الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: جواز الدعاء على أهل الأهواء
375 -
سمعت أبي يقول: قال أبو أسامة
(1)
: دعا عليهم رجلان صالحان من أهل بدر -وقال مرة: شهدا بدرًا- على أهل الكوفة،
= القلوب ابتداء".
وقال أيضًا -في معرض بيانه للأنواع التي تجوز فيها الغيبة-: "أن يكون الرجل مظهرا للفجور: مثل الظلم، والفواحش، والبدع المخالفة للسنة، فإذا أظهر المنكر وجب الإنكار عليه بحسب القدرة". مجموع الفتاوى (28/ 219).
وقال ابن القيم في زاد المعاد (3/ 503) في بيان الفوائد المستنبطة من غزوة تبوك: "ومنها: جواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن حمية أو ذبا عن الله ورسوله، ومن هذا طعن أهل الحديث فيمن طعنوا فيه من الرواة ومن هذا طعن ورثة الأنبياء وأهل السنة في أهل الأهواء والبدع لله لا لحظوظهم وأغراضهم".
وانظر للمزيد كتاب تنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من الأخطار لفضيلة الشيخ صالح السحيمي (ص 198 - 210).
(1)
حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي، الحافظ، الإمام، الحجة، أبو أسامة مشهور بكنيته، ثقة، ثبت، ربما دلس، وكان بأخرة يحدث من كتب غيره، مات سنة (201) وهو ابن ثمانين. تذكرة الحفاظ (1/ 321)، والتقريب (ص 117).
سعد
(1)
وعلي
(2)
.
376 -
حدثنا أحمد بن سليمان قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار قال: قال لنا طاوس: أخزوا معبدا
(3)
(4)
.
(1)
هو سعد بن أبي وقاص، وقد تقدمت ترجمته في الأثر رقم (9).
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح (2/ 302 - رقم 920).
وجاءت قصة دعاء سعد رضي الله عنه على أهل الكوفة في صحيح البخاري (كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها ح 755)، وكتاب المعرفة والتاريخ (2/ 754)، وتاريخ بغداد (1/ 145)، والبداية والنهاية (8/ 470).
وانظر دعاء علي رضي الله عنه عليهم وأسباب ذلك في كتاب المعرفة والتاريخ للفسوي (2/ 751 - 753)، وتاريخ بغداد (12/ 305)، والبداية والنهاية (8/ 399).
(3)
معبد بن خالد الجهني القدري، ويقال إنه ابن عبد الله بن عكيم، ويقال اسم جده عويمر، صدوق مبتدع، وهو أول من أظهر القدر بالبصرة، قتل سنة (80). التقريب (ص 471).
(4)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 319).
إسناده صحيح.
وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (2/ 390)، والفريابب في القدر (ص 177)، والآجري في الشريعة (356)، واللالكائي في شرح الاعتقاد (1141) نحوه.
377 -
ثنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال: حدثني أبي قال: قال إبراهيم بن طهمان
(1)
، ثنا من لا يتهمُ غيرُ واحدٍ: أنَّ جهمًا رجع عن قوله ونزعَ عنه وتاب إلى الله منه، فما ذكرتُهُ ولا ذُكرَ عندي إلا دعوت الله عليه، ما أعظم ما أورث أهل القبلة من منطقه هذا العظيم
(2)
.
(1)
إبراهيم بن طهمان الخراساني، الإمام، الحافظ، أبو سعيد، ثقة يغرب، وتكلم فيه للإرجاء، ويقال رجع عنه، مات سنة (168). تذكرة الحفاظ (1/ 213)، والتقريب (ص 30).
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود السجستاني (ص 361 - رقم 1736). إسناده حسن.
وأخرجه أبو بكر الخلال في السنة (1682) من طريق أبي داود به.
التعليق: هذه الآثار الواردة عن السلف تبين جواز الدعاء على أهل البدع والأهواء، وذلك لعظم ضررهم وخطورة ما يحدثوه من معتقدات فاسدة تؤدي إلى تحريف الدين، وتعطيل شريعة رب العالمين.
ولقد دلت نصوص الكتاب والسنة على جواز الدعاء على كل من ظلم واعتدى وخالف أوامر الدين.
قال تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)} [نوح: 26]، وقال عن موسى عليه السلام: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88].
ومن السنة: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين يوم الأحزاب كما جاء عن علي رضي الله عنه قال: لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس". رواه البخاري (2931)، ومسلم (627).
وكذلك دعاؤه على بعض أحياء العرب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في القنوت:"اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف". رواه البخاري (804)، ومسلم (675).
كذلك دعاؤه على أشخاص معينين من الكفار، فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش على شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأبي جهل بن هشام
…
". رواه البخاري (3960).
فهذه النصوص وغيرها كثير قد دلت على جواز الدعاء على من شاقّ هذا الدين وتعدى عليه، ولا شك أن للمبتدعة نصيب كبير من هذا التعدي، فيُدعى عليهم لما في الدعاء من تحقيق مصلحة للدين.
وقد جاء عن بعض الصحابة ما يدل على أن الدعاء على أهل البدع من نصرة هذا الدين.
فقد أخرج اللالكائي في شرح الاعتقاد (2361) عن عامر بن سعد، قال: أقبل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سعد من أرض له، فإذا الناس عكوفا على رجل، فاطلع فإذا هو يسب طلحة والزبير وعليا، فنهاه، فكأنما زاده إغراء، فقال: ويلك ما تريد إلى أن تسب أقواما هم خير منك، لتنتهين أو لأدعُوَن عليك، فقال: هيه، فكأنما تخوفني نبيا من الأنبياء. فانطلق فدخل دارًا، فتوضأ ودخل المسجد، ثم قال: اللهم إن كان هذا قد سب أقواما قد سبق لهم منك خير أسخطك سبه إياهم فأرني اليوم به آية تكون آية للمؤمنين. قال: وتخرج بختية من دار بني فلان نادّة لا يردها شيء، حتى تنتهي إليه، ويتفرق الناس عنه، فتجعله بين قوائمها، فتطأه حتى طفيء. قال: فأنا رأيته يتبعه الناس ويقولون: استجاب الله لك أبا إسحاق، استجاب الله لك أبا إسحاق". والبختية: هي الأنثى من الجمال البُخْت، والذكر بُخْتِيٌّ، وهي جِمال طِوَال الأعناق وتُجْمع على بُخْتٍ وبَخَاتِيّ واللفظة معرّبة. النهاية لابن الأثير (1/ 101).
قال الشيخ إبراهيم الرحيلي في كتابه موقف أهل السنة من أهل البدع (1/ 271): "وبهذا يظهر جواز الدعاء على كل من في الدعاء عليه تحقيق مصلحة للمسلمين، سواء كان الدعاء بهلاكه أو بغيره من الأدعية، كالدعاء على أئمة أهل البدع ودعاتهم إلى الضلال الذين يصرفون الخلق عن دين الله إلى تلك البدع والخرافات".