الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
دعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين،
وإهانته لهم، ومناقشتها
المطلب الأول
دعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين، وإهانته لهم
يعتقد المناوئون لابن تيمية رحمه الله أنه يبغض الأنبياء والصالحين، وأن في قلبه ضغينة وحقداً عليهم، وإذا سئلوا عن سبب هذه النظرة منهم إليه، وعن مبرراتها؟.
أجابوا: بأن الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته جائز، وأنه لا يلزم من الاستشفاع به عليه الصلاة والسلام بعد موته أن يكون المستشفع قد عبده من دون الله، أو اتخذه إلهاً ورباً، وشريكاً لله عز وجل في الإلهية، وأن من جعل بين هذين الأمرين تلازماً فقد أُتي من جهله، وسوء فهمه، وعدم تعقله (1) .
ويرون أن الاستشفاع بالأموات قد أقرت به القرون الأولى إلى أن جاء ابن تيمية رحمه الله ثم حرمه بعد ذلك من عند نفسه (2) .
وأجابوا - أيضاً - بأن التبرك بآثار الصالحين جائز، قد أقر به الصحابة في
(1) انظر: دفع شبه من شبه وتمرد للحصني ص121.
(2)
انظر: البراهين الجلية للموسوي ص35، الوهابية في الميزان للسبحاني ص293.
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم، إلا أن ابن تيمية رحمه الله يحرم هذا النوع من التبرك (1) .
ومن تبريرهم لبغض شيخ الإسلام رحمه الله للأنبياء والصالحين: أنه ينكر الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال السبكي (ت - 756هـ) : (اعلم أنه يجوز، ويحسن التوسل، والاستغاثة، والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى
…
، ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتى جاء ابن تيمية فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء) (2) .
وقال ابن حجر الهيتمي (ت - 973هـ) : (من خرافات ابن تيمية التي لم يقلها عالم قبله، وصار بها بين أهل الإسلام مُثلة: أنه أنكر الاستغاثة والتوسل به صلى الله عليه وسلم (3) .
ويرون أن الاستغاثة بمخلوق لا تكون عبادة له إذا صاحبها إيمان بالله وحده.
فإذا كان المستغيث بمخلوق مؤمناً بالله، فلا يكون عابداً لهذا المخلوق، إنما عبوديته لله وحده (4) .
ويرون أن المنع من الاستغاثة بالكلية مصادم للأحاديث الصحيحة، ولفعل السلف والخلف (5)، وقد قال تعالى:{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء: 115] .
(1) انظر: مفاهيم يجب أن تصحح للمالكي 153، حقيقة التوسل والوسيلة لموسى علي ص274.
(2)
شفاء السقام ص153.
(3)
الجوهر المنظم ص148، وانظر: شواهد الحق للنبهاني ص55.
(4)
انظر: شواهد الحق للنبهاني ص142، حقيقة التوسل والوسيلة لموسى علي 106.
(5)
انظر: حقيقة التوسل والوسيلة لموسى علي ص110.
ويستشهدون لجواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم بقصص، وأخبار وأشعار (1) ، أشهرها قصيدة البوصيري (2) ،
وفيها قوله:
يا أكرم الرسل مالي من ألوذ به
…
سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
…
إذا الكريم تحلّى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها
…
ومن علومك علم اللوح والقلم (3)
ومنها قوله - أيضاً - في همزيته:
الأمان الأمان إن فؤادي
…
من ذنوب أتيتهن هواء
قد تمسكت من ودادك بالحبـ
…
* ل الذي استمسك به الشفعاء
فأغثنا يا من هو الغوث والغيـ
…
ث إذا أجهد الورى اللأواء (4)
(1) انظر: نماذج من هذه في دفع شبه من شبه وتمرد للحصني ص117 إلى نهاية الكتاب، وشواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق ص300 - 410 فقد ذكر قصصاً وأشعاراً كثيرة، القصيدة البغدادية في مدح خير البرية للشافعي، مجموعة القصائد والموالد والأشعار في المدائح النبوية (مجموع) ، شرح الهمزية في مدح خير البرية لمحمد شلبي، القصائد الوترية في مدح خير البرية للبغدادي (ورتبها على حروف المعجم) ، طراز البردة لمحمد كامل عبد العظيم، المدائح النبوية بين المعتدلين والغلاة لابن حسين.
(2)
البوصيري: محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله البوصيري المصري أبو عبد الله، شاعر، حسن الديباجة، أبياته قوية المباني، لكنه مخرف في الاعتقاد، ت سنة 696 هـ.
انظر في ترجمته: فوات الوفيات للكتبي 3/362، شذرات الذهب لابن العماد 5/432.
(3)
انظر: ديوان البوصيري ص248، وفي طبعة مستقلة للبردة طبعتها الدار العالمية، قال: يا أكرم الخلق بدلاً من: يا أكرم الرسل، وقال: إذا الكريم تجلى، بدلاً من: إذا الكريم تحلّى. ص29 - 30.
(4)
انظر: ديوان البوصيري ص72 - 73.