلاف الأصل، قلت: صيرورة الجميع كالمشكوك فيه أمر تقديرى فلا ينافى أن بعضهم ليس مشكوكا فى اتصافه به فى الواقع، بل مجزوم باتصافه به فالإتيان بإن بالنظر لذلك البعض خروج عن الأصل، وبالنظر للمشكوك فى اتصافه به جار على الأصل، واعلم أن هذا التقدير الذى قيل هنا يصح باعتباره فى الآية الآتية بأن يقال غلب غير المرتاب أى: غير محقق الاتصاف بالريب وهو المشكوك فى ريبه على المرتابين جزما فصار الجميع كالمشكوك فى اتصافهم بالريب، فاستعمال إن بالنظر للمشكوك فى ريبه على الأصل، وبالنسبة للمرتاب جزما على خلاف الأصل، وعلى هذا لا يرد بحث أصلا- كذا قيل، وفيه أن هذا لا يتم إلا لو كان المخاطبون بعضهم مرتابا وبعضهم مشكوكا فى ارتيابه، والواقع خلاف ذلك، فقد كان بعضهم مرتابا وبعضهم غير مرتاب يعلم أنه من عند الله، ولكن ينكر ذلك عنادا

(قوله: قطعى الحصول لزيد) أى: بالفعل أو فى المستقبل وقوله غير قطعى لعمرو أى: بل مشكوك فى اتصافه به فى المستقبل

(قوله: فتقول إن قمتما كان كذا) أى تغليبا لمن لم يقطع له بالقيام على من قطع له بالقيام، فاستعملت إن فى المجزوم وهو من القيام قطعى الحصول له بسبب تغليب من القيام غير قطعى له عليه، فإن قلت كيف يغلب غير المتصف وهو عدمى على المتصف وهو وجودى قلت يجوز ذلك باعتبار كون غير المتصف بالشرط أكثر أفرادا من المتصف به فى الواقع أو باعتبار كون عدم الاتصاف هو الأصل، فإن قلت إن الشرط هو الهيئة المركبة من وقوع القيامين، ولا شك أنه مشكوك فيها بسبب الشك فى أحد جزأيها، وحينئذ فتكون إن هنا مستعملة على الأصل لا فى الأمر المجزوم به على خلاف الأصل، وهذا خروج عما نحن بصدده وتوضيح ذلك أنه إذا كان خمسة رجال متوضئين وخمسة غير متوضئين، ثم خلط الجميع فلا نحكم على الجميع بأنهم متوضئون قطعا ولا بعدم الوضوء قطعا، فكذلك إذا خلط المتصفون بالقيام قطعا وغير المتصفين به قطعا، فالهيئة الاجتماعية لا يقطع بقيامها ولا بعدم قيامها أجيب بأن قوله: إن قمتما إلخ، من باب الكلية أى: إن قام

ص: 65

(وقوله تعالى: ) للمخاطبين المرتابين (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا (1) يحتملهما) أى: يحتمل أن يكون للتوبيخ والتصوير المذكور أن يكون لتغليب غير المرتابين على المرتابين؛ لأنه كان فى المخاطبين من يعرف الحق وإنما ينكر عنادا فجعل الجميع كأنه لا ارتياب لهم؛

===

كل منكما، ولا شك أن أحدهما مقطوع بقيامه، فاستعمال إن فيه على خلاف الأصل للتغليب المذكور لا من باب الكل حتى يتأتى الاعتراض- قرر ذلك شيخنا العلامة العدوى عليه سحائب الرحمة والرضوان.

(قوله للمخاطبين المرتابين) جعله المخاطبين مرتابين ظاهر على الاحتمال الأول لا على الثانى؛ لأنهم عليه بعضهم مرتاب وبعضهم غير مرتاب، إلا أن يقال جعلهم مرتابين وإن كان بعضهم غير مرتاب باعتبار التغليب الذى سيبينه- كذا قيل، وفيه أن التغليب الذى سيذكره إنما يقتضى جعل المخاطبين غير مرتابين- فتأمل.

(قوله: يحتمل أن يكون للتوبيخ) أى: يحتمل أن تكون إن هنا مستعملة فى الأمر المجزوم به للتوبيخ بناء على أن الخطاب للمرتابين، لأنهم الموبخون على الريب، وأن الريب نزل منزلة المستحيل لوجود الأدلة الدالة على أن الريب فيما أنزل لا ينبغى صدوره من عاقل، ثم نزل ذلك المستحيل منزلة ما لا قطع بعدمه ولا بوجوده وهو المشكوك فيه، فلذا استعمل فيه إن

(قوله: والتصوير المذكور) أى تبيين أن الارتياب مما لا ينبغى أن يثبت لهم إلا على سبيل الفرض لاشتمال المقام على ما يزيله ويقلعه من أصله وهو الآيات على أنه من عند الله

(قوله: لتغليب غير المرتابين) أى: من المخاطبين، وقوله على المرتابين يعنى: منهم، وهذا التقرير هو الذى يقتضيه قول المصنف، أو تغليب غير المتصف به

(قوله: لأنه كان إلخ) علة لقوله على المرتابين، وأشار بهذا إلى أن المراد بغير المرتابين فى هذا المقام من لم يتصف بالريب أصلا، بل يعرف الحق وينكر عنادا لا من شك فى ريبه لأمرين:

الأول: ما علم من أن المخاطبين منهم من يعرف الحق وإنما ينكر عنادا، قال تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (2) ووَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ

(1) البقرة: 23.

(2)

الأنعام: 33.

ص: 66

وهاهنا بحث وهو أنه إذا جعل الجميع بمنزلة غير المرتابين كان الشرط قطعى اللاوقوع فلا يصح استعمال إن فيه، كما إذا كان قطعى الوقوع لأنها إنما تستعمل فى المعانى المحتملة المشكوكة

===

لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (2) الثانى على ما قيل إن المخاطب بكسر الطاء بهذا الكلام هو الله تعالى: ولا معنى لكون غير المرتاب هو المشكوك فى ريبه بالنسبة إليه تعالى لاستحالة الشك عليه تعالى

(قوله: وهاهنا بحث) أى وارد على الاحتمال الثانى

(قوله: كان الشرط قطعى اللاوقوع) أى: لأن المغلبين لم يحصل منهم ريب أصلا، فإذا غلبوا على المرتابين صار الجميع لا ارتياب عندهم، وحينئذ فيكون الشرط مقطوعا بانتفائه فلا يصلح لاستعمال إن فيه ولا إذا، والحاصل أن حقيقة التغليب أن يوجد ما للكلمة وما ليس لها ويغلب ما لها على ما ليس لها وهنا ليس كذلك، إذ البعض مرتاب قطعا والبعض غير مرتاب قطعا، فإذا غلب غير المرتاب على المرتاب صار الجميع لا ارتياب عندهم فلم يوجد ما يليق بإن، وحينئذ فلا يتم ما ذكره المصنف من احتمال كون إن فى الآية مستعملة فى الأمر المجزوم به للتغليب، لأن التغليب يؤدى لعدم صحة التعبير بها، وأشار الشارح لجواب ذلك البحث بقوله الآتى: بل لا بد إلخ، وحاصله أنه بعد التغليب وتصيير الجمع غير مرتابين وتصيير الريب منفى الوقوع فرض ذلك الريب كما يفرض المحال لتبكيت الخصم وإلزامه، وذلك بأن نزل ذلك الريب المقطوع بعدمه منزلة المشكوك فيه فصح استعمال إن فيه، لأنها صارت مستعملة فى موضعها الأصلى وهو المشكوك فيه ففيه تصرفان كما فى قوله تعالى: أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ فى قراءة الكسر على ما مر، فإن قلت حيث كانت إن هنا مستعملة فى موضعها وهو ما يشك فيه، فلم تكن الآية مما نحن بصدده وهو استعمال إن فى الجزم بالشرط على خلاف الأصل- قلت: تقدم جوابه، وحاصله أن صيرورة جميع المخاطبين لا ارتياب عندهم بالتغليب أمر تقديرى فلا ينافى أن بعضهم فى نفس الأمر مرتاب قطعا، فالإتيان بإن بالنظر لذلك البعض على خلاف الأصل.

(2) البقرة: 146.

ص: 67

وليس المعنى هاهنا على حدوث الارتياب فى المستقبل ولهذا زعم الكوفيون أن إن هاهنا بمعنى إذ، ونص المبرد والزجاج على أن إن لا تقلب كان إلى معنى الاستقبال لقوة دلالته على المضى

===

(قوله: وليس المعنى إلخ) هذا جواب عما يقال أى: حاجة إلى هذا التغليب المستلزم لإيراد الإشكال المذكور المحتاج فى دفعه إلى التنزيل الآتى مع أن أداة الشرط وهى إن تقلب الماضى الواقع بعدها للاستقبال والأمور المستقبلة من شأنها أن يشك فيها وإن كان الشك بالنسبة إليه تعالى محالا، لكن يجرى الكلام على النسق العربى وعلى الوجه الذى يجرى عليه على تقدير أن ينطق به مخلوق، وحاصل الجواب أن محل كون إن الشرطية تقلب الفعل الماضى الواقع بعدها للاستقبال ما لم يكن الفعل كان وإلا بقى على مضيه، وحينئذ فليس الشرط هنا وقوع الارتياب منهم فى المستقبل، بل فى الماضى، وحينئذ فلا بد من التغليب والفرض المذكور أى: فرض قطعى اللاوقوع كما يفرض المحال بأن ينزل منزلة المشكوك فيه لتبكيت الخصم ليصح كونه موقعا؛ لأن، هذا محصل كلام الشارح

(قوله: ولهذا) أى: ولأجل كون المعنى ليس على حدوث الارتياب فى المستقبل

(قوله: بمعنى إذ) أى: ومعلوم أن إذ ظرف بمعنى الزمان الماضى وقوله: هاهنا أى: فى هذه الآية وما ماثلها،

(قوله: ونص المبرد إلخ) كان الأولى تقديمه على قوله:

ولهذا؛ لأن هذا دليل للدعوى وهى قوله: وليس المعنى هاهنا إلخ- تأمل.

(قوله: لقوة دلالته إلخ) أى: لأن الحدث المطلق الذى هو مدلولها مستفاد من الخبر فلا يستفاد منها إلا الزمان الماضى- كذا فى المطول، وبيانه أن خبرها كون خاص كالانطلاق، ويلزمه الكون العام فالكون المطلق الذى هو مدلولها صار مستفادا من خبرها فى ضمن استفادة الحدث المخصوص منه، وحينئذ فلا يستفاد منها إلا الزمان الماضى، هذا، والصحيح أن كان الواقعة بعد إن الشرطية بمنزلة غيرها من الأفعال الماضية، كما هو مذهب الجمهور. قال الجزولى: والماضى بالوضع له قرائن تصرف معناه إلى الاستقبال دون لفظه وهى أدوات الشرط كلها إلا لو ولما ولو كانت إن لا تقلب معنى كان إلى الاستقبال لما جاز وقوعها بعدها، والمراد بها الاستقبال فى قوله تعالى:

ص: 68