المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حال الفعل مع المفعول والفاعل]: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٢

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌[أغراض الحذف]:

- ‌ ذكر المسند

- ‌[أغراض الإفراد]:

- ‌[أغراض كون المسند فعلا أو اسما]:

- ‌أغراض تقييد الفعل بمفعول ونحوه، وترك تقييد الفعل:

- ‌[ترك تقييد الفعل]:

- ‌[أغراض‌‌ تقييد الفعل بالشرط:إن وإذا ولو]:

- ‌ تقييد الفعل بالشرط:

- ‌[استطراد إلى التغليب]:

- ‌[أغراض التنكير]:

- ‌ تنكير المسند

- ‌[أغراض التخصيص بالإضافة والوصف وتركه]:

- ‌[تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف]:

- ‌[غرض التعريف]:

- ‌(وأما تعريفه

- ‌[ترك تقييد المسند بالحال أو المفعول أو نحو ذلك]:

- ‌[أغراض كون المسند جملة]:

- ‌[كون المسند جملة للتقوّى]:

- ‌‌‌[أغراض التأخيروالتقديم]:

- ‌[أغراض التأخير

- ‌[تأخير المسند]:

- ‌[أغراض التقديم]:

- ‌[تقديم المسند]:

- ‌[[الباب الرابع: ] أحوال متعلقات الفعل]

- ‌[حال الفعل مع المفعول والفاعل]:

- ‌[أغراض تقديم المتعلقات على الفعل]:

- ‌[[الباب الخامس: ] القصر]:

- ‌[طرق القصر]:

- ‌[طريقة العطف]:

- ‌(ومنها النفى والاستثناء

- ‌[التقديم]:

- ‌[[الباب السادس: ] القول فى‌‌ الإنشاء]:

- ‌ الإنشاء]:

- ‌[أنواع الإنشاء]:

- ‌[الطلب]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: التمني]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: الاستفهام]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: الأمر]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: النهي]:

- ‌ومن أنواع الطلب: النداء

- ‌[[الباب السابع: ] الفصل والوصل]

- ‌[تعريف الفصل والوصل]:

- ‌[أحوال الوصل والفصل للاشتراك فى الحكم]:

- ‌[الفصل لعدم الاشتراك فى الحكم]:

- ‌[الوصل بغير الواو من حروف العطف]:

- ‌[الفصل لعدم الاشتراك فى القيد]:

- ‌[الفصل لكمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لكمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الاتصال]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الانقطاع]:

- ‌[أنواع الاستئناف]:

- ‌[حذف صدر الاستئناف]:

- ‌[الوصل لدفع الايهام]:

- ‌[محسنات الوصل]:

- ‌[تذنيب]:

- ‌[الباب الثامن: الإيجاز والإطناب والمساواة]:

- ‌[إيجاز القصر]:

- ‌[إيجاز الحذف]:

- ‌[الإطناب]:

- ‌[ذكر الخاص بعد العام]:

- ‌[الإيجاز والإطناب النسبيان]:

الفصل: ‌[حال الفعل مع المفعول والفاعل]:

[[الباب الرابع: ] أحوال متعلقات الفعل]

[حال الفعل مع المفعول والفاعل]:

قد أشير فى التنبيه إلى أن كثيرا من الاعتبارات السابقة يجرى فى متعلقات الفعل لكن ذكر فى هذا الباب تفصيل بعض من ذلك

===

[أحوال متعلقات الفعل]

ذكر المصنف فى هذا الباب ثلاثة مطالب الأول نكات حذف المفعول به، والثانى نكات تقديمه على الفعل، والثالث نكات تقديم بعض معمولات الفعل على بعض وذكر مقدمة للمطلب الأول بقوله الفعل مع المفعول إلى قوله: ثم الحذف إلخ، فقوله: ثم الحذف هو أول المقصود بالترجمة وقوله متعلقات بكسر اللام أى: أحوال الأمور المتعلقة بالفعل، فالفعل يقال فيه متعلق بالفتح والمفعول مثلا متعلق بالكسر أى:

متشبث وهذا هو الأحسن وإن صح العكس؛ لأن كلا متعلق بالآخر ووجه أولوية الكسر أن المفاعيل وما ألحق بها معمولة وكون المعمول لضعفه متعلقا بالكسر أنسب؛ لأن المتعلق هو المتشبث وهو أضعف من المتشبث به- تأمل.

(قوله: قد أشير إلخ) إنما لم يقل صرح؛ لأنه لم يصرح فيه وإنما قال غير مختص بهما، بل يجرى فى غيرهما ومن جملة الغير متعلقات الفعل، وإنما لم يكن هذا صريحا؛ لأن هذا عام فلا يلزم من جريان الكثير فى غيرهما جريانه فى تلك المتعلقات لصدق الغير بغيرها كمتعلقات اسم الفاعل

(قوله: تفصيل بعض من ذلك) أى: من ذلك الكثير ومصدوق ذلك البعض حذف المفعول وتقديمه على الفعل وتقديم بعض المعمولات على بعض، ولا شك أن الحذف والتقديم قد تقدما فى البابين وقوله: لكن ذكر إلخ استدراك على ما يتوهم أن ما ذكر فى هذا الباب مكرر مع ما سبق، ثم إن قضية هذا الاستدراك أن المراد بأحوال متعلقات الفعل بعض أحوال متعلقاته وفيه أنه يلزم عدم انحصار الفن فى الأبواب الثمانية، فالوجه أن المراد الجميع إلا أنه اقتصر على البعض استغناء عن ذكر الباقى بما سبق فى غير هذا الباب لظهور جريانه فيه، والبعض الذى فصل هنا لا يقصر على ما أشير إليه إجمالا كما اقتضاه كلام الشارح- قاله يس.

ص: 154

لاختصاصه بمزيد بحث؛ ومهد لذلك مقدمة فقال: (الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل فى أن الغرض من ذكره معه) أى: ذكر كل من الفاعل والمفعول مع الفعل، أو ذكر الفعل مع كل منهما

===

(قوله: لاختصاصه) أى: ذلك البعض

(قوله: بمزيد بحث) أى: ببحث زائد على البحث السابق والمراد بالبحث النكات، ولا شك أنه ذكر للحذف، وللتقديم هنا نكات زائدة على النكات السابقة لهما كما يعلم بتتبع ما تقدم وما يأتى

(قوله: ومهد لذلك) أى: لذلك البعض أى: لبعض ذلك البعض؛ لأن قوله الفعل مع المفعول إلى قوله لا إفادة وقوعه مطلقا توطئة لبحث حذف المفعول به.

(قوله: الفعل) هو مبتدأ وقوله مع المفعول حال فى ضمير الخبر الذى هو قوله:

كالفعل، وقوله مع الفاعل حال من الفعل والعامل فى الحالين حرف التشبيه أى: الفعل يشابه حال كونه مصاحبا للمفعول نفسه حال كونه مصاحبا للفاعل، وهذا التركيب نظيره قولك: زيد قائما كهو جالسا، وفى الفنارى: أن الظرف معمول لمضاف مقدر أى: ذكر الفعل مع المفعول كذكره مع الفاعل

(قوله: مع المفعول) أراد به المفعول به بدليل قول الشارح، وأما بالمفعول فمن جهة وقوعه عليه وقول المصنف نزل الفعل المتعدى منزلة اللازم؛ لأن هذا تمهيد لحذفه، وإن كان سائر المفاعيل، بل جميع المتعلقات كذلك، فإن الغرض من ذكرها مع الفعل إفادة تلبسه بها من جهات مختلفة كالوقوع فيه وله ومعه وغير ذلك، لكن خص البحث بالمفعول به لقربه من الفاعل ولكثرة حذفه كثرة شائعة وسائر المتعلقات يعرف حكمها بالقياس عليه.

(قوله: من ذكره معه) المراد بذكره معه أعم من الذكر لفظا أو تقديرا

(قوله: أى ذكر كل إلخ) أى: فالضمير الأول على الاحتمال الأول عائد على كل من الفاعل والمفعول وأفرد الضمير باعتبار كل واحد والضمير الثانى للفعل، وعلى الاحتمال الثانى بالعكس، ويؤيد الاحتمال الثانى أمران: -

الأول: قول المصنف الفعل مع الفاعل، فإن المحدث عنه فى هذه العبارة الفعل، وحينئذ فهو أولى بعود الضمير الأول عليه، الثانى قوله إفادة تلبسه به فإن الضمير الأول

ص: 155

(إفادة تلبسه به) أى: تلبس الفعل بكل منهما؛ أما بالفعل: فمن جهة وقوعه منه، وأما بالمفعول فمن جهة وقوعه عليه (لا إفادة وقوعه مطلقا) أى: ليس الغرض من ذكره معه إفادة وقوع الفعل وثبوته فى نفسه من غير إرادة أن يعلم ممن وقع وعلى من وقع؛ إذ لو أريد ذلك لقيل: وقع الضرب، أو وجد، أو ثبت، من غير ذكر الفاعل أو المفعول لكونه عبثا

===

عائد على الفعل والثانى على كل من الفاعل والمفعول، والأولى أن يكون الكلامان على نسق واحد ويؤيد الاحتمال الأول أمران أيضا الأول أن الترجمة لأحوال متعلقات الفعل الثانى أن كلمة مع تدخل على المتبوع غالبا، والفعل متبوع بالنسبة للفاعل والمفعول؛ لأنه عامل والعامل أقوى من المعمول وإنما قلنا غالبا؛ لأنها قد تدخل على التابع ومنه قول المصنف الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل فإنه قد أدخلها على التابعين اللذين كل منهما قيد للفعل مرادا بها مجرد المصاحبة لأمر خطابى وهو أن الكلام فى متعلقات الفعل من حيث هى مضافة إليه وحق المضاف إليه أنه يقدم فى الذكر التفصيلى

(قوله: إفادة تلبسه به) أى: إفادة المتكلم السامع تلبسه أى: تعلقه وارتباطه به

(قوله: أما بالفاعل) أشار بذلك إلى أن تلبس الفعل بهما مختلف فتلبسه بالفاعل من جهة وتلبسه بالمفعول من جهة أخرى، (وقوله: من جهة وقوعه منه) لم يقل أو قيامه به مع أن الفاعل ينقسم إلى ما يقع منه الفعل: كضرب زيد عمرا وإلى ما يقوم به كمرض زيد ومات عمرو؛ ولأن الكلام فى الفعل المتعدى لمفعول به ولا يكون إلا واقعا من الفاعل بالاختيار.

(قوله: لا إفادة وقوعه) أى: نفيا أو إثباتا (وقوله: مطلقا) أى: حالة كونه مطلقا عن إرادة العلم بمن وقع منه أو عليه

(قوله: أى ليس الغرض من ذكره معه) أى: من ذكر كل منهما مع الفعل

(قوله: من غير إرادة أن يعلم ممن وقع) أى: من غير إرادة أن يعلم جواب ممن وقع

(قوله: من غير ذكر الفاعل) أى: فاعل الضرب وقوله أو المفعول أى: الذى وقع عليه

(قوله: لكونه عبثا) علة لقوله من غير ذكر أى: لكون ذكر الفاعل أو المفعول عبثا أى: غير محتاج له، بل زائد على الغرض المقصود وغير المحتاج إليه عبث عند البلغاء وإن أفاد فائدة؛ لأنه زائد على المراد، فاندفع ما يقال كيف يكون عبثا مع

ص: 156

(فإذا لم يذكر) المفعول به (معه) أى مع الفعل المتعدى المسند إلى فاعله (فالغرض إن كان إثباته) أى: إثبات ذلك الفعل (لفاعله أو نفيه عنه مطلقا) أى: من غير اعتبار عموم فى الفعل بأن يراد جميع أفراده، أو خصوص بأن يراد بعضها، ومن غير اعتبار تعلقه بمن وقع عليه فضلا عن عمومه وخصوصه

===

أنه أفاد فائدة وهى بيان من وقع منه الفعل أو عليه

(قوله: فإذا لم يذكر) مفرع على قوله للفعل مع المفعول إلخ وجعل الشارح ضمير يذكر راجعا للمفعول به لا لواحد من الفاعل والمفعول أو للفعل وضمير معه لواحد منهما مع أن ذلك مقتضى ما قبله؛ لأنه يدل على ما صنعه قول المصنف فالغرض إلخ.

(قوله: المتعدى) أخذه من كون الكلام فى المفعول به وهو لا ينصبه إلا المتعدى

(قوله: فالغرض) أى: من ذلك التركيب الذى يسند فيه الفعل إلى فاعله من غير ذكر المفعول، (وقوله: إن كان) أى: ذلك الغرض وقوله إثباته لفاعله أى: فى الكلام المثبت، وقوله أو نفيه عنه أى: فى الكلام المنفى

(قوله: من غير اعتبار عموم أو خصوص إلخ) الأولى إسقاط ذلك والاقتصار فى تفسير الإطلاق على قوله من غير اعتبار تعلقه بمن وقع عليه الفعل؛ لأن التنزيل المذكور إنما يتوقف على عدم اعتبار تعلقه بمن وقع عليه ولا يتوقف على عدم اعتبار عموم أو خصوص، بل يجوز أن يقصد التعميم وينزل منزلة اللازم، وأجاب الشيخ يس بما حاصله أنه إنما أتى بما ذكر فى التفسير لأجل مطابقة قول المصنف الآتى، ثم إن كان المقام خطابيا أفاد ذلك مع التعميم لا لكون التنزيل يتوقف على ما ذكر من عدم اعتبار العموم أو الخصوص فى الفعل، وبيان ذلك أن المصنف أفاد فيما يأتى أنه إذا لم يكن المقام خطابيا كان مدلول الفعل خصوص الحقيقة، وإذا كان خطابيا أفاد الفعل العموم بمعونة المقام الخطابى فتفصيله الفعل فيما يأتى إلى إفادة العموم أو الخصوص يدل على أنه أراد هنا بالإطلاق عدم اعتبار عموم الفعل أو خصوصه، فلذلك أدخل الشارح ذلك فى تفسير الإطلاق وإن كان تنزيل الفعل منزلة اللازم لا يتوقف على ذلك، وفى ابن يعقوب أن عدم اعتبار عموم الفعل وخصوصه لازم لعدم اعتبار تعلقه بمن وقع عليه، وحينئذ فلا إيراد- تأمل.

(قوله: بأن يراد جميع إلخ) تصوير لاعتبار العموم (وقوله: بأن يراد بعضها) تصوير لاعتبار الخصوص

(قوله: فضلا عن عمومه) أى: عموم من وقع عليه الفعل الذى هو

ص: 157

(نزل) الفعل المتعدى (منزلة اللازم ولم يقدر له مفعول لأن المقدر كالمذكور) فى أن السامع يفهم منهما أن الغرض الإخبار بوقوع الفعل من الفاعل باعتبار تعلقه بمن وقع عليه، فإن قولنا: فلان يعطى الدنانير- يكون لبيان جنس ما يتناوله الإعطاء لا لبيان كونه معطيا، ويكون كلاما مع من أثبت له إعطاء غير الدنانير

===

المفعول، وكذا يقال فى خصوصه، ثم إن عموم المفعول غير عموم الفعل وكذا خصوصه؛ لأن أفراد الفعل كالإعطاءات وأفراد المفعول الأشخاص المعطون

(قوله: نزل منزلة اللازم) أى: الذى وضع من أصله غير طالب للمفعول

(قوله: ولم يقدر له مفعول) من عطف اللازم على الملزوم، وإنما لم يقدر له مفعول؛ لأن الغرض مجرد إثباته للفاعل والمقدر كالمذكور بواسطة دلالة القرينة، فالسامع حيث قامت عنده قرينة على المقدر يفهم من ذلك التركيب كما يفهم من التركيب الذى صرح فيه بمفعول الفعل أن الغرض هو الإخبار بوقوع الفعل من الفاعل على مفعوله، وأن القصد إنما هو إفادة تعلقه بالمفعول الذى وقع عليه لا مجرد إفادة نسبته للفاعل الذى هو المطلوب، وحينئذ فلا يذكر ذلك المفعول ولا يقدر لما فى ذلك من انتفاض غرض المتكلم

(قوله: يفهم منهما) أى: من المذكور والمقدر

(قوله: فإن قولنا إلخ) مثال لفهم السامع من المذكور أن الغرض ما ذكر وحاصل ما ذكره الإشارة للفرق بين اعتبار تعلق الفعل بالمفعول وعدم اعتباره وتوضيحه أنك إذا قلت فلان يعطى الدنانير كان معناه الإخبار بالإعطاء المتعلق بالدنانير ويكون كلاما مع من سلم وجود الإعطاء وجهل تعلقه بالدنانير فتردد فيه أو غفل أو اعتقد خلافه، وإذا قلت: فلان يعطى كان كلاما مع من جهل وجود الإعطاء أو أنكره أصالة فقول الشارح لبيان جنس ما يتناوله الإعطاء أى:

لبيان جنس الشىء الذى يتعلق به الإعطاء وهو الشىء المعطى كالدنانير فى المثال، وقوله: ما يتناوله الإعطاء أى: إعطاء فلان هذا هو المراد، فسقط قول سم.

قد يقال إذا كان لبيان ما ذكر فلا حاجة لذكر الفاعل على أن ذكر الفاعل لكونه ضروريا؛ لأنه أحد ركنى الإسناد لا مفر منه

(قوله: لبيان كونه معطيا) أى: وإلا لاقتصر فى التعبير على قولنا فلان معط

(قوله: ويكون كلاما مع من أثبت له إعطاء غير الدنانير)

ص: 158

لا مع من نفى أن يوجد منه إعطاء (وهو) أى: هذا القسم الذى نزل منزلة اللازم (ضربان لأنه إما أن يجعل الفعل) حال كونه (مطلقا) أى: من غير اعتبار عموم أو خصوص فيه، ومن غير اعتبار تعلقه بالمفعول (كناية عنه) أى: عن ذلك الفعل حال كونه (متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة، أو لا) يجعل كذلك، (الثانى):

===

أى: أو تردد فيه أو غفل عنه ومعنى كون هذا كلاما مع من ذكر أنه يردد بذلك عليه، ولا يقال إذا كان ما ذكر كلاما مع المنكر لإعطاء الدنانير أو المتردد فيجب توكيده لما تقدم أن كل كلام مع المتردد أو المنكر يجب توكيده أو الإتيان بصيغة التخصيص ولا تأكيد ولا تخصيص هنا فيجب أن يكون هذا كلاما مع من أثبت له إعطاء، والحال أنه خالى الذهن عن كون المعطى دنانير أو غيرها، لأنا نقول أن تخصيص الشىء بالذكر يدل على نفى الحكم عما عداه عرفا واستعمالا أو يقال: يكفى فى التأكيد كون الجملة اسمية مع إفادة خبرها الفعلى التقوية أو التخصيص.

(قوله: لا مع من نفى أن يوجد منه إعطاء) أى: وإلا لاقتصر على قوله: فلان يعطى فإن قيل: إن من نفى عنه الإعطاء منكر والكلام الملقى إليه يجب تأكيده ولا تأكيد فى قولنا: فلان يعطى، قلنا: قد تقدم الجواب عن نظير ذلك

(قوله: لأنه) أى:

الحال والشأن

(قوله: كناية عنه) أى: معبرا به عن الفعل المتعلق بمفعول مخصوص ومستعملا فيه على طريق الكناية وصح جعل الفعل المنزل منزلة اللازم كناية عن نفسه متعديا لاختلاف اعتباريه، فصح أن يجعل باعتبار أحدهما ملزوما وبالاعتبار الآخر لازما، فالفعل عند تنزيله منزلة اللازم يكون مدلوله الماهية الكلية، ثم بعد ذلك يجعل الفعل كناية عن شىء مخصوص فيكون مدلوله جزئيا مخصوصا وانظر هذا مع أن الكناية إطلاق الملزوم وإرادة اللازم والمقيد ليس لازما للمطلق إلا أن يقال: إن اللزوم ولو بحسب الادعاء كاف فى الكناية بواسطة القرينة، وحينئذ فيدعى أن المطلق ملزوم للمقيد، والحاصل أن جعل المطلق كناية عن المقيد مع أنها الانتقال من الملزوم إلى اللازم بناء على أن مطلق اللزوم ولو بحسب الادعاء كاف فيها

(قوله: دلت عليه) أى على

ص: 159

كقوله تعالى قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (1) أى: لا يستوى من يوجد له حقيقة العلم ومن لا يوجد، وإنما قدم الثانى لأنه باعتبار كثرة وقوعه أشد اهتماما بحاله (السكاكى) ذكر فى بحث إفادة اللام الاستغراق: أنه إذا كان المقام خطابيا لا استدلاليا كقوله صلى الله عليه وسلم:

===

ذلك المفعول المخصوص قرينة

(قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي إلخ) الأصل هل يستوى الذين يعلمون الدين والذين لا يعلمونه، ثم حذف المفعول ونزل الفعل منزلة اللازم بحيث صار المراد من الفعل الماهية الكلية أى: هل يستوى الذين وجدت منهم حقيقة العلم والذين لم توجد عندهم بعد أن كان المراد علم شىء مخصوص مبالغة فى الذم إشارة إلى أن الجهال الذين لا علم عندهم بالدين كأنهم لا علم عندهم أصلا، وأن حقيقة العلم فقدت منهم وصاروا كالبهائم، والحاصل أن الغرض نفى المساواة بين من هو من أهل العلم وبين من ليس من أهل العلم لا بين من هو من أهل علم مخصوص وبين من هو ليس من أهل العلم المخصوص، فلذلك نزل الفعل منزلة اللازم ومع هذا لم يجعل مطلق العلم كناية عن العلم بمعلوم مخصوص تدل عليه القرينة

(قوله: ذكر فى بحث إفادة اللام إلخ) الغرض من سوقه مع أن المتعلق بالمقام إنما هو ما بعده وهو قوله، ثم ذكر فى بحث حذف المفعول إلخ تصحيح الحوالة عليه بقوله فيما بعده بالطريق المذكور.

(قوله: إذا كان المقام) أى: الذى أورد فيه المحلى بأل

(قوله: خطابيا) بفتح الخاء أى: يكتفى فيه بالقضايا الخطابية وهى المفيدة للظن كالواقعة فى المحاورات أى: فى مخاطبة الناس بعضهم مع بعض كقولك: كل من يمشى فى الليل بالسلاح فهو سارق فإن هذا غير مقطوع به، وإنما يفيد الظن وإنما قيد بالخطابى؛ لأنه إذا كان المقام الذى أورد فيه المحلى بأل استدلاليا أى: لا يكتفى فيه إلا بالقضايا المفيدة لليقين كما لو أردت إقامة دليل على عدم تعدد الإله، فإن المعرف حينئذ إنما يحمل على المتيقن وهو الواحد فى المفرد والثلاثة فى الجمع كما فى القضية المهملة عند المناطقة إذا عرف فيها الموضوع بلام

(1) الزمر: 9.

ص: 160

" المؤمن غر كريم والمنافق خب لئيم"(1) - حمل المعرف باللام مفردا كان أو جمعا على الاستغراق بعلة إيهام أن القصد إلى فرد دون آخر مع تحقق الحقيقة فيهما-

===

الحقيقة، فإنه يؤخذ فيها بالمحقق وهو البعض

(قوله: كقوله: المؤمن) أى: قول النبى- عليه الصلاة والسلام كما فى بعض النسخ، وهذا مثال للخطابى

(قوله: غر كريم) الغر بكسر الغين أى: غافل عن الحيل لصرفه العقل عن أمور الدنيا واشتغاله بأمور الآخرة لا لجهله بالأمور وغباوته، وحيث كان غافلا عن الحيل لما ذكر فينخدع وينقاد لما يراد منه لكرم طبعه وحسن خلقه والكريم جيد الأخلاق

(قوله: والمنافق) أى: نفاقا عمليا

(قوله: خب إلخ) الخب بفتح الخاء الخداع بتشديد الدال أى: كثير المخادعة، وأما بكسرها فالمخادعة لكن الرواية بالفتح، وحينئذ فالمعنى أنه مخادع ماكر لخبث سريرته وصرفه العقل إلى إدراك عيوب الناس توصلا للإفساد فيهم واللئيم ضد الكريم فالنبى- عليه الصلاة والسلام إنما قال ذلك لحسن ظنه بالمؤمن وسوء ظنه بالمنافق لا لدليل قطعى قام عنده على ذلك فكل من القضيتين ظنية، إذ قد يوجد فى بعض المؤمنين من هو شديد فى المكر والخداع، وحينئذ فالمقام خطابى لا استدلالى

(قوله: حمل المعرف) أى: حمل السامع المعرف باللام المورد فى ذلك المقام الخطابى وقوله حمل جواب إذا

(قوله: مفردا) أى: كما فى الحديث فإن المراد كل مؤمن غر أى: متغافل عن الحيلة

(قوله: أو جمعا) كقولك المؤمنون أحق بالإحسان أى: كل جماعة من المؤمنين أحق به

(قوله: على الاستغراق) أى: استغراق الآحاد فى المفرد والجموع فى الجمع

(قوله: بعلة إيهام) الباء للسببية متعلقة بحمل وإضافة علة لما بعده بينية أى: بسبب علة هى إيهام السامع أى:

الإيقاع فى وهمه وفى ذهنه، وقوله أن القصد أى: قصد السامع أى: التفاته إلى فرد دون آخر ترجيح لأحد الأمرين المتساويين على الآخر من غير مرجح وهو باطل- كذا قرر شيخنا العدوى، وذكر بعض الحواشى أن المراد إيهام المتكلم السامع أن قصده والتفاته إلى فرد إلخ وهو ظاهر أيضا، وحاصله أن المتكلم لما عرف الاسم بلام الحقيقة ولم ينصب

(1) صحيح أخرجه أبو داود والترمذى والحاكم فى مستدركه بلفظ: "

والفاجر خب لئيم" وانظر صحيح الجامع ح (6653).

ص: 161

ترجيح لأحد المتساويين على الآخر، ثم ذكر فى بحث حذف المفعول أنه قد يكون القصد إلى نفس الفعل تنزيل المتعدى منزلة اللازم ذهابا فى نحو: فلان يعطى- إلى معنى: يفعل الإعطاء ويوجد هذه الحقيقة إيهاما للمبالغة بالطريق المذكور فى إفادة اللازم الاستغراق، فجعل المصنف قوله: بالطريق المذكور إشارة إلى قوله:

===

قرينة ظاهرة على إرادة معين من الإفراد فقد أتى بما يوهم أن قصده إلى فرد دون آخر تحكم فيتكل السامع فى فهم إرادة العموم على كون خلافه تحكما فيحمله على العموم قضاء لحق ما أفاده ظاهر ما أتى به وهو أن عدم العموم فيه تحكم، قال سم: وإنما أقحم لفظ الإيهام إيماء إلى جواز وجود مرجح للحمل على بعض الأفراد فى الواقع وإن تساوى الكل فى تحقق الحقيقة وصحة الحمل عليه.

(قوله: ترجيح لأحد المتساويين إلخ) أى: فدليل العموم والحمل عليه الترجيح المذكور وهو ظنى أى: يفيد ظن العموم فقط لاحتمال وجود قرينة خفية تقتضى الحمل على البعض، ولذا عبر بالإيهام كما قلناه سابقا ولم يقل من غير مرجح؛ لأن التساوى إنما يتحقق عند عدمه، فاستغنى عنه بقوله المتساويين

(قوله: أنه قد يكون إلخ) الضمير للحال والشأن وقوله القصد أى: الالتفات والملاحظة من المتكلم إلى نفس الفعل (وقوله: بتنزيل) أى: بسبب تنزيل المتكلم الفعل المتعدى منزلة اللازم

(قوله: ذهابا) حال من فاعل تنزيل وإن كان متروكا أى: حال كون المتكلم ذاهبا إلى أن المراد من الفعل نفس الحقيقة (وقوله: إيهاما) علة للذهاب أى: وإنما ذهب المتكلم لذلك لأجل أن يوقع فى وهم السامع أن قصده المبالغة أى: التعميم وهذه المبالغة المذكورة تتحصل بالطريق المذكور وهى قوله: إن القصد إلى فرد دون آخر مع تحقيق الحقيقة فيهما ترجيح لأحد الأمرين المتساويين من غير مرجح؛ وذلك لأنه حيث كان المقام خطابيا وكانت الحقيقة التى أرادها المتكلم توجد فى جميع أفرادها فالتفات السامع فيه إلى فرد دون آخر تحكم فلا بد من الحمل على العموم لأجل أن ينتفى ذلك

(قوله: فجعل المصنف قوله) أى: قول السكاكى

(قوله: إشارة إلى قوله) أى: قول السكاكى

(قوله: وإليه) أى: إلى الجعل

ص: 162

ثم إذا كان المقام خطابيا لا استدلاليا حمل المعرف باللام على الاستغراق؛ وإليه أشار بقوله: (ثم) أى: بعد كون الغرض ثبوت أصل الفعل وتنزيله منزلة اللازم من غير اعتبار كناية (إذا كان المقام خطابيا) يكتفى فيه بمجرد الظن (لا استدلاليا) يطلب فيه اليقين البرهانى (أفاد) المقام أو الفعل (ذلك) أى كون الغرض ثبوته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا (مع التعميم) فى أفراد الفعل

===

المذكور المفهوم من قوله جعل المصنف قوله أو الطريق المذكور

(قوله: ثم إذا كان المقام خطابيا إلخ) أى: ثم إذا كان المقام الذى أورد فيه الفعل المنزل منزلة اللازم الذى لم يجعل كناية عن نفسه متعديا لمخصوص خطابيا، وثم هنا للتراخى فى الرتبة؛ لأن إثبات العموم أعظم من إثبات أصل الفعل

(قوله: يكتفى فيه بمجرد الظن) هذا تفسير للمقام الخطابى لا صفة كاشفة له كما هو ظاهره، وحينئذ فالأولى الإتيان بأى وقوله يكتفى فيه بمجرد الظن أى يكتفى فيه بالكلام الإقناعى الذى يورث الظن وذلك كالقضايا المقبولة ولا يحتاج فيه إلى دليل قطعى

(قوله: لا استدلاليا) أى: لأنه إذا كان استدلاليا لم يفد ذلك مع التعميم؛ لأن التعميم ظنى فلا يعتبر فيما يطلب فيه اليقين

(قوله: يطلب فيه اليقين البرهانى) أى: اليقين الحاصل بالبرهان وهذا تفسير للمقام الاستدلالى، لا أنه صفة كاشفة له فكان الأولى الإتيان بأى التفسيرية

(قوله: أفاد المقام أو الفعل ذلك أى: كون الغرض ثبوته إلخ) فيه بحث من وجهين: -

الأول: أن المقام الخطابى لا يفيد الغرض المذكور وهو ثبوت الفعل لفاعله أو نفيه عنه مطلقا، وإنما يفيد التعميم والفعل بالعكس أى: يفيد ثبوت الفعل لفاعله مطلقا ولا يفيد التعميم، وحينئذ فلا يصح أن يستقل أحدهما بإفادة الجميع، بل المقام والفعل متعاونان فى إفادة الجميع.

الثانى: أن الظاهر أن المفاد نفس الثبوت لا كون الغرض إلخ، فكان الأولى للشارح أن يقول إفادة الفعل بمعونة المقام الخطابى ذلك أى ثبوته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا مع التعميم، ويمكن الجواب عن الأول بأن أو بمعنى الواو وعن الثانى بأن ما ذكره من كون الغرض كذا من مستتبعات التركيب التى يفيدها وإن لم يستعمل فيها.

ص: 163

(دفعا للتحكم) اللازم من حمله على فرد دون آخر وتحقيقه أن معنى يعطى حينئذ يفعل الإعطاء، فالإعطاء المعرف بلام الحقيقة يحمل فى المقام الخطابى على استغراق الإعطاءات وشمولها مبالغة لئلا يلزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر، لا يقال:

إفادة التعميم فى أفراد الفعل تنافى كون الغرض الثبوت أو النفى مطلقا أى من غير اعتبار عموم ولا خصوص لأنا نقول: لا نسلم ذلك؛

===

(قوله: دفعا للتحكم) وذلك لأن حمله على خصوص فرد دون آخر مع وجود الحقيقة فى كل يلزم منه التحكم المذكور

(قوله: وتحقيقه) أى: بيان كون الفعل يفيد العموم على الوجه الحق والسر فى الإتيان بهذا البيان أنه لما كان فى إفادة الفعل العموم فى المصدر غموض ودقة من جهة أنه إذا قصد نفس الفعل كان بمنزلة أن يعرف مصدره بلام الحقيقة كما أشار إليه بقوله يفعل الإعطاء والحقيقة توجد فى جميع الأفراد، فالحمل على بعضها تحكم حتى ذهب علماء الأصول من الحنفية إلى أن المصدر المدلول عليه بالفعل لا يحتمل العموم حتى لو نواه المتكلم لا يصدق؛ لأنهم لا يعتبرون كون القصد إلى نفس الفعل ولا كون المقام خطابيا احتاج إلى تحقيقه

(قوله: حينئذ) أى: حين إذا كان القصد ثبوت الفعل إلى فاعله

(قوله: يفعل الإعطاء) أى: الذى هو مصدر يعطى أى: يوجد هذه الحقيقة وإنما كان معناه ما ذكر؛ لأن الفرق بين المعرفة والنكرة بعد اشتراكهما فى أن معناهما معلوم للمخاطب والمتكلم أن الحضور فى الذهن والقصد إلى الحاضر فيه معتبر فى المعرفة دون النكرة وإذا كان القصد إلى نفس الفعل يكون المصدر معرفة واللام فيه لام الحقيقة، واعلم أن كون الفعل مفاده الحقيقة المعرفة لا يمنع منه كونه فعلا لا يقبل أل؛ لأن مضمنه يقبلها فلذا صح اعتبارها فيه، ثم إن المراد بالفعل فى قول الشارح يفعل الإعطاء المعنى المصدرى وبالإعطاء المعنى الحاصل بالمصدر، وحينئذ فلا يقال إن الإعطاء فعل فكيف يتعلق الفعل بالفعل

(قوله: على استغراق إلخ) أى: بأن يراد الحقيقة فى ضمن جميع الأفراد (قول: مبالغة) أى: لقصد المبالغة

(قوله: لئلا إلخ) أى:

وارتكب المبالغة لئلا فهو علة للعلة

(قوله: الثبوت) أى: ثبوت الفعل (وقوله: من غير اعتبار عموم ولا خصوص) أى: فى الفعل

(قوله: لا نسلم ذلك) أى: ما ذكر من المنافاة.

ص: 164

فإن عدم كون الشىء معتبرا فى الغرض لا يستلزم عدم كونه مفادا من الكلام، فالتعميم مفاد غير مقصود، ولبعضهم فى هذا المقام تخيلات فاسدة لا طائل تحتها فلم نتعرض له.

(والأول: ) وهو أن يجعل الفعل مطلقا كناية عنه متعلقا بمفعول مخصوص

===

(قوله: فإن عدم كون الشىء معتبرا فى الغرض) أى: كالمعلوم فى الفعل فإن عدمه غير معتبر فى الغرض، وقوله لا يستلزم إلخ أى: لأن عدم اعتبار الشىء ليس اعتبارا لعدمه فيصح ألا يعتبر الشىء، ويوجد مع ذلك بلا قصد كما تقدم فى أن قصد التخصيص يصح معه وجود التقوّى فى قولنا: زيد يعطى ولو لم يقصد؛ لأن موجبه وهو تكرر الإسناد موجود، وكذلك الفعل إذا كان الغرض إثباته لفاعله كان عموم أفراده غير معتبر، وإن كان ذلك العموم مفادا من الفعل بواسطة المقام الخطابى حذرا من التحكم، واعترض العلامة السيد هذا الجواب بأن التعميم إذا لم يكن مقصودا من العبارة فلا يعتد به ولا يعد من خواص التراكيب فى عرف أهل هذا الفن؛ لأن ما يستفاد من التركيب بلا قصد ليس من البلاغة فى شىء، إذ البلغاء لا يعولون فى الإفادة إلا على ما يقصدونه، ومن ثم قيل: إن ما يستفاد من التراكيب الصادرة من غير البليغ لا يلتفت إليه فى مدح الكلام به لعدم صحة قصده إياه، فالأولى فى الجواب أن يقال: إن الغرض من نفس الفعل الثبوت أو النفى مطلقا، وأما التعميم فى أفراد الفعل، فإنه مستفاد من الفعل بمعونة المقام الخطابى، وحينئذ فلا ينافى. اهـ.

وحاصله كما قال السيد الصفوى: أنه يقصد أولا الفعل مطلقا ليجعل بمعونة المقام وسيلة إلى جميع أفراده على سبيل الكناية فالمطلق ليس مقصودا لذاته، بل لينتقل منه بمعونة المقام إلى جميع الأفراد على سبيل الكناية فكما يصح أن يجعل الفعل الذى قصد ثبوته للفاعل مطلقا كناية عن نفسه متعلقا بمفعول خاص كما يأتى يصح أن يجعل كناية عن نفسه عاما من غير تعلقه بمفعول، ثم قال السيد عيسى الصفوى: وجواب الشارح يمكن حمله على جواب السيد بأن يقال: قول الشارح فإن عدم كون الشىء معتبرا فى الغرض أى: أولا وبالذات، (وقوله: فالتعميم غير مقصود) أى: أولا فلا ينافى أنه

ص: 165

(كقول البحترى فى المعتز بالله) - تعريضا بالمستعين بالله-

(شجو حسّاده وغيظ عداه

أن يرى مبصر ويسمع واعى

===

مقصود ثانيا والمقصود أولا مطلق الثبوت الذى لا عموم فيه، ثم يقصد التعميم ثانيا، وإن كان التعميم هو المقصود بالذات، وعلى هذا فمعنى قولنا فلان يعطى يوجد جميع أشخاص الإعطاءات ويلزم انحصارها فيه بحيث لا توجد لغيره، ولا يقال هذا ينافى ما سبق فى هذا القسم من أنه لا يعتبر فيه الكناية؛ لأنا نقول ذاك فى الكناية فى المفعول، وهذا كناية فى أفراد الفعل فقول المصنف سابقا أولا يجعل كناية عن نفسه متعلقا بمفعول مخصوص لا ينافى كونه كناية عن نفسه عاما.

(قوله: كقول البحترى) بضم الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وفتح التاء المثناة كما وجدته بخط بعض الفضلاء وهو أبو عبادة الشاعر المشهور من شعراء الدولة العباسية نسبة إلى بحتر بضم الموحدة وسكون الحاء وفتح التاء أبوحى من طى

(قوله: فى المعتز بالله) أى: فى مدحه وهو إما اسم فاعل يقال اعتز فلان إذا عد نفسه عزيزة، أو اسم مفعول أى:

المعز بإعزاز الله له وهذا أحسن؛ لأنه لا يلزم من عد الشخص نفسه عزيزة أن يكون عزيزا فى نفس الأمر والمعتز بالله أحد الخلفاء العباسية الذين كانوا ببغداد وهو ابن المتوكل على الله.

(قوله: تعريضا بالمستعين بالله) هو أخو المعتز الممدوح كان منازعا للمعتز فى الإمامة، فمراد الشاعر بالحساد والأعداء المستعين بالله ومن ضاهاه (وقوله: تعريضا) حال من البحترى أى: حال كونه معرضا بالمستعين بالله

(قوله: شجو)(1) أى: حزن حساده وقوله وغيظ عداه مرادف لما قبله

(قوله: أن يرى إلخ) خبر عن شجو حساده وأنت خبير بأن رؤية المبصر وسماع الواعى ليس نفس الشجو والغيظ حتى يخبر بهما عنه، لكن لما كانا سببا فى الحزن والغيظ جعلهما خبرا عنه فهو من إقامة السبب مقام المسبب فكأنهما لكمالهما فى السببية خرجا عنها وصارا عين المسبب

(قوله: واعى) هو الحافظ

(1) مطلع البيت من الخفيف، وهو فى الإيضاح/ 110 تحقيق د/ عبد الحميد هنداوى، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 81.

ص: 166

أى: أن يكون ذو رؤية وذو سمع فيدرك) بالبصر (محاسنه و) بالسمع (أخباره الظاهرة الدالة على استحقاقه الإمامة دون غيره فلا يجدوا) نصب عطف على يدرك؛ أى: فلا يجد أعداؤه وحساده الذين يتمنون الإمامة (إلى منازعته) الإمامة (سبيلا) فالحاصل أنه نزل يرى ويسمع منزلة اللازم؛ أى:

من يصدر عنه السماع والرؤية من غير تعلق بمفعول مخصوص، ثم جعلهما كنايتين عن الرؤية والسماع المتعلقين بمفعول مخصوص هو محاسنه وأخباره

===

لما يسمع

(قوله: أى أن يكون إلخ) تفسير للجملة بتقدير مضاف أى أن يوجد فى الدنيا رؤية ذى رؤية وسمع ذى سمع وليس تفسيرا للفعل فقط بدليل قوله: ذو ولو قال: أن تكون رؤية مبصر، ويكون سمع واع لكان أوضح ليكون تفسيرا للفعل فقط الذى الكلام فيه تأمل

(قوله: فيدرك) أى: لأنهما إذا وجدا تعلقا بمحاسنه فيدرك إلخ، وهذا بيان للمفعول المخصوص الذى تعلق به الفعل، وحاصله أنه جعل السبب فى شجو الحساد وغيظهم وجود رؤية راء وسمع سامع فى الدنيا، ثم بين المصنف وجه إيجاب الرؤية للشجو والسمع للغيظ بأنه يلزم من وجودهما تعلقهما بمحاسن الممدوح بادعاء الملازمة بين مطلق وجودهما وتعلقهما بتلك المحاسن، فعبر بالفعلين لازمين لينتقل من ذلك إلى لازمهما وهو كونهما متعلقين بمفعول مخصوص فيكونان كنايتين عن أنفسهما باعتبارى اللزوم والتعدى، وليس فيه استلزام الشىء لنفسه وهو واضح

(قوله: على استحقاقه الإمامة) أى: عند كل أحد من غير المنازعين

(قوله: عطف على يدرك) أى: المعطوف على يكون وإنما عطفه عليه؛ لأن إدراك المحاسن يترتب عليه أن أعداءه وحساده الذين يتمنون الإمامة العظمى لا يجدون سبيلا إلى منازعته فيها؛ لأن نزاعهم إياه فيها فرع عن وجود مساعد لهم ولا مساعد لهم لإطباق الرائين والسامعين على أنه الأحق بها لأنه ذو المحاسن والأخبار الظاهرة دون غيره

(قوله: الإمامة) مفعول ثان للمنازعة منصوب بنزع الخافض أى: فى الإمامة وسبيلا مفعول ليجدوا

(قوله: أى من يصدر إلخ) أى: إن يوجد من يصدر إلخ ولو حذف الشارح لفظة من وقال أى صدور سماع ورؤية لكان أحسن؛ لأنه تفسير للازم المذكور على قياس فلان يعطى فإن معناه: يوجد الإعطاء

(قوله: ثم جعلهما)

ص: 167

بادعاء الملازمة بين مطلق الرؤية ورؤية آثاره ومحاسنه، وكذا بين مطلق السماع وسماع أخباره للدلالة على أن آثاره وأخباره بلغت من الكثرة والاشتهار إلى حيث يمتنع خفاؤها فأبصرها كل راء وسمعها كل واع، بل لا يبصر الرائى إلا تلك الآثار، ولا يسمع الواعى إلا تلك الأخبار؛

===

أى: الشاعر وقوله بمفعول مخصوص أى: لأنه هو الذى يغيظ العدو لا مطلق وجود رؤية وسماع

(قوله: بادعاء) متعلق بقوله كنايتين أى: جعلهما كنايتين بواسطة ادعاء الملازمة المذكورة وإنما احتيج للادعاء المذكور لأجل صحة الكناية وإلا فالمقيد ليس لازما للمطلق والدليل على هذه الكناية جعلهما خبرا عن الشجو والغيظ

(قوله: للدالة إلخ) علة لجعلهما كنايتين أى: جعلهما كنايتين ولم يصرح بالمفعول المخصوص من أول الأمر أو يلاحظ تقديره للدلالة إلخ، وهذا جواب عما يقال: لا حاجة إلى اعتبار الإطلاق أولا، ثم جعله كناية عن نفسه مقيدا بمفعول مخصوص وهل هذا إلا تلاعب ولم لم يجعل من أول الأمر متعلقا بمفعول مخصوص؟ وحاصل الجواب أنه لو جعل كذلك لفاتت المبالغة فى المدح؛ لأنها لا تحصل إلا بحمل الرؤية على الإطلاق، ثم يجعل كناية عن تعلقه بمفعول مخصوص، إذ المعنى حينئذ أنه متى وجد فرد من أفراد الرؤية أو السماع حصلت رؤية محاسنه وسماع أخباره، وهذا يدل على أن أخباره بلغت من الكثرة والاشتهار إلى حالة هى امتناع الخفاء كما قال الشارح.

(قوله: إلى حيث يمتنع خفاؤها) أى: إلى حالة هى امتناع الخفاء أى: إنها صارت لا تخفى على أحد فى كل وقت ما دام الرائى رائيا والسامع سامعا

(قوله: بل لا يبصر الرائى) أى: من المحاسن إلا تلك الآثار أى: محاسنه ولا يسمع الواعى أى: لأخبار أحد إلا تلك الأخبار أى: أخبار مآثره؛ لأنه لو رؤيت غير محاسنه أو سمعت غير أخبار مآثره لتأتى ادعاء المشاركة فى استحقاق الإمامة فلا يكون وجود الرؤية والسماع شجو حساده، فالمقصود إنما يحصل بالانفراد فيه، فإن قلت: إنه لا يلزم من كون رؤية آثاره وسماع أخباره لازمين لمطلق الرؤية والسماع ألا يكون غير آثاره وأخباره كذلك، إذ ليس هنا ما يدل على الحصر فرؤية آثاره لا تنافى رؤية آثار غيره وكذلك سماع أخباره

ص: 168

فذكر الملزوم وأراد اللازم على ما هو طريق الكناية، ففى ترك المفعول والإعراض عنه إشعار بأن فضائله قد بلغت من الظهور والكثرة إلى حيث يكفى فيها مجرد أن يكون ذو سمع وذو بصر حتى يعلم أنه المنفرد بالفضائل؛ ولا يخفى أنه يفوت هذا المعنى عند ذكر المفعول أو تقديره (وإلا) أى: وإن لم يكن الغرض عند عدم ذكر المفعول مع الفعل المتعدى المسند إلى فاعله إثباته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا بل قصد تعلقه بمفعول غير مذكور (وجب التقدير

===

لا ينافى سماع أخبار غيره فيجوز حصول الأمرين معا أجيب بأن قوة الكلام تدل على قصد الحصر بالادعاء؛ لأن ذلك أنسب بالمقام الذى هو مقام المدح باستحقاقه الإمامة دون غيره، إذ لا شك أن هذا لا يتم إلا إذا كان فيه من المزايا ما ليس فى غيره؛ ولأن أعداءه لا يقهرون ولا يشهدون له باستحقاق الإمامة دون غيره إلا إذا كان كذلك

(قوله: فذكر الملزوم) يعنى مطلق الرؤية والسماع وأراد اللازم يعنى رؤية آثاره ومحاسنه وسماع أخباره الدالة على استحقاقه الملك

(قوله: على ما هو طريق الكناية) أى: عند المصنف من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم كما فى زيد طويل النجاد فقد أطلق الملزوم وهو طول النجاد وأريد اللازم وهو طول القامة

(قوله: ففى ترك إلخ) الظاهر أن هذا نفس قوله: للدلالة إلخ فى المعنى، وحينئذ فلا حاجة لإعادته إلا أن يقال أعاده ليرتب عليه قوله ولا يخفى إلخ- قرره شيخنا العدوى.

(قوله: ففى ترك المفعول) أى: فى اللفظ وقوله والإعراض عنه أى: فى النية والتقدير فالعطف مغاير ويصح أن يكون تفسيريا وأتى به للإشارة إلى أن ترك المفعول ليس عن سهو، بل تركه عن قصد ليتأتى التنزيل والأول أنسب بقوله: الآتى ولا يخفى إلخ

(قوله: إلى حيث يكفى فيها) أى: إلى حالة هى أن يكفى فى إدراكها مجرد أن يكون فى الدنيا ذو سمع

(قوله: حتى يعلم) أى: فيعلم ذو السمع وذو البصر أن الممدوح هو المنفرد بالفضائل أى: فيستحق الخلافة دون غيره

(قوله: مطلقا) أى: من غير قصد إلى تعلقه بمفعول فليس الإطلاق هنا كالإطلاق السابق

(قوله: بل قصد تعلقه بمفعول) أى:

مخصوص؛ لأن الفرض أن الفعل المنسوب لفاعله يتعدى إلى مفعول، وأتى بهذا الإضراب

ص: 169

بحسب القرائن) الدالة على تعين المفعول؛ إن عاما فعام، وإن خاصا فخاص، ولما وجب تقدير المفعول تعين أنه مراد ومحذوف من اللفظ لغرض؛ فأشار إلى تفصيل الغرض بقوله: (ثم الحذف: إما للبيان بعد الإبهام

===

لأجل صحة ترتب قوله وجب التقدير على قوله: وإلا إذا هو بحسب الظاهر نفى لما ذكر من المعطوف عليه وهو قوله: إن كان إثباته له أو نفيه عنه مطلقا، وذلك على مقتضى ما فسر به الإطلاق سابقا يصدق بأن يعتبر تعلقه بمفعول أو يعتبر فى الفعل عموم أو خصوص، وحينئذ فلا يصح الترتب، والحاصل أنه إنما أتى بهذا الإضراب للإشارة إلى أن الصور الداخلة تحت إلا لا يصح إرادة جميعها إذ من جملتها ما إذا أريد ثبوت الفعل للفاعل على جهة العموم أو الخصوص وهو لا يصح رجوع وجب التقدير إليه

(قوله: بحسب القرائن) جمع القرائن نظرا للأماكن والمواد وإلا فقد يكون الدال قرينة واحدة

(قوله: إن عاما فعام) أى: إن كان المدلول عليه بالقرينة عاما، فاللفظ المقدر عام وذلك نحو: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ (1) أى: كل واحد

(قوله: وإن خاصا فخاص) أى: وإن كان المدلول عليه بالقرينة خاصا، فاللفظ المقدر خاص نحو:

أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (2) لأن الموصول يستدعى أن يكون فى صلته ما يرجع إليه، وكقول السيدة عائشة" ما رأيت منه ولا رأى منى"(3)

(قوله: ومحذوف من اللفظ لغرض) أى: لأن المحذوف بعد دلالة القرينة عليه يحتاج فى باب البلاغة إلى غرض موجب لحذفه

(قوله: ثم الحذف) أى: حذف المفعول المدلول عليه بالقرينة، وقوله إما للبيان إلخ أى:

الإظهار بعد الإخفاء، والحاصل أن حذف المفعول فيما وجب تقديره له شرطان: -

الأول: وجود القرينة الدالة على تعين ذلك المحذوف.

الثانى: الغرض الموجب للحذف ولما ذكر المصنف الشرط الأول شرع فى تفصيل الثانى بقوله إما للبيان إلخ

(قوله: إما للبيان إلخ) أى: المفيد لوقوع ذلك المبين في

(1) يونس: 25.

(2)

الفرقان: 41.

(3)

ضعيف، ويرده ما جاء فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وعائشة من إناء واحد، وهى تقول: دع لى، ويقول لها: دعى لى، وهما جنبان.

ص: 170

كما فى فعل المشيئة) والإرادة، ونحوهما إذا وقع شرطا فإن الجواب يدل عليه ويبينه لكنه إنما يحذف (ما لم يكن تعلقه به) أى تعلق المشيئة بالمفعول (غريبا نحو:

فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (1) أى: لو شاء الله هدايتكم لهداكم أجمعين فإنه لما قيل: فَلَوْ شاءَ- علم السامع أن هناك شيئا علقت المشيئة عليه لكنه مبهم، فإذا جىء بجواب الشرط صار مبينا

===

النفس ورسوخه فيها بخلاف البيان ابتداء لما مر من أن الحاصل بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب

(قوله: كما فى فعل إلخ) أى: كحذف مفعول فعل المشيئة أى: الدال عليها

(قوله: ونحوهما) كالمحبة كما فى لو أحبكم لأعطاكم أى: لو أحب إعطاءكم لأعطاكم

(قوله: إذا وقع) أى: فعل المشيئة شرطا التقييد بذلك نظرا للغالب، وإلا فقد يكون فعل المشيئة المحذوف مفعوله لتلك النكتة غير شرط كما فى قولك بمشيئة الله تهتدون، إذ التقدير بمشيئة الله هدايتكم تهتدون كذا قيل، وفيه أنه ليس هنا فعل والكلام فى متعلقات الفعل، إلا أن يقال: المراد بالفعل مطلق العامل على سبيل عموم المجاز أو الفعل حقيقة أو حكما على طريق استعمال الكلمة فى حقيقتها ومجازها- تأمل.

(قوله: يدل عليه) أى: على ذلك المفعول، وقوله ويبينه تفسير لما قبله

(قوله: ما لم يكن إلخ) كلام المصنف يوهم أن كون الحذف للبيان بعد الإبهام مقيد بذلك الوقت حتى لو كان غرابة فى تعلقه لم يكن الحذف لذلك، وليس بمراد بل المقيد بذلك الحذف، ولذلك قال الشارح لكنه إنما يحذف إلخ

(قوله: إنما يحذف إلخ) أى: لكن مفعول فعل المشيئة ونحوها إنما يحذف مدة انتفاء كون تعلق الفعل بذلك المفعول غريبا.

(قوله: نحو فلو شاء إلخ) هذا مثال للنفى أى: أن المفعول الذى لم يكن تعلق فعل المشيئة به غريبا مثل المفعول فى قوله تعالى: فَلَوْ شاءَ إلخ

(قوله: علقت المشيئة عليه) ظاهره أن فعل الشرط معلق على المفعول به مع أنه ليس كذلك وأجيب بأن على بمعنى الباء وعلقت بمعنى تعلقت أى: تعلقت المشيئة به تعلق العامل بالمعمول

(قوله: صار) أى: ذلك الشىء وهو المفعول وقوله مبينا بفتح الياء اسم مفعول ويصح أن يكون

(1) الأنعام: 149.

ص: 171

وهذا أوقع فى النفس (بخلاف) ما إذا كان تعلق فعل المشيئة به غريبا فإنه لا يحذف حينئذ كما فى (نحو: ) قوله:

(ولو شئت أن أبكى دما لبكيته)

عليه ولكن ساحة الصبر أوسع

===

اسم صار لجواب، وحينئذ فيكون مبينا بصيغة اسم الفاعل، والحاصل أن ذلك المفعول دل عليه كل من الشرط والجواب، لكن الشرط دل عليه إجمالا والجواب دل عليه تفصيلا فجهة الدلالة مختلفة، وإنما دل الجواب عليه؛ لأن سوق المشيئة شرطا يدل غالبا على أن المترتب عليها هو المشاء، والمراد الذى هو المفعول الذى وقعت عليه الإشاءة والإرادة

(قوله: وهذا) أى: البيان بعد الإبهام أوقع فى النفس أى: لما قلناه سابقا

(قوله: بخلاف إلخ) الظاهر أنه مرتبط بالمثال أى: أن عدم غرابة التعلق نحو: فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (1) بخلاف إلخ، فإنه غريب إلخ هذا هو المناسب للمتن والمناسب لقول الشارح بخلاف ما إذا كان إلخ إن يتعلق بقوله ما لم يكن تعلقه إلخ

(قوله: غريبا) أى: نادرا

(قوله: فإنه لا يحذف) أى: لا يستحسن حذفه

(قوله: كما فى نحو قوله)(2) أى: قول أبى الهندام الخزاعى يرثى ابنه الهندام، ومطلع القصيدة التى منها ذلك البيت:

قضى وطرا منك الحبيب المودّع

ومثل الذى لا يستطاع فيدفع

إلى أن قال: ولو شئت إلخ وبعده

وأعددته ذخرا لكل ملمّة

وسهم الرزايا بالذّخائر مولع

وإنى وإن أظهرت منى جلادة

وصانعت أعداء عليه لموجع

(قوله: لبكيته) بفتح الكاف، وقوله عليه: متعلق بأبكى والضمير عائد على ولده الهندام، وقوله ولكن ساحة الصبر أوسع أى: من ساحة البكاء ولا يخفى ما فى قوله ساحة الصبر من الاستعارة بالكناية والمعنى إن ما بى من الأحزان يوجب بكاء الدم عليه،

(1) الأنعام: 149.

(2)

الأبيات من الطويل، وهى للخريمى، إسحاق بن حسان السغدى، يرثى بها عثمان بن عامر بن عمارة بن خريم الذبيانى، أحد قواد الرشيد وهذا خلاف ما ذكره المؤلف، والبيت موضع الشاهد (ولو شئت) فى دلائل الإعجاز/ 164، والكامل 1/ 251 والتبيان/ 193 تحقيق د/ عبد الحميد هنداوى.

ص: 172

فإن تعلق فعل المشيئة ببكاء الدم غريب؛ فذكره ليتقرر فى نفس السامع ويأنس به (وأما قوله:

فلم يبق منّى الشوق غير تفكّرى

فلو شئت أن أبكى بكيت تفكّرا (1)

(فليس منه) أى: مما ترك فيه حذف مفعول المشيئة بناء على غرابة تعلقها به على ما ذهب إليه صدر الأفاضل فى ضرام السقط من أن المراد: لو شئت أن أبكى تفكرا بكيت تفكرا؛ فلم يحذف مفعول المشيئة، ولم يقل: لو شئت بكيت تفكرا

===

لكن أعاننى على ترك ذلك الصبر

(قوله: غريب) أى: لقلة ذكره كذلك فى كلام البلغاء

(قوله: فذكره) أى: بكاء الدم الذى هو المفعول وإن كان الجواب دالا عليه

(قوله: ليتقرر) أى: ذلك المفعول فى نفس السامع؛ لأنه صار مذكورا مرتين المرة الثانية بإعادة الضمير عليه

(قوله: ويأنس به) أى: لتكرره عليه بخلاف لو حذف أولا، ثم ذكر مرة واحدة فلا تأنس به النفس

(قوله: وأما قوله) أى: قول أبى الحسن على بن أحمد الجوهرى

(قوله: فليس منه) أى ولا من الحذف للبيان بعد الإبهام، بل ليس من الحذف مطلقا لذكر المفعول، وهو أن أبكى المتبادر منه البكاء الحقيقى

(قوله: أى مما ترك فيه حذف مفعول المشيئة بناء على غرابة تعلقها إلخ) أى: وإنما هو مما ترك فيه الحذف لعدم الدليل عليه لو حذف، والحاصل أن مفعول المشيئة هنا مذكور باتفاق المصنف وصدر الأفاضل، وإنما الخلاف بينهما فى علة ذكره، فالمصنف يعلل ذكره بعدم الدليل عليه لو حذف، وصدر الأفاضل يعلله بغرابة تعلق الفعل به إذا علمت هذا تعلم أن النفى بليس مسلط على القيد الذى هو قوله بناء على غرابة تعلقها به، والمعنى أن ترك الحذف الذى هو عبارة عن الذكر لأجل الغرابة كما يقول صدر الأفاضل منفى، بل ترك الحذف لعدم الدليل عليه لو حذف وتعلم أن قوله على ما ذهب إلخ: متعلق بالمنفى الذى هو ترك الحذف لأجل الغرابة

(قوله: صدر الأفاضل) هو الإمام أبو المكارم المطرزى تلميذ

(1) البيت من الطويل، وهو للجوهرى من شعراء الصاحب بن عباد، فى الإيضاح 112، وفى شرح عقود الجمان 127.

ص: 173

لأن تعلق المشيئة ببكاء التفكر غريب كتعلقها ببكاء الدم؛ وإنما لم يكن من هذا القبيل (لأن المراد بالأول البكاء الحقيقى) لا البكاء التفكرى؛ لأنه أراد أن يقول:

أفنانى النحول

===

الإمام محمود جار الله الزمخشرى وضرام السقط بكسر الضاد المعجمة وبكسر السين المهملة شرح له على ديوان أبى العلاء المعرى المسمى بسقط الزند، وسقط الزند فى الأصل عبارة عن النار الساقطة من الزناد، فشبه ألفاظ ذلك الديوان بالنار على طريق الاستعارة المكنية وإثبات الزند تخييل، والضرام فى الأصل معناه التأجيج فضرام سقط الزند تأجيج ناره

(قوله: لأن تعلق المشيئة ببكاء التفكر غريب) اعترض بأنه كيف يكون من الذكر للغرابة، مع أن غرابة مفعول المشيئة أعنى: أن أبكى إنما هى بمفعوله أعنى تفكرا وهو لم يذكر إذ لم يقل فلو شئت أن أبكى تفكرا بكيته، وقد يجاب بأنه مذكور على طريق التنازع، فإن أعملنا فيه فعل الشرط فظاهر ذكره، وإن أعملنا الثانى وقدرنا للأول ضمير المتنازع فيه كفى؛ لأن المقدر كالمذكور، واعترض على الأول بأنه لو كان كذلك لوجب الإتيان بالضمير فى الثانى؛ لأن فى حذف الضمير تهيئة العامل للعمل وقطعه وهو ممنوع، وأجيب بأن المنع ليس متفقا عليه فقد أجاز بعضهم الحذف للضمير من الثانى؛ كالأول واستدل بنحو قوله:

بعكاظ يعشى النّاظر

ين إذا هم لمحوا شعاعه

فعلى الاحتمال الأول يمكن التصحيح بالجرى على مذهب هذا المجيز- تأمل.

(قوله: لا البكاء التفكرى) أى: وحينئذ فلا يصح ما قاله صدر الأفاضل من أن الأصل لو شئت أن أبكى تفكرا بكيت تفكرا، وبطل القول بأن البيت مما ذكر فيه مفعول المشيئة لغرابته؛ لأن مفعول المشيئة فيه ليس غريبا حينئذ، وتعين القول بأن مفعول المشيئة إنما ذكر لعدم الدليل الدال عليه لو حذف، ومما يحقق أن المراد بالبكاء الأول الحقيقى أن الكلام مع إرادته يكون أنسب بمقصود الشاعر وهو المبالغة فى فنائه، حتى إنه لم يبق فيه مادة سوى التفكر؛ لأنه يكون المعنى على هذا التقدير لو طلبت من نفسى بكاء لم أجده، بل أجد التفكر بدله وأما لو كان المعنى لو شئت أن أبكى تفكرا بكيته لم يفد أنه لم يبق فيه إلا التفكر لصحة بكاء التفكر الذى هو الحزن والكمد عند

ص: 174

فلم يبق منى غير خواطر تجول فىّ حتى لو شئت البكاء فمريت جفونى وعصرت عينى ليسيل منها دمع لم أجده، وخرج منها بدل الدمع التفكر، فالبكاء الذى أراد إيقاع المشيئة عليه بكاء مطلق مبهم غير معدى إلى التفكر البتة، والبكاء الثانى مقيد معدى إلى التفكر فلا يصلح تفسيرا للأول وبيانا له كما إذا قلت: لو شئت أن تعطى درهما أعطيت درهمين؛ كذا فى دلائل الإعجاز.

===

كثرته مع بقاء مادة أخرى، وهذا المعنى لا يناسب قوله فلم يبق منى الشوق غير تفكرى- ا. هـ يعقوبى.

(قوله: فلم يبق) بضم الياء وضميره للتحول وقوله تجول أى: تتردد تذهب وتأتى

(قوله: حتى لو شئت البكاء) أى: الحقيقى

(قوله: فمريت جفونى) بتخفيف الراء أى: مسحتها وأمررت يدى عليها ليسيل الدمع

(قوله: وعصرت إلخ) مرادف لما قبله وضمير أجده للدمع

(قوله: وخرج منها) أى: من العين، وقوله بدل الدمع أى: المطلوب وقوله التفكر أى: الذى ليس بمطلوب وكان الأولى للشارح حذف هذا؛ لأن التفكر لا يخرج من العين وإنما يقوم بالقلب

(قوله: مطلق مبهم) الثانى تفسير للأول والمراد بإطلاقه وإبهامه عدم إرادة تعلقه بمفعول مخصوص، والمعنى لو شئت أن أوجد حقيقة البكاء ما قدرت على الإتيان بها لعدم مادة منى، وحينئذ فأبكى منزل منزلة اللازم- كذا قال بعضهم، ولكن الأليق بقول المصنف أن المراد بالبكاء الأول البكاء الحقيقى لا البكاء التفكرى أن يقال: إن المعنى فلو شئت أن أبكى دمعا لبكيته فحذف المفعول للاختصار، إلا أن هذا اللائق بكلام لمصنف يبعده قول الشارح مطلق مبهم؛ لأنه قد اعتبر تعلقه بمفعول مخصوص، اللهم إلا أن يقال: المراد بقوله مطلق مبهم أنه غير معدى للتفكر فلا ينافى أنه بكاء دمع وعلى هذا فقوله غير معدى إلخ، تفسير لما قبله أو يقال: المراد أنه مطلق ومبهم من حيث اللفظ لعدم تعينه بالإضافة فلا ينافى أن المراد البكاء الحقيقى والمفعول محذوف اختصار

(قوله: معدى إلى التفكر) تفسير لقوله مقيد.

(قوله: فلا يصلح تفسيرا للأول) لأنه مباين له أى: وحينئذ فذكر مفعول المشيئة لعدم الدليل الدال عليه عند الحذف لا لكون تعلق الفعل به غريبا

(قوله: كما إذا قلت لو شئت أن تعطى درهما أعطيت درهمين) أى: ولو حذف درهما لتوهم أن المراد

ص: 175

ومما نشأ فى هذا المقام من سوء الفهم وقلة التدبر- ما قيل إن الكلام فى مفعول أبكى، والمراد أن البيت ليس من قبيل ما حذف فيه المفعول للبيان بعد الإبهام بل إنما حذف لغرض آخر،

===

لو شئت أن تعطى درهمين أعطيتهما مع أن هذا ليس مرادا، وكذلك قوله لو شئت إلخ:

لو حذف قوله أن أبكى بأن قال لو شئت بكيت تفكرا لم يوجد ما يدل عليه، بل يوهم أن المراد بكاء التفكر مع أن المراد البكاء الحقيقى فظهر لك أن قوله كما إذا قلت إلخ تنظير من حيث عدم صلاحية تفسير الثانى للأول لكن كان الأنسب فى التنظير أن يقول كما لو قلت لو شئت أن تعطى عطايا أعطيت درهمين؛ وذلك لأن البكاء فى البيت ليس مقيدا بالمفعول، بل مطلق فالأولى أن لا يقيد العطايا فى التنظير أيضا- تأمل- قرره شيخنا العدوى.

(قوله: وقلة التدبر) عطف سبب على مسبب

(قوله: ما قيل إلخ) حاصله أن بعض الشراح جعل قول المصنف، وأما قوله راجعا لقوله كما فى فعل المشيئة لا إلى قوله بخلاف وجعل المراد منه أن حذف مفعول أبكى ليس للبيان بعد الإبهام، بل لأمر آخر؛ لأن قوله بكيت تفكرا لا يصلح بيانا لمفعول أبكى؛ لأنه ليس التفكر

(قوله: إن الكلام) أى: إن كلام المصنف وهو قوله، وأما قوله: إلى قوله: فليس منه مسوق فى مفعول أبكى لا فى مفعول المشيئة كما هو التقرير الأول

(قوله: والمراد) أى: ومراد المصنف بقوله فليس منه، وهذا من تتمة القيل

(قوله: لغرض آخر) أى: كالاختصار وإنما كان هذا القيل ناشئا من سوء الفهم لأمرين الأول أن ذلك خلاف سياق كلام المصنف؛ لأن كلامه السابق إنما هو فى حذف مفعول المشيئة لا فى مفعول أبكى الثانى أن قول المصنف، وأما قوله فلم يبق إلخ إنما ذكره لأجل الرد على صدر الأفاضل القائل أنه:

ذكر مفعول المشيئة هنا للغرابة، ولذا قال: لأن المراد بالأول البكاء الحقيقى، وليس للرد على من زعم أن الحذف فى البيت للبيان بعد الإبهام وإلا لقال: لأن الحذف للاختصار بدل قوله: لأن المراد بالبكاء الأول الحقيقى.

ص: 176

وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: لو شئت أن أبكى تفكرا بكيت تفكرا؛ أى: لم يبق فىّ مادة الدمع فصرت بحيث أقدر على بكاء التفكر؛ فيكون من قبيل ما ذكر فيه مفعول المشيئة لغرابته؛ وفيه نظر؛ لأن ترتب هذا الكلام على قوله: لم يبق منى الشوق غير تفكرى- يأبى هذا المعنى عند التأمل الصادق؛ لأن القدرة على بكاء التفكر لا تتوقف على أن لا يبقى فيه غير التفكر؛ فافهم.

===

(قوله: وقيل يحمل إلخ) الفرق بين هذا ما قاله صدر الأفاضل أن قائل هذا يجوز ما قاله المصنف كما يجوز ما قاله صدر الأفاضل بقرينة قول الشارح يحتمل فما أوجبه صدر الأفاضل جوزه صاحب هذا القيل، وفرق بعضهم بفرق آخر، وحاصله أن هذا القول يغاير قول صدر الأفاضل من جهة أن صدر الأفاضل اعتبر أن المعنى لو أردت أن أبكى تفكرا لبكيته ولم يعتبر عدم بقاء مادة الدمع بخلاف هذا القائل فإنه اعتبر أن المعنى لم يبق فىّ الشوق مادة دمع وصرت أقدر على بكاء التفكر فلو شئت أن أبكى لبكيت تفكرا وعلى كل حال فيرد عليهما بما ذكره الشارح بقوله: وفيه نظر هذا- وقرر شيخنا العدوى: أن هذا القيل عين ما قاله صدر الأفاضل وإنما أعاده الشارح لأجل بيان توجيهه، والاعتراض عليه.

(قوله: لأن ترتب هذا الكلام) أعنى قوله: فلو شئت أن أبكى بكيت تفكرا والترتب جاء من حيث التعبير بالفاء المفهمة أن ما بعدها مرتب على ما قبلها ومتوقف عليه من حيث أن الأول سبب فى الثانى

(قوله: لأن القدر إلخ) حاصله أن بكاء التفكر عبارة عن الحزن وأسف النفس على عدم نيل المراد فلو كان المراد لو شئت البكاء التفكرى لبكيته لما رتبه على عدم إبقاء الشوق غير الخواطر؛ لأنه لا اختصاص لبكاء التفكر أعنى: حصول الأسف والحزن بمن لم يبق فيه الشوق سوى الخواطر لجواز حصول ذلك الأسف والحزن من غيره أيضا وهو من يقدر على البكاء بالدمع والمناسب للترتب كونه إذا طلب بكاء آخر لم يجد سوى التفكر، وقد يقال المراد لم يبق منى الشوق غير تفكرى فصرت بحيث أقدر على بكاء التفكر فقط دون بكاء الدمع والدم ونحوهما، فلو شئت أن أبكى تفكرا بكيت تفكرا ورد بأن هذا يتوقف على أنه لم يبق

ص: 177

(وإما لدفع توهم إرادة غير المراد) عطف على: إما للبيان (ابتداء) متعلق بتوهم (كقوله: وكم ذدت)(1) أى: دفعت (عنى من تحامل حادث) يقال: تحامل فلان على إذا لم يعدل،

===

فيه غير التفكر، وهذا يدفعه تخصيص الدمع بعدم البقاء فى قول هذا القائل أى: لم يبق فىّ مادة الدمع إلا أن يقال المراد ولا غيره، وقال الشيخ يس: وقد يقال إن القدرة على بكاء التفكر وإن لم تتوقف فى حد ذاتها على حالة عدم إبقاء الشوق غير الخواطر، بل كما تجامعه تجامع القدرة على البكاء بالدمع لكنها باعتبار التخصيص بتلك الحالة ونفى ما عداها من القدرة على بكاء الدمع والدم تتوقف على ذلك وهذا هو الذى أراده ذلك القائل كما يدل عليه قوله أى: لم يبق فى الشوق مادة الدمع إلخ ولأجل إمكان رد النظر الذى قاله الشارح بما علمت من البحث قال الشارح- فافهم.

(قوله: متعلق بتوهم) أى: أن توهم المخاطب فى ابتداء الكلام أن المتكلم أراد غير المراد مندفع بحذف المفعول، ويجوز أيضا تعلقه بدفع أى: يحذف المفعول لأجل أن يندفع فى أول الكلام توهم إرادة غير المراد، فإن قلت: لأى شىء اقتصر الشارح على الأول مع صحة الثاني؟ قلت: إنما اقتصر على الأول؛ لأنه هو الذى يدل عليه قول المصنف، إذ لو ذكر اللحم لربما توهم قبل ذكر ما بعده إلخ، ولك أن تمنع تعلقه بالدفع؛ لأن التعليق به يوهم أن الدفع لا فى الابتداء غير حاصل بحذف المفعول كما أن التعليق بالتوهم يدل على أن التوهم فى الانتهاء أعنى: بعد ذكر إلى العظم غير متحقق مع أن النكتة هى الدفع المطلق أعنى ابتداء وانتهاء- كذا قيل، وقد يقال: لا نسلم أن النكتة هى الدفع المطلق، بل الدفع فى الابتداء، وأما فى الانتهاء: فالدفع حاصل بغير الحذف؛ وذلك لأن توهم غير المراد لا يبقى بعد تمام الكلام على ما يحققه المثال فلا يصح توهم بعد الابتداء حتى يدفع ثانيا.

(قوله: كقوله) أى: قول القائل وهو البحترى فى مدح أبى الصقر

(قوله: من تحامل حادث) التحامل هو الظلم وإضافته للحادث إما حقيقية أى: كم دفعت من تعدى

(1) البيت من الطويل وهو للبحترى، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص: 82، والمخاطب فى البيت أبو الصقر ممدوح البحترى.

ص: 178

وكم خبرية مميزها قوله: من تحامل، قالوا: وإذا فصل بين كم الخبرية ومميزها بفعل متعد- وجب الإتيان ب من لئلا يلتبس بالمفعول، ومحل كم النصب على أنها مفعول ذدت، وقيل: المميز محذوف؛ أى: كم مرة، ومن فى: من تحامل زائدة؛ وفيه نظر للاستغناء عن هذا الحذف والزيادة بما ذكرناه (وسورة أيام) أى: شدتها وصولتها (حززن) أى: قطعن اللحم (إلى العظم) فحذف المفعول؛ أعنى: اللحم (إذ لو ذكر اللحم لربما توهم قبل ذكر ما بعده؛ أى: ما بعد اللحم يعنى إلى العظم (أن الحز لم ينته إلى العظم) وإنما كان فى بعض اللحم فحذف

===

الحوادث الدهرية علىّ أو أن الإضافة بيانية أى: من الظلم الذى هو حادث الزمان، وعلى هذا فجعل حادث الزمان ظلما مبالغة كرجل عدل

(قوله: وكم خبرية) ويحتمل أن تكون استفهامية محذوفة المميز أى: كم مرة أو زمانا ويكون زيادة من فى المفعول؛ لأن الكلام غير موجب لتقدم الاستفهام الذى يزاد بعده من وهذا الاستفهام لادعاء الجهل بالعدد لكثرته مبالغة فى الكثرة

(قوله: وجب الإتيان بمن) كقوله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (1) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ (2)

(قوله: لئلا يلتبس) أى:

المميز بالمفعول لذلك الفعل المتعدى؛ لأنه إذا فصل بين كم الخبرية ومميزها وجب نصبه حملا لها على الاستفهامية خلافا للفراء، فإنه يجره بتقدير من وخلافا ليونس فإنه يجوز الإضافة مع الفصل، وبهذا الذى قاله الشارح تعلم أن الضابط لزيادة من ليس هو مجرد عدم الإيجاب، بل هو أو كون المزيد فيه تمييزا لكم الخبرية الذى فصل بينها وبينه بفعل متعد

(قوله: وقيل المميز محذوف) أى: وكم خبرية على حالها، وقوله زائدة أى: فى الإثبات على مذهب الأخفش وتحامل مفعول لذدت على هذا، والجملة خبر عن كم والرابط لتلك الجملة بالمبتدأ ضمير محذوف والمعنى مرات كثيرة ذدت عنى تحامل الحوادث فيها

(قوله: عن هذا الحذف) أى: حذف المميز وقوله والزيادة أى: زيادة من اللذين هما خلاف الأصل، وقوله بما ذكرناه أى: من الوجه الأول فإنه غنى عن التقدير والزيادة فيكون أرجح

(قوله: وسورة أيام) عطف على تحامل حادث كالتفسير له

(قوله: حززن إلى العظم) الجملة فى محل جر صفة لأيام أى: من وصف الأيام أنهن حززن إلخ،

(1) الدخان: 25.

(2)

القصص: 58.

ص: 179

دفعا لهذا التوهم.

(وإما لأنه أريد ذكره) أى: ذكر المفعول (ثانيا من وجه يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه) لا على الضمير العائد إليه

===

ويحتمل أن يكون ضمير حززن للسورة فتكون الجملة صفة لها وأتى بضمير الجمع نظرا إلى أن لكل يوم سورة، أو أن المضاف اكتسب الجمعية من المضاف إليه كما فى قوله:

فما حبّ الديار شغفن قلبى

ولكن حبّ من سكن الدّيارا (1)

(قوله: دفعا لهذا التوهم) أى: من السامع ابتداء الذى هو محذور فى هذا المقام؛ لأن الشاعر حريص على بيان كون ما دفعه الممدوح من سورة الأيام بلغ إلى العظم لا بليغته فى الشدة بحيث لا يخالج قلب السامع خلاف ذلك أصلا ولو فى الابتداء؛ لأن ذلك أوكد فى تحقق إحسان الممدوح حيث دفع ما هو بهذه الصفة، فإن قلت: إن هذا الغرض الذى هو دفع التوهم ابتداء لا يتوقف على الحذف، بل يمكن حصوله مع ذكر المفعول، لكن مع تأخيره عن قوله إلى العظم بأن يقال: حززن إلى العظم اللحم قلت ليس فى الكلام ما يدل على أن النكتة لا توجد إلا بهذا الحذف فهى توجد بهذا الحذف وتوجد بغيره، إذ لا يجب انعكاسها على أن ذكره بعد قوله إلى العظم لا يحسن للعلم به فيكون ذكره عبثا ويلزم عليه تقديم المفعول بواسطة على المفعول مباشرة مع إمكان حصول الغرض بدونه

(قوله: وإما لأنه أريد إلخ) أى: يحذف المفعول إما للبيان بعد الإبهام، وإما لأن المفعول المحذوف أريد ذكره ثانيا أى: فى محل ثان مع فعل آخر، وليس المراد أنه أريد ذكره ذكرا ثانيا؛ لأنه لم يذكر أولا إلا أن يقال: المقدر كالمذكور

(قوله: يتضمن إيقاع الفعل) الأولى إيقاع فعل، والمراد بالإيقاع هنا الإعمال أى: على وجه يتضمن إعمال فعل فى صريح لفظ ذلك المفعول إثباتا كان أو نفيا فلو ذكر المفعول أولا لذكر فى الجملة الثانية بالإضمار فيقع الفعل فى تلك الجملة الثانية على الضمير العائد على المذكور أولا، والغرض إيقاعه على صريح لفظه، واعترض على المصنف بأن ذكر

(1) البيت من الوافر، وهو للمجنون فى ديوانه ص 131، وخزانة الأدب 4/ 227، 381، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 169، ومغنى اللبيب 2/ 513.

ص: 180

(إظهارا لكمال العناية بوقوعه) أى: الفعل (عليه) أى: المفعول حتى كأنه لا يرضى أن يوقعه على ضميره وإن كان كناية عنه (كقوله:

قد طلبنا فلم نجد لك فى السّؤ

دد والمجد والمكارم مثلا) (1)

أى: قد طلبنا لك مثلا؛ فحذف مثلا إذ لو ذكره لكان المناسب: فلم نجده؛

===

المفعول أولا لا ينافى ذكره ثانيا، غايته أنه من وضع الظاهر موضع الضمير لكمال العناية به، وأجيب بأن الحذف فى المفعول أكثر من الوضع المذكور على أنه لو صرح به أولا فى البيت لأوهم تعدد المثل، وأن المثل الثانى خلاف الأول؛ لأن تكرار النكرة ظاهر فى إفادة التغاير فيكون المعنى قد طلبنا لك مثلا فلم نجد لك مثلا آخر مخالفا للمطلوب، وإنما وجدنا المطلوب وهو فاسد

(قوله: إظهارا إلخ) علة لإرادة الإتيان بصريح اسمه ثانيا، وأما نكتة الحذف أولا فلأنه مع الإتيان بصريح الاسم ثانيا يلزمه التكرار. اهـ. سم.

(قوله: حتى كأنه إلخ) كأن للتحقيق أى: لا يرضى المتكلم تحقيقا بوقوع الفعل على ضمير المفعول وإن كان ضميره العائد عليه كناية عنه، وإنما لم يرض المتكلم بذلك؛ لأن الضمير يحتمل أن يعود على شخص آخر غير الأول، والمعنى حينئذ قد طلبنا لك مثلا فلم نجد لك مثلا آخر مخالفا للمطلوب، وإنما وجدنا المطلوب وهذا فاسد

(قوله: كقوله) أى: قول البحترى فى مدح المعتز بالله وبعد البيت المذكور

لم يزل حقّك المقدّم يمحو

باطل المستعار حتى اضمحلّا

(قوله: فحذف مثلا) فيه أن المحذوف إنما هو ضميره؛ وذلك لأنه من باب التنازع فأعمل الثانى وحذف ما أضمر فى الأول؛ لأنه فضلة فالمثل حينئذ مؤخر فقط لا محذوف، والمحذوف إنما هو ضميره- إلا أن يقال: المراد فحذف مثلا أى: الذى كان الأصل ذكره أولا ليعود عليه الضمير فينتفى التنازع، فلما حذف أتى التنازع وأعمل الثانى وحذف ضميره من الأول كما حذف هو على أنه لا مانع من أن لفظ مثل محذوف من الأول لدلالة الثانى

(قوله: لكان المناسب إلخ) أى: نظرا للكثير وهو عدم

(1) البيت من الخفيف، وهو للبحترى فى مدح الخليفة المعتز فى الإيضاح 113/ بتحقيق د/ عبد الحميد هنداوى وفى شرح المرشدى على عقود الجمان/ 128.

ص: 181

فيفوت الغرض؛ أعنى: إيقاع عدم الوجدان على صريح لفظ المثل (ويجوز أن يكون السبب) فى حذف مفعول: طلبنا (ترك مواجهة الممدوح بطلب مثل له) قصدا إلى المبالغة فى التأدب حتى كأنه لا يجوز وجود المثل له ليطلبه فإن العاقل لا يطلب إلا ما يجوز وجوده.

(وإما للتعميم) فى المفعول (مع الاختصار كقولك: قد كان منك ما يؤلم؛ أى: كل أحد) بقرينة أن المقام مقام المبالغة؛ وهذا التعميم وإن أمكن أن يستفاد من ذكر المفعول بصيغة العموم لكن يفوت الاختصار

===

الإظهار موضع الإضمار

(قوله: فيفوت الغرض إلخ) أى: لأن الفعل الثانى وهو نجد ليس واقعا على صريح لفظ المفعول، بل على ضميره وقوله عدم الوجدان الأولى إيقاع الوجدان المنفى على لفظ المثل، وإنما كان الغرض هو ما ذكر؛ لأن الآكد فى كمال مدح الممدوح نفى وجدان مثله على وجه لا يتوهم فيه، بل ولا يخطر بالبال أن الذى نفى وجدانه غير المثل، ولا شك أن الضمير من حيث هو يحتمل ذلك أى نفى وجدان غير المثل لاحتمال رجوع الضمير لشىء آخر غير المثل، وإن تعين المعنى بالمقام والمعاد، ولكن المبالغة فى المدح لا يناسبها إلا ما لا يأتيه الباطل بوجه ولو تخيلا.

(قوله: ويجوز أن يكون السبب فى حذف مفعول طلبنا ترك إلخ) أى: ويجوز أن يكون السبب أيضا فى حذفه البيان بعد الإبهام؛ لأنه أبهم المطلوب أولا ثم بين أنه المثل

(قوله: بطلب مثل له) متعلق بالمواجهة

(قوله: قصدا) علة للترك أى: إنما ترك الشاعر مواجهة الممدوح بطلب مثل له لقصده المبالغة فى التأدب معه تعظيما له

(قوله: حتى كأنه لا يجوز وجود المثل) أى: ولو قال طلبنا لك مثلا لكان ذلك مشعرا بتجويز وجود المثل؛ لأن العاقل لا يطلب إلا ما يجوز وجوده، والغرض الذى يناسب المبالغة فى المدح إحالة المثل بترك التصريح بطلبه المشعر بإمكان وجوده فإن قلت إن العاقل يقع منه التمنى وهو طلب متعلق بالمحال فلا يتم قولكم إن العاقل لا يطلب إلا ما يجوز وجوده.

قلت: المراد بالطلب هنا الطلب بالفعل وهو الحب القلبى المقرون بالسعى، وأما التمنى فهو عبارة عن مجرد حب القلب، فمن ثم تعلق بالمحال

(قوله: وإما للتعميم فى المفعول) أى: المحذوف

(قوله: ما يؤلم) أى: ما يوجع

(قوله: بقرينة أن المقام مقام المبالغة)

ص: 182

حينئذ (وعليه) أى: على حذف المفعول للتعميم مع الاختصار ورد قوله تعالى:

(وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ)«1» أى: جميع عباده فالمثال الأول يفيد العموم مبالغة، والثانى: تحقيقا (وإما لمجرد الاختصار) من غير أن يعتبر معه فائدة أخرى من التعميم، وغيره، وفى بعض النسخ:(عند قيام قرينة) وهو تذكرة لما سبق ولا حاجة إليه، وما يقال من أن المراد عند قيام قرينة دالة على أن الحذف لمجرد الاختصار ليس بسديد لأن هذا المعنى معلوم

===

أى: فى الوصف بالإيلام فيكون ذلك المقام قرينة على إرادة العموم فى ذلك المفعول، وأنه ليس المراد ما يؤلمنى أو يؤلم بعض الناس، أو نحو ذلك

(قوله: حينئذ) أى: حين إذ ذكر المفعول

(قوله: ورد) هو من الورود بمعنى الإتيان لا من الإيراد بمعنى الاعتراض

(قوله: إِلى دارِ السَّلامِ) أى: السلامة من الآفات

(قوله: أى جميع عباده) يعنى المكلفين وإنما قدر المفعول هنا عاما؛ لأن الدعوة من الله إلى دار السّلام بسبب التكليف عامة لجميع العباد المكلفين، إلا أنه لم يحب منهم إلا السعداء بخلاف الهداية بمعنى الدلالة الموصولة فإنها خاصة، ولهذا أطلق الدعوة فى هذه الآية وقيد الهداية فى قوله: بعد ذلك:

وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «2»

(قوله: مبالغة) أى: حالة كون العموم مبالغة؛ وذلك لأن إيلام كل أحد من شخص واحد محال عادة على وجه الحقيقة

(قوله: والثانى تحقيقا) أى: والمثال الثانى يفيد العموم على وجه الحقيقة.

(قوله: وإما لمجرد الاختصار) أى: للاختصار المجرد عن مصاحبة نكتة أخرى من عموم فى المفعول أو خصوص فيه

(قوله: تذكرة) أى: مذكرة ومنبهة على ما سبق وهو قوله وإلا وجب التقدير بحسب القرائن خوف أن يغفل عنه

(قوله: فلا حاجة إليه) أى:

ليس له فائدة أصلية غير التذكرة

(قوله: وما يقال) أى: فى الجواب عن المصنف

(قوله: عند قيام قرينة دالة على أن الحذف لمجرد الاختصار) أى: وليس المراد عند قيام قرينة دالة على المحذوف التى لا بد منها أيضا

(قوله: لأن هذا المعنى) أى: وهو كون المراد القرينة الدالة على خصوص النكتة التى هى مجرد الاختصار، وقوله معلوم أى: فلا حاجة

(1، 2) يونس: 25.

ص: 183

ومع هذا جار فى سائر الأقسام فلا وجه لتخصيصه بمجرد الاختصار (نحو:

أصغيت إليه؛ أى: أذنى؛ وعليه: ) أى على الحذف لمجرد الاختصار قوله تعالى:

(رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ (1) أى: ذاتك)

===

للنص عليه، وقد يقال: إن كان المراد أنه معلوم من المتن ففيه أنه لم يعلم، وإن كان المراد أنه معلوم من خارج ففيه أنه لا يعترض بالعلم من خارج وإلا لو رد أن جميع النكات المذكورة فى المتن معلومة من خارج فلا حاجة لذكرها فيه، فكان الأولى للشارح الاقتصار على الوجه الثانى أعنى قوله: جار فى سائر الأقسام، ويمكن أن يقال: المراد أنه معلوم من الأمثلة المذكورة حسبما تقرر فيها- تأمل- قرره شيخنا العدوى.

ثم إن قوله: معلوم يفيد أنه لا بد من قرينة على أن الحذف للنكتة الفلانية كالاختصار وهو كذلك- قاله سم.

(قوله: ومع هذا) أى: ومع كونه معلوما فهو جار فى سائر الأقسام أى: فى باقى أقسام الحذف كالحذف للبيان بعد الإبهام فلا بد فيه من قرينة تعين أن الحذف لما ذكر

(قوله: فلا وجه إلخ) أى: فلا وجه لذكر قوله عند قيام قرينة مع قوله: لمجرد الاختصار دون غيره من نكات الحذف، وقد يقال له وجه وهو أن مجرد الاختصار نكتة ضعيفة لا يصار إليها إلا إذا تعينت نظير ذلك ما مر فى ذكر المسند إليه حيث علل بالأصالة، وقيد الشارح ذلك بقوله: ولا مقتضى للعدول عنه.

(قوله: أصغيت إليه) أى: أملت إليه

(قوله: أى أذنى) إنما قدر المفعول هكذا؛ لأن الإصغاء مخصوص بالأذن

(قوله: وعليه) إنما قال وعليه ولم يقل ونحوه للتفاوت بين قرينتى المثالين، فإن القرينة فى الأول لفظ الفعل وهو أصغيت وفى الثانى جواب الطلب

(قوله: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) إن قلت أرنى من أراه كذا إذا جعله يراه، فكأنه قال: اجعلنى أرى ذاتك أنظر إليك، وهذا بظاهره يحقق التداخل فى الكلام ويمنع ترتب أنظر على أرنى قلت: إنه عبر بالإراءة عن مجرد الكشف للحجاب عن الرائى؛ لأن الرؤية مسببة

(1) الأعراف: 143.

ص: 184

وهاهنا بحث؛ وهو أن الحذف للتعميم مع الاختصار إن لم يكن فيه قرينة دالة على أن المقدر عام فلا تعميم أصلا، وإن كانت فالتعميم من عموم المقدر سواء حذف أو لم يحذف، فالحذف لا يكون إلا لمجرد الاختصار (وإما للرعاية على الفاصلة نحو: ) قوله تعالى: وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (1)

===

عنه فيترتب عليه قوله أَنْظُرْ إِلَيْكَ فكأنه يقول: رب اكشف الحجاب عن ذاتك بكشفه عنى لأنى المحجوب حقيقة أنظر إليك- أفاده اليعقوبى.

(قوله: وهاهنا بحث) أى: فى قول المصنف وإما للتعميم مع الاختصار، وحينئذ فالأولى تقديمه عنده.

(قوله: إن لم يكن إلخ) أى: وذلك بأن لا يكون هناك قرينة غير الحذف بأن يقال: قد كان منك ما يؤلم

(قوله: وإن كانت إلخ) وذلك مثل أن يذكر فى الكلام كل أحد، ثم يقال قد كان منك ما يؤلم

(قوله: فالحذف لا يكون إلا لمجرد الاختصار) أى:

ولا يفيد التعميم، وأجاب الشارح فى شرح المفتاح عن هذا باختيار الشق الأول من الترديد وهو أنه لم يكن فيه قرينة دالة على أن المقدر عام، وقوله فلا تعميم أصلا ممنوع؛ لأنه إذا لم يكن قرينة على ذلك يحمل ذلك المحذوف على العموم فى المقام الخطابى حذرا من ترجيح خاص على خاص آخر بلا مرجح فللحذف مدخل فى تقديره عاما؛ لأنه توصل به إلى تقديره عاما فى ذلك المقام، وفى هذا الجواب نظر؛ لأن العموم حينئذ مستفاد من المقام الخطابى لا من الحذف بدليل أن المفعول إذا ذكر حمل على العموم أيضا بواسطة المقام المذكور ما لم يدل دليل على الخصوص فيكون العموم مستفادا من المقام المذكور مطلقا حذف المفعول أو ذكر لا من الحذف، وأجيب بأن العموم فى المقام الخطابى مستفاد من المقام والحذف جميعا، وحصول العموم مع غير الحذف لا يمنع حصوله معه فيكون للحذف دخل فى العموم فى الجملة.

(قوله: وإما للرعاية على الفاصلة) على زائدة؛ لأن الرعاية وما تصرف منها تتعدى بنفسها إلا أن يقال: إنه ضمن الرعاية معنى المحافظة فعداها بعلى أى: المحافظة على

(1) الضحى: 1 - 3.

ص: 185

أى: ما قلاك، وحصول الاختصار أيضا ظاهر (وإما لاستهجان ذكره) أى: ذكر المفعول (كقول عائشة رضى الله عنها: " ما رأيت منه") أى: من النبى صلى الله عليه وسلم

===

الفاصلة وفيه إن الفاصلة اسم للكلام المقابل بمثله فإن التزم فيه الختم بحرف فهو سجعة أيضا فهى أخص من الفاصلة والمحافظ عليه بحذف المفعول الحرف الأخير من ذلك الكلام وهو الروى، وأجيب بأن فى الكلام حذف مضاف أى: المحافظة على روى الفاصلة تأمل.

واعترض بأن رعاية الفواصل من البديع وليس من الاعتبار المناسب حتى يكون من المعانى فذكره هنا تطفل، وقد يجاب بأن عدم اعتبار توافق الفواصل وإن كان الأصل جوازه؛ لأن اعتبار التوافق من البديع، لكن لما أورد بعض الفواصل مختوما بحرف واحد كان المقام فى الباقى مقام الرعاية وكان عدم الرعاية خروجا عما يناسب المقام الذى أورد فيه ذلك البعض بعد إيراده وعلى هذا يكون المراد بالمقام ما هو أعم من مقام مراعاة صفة الكلام ومقام اقتضاء إيراده- أفاده اليعقوبى.

(قوله: أى ما قلاك) أى: فحذف المفعول ولم يقل وما قلاك للمحافظة على روى الفاصلة لتوافق ما قبلها وما بعدها

(قوله: وحصول الاختصار أيضا ظاهر) يريد أنه لا مدافعة بين ما ذكره المصنف، وقول الكشاف: إن الحذف فى هذه الآية للاختصار، إذ لا تزاحم فى النكات فيجوز اجتماع عدة من الأغراض فى مثال واحد، وذكر السيد الصفوى وجها أحسن مما ذكره المصنف والكشاف فى الآية وهو: ترك مواجهته- عليه الصلاة والسلام بإيقاع قلى الذى معناه أبغض على ضميره وإن كان منفيا؛ لأن النفى فرع الإثبات فى التعقل ولم يفعل ذلك فى ودعك، بل أوقع على ضميره- عليه السلام؛ لأن لفظ ودع ليس كلفظ قلى؛ لأن لفظ ودع معناه ترك وهو لا يستلزم البغض.

(قوله: وإما لاستهجان) أى: باستقباح ذكره

(قوله: ما رأيت منه إلخ) صدر الحديث" كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد فما رأيت منه

ص: 186