الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: النهي عن عيب الأمراء والخروج عليهم
345 -
قرأت على أبي عبد الله: أبو المغيرة قال: حدثنا صفوان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن جُبير بن نُفير، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان القوم يختلفون إليَّ في عَيب عثمان، ولا أرى إلا أنها معاتبة، فأما دمه فأعوذ بالله من دمه، والله لوددت أني عشت في الدنيا برصاء
(1)
سالخ
(2)
وأني لم أذكر عثمان قط. فذكرتْ كلاما فضلت عثمان على عليّ
(3)
.
346 -
قرأت على أبي عبد الله: بشر بن شعيب، قال: حدثني أبي، عن الزهري، قال: أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: جاءني رجل من الأنصار في خلافة عثمان فكلمني، فإذا هو يأمرني في
(1)
من البَرَص: داءٌ معروف وهو بياض يقع في الجسد. لسان العرب (7/ 5).
(2)
السالخ: وهو جَرَبٌ يكون بالجمل. لسان العرب (3/ 25).
(3)
مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانئ (2/ 171 - رقم 1942).
رجال إسناده كلهم أئمة ثقات، وإسناده صحيح. وأبو المغيرة اسمه: عبد القدوس بن الحجاج الخولاني. التقريب (ص 301).
وأخرجه الخلال في السنة (545) بسنده ومتنه، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 75)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/ 488) وزادا:"وأيم الله لأصبع عثمان التي يشير بها إلى الأرض خير من طلاع الأرض من مثل علي".
كلامه، بأن أعيب على عثمان، فتكلم كلامًا طويلًا -وهو امرؤ في لسانه ثقل- فلم يكد يفضي كلامه في سريح
(1)
، فلما قضى كلامه قلت: إنا كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ: أفضل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. وإنا والله ما نعلم عثمان قتل نفسا بغير حق، ولا جاء من الكبائر شيئا، ولكن هو هذا المال فإن أعطاكموه رضيتم، وإن أعطاه أولي قرابته سخطتم، إنما يريدون أن تكونوا كفارس والروم، لا يتركون أميرا إلا قتلوه. قال: ففاضت عيناه بأربع من الدمع. ثم قال: اللهم لا نريد ذلك
(2)
.
347 -
حدئنا أحمد بن سعيد قال: سمعت غياث بن واقد يقول: قال سفيان
(3)
: أرج ما لم تعلم إلى الله، ولا تكن مرجئًا، وأحب صالحي
(1)
أي: بسهولة كما فسرها إبراهيم الحربي. انظر السنة للخلال (553)، وانظر معناها أيضًا لسان العرب (2/ 479).
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانئ (2/ 171 - رقم 1943).
رجال إسناده كلهم أئمة ثقات، وإسناده صحيح.
وأخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (ح 64)، والخلال في السنة (545) بسنده ومتنه، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 40).
(3)
هو الثوري. انظر: "الآثار الواردة عن الإمام سفيان الثوري في العقيدة" ص 361.
عبد المطلب، ولا تكن سبئيا
(1)
وأحبه وإن كان عبدًا حبشيًا ولا تكن خارجيًا
(2)
.
348 -
قال حرب الكرماني فيما ينقله عن مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها: والانقياد لمن ولاه الله أمرك لا تنزع يدك من طاعة، ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجًا ومخرجًا، وأن لا تخرج على السلطان، وتسمع وتطيع، لا تنكث بيعته، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخارق مفارق للجماعة. وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة، وليس لك أن تخرج عليه أو تمنعه حقه
(3)
.
(1)
نسبة إلى عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أحدث الرفض. انظر الملل والنحل (1/ 172)، وسيأتي ذكرهم في (ص 621).
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 435).
الإسناد فيه: غياث بن واقد، لم أقف له على ترجمة.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 33) عن غياث بن واقد به نحوه.
(3)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 357).
التعليق: ومن حقوق الإمام على رعيته ألا يذكروه بعيب، ولا ينشروا مثالبه أمام الناس، لأن هذا يؤدي إلى تهييج العامة عليه، فضلا عن مخالفة أمر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حث على الصبر على ولاة الأمور.
فعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كره من أميره شيئا فليصبر؛ فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية". رواه البخاري (7053)، ومسلم (1849).
فعيب الأمراء وسبهم هو في حقيقة الأمر غش لهم، وإهانة بهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله". رواه الترمذي في السنن (4/ 81 رقم 2224) وقال: حديث حسن غريب. وانظر السلسلة الصحيحة (2297).
وجاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا؛ فإن الأمر قريب". رواه ابن أبي عاصم في السنة (1015) وقال الألباني: إسناده جيد.
قال أبو بكر الطرطوشي في كتابه "سراج الملوك"(1/ 244): "من إجلال الله تعالى إجلال السلطان عادلًا كان أو جائرًا".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "الأمير من أمر الله عز وجل؛ فمن طعن في الأمير؛ فإنما يطعن في أمر الله عز وجل". أخرجه أبو عمرو الداني في كتابه "السنن الواردة في الفتن"(2/ 403).
وعن أبي مجلز أنه قال: "سب الإمام الحالقة، لا أقول: حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين". أخرجه ابن زنجويه في كتاب "الأموال"(1/ 78). =
=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
وقال ابن جماعة رحمه الله في كتابه "تحرير الأحكام في تدبير الإسلام"(ص 64) في معرض بيان حقوق ولاة الأمر: "رد القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبة الناس عليه؛ لما في ذلك من مصالح الأمة، وانتظام أمور الملة. والذب عنه بالقول والفعل، وبالمال والنفس والأهل في الظاهر والباطن، والسر والعلانية".
ومن حقوق الإمام على رعيته كذلك عدم الخروج عليهم وإن صدر منهم ظلمٌ أو قتل بغير حق أو غير ذلك، لأن الخروج عليهم يؤدي إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض وعدم الأمن إلى غير ذلك من المفاسد المترتبة على الخروج، لذا نهى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الخروج على الأمراء وإن جاروا.
فعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم". قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة". رواه مسلم (1855).
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع" قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صلوا". رواه مسلم (1854).
قال الإمام أحمد: "ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
جاهلية. ولا يحلّ قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق". أخرجه اللالكائي في شرح الاعتقاد (1/ 181).
وقال النووي في شرح مسلم (12/ 432): "وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل، وحكي عن المعتزلة أيضا، فغلط من قائله مخالف للإجماع. قال العلماء: وسبب عدم انعزاله، وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء، وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه".
وقال الإمام الطحاوي في عقيدته (ص 69): "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22/ 61): "والأئمة لا يُقاتَلون بمجرد الفسق؛ وإن كان الواحد المقدور قد يُقتل لبعض أنواع الفسق: كالزنا وغيره. فليس كلما جاز فيه القتل جاز أن يقاتل الأئمة لفعلهم إياه؛ إذ فساد القتال أعظم من فساد كبيرة يرتكبها ولي الأمر".