الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الرابع: الانتقال إلى المبسوطات:
ينبغي على الطالب إذا شرح محفوظاته المختصرات وضبط ما فيها من الإشكالات والفوائد انتقل إلى بحث المبسوطات مع المطالعة الدائمة وتعليق ما يمر به أو يسمعه من الفوائد النفسية والمسائل الدقيقة من جميع أنواع العلوم.
ولذا قيل (2):
(1) انظر: المجموع للإمام النووي (1/ 70)
(2)
انظر: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين للعلامة أبي بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي (ج4/ 2). ط. دار الفكر. بيروت.
العلمُ صيدٌ والكتابةُ قَيْدُه
…
قَيِّد صيودَك بالحبال الواثقةْ
فمن الحماقة أن تصيدَ غزالةً
…
وتفكها بين الخلائق طالقة
وقد نظم بعضهم ما تضمنه هذان البيتان في قوله:
قيد بخطك ما أبداه فكرك من
…
نتائج تعجب الحذاق الفضلا
فما نتائج فكر المرء بارزة
…
في كل وقت إذا ما شاءها فعلا
وينبغي على طالب العلم أن يغتنم وقت فراغه ونشاطه، وزمن عافيته وشبابه، ونباهة خاطره، وقلة شواغله قبل عوارض البطالة أو موانع الرياسة.
وليحذر من نظر نفسه بعين الجمال والاستغناء عن المشايخ فإن ذلك عين الجهل وقلة المعرفة وما
يفوته أكثر مما حصله.
وقد قال بعضهم: «لا يزال الرجل عالماً ما تعلم فإذا ترك التعلم فهو أجهل ما يكون» (1).
قال الأمام الماوردي -رحمه الله تعالى-: «الشُّرُوطُ الَّتِي يَتَوَفَّرُ بِهَا عِلْمُ الطَّالِبِ وَيَنْتَهِي مَعَهَا كَمَالُ الرَّاغِبِ مَعَ مَا يُلاحَظُ بِهِ مِنْ التَّوْفِيقِ وَيَمُدُّ بِهِ مِنْ الْمَعُونَةِ فَتِسْعَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: الْعَقْلُ الَّذِي يُدْرِكُ بِهِ حَقَائِقَ الأمُورِ.
وَالثَّانِي: الْفِطْنَةُ الَّتِي يَتَصَوَّرُ بِهَا غَوَامِضَ الْعُلُومِ.
وَالثَّالِثُ: الذَّكَاءُ الَّذِي يَسْتَقِرُّ بِهِ حِفْظُ مَا تَصَوَّرَهُ وَفَهْمُ مَا عَلِمَهُ.
وَالرَّابِعُ: الشَّهْوَةُ الَّتِي يَدُومُ بِهَا الطَّلَبُ وَلا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْمَلَلُ.
(1) انظر: تذكرة السامع والمتكلم لأبن جماعة الكناني -رحمه الله تعالى- (ص 134).
وَالْخَامِسُ: الاِكْتِفَاءُ بِمَادَّةٍ تُغْنِيهِ عَنْ كَلَفِ الطَّلَبِ.
وَالسَّادِسُ: الْفَرَاغُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ التَّوَفُّرُ وَيَحْصُلُ بِهِ الاِسْتِكْثَارُ.
وَالسَّابِعُ: عَدَمُ الْقَوَاطِعِ المُذْهِلَةِ مِنْ هُمُومٍ، وَأَمْرَاضٍ.
وَالثَّامِنُ: طُولُ الْعُمُرِ وَاتِّسَاعُ الْمُدَّةِ ; لِيَنْتَهِيَ بِالاِسْتِكْثَارِ إلَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ
وَالتَّاسِعُ: الظَّفَرُ بِعَالِمٍ سَمْحٍ بِعِلْمِهِ مُتَأَنٍّ فِي تَعْلِيمِهِ.
فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الشُّرُوطَ التِّسْعَةَ فَهُوَ أَسْعَدُ طَالِبٍ، وَأَنْجَحُ مُتَعَلِّمٍ».
وَقَدْ قَالَ بعض الحكماء: «يَحْتَاجُ طَالِبُ الْعِلْمِ إلَى أَرْبَعٍ: مُدَّةٌ، وَجِدَّةٌ، وَقَرِيحَةٌ، وَشَهْوَةٌ. وَتَمَامُهَا فِي الْخَامِسَةِ مُعَلِّمٌ نَاصِحٌ» (1).
(1) انظر: أدب الدنيا والدين للماوردىّ (ص 74)(بتصرف يسير) طبعة مكتبة الرياض الحديثة
وقال رحمه الله أيضاً-: «واعلم أَنَّ الْعِلْمَ عِوَضٌ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ، وَمُغْنٍ عَنْ كُلِّ شَهْوَةٍ» .
قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: «مَنْ تَفَرَّدَ بِالْعِلْمِ لَمْ تُوحِشْهُ خَلْوَةٌ، وَمَنْ تَسَلَّى بِالْكُتُبِ لَمْ تَفُتْهُ سَلْوَةٌ. وَمَنْ آنَسَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، لَمْ تُوحِشْهُ مُفَارَقَةُ الأخْوَانِ» (1).
ومما أنشده الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في حلاوة العلم (2):
سَهَرِي لِتَنْقِيحِ العُلُومِ أَلَذُّ لي
…
مِنْ وَصْلِ غَانِيةٍ وَطيبِ عِنَاقِ
وصريرُ أقلامي على صفحاتها
…
أحلى من الدَّوْكاءِ والعُشَّاقِ
وَأَلَذُّ مِنْ نَقْرِ الفتاة لِدُفِّهَا
…
نقري لألقي الرَّملَ عن أوراقي
وتمايلي طرباً لحلِّ عويصةٍ
…
في الدَّرْسِ أَشْهَى مِنْ مُدَامَةِ سَاقِ
(1) انظر: أدب الدنيا والدين للماوردىّ (ص 92) طبعة مكتبة الرياض الحديثة
(2)
انظر: ديوان الإمام الشافعي-رحمه الله تعالى-للأستاذ نعيم زرزور (ص 79 - 80)