الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
دعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها
يستلزم القول بقدم العالم ومناقشتها
المطلب الأول
دعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم
ادعى المناوئون لابن تيمية رحمه الله أنه يقول بقدم العالم بناء على قوله رحمه الله بإمكان حوادث لا أول لها، ظناً منهم أنه ليس في المسألة إلا قولان: قول المتكلمين الذين يرون امتناع حوادث لا أول لها رداً على القائلين بقدم العالم، وقول الفلاسفة الذين يرون قدم العالم، فقال أبو بكر الحصني (ت - 829هـ) في رده على ابن تيمية رحمه الله (مبحث الرد عليه في القول بقدم العالم)(1) .
وقال آخر عن ابن تيمية رحمه الله: (أنه أثبت قدم الزمان)(2) .
ويدّعون أن ابن تيمية رحمه الله هو أوّل من قال بإمكان حوادث لا أول لها، كما يقول علي السبكي (ت - 756هـ) :(هذا هو الذي ابتدعه ابن تيمية والتزم به حوادث لا أول لها)(3) . وحين يجدون ابن تيمية رحمه الله يستدل بأقوال السلف، يبدأون بالإجابة عن هذه النصوص واحداً تلو الآخر، ولا يجدون لها مخرجاً،
(1) دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد ص60.
(2)
انظر: المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية للحبشي ص68.
(3)
السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل ص63.
إلا أن يقولوا عن الإمام الدارمي (ت - 280هـ) رحمه الله إنه كان فيما سبق لا يخوض في صفات الله - سبحانه - ويصفون هذه بطريقة السلف، ثم انخدع بالكرامية، وأصبح مجسماً مختل العقل عند تأليفه النقض (1) .
ويزعم المناوئون أن ابن تيمية رحمه الله قد استفاد هذا القول من الفلاسفة، وبالأخص من متأخريهم، قال أحدهم:(اتفقت فرق المسلمين - سوى الكرامية وصنوف المجسمة - على أن الله - سبحانه - منزه من أن تقوم به الحوادث، وأن تحل به الحوادث، وأن يحل في شيء من الحوادث، بل ذلك مما علم من الدين بالضرورة، ودعوى أن الله لم يزل فاعلاً متابعة منه للفلاسفة القائلين بسلب الاختيار عن الله - سبحانه -)(2) .
وقال آخر: (ابن تيمية قد أخذ هذه المسألة - أعني قوله بقدم نوع العالم - عن متأخري الفلاسفة؛ لأنه اشتغل بالفلسفة)(3) .
وانتقدوا عليه رحمه الله قوله بقدم النوع، وحدوث الأفراد فقالوا: إنه يقول بـ (القدم النوعي في الكلام، مع أنه لا وجود للكلي إلا في ضمن الأفراد، فلا معنى لوصف النوع بالقدم، بعد الاعتراف بحدوث كل فرد من أفراده)(4) .
وقال: (عدم فناء النوع في الأزل بمعنى قدمه، وأين قدم النوع من حدوث أفراده؟ وهذا لا يصدر إلا ممن به مس بخلاف المستقبل)(5) .
ويقولون: إنه يرى أن جنس الحوادث أزلي كما أن الله أزلي، أي لم يسبق الله - تعالى - بالوجود (6) .
(1) انظر: حاشية السيف الصقيل للكوثري ص71 - 72.
(2)
السيف الصقيل للسبكي حاشية الكوثري ص16.
(3)
المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية للحبشي ص72، وانظر: ص68.
(4)
السيف الصقيل للسبكي حاشية الكوثري ص63.
(5)
السيف الصقيل للسبكي حاشية الكوثري ص74، وانظر: المقالات للكوثري ص396، 415، المقالات السنية للحبشي ص65، 66، 74، التنبيه والرد للسقاف ص6 - 23.
(6)
انظر: المقالات السنية للحبشي ص65.
ولذلك قالوا عنه بأنه يقول بالقدم الجنسي للعرش، أي أن الله لا يزال يعدم عرشاً ويحدث آخر من الأزل إلى الأبد حتى يكون له الاستواء أزلاً وأبداً (1) .
قال علي السبكي (ت - 756هـ) في ابن تيمية رحمه الله:
يرى حوادث لا مبدا لأولها
…
في الله - سبحانه - عما يظن به (2)
وقد قال ابن حجر العسقلاني (ت - 852هـ) عن مسألة إمكان حوادث لا أول لها: (وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية)(3) .
وتتلخص الدعاوى في الآتي:
1 -
استشناع القول بإمكان حوادث لا أول لها، وأنه أول من قال بهذا القول.
2 -
رد القول بالقدم النوعي، وحدوث الأفراد، وهذه تابعة للتي قبلها.
3 -
قولهم بأنه يرى قدم جنس العرش، وهذه تابعة للتي قبلها.
4 -
قولهم بأنه موافق للفلاسفة في هذا القول (4) .
(1) انظر: المقالات السنية للحبشي ص67، 68، وانظر: حاشية الكوثري على السيف الصقيل ص75، ابن تيمية ليس سلفياً لمنصور عويس ص242.
(2)
انظر: المقالات السنية للحبشي ص61، وانظرها في تحقيق صلاح الدين مقبول أحمد للحمية الإسلامية ص32، 107.
(3)
فتح الباري 13/410.
(4)
ومن العجب أن يفهم الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله من ابن تيمية أنه يقول بأن العرش أول مخلوق، فقال في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/207 ضمن فوائد حديث:(إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم)، قال:(وفيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق، ولا نص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يقول به من قال كابن تيمية وغيره استنباطاً واجتهاداً) .
وذكر - أيضاً - في ص208: أن من فوائد الحديث: الرد على من يقول بحوادث لا أول لها، وأنه ما من مخلوق إلا ومسبوق بمخلوق قبله، وأن ابن تيمية أطال في رده على الفلاسفة بإثبات حوادث لا أول لها، وأنه جاء بما تحار فيه العقول، ولا تقبله أكثر القلوب، وذكر أن ذلك القول منه غير مقبول، بل هو مرفوض، وود الألباني أن لم يلج ابن تيمية هذا المولج، وهذا عجيب من الألباني رحمه الله.