الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعليك بعلاج نفسك من هذا الداء لكي توفق للعلم.
• ومن علامات الكبر:
1 -
حب التقدم على الناس وإظهار الترفع عليهم.
2 -
التبختر والاختيال في المشية.
3 -
تزكية النفس والثناء عليها.
4 -
الفخر بالآباء من أهل الدين والفضل.
5 -
الفخر بالنسب - وذلك مذموم ومستقبح جداً - وقد يبتلى به بعض أولاد الأخيار من لا بصيرةله ولا معرفة بحقائق الدين. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ ل يُسِْعْ بِهِ نَسَبُهُ)) (1)
بيان الطرق في معالجة الكبر واكتساب التواضع:
اعلم أن الكبر من المهلكات ولا يخلو أحد من الخلق عن شيء منه، وإزالته فرض
(1) رواه مسلم من حديث أب هريرة رضي الله عنه كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار - باب الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر (7/ 71)
عين ولا يزول بمجرد التمني بل بالمعالجة واستعمال الأدوية القامعة له. وفي معالجته مقامان:
(أحدهما) استئصال أصله، وقلع شجرته من مغرسها في القلب.
(الثاني) دفع العارض منه بالأسباب الخاصة التي بها يتكبر الإِنسان على غيره.
(المقام الأول) في استئصال أصله، وعلاجه علمي وعملي، ولا يتم الشفاء إلا بمجموعهما:
أما العلمي: «أن يعرف نفسه ويعرف ربه تعالى، ويكفيه ذلك في إزالة الكبر، فإنه لو عرف نفسه حق المعرفة لأيقن أنه لا يليق به إلا التواضع، وإذا عرف ربه علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا لله ويكفيه أن يعرف معنى هذه الآيات من كتاب الله، قال تعالى:(قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)[عبس: 17 - 22].
فقد أشارت الآيات الكريمة إلى أول خلق الإنسان وإلى آخر أمره وإلى وسطه. (1).
قال مالك بن دينار: «كَيْفَ يَتِيهُ مَنْ أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ ، وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْمِلُ الْعَذِرَةَ» (2).
وأما العلاج العملي فهو التواضع لله بالفعل ولسائر الخلق بالمواظبة على أخلاق المتواضعين، من أحوال الصالحين.
قال الإمام عبد الوهاب الشعراني - رحمه الله تعالى - في كتابه «المختار» : ومن وصية الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: «لا تستصغر أحداً فإن العاقبة منطوية، والعبد لا يدري بم يختم له، فإذا رأيت عاصياً فلا تر نفسك عليه، فربما كان في علم الله أعلى منك مقاماً، وأنت من الفاسقين، ويصير يشفع فيك يوم القيامة!
(1) انظر: موعظة المؤمنين - (ص 248 - 249)[بتصرفٍ]
(2)
انظر: الآداب الشرعية لأبن مفلح. (2/ 209) ط عالم الكتب.
وإذا رأيت صغيراً فاحكم بأنه خير منك، باعتبار أنه أحقر منك ذنوباً، وإذا رأيت من هو أكبر منك سناً فاحكم بأنه خير منك باعتبار أنه أقدم منك هجرة في الإسلام، وإذا رأيت كافراً فلا تقطع له بالنار لاحتمال أنه يسلم ويموت مسلماً» (1).
فينبغي لك أن تعلم أن الخيّر من هو خيّرُ عند الله في دار الآخرة وذلك غيب وهو موقوف على الخاتمة، فاعتقادك في نفسك أنك خير من غيرك جهل محض.
المقام الثاني: فيما يعرض من التكبر بالأسباب السبعة:
ونحن نذكر طريق العلاج من العلم والعمل في جميع أسبابه السبعة:
الأول: النسب: فمن يعتريه الكبر من جهة
(1) انظر: المختار من الأنوار في صحبة الأخيار للإمام الشعراني (ص40 - 41).
النسب فليداو قلبه بمعرفة أن هذا جهل من حيث إنه تعزز بكمال غيره، ومن كان خسيسا فمن أين تجبر خسته بكمال غيره وبمعرفة نسبه الحقيقي أعني أباه وجده، فإن أباه القريب نطفة قذرة، وجده البعيد تراب، وقد عرف الله تعالى نسبه فقال:{وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)} [السجدة: 7، 8]
فإذا كان أصله من التراب وفصله من النطفة فمن أين تأتيه الرفعة؟ فهذا هو النسب الحقيقي للإنسان، ومن عرفه لا يتكبر بالنسب.
الثاني: الكبر بالجمال: ودواؤه أن ينظر إلى باطنه نظر العقلاء، ولا ينظر إلى الظاهر نظر البهائم، ومهما نظر إلى باطنه رأى من القبائح ما يكدر عليه تعززه بالجمال، إذ خلق من أقذار ووكل به في جميع أجزائه الأقذار، وسيموت فيصير جيفة أقذر من سائر الأقذار، وجماله لا بقاء له، بل هو في كل حي يتصور أن يزول بمرض أو سبب من الأسباب، فكم
من وجوه جميلة قد سمجت بهذه الأسباب. فمعرفة ذلك تنزع من القلب داء الكبر بالجمال لمن أكثر تأملها.
الثالث: الكبر بالقوة: ويمنعه من ذلك أن يعلم ما سلط الله عليه من العلل والأمراض، وأنه لو توجع عرق واحد في يده لصار أعجز من كل عاجز، أو أن شوكة لو دخلت في رجله لأعجزته، وأن حمى يوم تحلل من قوته ما لا ينجبر في مدة فمن لا يطيق شوكة، ولا يقدر على أن يدفع عن نفسه ذبابة، فلا
ينبغي أن يفتخر بقوته. ثم إن قوي الإنسان فلا يكون أقوى من حمار أو بقرة أو فيل أو جمل، وأي افتخار في صفة يسبقك بها البهائم.
السبب الرابع والخامس: الغنى وكثرة المال: وفي معناه كثرة الأتباع والأنصار، والتكبر بالمناصب والولايات، وكل ذلك تكبر بمعنى خارج عن ذات الإنسان، وهذا أقبح أنواع الكبر، فلو ذهب ماله أو احترقت داره لعاد ذليلا، وكم في اليهود من يزيد عليه
في الغنى والثروة والتجمل، فَأُفٍّ لشرفٍ يسبقه به يهودي، أو يَأخُذُهُ سارقٌ في لحظةٍ فيعود ذليلًا مفلسًا.
السادس: الكبر بالعلم: وهو أعظم الآفات، وعلاجه بأمرين:
أحدهما: أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد، وأنه يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل عُشْرَهُ من العالم، فإن من عصى الله تعالى عن معرفة وعلم فجنايته أفحش وخطره أعظم.
ثانيهما: أن يعرف أن الكبر لا يليق إلا بالله عز وجل وحده، وأنه إذا تكبر صار ممقوتا عند الله بغيضا، فهذا ما يزيل التكب ويبعث على التواضع.
وإذا دعته نفسه للتكبر على فاسق أو مبتدع فليتذكر ما سبق من ذنوبه وخطاياه لتصغر نفسه في عينه، وليلاحظ إبهام عاقبته وعاقبة الآخر فلعله يختم له بالسوء ولذاك بالحسنى، حتى يشغله الخوف عن التكبر عليه، ولا يمنعه ترك التكبر عليه أن يكرهه،
ويغضب لفسقه، بل يبغضه ويغضب لربه إذ أَمَرَهُ أن يغضب عليه من غير تكبر عليه.
السابع: التكبر بالورع والعبادة: وذلك فتنة عظيمة على العباد، وسبيله أن يلزم قلبه التواضع لسائر العباد، قال وهب بن منبه:((ما تم عقل عبد حتى يكون فيه خصال)) وعد منها خصلة قال:
((بها ساد مجده، وبها علا ذكره أن يرى الناس كُلَّهُمْ خَيْرًا مِنْهُ، وإنما الناس عنده فرقتان: فرقة هي أفضل منه وأرفع، وفرقة هي شر منه وأدنى، فهو يتواضع للفرقتين جميعا بقلبه، وإن رأى من هو خير منه سره ذلك وتمنى أن يلحق به، وإن رأى من هو شر منه قال: لعل هذا ينجو وأهلك أنا، فلا تراه إلا خائفا من العاقبة، ويقول: لعل بِرَّ هذا باطن فذلك خير له، ولا أدري لعل فيه خُلُقًا كَرِيمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله فيرحمه الله ويتوب عليه، ويختم له بأحسن الأعمال، وبري ظاهر فذلك شر لي، فلا يأمن فيما أظهره من الطاعة أن يكون دخلها الآفات فأحبطتها))، قال: ((فحينئذ
كمل عقله وساد أهل زمانه)).
والذي يدل على فضيلة هذا الإشفاق قوله {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60] أي أنهم يؤتون الطاعات وهم على وجل عظيم من قبولها، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57] وقال تعالى: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور: 26].
وقد وصف الله تعالى الملائكة عليهم السلام مع تقدسهم عن الذنوب ومواظبتهم على العبادات بِالدَّؤُوبِ على الإشفاق فقال تعالى مُخْبرًا عنهم: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20]{وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]
فمتى زال الإشفاق والحذر غلب الأمن من مكر الله، وذلك يوجب الكبر، وهو سبب الهلاك، فالكبر دليل الأمن والأمن مهلك، والتواضع دليل الخوف، وهو مسعد.
فإذن ما يفسده العباد بإضمار الكبر واحتقار
الخلق أكثر ما يصلحه بظاهر الأعمال.
فهذه معارف بها يزال داء الكبر عن القلب، إِلَّا أَنَّ النَّفْسَ بعد هذه المعرفة قد تضمر التواضع، وتدعي البراءة من الكبر وهي كاذبة، فإذا وقعت الواقعة عادت إلى طبعها، فعن هذا لا ينبغي أن يُكتفى في المداواة بمجرد المعرفة، بل ينبغي أن تكمل بالعمل، وتجرب بأفعال المتواضعين في مواقع هيجان الكبر من النفس، وبيانه أن يمتحن النفس بالامتحانات الدالة على استخراج ما في الباطن، والامتحانات كثيرة، فمنها: أن يناظر في مسألة مع واحد من أقرانه، فإن ظهر شيء من الحق على لسان صاحبه فثقل عليه قبوله والانقياد له والشكر له على تَنْبِيهه فذلك يدل على أن فيه كبرًا دفينًا، فليتق الله فيه ويشتغل بعلاجه.
أما من حيث العلم فبأن يذكر نفسه خسة نفسه، وخطر عاقبته وأن الكبر لا يليق إلا بالله تعالى.
وأما العمل فبأن يكلف نفسه ما ثقل عليه من