الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟» قال قُلْنَا: الذي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ، قال:«ليس بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» (1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ (2) إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» (3).
بيان حقيقة الغضب
اعلم أن الله تعالى لما خلق الحيوان معّرضاً للفساد والموت، بأسباب في داخل بدنه وأسباب
(1) رواه مسلم - كتاب البر والصلة والآداب- باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب (4/ 2014). ط دار إحياء التراث العربي - بيروت
(2)
الشديد: أي القوي. والصرعة: هو الذي يصرع الرجال بقوته.
(3)
رواه البخاري - كتاب الأدب - باب الحذر من الغضب (7/ 129).
خارجة عنه، أنعم عليه بما يحميه من الفساد ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم سماه في كتابه.
أما السبب الداخلي: فهو أنه ركبه فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان وخلق في الحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء، ووكل قوى في داخله لجبر ما انكسر وسدِّ ما انثلم ليكون ذلك حافظاً له من الهلاك بهذا السبب.
وأما الأسباب الخارجة التي يتعرض لها الإِنسان: فكالسيف والسنان وسائر المهلكات التي يقصد بها، فافتقر إلى قوة وحمية تثور منه فتدفع المهلكات عنه، فخلق الله طبيعة الغضب، وغرزها في الإِنسان وعجنها بطينته. فمهما صدّ عن غرض من أغراضه ومقصود من مقاصده اشتعلت نار الغضب وثارت ثورانا يغلي به دم القلب وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعمال البدن، كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر، فلذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين، والبشرة لصفائها تحكي لون ما وراءها من
حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها.
وبالجملة فقوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب بطلب الانتقام وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها. والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها وفيه لذتها، ولا تسكن إلا به.
ثم إن الناس في هذه القوة على درجات ثلاث من التفريط والإِفراط والاعتدال.
أما التفريط: فبفقد هذه القوة أو ضعفها وذلك مذموم، وهو الذي يقال فيه إنه لا حمية له. ولذلك قال الشافعي رحمه الله:«من استغضب فلم يغضب فهو حمار» . فمن فقد قوة الغضب والحمية أصلاً فهو ناقص جداً.
وأما الإِفراط: فهو أن تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين وطاعته، ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر وفكرة ولا اختيار، بل يصير في صورة المضطر.