الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: الناحية العلمية:
في عصر ابن تيمية رحمه الله قل الإنتاج العلمي، وركدت الأذهان، وأقفل باب الاجتهاد وسيطرت نزعة التقليد والجمود، وأصبح قصارى جهد كثير من العلماء هو جمع وفهم الأقوال من غير بحث ولا مناقشة، فألفت الكتب المطولة والمختصرة، ولكن لا أثر فيها للابتكار والتجديد، وهكذا عصور الضعف تمتاز بكثرة الجمع وغزارة المادة مع نضوب في البحث والاستنتاج.
ويحيل بعض الباحثين ذلك الضعف إلى: سيادة الأتراك والمماليك مما سبب استعجام الأنفس والعقول والألسن، إضافة إلى اجتماع المصائب على المسلمين، فلم يكن لديهم من الاستقرار ما يمكنهم من الاشتغال بالبحث والتفكير (1) .
ولا ينكر وجود أفراد من العلماء النابهين أهل النبوغ، ولكن أولئك قلة لا تنخرم بهم القاعدة. وثمة أمر آخر في عصر ابن تيمية أثر في علمه ألا وهو: اكتمال المكتبة الإسلامية بكثير من الموسوعات الكبرى في العلوم الشرعية: من التفسير، والحديث، والفقه، وغيرها.
فالسنة مبسوطة، والمذاهب مدونة، ولم يعد من السهل تحديد الكتب التي قرأها وتأثر بها، ولا معرفة تأثير شيوخه عليه بدقة.
4 - محن الشيخ:
امتحن الشيخ مرات عدة بسبب نكاية الأقران وحسدهم، ولما كانت منزلة شيخ الإسلام في الشام عالية عند الولاة وعند الرعية وشى به ضعاف النفوس عند الولاة في مصر، ولم يجدوا غير القدح في عقيدته، فطلب إلى مصر، وتوجه إليها سنة 705هـ. بعدما عقدت له مجالس في دمشق لم يكن للمخالف فيها حجة (2) ، وبعد أن وصل إلى مصر بيوم عقدوا له محاكمة كان يظن شيخ
(1) انظر: ابن تيمية السلفي لمحمد هراس ص16 - 17.
(2)
انظر تفصيل ذلك في: البداية والنهاية لابن كثير 14/36 - 39، وحكاية المناظرة في العقيدة الواسطية في مجموع الفتاوى 3/160 - 194.
الإسلام رحمه الله أنها مناظرة، فامتنع عن الإجابة حين علم أن الخصم والحكم واحد (1) .
واستمر في السجن إلى شهر صفر سنة 707هـ، حيث طلب منه وفد من الشام بأن يخرج من السجن، فخرج وآثر البقاء في مصر على رغبتهم الذهاب معهم إلى دمشق.
وفي آخر السنة التي أخرج فيها من السجن تعالت صيحات الصوفية (2) في مصر، ومطالباتهم في إسكات صوت شيخ الإسلام رحمه الله فكان أن خُير شيخ الإسلام بين أن يذهب إلى دمشق أو إلى الإسكندرية أو أن يختار الحبس، فاختار الحبس، إلا أن طلابه ومحبيه أصروا عليه أن يقبل الذهاب إلى دمشق، ففعل نزولاً عند رغبتهم وإلحاحهم.
وما إن خرج موكب شيخ الإسلام من القاهرة متوجهاً إلى دمشق، حتى لحق به وفد من السلطان ليردوه إلى مصر ويخبروه بأن الدولة لا ترضى إلا الحبس.
وما هي إلا مدة قليلة حتى خرج من السجن وعاد إلى دروسه، واكب الناس عليه ينهلون من علمه.
(1) انظر تفصيل ذلك في: العقود الدرية لابن عبد الهادي ص196 - 198.
(2)
الصوفية: نسبة إلى لبس الصوف - على الصحيح - ويرى بعض الباحثين أن بداية التصوف هو الزهد في الدنيا، والتمسك بالأخلاق مثل: زهد إبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض وغيرهما، ثم بعد ذلك تعددت فرق الصوفية، وازدادت بعض الفرق بعداً عن الحق وغلواً حتى قال بعضهم بالحلول والاتحاد، وقالوا بترك الواجبات وعمل المحرمات تعبداً.
انظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي ص161، الصوفية الفقراء لابن تيمية، (ضمن مجموع الفتاوى 11/5 - 24) ، التصوف لطلعت غنام ص5 - 28، نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها لعرفان عبد الحميد ص115 - 124، المذاهب الصوفية ومدارسها لعبد الحكيم قاسم.