المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل لكمال الانقطاع]: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٢

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌[أغراض الحذف]:

- ‌ ذكر المسند

- ‌[أغراض الإفراد]:

- ‌[أغراض كون المسند فعلا أو اسما]:

- ‌أغراض تقييد الفعل بمفعول ونحوه، وترك تقييد الفعل:

- ‌[ترك تقييد الفعل]:

- ‌[أغراض‌‌ تقييد الفعل بالشرط:إن وإذا ولو]:

- ‌ تقييد الفعل بالشرط:

- ‌[استطراد إلى التغليب]:

- ‌[أغراض التنكير]:

- ‌ تنكير المسند

- ‌[أغراض التخصيص بالإضافة والوصف وتركه]:

- ‌[تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف]:

- ‌[غرض التعريف]:

- ‌(وأما تعريفه

- ‌[ترك تقييد المسند بالحال أو المفعول أو نحو ذلك]:

- ‌[أغراض كون المسند جملة]:

- ‌[كون المسند جملة للتقوّى]:

- ‌‌‌[أغراض التأخيروالتقديم]:

- ‌[أغراض التأخير

- ‌[تأخير المسند]:

- ‌[أغراض التقديم]:

- ‌[تقديم المسند]:

- ‌[[الباب الرابع: ] أحوال متعلقات الفعل]

- ‌[حال الفعل مع المفعول والفاعل]:

- ‌[أغراض تقديم المتعلقات على الفعل]:

- ‌[[الباب الخامس: ] القصر]:

- ‌[طرق القصر]:

- ‌[طريقة العطف]:

- ‌(ومنها النفى والاستثناء

- ‌[التقديم]:

- ‌[[الباب السادس: ] القول فى‌‌ الإنشاء]:

- ‌ الإنشاء]:

- ‌[أنواع الإنشاء]:

- ‌[الطلب]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: التمني]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: الاستفهام]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: الأمر]:

- ‌[ومن أنواع الطلب: النهي]:

- ‌ومن أنواع الطلب: النداء

- ‌[[الباب السابع: ] الفصل والوصل]

- ‌[تعريف الفصل والوصل]:

- ‌[أحوال الوصل والفصل للاشتراك فى الحكم]:

- ‌[الفصل لعدم الاشتراك فى الحكم]:

- ‌[الوصل بغير الواو من حروف العطف]:

- ‌[الفصل لعدم الاشتراك فى القيد]:

- ‌[الفصل لكمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لكمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الانقطاع]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الاتصال]:

- ‌[الفصل لشبه كمال الانقطاع]:

- ‌[أنواع الاستئناف]:

- ‌[حذف صدر الاستئناف]:

- ‌[الوصل لدفع الايهام]:

- ‌[محسنات الوصل]:

- ‌[تذنيب]:

- ‌[الباب الثامن: الإيجاز والإطناب والمساواة]:

- ‌[إيجاز القصر]:

- ‌[إيجاز الحذف]:

- ‌[الإطناب]:

- ‌[ذكر الخاص بعد العام]:

- ‌[الإيجاز والإطناب النسبيان]:

الفصل: ‌[الفصل لكمال الانقطاع]:

(أو لأنه) عطف على [لاختلافهما]، والضمير للشأن (لا جامع بينهما كما سيأتى) بيان الجامع فلا يصح العطف فى مثل: زيد طويل عمرو نائم.

(وأما كمال الاتصال) بين الجملتين (فلكون الثانية مؤكدة للأولى)

===

كذب على النبى- صلى الله عليه وسلم ليتبوأ مقعده من النار" لا تطعه أيها الأخ، فالأولى خبرية معنى والثانية إنشائية معنى ولفظهما إنشاء ونحو أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ (1) " اتق الله أيها العبد" فالأولى خبرية معنى، والثانية إنشائية معنى، أى الله كاف عبده ولفظهما إنشاء

(قوله: أو لأنه لا جامع إلخ) أى أو لاتفاقهما فى الخبرية والإنشائية؛ لئلا يدخل القسم الأول فى هذا أيضا كما تقدم.

(قوله: كما سيأتى بيان الجامع) أى والجامع الذى إذا انتفى تحقق كمال الانقطاع الموجب لمنع العطف مماثل للجامع الذى سيأتى فى محله عند تفصيله إلى عقلى ووهمى وخيالى، ثم إن ما لا يصلح فيه العطف لانتفاء الجامع، إما لانتفائه عن المسند إليهما فقط كقولك" زيد طويل وعمرو قصير" حيث لا جامع بين زيد وعمرو من صداقة غيرها، وإن كان بين الطول والقصر جامع التضاد؛ وأما عن المسندين فقط، كمثال الشارح عند فرض الصداقة بين زيد وعمرو، أو عنهما معا نحو" زيد قائم والعلم حسن".

[الفصل لكمال الانقطاع]:

(قوله: وأما كمال الاتصال) أى الذى يكون بين الجملتين فيمنع من العطف بالواو إذ عطف إحداهما على الأخرى، كعطف الشىء على نفسه، وأما غير الواو فلا يضر العطف به معه كما هو المفهوم من كلام المصنف أولا

(قوله: فلكون الثانية) أى فيتحقق ذلك الكمال بين الجملتين لأجل كون الثانية مؤكدة للأولى، أو بدلا منها، أو بيانا لها، وأما النعت فلما لم يتميز عن عطف البيان إلا بأنه يدل على بعض أحوال المتبوع لا على ذاته، والبيان يدل على ذات المتبوع لا على وصف فيه، وهذا المعنى وهو الدلالة على بعض أحوال المتبوع مما لا تحقق له فى الجمل؛ لأن الجملة إنما تدل على النسبة، ولا يتأتى أن تكون نسبة فى جملة دالة على وصف شىء فى جملة أخرى لم تنزل

(1) الزمر: 36.

ص: 479

تأكيدا معنويا (لدفع توهم تجوز أو غلط؛ نحو: لا رَيْبَ فِيهِ (1))

===

الجملة الثانية من الأولى منزلة النعت من المنعوت، وقد تكون النسبة فى جملة موضحة لنسبة جملة أخرى؛ فلذا نزلت الجملة الثانية من الأولى منزلة عطف البيان من المبين (قوله تأكيدا معنويا) أى بأن يختلف مفهومهما، ولكن يلزم من تقرر معنى إحداهما تقرر معنى الأخرى، والمراد تأكيدا معنويا لغة وإلا فالتأكيد المعنوى فى الاصطلاح إنما يكون بألفاظ معلومة، وليس ما يأتى منها، أو المراد بقوله تأكيدا معنويا أى كالتأكيد المعنوى فى حصول مثل ما يحصل منه، ومثل هذا يقال فى كون الجملة بدلا أو بيانا، ومما يدل على كون الجملة المذكورة ليست تأكيدا معنويا فى الاصطلاح قول المصنف" فيما يأتى فوزانه وزان نفسه إلخ" كذا قيل، وقد تمنع تلك الدلالة بأن يقال إن المراد فوزان هذا التوكيد المعنوى الاصطلاحى الواقع فى الجمل وزان نفسه الذى هو توكيد معنوى اصطلاحا، واقع فى المفردات، فالظاهر أن هذا توكيد معنوى اصطلاحا، ولا مانع أن يقال: إن ما كان بالألفاظ المعلومة تأكيد معنوى بالنسبة للمفردات، والجملة الثانية من المتخالفتين مفهوما، ويلزم من تقرر معنى إحداهما تقرر معنى الأخرى توكيد معنوى بالنسبة للجمل تأمل، وربما كان كلام الفنرى مفيدا لذلك، حيث قال" ولا يقال إن كل واحد من التوكيد والبيان والبدل من جملة التوابع، والتابع هو الثانى المعرب بإعراب سابقه الحاصل أو المتجدد" وحينئذ فلا بد أن يكون للمتبوع إعراب لفظى أو تقديرى.

أو محلى مع أن الكلام فى الجمل التى لا محل لها منه؛ لأنا نقول المراد من قولهم هو الثانى المعرب بإعراب سابقه كونه كذلك فيما لسابقه إعراب أو المراد بإعراب سابقه نفيا وإثباتا، أو أن هذا تعريف للتابع بالنظر للغالب، وهو ما إذا كان للسابق إعراب انتهى كلامه

(قوله: لدفع توهم تجوز) مصدر مضاف لمفعوله، أى ليدفع المتكلم توهم السامع تجوزا إلخ

(قوله: أو غلط) اعترضه العلامة السيد بأن التوكيد المعنوى فى المفردات كما فى" جاء زيد نفسه" لا يكون لدفع توهم النسيان والغلط؛ بل لدفع توهم التجوز فقط، فكذا ما هو بمنزلته، وهو المعنوى فى الجمل نحو لا رَيْبَ فِيهِ لكن الذى حققه

(1) البقرة: 2.

ص: 480

بالنسبة إلى ذلِكَ الْكِتابُ إذا جعلت الم طائفة من الحروف،

===

العلامة عبد الحكيم أن التأكيد المعنوى يفيد دفع توهم الغلط بالنسبة للاختلاف إفرادا أو غيره، سواء كان بسهو، أو نسيان، أو سبق لسان، وإن لم يفد بالنسبة للآحاد، فإذا قيل جاء الرجلان كلاهما، فإنه يفيد دفع توهم الغلط بالتلفظ بالتثنية مكان المفرد، أو الجمع دون تثنية أخرى، وكذا" جاء زيد نفسه" يفيد دفع توهم الغلط بالنسبة لمن توهم أن الجائى الزيدان، لا بالنسبة لمن توهم أنه عمرو، وجعل العلامة ابن يعقوب قول المصنف" لدفع توهم تجوز بالنظر للتأكيد المعنوى"

وقوله: " أو غلط بالنظر للتأكيد اللفظى" مخالفا لصنيع الشارح فى جعلهما للمعنوى الموجب للإشكال المذكور، وعبارته على قول المصنف" لدفع توهم تجوز أو غلط" أى لأجل أن يدفع المتكلم توهم السامع التجوز فى الأولى، فتنزل الثانية منزلة التأكيد المعنوى فى المفردات؛ لأنه إنما يؤتى به لدفع توهم التجوز، أو يدفع توهم السامع الغلط فى الأولى فتنزل الثانية منزلة التأكيد اللفظى فى المفردات، فإنه إنما يؤتى به لدفع توهم السهو أو الغلط انتهى كلامه وهو تابع فيما قال: العلامة السيد، ولكن قد علمت ما قاله العلامة عبد الحكيم.

(قوله: بالنسبة إلى ذلك الكتاب) أى حالة كون لا ريب فيه منسوبا لذلك الكتاب.

(قوله: إذا جعلت إلخ) أى أن محل كون جملة لا ريب فيه مؤكدة لذلك الكتاب إذا جعلت الم طائفة من الحروف واقعة فى أوائل السور، إشارة إلى أن الكتاب المتحدى به مركب من جنس هذه الحروف، وعلى هذا فلا يكون لها محل من الإعراب؛ لأن المراد بها على هذا مجرد تعداد الحروف فلا تكون مسندة، ولا مسندا إليها، وإلى هذا القول ذهب صاحب الكشاف واليعقوبى، وعليه فقيل هى مما اختص الله نبيه بمعرفة معانيها، وقيل إن كل حرف مقتطع من كلمة والمجموع فى موضع جملة مستقلة فالهمزة مقتطعة من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد، فكأنه قيل الله نزل جبريل على محمد بالقرآن، واقتطاعها من تلك الكلمات لا ينافى الإشارة المتقدمة، فتأمل.

ص: 481

أو جملة مستقلة، وذلِكَ الْكِتابُ جملة ثانية، ولا رَيْبَ فِيهِ ثالثة (فإنه لما بولغ فى وصفه) أى: وصف الكتاب (ببلوغه) متعلق ب [وصفه]؛ أى: فى أن وصف بأنه بالغ (الدرجة القصوى فى الكمال) وبقوله: [بولغ] تتعلق الباء فى قوله:

(بجعل المبتدأ ذلِكَ) الدال على كمال العناية بتمييزه

===

وبما ذكرناه فى بيان معنى هذا القول صحت المقابلة بينه وبين القول الذى بعده

(قوله: أو جملة مستقلة) أى أو جعلت الم جملة مستقلة، أى مع حذف أحد جزأيها. أما المبتدأ أو الخبر إن جعلت اسمية بأن يكون التقدير" الم" هذا، أو هذا" الم".

ويصح جعلها فعلية على أن يكون التقدير: " أقسم ب الم" فيكون الجار محذوفا. أو أذكر" الم" فيكون منصوبا وعلى هذا التقادير" الم" إما اسم السورة أو القرآن، أو اسم من أسمائه تعالى، أو مؤول بالمؤلف من هذه الحروف

(قوله: وذلك الكتاب جملة ثانية) أى لا محل لها من الإعراب، وقوله" ثالثة" أى لا محل لها كالأوليين، واحترز الشارح بقوله:" إذا جعلت إلخ" عما إذا جعل" الم" طائفة من الحروف قصد تعدادها أو جملة مستقلة اسمية أو فعلية على ما مر، وذلك الكتاب" مبتدأ و" لا ريب فيه" خبر، أو جعل" الم" مبتدأ و" ذلك الكتاب" خبرا أو جعل" الم" مبتدأ و" لا ريب فيه" خبرا، وجملة" ذلك الكتاب" اعتراضا فإنه لا يكون" لا ريب فيه" جملة لا محل لها من الإعراب مؤكدة لجملة قبلها، كذلك.

(قوله: فإنه لما بولغ إلخ) هذا بيان لكون" لا ريب فيه" تأكيدا معنويا لذلك الكتاب، وضمير أنه للحال والشأن. وقوله: بولغ" أى وقعت المبالغة أى فإنه لما وقعت المبالغة فى أن وصف" ذلك الكتاب" بأنه بلغ فى الكمال إلى الدرجة القصوى، أى البعدى فى الرفعة، فقوله" الدرجة" معمول البلوغ، و" فى الكمال" متعلق به

(قوله: وبقوله بولغ تتعلق الباء فى قوله بجعل) أى فالمعنى فإنه لما وقعت المبالغة فى الوصف المذكور بسبب جعل. إلخ. (قوله بجعل إلخ) المبالغة بمجموع الجعل والتعريف؛ لكن محصلها بالتعريف؛ لأن جعل المبتدأ" ذلك" إنما يفيد بلوغه الدرجة القصوى فى الكمال، وهذا لا ينافى أن غيره كذلك.

(قوله: ذلك) أى لفظ ذلك

(قوله: الدال على كمال العناية بتمييزه)

ص: 482

والتوسل ببعده إلى التعظيم، وعلو الدرجة. (وتعريف الخبر باللام) الدال على الانحصار؛ مثل: حاتم الجواد. فمعنى: ذلِكَ الْكِتابُ أنه الكتاب الكامل الذى يستأهل أن يسمى كتابا كأن ما عداه من الكتب فى مقابلته ناقص، بل ليس بكتاب

===

أى من حيث إن اسم الإشارة موضوع للمشاهد المحسوس، وقوله" والتوسل إلخ" أى باعتبار أن اللام للبعد، وقوله" الدال .. إلخ" صفة" لجعل" أو" ولذلك" وهو الأقرب؛ لكن الأول أليق بقول الشارح والتوسل إلخ إذ لو كان صفة لذلك لكان المناسب أن يقول الدال على كمال العناية بتمييزه، وعلى البعد المتوسل به إلى التعظيم

(قوله: التوسل) عطف على كمال العناية، أى الدال على كمال العناية بتمييزه، والدال على التوسل إلى التعظيم وعلو الدرجة؛ بسبب بعده أى دلالته على البعد، فكأنه فى مرتبة لا يشار إليها إلا من بعد

(قوله: الدال على الانحصار) أى لأن تعريف الجزأين فى الجملة الخبرية يدل على الانحصار. إما حقيقة، أو مبالغة، فالأول: نحو قولك: " الله الواجب الوجود" والثانى: كما مثل الشارح بقوله: " حاتم الجواد" أى لا جواد إلا حاتم إذ جود غيره بالنسبة إلى جوده كالعدم

(قوله: فمعنى" ذلك الكتاب") أى المراد منه أنه إلخ أو معناه حقيقة أنه الكتاب لا سواه؛ لكنه غير مراد؛ لأنه باطل. وقوله: " الكامل" أى فى الهداية (قوله الذى يستأهل) بالهمزة أى يستحق. وفى الصحاح يقال: فلان أهل لكذا، ولا يقال" مستأهل" والعامة تقوله، لكن العلامة الزمخشرى قد صحح هذه العبارة فى الأساس.

(قوله: كأن ما عداه من الكتب) أى السماوية. (وقوله: ناقص) أى عن درجته، وهذا إن لوحظ أنّ المحضور الكتاب الكامل، وقوله بل ليس بكتاب، أى ولو كان ذلك الغير كتابا كاملا فى نفسه، وهذا المعنى إن لوحظ أن المحصور أصل الكتاب، وقد يقال إن المناسب لملاحظة كون المحصور الكتاب الكامل حذف الكأنية. ويقول: وأن من عداه من الكتب فى مقابلته ناقص وأجيب بأنه أتى بها إشارة إلى أن المقصود من حصر الجنس الدلالة على كماله فيه، لا التعريض بنقصان غيره؛ لما ذكروه من أن الحصر فى

ص: 483

(جاز) جواب لما؛ أى جاز بسبب هذه المبالغة المذكورة (أن يتوهم السامع قبل التأمل أنه) أعنى: قوله ذلِكَ الْكِتابُ (مما يرمى به جزافا) من غير صدور عن روية وبصيرة، (فأتبعه) على لفظ المبنى للمفعول، والمرفوع المستتر عائد إلى لا رَيْبَ فِيهِ والمنصوب البارز إلى ذلِكَ الْكِتابُ أى: جعل لا رَيْبَ فِيهِ تابعا ل ذلِكَ الْكِتابُ

===

قولك" زيد الشجاع" قد يقصد به مجرد كمال شجاعته، وقد يتوسل بذلك إلى التعريض بنقصان شجاعة غيره ممن يدعى مساواته لزيد فى الشجاعة.

واعلم أن هذا الكلام الذى قرر به الشارح الحصر فى الآية ليس فى ظاهره سوء أدب، إذ لم يصرح بوصف الكتب التى وقع الحصر باعتبارها بالنقصان ولا فى باطنه؛ لأن الملك الأعظم له أن يفضل ما شاء من كتبه على غيره بالمبالغة الحصرية، وغيرها، نعم لو سميت فيه الكتب، ووقع الحصر من غير الملك الأعلى، لزم سوء الأدب، أو وقع الحصر من غير الملك الأعلى ولو لم تسم الكتب، قاله اليعقوبى

(قوله: جاز إلخ) أى لأن كثرة المبالغة تجوّز توهم المجازفة، لما جرت به العادة غالبا أن المبالغ فى مدحه لا يكون على ظاهره، إذ لا تخلو المبالغة غالبا من تجوز وتساهل

(قوله: قبل التأمل) أى فى كمالات الكتاب.

(قوله: أعنى قوله" ذلك الكتاب") أى المفيد للمبالغة فى المدح

(قوله: مما يرمى به) أى من جملة الكلام الذى يتكلم به. (قوله جزافا) مثلث الجيم لكن الضم والفتح سماعيان، والكسر قياسى؛ لأنه مصدر جازف جزافا ومجازفة، أى أخذ بغير تقدير ومعرفة بالكمية، والجزاف أيضا التكلم من غير خبرة وتيقظ، ونصبه فى كلام المصنف على المصدرية، أى يرمى به رمى جزاف أى رميا بطريق الجزاف

(قوله: من غير صدور إلخ) لعدم ملاحظة مقتضياته ومراعاة لوازمه، وهذا تفسير للجزاف، وليس زائدا عليه كما علمت فهو على حذف أى فإن قلت إن توهم كون الكلام مما يرمى به جزافا، إنما يصح لو صدر عن غير علام الغيوب، فكيف يقال: يجوز أن يتوهم أن هذا الكلام مما يرمى به جزافا؟ قلت: أجابوا عن ذلك: بأن المراد أن هذا الكلام لو كان من غيره لتوهم ما ذكر، فأجرى معه" لا ريب فيه" دفعا لذلك التوهم، جريا على قاعدة ما

ص: 484

(نفيا لذلك) التوهم (فوزانه) أى: فوزان لا رَيْبَ فِيهِ مع ذلِكَ الْكِتابُ (وزان نفسه) مع زيد (فى: جاءنى زيد نفسه) فظهر أن لفظ [وزان] فى قوله:

[وزان نفسه] ليس بزائد كما توهم، أو تأكيدا لفظيا كما أشار إليه بقوله: (ونحو:

===

تجب مراعاته فى البلاغة العرفية باعتبار كلام المخلوق؛ لأن القرآن وإن كان كلام الله إلا أنه جار على القاعدة العرفية المعتبرة فى كلام الخلق وأنت لو قلت ذلك الرجل كان مفيدا؛ لأنه الكامل فى الرجولية، فربما يتوهم أن هذا مما يرمى به جزافا فلك أن تؤكده، وتدفع ذلك التوهم بقولك:" لا شك فيه" فتأمل.

(قوله: نفيا لذلك التوهم إلخ) فتوهم الجزاف .. فى ذلك الكتاب بمنزلة توهم التجوز فى" جاءنى زيد" لاشتراكهما فى المساهلة ودفع هذا التوهم، على تقدير كون الضمير المجرور فى" لا ريب فيه" راجعا إلى الكلام السابق، أعنى" ذلك الكتاب" ظاهر كأنه قيل:" لا ريب فيه" ولا مجازفة، وإن كان الضمير راجعا للكتاب كما هو الظاهر فمبنى على أنه إذا لم يكن ريب فى كونه كاملا غاية الكمال لم يكن قولك" ذلك الكتاب" بالمجازفة ا. هـ عبد الحكيم.

(قوله: فوزانه إلخ) الوزان مصدر قولك وازن الشىء أى ساواه فى الوزن، وقد يطلق على النظير؛ باعتبار كون المصدر بمعنى اسم الفاعل، وقد يطلق على مرتبة الشىء إذا كانت مساوية لمرتبة شىء آخر فى أمر من الأمور، وهو المراد هنا، إذ المعنى: فمرتبة" لا ريب فيه" مع" ذلك الكتاب" فى دفع توهم الجزاف مرتبة نفسه مع زيد فى قولك:

جاء زيد نفسه.

(قوله: وزان نفسه) أى مرتبة نفسه من جهة كونه رافعا لتوهم المجاز، وأن الجائى ثقله أو رسوله أو عسكره أو كتابه

(قوله: فظهر) أى من التقرير السابق المفيد أن وزان بمعنى مرتبة كما يؤخذ من قوله مع" ذلك الكتاب" وقوله: مع زيد ومن عدم تأويل الوزان بالموازن

(قوله: كما توهم) راجع للمنفى أى أن بعضهم توهم أن وزان الثانى زائد، ولكن لجعله وزان الأول مصدرا بمعنى اسم الفاعل، وحينئذ فالمعنى فموازنه ومشابهه نفسه، ورد بأنه لا حاجة للتأويل والأصل عدم الزيادة.

(قوله: أو تأكيدا لفظيّا) أى بأن يكون مضمون الجملة الثانية وهو مضمون الأولى وهو عطف على قوله تأكيدا معنويّا ووجه منع العطف فى التأكيد كون التأكيد

ص: 485

هُدىً) أى: هو هدى (لِلْمُتَّقِينَ) أى: الضالين الصائرين إلى التقوى (فإن معناه أنه) أى الْكِتابُ (فى الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها) أى: غايتها؛

===

مع المؤكد كالشىء الواحد، وعلم مما قلناه أن الجملتين اللتين بينهما تأكيد معنوى بين معنييهما تخالف واللتين بينهما تأكيد لفظى بين معنييهما اتحاد واتفاق، ولهذا قيل إن" لا ريب فيه" تأكيد معنوى و" هدى" تأكيد لفظى وحينئذ ظهر الفرق بين التأكيدين، وعلم أنه ليس المراد بالتأكيد اللفظى التأكيد بنفس تكرير اللفظ إذ لم يتعرضوا له؛ لأنه لا يتوهم فيه صحة العطف. تأمل

(قوله: هدى) الهدى هو الهداية وهى عبارة عن الدلالة على سبيل النجاة

(قوله: أى هو هدى) أشار الشارح بذلك إلى أن محل كونه مما نحن بصدده إذا جعل هدى خبر مبتدأ محذوف، وإنما لم يجعله مبتدأ محذوف الخبر على تقدير فيه هدى مع أنه إذا جعل كذلك كان مما نحن بصدده، لفوات المبالغة المطلوبة، وأما إذا جعل خبرا عن" ذلك الكتاب" بعد الإخبار عنه ب" لا ريب فيه"، أو جعل حالا، والعامل اسم الإشارة فلا يكون مما نحن بصدده.

(قوله: أى الضالين الصائرين إلى التقوى) هذا جواب عن إشكال، وحاصله أن الهداية إنما تتعلق بالضالين لا بالمتقين؛ لأنهم هم المهديون، فلو تعلقت الهداية بهم لزم تحصيل الحاصل، وحاصل الجواب أن المتقين فى الآية من مجاز الأول، فالمعنى هدى للضالين الصائرين للتقوى لقربهم من القبول، وهم الذين يستمعون الكتاب ويقبلونه، بخلاف المطبوع على قلوبهم، ومحصله أن المراد بالمتقين: المتقون بالقوة، أى المشرفون على التقوى، وأجاب بعضهم بجواب آخر، وحاصله أن تعلق الهداية بالموصوفين بالتقوى على معنى الزيادة، أى هو نفس زيادة الهدى للمتقين على هداهم، أى أنه يدلهم على ما لم يصلوا إليه من معانى التقوى، وأجاب السيد الصفوى بأن المراد المتقون فى علم الله

(قوله: فإن معناه) أى معنى هدى للمتقين تأكيد وهذا تعليل لكون هو هدى للمتقين تأكيدا لفظيا لذلك الكتاب أى إنما كانت هذه الجملة تأكيدا لفظيّا لهذه الجملة التى قبلها لاتحادهما فى المعنى؛ لأن معناه

(قوله: فى الهداية) متعلق بما بعده. وهو بالغ

(قوله: أى غايتها) إنما لم يحمل الكنه على الحقيقة، لمنافاته لقوله بعد ذلك" حتى كأنه إلخ" وبيان ذلك أنه لما حكم بأن حقيقة

ص: 486

لما فى تنكير هُدىً من الإبهام والتفخيم (حتى كأنه هداية محضة) حيث قيل:

هُدىً ولم يقل: هاد (وهذا معنى: ذلِكَ الْكِتابُ؛ لأن معناه- كما مر-:

الكتاب الكامل، والمراد بكماله: كماله فى الهداية؛ لأن الكتب السماوية بحسبها) أى: بقدر الهداية واعتبارها (تتفاوت فى درجات الكمال) لا بحسب غيرها؛ لأنها المقصود الأصلى من الإنزال (فوزانه)

===

الدرجة التى بلغها لا تدرك فلا يصح أن يتفرع عليه قوله حتى كأنه هداية محضة؛ لأن ذلك لا يتفرع إلا على إدراك حقيقته، لا على عدم إدراكها

(قوله: لما فى تنكير هدى إلخ) علة لقوله" فإن معناه إلخ"

(قوله: حتى كأنه) الأولى حتى إنه إذ فى حمل الشىء على الشىء فى مقام المبالغة دعوى الاتحاد من غير شائبة تردد انتهى أطول (قوله حيث قيل إلخ) الحيثية للتعليل

(قوله: وهذا) أى بلوغ الكتاب فى الهداية درجة لا تدرك غايتها، وقوله معنى" ذلك الكتاب" أى بناء على أنه جملة مستقلة أى معناه المقصود منه لا المعنى المطابق الذى وضع له اللفظ

(قوله: لأن معناه) أى: المقصود منه

(قوله: والمراد بكماله) أى الكتاب

(قوله: لأن الكتب السماوية بحسبها تتفاوت فى درجات الكمال) فإذا كان التفاوت فى الهداية وجب حمل الكمال على الكمال فى الهداية.

(قوله: أى بقدر الهداية) فيه إشارة إلى أن الحسب بمعنى القدر، يقال:" عمل هذا بحسب عمل فلان" أى على قدره وقول المصنف: " بحسبها" متعلق" بتتفاوت" وتقديم الجار والمجرور لإفادة الحصر، أى بحسبها تتفاوت لا بحسب غيرها، فإن قلت إن الكتب السماوية تتفاوت أيضا بحسب جزالة النظم وبلاغته، كالقرآن فإنه فاق سائر الكتب باعتبار إعجاز نطقه، فكيف يحصر المصنف تفاوت الكتب السماوية فى الهداية؟ وأجيب بأن الكتب السماوية وإن تفاوتت بحسب جزالة النظم وبلاغته، لكن المقصود الأصلى من الإنزال إنما هو الهداية، فحصر التفاوت فى الهداية للمبالغة اعتناء بشأن هذا التفاوت بتنزيل غيره منزلة العدم، وإلى هذا الجواب أشار الشارح بقوله" لأنها المقصود الأصلى إلخ".

(قوله: لأنها المقصود الأصلى) أى لأنه ينبنى عليها كل غرض دنيوى وأخروى، (قوله فوزانه) أى نسبته ومرتبته وهذا مفرع على محذوف، والتقدير: " وحيث كان مدلول

ص: 487

أى: وزان هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (وزان: زيد الثانى فى: جاءنى زيد زيد) لكونه مقررا ل ذلِكَ الْكِتابُ مع اتفاقهما فى المعنى بخلاف: لا رَيْبَ فِيهِ؛ فإنه يخالفه معنى (أو) لكون الجملة الثانية (بدلا منها) أى: من الأولى

===

ذلك الكتاب أنه الكتاب لا غير" وظاهره محال، بل الغرض وصفه بالكمال فى الهداية، ومدلول" هو هدى" أنه نفس الهدى، وهو محال أيضا، وإنما الغرض كونه كاملا فى إفادة الهداية فقد اتحدا فى عدم إرادة الظاهر، وفى إرادة الكمال فى الهداية وصار" هو هدى" تأكيدا لفظيّا فوزانه إلخ

(قوله: أى وزان هدى للمتقين) لم يقل كسابقه مع ذلك الكتاب، وكذا قوله:" وزان زيد" لم يقل فيه مع زيد الأول اكتفاء بسابقه إذ لا فرق، ثم إن المراد مماثلة هو هدى لزيد الثانى فى اتحاد المعنى لدفع توهم الغلط والسهو؛ لأن التأكيد اللفظى إنما يؤتى به لدفع توهم السامع أن يذكر زيد الأول على وجه الغلط أو السهو، وأن المراد عمرو مثلا، واعترض العلامة السيد على المصنف بأنه حيث كان قوله" هدى للمتقين" وزانه وزان زيد الثانى كان المناسب حينئذ عطف" هدى للمتقين" على قوله" لا ريب فيه" لاشتراكهما فى التأكيدية لذلك الكتاب، وإن امتنع عطفه على المؤكد- بفتح الكاف- وأجيب بأن لا ريب فيه لما كان تأكيدا تابعا لما قبله، صار كهو، فلما امتنع العطف على ما قبله امتنع العطف عليه لشدة ارتباطه بما قبله، فالعطف عليه كالعطف على ما قبله قال فى الأطول: وهذا الاعتراض غفلة عن أنه لا يعطف تأكيد على تأكيد، فلا يقال جاء القوم كلهم وأجمعون؛ لإيهام العطف على المؤكد انتهى

(قوله: مع اتفاقهما فى المعنى) أى المراد منهما

(قوله: فإنه يخالفه معنى) أى وإن كان معنى ذلك الكتاب يستلزم نفى الريب عنه؛ فلذا جعل" لا ريب فيه" تأكيدا معنويّا وجعل" هدى للمتقين" تأكيدا لفظيّا.

(قوله: بدلا منها) أى بدل بعض، أو اشتمال لا بدل غلط، إذ لا يقع فى فصيح الكلام، ولا بدل كل إذ لم يعتبره المصنف فى الجمل التى لا محل لها من الإعراب؛ لأنه لا يفارق الجملة التأكيدية إلا باعتبار قصد نقل النسبة إلى مضمون الجملة الثانية فى البدلية دون التأكيدية، وهذا المعنى لا يتحقق فى الجمل التى لا محل لها من الإعراب؛ لأنه

ص: 488

(لأنها) أى: الأولى (غير وافية بتمام المراد،

===

لا نسبة بين الأولى منها وبين شىء آخر حتى ينتقل إلى الثانية وتجعل بدلا من الأولى، وإنما يقصد من تلك الجمل استئناف إثابتها، وبعضهم اعتبره فى الجمل التى لا محل لها، ونزل قصد استئناف إثباتها منزلة نقل النسبة، فأدخل بدل الكل فى كمال الاتصال، ومثل له بقول القائل" قنعنا بالأسودين قنعنا بالتمر والماء" فإذا قصد الإخبار بالأولى ثم بالثانية لتكون الأولى كغير الوافية بالمراد لما فيها من إبهام ما، والمقام يقتضى الاعتناء بشأن المخبر به تنفصيلا لما فيه من تشويق المخبر، أو نحو ذلك، كانت بدل كل فتحصل من هذا أن فى جعل الجملة الواقعة بدل كل من كل داخلة فى كمال الاتصال، أو غير داخلة خلافا، بخلاف الواقعة بدل بعض أو اشتمال فإنهما داخلان فيه قطعا؛ لأن المبدل منه فيهما غير واف بالمراد، حتى فى البدل الإفرادى فإنك إذا قلت أعجبنى زيد لم يتبين الأمر الذى منه أعجبك، وإذا قلت وجهه تبين وهو بعض زيد فكان بدل بعض، وإذا قلت أعجبنى الدار حسنها فكذلك والحسن ليس بعضا فكان بدل اشتمال، ومن هذا تعلم أن البدل الاتصالى لا يخلو من بيان ووفاء، ولم يقتصر على البدل فى جميع الأقسام دون المبدل منه مع أن الوفاء إنما هو بالبدل؛ لأن مقام البدل يقتضى الاعتناء بشأن النسبة وقصدها مرتين أوكد، ولا يقال حيث كان البدل الاتصالى لا يخلو عن بيان يلزم التباسه بعطف البيان؛ لأنا نقول البيان فى البدل غير مقصود بالذات؛ بل المقصود تقرير النسبة، وعطف البيان المقصود منه التفسير والإيضاح لا تقرير النسبة، فافهم.

ووجه منع العطف فى بدل البعض والاشتمال أن المبدل منه فى نية الطرح عن القصد الذاتى، فصار العطف عليه كالعطف على ما لم يذكر، وقول بعضهم: وجه المنع أن البدل والمبدل منه كالشىء الواحد، لا يتم مع كون المبدل منه كالمعدوم، إذ لا يتحد ما هو بمنزلة المعدوم بالموجود مع أن البعض من حيث هو، والمشتمل عليه من حيث هو لا اتحاد بينه وبين ما قبله تأمل.

(قوله: لأنها غير وافية) علة لمحذوف، أى وتبدل الثانية من الأولى لأنها إلخ.

ص: 489

أو كغير الوافية) حيث يكون فى الوفاء قصور ما، أو خفاء ما (بخلاف الثانية) فإنها وافية كمال الوفاء

===

(قوله: أو كغير الوافية) أى لكونها مجملة أو خفية الدلالة، قاله عبد الحكيم، وذلك كما فى الآية والبيت الآتيين على ما يقتضيه صنيع الشارح، وعليه فيكون المصنف أهمل التمثيل لما إذا كانت الأولى غير وافية، والأحسن كما فى ابن يعقوب أن يراد بغير الوافية الجملة التى اتبعت ببدل البعض والاشتمال؛ لأنه لا يفهم المراد إلا بالبدل إذ لا إشعار بالأعم للأخص، ولا للمجمل بالمبين، وأن يراد بكغير الوافية الجملة التى اتبعت ببدل الكل بناء على اعتباره فى الجمل؛ لأن مدلول الأولى هو مدلول الثانية ما صدقا، وإن اختلفا مفهوما، والماصدق أكثر رعاية من المفهوم وعلى هذا يكون قوله" أوفي" تفصيلا باعتبار مطلق المشاركة لا باعتبار الوفاء بالمقصود فى الحالة الراهنة، ولا يقال حمل قوله" أو كغير الوافية" على التى أتبعت ببدل الكل لا يناسب مذهب المصنف؛ لأن بدل الكل عنده لا يجرى فى الجمل التى لا محل لها؛ لأنا نقول قوله" أو كغير الوافية" إشارة لمذهب غيره من جريان بدل الكل فى الجمل، وكأنه قال" أو كغير الوافية" على ما مشى عليه غيرنا، وإنما كان حمل كلام المصنف على هذا الذى قلنا أحسن؛ لأن غير الوافية هى التى صدر بها فينصرف التمثيل الذى ذكره لها، وتكون التى هى كغير الوافية كالمستطردة، باعتبار ما لم يذكره وذكره الغير، ويمكن أن يجمل قول المصنف" أو كغير الوافية" للتنويع الاعتبارى، وحينئذ فتكون الجملة الأولى فى كل من الآية والبيت غير وافية باعتبار، ووافية تشبه غير الوافية باعتبار آخر، بيان ذلك أن فى الأولى وفاء باعتبار كونها أعم وأشمل فيصح جعل الأولى مشاركة للثانية فى الوفاء بالمراد، وإن كانت الأولى وافية به إجمالا والثانية وافية به تفصيلا، وزادت الثانية بالتفصيل فتكون أوفى فشبه الأولى بغير الوافية؛ لخلوها عن التفصيل الذى هو المقصود، ويصح جعل الأولى غير وافية بالمراد الذى هو التفصيل حيث جعل المراد هو التفصيل تأمل (قوله حيث يكون فى الوفاء قصور ما) أى حيث يكون فى وفاء الأولى بالمراد قصور؛ لكونها مجملة كما فى الآية (وقوله: أو خفاء) أى أو يكون فى الأولى خفاء فى

ص: 490

(والمقام يقتضى اعتناء بشأنه) أى: بشأن المراد؛ (لنكتة؛ ككونه) أى:

المراد (مطلوبا فى نفسه، أو فظيعا، أو عجيبا،

===

الدلالة على المراد، كما فى البيت وهذا راجع لقوله" أو كغير الوافية"

(قوله: والمقام يقتضى اعتناء بشأنه) جملة حالية أى لكون الأولى غير وافية بالمراد، والحال أن المقام يقتضى اعتناء بشأنه، فمن ثم أتى بالمبدل منه ثم بالبدل ولم يقتصر على البدل مع أن الوفاء إنما هو به لأن قصد الشىء مرتين أوكد، كذا قرر شيخنا العدوى، والمراد بالمقام هنا حال المراد، وفى ابن يعقوب أن قوله" والمقام إلخ" جواب عما يقال هب أن الجملة الأولى غير وافية كل الوفاء بالمراد فلم لم يقتصر عليها ويوكل فهم المراد للسامع فقد يتعلق الغرض بالإبهام؟ فأشار إلى أن البدل إنما يؤتى به فى مقام يقتضى الاعتناء بشأنه فتقصد النسبة مرتين فى الجمل والمنسوب إليه من حيث النسبة مرتين فى المفردات

(قوله: بشأن المراد) أى وحينئذ فلا بد من إتمامه، ولم يرجع الضمير إلى تمام المراد؛ لأن الاعتناء بشأن المراد يقتضى المبالغة فى إتمامه.

(قوله: لنكتة) الأولى حذفه إذ النكتة نفس المقام، كما فى الأطول وابن يعقوب

(قوله: ككونه مطلوبا فى نفسه) أى وشأن المطلوب أن يعتنى به ويبين، وذلك كما فى الآية، وكان الأولى حذف قوله" فى نفسه" ليشمل ما إذا كان المراد مطلوبا ذريعة لغيره كما أشار له الشارح بقوله فيما يأتى وذريعة إلخ

(قوله: أو فظيعا) أى عظيما من القبح والشناعة فلفظاعته وكون العقل لا يدركه ابتداء يعتنى بشأنه فيبدل منه ليتقرر فى ذهن السامع بقصده مرتين، نحو أن يقال لامرأة تزنى وتتصدق توبيخا لها وتقريعا" لا تجمعى بين الأمرين، لا تزنى ولا تتصدقي" وهذا المثال بناء على ورود بدل الكل فى الجمل التى لا محل لها

(قوله: أو عجيبا) أى فيعتنى به لإعجاب المخاطب قصدا لبيان غرابته، وكونه أهلا لأن ينكر إن ادعى نفيه هو، أو أصل يتعجب منه أن ادعى إثباته كما إذا رأيت زيدا محتاجا ويتعفف فتقول: زيد جمع بين أمرين يحتاج ويتعفف، ونحو بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ. قالُوا أَإِذا مِتْنا إلخ (1) فإن البعث بعد صيرورته العظام ترابا عجيب عند منكريه، ومن عجائب القدر عند مثبتيه، وهذا أيضا مثال لبدل الكل، ومثاله أيضا: قال زيد قولا قال" أنا

(1) المؤمنون: 81، 82.

ص: 491

أو لطيفا) فتترل الثانية من الأولى مترلة بدل البعض، أو الاشتمال؛ فالأول: (نحو:

أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ. وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (1) فإن المراد التنبيه على نعم الله تعالى) والمقام يقتضى اعتناء بشأنه؛ لكونه مطلوبا فى نفسه وذريعة إلى غيره (والثانى) - أعنى: قوله: أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ إلخ- (أوفى بتأديته) أى: تأدية المراد الذى هو التنبيه (لدلالته) أى: الثانى (عليها) أى: على نعم الله تعالى (بالتفصيل

===

أهزم الجند وحدى"

(قوله: أو لطيفا) أى ظريفا مستحسنا فيقتضى ذلك الاعتناء به، لإدخال ما يستغرب فى أذهان السامعين، كما إذا رأيت زيدا رقيق القلب حسن السيرة فتقول زيد جمع بين أمرين جمع بين رقة القلب وحسن السيرة، ونحو لا تجمع بين الأمرين لا تجمع بين السماع واللهو

(قوله: فتنزل الثانية من الأولى منزلة بدل البعض) أى فى المفرد، وإلا فهى بدل حقيقة، وكذا قوله الاشتمال على ما تقدم ثم إن تنزيل الجملة الثانية من الأولى منزلة بدل الاشتمال استشكلوه بأن ضابط بدل الاشتمال- وهو أن يكون المبدل منه متقاضيا لذكر البدل- غير موجود هنا، وأجيب بأن هذا ضابط البدل فى المفردات.

(قوله: نحو أمدكم) أى نحو قول الله تعالى حكاية عن قول نبيه" هود" لقومه ولا يقال الكلام فيما لا محل له وأَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ محلها النصب؛ لأنها مفعول اتقوا قبله؛ لأنا نقول هذه الجملة صلة الموصول، وقد صرح ابن هشام بأن المحل للموصول دون الصلة، وصرح العلامة السيد بأن المحل لمجموع الصلة والموصول فمجرد الصلة لا محل لها، وقوله:

فإن المراد أى: من هذا الخطاب

(قوله: والمقام يقتضى اعتناء بشأنه) الجملة حالية أى:

والحال أن المقام يقتضى الاعتناء بشأن التنبيه المذكور لكونه مطلوبا فى نفسه؛ لأن إيقاظهم من سنة غفلتهم عن نعم الله مطلوب فى نفسه؛ لأنه تذكير للنعم لتشكر والشكر عليها مبدأ لكل خير

(قوله: وذريعة إلى غيره) وهو التقوى المشار لها بقوله تعالى قبل ذلك: " واتقوا الذى أمدكم بما تعلمون" بأن يعلموا بذلك التنبيه أن من قدر أن يتفضل عليهم بهذه النعمة فهو قادر على الثواب والعقاب فيتقونه

(قوله: لدلالته عليها بالتفصيل) أى: حيث سميت بنوعها بخلاف الأول فإنه يدل عليها إجمالا؛ لأن الإمداد يشعر بأن المراد بما يعلمونه نعم

(1) الشعراء: 132.

ص: 492

من غير إحالة على علم المخاطبين المعاندين، فوزانه وزان [وجهه] فى: أعجبنى زيد وجهه؛ لدخول الثانى فى الأول) لأن بِما تَعْلَمُونَ يشمل الأنعام وغيرها (والثانى) أعنى: المترل مترلة بدل الاشتمال (نحو:

أقول له ارحل لا تقيمن عندنا

وإلا فكن فى السرّ والجهر مسلما (1))

===

وهى غير مسماة بنوعها

(قوله: من غير إحالة) أى: من غير أن يحال تفصيلها على علم المخاطبين المعاندين لكفرهم؛ لأنه لو أحيل تفصيلها إلى علمهم لربما نسبوا تلك النعم إلى قدرتهم جهلا منهم وينسبون له تعالى نعما أخر كالإحياء والتصوير

(قوله: فوزانه) أى:

فمرتبة قوله: أمدكم بأنعام وبنين إلخ بالنسبة لقوله أمدكم بما تعلمون

(قوله: وزان وجهه) أى: مرتبة قولك: أعجبنى زيد وجهه

(قوله: لدخول الثانى) أعنى مضمون أمدكم بأنعام وبين إلخ، وقوله فى الأول يعنى أمدكم بما تعلمون

(قوله: يشمل الأنعام وغيرها) أى: من السمع والبصر والعز والراحة وسلامة الأعضاء والبدن ومنافعها فما ذكر من النعم فى الجملة الثانية بعض ما ذكر فى الأول كما أن الوجه بعض زيد، وكان الأولى للشارح أن يقول: لأن ما يعلمون يشمل ما ذكر فى الجملة الثانية من النعم الأربعة وغيرها كالسمع والبصر؛ لأن كلامه يوهم أن المراد بغير الأنعام النعم الثلاثة المذكورة بعدها فى الآية الثانية وليس هذا مرادا.

بقى شىء آخر وهو أن قوله: أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ. وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إن كان هو المراد فقط من الجملة الأولى كانت الثانية بدل بعض، ولكن يفوت التنبيه على جميع النعم المعلومة لهم وإن أريد ما هو أعم لم تكن الثانية بدل بعض، بل من ذكر الخاص بعد العام فلا تكون الثانية أوفى؛ لأن الأولى أوفى من جهة العموم، والثانية أوفى من جهة التفصيل-. اه يعقوبى.

(قوله: أعنى المنزل منزلة بدل الاشتمال) أى: فى المفردات فلا يقال: إن جملة لا تقيمن عندنا بدل اشتمال، وحينئذ فما معنى التنزيل

(قوله: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا) قال فى شرح الشواهد لا يعلم قائله، ومعنى البيت: أقول له حيث لم يكن باطنك وظاهرك سالما من ملابسة ما لا ينبغى فى شأننا فارحل ولا تقيمن فى حضرتنا (وقوله: وإلا

(1) البيت بلا نسبة فى الإشارات للجرجانى ص 123، وكذا خزانة الأدب 5/ 207، 8/ 463، ومجالس ثعلب ص 96، ومعاهد التنصيص 1/ 278، وعقود الجمان ص 178.

ص: 493

فإن المراد به) أى: بقوله [ارحل](كمال إظهار الكراهة لإقامته) أى:

المخاطب (وقوله: [لا تقيمن عندنا] أوفى بتأديته لدلالته) أى: دلالة [لا تقيمن](عليه) أى: على كمال إظهار الكراهة (بالمطابقة مع التأكيد) الحاصل من النون،

===

فكن إلخ) أى: وإن لم ترحل فكن على ما يكون عليه المسلم من استواء الحالين فى السر والجهر أى: فى الظاهر والباطن

(قوله: فإن المراد به كمال إظهار الكراهة لإقامته) ليس المراد أن ارحل موضوع لكمال إظهار الكراهة؛ لأنه إنما وضع لطلب الرحيل، لكن لما كان طلب الشىء عرفا يقتضى غالبا محبته ومحبة الشىء تستلزم كراهة ضده وهو الإقامة هنا فهم منه كراهة الإقامة، والدليل على أن الأمر أجرى على هذا الغالب ولم يرد به مجرد الطلب الصادق بعدم الكراهة للضد قوله: وإلا فكن فى السر إلخ، فإنه يدل على كراهة إقامته لسوئه لا أنه مأمور بالرحيل مع عدم المبالاة بإقامته وعدم كراهتها، بل لمصلحة له فيه مثلا، فظهر من هذا أن لفظ ارحل دال على كراهة الإقامة لزوما، وذكر هذا اللفظ يفيد إظهار الكراهة والعدول عن الإشارة والرمز والحال مما يفيد إظهار الكراهة إلى اللفظ الأقوى منها يدل على كمال ذلك الإظهار

(قوله: لدلالته عليه بالمطابقة مع التأكيد) وذلك لأن لفظ لا تقيمن يدل على كراهة الإقامة بالمطابقة العرفية وذكر هذا اللفظ مفيد لإظهار كراهتها ونون التأكيد دالة على كمال هذا الإظهار- كذا قرر شيخنا العدوى، وعليه يكون قوله لا تقيمن: ليس دالا على كمال إظهار الكراهة بدون اعتبار التأكيد، بل بواسطة اعتباره، وحينئذ فقول المصنف مع التأكيد متعلق بالدلالة فيفيد مقارنة الدلالة للتأكيد من كون لا تقيمن أوفى، والحاصل أن كلا من ارحل ولا تقيمن وإن دل على كمال إظهار الكراهة، إلا أن دلالة لا تقيمن على ذلك بالمطابقة ودلالة ارحل عليه بالالتزام، ولما كانت دلالة لا تقيمن على هذا المقصود أوفى لما ذكره وهو مع ذلك ليس بعض مدلول ارحل ولا نفسه، بل هو ملابسه للملازمة بينهما صار بدل اشتمال منه، ويمكن أن يقال: إن قوله لا تقيمن يدل على كراهة الإقامة بالمطابقة العرفية، وذكر هذا اللفظ مفيد لإظهار تلك الكراهة والعدول عن الإشارة وغيرها مما يفيد إظهار الكراهة المذكورة إلى اللفظ الأقوى منهما يدل على كمال ذلك الإظهار، كما أن نون التوكيد وحدها تفيد كمال ذلك الإظهار، وعلى هذا الاحتمال يكون قوله لا تقيمن أوفى بتأدية المراد من ارحل من وجهين.

الأول: دلالة ارحل على كمال إظهار الكراهة بالالتزام ودلالة لا تقيمن بالمطابقة

ص: 494

وكونها مطابقة باعتبار الوضع العرفى؛ حيث يقال: لا تقم عندى؛ ولا يقصد كفه عن الإقامة، بل مجرد إظهار كراهة حضوره (فوزانه) أى: وزان: [لا تقيمن عندنا](وزان [حسنها] فى: أعجبنى الدار حسنها؛ لأن عدم الإقامة مغاير للارتحال) فلا يكون تأكيدا

===

- الثانى: اشتمال لا تقيمن على التأكيد دون ارحل، وعلى هذا الاحتمال فقول المصنف مع التأكيد: حال من ضمير دلالته أى: لدلالته عليه بالمطابقة حال كونه مصاحبا للتأكيد وهذا يفيد أن دلالته عليه بالمطابقة حال كونه مع التأكيد دون حال خلوه عنه وكل من الاحتمالين- قرره بعضهم.

(قوله: وكونها مطابقة إلخ) هذا جواب عما يقال: إن قوله لا تقيمن عندنا إنما يدل بالمطابقة على طلب الكف عن الإقامة لأنه موضوع للنهى وأما إظهار كراهة المنهى عنه وهو الإقامة فمن لوازمه ومقتضياته، وحينئذ فدلالته عليه تكون بالالتزام دون المطابقة فكيف يدعى المصنف أنها بالمطابقة، وحاصل الجواب: أنا نسلم أن دلالته على إظهار كراهة الإقامة بالالتزام، لكن هذا بالنظر للوضع اللغوى ودعوى المصنف أن دلالته عليه بالمطابقة بالنظر للوضع العرفى لا اللغوى؛ لأن لا تقم عندى صار حقيقة عرفية فى إظهار كراهة إقامته حتى إنه كثيرا ما يقال لا تقم عندى ولا يقصد بحسب العرف كفه عن الإقامة الذى هو المدلول اللغوى، بل مجرد إظهار كراهة حضوره وإقامته عنده سواء وجد معها ارتحال أو لا

(قوله: فوزانه) أى: فمرتبة لا تقيمن مع قوله ارحل

(قوله: وزان حسنها) أى: مرتبة حسنها مع الدار فى قولك: أعجبنى الدار حسنها

(قوله: لأن عدم إلخ) أى: إنما كان وزانه وزان حسنها؛ لأن عدم الإقامة أى: الذى هو مطلوب بلا تقيمن، وقوله مغاير للارتحال أى: الذى هو مطلوب بقوله ارحل وقوله مغاير للارتحال أى: بحسب المفهوم وإن تلازما بحسب الوجود.

(قوله: فلا يكون تأكيدا) اعترض بأنه إن أراد نفى التأكيد اللفظى فقط فلا يكون مخرجا للمعنوى، وحينئذ لم يتم التعليل، وإن أراد نفى التأكيد مطلقا فيرد عليه أن هذا يفيد أن التأكيد المعنوى لا يكون مغايرا فى المعنى- وهو مشكل بما تقدم من قوله: لا ريب فيه، فإنه تأكيد لقوله ذلك الكتاب مع مغايرته له فى المعنى وبما ذكروه فى قوله إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ أنه تأكيد لقوله: إِنَّا مَعَكُمْ لأن الاستهزاء بالإيمان رفع له، والإيمان نقيض

ص: 495

(وغير داخل فيه) فلا يكون بدل بعض، ولم يعتد ببدل الكل لأنه إنما يتميز عن التأكيد بمغايرة اللفظين، وكون المقصود هو الثانى؛ وهذا لا يتحقق فى الجمل؛

===

الكفر، ورفع نقيض الشىء تأكيد له، وأجيب باختيار الثانى وهو أن المراد نفى التأكيد مطلقا، إلا أن المراد بقوله مغاير للارتحال أى: مغايرة قوية لا يؤول الأمران فيها لشىء واحد وإن تلازما فى الوجود، وحينئذ فلا تكون الجملة الثانية توكيدا لفظيا؛ لأنه لا مغايرة فيه بين المفهومين ولا تأكيدا معنويا؛ لأن المفهومين فيه وإن تغايرا لكن مغايرة قريبة بحيث يرجع معها الثانى إلى معنى الأول كما مر- كذا قرره شيخنا العدوى.

(قوله: وغير داخل فيه) أى: وعدم الإقامة غير داخل فى مفهوم الارتحال

(قوله: فلا يكون بدل بعض إلخ) هذا ظاهر بناء على أن الأمر بالشىء لا يتضمن النهى عن ضده، وأما على القول بأن الأمر بالشىء يتضمن النهى عن ضده، بمعنى أن النهى عن ضده جزؤه- كما ذهب إليه جمع، وصرح به السيد فى شرح المفتاح فيكون قوله لا تقيمن عندنا فى حكم بدل البعض من الكل- كذا فى الفنارى.

(قوله: ولم يعتد ببدل الكل) أى: بحيث يذكر ما يخرجه، فالقصد بهذا نفى كون لا تقيمن بدل كل ليتم دليل البر وليس قصد الشارح به الاعتذار عن عدم ذكر المصنف بدل الكل حتى يرد عليه بأن الأولى له أن يقدم هذا الكلام عند قوله السابق منزلة بدل البعض أو الاشتمال أو يؤخره عن بقية التوجيه

(قوله: لأنه) أى: بدل الكل

(قوله: إنما يتميز عن التأكيد) أى: اللفظى فى المفردات، (وقوله: بمغايرة اللفظين) أى: فى البدل وأما التوكيد اللفظى فلا تجب فيه المغايرة بين اللفظين، بل تارة يتغايران وتارة يكونان غير متغايرين

(قوله: وكون المقصود) أى: من البدل هو الثانى أى: بنقل نسبة العامل إليه وهو عطف على مغايرة

(قوله: وهذا لا يتحقق إلخ) أى: وما ذكر من مغايرة اللفظين التى يحصل معها تمييز بدل الكل من التوكيد وكون المقصود الثانى لا يتحقق فى الجمل؛ لأن التوكيد اللفظى فى الجمل فيه المغايرة بين اللفظين دائما وكل من الجمل مستقل فيكون كل منها مقصودا، فلو كان بدل الكل يجرى فى الجمل لما تميز عن التوكيد، فحينئذ لا بدل كل فى الجمل لإغناء التوكيد فيها عنه، فلذا لم يعتد المصنف ببدل الكل بحيث يخرجه، والحاصل أن المصنف لم يذكر ما يخرج بدل الكل لفقد وجوده فى الجمل؛ لأن ما يفرق به بين بدل الكل والتوكيد فى المفردات لا يتحقق فى الجمل، وحينئذ فالتأكيد يغنى عن البدل فيها- كذا قرر شيخنا العدوى.

ص: 496

لا سيما التى لا محل لها من الإعراب (مع ما بينهما) أى: بين عدم الإقامة والارتحال (من الملابسة) اللزومية فيكون بدل اشتمال، والكلام فى الجملة الأولى؛ أعنى:[ارحل] ذات محل من الإعراب؛ مثل: ما مر فى [أرسوا نزاولها] وإنما قال فى المثالين: إن الثانية أوفى؛

===

(قوله: لا سيما التى لا محل لها من الإعراب) أى: لأنه لا يتصور فيها أن تكون الثانية هى المقصودة بالنسبة، إذ لا نسبة هناك بين الأولى وشىء آخر حتى تنقل للثانية وتجعل الثانية بدلا من الأولى فى تلك، فظهر من كلام الشارح أن بدل الكل لا يكون فى الجمل مطلقا سواء كان لها محل أو لا، وهذا مخالف لما ذكره العلامة السيد فى حاشية الكشاف: من أن ذلك خاص بما لا محل له حيث قال: ثم الظاهر أن قوله: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بدل كل من قوله: إِنَّا مَعَكُمْ وأرباب البيان: لا يقولون بذلك فى الجملة التى لا محل لها من الإعراب. اه.

ومقتضى ذلك أن الجمل التى لها محل يجرى فيها بدل الكل؛ لأنه يتأتى فيها قصد الثانية بسبب قصد نقل نسبة العامل إليها بخلاف التى لا محل لها من الإعراب، فإنه لا نسبة فيها للعامل حتى تنقل إلى مضمون الجملة الثانية، هذا وقد تقدم أن بعضهم نزل استئناف حكم الجملة التى لا محل لها من الإعراب منزلة نقل الحكم إلى مضمون الثانية، فجوز بدل الكل فى الجمل مطلقا أى: سواء كان لها محل من الإعراب أم لا، فإن قلت: كان على المصنف أن يذكر ما يخرج بدل الغلط حتى يتم مدعاه من بدل الاشتمال قلت: تركه لعدم وقوعه فى الفصيح كذا قيل، وفيه أن الذى لا يقع فى الفصيح الغلط الحقيقى، وأما إن كان غير حقيقى بأن تغالط بأن يفعل المتكلم فعل الغالط لغرض من الأغراض فهذا واقع فى الفصيح إلا إنه نادر، وندرته لا تقتضى عدم ذكر ما يخرجه فلعل المصنف إنما ترك ما يخرجه لعدم تأتيه فى البيت المذكور؛ لأن بدل الغلط إنما يكون إذا لم يكن بين البدل والمبدل منه ملابسة لزومية على الظاهر- تأمل.

(قوله: مع ما بينهما من الملابسة) أى: لأن الأمر بالشىء كالرحيل يستلزم النهى عن ضده كالإقامة

(قوله: فيكون بدل اشتمال) هذا نتيجة دليل السير

(قوله: والكلام إلخ) هذا إشارة إلى جواب اعتراض وارد على المصنف، وحاصله أن الكلام فى الجمل التى لا محل لها وما أتى به من البيت ليس الجملتان فيه كذلك؛ لأن قوله: ارحل لا تقيمن محكيان

ص: 497