المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الوصل لدفع الايهام]: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٢

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌[أغراض الحذف]:

- ‌ ذكر المسند

- ‌[أغراض الإفراد]:

- ‌[أغراض كون المسند فعلا أو اسما]:

- ‌أغراض تقييد الفعل بمفعول ونحوه، وترك تقييد الفعل:

- ‌[ترك تقييد الفعل]:

- ‌[أغراض‌‌ تقييد الفعل بالشرط:إن وإذا ولو]:

- ‌ تقييد الفعل بالشرط:

- ‌[استطراد إلى التغليب]:

- ‌[أغراض التنكير]:

- ‌ تنكير المسند

- ‌[أغراض التخصيص بالإضافة والوصف وتركه]:

- ‌[تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف]:

- ‌[غرض التعريف]:

- ‌(وأما تعريفه

- ‌[ترك تقييد المسند بالحال أو المفعول أو نحو ذلك]:

- ‌[أغراض كون المسند جملة]:

- ‌[كون المسند جملة للتقوّى]:

- ‌‌‌[أغراض التأخيروالتقديم]:

- ‌[أغراض التأخير

- ‌[تأخير المسند]:

- ‌[أغراض التقديم]:

- ‌[تقديم المسند]:

- ‌[[الباب الرابع: ] أحوال متعلقات الفعل]

- ‌[حال الفعل مع المفعول والفاعل]:

- ‌[أغراض تقديم المتعلقات على الفعل]:

- ‌[[الباب الخامس: ] القصر]:

- ‌[طرق القصر]:

- ‌[طريقة العطف]:

- ‌(ومنها النفى والاستثناء

- ‌[التقديم]:

- ‌[[الباب السادس: ] القول فى‌‌ الإنشاء]:

- ‌ الإنشاء]:

- ‌[أنواع الإنشاء]:

- ‌[الطلب]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: التمني]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: الاستفهام]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: الأمر]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: النهي]:

- ‌ومن أنواع الطلب: النداء

- ‌[[الباب السابع: ] الفصل والوصل]

- ‌[تعريف الفصل والوصل]:

- ‌[أحوال الوصل والفصل للاشتراك فى الحكم]:

- ‌[الفصل لعدم الاشتراك فى الحكم]:

- ‌[الوصل بغير الواو من حروف العطف]:

- ‌[الفصل لعدم الاشتراك فى القيد]:

- ‌[الفصل لكمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لكمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الاتصال]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الانقطاع]:

- ‌[أنواع الاستئناف]:

- ‌[حذف صدر الاستئناف]:

- ‌[الوصل لدفع الايهام]:

- ‌[محسنات الوصل]:

- ‌[تذنيب]:

- ‌[الباب الثامن: الإيجاز والإطناب والمساواة]:

- ‌[إيجاز القصر]:

- ‌[إيجاز الحذف]:

- ‌[الإطناب]:

- ‌[ذكر الخاص بعد العام]:

- ‌[الإيجاز والإطناب النسبيان]:

الفصل: ‌[الوصل لدفع الايهام]:

فحذف هذا الاستئناف كله وأقيم قوله: [لهم إلف وليس لكم إلاف] مقامه لدلالته عليه (أو بدون ذلك) أى: قيام شىء مقامه اكتفاء بمجرد القرينة (نحو:

فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (1) أى: نحن؛ على قول) أى: على قول من يجعل المخصوص خبر المبتدأ؛ أى: هم نحن.

[الوصل لدفع الايهام]:

ولما فرغ من بيان الأحوال الأربعة المقتضية للفصل شرع فى بيان الحالتين المقتضيتين للوصل فقال:

===

ما قاله الشارح؛ لأن لهم إلف وليس لكم إلاف على ما قال الشارح تأكيد للاستئناف المحذوف، أو بيان له لاستلزامه له من غير تقدير سؤال آخر، وأما على هذا الاحتمال فيكون استئنافا مستقلا جوابا عن سؤال عن علة ادعاء الكذب، فتغاير الوجهان بهذا الاعتبار، وإن كان مآلهما واحدا بحسب القصد- فتأمل.

(قوله: فحذف هذا الاستئناف) وهو قوله: كذبتم الواقع فى جواب السؤال

(قوله: لدلالته عليه) أى: لأنه علة له والعلة تدل على المعلول، ويحتمل أن المراد لدلالته عليه أى:

من حيث إنه يدل على نفى المزعوم من الأخوة والنظارة

(قوله: اكتفاء بمجرد القرينة) أى:

الدالة على المحذوف التى لا بد منها فى كل حذف

(قوله: أى هم نحن) فيكون المحذوف جملة المخصوص مع مبتدئه

(قوله: على قول) أى: إنما يكون مما حذف فيه المجموع على قول، وأما على قول من يجعله مبتدأ والجملة قبله خبرا عنه فليس من هذا الباب أى:

الاستئناف، بل مما حذف فيه المبتدأ فقط وقد يقال لا وجه لتخصيص حذف الاستئناف مع عدم قيام شىء مقامه بقول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف، بل يجرى أيضا على قول من يجعله مبتدأ خبره محذوف، فكان على المصنف أن يقول على قولين: اللهم إلا أن يكون اقتصاره على ذلك القول؛ لأنه المشهور بين النحاة- فتدبر.

(قوله: ولما فرغ من بيان الأحوال الأربعة إلخ) أى: وهى كمال الانقطاع بلا إيهام وكمال الاتصال وشبه الأول وشبه الثانى

(قوله: شرع فى بيان الحالتين إلخ) وهما

(1) الذاريات: 48.

ص: 525

(وأما الوصل لدفع الإيهام فكقولهم: لا، وأيدك الله) فقولهم: [لا] رد لكلام سابق؛ كما إذا قيل: هل الأمر كذلك؟ فيقال: لا؛ أى: ليس الأمر كذلك؛ فهذه جملة إخبارية، وأيدك الله جملة إنشائية دعائية. فبينهما كمال الانقطاع، لكن عطفت عليها لأن ترك العطف يوهم أنه دعاء على المخاطب بعدم التأييد، مع أن المقصود الدعاء له بالتأييد،

===

كمال الانقطاع مع الإيهام والتوسط بين الكمالين

(قوله: وأما الوصل) أى: الذى يجب مع كمال الانقطاع (وقوله: لدفع الإيهام) أى: لأجل دفع إيهام السامع خلاف مراد المتكلم لو لم يعطف هذا وكان المناسب لكلامه سابقا أن يقول: وأما كمال الانقطاع مع الإيهام الذى يجب فيه الوصل لدفع الإيهام فهو كقولهم إلخ

(قوله: فكقولهم) أى:

فى المحاورات عند قصد النفى لشىء تقدم مع الدعاء للمخاطب بالتأييد

(قوله: لا وأيدك الله) ذكر صاحب المغرب أن أبا بكر الصديق- رضى الله عنه- مر برجل فى يده ثوب فقال له الصديق: أتبيع هذا؟ فقال: لا يرحمك الله، فقال له الصديق: لا تقل هكذا، قل:

لا ويرحمك الله، واعلم أن دفع الإيهام لا يتوقف على خصوص العطف، بل لو سكت بعد قوله: لا أو تكلم بما يدفع الاتصال، ثم قال: رحمك الله أو أيدك الله من غير عطف لكان الكلام خاليا عن الإيهام وقد فصل بعض القراء بين عوجا وقيما دفعا لتوهم أن قيما صفة لعوجا، وحينئذ فوجوب الوصل مع كمال الانقطاع مع الإيهام بالنسبة للفصل مع الاتصال- فتأمل.

(قوله: هل الأمر كذلك) أى: هل أسأت إلى فلان أو هل الأمر كما زعم فلان

(قوله: فيقال لا) أى: ما أسأت إلى فلان أو ليس الأمر كما زعم فلان.

(قوله: فهذه) أى جملة ليس الأمر كذلك التى تضمنتها لا

(قوله: دعائية) أى:

بالتأييد للمخاطب

(قوله: لكن عطفت عليها إلخ) هذا تصريح بأن الواو المذكورة عاطفة لا زائدة لدفع الإيهام وليست استئنافية كما قيل، لكونها فى الأصل للعطف فلا يصار إلى خلافه إلا عند الضرورة، ولعل ذلك القائل ارتكب ذلك هربا من لزوم عطف الإنشاء على الإخبار، وفى الفنرى: يحكى عن الصاحب بن عباد أنه قال هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ على خدود الملاح

(قوله: لأن ترك العطف إلخ) قيل:

ص: 526

فأينما وقع هذا الكلام فالمعطوف عليه هو مضمون قولهم: [لا]، وبعضهم لما لم يقف على المعطوف عليه فى هذا الكلام نقل عن الثعالبى حكاية مشتملة على قوله:

قلت: لا، وأيدك الله. وزعم أن قوله:[وأيدك الله] عطف على قوله: [قلت]، ولم يعرف أنه لو كان كذلك لم يدخل الدعاء تحت القول، وأنه لو لم يحك الحكاية فحينما قال للمخاطب:[لا، وأيدك الله] فلا بد له من معطوف عليه.

===

إن هذا الوهم بعد إيراد العاطف باق؛ لأنه يجوز أن يكون للعطف على المنفى لا على النفى، وإذا كان العطف على المنفى كانت لا مسلطة على المعطوف، والجواب أن العطف على المنفى المحذوف مع وجود المذكور مما لا يذهب إليه الوهم

(قوله: فأينما) أين شرطية جوابها قوله: فالمعطوف إلخ أى: فأى محل وقع فيه هذا الكلام أى: مثل هذا الكلام مما جمع فيه بين لا التى لرد كلام سابق، وجملة دعائية نحو: لا ونصرك الله أو لا ورحمك الله أو لا وأصلحك الله، فالمعطوف عليه هو مضمون قوله: لا أى: ما تضمنه لا من الجملة، (وقوله: فأينما إلخ) تفريع على قوله: لكن عطفت عليها وأتى الشارح بهذا التعميم توطئة للرد على البعض الآتى

(قوله: وبعضهم) هو الشارح الزوزنى

(قوله: فى هذا الكلام) أى: لا وأيدك الله وما ماثله

(قوله: وزعم) أى: ذلك البعض وهو عطف على نقل

(قوله: عطف على قوله قلت) أى: لا على مضمون قوله: لا

(قوله: ولم يعرف) أى: ذلك القائل وهذه جملة حالية من فاعل نقل، (وقوله: أنه) أى: الحال والشأن (وقوله: لو كان) أى: قوله وأيدك الله، (وقوله: وكذلك) أى: معطوفا على قلت

(قوله: لم يدخل الدعاء تحت القول) أى: وهو خلاف المقصود من هذا التركيب، فإن المقصود منه باعتبار الاستعمال العرفى والقصد الغالبى أنه من جملة المقول، وأن المعنى قلت لا وقلت: أيدك الله، وهذا يقتضى عطف أيدك الله على مضمون لا لا على مضمون قلت: وليس المعنى قلت لا فيما مضى، ثم أنشأ الآن يقول: أيدك الله كما هو مقتضى عطفه على نفس قلت؛ لأن العطف عليه يقتضى خروجه عن القول وأنه غير محكى به كما لا يخفى؛ لأن هذا المعنى وإن أمكن لا يقصد عرفا

(قوله: وأنه لو لم يحك الحكاية) عطف على أنه لو كان أى: ولم يعرف ذلك البعض أن الثعالبى لو لم يحك الحكاية أى: لو لم يصرح بالقول، فالمراد بالحكاية قلت، (وقوله: فحينما قال إلخ) الفاء

ص: 527

(وأما للتوسط) عطف على قوله: [أما الوصل لدفع الإيهام]؛ أى: وأما الوصل لتوسط الجملتين بين كمال الانقطاع وكمال الاتصال، وقد صحف بعضهم [أما] بفتح الهمزة [إما] بكسر الهمزة؛ فركب متن عمياء وخبط خبط عشواء (فإذا اتفقتا) أى: الجملتان (خبرا أو إنشاء؛

===

زائدة، وحين ظرف لقوله لا بد، وما مصدرية، (وقوله: فلا بد) جواب لو، والفاء فيه زائدة أى: ولم يعرف ذلك البعض أن الثعالبى لو لم يصرح بالقول لا بد من معطوف عليه حين قوله للمخاطب: لا وأيدك الله، ولم يوجد معطوف عليه ووجود العطف من غير معطوف عليه باطل، فبطل كلامه وتعين كون المعطوف عليه مضمون لا سواء صرح قبلها بالحكاية أو لا وهو المطلوب، والحاصل أن قوله: وأنه لو لم يحك إلخ: اعتراض ثان على ذلك القائل، وحاصله أن الذى ذكره من العطف على قلت إنما يتأتى فى خصوص تلك الحكاية، وأما إذا قلت لا وأيدك الله من غير قلت احتاج الأمر للمعطوف عليه ولم يوجد معطوف عليه ووجود العطف بدون معطوف عليه باطل، ولا يقال: يقدر قلت معطوفا عليها؛ لأن العطف على المحذوف مع وجود المذكور مما لا يذهب إليه الوهم- فتأمل- قرره شيخنا العلامة العدوى

(قوله: وأما للتوسط) الجار والمجرور متعلق بالوصل محذوفا والوصل مبتدأ، وإذا- فى قوله: فإذا اتفقتا- خبره، وأصل الكلام، وأما الوصل لأجل التوسط فيتحقق بين الجملتين إذا اتفقتا إلخ، والفاء فى جواب الشرط داخلة فى المعنى على الجملة لكنها زحلقت عن المبتدأ إلى الخبر كما فى أما زيد فقائم، والجملة عطف على جملة، وأما الوصل لدفع الإيهام فكقولهم

(قوله: لتوسط الجملتين بين كمال الانقطاع وكمال الاتصال) وذلك بألّا يكون بين الجملتين أحد الكمالين ولا شبه أحدهما

(قوله: وقد صحف بعضهم) وهو الشارح الزوزنى، (وقوله: أما بفتح الهمزة) مفعول صحف، (وقوله: بكسر) متعلق بصحف، وفى بعض النسخ: وقد صحفه بعضهم إما بالكسر والضمير وعليها، فالمعنى وقد صحف بعضهم هذا اللفظ إما بالكسر وفى ضبط بفتح، أما على هذه النسخة وعليه فأما بدل من الضمير

(قوله: فركب) أى: فصار مثل من ركب متن أى: ظهر، (وقوله: عمياء) أى: ناقة عمياء، وخبط خبط عشواء أى: خبط خبطا كخبط ناقة عشواء أى: ضعيفة البصر أو لا تبصر ليلا، والمراد أنه وقع

ص: 528

لفظا ومعنى، أو معنى فقط بجامع) أى: بأن يكون بينهما جامع بدلالة ما سبق من أنه إذا لم يكن جامع فبينهما كمال الانقطاع، ثم الجملتان المتفقتان خبرا أو إنشاء، لفظا ومعنى- قسمان؛ لأنهما إما إنشائيتان، أو خبريتان، والمتفقتان معنى فقط ستة أقسام؛ لأنهما إن كانتا إنشائيتين معنى:

===

فى خبط عظيم من جهة اللفظ ومن جهة المعنى، أما من جهة اللفظ: فلأن قراءته بالكسر تحوج إلى تقدير إما فى المعطوف عليه قبلها- كما اعترف هو بذلك؛ لأن إما العاطفة لا بد أن يتقدمها إما فى المعطوف عليه فيصير تقدير الكلام هكذا، وأما الوصل فإما لدفع الإيهام وإما للتوسط ويرد عليه أن حذف إما من المعطوف عليه لا يجوز فى السعة حتى يقال: إنها مقدرة قبل قوله: لدفع الإيهام، ويرد عليه أيضا أن الفاء فى قوله: فكقولهم، وفى قوله: فإن اتفقتا تكون ضائعة، وتبقى إذا بلا جواب فى قوله: فإذا اتفقتا إن كانت شرطية أو بلا متعلق ظاهر إن كانت لمجرد الظرفية، فإذا أجاب بجعل الفاء فى قوله: فكقولهم مؤخرة عن تقديم، وأنها داخلة فى الأصل على إما المحذوفة الداخلة على لدفع فزحلقت وأدخلت على كقولهم وبتقدير الجواب أو متعلق الظرف كان ذلك تعسفا لما فيه من الحذف والعجرفة على ما لا يخفى مع عدم الحاجة لذلك، وأما من جهة المعنى فلأنه قد علم من قول المصنف سابقا فى مقام تعداد الصور إجمالا، وإلا فالوصل أن الوصل يجب فى صورة كمال الانقطاع مع الإيهام وفى صوره التوسط بين الكمالين، وحينئذ فيجب أن يجعل ما هنا تفصيلا للصورتين المذكورتين اللتين يجب فيهما الوصل وهو ما يقتضيه فتح أما إذ المعنى وأما الوصل الذى يجب مع كمال الانقطاع مع الإيهام لأجل دفع الإيهام فكقولهم إلخ، وأما الوصل الذى يجب لأجل توسط الجملتين بين الكمالين ففيما إذا اتفقتا إلخ ولو كسرت إما لكان ما هنا عين ما تقدم؛ لأن المعنى، وأما الوصل الواجب فإما لدفع الإيهام، وإما للتوسط فيكون مكررا مع ما سبق ولا داعى لذلك التكرار- هذا محصل ما ذكره العلامة عبد الحكيم مع بعض تصرف.

(قوله: لفظا ومعنى) راجعان لكل من خبر أو إنشاء وكذا قوله: أو معنى فقط

(قوله: بجامع) أى: مع تحقق جامع بينهما أى: فى ذلك الاتفاق بأنواعه

(قوله: من أنه إذا لم يكن جامع) أى: والحال أنهما اتفقا خبرا لفظا ومعنى أو اتفقا إنشاء كذلك

ص: 529

فاللفظان إما خبران، أو الأولى خبر، والثانية إنشاء، أو بالعكس، وإن كانتا خبريتين معنى: فاللفظان إما إنشاءان، أو الأولى إنشاء، والثانية خبر، أو بالعكس، فالمجموع ثمانية أقسام، والمصنف أورد للقسمين الأولين مثاليهما: (كقوله تعالى:

يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ (1) وقوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (2)) فى الخبريتين لفظا ومعنى إلا أنهما فى المثال الثانى متناسبتان فى الاسمية بخلاف الأول

===

(قوله: فاللفظان إما خبران) نحو تذهب إلى فلان وتكرمه

(قوله: فاللفظان إما إنشاءان) نحو: ألم أقل لك كذا وكذا ولم أعطك أى: قلت لك وأعطيتك

(قوله: ثمانية أقسام) أى: وكلها من باب التوسط

(قوله: أورد للقسمين الأولين) أعنى: الجملتين المتفقتين خبرا لفظا ومعنى، والجملتين المتفقتين إنشاء لفظا ومعنى.

(قوله: يُخادِعُونَ اللَّهَ) أى: بإظهار خلاف ما يبطنون، (وقوله: وَهُوَ خادِعُهُمْ) أى: مجازيهم على خداعهم، فالجملتان خبريتان لفظا ومعنى والجامع بينهما اتحاد المسندين؛ لأنهما معا من المخادعة وكون المسند إليهما أحدهما مخادع والآخر مخادع، فبينهما شبه التضايف أو شبه التضاد لما تشعر به المخادعة من العداوة، وأورد على المصنف أن هذه آية سورة النساء، فالجملة لها محل من الإعراب؛ لأنها خبر إن من قوله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ إلخ وليست آية البقرة؛ لأنه ليس فيها وهو خادعهم، والكلام الآن فيما لا محل له من الإعراب، وأجيب بأن القصد بيان التوسط بين الكمالين بقطع النظر عن كون الجملة لها محل من الإعراب أو لا

(قوله: إِنَّ الْأَبْرارَ إلخ) أى: فالجملتان خبريتان لفظا ومعنى، والجامع بينهما التضاد بين المسندين والمسند إليهما؛ لأن الأبرار ضد الفجار والكون فى النعيم ضد الكون فى الجحيم

(قوله: بخلاف الأول) أى: فإن الجملة الأولى فيه فعلية والثانية جملة اسمية، (وقوله: إلا أنهما إلخ) بيان لنكتة تعداد المثال مع كون الجملتين فى كل منهما خبرية لفظا ومعنى

(قوله: كُلُوا

(1) النساء: 142.

(2)

الانفطار: 13، 14.

ص: 530

(وقوله تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا (1)) فى الإنشائيتين لفظا ومعنى، وأورد للاتفاق معنى فقط مثالا واحدا إشارة إلى أنه يمكن تطبيقه على قسمين من أقسامه الستة، وأعاد فيه لفظ [الكاف] تنبيها على أنه مثال للاتفاق معنى فقط، فقال:

===

وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) أى: فقوله و" اشربوا ولا تسرفوا" جملتان إنشائيتان لفظا ومعنى معطوفتان على مثلهما والجامع بينهما اتحاد المسند إليه فى كلها وهى الواو التى هى ضمير المخاطبين وتناسب المسند فيها وهو الأمر بالأكل والشرب وعدم الإسراف لما بين هذه الثلاثة من التقارب فى الخيال؛ لأن الإنسان إذا تخيل الأكل تخيل الشرب لتلازمهما عادة، وإذا حضرا فى خياله تخيل مضرة الإسراف

(قوله: وأورد) أى:

المصنف

(قوله: إشارة) أى: حال كونه مشيرا إلى أنه يمكن تطبيقه إلخ، ووجه الإشارة من قوله: وتحسنون بمعنى أحسنوا أو وأحسنوا ولا يصح جعل قوله: إشارة مفعولا لأجله علة لقوله: أورد، إذ لا معنى لذلك إلا لو كانت الأقسام اثنين وأورد منها مثالا واحدا- تأمل ذلك- قرره شيخنا العدوى.

(قوله: على قسمين من أقسامه الستة) الأقسام الستة هى السابقة فى قول الشارح والمتفقتان معنى فقط ستة إلخ، والمراد بالقسمين اللذين يمكن تطبيق المثال عليهما أن تكون الجملتان خبريتين لفظا إنشائيتين معنى، أو تكونا إنشائيتين معنى، والأولى خبرية فى اللفظ والثانية إنشائية فيه، وبقى على المصنف أمثلة الأربعة تمام الستة فمثال ما إذا كانتا إنشائيتين معنى، والأولى إنشائية لفظا دون الثانية: قم الليل وأنت تصوم النهار، ومثال الخبريتين معنى مع كونهما معا إنشائيتين لفظا: ألم آمرك بالتقوى، وألم آمرك بترك الظلم، ومثال الخبريتين معنى مع كون الأولى خبرية لفظا والثانية إنشائية لفظا: أمرتك بالتقوى، وألم آمرك بترك الظلم، ومثال الخبريتين معنى مع كون الأولى إنشائية لفظا والثانية خبرية لفظا قوله تعالى: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ (2) فإن درسوا عطف على قوله: ألم

(1) الأعراف: 31.

(2)

الأعراف: 169.

ص: 531

(وكقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (1)) فعطف قُولُوا على لا تَعْبُدُونَ مع اختلافهما لفظا؛ لكونهما إنشائيتين معنى؛

===

يؤخذ وهو وإن كان إنشاء بوجود الاستفهام، إلا أنه فى تأويل الخبر وهو أخذه عليهم ميثاق الكتاب؛ لأن الاستفهام للإنكار- تأمل.

(قوله: وإذا أخذنا ميثاق إلخ) إذ ظرف لمحذوف معطوف على ما قبله أى:

واذكر إذ أخذنا، (وقوله: لا تعبدون إلا الله) أى: قائلين لهم لا تعبدون، وفيه أن الكلام فى الجمل التى لا محل لها من الإعراب، وقد تقدم ما يؤخذ منه الجواب، أو أن أخذ الميثاق كالقسم والمعنى واذكر وقت قسمنا على بنى إسرائيل وهذا جوابه، وحينئذ فلا اعتراض، ثم إنه على الاحتمال الأول فى قوله: لا تعبدون التفات إن قرئ الفعل بالياء التحتية، وإن قرئ بالتاء الفوقية فلا التفات، وعلى الثانى بالعكس

(قوله: وبالوالدين) متعلق بالفعل المقدر العامل فى المصدر، ومحل الشاهد من نقل الآية قوله: وبالوالدين إحسانا؛ لأنه المحتمل للقسمين، وأما قوله: وقولوا فليس محتملا إلا لوجه واحد، وحاصل ما ذكره الشارح فى هذه الآية أن جملة وقولوا عطف على جملة لا تعبدون لاتحادهما فى الإنشائية معنى وإن اختلفتا لفظا؛ لأن الأولى خبرية والثانية إنشائية، وأما جملة وبالوالدين فإن قدر الفعل العامل فى المصدر خبرا بمعنى الطلب كانت تلك الجملة عطفا على جملة لا تعبدون، والجملتان إنشائيتان فى المعنى خبريتان لفظا وإن قدر الفعل العامل فى المصدر طلبا كانت تلك الجملة عطفا على جملة لا تعبدون والأولى خبرية لفظا إنشائية معنى والثانية إنشائية لفظا ومعنى

(قوله: فعطف قولوا على لا تعبدون إلخ) أى: والجامع بين هذه الجمل باعتبار المسند إليه واضح لاتحاده فيها وباعتبار المسندات، فالاتحاد كذلك؛ لأن كلا من تخصيص الله بالعبادة والإحسان للوالدين والقول الحسن للناس عبادة مأمور بها وأخذ الميثاق عليها، فإن قلت لم لا يجوز أن يكون قولوا عطفا على الفعل المقدر أى: تحسنون أو أحسنوا فيكون العطف على الاحتمال الأول من عطف

(1) البقرة: 83.

ص: 532

لأن قوله: لا تَعْبُدُونَ إخبار فى معنى الإنشاء (أى: لا تعبدوا) وقوله وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً لا بد له من فعل، فإما أن يقدر خبرا فى معنى الطلب؛ أى (وتحسنون؛ بمعنى: أحسنوا) فتكون الجملتان خبرا لفظا، إنشاء معنى، وفائدة تقدير الخبر ثم جعله بمعنى الإنشاء: إما لفظا: فالملاءمة مع قوله: لا تَعْبُدُونَ وإما معنى:

فالمبالغة باعتبار أن المخاطب كأنه سارع إلى الامتثال فهو يخبر عنه؛ كما تقول:

تذهب إلى فلان تقول له: كذا- تريد الأمر- أى: اذهب إلى فلان فقل له: كذا؛ وهو أبلغ من الصريح.

===

الإنشائية لفظا ومعنى على الإنشائية معنى الخبرية لفظا، وعلى الاحتمال الثانى من عطف الإنشائية لفظا ومعنى على مثلها، وحينئذ فيكون وقولوا محتملا لقسمين كالذى قبله قلت هذا، وإن كان جائزا فى نفسه بناء على أن المعطوفات إذا تكررت يكون كل منها معطوفا على ما قبله وهو أحد قولين، لكن الشارح لم يقل به؛ لأن الجمهور من النحاة على خلافه، حيث كان العطف بحرف غير مرتب

(قوله: لأن قوله لا تعبدون إخبار فى معنى الإنشاء) وذلك لأن أخذ الميثاق يقتضى الأمر والنهى، فإذا وقع بعده خبر أول بالأمر أو بالنهى كما هنا أى: لا تعبدوا غير الله وكل منهما إنشاء.

(قوله: لا بد له من فعل) لأن قوله: وبالوالدين معمول لا بد له من عامل يعمل فى محصله النصب والأصل فيه أن يكون فعلا

(قوله: فإما أن يقدر خبرا فى معنى الطلب) أى: بقرينة المعطوف عليه وهو قوله: لا تعبدون

(قوله: فتكون الجملتان إلخ) أى: وهما قوله: لا تعبدون إلا الله، وقوله: وتحسنون المقدر

(قوله: وفائدة تقدير الخبر) هو مبتدأ محذوف الخبر أى: ظاهرة لفظا ومعنى، أما لفظا إلخ

(قوله: فالملاءمة) أى:

المناسبة بينه وبين قوله: لا تعبدون من جهة أن كلا خبر مراد منه الطلب

(قوله: كأنه سارع إلخ) إن قلت ما ذكره إنما يصح لو كان الإخبار بلفظ الماضى- قلت: وكذلك بالحال- أفاده عبد الحكيم.

(قوله: فهو) أى: المتكلم يخبر عنه أى: عن المأمور به المفهوم من الامتثال

(قوله: تريد الأمر) أى: تريد بلفظ تذهب

(قوله: وهو) أى: التعبير بالخبر مكان الأمر أبلغ من الصريح أى: أبلغ من صريح الأمر ويقاس عليه ما يقال إن التعبير بالخبر مكان

ص: 533

(أو) يقدر من أول الأمر صريح الطلب على ما هو الظاهر؛ أى:

(وأحسنوا) بالوالدين إحسانا؛ فتكونان إنشائيتين معنى؛ إذ لفظ الأولى إخبار، ولفظ الثانية إنشاء. (والجامع بينهما) أى: بين الجملتين (يجب أن يكون باعتبار المسند إليهما،

===

النهى كما هنا أبلغ من صريح النهى وإنما كان الخبر المذكور أبلغ لإفادته المبالغة بالاعتبار المذكور

(قوله: أو يقدر) عطف على يقدر فى قوله سابقا: فإما أن يقدر خبرا، (وقوله: صريح الطلب) أى: من أول الأمر، والقرينة على ذلك التقدير قوله: بعد وقولوا للناس حسنا، والحاصل أن تقدير تحسنون فيه مشاكلة فى اللفظ لما قبله ومبالغة باعتبار الإشارة إلى سرعة الامتثال، وتقدير أحسنوا فيه مشاكلة لما بعده وفيه إضمار فقط، بخلاف إضمار تحسنون فإنه مجاز فى التعبير عن أحسنوا، فلكل من التقديرين مرجحان، وظاهر كلام المتن أن التقدير الأول أولى وقوة كلام الشارح تدل عليه أيضا؛ لأن المصنف قدمه واعتنى الشارح بتوجيهه وبينه أتم بيان

(قوله: على ما هو الظاهر) أى: لأن الأصل فى الطلب أن يكون بصيغته الصريحة لا يقال وبقرينة، وقولوا: لأنا نقول يعارضها قرينة لا تعبدون

(قوله: فتكونان) أى: لا تعبدون وأحسنوا، والصواب فتكونا؛ لأنه منصوب عطفا على يقدر المنصوب عطفا على يقدر السابق ونصب ما هو من الأفعال الخمسة بحذف النون، اللهم إلا أن يجعل مستأنفا أى: إذا تقرر ذلك فتكونان إلخ، وإن كان فيه تكلف

(قوله: إذ لفظ الأولى إخبار) علة لمحذوف أى: لا لفظا؛ لأن لفظ الأولى إلخ، وفى نسخة مع أن لفظ الأولى أى: والحال أن لفظ الأولى وهى لا تعبدون إخبار، (وقوله: ولفظ الثانية) أى: وهى قوله: وأحسنوا.

(قوله: والجامع بينهما) أى: والوصف الذى يقتضى الجمع بينهما، بحيث يكون مقربا لهما.

(قوله: أى بين الجملتين) أى: سواء كان لهما محل من الإعراب أو لا، (وقوله:

يجب أن يكون باعتبار) أى: يجب أن يكون محققا باعتبار المسند إليهما أى: بالنسبة إلى اللذين أسند إليهما فى الجملتين اتحدا أو تغايرا فضمير التثنية عائد على أل الموصولة

ص: 534

والمسندين جميعا) أى: باعتبار المسند إليه فى الجملة الأولى، والمسند إليه فى الثانية، وكذا المسند فى الأولى، والمسند فى الثانية (نحو: يشعر زيد ويكتب) للمناسبة الظاهرة بين الشعر والكتابة، وتقارنهما فى خيال أصحابهما (ويعطى) زيد (ويمنع) لتضاد الإعطاء والمنع؛

===

باعتبار المعنى

(قوله: والمسندين) أى: وباعتبار اللذين أسندا فى الجملتين اتحدا أو تغايرا

(قوله: جميعا) راجع للمسند إليهما وللمسندين، فلا بد من المناسبة بين الأمرين أو الاتحاد فيهما فلو وجدت مناسبة بين المسندين فقط، أو المسند إليهما فقط، أو اتحاد بين المسندين أو المسند إليهما فقط فلا يكفى

(قوله: أى باعتبار إلخ) أى: لا باعتبار المسند إليهما فقط ولا باعتبار المسندين فقط ولا باعتبار المسند فى الأولى والمسند إليه فى الثانية، ولا باعتبار العكس أى: المسند إليه فى الأولى والمسند فى الثانية، ثم إن ظاهر المصنف والشارح الاكتفاء بوجود الجامع بين المسند إليهما والمسندين فى الجملتين، وأنه لا عبرة بالجامع باعتبار المتعلقات ولعله كذلك إن لم يكن القيد مقصودا بالذات فى الجملتين فانظره

(قوله: يشعر زيد) بفتح عينه وضمها

(قوله: للمناسبة إلخ) أى: مع اتحاد المسند إليهما كما يأتى وهو متعلق بمحذوف أى: فالعطف صحيح للمناسبة الظاهرة

(قوله: بين الشعر والكتابة) أى: اللذين هما مسندان والمناسبة بينهما من جهة أن كلا منهما تأليف كلام على وجه مخصوص؛ وذلك لأن النظم تأليف كلام موزون والكتابة تأليف كلام نثر؛ لأن الكتابة إذا قوبلت بالشعر فمعناها تأليف الكلام النثر، وعلى هذا فبين الكتابة والشعر تماثل لا يفارقهما فى الحقيقة وإن اختلفا بالعوارض كالنظمية والنثرية، وحينئذ فالجامع بينهما عقلى كما يأتى- تأمل.

(قوله: وتقارنهما إلخ) هذا جامع آخر غير الأول، وذلك لأن التقارن المذكور جامع خيالى كما يأتى، والجامع بين المسند إليهما فى الجملتين عقلى لا غير وهو الاتحاد، وأما بين المسندين فيهما فيصح أن يعتبر أنه التماثل فيكون عقليا، ويصح أن يعتبر أنه التقارن فى خيال أصحابهما فيكون خياليا- فتأمل.

(قوله: أصحابهما) وهم الأدباء الذين يعانون النظم والنثر

(قوله: لتضاد إلخ) أى: فالعطف صحيح لتضاد العطاء والمنع أى: لتناسبهما بحكم التضاد، وعلى هذا فالجامع

ص: 535

هذا عند اتحاد المسند إليهما، وأما عند تغايرهما فلا بد من تناسبهما؛ كما أشار إليه بقوله:(وزيد شاعر وعمرو كاتب، وزيد طويل وعمرو قصير؛ لمناسبة بينهما) أى:

بين زيد وعمرو؛ كالأخوة، أو الصداقة، أو العداوة، أو نحو ذلك. وبالجملة يجب أن يكون أحدهما بسبب من الآخر، وملابسا له ملابسة لها نوع اختصاص (بخلاف: زيد كاتب، وعمرو شاعر بدونها) أى: بدون المناسبة بين زيد وعمرو،

===

بين المسندين وهمى لما يأتى من أن التضاد أمر بسببه يحتال الوهم فى اجتماع الأمرين المتضادين عند المفكرة، وفى قوله لتضاد الإعطاء والمنع نظر، إذ ليس بينهما تقابل التضاد بل تقابل العدم والملكة، اللهم إلا أن يكون مراده التضاد اللغوى أعنى مطلق التنافى- قاله يس، وكأنه مبنى على أن المنع عدم الإعطاء والظاهر أنه كف النفس عن الإعطاء فهو أمر ثبوتى، وحينئذ فالتضاد بينهما ظاهر ولا اعتراض

(قوله: هذا) أى: ما سبق من المثالين

(قوله: عند اتحاد المسند إليهما) أى: والاتحاد مناسبة، بل أتم مناسبة لأنه جامع عقلى.

(قوله: فلا بد من تناسبهما) أى: أن يكون بينهما مناسبة وعلاقة خاصة، ولا يكفى كونهما إنسانين أو قائمين أو قاعدين مثلا على ما يأتى، والحاصل أنه إذا اتحد المسند إليه فيهما كما فى المثالين السابقين لم يطلب جامع آخر غير ذلك الاتحاد، بل ذلك الاتحاد هو الجامع وإن لم يتحدا، فلا بد من مناسبة خاصة بينهما، ولا تكفى المناسبة العامة

(قوله: لمناسبة بينهما إلخ) متعلق بمحذوف أى: فالعطف فيهما صحيح لمناسبة أى: عند تحقق مناسبة خاصة بينهما معتبرة فى المقام، ولم ينبه على المناسبة بين المسندين فى هذين المثالين للعلم بها مما تقدم

(قوله: أو نحو ذلك) كاشتراكهما فى تجارة أو اتصافهما بعلم أو شجاعة أو إمارة

(قوله: وبالجملة) أى: وأقول قولا ملتبسا بالجملة أى: بالإجمال أى: وأقول قولا مجملا

(قوله: أن يكون أحدهما) أى: أحد الأمرين المسند إليهما المتغايرين

(قوله: بسبب من الآخر) متعلق بمحذوف أى: مرتبطا ومتعلقا بشىء ناشئ من الآخر فمن ابتدائية وفى بعض النسخ أن يكون أحدهما مناسبا للآخر

(قوله: وملابسا له) عطف تفسير

(قوله: لها نوع اختصاص) أى: وأما مطلق المناسبة فى

ص: 536

فإنه لا يصح وإن اتحد المسندان؛ ولهذا حكموا بامتناع نحو: خفى ضيق، وخاتمى ضيق (وبخلاف: زيد شاعر وعمرو طويل مطلقا) أى: سواء كان بين زيد وعمرو مناسبة، أو لم يكن؛ لعدم تناسب الشعر وطول القامة.

(السكاكى) ذكر أنه يجب أن يكون بين الجملتين

===

شىء كالجزئية والحيوانية والإنسانية فلا يكفى

(قوله: فإنه) أى: هذا التركيب أى: نحو هذا التركيب لأجل قوله: وإن اتحدا إلخ، (وقوله: وإن اتحد) أى: إذا لم يتحد المسندان كما فى المثال، وإن اتحدا كما فى خاتمى ضيق وخفّى ضيق.

(قوله: ولهذا حكموا إلخ) أى: ولعدم المناسبة الخاصة المشترطة عند التغاير حكموا بامتناع إلخ؛ لأنه لا مناسبة خاصة بين المسند إليهما وهما الخف والخاتم، ولا عبرة بمناسبة كونهما معا ملبوسين لبعدها ما لم يوجد بينهما تقارن فى الخيال لأجل ذلك أو لغيره، أو يكن المقام مقام ذكر الأشياء المتفقة فى الضيق من حيث هى أشياء ضيقة وإلا جاز العطف؛ لأن المعنى حينئذ هذا الأمر ضيق وذاك الأمر ضيق، فقد عاد الأمر إلى اتحاد الركنين- كذا فى ابن يعقوب، وفى عبد الحكيم: أن محل منع العطف فى خفّى ضيق، وخاتمى ضيق إذا كان المقام مقام الاشتغال بذكر الخواتم، أما إذا كان المقام مقام بيان أحوال الأمور التى تتعلق بالشخص فإنه يصح العطف بأن تقول كمى واسع، ودارى واسعة، وخاتمى ضيق، وخفّى ضيق، وغلامى آبق- اه.

(قوله: مطلقا) أى: فإن العطف لا يصح فيه مطلقا.

(وقوله: أى سواء كان بين زيد وعمرو مناسبة) أى: كصداقة أو عداوة

(قوله: لعدم تناسب الشعر إلخ) علة لعدم صحة العطف مطلقا، وحاصله أنه على فرض وجود المناسبة بين زيد وعمرو فهى مفقودة بين المسندين أعنى: الشعر وطول القامة، فالمناسبة معدومة: إما من جهة أو من جهتين

(قوله: السكاكى ذكر إلخ) حاصله أن السكاكى قسم الجامع إلى عقلى ووهمى وخيالى، ونقل المصنف كلامه مغيرا لعبارته قصدا لإخلاصها، فلزم المصنف من الفساد على ذلك التعبير الذى عبر به ما سيظهر لك فى الشارح بعد الفراغ من شرح كلام المصنف

(قوله: أن يكون بين الجملتين) أى: من

ص: 537

ما يجمعهما عند القوة المفكرة جمعا من جهة العقل؛ وهو الجامع العقلى، أو من جهة الوهم؛ وهو الجامع الوهمى، أو من جهة الخيال؛ وهو الجامع الخيالى.

والمراد بالعقل: القوة

===

حيث أجزاؤهما لا من حيث ذاتهما كما هو ظاهره، (وقوله: عند القوة المفكرة) أى: فيها فهى عندية مجازية، وإنما كان الجمع فى المفكرة؛ لأن الجمع من باب التركيب وهو شأنها

(قوله: ما يجمعهما) أى: جامع يجمعهما كالاتحاد والتماثل والتضايف

(قوله: جمعا من جهة العقل) أى: جمعا ناشئا من جهته وذلك بأن يتحيل العقل بسبب ذلك الجامع على جمعهما فى المفكرة

(قوله: وهو) أى: ذلك الجامع الذى يجمع العقل بين الجملتين بسببه فى القوة المفكرة الجامع العقلى أى: وليس المراد به ما يدركه العقل من المعانى الكلية

(قوله: أو من جهة الوهم) عطف على قوله: من جهة العقل، فالجامع الوهمى عبارة عن أمر يجمع بين الشيئين فى القوة المفكرة جمعا ناشئا من جهة الوهم، وذلك بأن يتخيل بسبب ذلك الجامع على جمعهما فى المفكرة، وذلك كشبه التماثل والتضاد على ما يأتى، وليس المراد بالجامع الوهمى ما يدرك بالوهم من المعانى الجزئية الموجودة فى المحسوسات على ما يأتى.

(قوله: أو من جهة الخيال) عطف على قوله: من جهة العقل، فالجامع الخيالى عبارة عن أمر يجمع بين الشيئين فى القوة المفكرة جمعا ناشئا من جهة الخيال؛ وذلك بأن يتحيل الخيال بسبب ذلك الأمر: كالاقتران فيه على الجمع بينهما فى القوة المفكرة، وليس المراد بالجامع مع الخيالى ما يجتمع فى الخيال من صور المحسوسات على ما يأتى

(قوله: وهو الجامع الخيالى) لم يجر هنا على سنن ما قبله حيث نسب الجامع سابقا للقوة المدركة وهى الواهمة لا لخزانتها وهى الحافظة، وهنا نسبه لخزانة القوة المدركة؛ وذلك لأن الخيال خزانة للحس المشترك كما يأتى، ولعل ذلك لاستثقال النسبة للحس المشترك حيث يقال: حسى أو لئلا يتوهم أن المراد الحس الظاهر: كالسمع والبصر والشم والذوق واللمس

(قوله: والمراد إلخ) هذا شروع فى بيان القوى الباطنية المدركة كما زعم الحكماء وهى أربعة القوة الواهمة، والقوة العقلية، وقوة الحس المشترك، والقوة المفكرة، وحاصل القول فيها أن القوة العاقلة على ما زعموا قوة قائمة بالنفس أو بالقلب

ص: 538

.

===

تدرك الكليات والجزئيات المجردة عن عوارض المادة المعروضة للصور وعن الأبعاد:

كالطول والعرض والعمق؛ وذلك لأنها مجردة ولا يقوم بها إلا المجرد، وزعموا أن لتلك القوة خزانة وهى العقل الفياض المدبر لفلك القمر لما بينهما من الارتباط، فإذا كنت ذاكرا لمعنى الإنسان كان ذلك إدراكا للقوة العاقلة، فإذا غفلت عنه كان مخزونا فى العقل الفياض، ووجه تسميته بالفياض وارتباطه بالقوة العاقلة إنهم يقولون: إن ذلك العقل هو المفيض للكون والفساد على جميع ما فوق كرة الأرض من الحيوانات والنباتات والمعادن وهو المعبر عنه بلسان الشرع بجبريل- هكذا زعموا- ويزعمون أيضا أن العقل الفياض المدبر لفلك القمر ناشئ عن عقل الفلك الذى فوقه المدبر له، وهكذا إلى آخر الأفلاك التسع وهى السموات السبع والكرسى والعرش وهى عندهم حية دراكة لها نفوس وعقول، وهناك عقل يسمونه العقل الأول وهو العقل الناشئ بطريق التعليل عن واجب الوجود وهو الذى أثر فى عقل الفلك الأعظم وهو العرش، فالعقول عندهم عشرة كلها مندرجة تحت مطلق عقل.

وأما الوهمية فهى القوة المدركة للمعانى الجزئية الموجودة بشرط أن تكون تلك المدركات الجزئية لا تتأتى إلى مدركها من طرق الحواس، وذلك كإدراك صداقة زيد وعداوة بكر وإدراك الشاة إيذاء الذئب مثلا، ولهذا يقال: إن البهائم لها وهم تدرك به كما أن لها حسا، ومحل تلك القوة أول التجويف الآخر من الدماغ من جهة القفا، وذلك لأنهم يقولون: إن فى الدماغ تجاويف أى: بطونا ثلاثة إحداها فى مقدم الدماغ، وأخرى فى مؤخره، وأخرى فى وسطه فيزعمون أن الوهم قائم بأول التجويف الآخر، ولتلك القوة الوهمية خزانة تسمى الذاكرة والحافظة قائمة بمؤخر تجويف الوهم، فإذا أدركت محبة زيد أو عداوة عمرو، كان ذلك الإدراك بالقوة الواهمة، فإذا غفلت عن ذلك كان مخزونا فى خزانتها وهى الحافظة، فترجع تلك القوة إليه عند المراجعة.

أما الحس المشترك فهو القوة التى تتأدى أى: تصل إلى الصور المحسوسة الجزئية من الحواس الظاهرة فتدركها وهى قائمة بأول التجويف الأول من الدماغ من جهة

ص: 539

.

===

الجبهة، ويعنون بالصور المدركة بهذه القوة ما يمكن إدراكه بالحواس الظاهرة، ولو كان مسموعا كصورة زيد المدركة بالبصر، وكرائحة هذا الشىء المدركة بالشم، وكحسن هذا الصوت أو قبحه المدرك بالسمع، وحلاوة هذا العسل المدركة بالذوق، ونعومة هذا الحرير المدركة باللمس، ويعنون بالمعانى الجزئية المدركة للوهم ما لا يمكن إدراكه بالحواس الظاهرة: كالمحبة والعداوة والإيذاء وخزانة الحس المشترك الخيال وهو قوة قائمة بآخر تجويف الحس المشترك تبقى فيه تلك الصور بعد غيبتها عن الحس المشترك، فإذا نظرت لزيد أدركت صورته بالبصر، وتتأدى تلك الصورة للحس المشترك فيدركها، فإذا ما غفلت عنها كانت مخزونة فى الخيال ليرجع الحس إليها عند مراجعتها، وكذا يقال: فيما إذا ذقت عسلا مثلا، أو لمست شيئا، أو سمعت صوتا، فالحواس الظاهرة كالطريق الموصلة إليه.

وأما المفكرة: فهى قوة فى التجويف المتوسط بين الخزانتين تتصرف فى الصور الخيالية، وفى المعانى الجزئية الوهمية، وفى المعانى الكافية العقلية وهى دائما لا تسكن يقظة ولا مناما، وإذا حكمت بين تلك الصور وتلك المعانى، فإن كان حكمها بواسطة العقل كان ذلك الحكم صوابا فى الغالب، وذلك بأن تصرفها فى الأمور الكلية وإن كان حكمها بواسطة الوهم بأن كان تصرفها فى معان جزئية أى: وبواسطة الخيال بأن كان تصرفها فى صور جزئية كان ذلك الحكم كاذبا فى الغالب، فالأول كالحكم على زيد بالإنسانية، والثانى: كالحكم على أن زيدا عدوه، والثالث كالحكم بأن رأس الحمار ثابتة على جثة الإنسان والعكس، وكالحكم على الحبل المرقش بأنه ثعبان ولا ينتظم تصرفها، بل تتصرف بها النفس كيف اتفق، وعلى أى نظام أريد؛ لأنها سلطان القوى فلها تصرف فى مدركاتها، بل لها تسلط على مدركات العاقلة فتنازعها فيها وتحكم عليها بخلاف أحكامها وهى إنما تسمى مفكرة فى الحقيقة إذا تصرفت بواسطة العقل بأن كان تصرفها فى معان كلية، أو تصرفت بواسطة العقل والوهم معا بأن كان تصرفها فى معان كلية وجزئية وأما إن تصرفت بواسطة الوهم وحده بأن كان تصرفها

ص: 540

المدركة للكليات. وبالوهم: القوة المدركة للمعانى الجزئية الموجودة فى المحسوسات

===

فى معان جزئية، أو بواسطة الخيال وحده بأن كان تصرفها فى صورة جزئية، أو بواسطتها خصت باسم المتخيلة، أو المتوهمة، وهذه القوى أى: المفكرة فى التجويف الوسط من الدماغ، وليس فيه غيرها إذا لم يذكر لها خزانة، بل خزانتها خزائن القوى الأخر فتأخذ صورة من الخيال وتحكم عليها بمعنى من المعانى التى فى الحافظة أو العكس، وتأخذ صورة من الخيال وتحكم عليها بمعنى كلى من المعانى التى فى خزانة العقل وهكذا، وقد تقرر بهذا أن فى الباطن سبعة أمور القوة العاقلة وخزانتها، والوهمية وخزانتها، والحس المشترك وخزانته، والمفكرة، وبهذه السبعة ينتظم أمر الإدراك؛ وذلك لأن المفهوم المدرك: إما كلى أو جزئى، والجزئى: إما صورى وهى المحسوسة بالحواس الخمس الظاهرة، وإما معان ولكل واحد من الأقسام الثلاثة مدرك وحافظ فمدرك الكلى هو العقل، وحافظه المبدأ الفياض، ومدرك الصور هو الحس المشترك، وحافظها هو الخيال ومدرك المعانى هو الوهم، وحافظها هو الذاكرة، ولا بد من قوة أخرى متصرفة وتسمى مفكرة ومتخيلة، وهذا كله عند الحكماء، واستدلوا على تعدد هذه القوى بأن الآفة إذا أصابت محل تلك القوى ذهب إدراكها المخصوص- ألا ترى لقلة الحفظ بالحجامة فى القفا لضعف عصب محل القوة الوهمية ولفساد التصرف بفساد وسط الدماغ، وأما أهل السنة: فلا يثبتون هذه القوى تحقيقا فيجوزون هذا التفصيل، ما عدا العقل الفياض الذى جعلوه خزانة القوة العاقلة، ويجوز عندهم أن يكون المدرك قوة واحدة، وتسمى بهذه الأسماء باعتبار تعلقها بتلك المدركات وحكمها بتلك الأحكام فهى من حيث حكمها بالأحكام الكاذبة، وإدراك المعانى الجزئية وهم، ومن حيث إدراك الصور الظاهرية من الحواس حس مشترك وخيال، ومن حيث التصرف الصادق وإدراك المعانى الكلية متعقلة، ومن حيث التصرف الكاذب متخيلة ومتوهمة

(قوله: المدركة للكليات) أى: بالذات، وكذا يقال فى بقية تعاريف القوى المذكورة بعد، وإنما قلنا بالذات فى التعاريف؛ لأن كلا من القوى المذكورة يدرك غير ما له بالواسطة كالعقل مثلا، فإنه يدرك الجزئى بواسطة تجريده عن العوارض الجسمانية والواهمة،

ص: 541

من غير أن تتأدى إليها من طرق الحواس؛

===

فإنها تدرك صور المحسوسات بواسطة الحس المشترك، وبهذا يندفع ما يقال: إذا قيل زيد إنسان، فإما أن يكون الحاكم الحس المشترك فيرد عليه أنه إنما يدرك زيدا فقط ولا يدرك النسبة ولا المحمول الكلى- فكيف يصح الحكم منه؟ والحاكم يجب أن يدرك الطرفين، وإما أن يكون الحاكم الواهمة فيرد عليه أنها لا تدرك الموضوع ولا المحمول، فكيف تحكم؟ وإما أن يقال: الحاكم العقل- فيرد عليه أنه لا يدرك الموضوع ولا النسبة- فكيف يحكم؟ وحاصل الجواب: أنّا نختار الأخير- وهو أن الحاكم العقل، وقولكم: إنه لا يدرك الموضوع ولا النسبة إن أريد أنه لا يدركهما أصلا لا بالذات ولا بالواسطة فهو ممنوع، إذ الموضوع الجزئى يدركه بواسطة تجريده عن العوارض الجسمانية والنسبة يدركها بواسطة الواهمة، وإن أريد أنه لا يدركهما بالذات فمسلم، لكن الحكم لا يتوقف على ذلك، إذ المدار على كون الحاكم مدركا للطرفين ولو بالواسطة، ويندفع أيضا ما يقال: إن المعانى الجزئية نسب منتزعة من الصور فتعقلها متوقف على تعقل صور المحسوسات- فكيف تدركها الواهمة من غير إدراك الصور؟

وحاصل الدفع أن إدراكها للعداوة مثلا التى هى أمر جزئى يتأدى بغير طرق الحواس بذاتها وإدراكها للذئب- مثلا- الذى هو صورة يتأدى بواسطة الحواس الظاهرة بواسطة الحس المشترك؛ لأن القوى الباطنية كالمراءى المتقابلة ينعكس إلى كل ما ارتسم فى الأخرى، هذا والموافق لما تقدم من أن الوهمية سلطان القوى، وأن لها التصرف فى مدركاتها أن الحاكم إنما هو تلك القوة- هذا محصل ما فى شرح شيخنا الشيخ الملوى لألفيته، وهو مبنى على أن تلك القوى حقيقة، والذى صرح به بعض المحققين كالسيد فى حاشية شرح المطالع أن المدرك للكليات والجزئيات- سواء كانت صورا أو معانى- إنما هو النفس الناطقة لكن بواسطة هذه القوى وأن نسبة الإدراك لهذه القوى كنسبة القطع إلى السكين فى يد صاحبه، فإذا قيل لقوة من تلك القوى إنها مدركة لكذا، فالمراد أنها آلة لإدراكه، وعلى هذا فلا يرد شىء من البحثين السابقين، فإذا قلت زيد إنسان، فالحاكم النفس وهى تدرك الجميع بآلات مختلفة

(قوله: من غير أن تتأدى) أى:

ص: 542

كإدراك الشاة معنى فى الذئب. وبالخيال: القوة التى تجتمع فيها صور المحسوسات وتبقى فيها بعد غيبتها عن الحس المشترك؛ وهو القوة التى تتأدى إليها صور المحسوسات من طرق الحواس الظاهرة. وبالمفكرة: القوة التى من شأنها التفصيل والتركيب بين الصور

===

تصل إليها من طرق الحواس وهذه زيادة توضيح؛ لأن المعانى عبارة عما يقابل الصور، والمتأدى بالحواس هو الصور، فالمسموعات والمشمومات والمذوقات والملموسات داخلة فى الصور لا فى المعانى، وليس المراد بالصور خصوص المبصرات وبالمعانى ما عداها حتى يدخل فيها ما ذكر

(قوله: كإدراك الشاة) أى: كقوة إدراك الشاة أى: كالقوة التى تدرك بها الشاة معنى فى الذئب وهو الإيذاء والعداوة، فالعداوة التى فى الذئب معنى جزئى تدركه الشاة بالواهمة ولم يتأد إليها من حاسة ظاهرة لا من السمع، ولا من البصر، ولا من الشم، ولا من الذوق، ولا من اللمس.

(قوله: التى تجتمع فيها إلخ) أى: فهى خزانة للحس المشترك وليست مدركة

(قوله: وتبقى) أى: تلك الصور والمحسوسات، (وقوله: فيها) أى: فى تلك القوة الخيالية، فمتى التفت إليها الحس المشترك بعد غيبتها عنه وجدها حاصلة فى الخيال الذى هو خزانته فالحس المشترك هو المدرك للصور والخيال قوة ترسم فيه تلك الصور فهو خزانة له

(قوله: وهو) أى: الحس المشترك القوة التى تتأدى أى: تصل إليها صور المحسوسات من طرق الحواس الظاهرة فهو كحوض يصب فيه من أنابيب خمسة هى الحواس الخمس: السمع والبصر والشم والذوق واللمس

(قوله: التى من شأنها التفصيل والتركيب إلخ) أى: أن شأن تلك القوة تركيب الصور المحسوسة التى تأخذها من الحس المشترك، وتركب بعضها مع بعض كتركيب رأس الحمار على جثة إنسان وإثبات إنسان له جناحان أو رأسان، وشأنها أيضا تركيب المعانى التى تأخذها من الوهم مع الصور التى تأخذها من الحس المشترك بأن تثبت تلك المعانى لتلك الصور، ولو على وجه لا يصح: كإثبات العداوة للحمار، والعشق للحجر، والضحك للإنسان، وشأنها أيضا تفصيل الصور عن المعانى بنفيها عنها، وتفصيل الصور بعضها عن بعض، ومثال

ص: 543

المأخوذة من الحس المشترك والمعانى المدركة بالوهم بعضها مع بعض، ونعنى بالصور: ما يمكن إدراكه بإحدى الحواس الظاهرة، وبالمعانى: ما لا يمكن.

فقال السكاكى: الجامع بين الجملتين إما عقلى؛ وهو أن يكون بين الجملتين اتحاد فى تصور ما؛ مثل الاتحاد

===

تفصيل الصور بعضها عن بعض ولو على وجه لا يصح كتفصيل أجزاء الإنسان عنه حتى يكون إنسانا بلا يد ولا رجل ولا رأس، ومثال تفصيل المعانى عن الصور بنفيها عنها نفى الجمود عن الحجر، ونفى المائعية عن الماء، ومن أجل ذلك تخترع أمورا لا حقيقة لها حتى إنها تصور المعنى بصورة الجسم، والجسم بصورة المعنى فإن اخترعت تلك الأمور بواسطة تركيب صور مدركة بالحس المشترك سمى ما اخترعته خياليا:

كاختراعها أعلاما ياقوتية منشورة على رماح زبرجدية، وإن اخترعتها مما ليس مدركا بالحس سمى ما اخترعته وهميا، وذلك كما إذا سمع إنسان قول القائل الغول شىء يهلك فيصوره بصورة مخترعة بخصوصها مركبة من أنياب مخترعة بخصوصها أيضا

(قوله: المأخوذة من الحس) أى: التى تأخذها منه

(قوله: والمعانى المدركة بالوهم) المناسب لما قبله أن يقول: والمعانى التى تأخذها من الوهم

(قوله: ونعنى بالصور) أى: المدركة بالحس المشترك

(قوله: وبالمعانى) أى: المدركة بالوهم، (وقوله: ما لا يمكن) أى: إدراكه أى: ما لا يمكن إدراكه بإحدى الحواس لا يقال: يدخل فى هذا المعانى الكلية المدركة بالعقل؛ لأنا نقول: إن ما واقعة على معان جزئية؛ لأن المعانى المدركة بالوهم التى الكلام فيها لا تكون إلا جزئية

(قوله: فقال) عطف على قوله: سابقا ذكر، وقوله هنا السكاكى: إظهار فى محل إضمار لبعد العهد بكثرة الفصل

(قوله: مثل الاتحاد إلخ) يفهم منه أن الاتحاد فى واحد من المخبر عنه أو به قيد من قيودهما كاف للجمع بين الجملتين وفساده واضح، وهذا حاصل الاعتراض المشار له بقول الشارح: ولما كان إلخ، وسيجيب عنه الشارح بعد بأن كلامه هنا فى بيان الجامع فى الجملة لا فى بيان القدر الكافى بين الجملتين؛ لأنه ذكره فى موضع آخر، وسيأتى البحث عنه.

ص: 544

فى المخبر عنه، أو فى الخبر، أو فى قيد من قيودهما؛ وهذا ظاهر فى أن المراد بالتصور الأمر المتصور.

ولما كان مقررا أنه لا يكفى فى عطف الجملتين وجود الجامع بين مفردين من مفرداتهما- باعتراف السكاكى أيضا- غير المصنف عبارة السكاكى، وقال:

===

(قوله: فى المخبر عنه) أى: المبتدأ نحو: زيد قائم وزيد قاعد، (وقوله: أو فى الخبر) نحو: زيد كاتب وعمرو كاتب كذلك، ولو عبر بالمسند إليه والمسند بدل المخبر عنه والخبر لكان أولى لأجل أن يشمل الجمل الإنشائية، (وقوله: أو فى قيد من قيودهما) مثاله فى قيد المسند إليه زيد الراكب قائم وعمرو الراكب ضارب، ومثاله فى قيد المسند زيد أكل راكبا وعمرو ضرب راكبا

(قوله: وهذا) أى: قول السكاكى مثل الاتحاد إلخ، ظاهر فى أن المراد بالتصور الأمر المتصور؛ لأن المخبر عنه والخبر والقيد التى مثل بها للتصور أمور متصورة لا تصورات ولا بدع فى إطلاق التصور على المتصور، إذ كثيرا ما يطلق التصورات والتصديقات على المعلومات التصورية والتصديقية

(قوله: لا يكفى إلخ) أى: بل لا بد من جامع بين جميع الأجزاء الأربعة على الوجه السابق

(قوله: مقررا) خبر كان مقدما، (وقوله: أنه لا يكفى) اسمها

(قوله: باعتراف السكاكى) أى:

وعبارته السابقة تؤذن بالكفاية كما يأتى بيانه

(قوله: غير المصنف عبارة السكاكى) جواب لما أى غيرها للإصلاح لما فيها من إيهام خلاف المقصود، فأبدل الجملتين بالشيئين الشاملين للركنين بجعل أل فى الشيئين للعموم بمعنى أن كل شيئين من الجملتين يجب الجامع بينهما، فيقتضى ذلك وجوب وجود الجامع بين كل ركنين، وأبدل تصور المنكر بالتصور المعرف مرادا به الإدراك لا المتصور؛ لأن تصور المنكر نكرة فى سياق الإثبات فلا يصدق إلا على فرد فيقتضى كفاية الاتحاد فى متصور واحد، فعدل عنه للمعرف ليفيد أن الجامع الاتحاد فى جنس المتصور فيصدق بتصور المسندين والمسند إليهما ولا يكفى تصور واحد، والحاصل أن المصنف إنما عدل عن الجملتين إلى الشيئين؛ لأن الجامع يجب فى المفردات أيضا فنبه على أن ما ذكره لا يخص الجملتين، وعدل عن تصور إلى التصور؛ لأن المتبادر منه كفاية الاتحاد فى متصور واحد فعدل للمعرف ليفيد أن الجامع الاتحاد فى جنس المتصور ولا يكفى الاتحاد فى متصور واحد.

ص: 545

(الجامع بين الشيئين: إما عقلى) وهو أمر بسببه يقتضى العقل اجتماعهما فى المفكرة؛ وذلك (بأن يكون بينهما اتحاد فى التصور،

===

(قوله: الجامع بين الشيئين) أى: بين كل شيئين من الجملتين، فأل للاستغراق فيستفاد منه اشتراط وجود الجامع بين كل ركنين من أركانهما.

(قوله: وهو) أى: الجامع العقلى أمر أى: كالاتحاد فى التصور والتماثل، (وقوله: اجتماعهما) أى: اجتماع الشيئين أى: اجتماع معناهما فى المفكرة وهى الآخذة من الوهم والحس المشترك لتتصرف فى ذلك المأخوذ منهما بالتركيب فيه، والحل على وجه الصحة أو البطلان كما مر، وأنت خبير بأن الذى أوجب الجمع عند المفكرة هو قوة العقل المدركة بسبب الاتحاد أو التماثل مثلا، فلذا يسمى كل منهما جامعا عقليا، والحاصل أن القوة العاقلة هى التى تجمع بين الشيئين فى المفكرة بسبب هذا الأمر فتتصرف فيهما المفكرة حينئذ بما تتصرف به، وعلى هذا فتسمية الاتحاد فى التصور مثلا جامعا عقليا لكونه سببا فى جمع العقل بين الشيئين، فعلم من هذا أن الجامع العقلى هو السبب فى جمع العقلى سواء كان مدركا بالعقل لكونه كليا أو مضافا لكلى أو مدركا بالوهم بأن كان جزئيا لكونه مضافا لجزئى، وليس المراد بالجامع العقلى ما كان مدركا بالعقل

(قوله: وذلك) أى: الجامع العقلى، (وقوله: بأن يكون) أى: يتحقق بوجود الاتحاد أو التماثل بينهما من تحقق الجنس فى النوع كما يقال يوجد الحيوان بوجود الإنسان

(قوله: اتحاد فى التصور) أى: عند تصور العقل لهما، وذلك إذا كان الثانى هو الأول نحو: زيد كاتب وهو شاعر ولا يضر اختلاف الجامع، فإنه فى المسند إليه عقلى وفى المسندين خيالى وهو تقارن الشعر والكتابة، فإن قلت: إن الاتحاد فى التصور يرفع التعدد المحوج للجامع- قلت إذا قلنا مثلا زيد يكتب ويشعر، ففى قولنا يشعر مسند إليه به حصل التعدد اللفظى، وإن اتحد المدلول، فالتعدد المحوج للجامع موجود فى الصناعة اللفظية، والاتحاد فى المدلول أقوى جامع بين اللفظين المعتبرين فى الجملتين، فإن قيل ما ذكر من الاتحاد يمكن الخروج به عن البحث السابق عند اختلاف ركنين من الجملتين لوجود مطلق الاختلاف المصحح للعطف، وأما عند الاتحاد فى الركنين، فقد صارت

ص: 546

أو تماثل، فإن العقل بتجريده المثلين عن التشخص فى الخارج يرفع التعدد) بينهما

===

الجملة الثانية نفس الأولى، فكيف يتحقق الاختلاف الموجب لطلب الجامع، قلت: إن الكلام فى مصحح العطف بالواو ولا بد فيه من الاختلاف بوجه ما، ولا يتأتى أن يوجد الاتحاد فى الركنين عند العطف بها، وإلا كانت الثانية تأكيدا، فلا يصح العطف فإن قلت كون المسند إليهما أو المسندين متحدين معنى، بل وكونهما متناسبين بأى جامع عقليا كان أو وهميا أو خياليا إنما يقتضى اجتماع ذينك المتناسبين عند المفكرة؛ لأنهما هما اللذان جمع بينهما الوهم أو العقل أو الخيال، ولا يلزم من ذلك اجتماع مضمون الجملتين الذى هو النسبة الحكمية، والمطلوب اجتماع مضمون الجملتين لا اجتماع المفردات الموجودة فى الجملتين؛ لأن الجملتين هما اللتان وقع فيهما العطف فيطلب الجامع بينهما لا المفردات، إذ لا عطف فيها حتى يطلب الجامع بينها قلت: إذا تحقق الجامع بين المفردات تحقق بين النسبتين ضرورة أن تناسب المفردات يقتضى التناسب بين النسبتين فى الجملتين، وحينئذ فإذا اجتمعت المفردات عند المفكرة اجتمع فيها النسبتان تبعا للمفردات فصح العطف.

(قوله: أو تماثل) أى: أو يكون بينهما تماثل وذلك بأن يتفقا فى الحقيقة ويختلفا فى العوارض، فمثال ما إذا كان بينهما تماثل فى المسند إليه كأن يقال: زيد كاتب وعمرو شاعر، فبين زيد وعمرو تماثل فى الحقيقة الإنسانية، فكأنه قيل: الإنسان كاتب والإنسان شاعر، ومثال التماثل فى المسند نحو: زيد أب لبكر وعمرو أب لخالد فأبوة زيد وأبوة عمرو حقيقتهما واحد وإن اختلفا بالشخص، فإذا جردتا عن الإضافة المشخصة صارتا شيئا واحدا.

(قوله: فإن العقل بتجريده إلخ) هذا بيان لوجه كون التماثل جامعا عقليا وهو فى الحقيقة جواب عما يقال إن المتماثلين قد يكونان جزئيين جسمانيين والعقل لا يدرك الجزئيات الجسمانية؛ لأن العقل مجرد عن المادة أعنى العناصر الأربعة ولواحقها والجزئيات الجسمانية ليست مجردة عنها فلا تناسب العقل المجرد والذى يناسبه إنما هو الكلى والجزئى المجرد، وحيث كان الجزئى الجسمانى لا يدركه العقل فكيف يجمع بينهما

ص: 547

فيصيران متحدين؛ وذلك لأن العقل يجرد الجزئى الحقيقى عن عوارضه المشخصة الخارجية، وينتزع منه المعنى الكلى فيدركه على ما تقرر فى موضعه، وإنما قال:

فى الخارج

===

فى المفكرة، وحاصل ما أجاب به المصنف أن العقل يدركهما بعد تجريدهما عن المشخصات، (وقوله: بتجريد) مصدر مضاف لفاعله وهو متعلق بيرفع. والباء سببية، والمراد بتجريد العقل للمثلين عن المشخصات عدم ملاحظته لتلك المشخصات التى فيها كما فى الأطول، (وقوله: عن التشخص) أى: عن الصفة المشخصة- أى: المميز لهما فى الخارج- التى بها يباين أحدهما الآخر من طول وعرض ولون، ومن اللون المخصوص والمقدار المخصوص، (وقوله: يرفع) أى: العقل، (وقوله: التعدد) أى: الحاصل بين المثلين كزيد وعمرو وهذه الجملة خبر إن

(قوله: فيصيران متحدين) أى: فيصيران شيئا واحدا عند المفكرة كالمتحدين والاتحاد جامع؛ لأن حضور أحد الأمرين المتحدين فى الحقيقة فى المفكرة حضور للآخر، فعلم من هذا أن الاتحاد جامع سواء كان حقيقيا أو حكميا.

(قوله: وذلك) أى: التجريد المذكور حاصل؛ لأن إلخ

(قوله: لأن العقل يجرد الجزئى الحقيقى) المراد به الجزئى الجسمانى وهو ما يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه، واعترض بأن تجريد العقل للجزئى المذكور لا يكون إلا بعد إدراكه والعقل لا يدركه؛ لأنه إنما يدركه الكلى أو الجزئى المجرد، وحينئذ فلا يمكن أن يجرد الجزئى الحقيقى، إذ فيه تجريد الشىء قبل إدراكه، وحاصل الجواب أن المنفى عن العقل إدراكه للجزئى المذكور بالذات، وهذا لا ينافى استشعاره له بالوسائط، فالجزئيات الجسمانية تدرك أولا بالحس، فإذا أدركها الحس استشعرها العقل، ثم يجردها بعد ذلك عن المشخصات بواسطة المفكرة، ثم يدركها بالذات

(قوله: الخارجية) أى: كالألوان والأكوان المخصوصة، والمقدار المخصوص، والمراد بالخارج هنا ما يعم خارج الأعيان، وخارج الأذهان، فتدخل الجزئيات المعدومة

(قوله: وينتزع منه المعنى الكلى) أى الماهية الكلية كماهية الإنسان أعنى الحيوان الناطق

(قوله: على ما تقرر فى موضعه) متعلق بيجرد والمراد بموضعه كتب الحكمة

(قوله: وإنما قال فى الخارج) أى: ولم يطلق التشخص

ص: 548

لأنه لا يجرده عن المشخصات العقلية؛ لأن كل ما هو موجود فى العقل فلا بد له من تشخص فيه به يمتاز عن سائر المعقولات.

وهاهنا بحث؛ وهو أن التماثل هو الاتحاد فى النوع؛ مثل: اتحاد زيد وعمرو- مثلا فى الإنسانية، وإذا كان التماثل جامعا لم تتوقف صحة قولنا: زيد كاتب وعمرو شاعر على أخوة زيد وعمرو، أو صداقتهما، أو نحو ذلك؛ لأنهما متماثلان لكونهما من أفراد الإنسان. والجواب: أن المراد بالتماثل هاهنا اشتراكهما فى وصف له نوع اختصاص بهما؛

===

(قوله: لأنه لا يجرده) أى: لأن العقل لا يجرد الجزئى الحقيقى

(قوله: عن المشخصات العقلية) أى: وهى الفصول التى لا يتحقق التمايز بين الكليات فى العقل إلا بها كالناطقية بالنسبة للإنسان، والناهقية بالنسبة للحمار، والصاهلية بالنسبة للفرس، ويقال لها مشخصات ذهنية أيضا

(قوله: لأن كل ما هو موجود فى العقل) أى: كماهية الإنسان وهذا علة لعدم تجريد العقل للمشخصات العقلية

(قوله: فلا بد له) أى:

للموجود فى العقل، (وقوله: من تشخص) أى: من مشخص ومعين، (وقوله: فيه) أى:

فى العقل

(قوله: به) أى: بذلك المشخص

(قوله: عن سائر المعقولات) أى: كماهية الفرس، والحاصل أن الأمرين الكليين كالإنسان والفرس كل منهما حاصل عند العقل ومتعين فيه عن غيره بواسطة أن المعين للأول الناطقية، وللثانى الصاهلية، فلو جردهما العقل عن مميزهما لزم أنهما معلوم واحد ولزم أن الأشياء كلها معلوم واحد عند تجريد سائر الكليات، وكون الأشياء كلها معلوما واحدا باطل- كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله: وهاهنا) أى: فى هذا المحل بحث من جهة جعل التماثل جهة جامعة

(قوله: وهو أن التماثل) أى: عند الحكماء

(قوله: هو الاتحاد فى النوع) أى: فى الحقيقة

(قوله: مثلا) تأكيد لقوله: مثل

(قوله: لم تتوقف إلخ) أى: مع أنه تقدم أن المسند إليهما إذا تغايرا، فلا بد من تناسبهما نحو: زيد شاعر وعمرو كاتب وزيد طويل وعمرو قصير لمناسبة بينهما إلخ

(قوله: أو نحو ذلك) أى: كاشتراكهما فى صنعة

(قوله: أن المراد بالتماثل هاهنا) أى: فى كلام المصنف التماثل عند البيانيين وهو اشتراك الشيئين فى وصف

ص: 549

على ما سيتضح فى باب التشبيه.

(أو تضايف) وهو كون الشيئين بحيث لا يمكن تعقل كل منهما إلا بالقياس إلى تعقل الآخر (كما بين العلة والمعلول)

===

مع اشتراكهما فى الحقيقة لا مجرد اشتراكهما فى النوع، والحاصل أن هذا البحث مغالطة منشؤها توهم أن المراد بالتماثل هنا التماثل بالمعنى المصطلح عليه عند الحكماء وهو الاتحاد فى الحقيقة، وجوابها منع أن المراد بالتماثل هنا التماثل بالمعنى المذكور، بل بالمعنى المصطلح عليه عند البيانيين وهو الاشتراك فى وصف له مزيد اختصاص وارتباط بالشيئين- بحيث يوجب اجتماعهما فى المفكرة مع اشتراكهما فى الحقيقة.

(قوله: على ما سيتضح فى باب التشبيه) أى: من اشتراك المشبه والمشبه به فى وصف خاص زائد على الحقيقة، فإذا قيل: زيد كعمرو لم يكف أن يقال فى الإنسانية، بل لا بد من وصف زائد على ذلك كالكرم والشجاعة، فإن قلت المذكور فى باب التشبيه أنه لا بد من المشاركة فى وصف خاص دون الحقيقة والمعتبر هنا المشاركة فى الحقيقة والوصف جمعا، فكيف يحمل ما هنا على ما هناك؟ قلت: المشاركة فى الحقيقة لازمة للمشاركة فى الوصف، فإذا قيل زيد كعمرو فى الكرم، فكأنه قيل: زيد كعمرو فى الإنسانية مع الكرم، وحينئذ فيتقوى بذلك ما اعتبر هنا؛ لأن لباب الجامع تعلقا بباب التشبيه من حيث استدعاء كل منهما أمرا مشتركا فيه فيكون ما اعتبر فى أحدهما معتبرا فى الآخر

(قوله: أو تضايف) كأن يقال أبو زيد يكتب وابنه يشعر، فالجامع بين الأب والابن المسند إليهما عقلى وهو التضايف، وكذا يقال فى أبوك زيد وابنك عمرو، وإن اختلفا من جهة أن الجامع بين المسندين فى المثال الأول خيالى، وفى المثال الثانى عقلى وهو التماثل

(قوله: بحيث لا يمكن تعقل كل منهما إلخ) أى: بحيث يكون تصور أحدهما لازما لتصور الآخر، وحينئذ فحصول كل واحد منهما فى المفكرة يستلزم حصول الآخر فيها ضرورة، وهذا معنى الجمع بينهما فيها وليس المراد به اتحادهما فيها

(قوله: كما بين العلة والمعلول) أى: كالتضايف الذى بين مفهوم العلة وهو كون الشىء سببا وبين مفهوم المعلول وهو كون الشىء مسببا عن ذلك الشىء كأن يقال:

ص: 550

فإن كل أمر يصدر عنه أمر آخر بالاستقلال أو بواسطة انضمام الغير إليه فهو علة، والآخر معلول (أو الأقل والأكثر) فإن كل عدد يصير عند العد فانيا قبل عدد آخر فهو أقل من الآخر، والآخر أكثر منه.

===

العلة أصل أو موجودة، والمعلوم فرع أو موجود أو بين ما صدق العلة وبين ما صدق المعلول باعتبار مفهوم العلة ومفهوم المعلول كأن يقال: حركة الخاتم موجودة، وحركة الأصبع موجودة أو حركة الأصبع علة، وحركة الخاتم معلولة، أو النار محرقة، والحطب محرق، وبقولنا باعتبار إلخ- اندفع ما يقال: إنه لا تضايف بين حركة الأصبع وحركة الخاتم؛ لأنه يمكن تعقل أحدهما بدون تعقل الآخر مع أن الأول علة، والثانى معلول

(قوله: فإن كل أمر) الفاء واقعة فى جواب شرط مقدر أى: إذا أردت أن تعرف الفرق بين العلة والمعلول، فنقول لك إن كل إلخ، وكذا يقال فيما بعد.

(قوله: بالاستقلال) أشار به إلى العلة التامة، وأشار بقوله: أو بواسطة انضمام الغير إليه إلى العلة الناقصة فالأولى كحركة الأصبع بالنسبة لحركة الخاتم والثانية كالنجار بالنسبة للسرير، فإنه يصدر عنه بواسطة الآلة وكالنار بالنسبة للاحتراق، فإنه يصدر عنها بواسطة اليبوسة وانتفاء البلل، وأراد المصنف بالعلة ما يشمل السبب والمحصل، فالأول كالزوال بالنسبة لصحة صلاة الظهر، فإذا لاحظت الزوال، والطهارة، وستر العورة، وجميع ما تتوقف عليه صحة الصلاة المذكورة كان الجميع علة تامة، وإن لاحظت الزوال وحده أو غيره كذلك كان علة ناقصة، والثانى كالمولى سبحانه وتعالى، فإنه علة فى وجود العالم بمعنى أنه محصل له، لكن بالاختيار عندنا وبدون اختيار عند الحكماء- قرره شيخنا العدوى.

(قوله: أو الأقل والأكثر) أى: وكالتضايف الذى بين مفهومى الأقل والأكثر كأن يقال: هذا العدد الأقل لزيد وذلك العدد الأكثر لصاحبه، أو بين ما صدقيهما باعتبار مفهوميهما؛ لأنه يقال: الأربعة أقل من الخمسة، والخمسة أكثر منها، أو هذه الأربعة لزيد والخمسة لعمرو، وإنما كان الأقل والأكثر من المتضايفين؛ لأن كلا منهما لا يفهم إلا باعتبار الآخر فتصور كل منهما مستلزم لتصور الآخر فمتى حصل أحدهما فى المفكرة حصل الآخر فيها

(قوله: فإن كل عدد يصير عند العد) أى: عند السرد

ص: 551

(أو وهمى) وهو أمر بسببه يحتال الوهم فى اجتماعهما عند المفكرة، بخلاف العقل فإنه إذا خلى ونفسه لم يحكم بذلك، وذلك (بأن يكون بين تصوريهما شبه تماثل؛ كلونى بياض وصفرة،

===

واحدا واحدا أو اثنين اثنين، (وقوله: قبل عدد آخر) أى: قبل فناء عدد آخر، (وقوله:

فهو) أى: ذلك العدد الذى يصير فانيا أقل، وإنما سمى جمع الاتحاد والتماثل والتضايف عقليا؛ لأن العقل يدرك الأمور على حقائقها ويثبتها على مقتضاها والجمع بهذه محقق فى نفس الأمر لا يبطله التأمل فنسب للعقل بخلاف الجمع بالأمر الوهمى

(قوله: أو وهمى) عطف على قوله: عقلى

(قوله: وهو أمر) كشبه التماثل وشبه التضاد والتضاد، (وقوله: بسببه يحتال) أى: يتحيل الوهم، (وقوله: فى اجتماعهما) أى: اجتماع الشيئين عند المفكرة وذلك بأن يصور الوهم ذلك الأمر بصورة تصير سببا لاجتماعهما، وليس فى الواقع سببا له سواء كان ذلك الأمر يدركه الوهم كشبه التماثل والتضاد وشبه التضاد الجزئيات أو كان لا يدركه الوهم ككلياتها، والحاصل أن الجامع الوهمى ليس أمرا جامعا فى الواقع بل باعتبار أن الوهم جعله جامعا

(قوله: إذا خلى ونفسه) أى: مع نفسه بأن لم يتبع الوهم، وأما لو تبع الوهم لحكم بذلك الاجتماع تبعا له.

(قوله: لم يحكم بذلك) أى: الاجتماع لهذا الأمر، وذلك لأن العقل إنما يدرك الأمور على حقائقها ويثبتها على مقتضياتها بخلاف الوهم، فإن شأنه إدراك الأمور لا على حقيقتها ويثبتها على خلاف مقتضاها

(قوله: بأن يكون إلخ) أى: وذلك الجامع الوهمى يحصل بسبب الكون المذكور من حصول الجنس بنوعه أو أن الباء للتصوير أى:

وذلك مصور بأن يكون إلخ، (وقوله: بين تصوريهما) أى: الشيئين، وسيأتى الاعتراض على هذه العبارة فى الشرح والصواب بأن يكون بينهما

(قوله: شبه تماثل) المراد بالتماثل الاتحاد فى النوع وذلك بأن يكون بين الشيئين تقارب وتشابه باعتبار وتباين باعتبار آخر

(قوله: كلونى بياض إلخ) الإضافة بيانية أى: كلونين هما بياض وصفرة فيصح العطف فى نحو: بياض الفضة يذهب الغم وصفرة الذهب تذهب الهم

(قوله: كلونى بياض وصفرة) أى: فهما ليسا متماثلين لعدم صدق تعريف التماثل السابق عليهما

ص: 552

فإن الوهم يبرزهما فى معرض المثلين) من جهة أنه يسبق إلى الوهم أنهما نوع واحد؛ زيد فى أحدهما عارض، بخلاف العقل فإنه يعرف أنهما نوعان متباينان داخلان تحت جنس هو اللون. (ولذلك)

===

ولا متضادين؛ لأنهما الأمران الوجوديان اللذان بينهما غاية الخلاف، فإن لم توجد غاية الخلاف كما فى البياض والصفرة باعتبار ما عند الوهم فلا يكونان ضدين

(قوله: فإن الوهم إلخ) أى: وإنما كان بين البياض والصفرة شبه تماثل؛ لأن الوهم أى: القوة الواهمة

(قوله: يبرزهما) أى: يظهر اللونين المذكورين

(قوله: فى معرض) أى: فى صفة أو فى حال المثلين وقد سبق أن المثلين وهما الأمران المشتركان فى الحقيقة النوعية المختلفان بالعوارض يرجعان إلى المتحدين بتجريد العقل لهما عن العوارض المشخصة فى الخارج، ومعرض بوزن مسجد وهو فى الأصل مكان عروض الشىء

(قوله: من جهة أنه يسبق إلى الوهم) أى: لعدم غاية الخلاف بينهما، (وقوله: زيد فى أحدهما عارض) إن جعل ذلك الأحد الصفرة، فالعارض الكدرة وإن جعل البياض، فالعارض الإشراق والصفاء فذلك الأحد غير معين، بل هو محتمل كما هو المستفاد من كلام عبد الحكيم، والمستفاد من غيره أن ذلك الأحد المزيد عليه معين وهو الصفرة، والزائد عليه العارض الذى لا يخرجه عن حقيقته هو الكدرة وهو المتبادر من كلام الشارح، والحاصل أن الوهم يدعى أن أصل الصفرة بياض زيد فيه شىء يسير من الكدرة لا تخرجه عن حقيقته، أو أن البياض أصله صفرة زيد فيه شىء يسير من الإشراق لا يخرجه عن حقيقته، وسبب ادعاء الوهم ذلك أن الأضداد تتفاوت والبياض والصفرة ولو كانا ضدين، لكن ليس بينهما من الضدية ما بين البياض والسواد، بل بينهما كما بين السواد والحمرة فيسبق إلى الوهم أنهما فى الحقيقة شىء واحد، فيحتال على الجمع بينهما عند المفكرة كالمثلين، وإذا حكم العقل بهذا فهو بالتبع للوهم، وإلا فهو عند الملاحظة الحقيقية يحكم بأنهما نوعان متباينان داخلان تحت جنس هو اللون، فيجوز أن يقال- على هذا: هذا الأصفر حسن وذلك الأبيض أحسن منه لوجود الجامع، فإن قلت فهل يمتنع العطف عند الملاحظة العقلية، أو يجوز تغليبا للملاحظة الوهمية مطلقا؟ قلت: الأقرب الجواز عند

ص: 553

أى: ولأن الوهم يبرزهما فى معرض المثلين (حسن الجمع بين الثلاثة التى فى قوله:

ثلاثة تشرق الدّنيا ببهجتها

شمس الضّحى وأبو إسحق والقمر) (1)

فإن الوهم يتوهم أن الثلاثة من نوع واحد، وإنما اختلفت بالعوارض، والعقل يعرف أنها أمور متباينة.

===

غفلة العقل وعدم ملاحظته والمنع عند عدم الغفلة المذكورة: كدخول اللام على العلم للمح الأصل ومنعها عند عدمه- انظره انتهى يعقوبى.

(قوله: أى ولأن الوهم يبرزهما) أى: ولأجل أن الوهم يبرز الشيئين اللذين بينهما شبه تماثل فى معرض المثلين

(قوله: حسن الجمع) أى: بالعطف، (وقوله: بين الثلاثة) أى: المتباينة لتخيل الوهم فيها تماثلا كما تخيله فى البياض والصفرة

(قوله: فى قوله) أى: التى وجدت فى قول الشاعر وهو محمد بن وهيب يمدح المعتصم بالله بن هارون الرشيد وذكره بكنيته أبى إسحق صونا لاسمه أن يجرى على الألسنة وكما حسن الجمع بين الثلاثة التى ذكرها لما ذكر من التعليل حسن الجمع بين الثلاثة فى قوله:

إذا لم يكن للمرء فى الخلق مطمع

فذو التّاج والسّقّاء والذّرّ واحد

فالوهم هو الذى حسن الجمع بين الملك والسقاء وصغار النمل لاشتراكها فى عدم التوقع منهم والاستغناء عنهم مع كونها متباعدة متباينة غاية التباين

(قوله: ثلاثة إلخ) يصح أن يكون خبرا مقدما على المبتدأ، وهو قوله: شمس الضحى وما عطف عليه، ويصح أن يكون ثلاثة: مبتدأ محذوف الخبر أى: لنا أو فى الوجود ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها، وشمس الضحى: بدل أو عطف بيان، أو خبر مبتدأ محذوف، والاحتمال الثانى أليق وأعلق بالقلب، وقال: ببهجتها ولم يقل: ببهجتهم تغليبا للعاقل على غيره، مع أنه أكثر من تغليب غير العاقل نظرا لكون إشراق غير العاقل حسيا فهو أولى بالاعتبار

(قوله: فإن الوهم) أى: وإن لم يكن البيت مما نحن فيه؛ لأنه ليس من عطف الجمل، وإنما هو من عطف المفردات، لكن قد مر أن المفرد كالجملة فى اشتراط الجامع

(قوله: يتوهم أن الثلاثة من نوع واحد) وهو المشرق أو المنور للدنيا، (وقوله: وإنما اختلفت

(1) البيت فى الأغانى ص 80 فى ترجمة محمد بن وهيب؛ وفيه [ببهجتهم] بدل [ببهجتها].

ص: 554

(أو) يكون بين تصوريهما (تضاد) وهو التقابل بين أمرين وجوديين يتعاقبان على محل واحد

===

بالعوارض) وهى كون الشمس كوكبا نهاريا وكون القمر كوكبا ليليا وكون أبى إسحاق حيوانا ناطقا، وتوهم الوهم لذلك إنما نشأ من اشتراك الثلاثة فى إشراق الدنيا، وإن كان الإشراق فى اثنين حسيا وإشراق الثالث عقليا بإفاضة أنواع العدل، والإحسان بتنزيل ذلك المعقول منزلة المحسوس لكمال ظهوره، والحاصل أن هذه الثلاثة عند النظر والتأمل متباينة؛ لأن الشمس كوكب نهارى مضىء لذاته والقمر كوكب ليلى مطموس لذاته مستفاد نوره من نور غيره وهو الشمس وأما أبو إسحق فإنسان عم عدله وإحسانه جميع العالمين فى زعم الشاعر بحيث صار عموم عدله وإحسانه شبيها بعموم نور الشمس فى التوصل إلى الأغراض، إلا أنه يسبق إلى الوهم تماثل هذه الثلاثة فى الإشراق، وأنها نوع واحد، وإنما تمايزت بالعوارض، أما التوهم فيما بين الشمس والقمر فواضح، وأما فيما بينهما وبين أبى إسحق فلكثرة تشبيه عموم العدل والإحسان بنور الشمس حتى صار بحيث يتوهم أن له إشراقا يهتدى به فى المحسوسات، فأبرزها الوهم فى معرض المتماثلات.

(قوله: وهو التقابل) أى: التعاند

(قوله: وجوديين) خرج به تقابل الإيجاب والسلب كتقابل الحركة لعدمها والسكون لعدمه، وتقابل العدم والملكة وهو ثبوت شىء وعدمه عما من شأنه ذلك: كتقابل العمى للبصر، وليس المراد بالوجودى هنا خصوص ما يمكن رؤيته، بل المراد به هنا ما ليس العدم داخلا فى مفهومه فيشمل الأمور الاعتبارية، وحينئذ فيدخل فى التعريف الأمران المتضايفان فلا بد من زيادة قيد لا يتوقف تعقل أحدهما على تعقل الآخر لأجل إخراجهما، ومما يدل على أن المراد بالوجودى هنا ما قلناه ما سيأتى للشارح فى الأول والثانى- كذا قرر شيخنا العدوى، وفى عبد الحكيم: أن هذه الإرادة خلاف التحقيق؛ لأن قسمة الجامع إلى الأقسام الثلاثة باصطلاح الفلاسفة فإنهم يثبتون الحواس الباطنية وعندهم الأمور الإضافية موجودة يمكن رؤيتها، فاللائق إجراء الكلام على طريقتهم.

(قوله: يتعاقبان على محل واحد) أى: يوجدان على التعاقب فى محل واحد ولا يجتمعان. (وقوله: يتعاقبان) أى: يمكن ذلك،

ص: 555

(كالسواد والبياض) فى المحسوسات (والإيمان والكفر) فى المعقولات، والحق أن بينهما تقابل العدم والملكة؛ لأن الإيمان هو تصديق النبى صلى الله عليه وسلم فى جميع ما علم مجيئه به بالضرورة؛

===

لا أنه بالفعل؛ لأن الضدين قد يرتفعان، ثم إن المحل قد يراد به ما يقوم به الشىء فى الجملة، فيشمل المادة وهى الهيولى باعتبار عروض الصور النوعية لها كالطين باعتبار عروض الصور كالزيرية والإبريقية له، فعلى هذا يدخل فى التعريف التضاد بين الجواهر أعنى الصور النوعية كالإبريق والزير، ومن أراد أن يخرج من التعريف الأنواع المتنافية من الجواهر لقصره التضاد على المعانى كالسواد والبياض، أو على المتصف بها باعتبارها كالأسود والأبيض لا باعتبار ذات المتصف جعل مكان المحل الموضوع، فقال يتعاقبان على موضوع واحد؛ وذلك لأن الموضوع مخصوص بالجوهر ذى الصورة، فعلى هذا لا يتقابل إلا الأعراض، فتخرج الأنواع وتبقى المعانى، ثم إنه فى بعض النسخ تقييد الأمرين الوجوديين بكونهما بينهما غاية الخلاف، فيخرج بهذا القيد التعاند كالتقابل بين السواد والحمرة والبياض والصفرة، وعلى ما فى هذه النسخة يكون ما ذكره الشارح تعريفا للتضاد الحقيقى، وفى بعض النسخ إسقاط هذا القيد فيكون التعريف المذكور تعريفا للتضاد المشهور الشامل للتعاند، والحاصل أنه على اعتبار القيد فى التعريف تكون أنواع التقابل خمسة التماثل والتناقض، وتقابل العدم والملكة والتضاد والتعاند، وعلى عدم اعتباره فيه يكون التعريف شاملا للتضاد الحقيقى وللمشهور، وتكون أنواع التقابل منحصرة فى أربعة: التماثل والتناقض والتضاد وتقابل العدم والملكة

(قوله: كالسواد والبياض) فيقال ذهب السواد وجاء البياض، أو السواد لون قبيح والبياض لون حسن، وقوله فى المحسوسات أى: حال كونهما من المحسوسات.

(قوله: والإيمان والكفر) نحو ذهب الكفر وجاء الإيمان، والإيمان حسن والكفر قبيح، (وقوله: فى المعقولات) حال أى: حال كونهما من المعقولات

(قوله: والحق أن بينهما) أى: بين الإيمان والكفر تقابل العدم والملكة أى: لا تقابل التضاد كما هو ظاهر كلام المصنف وهو مبنى على أن الكفر وجودى، فالإيمان تصديق النبى- صلّى الله

ص: 556

أعنى: قبول النفس لذلك، والإذعان له؛ على ما هو تفسير التصديق فى المنطق عند المحققين، مع الإقرار به باللسان. والكفر عدم الإيمان عما من شأنه الإيمان، وقد يقال:

الكفر إنكار شىء من ذلك؛ فيكون وجوديا؛

===

عليه وسلم- فى كل ما علم مجيئه به بالضرورة كالوحدانية والبعث والرسالة، والكفر على هذا القول: هو الجحد لشىء من ذلك كما سيأتى، والجحد أمر موجود كالتصديق فكان المناسب جعل ذلك من شبه التضاد.

(قوله: أعنى) أى: بالتصديق

(قوله: والإذعان له) أى: الانقياد له وهو تفسير لما قبله، والإذعان والانقياد يرجع لكلام نفسانى وهو قول النفس آمنت وصدقت

(قوله: عند المحققين) كالقطب الشيرازى، وظاهر الشارح أن التصديق عند المحققين من المناطقة هو الإذعان بوقوع النسبة أولا وقوعها- وليس كذلك- لاتفاق المناطقة على أن التصديق قسم من أقسام العلم، والإذعان المذكور ليس علما كما علمت، وإنما التصديق عند المحققين من المناطقة إدراك أن النسبة واقعة، أو ليست بواقعة على وجه الإذعان والقبول، وعند غيرهم وهو المشهور: إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة مطلقا أى: ولو كان ذلك الإدراك ليس على وجه الإذعان، وأما التصديق عند المتكلمين فهو الإذعان لما علم مجىء النبى به وقبول النفس لذلك ومرجعه لكلام نفسى.

(قوله: مع الإقرار به باللسان) أى: ولو مرة فى العمر

(قوله: والكفر عدم الإيمان إلخ) ذكر الشيخ يس عن بعضهم: أنه على هذا القول يقال: الإيمان مخلوق لله تعالى والكفر غير مخلوق؛ لأن الخلق إنما يتعلق بالأمور الموجودة كالإرادة، فيصح أن يقال: الكفر ليس مرادا لله، إذ لو كان مرادا للزم وجود المعدوم وإنه باطل- نعم على القول بأن الكفر وجودى يقال فيه إنه مخلوق، ومراد له سبحانه وتعالى كالإيمان- فتأمل.

(قوله: عما من شأنه الإيمان) خرج به الجمادات والحيوانات العجم، فلا يقال:

إنها كافرة؛ لأنه ليس من شأنها أن تتصف بالإيمان، وهكذا شأن تقابل العدم والملكة لا بد فيه من اعتبار قبول المحل

(قوله: وقد يقال الكفر إنكار شىء من ذلك) أى: مما علم مجىء النبى به بالضرورة، وأورد على هذا القول أنه يقتضى ثبوت الواسطة بين

ص: 557

فيكونان متضادين.

(وما يتصف بها) أى: بالمذكورات؛ كالأسود والأبيض، والمؤمن والكافر، وأمثال ذلك، فإنه يعد من المتضادين باعتبار الاشتمال على الوصفين المتضادين (أو شبه تضاد؛

===

الإيمان والكفر، فالشاك والجاهل الذى لم يذعن ولم يجحد ليس بمؤمن ولا كافر، مع أنه لا واسطة بينهما، وأجيب بأن المراد بقولهم الكفر إنكار شىء أى: حقيقة أو حكما؛ لأنه إذا ادعى وأقيم له المعجزة والدليل، فتردده إنما هو لإنكاره، فكلا منا فيمن دعى وهو لا يكون إلا مصدقا أو منكرا، وليس كلا منا فيمن لم تبلغه دعوة.

واعلم أنه على التحقيق من أن التقابل بين الإيمان والكفر من تقابل العدم والملكة عدم الواسطة بينهما ظاهر؛ لأن الشاك والجاهل داخلان فى الإنكار لانتفاء التصديق منهما

(قوله: فيكونان متضادين) أى: وحينئذ فيصح التمثيل الذى ذكره المصنف.

(قوله: وما يتصف بها) عطف على السواد أى: وكالذوات المتصفة بالمذكورات

(قوله: كالأسود إلخ) أى: فيقال: الأسود ذهب، والأبيض جاء، والمؤمن حضر، والكافر غاب

(قوله: وأمثال ذلك) عطف على الأسود أى: كسوداء، وبيضاء، ومؤمنة، وكافرة، أو على ضميريها كالإطاعة والعصيان، فيقال: الطائع جاء، والعاصى ذهب

(قوله: فإنه) أى: ما يتصف بالمذكورات، وهذا توجيه لجعل الذوات الموصوفة بالمذكورات متضادة

(قوله: باعتبار الاشتمال إلخ) أى: على وجه الدخول فى المفهوم لا باعتبار ذاتيهما بقطع النظر عن وصفيهما، فإنه لا تضاد بينهما، فذات الأبيض وذات الأسود قطع النظر عن وصفيهما وهما البياض والسواد لا تضاد بينهما لعدم تواردهما على المحل لكونهما من الأجسام لا الأعراض ولعدم العناد بينهما

(قوله: أو شبه تضاد) بألّا يكون أحد الشيئين ضدا للآخر ولا موصوفا بضد ما وصف به الآخر، ولكن يستلزم كل منهما معنى ينافى ما يستلزمه الآخر وهو قسمان ما يكون فى المحسوسات كالسماء والأرض، وما يكون فى المحسوسات والمعقولات كالأول والثانى فيقال:

السماء مرفوعة لنا والأرض موضوعة لنا، والأول سابق والثانى لاحق، فالجامع بين

ص: 558

كالسماء والأرض) فى المحسوسات، فإنهما وجوديان؛ أحدهما: فى غاية الارتفاع، والآخر: فى غاية الانحطاط؛ وهذا معنى شبه التضاد، وليسا متضادين؛ لعدم تواردهما على المحل؛ لكونهما من الأجسام دون الأعراض، ولا من قبيل الأسود والأبيض؛ لأن الوصفين المتضادين هاهنا ليسا بداخلين فى مفهومى السماء والأرض.

===

المسند إليهما وهمى لتحققه بشبه التضاد بينهما

(قوله: كالسماء والأرض) أى: كشبه التضاد الذى بين السماء والأرض

(قوله: أحدهما فى غاية الارتفاع إلخ) المراد بالغاية هنا الكثرة وإن لم تبلغ النهاية، فاندفع ما يقال: إن السماء الأولى ليست فى غاية الارتفاع؛ لأن ما فوقها أرفع منها والأرض العليا ليست فى غاية الانحطاط، وما أجاب به بعضهم:

من أن المراد بالسماء مجموع السموات، وبالأرض مجموع الأرضين- ففيه نظر؛ لأن الذى فى غاية الارتفاع العرش، والذى فى غاية الانحطاط الماء الذى تحت الأرض السابعة.

(قوله: وهذا) أى: كون أحدهما فى غاية الارتفاع والآخر فى غاية الانحطاط معنى إلخ، فشبه التضاد هو الكونية المذكورة.

(قوله: وليسا إلخ) يعنى أن السماء والأرض لما لم يتعاقبا على موضوع أصلا لم يكونا متضادين فهما خارجان من تعريف التضاد بقوله: يتعاقبان على محل واحد. قال سم: وكأن وجه ذلك أن بينهما بعدا كثيرا كما بين المتضادين

(قوله: دون الأعراض) ظاهر هذا الكلام يدل أن التوارد على المحل إنما هو فى الأعراض- وفيه نظر لما عرفت أن المحل أعم من الموضوع والمختص بالأعراض هو الثانى لا الأول

(قوله: ولا من قبيل إلخ) إشارة إلى سؤال نشأ مما سبق وجوابه، أما السؤال فهو أن يقال: جعل الأبيض والأسود من قبيل المتضادين باعتبار اشتمالهما على الوصفين المتضادين- فلم لم يجعل السماء والأرض من هذا القبيل بهذا الاعتبار؟ وحاصل الجواب أنهما لم يجعلا من قبيل الأسود والأبيض؛ لأن الوصفين المتضادين فى الأبيض والأسود جزءان من مفهوميهما؛ لأن الأسود شىء ثبت له السواد والأبيض شىء ثبت له البياض بخلاف السماء والأرض، فإن الوصفين المتضادين فيهما وهما الارتفاع والانحطاط لازمان لهما وليسا داخلين فى مفهوميهما، فإن السماء جرم مخصوص تنوسى فيه معنى السمو والأرض

ص: 559

(والأول والثانى) فيما يعم المحسوسات والمعقولات، فإن الأول: هو الذى يكون سابقا على الغير، ولا يكون مسبوقا بالغير. والثانى: هو الذى يكون مسبوقا بواحد فقط، فأشبها المتضادين باعتبار اشتمالهما على وصفين لا يمكن اجتماعهما، ولم يجعلا متضادين، كالأسود والأبيض؛ لأنه قد يشترط فى المتضادين أن يكون بينهما غاية الخلاف، ولا يخفى أن مخالفة الثالث والرابع وغيرهما للأول أكثر من مخالفة الثانى له، مع أن العدم معتبر فى مفهوم الأول، فلا يكون وجوديا.

===

جرم مخصوص لم يراع فيه الانحطاط، ولكونهما لازمين جعلا شبيهين بالمتضادين، وعلى تسليم إشعار السماء بالسمو، وأنه لم يتناس فيها، فالأرض لا تشعر بالانحطاط الذى هو المقال الآخر

(قوله: والأول والثانى) أى: وكشبه التضاد الذى بين مفهوم لفظ الأول ومفهوم لفظ الثانى، فيقال المولود الأول سابق والثانى مسبوق، ونحو الأب أول والابن ثان

(قوله: المحسوسات) كما مثل والمعقولات كقولهم علم الأب أول وعلم الابن ثان

(قوله: فإن الأول) أى: وإنما كان بين مفهوميها شبه تضاد فإن مفهوم لفظ الأول

(قوله: هو الذى يكون سابقا على الغير) أى: سواء كان محسوسا أو معقولا، (وقوله:

يكون سابقا على الغير) أى: على فرض أن لو وجد غير

(قوله: والثانى) أى: ومفهوم لفظ الثانى

(قوله: فقط) هو بمعنى لا غير فبهذا الاعتبار صار مفهوم الثانى محتويا على قيدين أحدهما وجودى والآخر عدمى كما أن مفهوم الأول كذلك

(قوله: فأشبها المتضادين) أى: كالأبيض والأسود

(قوله: على وصفين لا يمكن اجتماعهما) وهما عدم المسبوقية أصلا والمسبوقية بواحد

(قوله: لأنه قد يشترط إلخ) أى: كما هو أحد القولين وإن كان الشارح أسقطه سابقا فى تعريف الضدين كما فى أكثر النسخ، وأشار الشارح بقد إلى قلة هذا الاشتراط لقلة القائلين به وإلى ضعف القول به

(قوله: ولا يخفى إلخ) علة لمحذوف أى: وهذا الشرط غير موجود هنا؛ لأنه لا يخفى إلخ

(قوله: مع أن العدم إلخ) رد ثان

(قوله: فلا يكون وجوديا) أى: وحينئذ فلا يكونان ضدين؛ لأنهما الأمران الوجوديان، وظاهر هذا أن التقابل بينهما تقابل السلب والإيجاب أو العدم والملكة، وعبارة المطول مع أن العدم معتبر فى مفهوميهما فلا يكونان وجوديين وهى ظاهرة أيضا، أما اعتبار العدم فى مفهوم الأول فظاهر؛ لأنه قال فيه: ولا يكون مسبوقا بشىء

ص: 560

(فإنه) أى: إنما جعل التضاد وشبهه جامعا وهميا لأن الوهم (ينزلهما منزلة التضايف) فى أنه لا يحضره أحد المتضادين، أو الشبهين بهما إلا ويحضره الآخر (ولذلك تجد الضد أقرب خطورا بالبال مع الضد) من المغايرات الغير المتضادة؛

===

أصلا فلم يكن وجوديّا؛ لأن الوجودى ما لا يشتمل مفهومه على عدم، وأما اعتباره فى مفهوم الثانى فلاعتبار قيد فقط فيه التى هى بمعنى لا غير، وحاصل ما ذكره الشارح أن الأول والثانى لا يكونان متضادين عند من يشترط فى المتضادين أن يكون بينهما غاية الخلاف ولا عند من لم يشترط ذلك، أما عند من يشترط فظاهر؛ لأن مخالفة الثالث والرابع فما فوقهما للأول أكثر من مخالفة الثانى له، وأما عند من لم يشترط أن يكون بينهما غاية الخلاف فيمتنع أيضا جعلهما من المتضادين لكن لا من هذه الحيثية، بل من حيثية أخرى وهو كون الأول معتبرا فى مفهومه العدم، فلا يكون وجوديّا، فلا يكون ضدّا لغيره لما علم أن الضدين هما الأمران الوجوديان إلخ.

(قوله: فإنه) أى: الوهم

(قوله: إنما جعل التضاد) أى: أو الاتصاف بالمتضادين

(قوله: ينزلهما منزلة التضايف) يعنى أن التضاد عند الوهم كالتضايف عند العقل فكما لا ينفك أحد المتضايفين عن الآخر عند العقل، بل متى خطر أحدهما خطر الآخر، وبذلك الارتباط جمعهما عند المفكرة كذلك لا ينفك أحد المتضادين عن الآخر عند الوهم، وبذلك الارتباط جمعهما عند المفكرة، وليس المراد أن الوهم يعتبر التضاد داخلا فى التضايف حتى يرد أنه إذا كان أحد الضدين لا ينفك عن الآخر عنده يكون التضاد جامعا عنده من غير حاجة إلى تنزيله منزلة التضايف، على أنه إذا كان التضاد داخلا فى التضايف فلا معنى للتنزيل

(قوله: فى أنه) أى: الوهم وهو متعلق بمنزلة

(قوله: لا يحضره) أى: لا يحضر فيه، وكذا يقال فيما بعده

(قوله: ولذلك) أى: ولأجل ذلك أى: لأجل تنزيله التضاد منزلة التضايف بالمعنى المذكور وهو أنه متى خطر أحد الضدين فى الوهم خطر فيه الآخر تجد الضد أقرب خطورا بالبال أى: فى الوهم بدليل قول الشارح بعد: وإلا فالعقل إلخ، (وقوله: مع الضد) أى: مع خطور الضد وهو متعلق بالخطور

(قوله: من المغايرات) متعلق بأقرب أى: أقرب من سائر خطور المغايرات

ص: 561

يعنى: أن ذلك مبنى على حكم الوهم، وإلا فالعقل يتعقل كلا منهما ذاهلا عن الآخر.

(أو خيالى) وهو أمر بسببه يقتضى الخيال اجتماعهما فى المفكرة، وذلك

===

الغير المتضادة أى: بعضها مع بعض، فإذا خطر السواد فى الوهم كان ذلك أقرب لخطور البياض فيه من خطور القيام والقعود والأكل والشرب فيه؛ وذلك لأن هذه لا يجمعها الوهم لعدم غلبة خطورها مع ما يغايرها مما سوى الضد بخلاف الضدين، فإن الوهم يحكم باجتماعهما والسبب فى ذلك أن المقابل للشىء فيه ما يشعر بمنافاة مقابله فيستنشق منه ذلك المقابل والوهم لا يبحث عن صحة وجود أحدهما بدون الآخر، فلذا حكم بالاجتماع

(قوله: يعنى أن ذلك) أى: كون التضاد وشبهه جامعا مبنى على حكم الوهم أى: تصوره وإدراكه حكما على خلاف الواقع بتلازمهما فى الحضور عنده، فقد جاز إذا لحوق الضدين بالمتضايفين

(قوله: على حكم الوهم) أى: لا على العقل، (وقوله: وإلا) أى: وإلا نقل على حكم الوهم، بل قلنا على حكم العقل فلا يصح؛ لأن العقل يتعقل كلا منهما ذاهلا عن الآخر بخلاف المتضايفين، وحينئذ فلا يحكم بتلازمهما فى الحضور عنده فلا يكون التضاد وشبهه جامعا عقليا.

(قوله: أو خيالى وهو أمر إلخ) أنت خبير بأن الذى أوجب الجمع بين الشيئين عند المفكرة هو قوة العقل المدركة لا خزانتها، وكذلك فى الوهم كما تقدم، وقد خالف هنا فلم يجعل القوة المدركة للصور الحسية التى هى الحس المشترك مقتضية للجمع فى المفكرة، بل جعل خزانتها التى هى الخيال هى المقتضية لذلك، فكان المناسب حيث جعل القوة التى جمعت بين الشيئين عند المفكرة هى القوة المدركة فى العقلى والوهمى أن يجعلها كذلك فى الخيال فيسميه حسيا، لكن تساهل فجعلها هى الخيال التى هى الخزانة للحس المشترك إشارة إلى أن هذه القوى يمكن أن ينسب حكم المدركة منها إلى خزانتها، والعكس من جهة أن هذه القوى كما قيل بمنزلة المرائى المقابل بعضها لبعض فهى يرتسم فى كل منها ما ارتسم فى الآخر، تأمل. اه يعقوبى.

ومن هنا علم أن قول الشارح: يقتضى الخيال فيه مسامحة أى: يقتضى الحس المشترك الذى خزانته الخيال كما مر، ويمكن أن يقال: لم ينسب الجامع للحس المشترك؛

ص: 562

(بأن يكون بين تصوريهما تقارن فى الخيال

===

لأن النسبة للخيال أخف من النسبة إلى المشترك إن نسب إلى الصفة، ولم ينسب إلى الموصوف، ولم يقل حسى مخافة اللبس بالنسبة إلى إحدى الحواس الخمس الظاهرة

(قوله: وهو أمر بسببه يقتضى الخيال اجتماعهما فى المفكرة) أى: وإن كان العقل إذا خلى ونفسه لا يقضى بذلك الاجتماع، ثم إنه لا يشترط أن يكون ذلك الأمر صورة تدرك بالخيال بعد الحس المشترك، بل يكون خياليا ولو كان عقليا بسبب كونه كليا أو وهميا بسبب كونه جزئيا لا يدرك بالحواس، فاندفع الاعتراض بأن التقارن عقلى، إذ لا يحس فحقه أن يكون عقليا أو وهميا، ووجه الاندفاع أن المراد بالجامع فى هذه القوى ما تتوصل كل قوة به إلى الجمع عند المفكرة لا ما يدرك بتلك بالخصوص وهو ظاهر غير أنه يرد عليه أن يقال: التوصل إلى الجمع إنما يكون بإدراك المتوصل به، وكيف تتوصل قوة من تلك القوى إلى جمع المتعاطفات بشىء لا يدرك بها، والجواب أن هذه القوى لا يختص إدراكها بما اختصت به، بل تدرك غيره أيضا، لكن بعد أن تأخذه عن السابق إليه وهو قوته المختصة بإدراكه أولا، ولذلك يحكم العقل على الجزئيات، ويحكم الوهم على الكليات أو الحسيات، ويحكم الخيال على المعانى بعد تصوير الوهم إياها بصور المحسوسات والحكم على الشىء فرع عن تصوره وإدراكه، فعلى هذا الجامع العقلى يقتضى بسببه العقل الجمع عند المفكرة، ولو سبق إليه الوهم لكونه مدركا له بالخصوص أولا، فأخذ منه العقل والجامع الوهمى ما يحتال بسببه الوهم على الجمع عند المفكرة، ولو سبق إليه الخيال لكونه مدركا له بالخصوص أولا، أو سبق إليه العقل لكونه كذلك بالنسبة إليه، ثم أخذه الوهم من أحدهما، والجامع الخيالى هو ما يتعلق بالصور الخيالية ولو كان عقليا أو وهميا فى أصله. اه يعقوبى.

وسيأتى ذلك أيضا فى الشرح

(قوله: بأن يكون بين تصوريهما) الضمير للشيئين، وسيأتى الاعتراض على هذه العبارة فى الشرح، والصواب بأن يكون بينهما

(قوله: تقارن فى الخيال) أى: خيال المخاطب على ما فى الأطول وهو مبنى على الغالب من مراعاة حال المخاطب، والمراد بتقارنهما فى الخيال تقارنهما فيه عند التذكر والإحضار،

ص: 563

سابق) على العطف لأسباب مؤدية إلى ذلك (وأسبابه) أى: وأسباب التقارن فى الخيال (مختلفة؛

===

وليس المراد بالتقارن فى الخيال أن يكون الشيئان ثابتين فيه؛ لأن الصور المتقاربة والمتباعدة كلها ثابتة فى الخيال؛ لأنه خزانة لها

(قوله: سابق على العطف) أى: سابق ذلك التقارن فى خيال المخاطب على العطف ليكون مصححا له، وأما لو كان التقارن حاصلا بالعطف فلا يكفى- كذا قرر بعضهم، وفى الشيخ يس: أن الظاهر أن هذا القيد لبيان الواقع لا للاحتراز- فتأمله.

(قوله: لأسباب مؤدية إلى ذلك) متعلق بتقارن أى: بأن يكون بينهما تقارن فى الخيال لأجل أسباب مؤدية إلى ذلك التقارن

(قوله: وأسبابه مختلفة) أى: لأن تلك الأسباب وإن كان مرجعها إلى مخالطة ذوات تلك الصور الحسية المقترنة فى الخيال بمعنى أن تلك المخالطة مآل تلك الأسباب ومنشؤها، إلا أن أسباب تلك المخالطة مختلفة فيمكن وجودها عند شخص دون آخر، مثلا إذا كان المخاطب صنعته الكتابة فإنها تقتضى مخالطته لآلاتها من قلم ودواة ومداد وقرطاس فتقترن صور المذكورات بخياله، فيصح أن يعطف بعضها على بعض فيقول القلم عندى والدواة عندك، وإذا تعلقت همته بصنعة الصياغة أوجب ذلك له مخالطة آلاتها وأمورها من سبائك الذهب والفضة، فتقترن صور المذكورات بخياله فيصح أن يعطف بعضها على بعض، وإذا كان من أهل التعيش بالإبل مثلا أوجب له ذلك مخالطتها وأمورها من رعيها فى خصب ناشئ عن المطر النازل من السماء ومن الإيواء بها إلى محل الرعى والحفظ كالجبال، ثم إلى الانتقال بها إلى أرض دون أخرى طلبا للكلأ فتقترن صور المذكورات فى خياله فيصح عطف بعضها على بعض باعتبار من اقترنت بخياله دون غيره، فظهر من هذا أن أسباب المخالطة توجد لشخص دون غيره، وربما كانت مقارنة الصور فى الخيال على وجه الترتيب فتجتمع كذلك عند المفكرة، فإذا عكس ترتيبها لم يحسن لما فيه من التخليط الغير المألوف كما فى قوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (1) فلو وقع

(1) الغاشية: 17 - 20.

ص: 564

ولذلك اختلفت الصور الثابتة فى الخيالات ترتبا ووضوحا) فكم من صور لا انفكاك بينها فى خيال، وهى فى خيال آخر مما لا تجتمع أصلا، وكم من صور لا تغيب عن خيال وهى فى خيال آخر مما لا يقع قط.

===

العطف فى غير القرآن بذكر الأرض أولا، ثم الجبال، ثم السماء، ثم الإبل لم يحسن؛ لأن صور المذكورات لم تقترن فى خيال أصحابها على هذا الوجه فلم تتضح فيها كذلك، والمعتبر خيال السامع؛ لأنه الذى يراعى حاله فى غالب الخطاب لا خيال المتكلم

(قوله: ولذلك) أى: ولأجل اختلاف أسباب التقارن اختلفت الصور الثابتة فى الخيال أى: التى من شأنها ذلك، وأشار بقوله ترتبا ووضوحا إلى أن المختلف بسبب اختلاف الأسباب هو ترتب الصور ووضوحها باعتبار الخيالات

(قوله: ترتبا ووضوحا) تمييز محول عن فاعل اختلفت أى: اختلف ترتب الصور ووضوحها، والمراد بترتبها اجتماعها فى الخيال بحيث لا تنفك عن بعض، والمراد بوضوحها عدم غيبتها عن الخيال كما يؤخذ من كلام الشارح أى: اختلفت اجتماعا وعدم اجتماع، وضوحا وعدم وضوح.

(قوله: فكم من صور إلخ) أى: لأنه كم من صور وهذا التعليل راجع لما قبله على سبيل اللف والنشر المرتب، فقوله فكم من صور لا انفكاك إلخ: راجع لاختلاف الصور ترتبا، (وقوله: وكم من صور لا تغيب إلخ) راجع لاختلافها وضوحا، (وقوله:

فكم من صور لا انفكاك إلخ) كصورة القلم والدواة والقرطاس، (وقوله: لا انفكاك بينها فى خيال) أى: كخيال الكاتب الذى تعلقت همته بالكتابة، فإذا حضرت صورة أحدها فى خياله حضر صور الباقى، وذلك لكثرة إلف خياله لها، (وقوله: وهى فى آخر مما لا تجتمع) أى: كخيال النجار أو البناء فإن صور هذه المذكورات لا تجتمع فى خياله، وإن استحضر واحدا منها بأن رآه لم يقارنه الباقى لقلة إلف خياله به، وهذا مناسب لما قدرناه بقولنا: وعدم اجتماع

(قوله: وكم من صور لا تغيب إلخ) أى: كصورة محبوب زيد، فإنها لا تغيب عن خيال زيد ولا تقع فى خيال عمرو الذى هو غير محب، وقول الشارح: وهى فى خيال آخر مما لا يقع قط هذا مناسب لما قدرناه سابقا بقولنا وعدم وضوح وقد علم من كلام الشارح هذا أن المراد بالترتب ارتباط الصور فى الخيال بحيث

ص: 565

(ولصاحب علم المعانى فضل احتياج إلى معرفة الجامع) لأن معظم أبوابه الفصل والوصل، وهو مبنى على الجامع (لا سيما) الجامع (الخيالى؛ فإن جمعه على مجرى الإلف والعادة)

===

لا تنفك، والمراد بالوضوح عدم غيبتها عن الخيال، وفيه أن الترتب والوضوح بهذا المعنى متلازمان؛ وذلك لأن الصور المقترنة فى الخيال بعد فرض تقارنها لا تنفك فى ذلك الخيال فوضوحها فى خيال يقتضى عدم انفكاكها فيه، وحينئذ فلا يكون لاختلاف التفسيرين فائدة لصحة أن يفسر كل منهما بما ذكر للآخر، بل لا وجه لذكرهما معا لإغناء أحدهما عن الآخر، فلعل الأولى أن يفسر الترتب بأن يكون حضور الصور على وجه مخصوص لا يكون فى آخر كذلك، فالخيالات قد تشترك فى وضوح تلك الصور فيها، لكن ترتبها فى بعض الخيالات خلاف ترتبها فى غير ذلك البعض، فقد اختلف الترتب مع الوضوح بهذا الاعتبار.

(قوله: ولصاحب علم المعانى فضل احتياج) أى: زيادة احتياج أى حاجة أكيدة، فهو من إضافة الصفة للموصوف، وقصد المصنف بهذا حث صاحب هذا العلم على معرفة جزئيات الجامع الواقعة فى التركيب فى مقام الفصل والوصل، وبهذا اندفع ما يقال: إن صاحب هذا العلم يعرف أن الجامع العقلى أمور ثلاثة، والوهمى ثلاثة والخيالى واحد، فلا معنى لحثه على معرفتها، وإنما الذى يحث على معرفتها طالب هذا العلم، فكان الأولى للمصنف أن يقول: ولطالب علم المعانى

(قوله: لأن معظم أبوابه إلخ) هذا الكلام على وجه المبالغة، والمعنى المراد أن علم المعانى معياره باب الفصل والوصل، بمعنى أن من أدركه كما ينبغى لم يصعب عليه شىء من سائر الأبواب بخلاف العكس، أو المراد بالمعظم الأصعب- كما قرره بعضهم.

(قوله: وهو مبنى على الجامع) أى: وجودا وعدما أى: وإذا كان باب الفصل والوصل بمنزلة كل أبواب علم المعانى لسهولة إتقانها عن إتقانه، وهذا الباب مبنى على الجامع تأكدت حاجة صاحب هذا العلم إلى معرفة الجامع

(قوله: لا سيما الجامع الخيالى) أى: لا مثل الجامع الخيالى موجود فى التأكيد بمعنى: أنه أوكد أنواع الجامع الثلاثة.

(قوله: فإن جمعه) أى: فإن الجمع بسببه، وهذا علة لقوله لا سيما إلخ

(قوله: على مجرى الإلف)

ص: 566

بحسب انعقاد الأسباب فى إثبات الصور فى خزانة الخيال، وتباين الأسباب

===

أى: مبنى على جريان المألوف أى: على جريان الصورة المألوفة والمعتادة، والمراد بجريانها وقوع ذلك المألوف من الصور والمعتاد منها وقوعا متكررا فى الخيالات والنفوس، فبذلك يحصل الاقتران الذى هو الجامع

(قوله: بحسب انعقاد) أى: وجود الأسباب متعلق بمجرى، والمعنى أن الجمع به مبنى على وجود الصور المألوفة فى الخيال ووجودها فيه بحسب الأسباب المقتضية لإثبات تلك الصور واقترانها فى الخيال، كصنعة الكتابة فإنها سبب فى اقتران القلم والدواة

(قوله: فى إثبات الصور) متعلق بالأسباب وإضافة خزانة للخيال بيانية، وقوله فى خزانة: متعلق بإثبات.

(قوله: وتباين الأسباب) أى: والأسباب المتباينة المقتضية لإثبات صور المحسوسات فى الخيال وهو مبتدأ، (وقوله: مما يفوته الحصر) أى: الضبط، والعد خبره، ولكون تلك الأسباب لا تحصر كان الجامع الخيالى أكثر الجوامع وقوعا، والاحتياج إليه أشد.

واعلم أن تلك الأسباب المقتضية لإثبات الصور فى الخيال تختلف باختلاف الأشخاص والأغراض والأزمنة والأمكنة لما سبق لك أن منشأ تلك الأسباب المخالطة وأسباب المخالطة مختلفة، فيمكن وجودها عند شخص دون آخر، وحيث كانت تلك الأسباب لا تنحصر، فاختلاف الصور باعتبار الحضور فى الخيالات لا ينحصر أيضا، ولهذا نجد الشىء الواحد يشبه بصور من الصور الحسية المخزونة فى الخيال، فيشبهه كل شخص بصورة مخالفة لما يشبهه بها الآخر لكون تلك الصورة التى شبهه بها كل واحد هى الحاضرة فى خياله. كما روى أن سلاحيا وصائغا وبقارا ومؤدب أطفال طلع عليهم البدر بعد التشوف إليه، فأراد كل واحد أن يشبهه بأفضل ما فى خزانة خياله فشبهه الأول بالترس المذهب، والثانى بالسبيكة المدورة من الإبريز، والثالث بالجبن الأبيض يخرج من قالبه، والرابع برغيف أحمر يصل إليه من بيت ذى ثروة، فالصور التى من شأنها حصولها فى الخيال اختلفت فى حضورها فى الخيالات بمعنى أنها وجدت فى خيال دون آخر؛ لأن كل شخص شبه بما هو ملائم لما هو مخالطه فإن من خالط شيئا

ص: 567

مما يفوته الحصر، فظهر أن ليس المراد بالجامع العقلى ما يدرك بالعقل، وبالوهمى ما يدرك بالوهم، وبالخيالى ما يدرك بالخيال؛ لأن التضاد وشبهه ليسا من المعانى التى يدركها الوهم، وكذا التقارن فى الخيال ليس من الصور التى تجتمع فى الخيال، بل جميع ذلك معان معقولة، وقد خفى هذا على كثير من الناس فاعترضوا بأن السواد والبياض- مثلا- من المحسوسات دون الوهميات،

===

فلا بد أن يغترف من بحره

(قوله: مما يفوته الحصر) أى: مما يتجاوزه ولا يتسلط عليه الحصر

(قوله: فظهر) أى: من تفسير الشارح للجوامع الثلاثة بما تقدم

(قوله: ما يدرك بالعقل) أى: خصوص ما يدرك بالعقل وهكذا، بل المراد بالعقلى أمر بسببه يقتضى العقل الاجتماع فى المفكرة، سواء كان من مدركاته بنفسه أو لا، وبالوهمى أمر بسببه يقتضى الوهم الاجتماع فى المفكرة سواء كان من مدركاتها بنفسه أو لا، وكذلك الخيال

(قوله: لأن التضاد إلخ) لم يلتفت فى التعليل إلى الجامع العقلى لصحة إدراك العقل ما ذكره المصنف فيه من الاتحاد والتماثل والتضايف، وإن كان الجامع العقلى قد يكون مدركا للوهم

(قوله: ليس من الصور) أى: بل هو وصف للصور

(قوله: بل جميع ذلك) أى: جميع الجوامع المتقدمة وهى سبعة

(قوله: معان معقولة) أى: يدركها العقل لكونها معان كلية إن لم تضف إلى شىء أو أضيفت إلى كلى، فإن أضيفت إلى جزئى كانت من مدركات الوهم فالتماثل مثلا إن اعتبر غير مضاف أو مضافا لكلى كان من مدركات العقل، وإن اعتبر مضافا للجزئى كان من مدركات الوهم

(قوله: وقد خفى هذا) أى: قولنا ليس المراد إلخ: على كثير من الناس، فاعتقدوا أن الجامع العقلى هو ما يدرك بالعقل، والجامع الوهمى هو ما يدرك بالوهم، والجامع الخيالى هو ما يدرك بالخيال، فاعترضوا إلخ.

(قوله: من المحسوسات إلخ) أى: وحينئذ فمقتضاه أن يكون الجامع بينهما خياليا؛ لأن الخيال يدركهما بعد إدراك الحس المشترك فكيف يجعلهما المصنف من الوهميات، ويجعل الجامع بينهما وهميا، مع أن الوهم إنما يدرك المعانى الجزئية، ولا يخفى ضعف هذا الاعتراض عند التأمل؛ لأن الجامع ليس هو نفس الضدين كما لا يخفى حتى يصح هذا الاعتراض.

ص: 568

وأجابوا بأن الجامع كون كل منهما مضادا للآخر؛ وهذا معنى جزئى لا يدركه إلا الوهم؛ وفيه نظر؛ لأنه ممنوع، وإن أرادوا أن تضاد هذا السواد لهذا البياض معنى جزئى فتماثل هذا مع ذاك وتضايفه معه أيضا معنى جزئى، فلا تفاوت بين التماثل والتضايف وشبههما فى أنها إن أضيفت إلى الكليات كانت كليات، وإن أضيفت إلى الجزئيات كانت جزئيات، فكيف يصح جعل بعضها على الإطلاق عقليا وبعضها وهميا؟ !

===

(قوله: وأجابوا) عطف على اعترضوا

(قوله: وهذا) أى: كون كل منهما مضادا للآخر

(قوله: وفيه نظر) أى: فى هذا الجواب نظر من حيث قوله وهذا معنى جزئى

(قوله: لأنه ممنوع) أى: لأنا لا نسلم أن تضاد البياض للسواد معنى جزئى، بل هو كلى؛ لأن التضاد المأخوذ مضافا لكلى كلى

(قوله: أن تضاد هذا السواد) أى: المخصوص، (وقوله:

لهذا البياض) أى: المخصوص

(قوله: فتماثل إلخ) أى: فمسلم، ولكنه معارض بالمثل؛ لأن تماثل هذا أى كزيد، (وقوله: مع ذاك) أى: مع عمرو مثلا

(قوله: فتماثل) أى: فنقول تماثل هذا إلخ أى: فالأخذ بهذا المراد يؤدى لفساد كلام المصنف أو للتحكم

(قوله: وشبههما) أى: وغيرهما من بقية الجوامع، (وقوله: فى أنها) أى: التماثل والتضايف وغيرهما مثل التضاد وشبهه

(قوله: إلى الكليات) كقولك تضاد البياض للسواد، (وقوله: إلى الجزئيات) كقولك تضاد هذا البياض لهذا السواد، فإن هذا البياض الذى أضيف إليه التضاد معنى جزئى

(قوله: كانت كليات) فتكون من مدركات العقل

(قوله: كانت جزئيات) أى: فتكون من مدركات الوهم

(قوله: فكيف يصح جعل بعضها) وهو الاتحاد والتماثل والتضايف، (وقوله: على الإطلاق) أى: سواء أضيف لكلى أو جزئى

(قوله: وبعضها وهميا) وهو التضاد وشبه التضاد وشبه التماثل، (وقوله: فكيف إلخ؟ ) استفهام إنكارى بمعنى النفى أى: لا يصح ذلك؛ لأنه تحكم محض، ثم إن ما اقتضاه هذا الجواب من أن التضاد المضاف للجزئى جزئى لا يسلم؛ لأنهم صرحوا بأن إمكان زيد كلى؛ لأنه يتعدد باعتبار الأزمنة والأمكنة، وهذا الإمكان جزئى ضرورة أن الإشارة لا تكون إلا للمحسوس المشاهد- اللهم إلا أن يقال: إن هذا الجواب مبنى على تسليم أن التضاد المضاف للجزئى جزئى جدلا، أو أن المراد بالجزئى فى كلامه الجزئى

ص: 569

ثم إن الجامع الخيالى هو تقارن الصور فى الخيال، وظاهر أنه ليس كصورة ترسم فى الخيال، بل هو من المعانى، فإن قلت: كلام المفتاح مشعر بأنه يكفى لصحة العطف وجود الجامع بين الجملتين باعتبار مفرد من مفرداتهما؛ وهو نفسه معترف بفساد ذلك حيث منع صحة نحو: خفى ضيق وخاتمى ضيق، ونحو:

الشمس ومرارة الأرنب وألف باذنجانة محدثة- قلت: كلامه هاهنا ليس إلا فى بيان الجامع بين الجملتين،

===

الإضافى لا الحقيقى، ولا شك أن الجزئى الإضافى يصدق على الكلى كما بين فى محله- فتأمل.

(قوله: ثم إن الجامع الخيالى إلخ) هذا اعتراض من الشارح على البعض القائل:

إن الجامع العقلى هو ما يدرك بالعقل، والمراد بالجامع الخيالى ما يدرك بالخيال، وتوضيحه أن ذلك البعض لما فسر الجوامع المذكورة بما يدرك بهذه القوى، واعترض على التفسير المذكور بالجامع الوهمى، قال له الشارح: اعلم أن الاعتراض بالجامع الوهمى فيه قصور، إذ حيث كان المراد بالجوامع المذكورة ما يدرك بهذه القوى، فلا يصح هذا التفسير فى الجامع الخيالى أيضا- قرر ذلك شيخنا العدوى.

(قوله: بل هو) أى: التقارن من المعانى أى: المدركة بالعقل، أو بالوهم على التفصيل المتقدم

(قوله: فإن قلت) أى: معترضا على السكاكى بوقوع التنافى فى كلامه، والغرض من ذكر الشارح لهذا الاعتراض- والجواب عنه- التوطئة والتمهيد للاعتراض على المصنف حيث وقع الخلل فى كلامه

(قوله: مشعر إلخ) أى: لأنه قال الجامع بين الجملتين إما عقلى وهو أن يكون بين الجملتين اتحاد فى تصور ما إلخ، ومن المعلوم أن الكلام فى الجامع المصحح للعطف، إذ ما لا يصحح العطف لا يتعلق الغرض ببيانه وتصور بمعنى متصور وتنوينه يدل على الإفراد

(قوله: وهو بنفسه معترف بفساد ذلك) أى: وحينئذ ففى كلامه تناف

(قوله: حيث منع إلخ) أى: لعدم الجامع بين المسند إليهما وإن كان الجامع بين المسندين موجودا وهو الاتحاد فى التصور

(قوله: محدثة) خبر حذف من الأولين لدلالة الأخير عليه فهو من عطف الجمل

(قوله: قلت) أى: جوابا عن السكاكى، (وقوله: كلامه هنا) أى: قوله الجامع بين الجملتين إلخ، (وقوله: ليس إلا فى

ص: 570

وأما أن أى قدر من الجامع يجب لصحة العطف- فمفوض إلى موضع آخر، وقد صرح فيه باشتراط المناسبة بين المسندين والمسند إليهما جميعا.

والمصنف لما اعتقد أن كلامه فى بيان الجامع سهو منه

===

بيان الجامع بين الجملتين) أى: فى بيان حقيقته من حيث هو وكون ذلك كافيا فى صحة العطف أو لا، فهو شىء آخر.

(قوله: وأما إن إلخ) أى: وأما بيان جواب أن أى: قدر إلخ، وحاصل هذا الجواب أنا لا نسلم أن كلام السكاكى هنا أعنى قوله: والجامع بين الجملتين إلخ فى بيان الجامع المصحح للعطف حتى يلزم التنافى فى كلامه، بل كلامه هنا فى بيان حقيقة الجامع، وأما كونه كافيا أولا فشىء آخر، وقد علم من سابق كلامه من عدم صحة نحو الشمس وألف باذنجانة، ومرارة الأرنب محدثة، ومن لاحق كلامه من عدم صحة نحو: خاتمى ضيق، وخفّى ضيق مع اتحاد المسندين فى المثالين أن الكافى فى صحة العطف وجود الجامع فى كلا الجزأين، فكلامه السابق واللاحق مما يعين المراد من كلامه هنا

(قوله: أى قدر) مبتدأ ويجب خبره والجملة خبر أن واسمها ضمير الشأن، ولا يصح نصب أى: على أنه اسم أن؛ لأن أن لا تدخل على ما له صدر الكلام، وأى هنا:

استفهامية فهى واجبة التصدير

(قوله: فمفوض إلى موضع آخر) أى: فموكول بيانه لموضع آخر وحينئذ فلا تنافى فى كلامه.

(قوله: وقد صرح فيه) أى: فى الموضع الآخر وهو الذى منع فيه صحة نحو:

خفى ضيق، وخاتمى ضيق إلخ

(قوله: لما اعتقد أن كلامه) أى: كلام السكاكى أعنى قوله: والجامع بين الجملتين إما عقلى وهو أن يكون بين الجملتين اتحاد فى تصور ما إلخ

(قوله: فى بيان الجامع) أى: الكافى فى صحة العطف

(قوله: سهو منه) أى: من السكاكى بواسطة السؤال المذكور حيث قال فى الإيضاح: وأما ما يشعر به ظاهر كلام السكاكى فى مواضع من كتابه أنه يكفى أن يكون الجامع باعتبار المخبر عنه، أو الخبر، أو قيد من قيودهما فهو منقوض بنحو: هزم الأمير الجند يوم الجمعة، وخاط زيد ثوبى فيه مع القطع بامتناعه، ولعله سهو منه، فإنه صرح فى مواضع أخر منه بامتناع عطف

ص: 571

وأراد إصلاحه- غيره إلى ما ترى؛ فذكر مكان [الجملتين][الشيئين] ومكان قوله:

[اتحاد فى تصور ما][اتحاد فى التصور] فوقع الخلل فى قوله: الوهمى أن يكون بين تصوريهما شبه تماثل أو تضاد، أو شبه تضاد، وفى قوله: الخيالى أن يكون بين تصوريهما تقارن فى الخيال؛ لأن التضاد مثلا

===

قول القائل: خفى ضيق على خاتمى ضيق مع اتحادهما فى الخبر- اه، فأنت تراه قد حكم على السكاكى بالسهو فى كلامه، ولم يصلحه بتقييده بالسابق واللاحق كما ذكر شارحنا فى الجواب السابق، (وقوله: سهو) خبر لأن

(قوله: وأراد) أى: المصنف وضمير إصلاحه لكلام السكاكى، والجملة حالية

(قوله: غيره) جواب لما (وقوله: إلى ما ترى) أى: إلى ما رأيت. قال العلامة عبد الحكيم: فى ظنى أن تبديل المصنف الجملتين بالشيئين لتعميم الحكم فإن الجامع كما يجب بين الجمل يجب بين المفردات عند عطفها، وكذا المركبات الغير التامة وتعريفه التصور للإشارة إلى التصور المعهود الذى هو جزء من الشيئين، فاللام فيه بمنزلة الصفة فى قول السكاكى فى تصور ما مثل الاتحاد فى المخبر عنه، أو به، أو قيد من قيودهما، إلا أن القسم الأول من الجامع العقلى يكون مختصا بالجمل والمركبات، والثانى والثالث بالمفردات، وليس هذا التغيير لدفع الشبهة المذكورة، فإن المصنف أشار بقوله ظاهر كلام السكاكى: إلى أنه لو حمل كلامه على خلاف الظاهر بقرينة ما ذكره فى الموضع الآخر بأن يكون المراد بيان الجامع مطلقا لا الجامع المصحح للعطف لم ترد الشبهة، وأما ما قاله الشارح من أن تغيير المصنف لكلام السكاكى لأجل الإصلاح ففيه أنه إن أراد بالشيئين ما يعم الجملتين فالشبهة باقية، وإن أراد المفردين فلا معنى للاتحاد فى العلم، فإن اتحاد العلم وتعدده تابع لاتحاد المعلوم وتعدده، وكذا لا معنى لتماثلهما فى العلم وتضايفهما فيه، إذ التماثل والتضايف من أوصاف المعلوم لا العلم، ولم يظهر لى إلى الآن مقصود الشارح- اه كلامه.

(قوله: فوقع الخلل فى قوله) أى: فى قول المصنف، وحاصل إيضاح المقام أن المصنف لما ذكر مكان الجملتين الشيئين، وأقام قوله اتحاد فى التصور مقام قوله: اتحاد فى تصور ما مثل الاتحاد فى المخبر عنه، أو به، أو قيد من قيودهما- ظهر أنه أراد بالتصور

ص: 572

إنما هو بين نفس السواد والبياض، لا بين تصوريهما؛ أعنى: العلم بهما، وكذا التقارن فى الخيال إنما هو بين نفس الصور. فلا بد من تأويل كلام المصنف،

===

الذى اعتبر فيه الاتحاد المعنى المتعارف وهو العلم، فلزمه الفساد فى القولين المذكورين، وهذا الفساد إنما لزم من تغييره، ولا يرد ذلك على عبارة السكاكى؛ لأنه مثل الاتحاد فى تصور بالاتحاد فى المخبر عنه أو فى الخبر أو فى قيد من قيودهما، فعلم أن مراده بتصوريهما فى قوله الوهمى أن يكون بين تصوريهما، والخيالى أن يكون بين تصوريهما متصورهما على قياس ما سبق- اه فنرى.

(قوله: إنما هو بين نفس السواد والبياض) أى: اللذين هما متصوران

(قوله: أعنى) أى: بتصوريهما العلم بهما

(قوله: إنما هو بين نفس الصور) أى: لا بين التصورات، وهذا إنما يظهر على القول بتغاير العلم والمعلوم، فالعلم حصول الصورة فى الذهن، والمعلوم هو الصورة، والتحقيق أنهما متحدان بالذات، وإنما يختلفان بمجرد الاعتبار، فالصورة باعتبار حصولها فى الذهن علم، وباعتبار حصولها فى الخارج معلوم، فالعلم هو الصورة الحاصلة فى الذهن، لا حصول الصورة فى الذهن؛ لأن الإدراك من قبيل الكيف، لا من قبيل الفعل أو الانفعال.

(قوله: فلا بد من تأويل كلام المصنف) أى: بأن يقال: أراد المصنف بتصوريهما مفهوميهما. وهما الأمران المتصوران، وتجعل الإضافة للضمير بيانية، وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال فيه أنه خلل، إذ غاية ما فيه إطلاق المصدر على متعلقه وهو أمر لا ينكر؛ لأنه مجاز، والمجاز لا حجر فيه مع وجود العلاقة المصححة- كيف والشارح نفسه حمل التصور فى كلام السكاكى السابق على المتصور؟ حيث قال فيما سبق: وهذا ظاهر فى أن المراد بالتصور الأمر المتصور، ولا يقال: إنما حمله على ذلك وجود القرينة الدالة عليه فى كلام السكاكى؛ لأنا نقول تلك القرينة بعينها، أو ما يقاربها فى كلام المصنف كما يعلم بالتأمل، على أنا لو فرضنا عدم القرينة بالكلية لم يكن فى كلام المصنف خلل، بناء على ما هو التحقيق من أن العلم والمعلوم شىء واحد بالذات، وإنما يختلفان بمجرد الاعتبار على أنه لو كان مراد المصنف بالتصور الأمر المتصور

ص: 573

وحمله على ما ذكره السكاكى بأن يراد بالشيئين الجملتان، وبالتصور مفرد من مفردات الجملة- غلط مع أن ظاهر عبارته يأبى ذلك.

ولبحث الجامع زيادة تفصيل وتحقيق أوردناها فى الشرح،

===

لكان يكفيه عن ذكر التصور أن يقول: الوهمى أن يكون بينهما شبه تماثل إلخ، والخيالى أن يكون بينهما تقارن، مع أنه بصدد تلخيص العبارات ورعاية الاختصار منها، وأيضا إن أريد بالمفهومين المفهومان من حيث إنهما مفهومان حاصلان فى الذهن فلا يصح الحكم بالتضاد؛ لأن المفهوم من حيث إنه مفهوم هو الصورة الحاصلة ولا تضاد بين الصور وإن أريد من حيث ذاتهما لم يصح الحكم بالتقارن فى الخيال؛ لأنه إنما هو بين الصور، وإن أريد مطلقا: فالتضاد بينهما من حيث الوجود العينى والتقارن من حيث الوجود الذهنى، فهذا بعينه يجرى فيما إذا أريد بتصورهما العلم بمعنى الصورة الحاصلة، فإن التضاد بينهما بالنظر إلى الوجود العينى والتقارن باعتبار الوجود الذهنى

(قوله: وحمله) أى: حمل كلام المصنف، وهذا كلام مستأنف رد لما يقال: جوابا عن المصنف:

أنه أراد بالشيئين الجملتين، وإنما غاير للاختصار والتفنن، وأراد بالتصور مفردا من مفردات الجملة إطلاقا للتصور على المتصور وحملا لأل على الجنس لا على العهد، فيرجع كلامه بهذا الاعتبار لما قاله السكاكى، وحاصل الرد أن هذا الحمل غلط؛ لأن المصنف قد رد هذا الكلام فى الإيضاح على السكاكى، وحمله على أنه سهو منه، وقصد بهذا التغيير إصلاحه، فكيف يحمل كلام المصنف على كلامه؟ على أن ظاهر عبارة المصنف يأبى هذا الحمل، إذ ليس فيها ما يدل عليه، إذ المتبادر من الشيئين أى:

شيئين من أجزاء الجملتين لا نفس الجملتين، وكون المراد بالتصور معرفا مفردا من مفردات الجملة بعيدا جدا، إذ المتبادر منه الإدراك، فتعبير المصنف بالتصور معرفا مما يأبى هذا الحمل- هذا محصل كلامه كما يفيده كلام المطول وحواشيه، واعترض بأن المصنف بعد ما حمل فى الإيضاح كلام السكاكى على السهو وفرغ منه قال: ثم قال الجامع بين الشيئين عقلى ووهمى وخيالى، أما العقلى فهو أن يكون بين الشيئين اتحاد فى التصور إلخ ما ذكره، فلا يتعين أن قصده بهذا الكلام إصلاح كلام السكاكى، بل يجوز

ص: 574