الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى الجملة كالقصاص والحياة.
[إيجاز الحذف]:
(وإيجاز الحذف) عطف على إيجاز القصر (والمحذوف إما جزء جملة) عمدة كان أو فضلة (مضاف) بدل من [جزء جملة]
…
===
ليس ضدا للحياة، بل سببا (1) للموت الذى هو ضد للحياة، بناء على أنه أمر وجودى يقوم بالحيوان عند مفارقة روحه له.
(قوله: فى الجملة) متعلق بقوله المتقابلين، والمعنى على المبالغة أى: ولو فى الجملة أى:
هذا إذا كان تقابلهما بحسب ذاتيهما، بل ولو كان تقابلهما فى الجملة أى: بحسب ما استلزماه وذلك كالقصاص والحياة؛ فإن القصاص إنما كان مقابلا للحياة ومضادا لها باعتبار أن فيه قتلا، والقتل يشتمل على الموت المقابل للحياة، فجعل ما يشتمل على القتل مقابلا فى الجملة.
[إيجاز الحذف]:
(قوله: وإيجاز الحذف) أى: والايجاز الحاصل بسبب حذف شىء من الكلام فهو من إضافة المسبب إلى السبب
(قوله: إما جزء جملة) المراد بجزء الجملة ما ليس مستقلا كالشرط وجوابه، وبالجملة ما كان مستقلا
(قوله: عمدة كان أو فضلة) عمدة خبر كان مقدما، وأشار الشارح بذلك التعميم إلى أن المصنف أراد بجزء الجملة هنا ما يعم الجزء الذى يتوقف عليه أصل الإفادة وغيره فدخل العمدة كالمبتدأ والخبر والفاعل والفضلة كالمفعول، والدليل على أن المصنف أراد بجزء الجملة ما ذكره بعد ذلك، وبهذا اندفع ما اعترض به على المصنف حيث أبدل المضاف من جزء الجملة ومثل له بالآية، مع أن المضاف المحذوف فى الآية مفعول لا جزء جملة؛ لأن الجملة والكلام مترادفان فلا يكون جزءا لها إلا ما كان عمدة من مسند أو مسند إليه وما عداهما من المتعلقات فخارجة عن حقيقتها
(قوله: بدل) أى: بدل كل من كل لا بدل بعض لعدم الضمير فيه الرابط له بالكل المبدل منه، وإنما لم يجعله نعتا؛ لأنه وإن كان مشتقا، وكذا ما بعده، لكن عطف عليه ما لا يصح جعله نعتا وذلك قوله صفة وشرط لعدم اشتقاقهما،
(1) في المطبوعة: سبب.
(نحو: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (1)) أى: أهل القرية (أو موصوف؛ نحو:
أنا ابن جلا) وطلّاع الثّنايا
…
متى أضع العمامة تعرفونى (2)
الثنية: العقبة،
…
===
فجعل الكل بدلا ليصح الإعراب فيها جميعا، ولا يقال نجعل قوله مضاف أو موصوف:
صفتين لكونهما مشتقين، وقوله: أو صفة أو شرط: بدلين، وإذا اجتمع البدل والصفة قدمت الصفة، والصفة هنا مقدمة؛ لأنا نقول لا يصح ذلك؛ لأن المعطوف على البدل بدل وعلى النعت نعت، وقولهم إذا اجتمعت التوابع يقدم منها النعت، ثم كذا معناه إذا لم يكن هناك عاطف.
(قوله: نحو وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) هذا مثال لما فيه حذف الجزء المضاف وهو مفعول، والتمثيل لما ذكر بالآية بناء على أن القرية لم يرد بها أهلها مجازا مرسلا لعلاقة الحالية أو المحلية، وإلا فلا حذف، وكذا على ما قاله داود الظاهرى من أن اسم القرية مشترك بين المكان وأهله
(قوله: نحو أنا ابن جلا إلخ) هذا البيت من كلام العرجى بسكون الراء
(قوله: وطلاع الثنايا) بالجر عطفا على جلا، ويجوز رفعه عطفا على ابن
(قوله: متى أضع العمامة تعرفونى) يحتمل أن المعنى متى أضع عمامة الحرب على رأسى وهى البيضة الحديد التى يلبسها المحارب على رأسه تعرفونى أى: تعرفوا شجاعتى ولا تنكروا تقدمى وغناى عنكم، ويحتمل أن المعنى متى أضع العمامة التى فوق رأسى على الأرض تعرفونى شجاعا؛ لأنى عند وضعها أتشمر للحرب وألبس البيضة وهى ما يستر الرأس من الحديد فيظهر بذلك شجاعتى وقوتى ويتبين بذلك صدقى فى الانتساب، ويحتمل أن المعنى متى أضع العمامة التى سترت بها وجهى لأجل النكارة وإخفاء الحال تعرفونى أى: يزل الإبهام والخفاء، والفرق بين هذا المعنى الأخير والذى قبله: أنه يتقدم للمخاطبين معرفة للمتكلم على المعنى المتقدم، بخلاف المعنى الأخير فإنه يقتضى أنه سبق لهم به معرفة ولكن خفى عليهم حاله بوضع العمامة على وجهه وستره بها
(قوله: الثنية)
(1) يوسف: 82.
(2)
البيت أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 149، وهو لسحيم بن واثلة فى الاشتقاق ص 424.
وفلان طلاع الثنايا؛ أى: ركاب لصعاب الأمور، وقوله: جلا: جملة وقعت صفة لمحذوف (أى) أنا ابن (رجل جلا) أى: انكشف أمره، أو كشف الأمور، وقيل:
جلا هاهنا علم، وحذف التنوين
…
===
أى: التى هى واحد الثنايا، وقوله العقبة أى: المحل المرتفع
(قوله: وفلان طلاع الثنايا إلخ) أشار بهذا إلى أن المراد بكونه طلاع الثنايا ركوبه لصعاب الأمور لقوة رجوليته ورفعة همته وشدة شكيمته فلا يميل إلى الأمور المنخفضة؛ لأن المعالى لا تكتسب إلا من الصعاب، وحينئذ ففى قوله: وطلاع الثنايا تجوز حيث شبه صعاب الأمور بالثنايا أى:
الأماكن المرتفعة كالجبال، واستعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة المصرحة وقوله طلاع ترشيح.
(قوله: جملة وقعت صفة لمحذوف) اعترض بأن الموصوف بالجملة والظرف لا يحذف إلا إذا كان بعض اسم مجرور بمن نحو: منا ظعن أى: منا فريق ظعن، ونحو: ما منهم تكلم أى: ما منهم أحد تكلم أو بعض اسم مجرور بفى نحو: ما فيهم نجا، أى: ما فيهم أحد نجا، وكما فى قوله:
لو قلت ما فى قومها لم تيثم
…
يفضلها فى حسب وميسم (1)
أى: ما فى قومها أحد يفضلها والموصوف هنا ليس كذلك، وأجيب بأن هذا الشرط ليس متفقا عليه، بل هو طريقة لبعضهم بل قضية كلام المطول عدم ارتضاء هذا الشرط لحكايته له بقيل بعد أن أقر كلام المتن على ظاهره، وفى شرح التوضيح فى باب النعت تقييد هذا الشرط بما إذا كان المنعوت مرفوعا، ولا يخفى أن المنعوت فى البيت مجرور، ثم إذا بنينا على اشتراط ذلك الشرط مطلقا فيقال: إن جلا علم منقول من الجملة لا أنه صفة لمحذوف
(قوله: أى انكشف أمره) أى: ظهر واتضح أمره بحيث لا يجهل، وعلى هذا المعنى فيكون جلا فعلا لازما
(قوله: أو كشف الأمور) أى: بينها وعلى هذا فيكون متعديا ومفعوله محذوف، وأشار الشارح بذلك إلى أن جلا يستعمل لازما فيفسر بالمعنى الأول، ومتعديا فيفسر بالمعنى الثانى
(قوله: هاهنا) يعنى فى البيت، وعلى
(1) الرجز لحكيم بن معية فى خزانه الأدب 5/ 63، 62، والخصائص 2/ 370.
باعتبار أنه منقول عن الجملة؛ أعنى الفعل مع الضمير، لا عن الفعل وحده (أو صفة؛ نحو: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (1) أى: ) كل سفينة (صحيحة، أو نحوها) كسليمة، أو غير معيبة (بدليل ما قبله) وهو قوله: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها لدلالته على أن الملك كان لا يأخذ المعيبة.
(أو شرط كما مر) فى آخر باب الإنشاء (أو جواب شرط) وحذفه يكون (إما لمجرد الاختصار؛
…
===
هذا القول يكون لا شاهد فى البيت لعدم الحذف فيه
(قوله: باعتبار أنه منقول عن الجملة) أى: والعلم المنقول عن الجملة يحكى
(قوله: مع الضمير) أى: المستتر
(قوله: لا عن الفعل وحده) أى: ولا النون، إذ ليس فيه وزن الفعل المانع من الصرف ولا زيادة كزيادة الفعل، والحاصل أن الفعل المنقول للعلمية إن اعتبر معه ضمير فاعله وجعل الجملة علما فهو محكى، وإن لم يعتبر معه الضمير فحكمه حكم المفرد فى الانصراف وعدمه، فإن كان على وزن يخص الفعل أو فى أوله زيادة كزيادة الفعل فإنه يمنع من الصرف، وإن لم يكن كذلك فإنه يصرف فيرفع بالضمة وينصب بالفتحة ويجر بالكسرة حال كونه منونا
(قوله: وَكانَ وَراءَهُمْ) أى: أمامهم على بعض التآويل
(قوله: بدليل إلخ) أى:
وإنما قلنا الوصف محذوف بدليل إلخ
(قوله: لدلالته على أن الملك كان لا يأخذ المعيبة) أى: فيفهم منه أنه إنما كان يأخذ السليمة، ولو كان يأخذ المعيبة والسليمة لم يكن لإعابتها فائدة
(قوله: أو شرط) أى: أو جزء جملة شرط
(قوله: كما مر) أى: فى آخر باب الإنشاء أى: من تقدير الشرط فى جواب الأمور الأربعة وهى التمنى والاستفهام والأمر والنهى، قال المصنف فيما تقدم: وهذه الأربعة يجوز تقدير الشرط بعدها كقولك:
ليت لى مالا أنفقه أى: إن أرزقه أنفقه، وأين بيتك أزرك أى: إن تعرفنيه أزرك، وأكرمنى أكرمك أى: إن تكرمنى أكرمك، ولا تشتم يكن خيرا لك أى: إن لا تشتم يكن خيرا.
(قوله: أو جواب شرط) أى: جازم أو غير جازم بدليل ما يأتى
(قوله: إما لمجرد الاختصار) أى: للاختصار المجرد عن النكتة المعنوية يعنى أن حذف الجواب قد
(1) الكهف: 79.
نحو وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (1)) فهذا شرط حذف جوابه (أى: أعرضوا بدليل ما بعده) وهو قوله تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (2).
===
يكون لنكتة لفظية فقط وهى الاختصار كما هنا، بخلاف الحذف لما يأتى فإنه لنكتتين، وإنما كان الاختصار نكتة موجبة للحذف فرارا من العبث لظهور المراد، وانظر لم ذكر المصنف نكتة الحذف هنا دون غيره مما قبله ولم اقتصر هنا على ما ذكره من النكات مع أن الظاهر أنها قد تكون غير ما ذكر كاختبار تنبيه السامع، أو مقدار تنبهه، أو تخييل العدول إلى أقوى الدليلين؟ وقد يقال خص هذا النوع بذكر نكت الحذف دون ما قبله للاهتمام به؛ لأن فيه حذف كلام برأسه واقتصر على ما ذكره من النكت للاعتناء بما ذكره من النكتتين لكثرة قصد الحذف لهما حتى كأن الحذف لا يكون إلا لهما، ولهذا أوردهما بالعبارة المشعرة بالحصر. اه قرمى.
(قوله: اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) أى: مما قد يخص بعض الناس من عذاب الدنيا كما فعل بغيركم
(قوله: وما خلفكم) أى: ما يكون بعد موتكم وبعد بعثكم من عذاب الآخرة
(قوله: لعلكم ترحمون) أى: بإنجائكم من العذابين، واعترض ابن السبكى فى العروس على المصنف فى تمثيله بالآية للحذف لمجرد الاختصار بأنه يمكن أن يكون الحذف فيها من القسم الثانى أى: كالآية الآتية بأن يكون حذف الجواب إشارة إلى أنهم إذا قيل لهم ذلك فعلوا شيئا لا يحيط به الوصف، وإما لقصد أن تذهب نفس السامع كل مذهب ممكن فلا يتصور مطلوبا أو مكروها، إلا ويجوز أن يكون الأمر أعظم منه بخلاف ما لو اقتصر على ذكر شىء فربما خف أمره عنده- اه.
وقد يفرق بين هذه الآية والآية الآتية بأن هذه الآية قد ذكر ما يدل على جواب الشرط المذكور فيها بخلاف الآتية، وأيضا الآية الآتية جديرة بأن يقدر الجواب فيها أمرا فظيعا لا يحيط به وصف بقرينة السياق ومعونة المقام، بخلاف هذه الآية بدليل ما بعدها
(قوله: فهذا) أى: قوله وإذا قيل لهم شرط إلخ، وفيه أن الشارح تقدم له فى المساواة فى
(1) يس: 45.
(2)
يس: 46.
(أو للدلالة على أنه) أى: جواب الشرط (شىء لا يحيط به الوصف، أو لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن؛
…
===
قول الشاعر: فإنك كالليل الذى هو مدركى إلخ- أنه قال ما محصله: إن حذف الجواب فى مثله رعاية لأمر لفظى من غير أن يفتقر إليه فى تأدية أصل المراد حتى لو صرح به كان إطنابا، بل تطويلا يعنى: فلا يكون من إيجاز الحذف فى شىء، وهنا قد حكم هو والماتن على أن الآية المذكورة من إيجاز الحذف، فقد جعل حذف الجواب هنا من إيجاز الحذف وفيما مر من المساواة لا من الإيجاز وهذا تناقض، وأجيب بأن جواب الشرط فى البيت المتقدم تقدم ما يدل عليه، فأغنى عرفا عن إعادته؛ لأنه لما تقدم عليه فكأنه ذكر وفى الآية المذكورة هنا دل عليه متأخر فلما تأخر الدليل ضعفت دلالته عليه- فكأنه لم يذكر- وتأمله.
(قوله: لا يحيط به الوصف) أى: لا يحصره وصف واصف بل هو فوق كل ما يذكر فيه من الوصف وذلك عند قصد المبالغة لكونه أمرا مرهوبا منه فى مقام الوعيد أو مرغوبا فيه فى مقام الوعد والقرائن تدل على هذا المعنى، ويلزم من كونه بهذه الصفة ذهاب نفس السامع إن تصدى لتقديره كل مذهب فما من شىء يقدره فيه إلا ويحتمل أن يكون هناك أعظم من ذلك، وهذان المعنيان أعنى: كونه لا يحيط به الوصف وكون نفس السامع تذهب فيه كل مذهب ممكن مفهومهما مختلف ومصدوقهما متحد قد يقصدهما البليغ معا، وقد يخطر بباله أحدهما فقط، ولتباينهما مفهوما عطف الثانى بأو فقال: أو لتذهب نفس السامع فى تقديره كل مذهب فيحصل الغرض من كمال الترغيب أو الترهيب، ولاتفاقهما مصدوقا مثل لهما معا بمثال واحد
(قوله: كل مذهب ممكن) أى: فى كل طريق ذهاب، فكل منصوب على الظرفية أو كل ذهاب فهو منصوب على المصدرية، والمراد أن تتعلق نفس السامع إن تصدى لتقديره بكل ما كان يمكن أن يكون جوابا لذلك الشرط، فإذا سمع السامع وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ (1) ذهبت نفسه وتعلقت بكل طريق ممكن وجعلته جوابا كسقوط لحمهم أو
(1) الأنعام: 27.
مثالهما: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ (1)) فحذف جواب الشرط للدلالة على أنه لا يحيط به الوصف، أو لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن.
(أو غير ذلك) المذكور، كالمسند إليه والمسند والمفعول، كما مر فى الأبواب السابقة. وكالمعطوف مع حرف العطف (نحو: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ (2) أى: ومن أنفق من بعده وقاتل؛
…
===
حرقهم أو ضربهم إلخ
(قوله: مثالهما) أى: المثال الصالح لملاحظة كل منهما على البدل أو معا
(قوله: فحذف جواب الشرط) أى: بناء على أن لو للشرط فإن كانت للتمنى فلا جواب لها وعلى أنها شرطية، فيقدر الجواب لرأيت أمرا فظيعا، مثلا فإن قلت:
تقدير الجواب بما ذكر فيه شىء؛ لأن عظمة الجواب وفظاعته موجودة ولو مع التصريح به قلت: إن الجواب شىء مخصوص حذف لإظهار فظاعته وتهويل السامع، وأما ما ذكر فهو تقدير معنوى، فإن السيد إذا قال لعبده: والله إن قمت إليك يا فاجر وسكت عظم عليه الأمر وذهبت نفسه كل مذهب فى التقدير، ومعلوم أن الجواب الذى يقدره السيد عذاب مخصوص حذفه لما ذكر.
(قوله: أو غير ذلك) عطف على مضاف أى: المحذوف إما أن يكون جزء جملة هو مضاف أو كذا وكذا، أو يكون جزء جملة غير ذلك، وما فى المطول من أن قوله:
أو غير ذلك عطف على قوله: جواب شرط فمبنى على أن المعطوفات إذا تكررت كان كل واحد عطفا على ما يليه والصحيح أن العطف على الأول
(قوله: المذكور) أى:
الذى هو المضاف والصفة والموصوف والشرط وجوابه
(قوله: والمفعول) أى: غير المضاف وإلا فهو قد سبق
(قوله: أى ومن أنفق من بعده وقاتل) فالمعطوف عليه المذكور هو من أنفق من قبل الفتح والمعطوف المحذوف مع حرف العطف هو من أنفق من بعده كما قدره المصنف
(قوله: بدليل ما بعده) أى: ما بعد هذا الكلام
(1) الأنعام: 27.
(2)
الحديد: 10.
بدليل ما بعده) يعنى: قوله: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا.
(وإما جملة) عطف على: [إما جزء جملة]، فإن قلت: ماذا أراد بالجملة هاهنا حيث لم يعد الشرط والجزاء جملة- قلت: أراد الكلام المستقل الذى لا يكون جزءا من كلام آخر (مسببة عن) سبب (مذكور؛
…
===
(قوله: أولئك أعظم درجة إلخ) أى: فإن هذا دليل على أن الذى لا يساوى الإنفاق قبل الفتح هو الإنفاق بعده لبيان أن الإنفاق الأول أعظم.
(قوله: حيث لم يعد الشرط والجزاء جملة) بل عد كل واحد منهما من أفراد جزء الجملة مع أن كل واحد منهما جملة
(قوله: الكلام المستقل) أى: بالإفادة الذى لا يكون جزءا من كلام آخر ولو عرض له فى الحالة الراهنة ترتيبه بالفاء، أو ترتب شىء عليه، وليس مراده هنا بالجملة ما تركب من الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر، ولا يقال:
هذا الجواب لا يناسب ما اختاره سابقا من أن الكلام جملة الجزاء وأن الشرط قيد فيه، وإنما يناسب قول من قال: إن الكلام مجموع الشرط والجزاء؛ لأنا نقول قول المصنف أراد بالجملة هنا هذا المعنى لا ينافى ما مر، فقول الشارح: قلت أراد أى: هنا، وإن كان الذى سبق له أن الكلام المقصود هو الجزاء والشرط قيد له، والدليل على أن المصنف أراد بالجملة هنا هذا المعنى عده الشرط والجزاء فيما مر من أجزاء الجملة مع تركبهما من المبتدأ والخبر أو الفعل والفاعل، فإن هذا يدل على أنه أراد بالجملة هنا ما ذكره الشارح لا الكلام المركب من الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر
(قوله: مسببة) بدل من جملة ولا يصح أن يكون صفة لها؛ لأن الأصل فيها الاشتقاق وثم ما هو غير مشتق ولا تغفل عما تقدم فى قوله مضاف، والمراد مسبب مضمونها- وكذا يقال فيما يأتى.
(قوله: نحو لِيُحِقَّ (1) إلخ) أى: ومنه قول أبى الطيب:
أتى الزّمان بنوه فى شبيبته
…
فسرّهم وأتيناه على الهرم (2)
(1) الأنفال: 8.
(2)
البيت للمتنبى فى ديوانه ص 262 من قصيدة: المجد للسيف ليس المجد للقلم.
نحو: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ (1)) فهذا سبب مذكور حذف مسببه (أى:
فعل ما فعل، أو سبب لمذكور؛ نحو: ) قوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ (2)(فَانْفَجَرَتْ إن قدر: فضربه بها) فيكون قوله: [فضربه بها]
…
===
أى: فساءنا
(قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ إلخ) المراد بالحق الإسلام وبإحقاقه إثباته وإظهاره، والمراد بالباطل الكفر، وبإبطاله: محوه وإعدامه أى: ليثبت الإسلام ويظهره ويمحو الكفر ويعدمه
(قوله: حذف مسببه) أى: وهذا المسبب مقدر قبل هذا السبب كما فى اليعقوبى، وفى عروس الأفراح: أن هذا المسبب يجب أن يقدر متأخرا عن قوله ليحق الحق ليفيد الاختصاص المراد من الآية
(قوله: أى فعل ما فعل) الضمير فى الفعلين له تعالى، وما: كناية عن كسر قوة أهل الكفر مع كثرتهم وغلبة المسلمين عليهم مع قلتهم، وحينئذ فمعنى مجموع الكلام كسر الله قوة الكفار وجعل لأهل الإسلام الغلبة عليهم لأجل إثبات الإسلام وإظهاره ومحو الكفر وإعدامه، والدليل على أن جملة ليحق الحق إلخ سبب حذف مسببه أن اللام فيها للتعليل وهو يقتضى شيئا معللا وليس مذكورا، وحينئذ فيقدر وما ذكره المصنف من أن هذه الجملة سبب لمسبب محذوف أحد احتمالين ثانيهما أن قوله ليحق متعلق بيقطع قبله من قوله: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ، وعلى هذا لا تكون الآية مما نحن فيه، هذا ويصح فى الجملة المذكورة أعنى قوله: ليحق الحق إلخ أن يقال: إن المحذوف فيها جملة سبب لمذكور؛ لأن فعل الله الذى فعله سبب لحقية الحق وبطلان الباطل؛ لأن كل علة غائية يصح أن يقال فيها: إنها سبب وإنها مسبب؛ لأنها علة فى الأذهان معلولة فى الأعيان- تأمل.
(قوله: لمذكور) أى: لمسبب مذكور.
(قوله: إن قدر إلخ) هذا شرط فى كون هذه الآية من هذا القبيل أعنى كون الجملة المحذوفة فيها سببا لمسبب مذكور، ثم إن ظاهره أن الفاء مقدرة أيضا وأن الحذف للعاطف والمعطوف معا، وقيل: إن حذف ضرب وفاء فانفجرت والفاء الباقية
(1) الأنفال: 8.
(2)
البقرة: 60.
جملة محذوفة هى سبب لقوله: فَانْفَجَرَتْ (ويجوز أن يقدر: فإن ضربت بها فقد انفجرت) فيكون المحذوف جزء جملة هو الشرط، ومثل هذه الفاء تسمى: فاء فصيحة؛
…
===
فاء فضربه ليكون على المحذوف دليل. قال أبو حيان: وفيه تكلف، وضمير بها للعصا
(قوله: جملة محذوفة) إنما حذفت إشارة إلى سرعة الامتثال حتى إن أثره وهو الانفجار لم يتأخر عن الأمر
(قوله: هى سبب) أى: مضمونها سبب لمضمون قوله فانفجرت
(قوله: ويجوز أن يقدر إلخ) هذا مقابل لقوله إن قدر إلخ
(قوله: فقد انفجرت) تقدير قد لأجل الفاء الداخلة على الماضى، إذ الماضى الواقع جوابا لا يقترن بالفاء إلا مع قد.
(قوله: فيكون المحذوف جزء جملة) أى: وحينئذ فلا يكون هذا المثال مما نحن فيه من حذف الجملة
(قوله: هو الشرط) أراد به فعل الشرط، وأداته، وظاهره أن المذكور على هذا الاحتمال وهو قوله: فانفجرت جواب الشرط، وأن الشرط والفاء وقد حذف كل منها وبقى فانفجرت الذى هو الجواب، ويرد عليه أن كون الجواب ماضيا ينافى استقبال الشرط، إذ مقتضى كون الجواب معلقا على الشرط أن يكون مستقبلا بالنسبة له وكونه ماضيا يقتضى وقوعه قبله لا سيما مع اقترانه بقد، ويجاب بأن الماضى يؤول مضمونه: بمعنى المضارع أى: إن ضربت يحصل الانفجار أو يؤول على تقدير الحكم أى: إن ضربت حكمنا بأنه قد انفجرت والحكم التنجيزى متأخر عن الضرب، ولذا قال ابن الحاجب ترتب الجواب على الشرط إما باعتبار معناه كإن قام زيد يقم عمرو، وإما باعتبار الحكم كإن تعتد علىّ بإكرامك الآن فقد أكرمتك بالأمس أى: فأحكم الآن بإكرامك أمس أى: فأثبت إكرامى لك معتدا به، ولهذا قالوا فيما تحقق مضيه كقوله تعالى: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (1) إنه على تأويل فهو يشابه أخا له من قبل أى: فنحكم بمشابهته لأخيه فى السرقة الكائنة منه قبل
(قوله: ومثل هذه الفاء) أى: وهذه الفاء وما ماثلها من كل فاء اقتضت الترتيب
(قوله: تسمى فاء فصيحة) سميت بذلك لإفصاحها عن الجملة المقدرة قبلها ودلالتها عليها، وهذا يقتضى أنها تسمى بذلك على كل من التقديرين أى: تقدير كونها عاطفة وكونها
(1) يوسف: 77.
قيل على التقدير الأول، وقيل: على الثانى، وقيل: على التقديرين.
(أو غيرهما) أى: غير المسبب والسبب (نحو: فَنِعْمَ الْماهِدُونَ على ما مر) فى بحث الاستئناف من أنه على حذف المبتدأ والخبر على قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف.
===
رابطة للجواب، أو لأنها لا تدل على المحذوف قبلها إلا عند الفصيح، أو لأنها لا ترد إلا من الفصيح لعدم معرفة غيره بمواردها
(قوله: قيل على التقدير الأول) أى: فهى المفصحة عن مقدر بشرط كونه سببا فى مدخولها وهو ظاهر كلام المفتاح
(قوله: وقيل على الثانى) وعليه فيقال فى تعريفها هى المفصحة عن شرط مقدر وهو ظاهر كلام الكشاف
(قوله: وقيل على التقديرين) وعلى هذا فتعرف بأنها ما أفصحت عن محذوف سواء كان سببا أو غيره، وهذا القول هو الذى رجحه السيد فى شرح المفتاح وجعل كلام الكشاف وكلام المفتاح راجعا إليه
(قوله: أو غيرهما) عطف على مسببة أى: إما أن تكون الجملة المحذوفة مسببة أو سببا أو تكون غير المسبب والسبب.
(قوله: فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (1)) أى: فإن هذا الكلام حذفت فيه جملة ليست مسببة ولا سببا والتقدير هم نحن، ونظير هذه الآية فى حذف الجملة التى ليست سببا ولا مسببا قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (2) بناء على أن المراد بالحمل تحمل التكليف فيكون التقدير، وتحمل الإنسان ما كلف به، ثم خان فيه وغدر فلم يؤده إنه كان ظلوما جهولا؛ لأن مجرد تحمل الأمانة الشاقة لا يناسب الوصف بالظلم والجهالة، وأما على ما قاله بعضهم من أن معنى وحملها الإنسان منعها وغدر فيها فلم يؤدها فلا حذف فى الآية؛ لأن منع الأمانة والغدر فيها بعدم أدائها يناسب الوصف بالظلم والجهالة
(قوله: فى بحث الاستئناف) أى: من باب الفصل والوصل
(قوله: على قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ) أى: وكذا على قول من يجعله مبتدأ حذف خبره، والتقدير نحن هم، وإنما ترك هذا القول لما فى المعنى من رده بأن الخبر لا يحذف
(1) الذاريات: 48.
(2)
الأحزاب: 72.
(وإما أكثر) عطف على: [إما جملة]؛ أى: أكثر (من جملة) واحدة (نحو:
أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ (1) أى: ) فأرسلون (إلى يوسف لأستعبر الرؤيا؛ ففعلوا؛ فأتاه فقال له: يا يوسف).
===
وجوبا إلا إذا سد شىء مسده، وأما على قول من يجعل المخصوص مبتدأ والجملة قبله خبر فالكلام مما حذف فيه جزء الجملة، فالتقييد بقوله على قول إلخ إنما هو للاحتراز عن هذا القول فقط- فتأمل.
(قوله: عطف على إما جملة) الأولى جعله معطوفا على قوله إما جزء جملة؛ لأن المعاطيف إذا تكررت وكان العطف بحرف غير مرتب كانت كلها معطوفة على الأول على التحقيق من أقوال ثلاثة
(قوله: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ) أى:
فهذا الكلام حذف فيه جمل خمسة مع ما لها من المتعلقات لا يستقيم المعنى إلا بها أشار المصنف إلى تقديرها بقوله أى: إلى يوسف إلخ، فالجملة الأولى لأستعبره الرؤيا أى:
لأطلب منه تعبيرها وتفسيرها، والثانية ففعلوا، والثالثة فأتاه، والرابعة فقال له، والخامسة يا فإنها نائبة عن جملة أدعو، وأما قوله إلى يوسف فهو متعلق الجملة المذكورة أعنى:
أرسلون، وقوله: يوسف الذى هو المنادى هو المذكور. قال اليعقوبى: ودليل تلك المحذوفات ظاهر؛ لأن نداء يوسف يقتضى أنه وصل إليه وهو متوقف على فعل الإرسال والإتيان إليه، ثم النداء محكى بالقول والإرسال معلوم أنه إنما طلب للاستعبار فحذف كل ذلك اختصارا علم بالمحذوف لئلا يكون تطويلا لعدم ظهور الفائدة فى ذكره مع العلم به
(قوله: والحذف) يعنى لجزء الجملة أو للجملة.
وقوله: على وجهين أى: يأتى على وجهين أى: أنه تارة يكون مع عدم قيام شىء مقامه وتارة يكون مع قيام شىء مقامه، واعتراض بعضهم على المصنف بأن الحذف المحدث عنه ليس هو عدم القيام أو القيام فلا بد فيه من تقدير مضاف أى: ذو، ألّا يقام وذو أن يقام ساقط؛ لأن الاعتراض المذكور لا يتوجه على المصنف إلا لو
(1) يوسف: 45.
(والحذف على وجهين: ألّا يقام شىء مقام المحذوف) بل يكتفى بالقرينة (كما مر) فى الأمثلة السابقة (وأن يقام نحو: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ (1)) فقوله: فَقَدْ كُذِّبَتْ ليس جزاء الشرط؛ لأن تكذيب الرسل متقدم على تكذيبه؛ بل هو سبب لمضمون الجواب المحذوف وأقيم مقامه (أى: فلا تحزن واصبر).
ثم الحذف لا بد له من دليل
…
===
قال والحذف وجهان فتأمل
(قوله: ألّا يقام شىء مقام المحذوف) أى: بألّا يوجد شىء يدل عليه ويستلزمه فى مكانه كعلته المقتضية له
(قوله: بل يكتفى) أى: فى فهم المحذوف
(قوله: بالقرينة) أى: اللفظية أو الحالية الدالة عليه
(قوله: كما مر فى الأمثلة السابقة) أى: لحذف جزء الجملة مثل قوله تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ إذ لم يعطف عليه شىء يدل على المعطوف المحذوف الذى هو: ومن أنفق من بعده، وكذا" أنا ابن جلا" إذ لم يذكر موصوف ينزل منزلة الموصوف المحذوف.
(قوله: وأن يقام) أى شىء مقام المحذوف مما يدل عليه كالعلة والسبب وليس المراد شيئا أجنبيا لا يدل عليه ولا يقتضيه؛ لأن هذا لا يقام مقام المحذوف
(قوله: متقدم على تكذيبه) أى: والجواب يجب أن يكون مضمونه مترتبا على مضمون الشرط
(قوله: بل هو) أى: تكذيب الرسل قبله سبب لمضمون الجواب المحذوف أى: وهو عدم الحزن والصبر وإنما كان سببا له؛ لأن المكروه إذا عم هان فكأنه قيل فلا تحزن واصبر؛ لأنه قد كذبت رسل من قبلك وأنت مساو لهم فى الرسالة فلك بهم أسوة
(قوله: أقيم مقامه) صفة لسبب أى: أقيم ذلك السبب مقام الجواب لا يقال الجواب لا يحذف إذا كان فعل الشرط مضارعا، قلنا: محل هذا ما لم يقم مقام الجزاء شىء، وإلا فلا ضرر فى حذفه كما فى يس نقلا عن الشمنى.
(قوله: ثم الحذف) أى: الذى لم يقم فيه شىء مقام المحذوف فهو راجع للقسم الأول، فإن قلت: قد قسم النحاة الحذف إلى حذف اقتصار وحذف اختصار، وفسروا
(1) فاطر: 4.
(وأدلته كثيرة؛ منها: أن يدل العقل عليه) أى: على الحذف (والمقصود الأظهر على تعيين المحذوف، نحو: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (1)) فالعقل دل
…
===
الحذف اقتصارا بأن يحذف لا لدليل فقد أثبتوا حذفا لا لدليل. قلت: أجاب ابن السبكى فى العروس بأن عبارة النحاة المذكورة عبارة مختلة، أو اصطلاح لا مشاحة فيه، والحق أنه لا حذف فيه، بل صار قاصرا، وإنما يسمونه حذفا اعتبارا بالفعل قبل جعله قاصرا. ا. هـ كلامه.
(قوله: وأدلته كثيرة) اعلم أن كثرتها من حيث الدلالة على تعيين المحذوف، وأما دليل الحذف فشىء واحد وهو العقل، وحينئذ فيرد على المصنف أن الكلام فى دليل الحذف لا فى دليل التعيين فلا وجه للجمع والوصف بالكثرة- قرره شيخنا العدوى. وقد يجاب بأنه لما كان كل ما دل على التعيين يدل على الحذف وإن كان العقل وحده قد يدل على الحذف ولو لم يوجد الدليل الآخر المفتقر إليه فى الدلالة على التعيين صح التعبير بالجمع والوصف بالكثرة
(قوله: منها أن يدل العقل إلخ) إنما أتى بمن إشارة إلى أن هناك أدلة أخرى لم يذكرها كالقرائن اللفظية وهى الأغلب وقوعا والأكثر وضوحا ولهذا لم يتكلم عليها
(قوله: والمقصود الأظهر) أى: وأن يدل المقصود الأظهر أى: وأن يدل كون الشىء مقصودا بحسب العرف فى الاستعمال ظاهرا عن غيره من المرادات لتبادره للذهن على عين ذلك المقدر، فالدال فى الآية على خصوص تقدير لفظ التناول كون التناول مقصودا بحسب العرف فى استعمال هذا الكلام وكونه ظاهرا لتبادره للذهن والمدلول هو لفظ التناول، فاختلف الدال والمدلول ولو لم يؤول الكلام، بل جعل الدال على تعيين المحذوف نفس المقصود الأظهر لزم اتحاد الدال والمدلول؛ لأن المقصود الأظهر فى الآية نفس التناول- قرره شيخنا العدوى.
(قوله: فالعقل دل إلخ) ظاهره أن العقل هو الدال على الحذف وليس كذلك، بل المراد بكون العقل دالّا على الحذف أنه مدرك لذلك بالدليل القاطع من غير توقف على قرائن، وحينئذ فالعقل مستدل لا دليل والدليل عدم تصور تعلق الحرمة بالأعيان؛ لأن الحرمة
(1) المائدة: 3.
على أن هنا حذفا؛ إذ الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالأفعال دون الأعيان، والمقصود الأظهر من هذه الأشياء المذكورة فى الآية تناولها الشامل للأكل وشرب الألبان؛ فدل على تعيين المحذوف. وفى قوله:[منها أن يدل] أدنى تسامح؛ فكأنه على حذف مضاف.
===
عبارة عن طلب الترك ولا معنى لطلب ترك الأعيان بدون ملاحظة تناولها ونحوه
(قوله: على أن هنا حذفا) أى: شيئا محذوفا وهو محتمل؛ لأن يقدر حرم عليكم أكلها أو الانتفاع بها أو تناولها أو قربانها أو التلبس بها.
(قوله: إنما تتعلق بالأفعال) أى: أفعال المكلفين وهو الحق، إذ لا معنى لتعلق التكليف بالذوات لعدم القدرة عليها، وقوله دون الأعيان أى: دون الذوات كما هو ظاهر الآية، فإن مدلولها تحريم ذوات الميتة وما معها وما ذكره من الأحكام إنما تتعلق بالأفعال لا بالذوات هو مذهب المعتزلة والعراقيين من أهل السنة، وأما على مذهب الحنفية فتتعلق الأحكام بالأعيان حقيقة فإن بنى على مذهبهم فلا حذف فى الكلام
(قوله: والمقصود الأظهر من هذه الأشياء المذكورة فى الآية) وهى الميتة والدم ولحم الخنزير
(قوله: تناولها) إنما كان التناول هو المقصود الأظهر من هذه الأشياء نظرا للعرف والعادة فى استعمال هذا الكلام فإن المفهوم عرفا من قول القائل حرم عليكم كذا تحريم تناوله؛ لأنه أشمل وأدل على المقصود بالتحريم
(قوله: فدل) أى: كون التناول مقصودا أظهر على تعيين المحذوف أى: وهو لفظ تناول
(قوله: أدنى تسامح) أى:
تسامح أدنى أى: منحط وقريب وسهل؛ وذلك لأن أن يدل بمعنى الدلالة والدلالة ليست من الأدلة، بل صفة للدليل، وإنما عبر بأدنى لإمكان الجواب عنه بسهولة
(قوله: فكأنه على حذف مضاف) هذا تصحيح لعبارة المصنف، ثم إن هذا المضاف المحذوف يصح أن يقدر فى آخر الكلام، وحينئذ فيكون الأصل منها ذو أن يدل العقل أى: منها صاحب دلالة العقل وصاحب الدلالة المذكورة هو العقل ويصح أن يقدر فى أوله، وحينئذ فيكون الأصل ودلالة أدلته كثيرة منها أى: من تلك الدلالات دلالة العقل، لكن فى هذا الثانى نظر؛ لأن المقصود تقسيم الأدلة لا دلالتها- فتأمل. وإنما أتى الشارح
(ومنها: أن يدل العقل عليهما) أى: على الحذف وتعيين المحذوف (نحو:
وَجاءَ رَبُّكَ (1)) فالعقل يدل على امتناع مجىء الرب تعالى وتقدس، ويدل على تعيين المراد أيضا (أى: أمره أو عذابه) فالأمر المعين الذى دل عليه العقل هو أحد الأمرين، لا أحدهما على التعيين.
===
بكأن ولم يجزم بأن حذف المضاف هو المصحح لعبارة المصنف إشارة إلى عدم تعينه لاحتمال أن يكون قوله: أن يدل مقحما، والأصل منها العقل أو يجعل قوله: أن يدل العقل من باب إضافة الصفة للموصوف بعد تأويل المصدر المنسبك من أن يدل بمعنى الفاعل فكأنه قال منها دليل العقل أى: العقل الدال كجرد قطيفة وأخلاق ثياب أى:
قطيفة جرد وثياب أخلاق، ولا يخفى ما فى هذين الجوابين من التعسف.
(قوله: أن يدل العقل عليهما) أى: معا بمعنى أنه يستقل بإدراك الأمرين بالدليل القاطع من غير توقف على قرائن فى العبارة أصلا، وقد علمت أن الدلالة على تعيين المحذوف تستلزم الدلالة على مطلق الحذف دون العكس
(قوله: فالعقل يدل على امتناع مجىء الرب) أى: يدرك ذلك بالدليل القاطع من غير توقف على قرائن فى العبارة، وحيث دل العقل على ذلك فلا بد من حذف حتى يستقيم معنى الكلام وأل فى العقل للكمال إذ المدرك لما ذكر إنما هو العقل الكامل فخرجت المجسمة القائلون بأن الله جسم
(قوله: فالأمر المعين إلخ) هذا جواب عما يقال: إن أو فى قوله أو عذابه للإبهام، وحينئذ فلا تعيين للمحذوف فلا يصح القول بدلالة العقل على التعيين، وحاصل الجواب أن المراد أنه يعين الأحد الدائر بين الأمر والعذاب والأحد الدائر بين الأمرين المذكورين معين بالنظر لعدم ثالث وإن كان مبهما بالنسبة لهما فهو تعيين نوعى لا شخصى، وعلى هذا فمراد المصنف بالتعيين ما يشمل التعيين النوعى بقى شىء آخر وهو أن الأمر والعذاب يستحيل مجيئهما، والجواب أن المراد بأمره وعذابه المأمور به والمعذب به من ميزان ونار وغيرهما، لكن لما كان إسناد المجىء لله يوهم أن الله ذاته مجسمة احتيج للدليل العقلى بخلاف إسناد المجىء للأمر أو العذاب، فإنه لا بشاعة فيه
(1) الفجر: 22.
(ومنها أن يدل العقل عليه والعادة على التعيين؛ نحو: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (1)) فإن العقل دل على أن فيه حذفا؛
…
===
وإن كان مجازا لم يحتج للدليل العقلى- فتأمل- قرره شيخنا العدوى، قال العلامة اليعقوبى: وفى جعل العقل دالا على التعيين هنا نظر من وجهين أحدهما: أن إدراك العقل لكون المقدر أحد الأمرين لا تستقل به دلالته، بل يحتاج إلى قرائن مثل كون هذا اليوم يوم القيامة الذى لا يناسبه إلا ما ذكر لكونه موعودا فيه بالحساب والعقاب والرحمة، فتقدير العذاب أو الأمر الشامل للعذاب مناسب له؛ لأن العذاب هو الموجب لتهويله والتخويف به المقصود من الآية، وحيث كانت الدلالة على أحد الأمرين يحتاج فيها العقل إلى قرائن كان الدال غير العقل؛ وذلك لأن المدرك للأمور هو العقل، لكن إن كانت دلالته مستقلة نسبت الدلالة إليه، وإن كانت دلالته غير مستقلة نسبت الدلالة لذلك الشىء المستعان به، ولا يخفى عدم استقلال العقل هنا.
ثانيهما أننا إن جوزنا تقدير الأخص فى مقابلة الأعم؛ لأن الأمر أعم من العذاب لم ينحصر المقدر فيما ذكر لصحة أن يقدر وجاء نهى ربك أو جاء جند ربك القائم بتعذيب العاصى أو جاء عبيده القائمون بذلك كالملائكة، وأيضا تقدير الأمر أولى وأظهر لشموله كما فى آية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (2) فإن تقدير التناول لشموله أظهر- انتهى، وإنما كان الأمر أشمل؛ لأنه واحد الأمور فيشمل النهى والعذاب وغير ذلك- فتأمل.
(قوله: أن يدل العقل عليه) أى: على الحذف
(قوله: والعادة) أى: وتدل العادة أى المقررة لا العادة فى استعمال الكلام بخلاف ما سبق فى المقصود الأظهر، والحاصل أن المراد بالعادة والعرف الذى تبين به المقصود الأظهر كون الشىء يفهم من الاستعمال كثيرا، ويقصد لخصوصية فيه بخلاف العادة هنا فإن المراد بها تقرر أمر لآخر فى نفسه من غير نظر لدلالة الكلام عليه عرفا كتقرر كون الحب الغالب لا يلام عليه
(قوله: نحو فذلكن إلخ) أى: نحو قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز فى خطابها النساء
(1) يوسف: 32.
(2)
المائدة: 3.
إذ لا معنى للوم على ذات الشخص.
وأما تعيين المحذوف (فإنه يحتمل) أن يقدر: (فى حبه؛ لقوله تعالى: قَدْ شَغَفَها حُبًّا (1)،
…
===
اللاتى لمنها فى يوسف؛ وذلك لأن يوسف لما خرج عليهن وذهلن من جماله قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (2) فقالت لهن امرأة العزيز فذلكن الذى لمتننى فيه أى: عليه، ففى بمعنى: على كما يرشد إلى ذلك قول الشارح، إذ لا معنى للوم على ذات الشخص حيث عبر بعلى دون فى مع أنه المطابق لقوله فيه
(قوله: إذ لا معنى للوم على ذات الشخص) أى: لأن اللوم لا يتعلق عرفا بالذوات، وإنما يلام الإنسان عرفا على أفعاله الاختيارية فإن قلت: حيث كان عدم تعلق اللوم بالذات وتعلقه بالأفعال الاختيارية أمرا عرفيا رجع الأمر إلى أن الدال على الحذف هو العرف والعادة لا العقل كما يأتى فى ترك اللوم على الحب. قلت: المراد بالإدراك العقلى ما يستقل فيه الدليل العقلى كنفى المجىء عن الرب تعالى، أو يكون من الأمور التى يعترف بها كل أحد بلا دليل، وإن كان مستنده عمل العرب كما فى تعلق اللوم. بالأفعال الاختيارية وعدم تعلقه بالذوات، فإن كل أحد يدرك ذلك من غير دليل عقلى بل من عرف العرب، وهذا بخلاف ترك اللوم على الحب الغالب فإنما يدركه الخواص باعتبار عادة المحبين
(قوله: وأما تعيين المحذوف إلخ) الحاصل أن العقل وإن أدرك أن قبل الضمير فى فيه حذفا لكن لا يدرك عين ذلك المحذوف؛ لأن ذلك المقدر يحتمل احتمالات ثلاثة والمعين لأحدهما هو العادة.
(قوله: فإنه) أى: قوله فيه يحتمل أن يقدر أى: المحذوف فيه
(قوله: لقوله تعالى) أى: حكاية عن اللوائم
(قوله: حبا) تمييز محول عن الفاعل أى: قد شغفها حبه أى:
أصاب حبه شغاف قلبها، وشغاف القلب: غلافه وغشاؤه أعنى الجلدة التى دونه كالحجاب، وإصابة الحب لشغاف قلبها كناية عن إحاطة حبها له بقلبها حتى أحاط بشغافه، وقيل المعنى: أصاب باطن قلبها، وقيل وسطه فى الأطول أى: خرق شغاف قلبها
(1) يوسف: 30.
(2)
يوسف: 31.
و: فى مراودته؛ لقوله تعالى: تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ، و: فى شأنه؛ حتى يشملهما) أى: الحب والمراودة (والعادة دلت على الثانى) أى: مراودته (لأن الحب المفرط لا يلام صاحبه عليه فى العادة لقهره) أى: الحب المفرط (إياه) أى: صاحبه فلا يجوز أن يقدر: فى حبه، ولا: فى شأنه؛ لكونه شاملا، ويتعين أن يقدر: فى مراودته؛ نظرا إلى العادة.
===
(قوله: وفى مراودته) أى: ويحتمل أن يقدر المحذوف فيه فى مراودته
(قوله: لقوله تعالى) أى: حكاية عن اللوائم أيضا
(قوله: تراود فتاها عن نفسه) أى: تخادعه وتطالبه مرة بعد أخرى برفق وسهولة لتنال شهوتها منه
(قوله: وفى شأنه) أى: ويحتمل أن يكون المتعلق المحذوف فيه فى شأنه، وقوله حتى يشملهما أى: لأجل أن يشملهما، وإنما كان المقدر فى هذا الكلام محتملا لهذه الاحتمالات الثلاثة؛ لأن اللوم كما تقدم لا يتعلق إلا بفعل الإنسان، والكلام الذى وقع به اللوم وهو قولهن امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها فى ضلال مبين مشتمل على فعلين من أفعال اللوم أحدهما مراودته والآخر حبها، فيحتمل أن يكون المقدر فى حبه ويحتمل أن يقدر فى مراودته، ويحتمل أن يقدر فى شأنه الشامل لكل من الحب والمراودة
(قوله: والعادة) أى: المتقررة عند المحبين
(قوله: والمفرط) أى: الشديد الغالب
(قوله: لا يلام صاحبه عليه فى العادة) أى:
فى عرف المحبين وفى عادتهم المتقررة عندهم، وإنما يلام عليه عند غيرهم غفلة عن كونه ليس بنقص فإن لام عليه أهل الحب فلأجل لوازمه وأما من كف عن لوازمه الرديئة فلا لوم عليه
(قوله: لقهره إياه) أى: والأمر المقهور المغلوب عليه لا يلام عليه الإنسان، وإنما يلام على ما دخل تحت كسبه كالمرادوة.
(قوله: فلا يجوز أن يقدر فى حبه) أى: لعدم المطابقة إذ النسوة لم تلمها فى الحب لكونه قهريا، وإنما لامتها على المراودة ولا يقال: إن المراودة ناشئة عن ذلك الحب ولازمة له فلا يلام عليها للزومها؛ لأنا نقول الملازمة ممنوعة، إذ قد يوجد الحب من غير مراودة، ثم إن ما ذكره من عدم جواز تقدير الحب إذا أريد به نفسه، وأما تقديره مرادا به لوازمه وآثاره التى يقتضيها، فهذا غير ممنوع للوم على ذلك عادة
(قوله: ولا فى شأنه إلخ) قال العلامة اليعقوبى عدم الجواز ظاهر فى تقدير الحب، وأما عدم الجواز فى تقدير الشأن فغير ظاهر لصحة تقديره باعتبار الشق الصحيح مما يشتمل عليه
(ومنها: الشروع فى الفعل) يعنى: من أدلة تعيين المحذوف لا من أدلة الحذف؛ لأن دليل الحذف هاهنا هو أن الجار المجرور لا بد من أن يتعلق بشىء، والشروع فى الفعل دل على أنه ذلك الفعل الذى شرع فيه (نحو: بسم الله؛ فيقدر ما جعلت التسمية مبدأ له) ففى القراءة: يقدر بسم الله أقرأ،
…
===
وهو المراودة، فالحاصل أن شموله لا يمنع من صحة تقديره؛ لأنه يكفى فى صحته احتماله للمقصود وقول الشارح ولا فى شأنه أتى به إصلاحا للمتن فإنه كان ينبغى أن يتعرض له فى المتن لمنع إرادة ذلك؛ لأنه لا يظهر تعين تقدير المراودة الذى هو الاحتمال الثانى فى كلامه إلا بنفى صحة كل من تقدير الحب وهو الاحتمال الأول وتقدير الشأن الذى هو الاحتمال الثالث- فتأمل.
(قوله: الشروع فى الفعل) لو أدخله فى الاقتران الآتى لكان أولى؛ لأنه منه
(قوله: يعنى من أدلة تعيين المحذوف) أى: بعد دلالة العقل على أصل الحذف، وكذا يقال فيما بعده، والحاصل أن العقل لا بد منه فهو الدال على أصل الحذف فى الجميع، وأما تعيين المحذوف فتارة يدل عليه العقل وتارة لا يدل عليه
(قوله: لا من أدلة الحذف) أى: خلافا لما يقتضيه ظاهر كلام المصنف؛ لأن السياق فى بيان أدلة الحذف، ولذا عبر الشارح بالعناية
(قوله: لأن دليل الحذف هاهنا هو أن الجار إلخ) فى الكلام حذف والأصل لأن دليل الحذف هو العقل بسبب إدراكه أن الجار والمجرور لا بد أن يتعلق بشىء، فإذا لم يكن ذلك المتعلق ظاهرا حكم بتقديره وكون إدراك أن الجار والمجرور لا بد له من متعلق بالتصرف العقلى لا ينافى كون التقدير لأمر لفظى فى نحو: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ؛ لأنه ليس المراد بكونه لأمر لفظى أن العقل لا يقتضيه أصلا، بل المراد أن التقدير مراعاة للقواعد النحوية الموضوعة لسبك الكلام، وهذا لا ينافى أن العقل مدرك لذلك المتعلق وإن كان لا يحتاج للتصريح به فى إفادة المعنى لتبادره
(قوله: على أنه) أى: ذلك المتعلق المحذوف، وقوله: ذلك الفعل أى: اللفظ الدال على ذلك الفعل
(قوله: فيقدر ما جعلت إلخ) أى: فيقدر لفظ ما جعلت أى:
فيقدر خصوص لفظ الفعل الذى جعلت التسمية مبدأ له، وإنما قدرنا فى كلامه لفظ قبل ما جعلت إلخ؛ لأن المقدر هو الفعل النحوى وما جعلت التسمية مبدأ له هو الفعل
وعلى هذا القياس.
(ومنها) أى: من أدلة تعيين المحذوف (الاقتران؛ كقولهم للمعرس: بالرفاء والبنين) فإن مقارنة هذا الكلام لإعراس المخاطب دل على تعيين المحذوف؛ أى:
أعرست، أو مقارنة المخاطب بالإعراس وتلبسه به دل على ذلك.
والرفاء: هو الالتئام
…
===
الحقيقى وهو لا يقدر، ولك ألّا تقدر المضاف فى أول الكلام وتقدره فى آخره، والمعنى حينئذ فيقدر ما أى: الفعل الذى جعلت التسمية مبدأ لمعناه.
(قوله: وعلى هذا القياس) مبتدأ وخبر أو القياس مفعول لمحذوف أى: وأجر القياس على هذا فإذا أريد الأكل قدر آكل والقيام قدر أقوم. وهكذا، ثم إن ظاهره أنه لا يجوز تقدير المتعلق عاما كأبتدئ فى الكل ونسب هذا للبيانيين فيتعين أن يقدر عندهم خصوص لفظ ما جعلت التسمية مبتدأ له لقرينة ابتدائه بخصوصه وجوز النحويون تقدير المتعلق عاما فى الكل
(قوله: أى من أدلة تعيين المحذوف) أى: بعد دلالة العقل على أصل الحذف ولم يبين دليل الحذف هنا؛ لأن دليله هنا عين دليله فى سابقه
(قوله: الاقتران) أى: مقارنة الكلام الذى وقع فيه الحذف لفعل المخاطب بمعنى وقوعه فى زمنه كما يؤخذ من قوله: فإن مقارنة إلخ، أو اقتران المخاطب بفعله بمعنى تلبسه به كما يؤخذ من قوله أو مقارنة المخاطب إلخ
(قوله: كقولهم) أى: قول الجاهلية حيث يحترزون عن البنات وقد ورد النهى عنه
(قوله: للمعرس) أى: المتزوج من أعرس إذا تزوج
(قوله: بالرفاء والبنين) أى: أعرست ملتبسا بالرفاء أى: بالالتئام والاتفاق بينك وبين زوجتك وملتبسا بولادة البنين منها، والجملة خبرية لفظا إنشائية معنى؛ لأن المراد بها إنشاء الدعاء أى: جعلك الله ملتئما مع زوجتك والدا للبنين منها
(قوله: دل على تعيين المحذوف) أى: بعد دلالة العقل على أصل الحذف؛ لأن العقل بعد العلم بوضع الجار يحكم بأنه لا بد له من متعلق
(قوله: أو مقارنة إلخ) إشارة لاحتمال ثان كما مر وقوله: وتلبسه به عطف على قوله مقارنة المخاطب بالإعراس مفسر له، والحاصل أن فى معنى الاقتران وجهين؛ لأنه إما بين الكلام وحال المخاطب، أو بين المخاطب وحاله