الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليجتهد على أن يكون الشيخ ممن له على العلوم الشرعية تمام الإطلاع، وله مع من يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع، لا ممن أخذ عن بطون الأوراق ولم يعرف بصحبة المشايخ الحذاق.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: «مَنْ تَفَقَّهَ مِنْ الْكُتُبِ ضَيَّعَ الأَحْكَامَ» .
وكان بعضهم يقول: «من أعظم البلية تشيخ الصحيفة» أي الذين تعلموا من الصحف، وفي هذا المعنى قالوا:«من كان شيخه كتابه، كان خطأه أكثر من صوابه» (1).
******
النوع الثاني: التواضع والإجلال للشيخ:
ينبغي لطالب العلم أن يتواضع فإن العلم لا ينال إلا بالتواضع، وتواضع الطالب لشيخه رفعة، وذله عزَّ، وخضوعه له فخر، فعلى الطالب أن يتحرى رضا شيخه، ويبالغ في حرمته، ويتقرب إلى
(1) هذه العبارة تحكى عن المشايخ ولا شك أنها صحيحة.
الله بخدمته ويعلم أن تواضعه له رفعة.
وقد أخذ سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما مع جلالته وقرابته للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بركاب سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه لكونه شيخه، وقال:«هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا» . فقبل زيدٌ يده، وقال:«هكذا أُمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم» (1).
قال الإمام الشَّافعي -رحمه الله تعالى -: «لا يطلُبُ أَحدٌ هذا العلم بِالمُلكِ وعِزِّ النَّفسِ فيفلح ، ولكن من طلبهُ بِذُلِّ النَّفسِ وضيقِ العيشِ وخدمةِ العُلماءِ أَفلحَ» .
وقال أَيضًا: «لا يُدْرَكُ الْعِلْمُ إلَاّ بِالصَّبْرِ عَلَى الذُّلِّ» .
وقال أَيضًا: «كُنتُ أَصفحُ الورقة بين يدي مالكٍ رحمه الله صفحًا رفيقًا هيبةً لهُ. لئلا يسمع وقعها» .
(1) انظر مصباح الظلام للعلامة السيد محمد عبد اللطيف الجرداني، رحمه الله تعالى (2/ 22) ومختصر جامع بيان العلم وفضله للإمام ابن عبد البر رحمه الله. (ص 32و116).
وقال الرَّبيعُ -رحمه الله تعالى-: «وَالله ما اجترأتُ أن أشرب الماء والشَّافعيُّ ينظُرُ إلَيَّ هيبةً لهُ» (1).
وعن كعب الأحبار قال: «ثلاثة نجد في الكتاب يحق علينا أن نكرمهم، وأن نُشَرِّفهم، وأن نوسّع عليهم في المجالس، ذو السِّن، وذو السلطان لسلطانه، وحامل الكتاب» (2).
قال أبو عبد الله يحيى بن عبد الملك الموصلي: «رأيت مالك بن أنس غير مرة، وكان بأصحابه من الإعظام له، والتوقير له، وإذا رفع أحد صوته صاحوا به. وكان إلى الأدمة ما هو» (3).
* وإذا خاطب الطالبُ المحدث عَظَّمة في خطابه، بنسبته إياه إلى العلم. مثل أن يقول له:«أيها العالم، أو أيها الحافظ، ونحو ذلك» (4).
(1) انظر: المجموع للإمام النووي (1/ 65،66)
(2)
انظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، ص (77).
(3)
المصدر السابق، (ص77).
(4)
المصدر السابق، (ص77).
وقال بعض السلف: «كان الرجلُ يَجْلِسُ إلى الحسن ثلاث سنين، فلا يَسْأَلُهُ عن شيءٍ هيبة له» .
وعن عبد الرحمن بن حَرْمَلَة الأسْلَمي قال: «ما كان إنسان يجترىء على سعيد بن المسيب يسأله عن شيء حتى يستأذِنَه كما يُسْتأذن الأمير»
وكان ابن شهاب يقول: «جالستُ سعيد بن المسيب ست سنين، تَحُاكُّ رُكبتِي ركبتَه، لا أقدر منه على حديث، إلا أَني أقول: قالوا اليوم كذا، وقالوا اليوم كذا، فيتكلم» .
وقال ابن الخياط يمدح مالك بن أنس:
يَدَعُ الجوابَ فلا يُراجَع هَيْبَةً
…
والسائلون نَواكسُ الأذْقَان
نُور الوقار وعِزُّ سلطانِ التُّقَى
…
فهو المَهِيب وليس ذا سُلطان
قال إسحاق الشهيدي: «كنتُ أرى يحيى القطًّان يصلي العصر، ثم يستندُ إلى أصل مَنارَة مسجده، فيقف بين يديه، عليُّ بن المَديني،