الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: ما جاء في الرؤيا
486 -
قال حرب الكرماني فيما ينقله عن مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها: والرؤيا من الله وهي حق إذا رأى صاحبها شيئًا في منامه مما ليس هو ضغث
(1)
فقصها على عالم وصَدَق فيها وأولها العالم على أصل تأويلها الصحيح ولم يحرف فالرؤيا وتأويلها حينئذ حق، وقد كانت الرؤيا من النبيين وحيًا، فأي جاهل بأجهل ممن يطعن في الرؤيا، ويزعم أنها ليست بشيء
(2)
، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن رؤيا المؤمن كلام يكلم الرب عبده"
(3)
وقال صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا
(1)
الضِّغْثُ: الحُلْم الذي لا تأْويل له ولا خير فيه، والجمع أَضْغاثٌ. لسان العرب (2/ 163).
(2)
يريد قول النظامية من المعتزلة أتباع إبراهيم بن سيار النظام، حيث يزعمون أنها مجرد خواطر. انظر مقالات الإسلاميين (ص 240).
(3)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (486)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 174):"رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه". وانظر فتح الباري (12/ 354)، وضعفه الألباني في ظلال الجنة.
من الله"
(1)
. وبالله التوفيق
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري (كتاب الطب، باب النفث في الرقية ح 5747)، ومسلم (كتاب الرؤيا، ح 2261) بلفظ: الرؤيا من الله والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه، فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات، ويتعوذ من شرها، فإنها لا تضره".
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 361).
التعليق: لقد جاء إثبات الرؤيا المنامية في القرآن العزيز وفي السنة النبوية.
فمن القرآن قوله تعالى: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة يوسف: الآية 36].
وقوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [سورة يوسف: 43].
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة". رواه البخاري (6987)، ومسلم (2264).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة". رواه البخاري (6990).
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الشيطان؛ ليُحزن بها ابن آدم. ومنها ما يهُمُّ به الرجل في يقظته فيراه في منامه.
ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".
أخرجه ابن ماجه (2/ 1285 رقم 3907) وانظر السلسلة الصحيحة (1870).
والرؤيا الصالحة تعتبر وحيا من الله تعالى، وجزءا من النبوة باعتبار ما فيها من الأخبار والبشائر، ولكنها لا تعتبر من ناحية التشريع والأحكام، فلا يبنى عليها حكم شرعي، ولا يثبت بها حق.
قال النووي في شرح مسلم (1/ 74 - 75) -بعد أن ذكر كلام القاضي عياض في أن المنام لا تبطل بسببه سنة ثبتت، ولا تثبت به سنة لم تثبت- قال:"وكذا قاله غيره من أصحابنا، وغيرهم فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع، وليس هذا الذي ذكرناه مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني" فان معنى الحديث: أن رؤيته صحيحة وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشيطان، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي به لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق".
وأما عن رؤى الكفار التي قد تقع فيقول القرطبي في التفسير (11/ 251 - 252): "إن قيل: إذا كانت الرؤيا الصادقة جزءًا من النبوة؛ فكيف يكون الكافر والكاذب والمخلط أهلا لها؟ وقد وقعت من بعض الكفار وغيرهم ممن لا يُرضى دينُه منامات صحيحة صادقة؛ كمنام رؤيا الملِك الذي رأى سبع بقرات، ومنام =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الفتييْن في السجن،
…
وقد ترجم البخاري: باب رؤيا أهل السجن.
فالجواب: أن الكافر والفاجر والفاسق والكاذب، وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات، لا تكون من الوحي ولا من النبوة؛ إذ ليس كل من صَدَقَ في حديث عن غيبٍ يكون خبرُه ذلك نبوةً
…
وأن الكاهن وغيرَه قد يخبر بكلمة الحق فيَصْدُق، لكن ذلك على النُّدور والقِلة، فكذلك رؤيا هؤلاء.
قال المهلب: إنما ترجمَ البخاري بهذا لجواز أن تكون رؤيا أهل الشرك رؤيا صادقة، كما كانت رؤيا الفتيين صادقة، إلا أنه لا يجوز أن تُضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمنِ إليها؛ إذ ليس كلّ ما يصحُّ له تأويل من الرؤيا حقيقة يكون جزءا من النبوة".