الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
دعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه، ومناقشتها
المطلب الأول
دعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه
ركز المناوئون لابن تيمية رحمه الله على إلصاق تهمة التجسيم والتشبيه به - وذلك بناء على معتقد نفاة الصفات الذين يرمون مثبتة الصفات بالتشبيه - وتنوعت وسائلهم في تقرير هذه الشبهة في نفوس الضعفة:
فمنها: رميه بأنه مجسم كما قال الحصني (ت - 829هـ) : (والحاصل أنه وأتباعه من الغلاة في التشبيه والتجسيم)(1) .
وقال ابن حجر الهيتمي (2) متحدثاً عن موقف ابن تيمية رحمه الله من الباري - جلَّ وعلا -:
(نسب إليه العظائم والكبائر، وخرق سياج عظمته، وكبرياء جلالته بما أظهر للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم)(3) .
(1) دفع شبه من شبه وتمرد ص123، وانظر: ابن تيمية حياته وعقائده لصائب عبد الحميد ص119، 129 - 130.
(2)
الهيتمي: أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الشافعي، أبو العباس، برع في علوم كثيرة، له مؤلفات كثيرة منها: الزواجر، الصواعق المحرقة وغيرها، ت سنة 973هـ.
انظر في ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد 8/370، البدر الطالع للشوكاني 1/109.
(3)
الجوهر المنظم ص29.
وأنه أول من قال بالتجسيم (1)، وأنه يقول: إن الله جسم كالأجسام (2) .
ومنها: رميه بالتشبيه والتمثيل (3) ، والحشو (4) .
ومن فروع هذه القاعدة: محبته للمشبهة، وعدم ذمهم (5) .
ومنها: أن ابن تيمية رحمه الله يثبت الاستواء، وإثبات الاستواء - عندهم - يلزم منه الجسمية، كما قال ابن جهبل (6) في رده على ابن تيمية رحمه الله:
(نقول لهم: ما هو الاستواء في كلام العرب؟ فإن قالوا: الجلوس والاستقرار) .
قلنا: هذا ما تعرفه العرب إلا في الجسم فقولوا: يستوي جسم على العرش
…
) (7) .
وقالوا بأنه يشبّه استواء الله على عرشه باستواء المخلوق على الكرسي كما ذكر ذلك التقي الحصني (ت - 829هـ) عن أبي الحسن علي الدمشقي (8) عن أبيه.
(1) انظر: كشف النقاب عن عقائد ابن عبد الوهاب للطباطبائي ص15.
(2)
انظر: فيض الوهاب للقليوبي 2/50، غوث العباد للحمامي ص102، وانظر في نسبته للتجسيم: السيف الصقيل للكوثري ص40، 80، شواهد الحق للنبهاني 250، التوسل بالنبي لابن مرزوق 12.
(3)
انظر: السيف الصقيل للكوثري ص50، فيض الوهاب للقليوبي 2/54.
(4)
انظر: السيف الصقيل ص5 - 6.
(5)
انظر: التبصير في الدين للإسفراييني تحقيق الكوثري (حاشية ص94، 96، 97) ؛ دفع شبه التشبيه لابن الجوزي تحقيق السقاف (حاشية 128) ، البشارة والإتحاف للسقاف ص43.
(6)
ابن جهبل: أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن طاهر بن جهبل الحلبي الشافعي، من أعيان الفقهاء، واشتغل بالعلم ولازم الصدر بن الوكيل، باشر مشيخة دار الحديث الظاهرية بدمشق، ت سنة 733هـ.
انظر في ترجمته: البداية والنهاية لابن كثير 14/163، شذرات الذهب لابن العماد 6/104.
(7)
الحقائق الجلية ص57.
(8)
أبو الحسن الدمشقي: ذكر ابن حجر في الدرر الكامنة 3/158 علي بن أسمح اليعقوبي الدمشقي، أبا الحسن، وذكر أنه كان ممن يحط على ابن تيمية، ت سنة 710هـ، فلعله هو.
قال: (كنا جلوساً في صحن الجامع الأموي في مجلس ابن تيمية فذكّر ووعظ، وتعرض لآيات الاستواء، ثم قال: (واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا) قال: فوثب الناس عليه وثبة واحدة، وأنزلوه عن الكرسي، وبادروا إليه ضرباً باللكم والنعال وغير ذلك
…
) (1) .
ومنها: أن ابن تيمية رحمه الله أثبت النزول للباري عز وجل كل ليلة، كما هو ظاهر حديث النزول، فأنكروا عليه إثبات النزول (2) .
وقالوا بأن ابن تيمية رحمه الله يثبت نزولاً للخالق يشبه نزول المخلوقين، كما ذكر ذلك ابن بطوطة (ت - 779هـ) في رحلته المشهورة فقال:
(حضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: (إن الله ينزل كنزولي هذا) ونزل درجة من درج المنبر) (3) .
وقد اشتهرت هذه المقولة عن ابن بطوطة (ت - 779هـ) ، وهي تنسب - أيضاً - إلى أبي علي السكوني (4) وأنه نسبها إلى ابن تيمية عز وجل قبل ابن بطوطة (ت - 779هـ) .
ومرد ذلك إلى الاختلاف الكبير الحاصل في تحديد سنة وفاة أبي علي السكوني، فالقول الذي رجحه بعض الباحثين هو أن وفاة السكوني كانت سنة (717هـ)(5) ، وبهذا تكون القصة قد اشتهرت ونسبت إلى ابن تيمية رحمه الله
(1) دفع شبه من شبه وتمرد للحصني ص41، وانظر: المقالات السنية للحبشي ص27.
(2)
فيض الوهاب للقليوبي 2/48 - 49.
(3)
تحفة النظار (رحلة ابن بطوطة) ص113، وقد ذكر أثناء حديثه عن ابن تيمية رحمه الله أموراً يعلم الناقد بطلانها.
(4)
أبو علي السكوني: عمر بن محمد بن حمد بن خليل السكوني، أبو علي، مقريء ومن فقهاء المالكية، إشبيلي نزل بتونس، ت سنة 717هـ، وقيل غير ذلك.
انظر في ترجمته: الأعلام للزركلي 5/224.
(5)
انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة للمحمود 2/693.
قبل مجيء ابن بطوطة إلى دمشق، فقد كان مجيئه إليها سنة (726هـ) في شهر رمضان (1) .
وقيل: إن السكوني قد توفي سنة (747هـ) وقيل: سنة (816هـ) ، لكنها أقوال مرجوحة، والله أعلم.
(1) تحفة النظار (رحلة ابن بطوطة) ص104، 129: وقد ناقش ابن بطوطة في افترائه على ابن تيمية جمع من الناس منهم محقق رحلته، محمد بهجة البيطار في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ص43 - 49، ومحمد الخميّس في مقدمة تحقيقه شرح حديث النزول لابن تيمية ص34.