الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى الله؛ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ» (1).
* ويدل على فضل التوبة:
قول الله تعالى: (إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(البقرة:222)
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لله أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا» (2).
مقدمات التوبة:
وقد ذكر الإمام الغزالي رحمه الله مقدمات التوبة وهي:
1 -
ذكر غاية قبح الذنب.
2 -
ذكر شدة عقوبة الله عز وجل وأليم سخطه وغضبه الذي لا طاقة لك به.
(1) رواه مسلم - كتاب الذكر والدعاء - باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه- حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (8/ 73).
(2)
رواه مسلم - كتاب التوبة - باب في الحض على التوبة والفرح بها (8/ 91) حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3 -
ذكر ضعفك وقلة حيائك في ذلك فإن من لا يحتمل حر شمس ولا لطمة شرطي ولا قرص نملة كيف يتحمل حر نار جهنم وضرب مقامع الزبانية - نعوذ بالله ثم نعوذ بالله من سخطه وعذابه. (1).
وقد ذكر لي شيخي العلامة أحمد بن جابر جبران - رحمه الله تعالى - حقيقة التوبة وهي: الإقلاع في الحال، والندم على فعل المعصية، والعزم ألَاّ تعود إليها حتى يعود اللبن في الضرع، وإن تعلقت بحق آدمي لابد من الاستحلال منه.
قال الإمام الغزالي-رحمه الله تعالى-في «بداية الهداية» : واعلم أنك تعص الله بجوارحك، وهي نعمة من الله عليك وأمانة لديك، فاستعانتك بنعمة الله على معصيته غاية الكفران، وخيانتك في أمانة استودعكها الله غاية الطغيان، فأعضاؤك رعاياك فانظر كيف ترعاها.
(1) انظر: منهاج العابدين للإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- (ص 11) بتصرف.
«فكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»
واعلم أن جميع أعضائك ستشهد عليك في عرصات القيامة بلسان طلق تفضحك به على رؤوس الخلائق. قال الله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النور:24)
وقال تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(يّس:65) فاحفظ جميع بدنك من المعاصي» (1).
وقال رحمه الله في «منهاج العابدين» : فإن قلت: إنما يمنعني من التوبة أني أعلم من نفسي أني أعود إلى الذنب ولا أثبت على التوبة فلا فائدة في ذلك!
…
فاعلم أن هذا من غرور الشيطان، ومن أين لك هذا العلم؟ فعسى أن تموت تائباً قبل أن تعود إلى الذنب.
(1) انظر: بداية الهداية للإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- تحقيق الشيخ محمد الحجار -رحمه الله تعالى- (ص 155 - 156).
وأما الخوف من العود فعليك العزم والصدق في ذلك، وعلى الله الإتمام فإن أتم فذلك المقصود من فضله، وإن لم يتم فقد غُفرت ذنوبك السالفة كلها وتخلصت منها وتطهرت وليس عليك إلا هذا الذنب الذي أحدثته الآن. وهذا هو الربح العظيم فلا يمنعك خوف العود عن التوبة فإنك من التوبة أبداً بين إحدى الحسنيين» (1).
وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تبارك وتعالى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ.
(1) انظر: منهاج العابدين للإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- (ص 11 - 12).
ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ (1) فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ» (2).
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: «لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْب مِائَة مَرَّة أَوْ أَلْف مَرَّة أَوْ أَكْثَر ، وَتَابَ فِي كُلّ مَرَّة ، قُبِلَتْ تَوْبَته، وَسَقَطَتْ ذُنُوبه، وَلَوْ تَابَ عَنْ الْجَمِيع تَوْبَة وَاحِدَة بَعْد جَمِيعهَا صَحَّتْ تَوْبَته» (3).
* قال المزني: دَخلتُ على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت؟. قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله جل ذكره واردًا،
(1) قوله: «اعمل ما شئت» ليس المراد إباحة المعاصي، ولكن المراد غفران الذنوب بسبب الاستغفار والتوبة. أفادني بذلك شيخي العلامة أحمد بن جابر جبران -رحمه الله تعالى-
(2)
رواه مسلم - كتاب التوبة - باب قبول التوبة من الذنوب .. (8/ 99) حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
انظر: صحيح مسلم شرح النووي - كتاب التوبة - باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة (17/ 75).
ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها؟ ثم بكى وأنشأ يقول:
خف الله وأرجوه لكل عظيمة
…
ولا تطع النفس اللجوج فتندما
وكن بين هاتين من الخوف والرجا
…
وأبشر بعفو الله إن كنت مسلماً
ولمّا قسى قلبي وضاقت مذاهِبي
…
جَعَلتُ الرجا مني لعفوك سُلَّماً
إليك - إله الخلق - أرفع رغبتي
…
وإن كنت ياذا المن والجود مجرماً
تَعاظَمنَي ذَنبي فَلَمّا قَرَنتُهُ
…
بعفوكَ رَبيّ كان عَفوُك أَعظَما (1).
(1) انظر ديوان الشافعي للأستاذ / نعيم زرزور (ص 99) ط دار الكتب العلمية بيروت.