الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آذَى فَقِيهًا فَقَدْ آذى رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وَمَنْ آذَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَعَالَى عز وجل».
ونقل الإمام النووي عن الإمَامُ الْحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرٍ رحمه الله أنه قال: «اعلم يا أَخي وفَّقني الله وإِيَّاك لمرضاته، وجعلنا ممَّن يخشاهُ ويتَّقيه حَقَّ تُقاته، أَنَّ لُحُوم العُلماء مسمُومةٌ، وعادة الله في هتك أَستارِ مُنتقصهِم معلُومةٌ، وأَنَّ من أَطلقَ لسانهُ فِي العُلماء بِالثَّلبِ بلاهُ الله قبل موته بِموت القلبِ:(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(1). (النور:63)
******
النوع الرابع: الصبر على جفوة الشيخ:
ينبغي لطالب العلم أن يصبِر على جفوةٍ تصدُرُ من شيخه أو سُوءِ خُلُقٍ، ولا يصدّه ذلك عن ملازمته
(1) انظر: المجموع للإمام النووي، (1/ 47 - 48).
وحسنِ عقيدته، ويتأوّلُ أفعاله التي يظهر أن الصواب خلافها على أحسن تأويل، ويبدأ هو عند جفوة الشيخ بالاعتذار والتوبة مما وقع، وينسب الموجب إليه، ويجعل العتب عليه، فإن ذلك أبقى لمودة شيخه، وأحفظ لقلبه، وأنفع للطالب في دنياه وآخرته.
فعن الزهري قال: «كان أبو سلمة يماري ابن عباس فحُرم بذلك علماً كثيراً» . وقال أبو عمر: روينا من وجوه كثيرة عن أبي سلمة أنه قال: «لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علماً كثيراً» (1).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالي- في المجموع: «وينبغي أن يصبِر على جفوة شيخه، وسُوء خُلُقه، ولا يصُدُّهُ ذلك عن مُلازمته واعتقاد كماله، ويتأوّل لأفعاله الَّتي ظاهرُها الفسادُ تأوِيلاتٍ صحِيحةً، فما يعجزُ عن ذلك إلا قليلُ التَّوفيق.
(1) انظر: مختصر جامع بيان العلم وفضله للإمام ابن عبد البر رحمه الله (ص 116).
وإذا جفاهُ الشَّيخُ ابتدأ هو بِالاعتذارِ، وأَظهر أنَّ الذَّنب لهُ، والعتب عليهِ، فذلك أَنفعُ لهُ دينًا ودنيا، وأبقى لقلب شيخه.
وقد قالُوا: من لم يصبِر على ذُلِّ التَّعَلُّمِ بقي عُمُرَهُ فِي عماية الجهالة، ومن صبر عليه آلَ أمرُهُ إلى عِزِّ الآخرة والدُّنيا.
ومنه الأثرُ المشهُورُ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «ذُلِلْتُ طَالِبًا فَعُزِّزْتُ مَطْلُوبًا» (1).
وكان الشافعي يقول: كان يختلف إلى الأعمش رجلان، أحدهما كان الحديث من شأنه، والآخرُ لم يكن الحديث من شأنه، فغضب الأعمش يوماً على الذي من شأنه الحديث، فقال الآخر:«لو غضب عليّ كما غضب عليك لم أعُدْ إليه فقال الأعمش: إذن هو أحمق مثلك، يترك ما ينفعه لسوء خُلُقي»
وقال الشافعي: «قيل لسفيان بن عيينة: إن
(1) انظر: المجموع للإمام النووي (1/ 68) وأدب الدنيا والدين للماوردىّ (ص 75).
قومًا يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم؟ يوشك أن يذهبوا ويتركوك. قال: هم حمقى إذن مثلك أن يتركوا ما ينفعهم لسوء خُلُقي» (1).
وقال بعضهم:
أصْبِرْ لِدَائِك إنْ جَفَوْت طَبِيبَهُ
…
وَاصْبِرْ لِجَهْلِك إنْ جَفَوْت مُعَلِّمَا
وقال الإمام الشافعي (2) - رحمه الله تعالى -
اِصبِر عَلى مُرِّ الجَفا مِن مُعَلِّمٍ
…
فَإِنَّ رُسوبَ العِلمِ (3) في نَفَراتِهِ
وَمَن لَم يَذُق مُرَّ التَعَلُّمِ ساعَةً
…
تَجَرَّعَ ذُلَّ الجَهلِ طولَ حَياتِهِ
(1) انظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، (ص 104).
(2)
انظر: ديوان الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- للأستاذ نعيم زرزور، (ص 39).
(3)
رسوب العلم: حفظه وبقاؤه.